
مناورة الانسحاب الروسي .. استعراض لاجبارالأسد على "الرحيل"
أدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعراضه المعتاد باخراج قرارات معاكسة للتيار و بشكل مفاجئ ، مع اعلانه عن سحب قواته الرئيسية من سوريا ، والمحافظة على قواعده و تكويناتها وفقاً للحالة التي كانت عليها قبل بدء العدوان في ٣٠ أيلول العام الماضي ، معتبراً أن المهمة تم تنفيذها وحان الوقت للدخول في الجانب السياسي الذي لم يكن ليحدث لولا تدخله .
الحقيقة القراءة في القرار الروسي ، الذي كان صادماً ، لاتخرج عن تنفيذ البند المتعلق في روسيا و المتمثل بارغام الأسد على أن دوره قد انتهى ، وأن القافلة ستسير وفق قرار مجلس الأمن دونه ، وما ممكن أن يجبر على سلوك هذا الخيار إلا من خلال نزع المخالب الصناعية التي مكنته من استعادة جزء من سلطته الميدانية و ايقاف التمدد الذي حققه الثوار الأرض ، فمساوات الكفتين كانت الخطة الأمريكية – الروسية التي انتهجت و سارت بهدوء على أنهار الدم السوري.
و مناورة سحب القوات الروسية ، التي بدأت بشكل تدريجي قبل ثلاثة أيام ، ستكون لها نتائج حتمية على جميع الأطراف و المستويات و ملفات عدة ، أبرزها انهاء أي فكر تركي للتمدد في سوريا بوضع الحاجز الكردي الذي من الممكن تكبير دوره و تصغيره تبعاً لمطلبات الأمور ، وقف التوغل الايراني بمنع المساندة الجوية ، التي كانت مفصلية بتحقيق أهداف آنية ، و بالتالي باتت قواتها التي نشرت مكشوفة و معرضة للابادة نظراً للكم الهائل من الحقد الذي يحيط بها بعد الفظائع التي ارتكبتها ، و كذلك تقديم مكافئة للدول الخليجية على حسن السلوك خلال الجنون الروسي ، ببتر يد ايران ، ومنعها من تحقيق مزيداً من التقدم و اكمال الطوق حول تلك الدول بعد سيطرة ايران على العراق و لبنان و كانت بحاجة لكل من سوريا و اليمن ليكون دول الخليج داخل دائرة النار الايرانية .
تسوية على هذا المستوى لايمكن أن تستثنى ملفات أخرى أرّقت روسيا و جعلتها معاقبة من الدول الأوربية ، ألا وهي "أوكرانيا" ، فهذا الملف يبدو أنه قد تم تضمينه في الصفقة و حظي بقبول الدول الأوربية بعد أن التقاها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري .
في مايتعلق بسوريا فقد تأكد لكل من روسيا و أمريكا إن حرب كبرى ستندلع لأجل شخص لايستحق ، و بالتالي كانت الموافقة الروسية على استبدال شخص "بشار الأسد" ، ضمن عملية سياسية شكلية و لكن بشرط المحافظة على شكل النظام و هيكليته ، ونزع الرأس منه باحضار بديل قد يكون امراءة كما حلم المبعوث الأممي إلى سوريا استيفان دي مستورا اليوم .
ربح الجميع و حصدوا ما زرعوه ، ويبدو أننا خرجنا خاسرين إذ المقدمات لاتشي بذلك المستقبل المرسوم في العقول و المخبئ داخل القلوب ، فالقرار قرار خارجي و ما علينا سوى الانتظار ومتابعة انتهاء مصالح الجميع ، لأخذ البقايا علّها تكفي للملمة جراحنا .