مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٤ نوفمبر ٢٠٢٢
أهمية تمديد قرار إدخال المساعدات إلى سوريا عبر الحدود

عدم الاستقرار هو العنوان الرئيسي الذي تعاني منه منطقة شمال سورية وتحديداً شمال غرب سورية على كافة الأصعدة الأمنية والاقتصادية والصحية، ولعل الوضع الاقتصادي الهش ومستوى المعيشة المتدني للقاطنين في المنطقة أبرز ما يشغل المدنيين؛ خصوصاً مع غياب معظم مقومات الحياة وغلاء الأسعار وصعوبة المعيشة بشكل عام، بالإضافة إلى تردي الوضع الأمني الذي بات يشكل ظاهرة اعتاد عليها السوريون. 

هذه الظروف المستمرة منذ أكثر من 10 سنوات يتوقع أن تصبح أكثر سوءاً في حال انقطاع شريان الحياة الوحيد في المنطقة إذا لم يتم تمديد آلية العمل بالقرار الأخير 2642 الصادر عن مجلس الأمن في تموز 2022، والذي ينص على تفويض أممي لإدخال المساعدات الإنسانية إلى مناطق شمال سورية عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا لمدة 6 أشهر ستنتهي رسمياً في شهر كانون الثاني القادم 2023.

تراود السوريين مخاوف حقيقية من موقف روسيا -الداعم الرئيس لنظام الأسد- حول عرقلة تجديد التفويض عبر استخدام حق النقض (الفيتو) للمرة الثامنة عشر منذ بدء الثورة السورية، وهو ما سبق وفعلته وأدى إلى إغلاق معابر أخرى استخدمتها الأمم المتحدة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى مناطق خارج سيطرة النظام. 

وقد أصبح من الواضح تماماً أن الأمور باتت أكثر تسييساً هذا العام من السنوات السابقة، وأن الحديث في الوقت الحالي عن آليات بديلة لإدخال المساعدات في ظل استمرار الابتزاز الروسي في مجلس الأمن هو نتيجة لصراعات دولية في العديد من الملفات وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية التي باتت بطاقة مساومة تطرحها جميع الدول على طاولة المفاوضات لتمرير قرارات أخرى، ولعل هذا ما سيرخي بظلاله على تداعيات تمديد القرار. والجدير بالذكر أنه في حال نجحت روسيا بمساعيها في حصر تقديم المساعدات الإنسانية عبر حكومة نظام الأسد فقط سيحرم أكثر من 2,4 مليون سوري من مساعدات الأمم المتحدة الشهرية. 

يمثل معبر باب الهوى نقطة الوصول الوحيدة إلى المنطقة بالنسبة إلى الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية، وهو شريان الحياة بالنسبة للعديد من السوريين القاطنين في المنطقة البالغ عددهم أكثر من 4 ملايين سوري بين أبناء المنطقة وآلاف المهجرين والنازحين من مختلف المناطق السورية، وهم مستفيدون من المساعدات الإنسانية بشكل أساسي في تعزيز استمرار الحياة بالمنطقة في ظل الظروف الراهنة التي تمنع تحسن الوضع الاقتصادي، إذ تساهم المساعدات في إنعاش المنطقة من جديد، في حين أن قطعها سيعقد الظروف بشكل أكبر متسبباً بمجاعة وربما فاجعة هدفها إذلال السوريين المعارضين للنظام.  

سيؤدي الفشل في تمديد تفويض الأمم المتحدة بإيصال المساعدات عبر الحدود إلى تقليل عمليات الإغاثة الإنسانية بشكل كبير، مما سيقود شمال غربي سورية إلى كارثة إنسانية حقيقية، بينما يقتضي الواجب الأخلاقي والإنساني الاستجابة لمعاناة قاطني المنطقة والذين يحتاجون إلى المساعدة والحماية، فالمنطقة تضم فئات سكانية من الفئات المصنفة بين الأكثر هشاشة في العالم، لذلك من الضروري للغاية الحفاظ على استمرار شريان الحياة فيها، كما أن غياب دور للأمم المتحدة سيجعل عملية الاستجابة الشاملة أقل شفافية ومساءلة، ونظراً لصعوبة ضمان ما سيكون الوضع عليه في المستقبل؛ يجب التأكيد على إدخال المساعدات الإنسانية عبر الأمم المتحدة ومؤسساتها حصراً دون العودة إلى مجلس الأمن الدولي كل ستة أشهر للتخلص من الابتزاز الروسي في هذا الملف. 

اقرأ المزيد
١٣ أكتوبر ٢٠٢٢
قراءة في تطورات المشهد شمالي حلب .. بداية مشروع أم تنبيه أخير

على مدار أيام عدة، أتابع التطورات الجارية في ريف حلب الشمالي "عفرين والباب" بشكل دقيق، في محاولة لقراءة المشهد، ابتداءاً باغتيال الناشط "محمد أبو غنوم"، وما تلاها من كشف الخلية المتورطة واعتقالها، ولاحقاً "بدء الصراع المسلح" بين الفصائل، وظهور اصطفافات متضاربة متناقضة متخاصمة إلى جانب بعضها البعض في بدء مرحلة "صراع داخلي مسلح" يبدو أنه كان محضراً له بشكل مسبق لدى كل الأطراف دون استثناء.

ماوصلت إليه مكونات "الجيش الوطني" اليوم بريف حلب، هو نتيجة حتمية للصراع الطويل بين مكونات عسكرية متفرقة في (كلمتها وأهدافها ومشاريعها)، رغم كل المحاولات لتوحيد جهودها في أن تكون كيان عسكري ممثل للحراك الثوري كـ "الجيش الحر"، وماخلفته تلك الصراعات من انتهاكات وجرائم ليس آخرها اغتيال "أبو غنوم".

هذا الصراع والتفكك، أعطى "الهيئة" دوراً فاعلاً ليست في المنطقة فحسب، وإنما لدى الأطراف الخارجية، التي يبدو أنها باتت أمام مرحلة بالتخلي عن بعض المكونات لصالح تمدد الهيئة بريف حلب الشمالي والشرقي، بعد أن نجحت الهيئة في تقديم مشروع متوازن مرن لها في إدلب، وإبداء استعدادها لتعويمه ونقله لشمال حلب.

الصمت التركي "الحليف الأبرز والمسؤول عن المنطقة"، جاء بعد سلسلة هزات وتنبيهات لعدد من المكونات العسكرية التابعة للجيش الوطني، لتدخل في مشروع اندماج حقيقي وتتخلى عن أسمائها ومشاريعها، ويبدو أن الصد والرفض، وعدم الاتعاظ من دخول الهيئة السابق إبان محاصرة "أبو عمشة" لم يأت بنتيجة، ولم يحقق الهدف في تنبيه حقيقي لتلك المكونات.

في خضم التحالفات التي بنتها "الهيئة" مع مكونات من "الجيش الوطني" كانت على خصومة كبيرة معها سابقاً، يبدو أن المشهد يسير لتمكين الهيئة مع تلك المكونات وكل من يقبل التنازل، في بعض مناطق ريف حلب والبداية في عفرين، ولربما يكون المشهد أوسع في حال لم ترضخ المكونات الأخرى، وتواصل الهيئة تمددها لكامل ريف حلب وصولاً لجرابلس.

ولعل الحديث اليوم عن مشروع مدني للهيئة بالتشارك مع فصائل "الجيش الوطني" وهو ليس بحديث جديد، بل مشروع قديم لدمج الحكومتين "الإنقاذ والمؤقتة" وتوحيد الإدارات العسكرية والمنية أسوة بإدلب، لكن رفض المشروع سابقاً حال دون تنفيذه سلمياً، ويبدو أن التنفيذ سيكون بالقوة هذه المرة.

ويرسم المشهد اليوم، مع بدء دخول "هيئة تحرير الشام" وحلفائها الجدد، لمدينة عفرين، حقبة جديدة من المشهد العسكري في ريف حلب الشمالي والشرقي بالتوازي مع إدلب، سيكون له لاحقاً في حال تم تنفيذ المشروع كاملاً دور في ضبط المنطقة أمنياً وعسكرياً واقتصادياً وفق رؤية معدة مسبقاً، وربما تكون الفصائل المتخاصمة اليوم جميعاً بما فيها الشامية وجيش الإسلام ضمن هذا المشروع المفروض وفق ضوابط لها، وفي حال الرفض والتوسع باعتقادي أن دورها انتهى بريف حلب الشمالي وربما يتم نقل قواتها لمناطق "نبع السلام" في مرحلة لاحقة.

اقرأ المزيد
١٢ أكتوبر ٢٠٢٢
"الجـولا.ني" في خندق "أبو عمشة"... فمتى يبغي على "الأسد" ....!!

في الخامس من يناير عام ٢٠١٩، نشرت شبكة "شام" الإخبارية، مقالاً تحت عنوان "متى يبغي الجولاني على "الأسد"، طرحت فيه مايراود مئات الآلاف من المدنيين من سؤال واحد كان ولايزال بدون إجابة، آلا وهو "متى يبغي الجولاني على الأسد" ويعلنها حرباً تسير لها الجيوش التي يسيرها منذ 2014 ضد فصائل الثورة، التي أنهى منها أكثر مما استطاع الأسد خلال ثماني سنوات مضت من عمر الثورة، مقدماً للنظام وحلفائه خدمات مجانية بقتل أبناء الثورة وزيادة التشرذم والتفكك بمكونات الثورة وحاضنتها.

أكثر من خمسة على سقوط مدينة حلب وتوقف جبهات القتال إلا من بعض العمليات المسكنة، وهيئة تحرير الشام تزيد من سيطرتها وتملكها على المحرر الذي بات محصوراً في بقعة جغرافية صغيرة في ريف إدلب، سلمت ربع تلك المساحة خلال أيام وتخلت الهيئة عن مناطق واسعة شرقي سكة الحديد، لتعاود في كل مرحلة انهزام تجييش عناصرها ضد فصيل عسكري جديد، وبدعوى وحجج جديدة.

"نصرة الدين وإخراج المعتقلين في السجون، وتحرير القدس، وفتح دمشق" باتت شعارات من الماضي، أكل عليها الزمن وشرب، وبات تحرير المحرر وتملك مقدراته هو السمة البارزة لدى "الجولاني وعناصره وشرعييه"، ليسفك المزيد من الدماء المعصومة بفتاوى القتل بالرأس، وادعاءات مصلحة الثورة وكأنه الحامي لحدودها.

وفي كل مرة يسوق الجولاني حجة جديدة للتغلب والبغي على الفصائل، ويدعي أن هذا لمصلحة الساحة، وأن الفساد قد استشرى في منطقة الخصم، ليتوى هو محاربته وسفك الدماء وتسيير الجيوش والدبابات، التي صوبت فوهاتها باتجاه المحرر، وتركت النظام آمناً مطمئناً، إلا من بضع عمليات مسكنة يطبل لها ويدعي فيها الانتصار ومقارعة النظام والتنكيل به.

اللافت في بغي "2022"، أن "الجولاني" وضع يده في يد أعداء الأمس، وهم "أحرار الشام"، ممن تغلب عليهم وأنهى فصيلاً من أقدم الفصائل المقاتلة في سوريا، بعد أن عجز الأسد وحلفائه على تفكيكه، لكن المستغرب حالياً أن "الجولاني" في خندق واحد مع "أبو عمشة وفصيل الحمزات"، وهو الذي لايمكن لأتباع الجولاني تبريره وإيجاد مسوغ لهذا الاتفاق.

"متى يعلن الجولاني أن الأسد فاسد، وأن هناك فساد أعظم وحرمات تنتهك في سجونه، ويسير الجيوش لنصرة المستضعفين، ويحرر المناطق الخاضعة لسيطرة النظام لا الفصائل، ومتى نرى أبو اليقظان والفرغلي وغيرهم من مشرعي سفك الدم يفتون بحرمة التعامل مع الأسد وتبادل المعابر والبضائع، ومتى يفتون بوجوب إنهاء الأسد وتخليص سوريا من رجسهم وظلمهم وفسادهم الأعظم، ألم يحن الوقت بعد ....!!

 

 

اقرأ المزيد
٢٠ سبتمبر ٢٠٢٢
إعادة تشجير سورية ضرورة وطنية ومسؤولية يتحملها الجميع 

خلال السنوات الماضية قدم الشعب السوري الكثير من التضحيات ولا يزال نضاله مستمراً حتى اليوم في سبيل تحقيق النصر لثورته المباركة حلم كل الطامحين بالتغيير وبناء سورية المستقبل، وذلك على الرغم مما عايشه السوريون لتحقيق هذا الحلم من آلام ومعاناة أدت إلى أكبر موجة لجوء ونزوح عرفها التاريخ الحديث بعد الحرب العالمية الثانية حسب تقارير لمنظمات دولية، ولم يقف الأمر عند حد اللجوء والنزوح والقتل والتدمير بل تعداه إلى خسارة الأرض والشجر في بعض الأحيان والتي لا تقل أهمية عن خسارة الأرواح، فخلال السنوات العشر الأخيرة فقدنا الكثير من الثروات والمصادر الطبيعية التي كانت تعتبر شريان الحياة للمدنيين، وقد كانت خسارة رئة سورية عبر قطع الأشجار وحرق الغابات في عدد غير متنهٍ من المناطق والمدن السورية إحدى الخسارات الأكثر إيلاماً.

في البداية، قام نظام الأسد بافتعال العديد من الحرائق الضخمة في الغابات الطبيعية بهدف الكشف عن مناطق تمركز قوات الجيش الحر لاستهداف مواقعه، كما قام بعض المدنيين بقطع الأشجار لتلبية احتياجاتهم الشخصية كتأمين الحطب أو توسعة الأراضي الزراعية أو بناء المخيمات لتأمين المأوى، وذلك وسط غياب القوانين والأنظمة الرادعة وغياب الوعي المجتمعي بمجال الأحراج وأهميتها، تحديداً في مناطق الشمال السوري وإدلب، ولم يكن الأمر أفضل بكثير في محافظة حلب حيث قُطّعت الأشجار كما افتَعل نظام الأسد حرائق  التهمت الكثير من الأراضي، مما أدى بطبيعة الحال إلى زيادة حجم الكارثة.

تبلغ مساحة الغابات الطبيعية في سورية 445 ألف هكتار؛ يقع 42000 ألف هكتار منها في إدلب وريفها و 22500 ألف هكتار في حلب وريفها فقط، وبالمقارنة بين الماضي والحاضر نلاحظ حجم الكارثة حيث تعاني سورية اليوم من نقص شديد في التوازن البيئي، خاصة في شمال سورية والمناطق المحررة، إذ إن الغابات من القضايا المنسية والأقل أهمية ضمن قوائم أولويات منظمات المجتمع المدني والجهات الرسمية كالمجالس المحلية والحكومة السورية المؤقتة وغيرهما، في وقت يجب العمل فيه ضمن خطة واضحة لإعادة تشجير المناطق التي تم حرقها أو قطع الأشجار فيها، إضافة إلى العمل على زيادة الوعي المجتمعي بأهمية الغابات والتشجير، فالغابة هي رئة المنطقة التي تساعد على استقرار السكان وبقائهم في أماكن معيشتهم وتسهم في تحقيق دخل إضافي للمدنيين في حال تم تنظيم العمل فيها بصورة حضارية، ومن البديهي أن تكون الملاذ الآمن للطيور والحيوانات البرية، كما تضمن لمربيّ المواشي مراعيَ طبيعية على مدار العام، ونظراً لاحتياج المدنيين إلى سورية الخضراء من جديد؛ لا بد من منع قطع ما تبقى من أشجار بشكل صارم عبر قوانين ملزمة، والدعوة للقيام بحملات تشجير تعم جميع المناطق المتضررة لإعادة الروح إليها من جديد.

وعليه؛ فإن عملية إعادة التوازن البيئي من جديد للمنطقة بأسرها يجب أن تتم بأسرع ما يمكن ضمن خطوات مدروسة ومتفق عليها من قبل المعنيين، وأن تكون إعادة ترميم ما تم إتلافه على رأس أولوياتهم، والتي نراها ضمن الخطوات التالية:

● توعية السوريين بأهمية وضرورة الحفاظ على الأحراج والغابات من التدهور والزوال، لأن ذلك سيشكل خطراً بيئياً كبيراً على المنطقة بأسرها.

● إصدار قوانين ملزمة من قبل الجهات المعنية في الشمال السوري بمنع قطع وحرق الأشجار، والعمل على تطبيقها بشكل يؤمّن بقاء وسلامة تلك الغابات.

● المحافظة على الأنواع النباتية الطبيعية المتبقية في تلك المناطق، والعمل على إعادة زراعة الأنواع النباتية المختلفة التي تتناسب مع بيئة المنطقة.

● دعوة المنظمات والجمعيات المدنية إلى إقامة مشاتل خاصة بإنتاج أنواع الغراس الحراجية.

● تأهيل كوادر مدنية تابعة لوزارة الزراعة معنية بعمل الحراج وإنتاج المواد الحراجية ومكافحة حرائق الغابات وقطع الأشجار تعمل على مدار العام. 

● العمل على إنشاء مدارس زراعية وإقامة ندوات ضمن المجتمعات المحلية التي تهدف إلى كيفية المحافظة على الغابات وضمان بقائها.

● العمل على وضع لوحات طرقية وتوزيع بروشورات في الأماكن العامة من شأنها رفع الوعي بأهمية الغابات والحفاظ على الأشجار.

● العمل على تنظيم حملات إنسانية تستهدف العائلات المحتاجة مع بداية فصل الشتاء لمدهم بمواد تدفئة كالفحم وقشور الفستق الحلبي المنتشر الآن في الشمال، وذلك للحد من قطع الأشجار لاستخدامها في التدفئة.

لا شك أن تغيير شكل الأراضي الذي حصل في عدد من المناطق مؤخراً نتيجة القطع الجائر للأشجار بدا صادماً للجميع بمن فيهم سكان هذه المناطق أنفسهم، فرؤية المناطق الخضراء تتجه نحو التصحر بخطى ثابتة يعتبر مشهداً مؤلماً وحزيناً للغاية يجب العمل على إيقافه بشتى الطرق والإمكانيات المتاحة، حيث إن تدهور هذا النظام البيئي الجميل سيكون له انعكاسات خطيرة على البيئة والمناخ، وهذه المسؤولية يجب أن تؤخذ على محمل الجد من قبل المنظمات الإنسانية العاملة والجهات المعنية للمساهمة من جديد بعمليات التشجير والقيام بحملات منسقة ومدروسة لحل هذه الكارثة، مع عدم إغفال المسؤولية الأساسية للمدنيين في المحافظة على الطبيعة أينما وجدوا وفي أي بقعة من بقاع العالم.

اقرأ المزيد
١١ سبتمبر ٢٠٢٢
جمال ريان وأمثاله.. عندما تكون "دمائنا" حرية شخصية

عندما انتفض الشعب السوري في وجه عائلة الأسد ونظام الإجرام، انقسمت فئات الشعب بين من أيد الحراك وثار متحدياً الصعاب، وبين من ناصر الجلاد والقاتل، وفئة كبيرة رمادية لم تعلن موقفها، ينطبق ذلك على كثير من الشخصيات الإعلامية والسياسية على مستوى العالم العربي،  تجاه موجات الربيع التي شهدتها عدة بلدان عربية آخرها سوريا.

ومع حالة الركود التي وصلت إليها حركات الربيع العربي، وتمكن النظام في سوريا، من السيطرة على مساحات واسعة وتراجع حدة الحراك، بفضل التدخل الروسي والإيراني، واستخدام جميع الأسلحة المحرمة دولياً منها الكيماوي والعنقودية، بدأت تتبدل المواقف وتتلون الأوجه، وانتقل الكثيرون إلى صف الجلاد منهم رؤساء وسياسيون وأيضا إعلاميون.

وفي حديث مايتردد عربياً، هو الإعلامي في قناة الجزيرة القطرية "جمال ريان" والذي ما فتئ يحاول تلميع النظام الإيراني المارق، والذي شرب من دماء أطفال ونساء سوريا حتى الثمالة، وقتلت ميليشياته الطائفية ألاف المدنيين، بشكل مروع، وهو الذي بث ونقل هذه الأخبار بشكل دائم على شاشة الجزيرة، وما يزال.

ولعل توجه الإعلامي الفلسطيني الأصل، لدعم ايران ووجد لها المبررات في ما قامت به، وأعطى شرعية للنظام السوري المجرم، الذي سمح لإيران بقتل الشعب السوري وتدمير مدنه وبلداته، لم يفت "ريان" أن يطالب الأمس من الشعب السوري التصالح مع بشار الأسد.

"ريان" الذي يقول عن نفسه إن "إسرائيل" سرقت بيته وهجرته من بلدته، واحتلت أرضه، يدافع أيضا عن قاتل ومهجر ومدمر لمدن وبلدات الشعب السوري، في نفاق واضح واصطفاف مع مصالحه الضيقة ليس إلا، فهنا الريان يتحول من الريال القطري إلى الريال الايراني.

يدافع البعض عن "ريان" بقولهم إنها حرية شخصية وهو حر بما يقوله، ويعتبرون مطالبة البعض بطرده وفصله من قناة الجزيرة هو تعدي على حرية التعبير، ولكن السؤال، إذا ما قرر أحد موظفي الجزيرة الدفاع عن "إسرائيل" مثلا أو شتم المقاومة الفلسطينية، هل سيقولون حرية تعبير؟!، أم سيتم طرده مباشرةً؟.

التطاول على تضحيات الشعب السوري في سبيل حريته وكرامته، ليست حرية شخصية ولا حرية تعبير، بل هي نفاق وتغميس في دمائنا مع المجرم، ودمنا أحمر وطعمه مر كما دماء الفلسطينيين واليمنيين والعراقيين واللبنانيين الذين قتلتهم إيران ليلا ونهارا، والعدالة والحقوق واحدة لا تتجزء ولا تتوزع حسب المصالح والأهواء.

أمثال ريان كثيرون ممن يرون القضية الفلسطينية هي القضية الأولى والاخيرة وما دونها مؤامرات على قضيتهم، يصدقون ويصفقون لمن يدعم مصالحهم حتى وإن كانت يداهم تقطر دمًا، لا يهمهم لمن هذه الأشلاء بين أسنانهم وتحت أقدامهم، المهم أنهم يدعمون المقاومة والممانعة، نظرتهم ضيقة من خرم الباب فقط، ويعلمون أن ما وراء الباب حق وصرخات وألم.

كنا نتمنى من جمال ريان، ألا يكون من الذين يقفزون إلى سفينة الباطل والقتلة، حتى وإن رأى سفينة الحق تغرق، فالحق دائم والباطل زائل، وصدق من قال أن الثورة السورية هي ثورة كاشفة ماحقة.. وعند الله تجتمع الخصوم.

اقرأ المزيد
١٨ مارس ٢٠٢٢
الأحد عشر.. أعوام الثورة وإخوة يوسف

ما أحوجنا بعد مرور أحد عشر عاماً على انطلاق الثورة السورية أن نتذكّر سيرة أحد عشر أخاً ليوسف علّها تكون موقظةً لنا من عميق سبات.

لم يكن هؤلاء الإخوة أيّ إخوة، بل كانوا إخوةً في أرفع البيوت مكانةً وأنفسها معدناً، في بيتِ النّبوّة السّامي، أظهروا لأبيهم حبّهم لأخيهم و حرصهم عليه ، وأنّهم العصبةٌ الكبيرة التي تدفع عنه و تحميه من المهالك، ولكنّهم في حقيقة أمرهم كانوا هم الخطر عينه على يوسف والمهلكة ذاتها .


• لم تكن عداوة إخوة يوسف له نابعة من الإيديولوجيا أو الحزب ولا مِن القومية أو العِرق، لكنّها كانتْ من عامل يبدو هيّناً وهو في حقيقته خطيرٌ عظيم مُهلك، ذلكم هو داء القلوب الأخطر المتمثّل في حسدها القاتل وحبّها للمكانة والرياسة والصدارة، هذا الداء الذي يحمل الأخ على ارتكاب أكبر المحرمات لإقصاء أخيه أو قتله.


•لاريب َأنّ أعداء الثورة السورية ارتكبوا ضدّ أبنائها أفظع الجرائم ونكّلوا بهم أفظع التنكيل لأجل إخمادها، لكنّ هذا لم يكن الأخطرَ عليها والأضرّ بها ، بل كان خلاف الإخوة وشدّة بأسهم بينهم هو الأخطر والأهلك والأمضّ، ذلك الخلاف الذي بلغ حدّ الاغتيال، ولا أقصد بالاغتيال فقط المعنى المتبادر إلي الذهن وهو القتل وإزهاق النفس، فتلك جريمة _رغم فداحتها _تستهدف الأجساد فقط، ولكن هو الاغتيال بمعناه الأعمّ الذي يشمل الاغتيال الإعلامي والاغتيال الفكري والاغتيال الأخلاقي والاغتيال النفسي، حتى يصير فارسنا مذبوحاً، وكريمناً مفضوحاً، وهذه هي الاغتيالات الممنهجة التي تميت الهمم وتفتك بالأمم.


•حقّاً لقد كان في يوسف وإخوته آياتٌ للسائلين، وما أجلّها وأعظمها من آيات!


إنها آيات تقول لنا إنّ المنتصر في حرب الإخوة هذه ليس الحاسد الكائد، ولكنّه يوسفيّ القلب، الذي إذا رأى إخوته وقد مسّهم الضّر ووقفوا أمامه موقف السائل المحتاج، لم يحتمل قلبه مشهد بؤسهم ساعة، ولم يرض لهم الذل والمهانة، بعد أن أوردوه موارد الموت والهلكة، ولم يكسر خواطرهم بكلمة جارحة، ولم يحرجهم حتّى بكلمة عتاب ، بل عفا دونما لوم وسامح دونما مَنّ، وكانَ لإخوته غياثاً وحصناً وعوناً وأمنا.


• فيا أيها الإخوة الثائرون وقد طال الطريق، الناشدون للنصر وقد عزّ الصديق : أعيدوا قراءة "أحسن القصص" لتعلموا لمن يكون العزّ والتمكين والتوفيق.

اقرأ المزيد
٢٦ فبراير ٢٠٢٢
بدايات شبكة شام الإخبارية ... الهدف والتأسيس حتى الانطلاقة

كانت فكرة سقوط الأنظمة العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن والمظاهرات التي عمت الكثير من الدول العربية، شرارة أساسية للعمل على إنشاء صفحة تعمل على فضح ممارسات النظام السوري وتعريته، أمام السوريين أولا والعرب والعالم أيضاً، وهو الذي يتمتع بقبضة أمنية وسطوة كبيرة على حرية الإعلام.

كان هروب الرئيس التونسي "زين العابدين بن علي"، في منتصف يناير/ كانون الثاني 2011 ، وسقوط نظامه، المحرك الأساسي للعمل على تأسيس جهة إعلامية مهمتها فضح النظام السوري، والمطالبة بالحرية والكرامة للشعب السوري، مع علمنا المسبق بصعوبة حصول أي ثورة في سوريا، بسبب القبضة الأمنية الخانقة والحديدية.

ولكن كانت المفاجأة من درعا في 15 فبراير 2011، حيث كتب عدد من الأطفال على جدران المدارس عبارات ضد النظام السوري منها "الشعب يريد إسقاط النظام" و"اجاك الدور يا دكتور" ونفذ النظام السوري حينها حملة اعتقالات واسعة انتهت باعتقال العديد من الأطفال وتعذيبهم وقلع أظافرهم.

تواصلنا مع بعض العوائل في مدينة درعا في حينها، كون عدد من مؤسسي شبكة شام من أبناء المحافظة، وكانت الأخبار صادمة جدا، والغضب باد على وجوه الناس، خاصة بعد أن قال لهم "عاطف نجيب" مسؤول فرع الأمن السياسي في درعا: "انسوا أولادكم واجعلوا نساءكم تحمل وتخلف لكم بدلاً عنهم، وإذا لم تستطيعوا ذلك فآتوا بهن إلينا ونحن نفعل!".

كنا نعلم أن براكين وزلازل ستتحرك من محافظة درعا، لأن أهل درعا لا ينامون على ضيم ولايرضون بهكذا إهانات، ولا يمكن أن يسمحوا باستمرار اعتقال أطفالهم، فرأينا أن أفضل وسيلة هي إنشاء صفحة إخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر أخبار سوريا وفضح ممارسات النظام السوري.

في صبيحة الـ 20 من فبراير 2011، اتفق مؤسسو شبكة شام على اسمها وكيفية العمل ونشر الأخبار والتقارير، وتم إنشاء الصفحة في اليوم التالي، ولكن العمل الحقيقي بدأ في الـ26 من ذات الشهر، بعد تجهيز كافة الأمور التقنية والتواصل مع الداخل السوري والتحدث مع نشطاء الحراك في دمشق ودرعا وحماة وطرطوس.

قام مؤسسو الشبكة في بادئ الأمر بتسليط الضوء على مأساة أطفال درعا، ومطالبة السلطات السورية بالإفراج عنهم، ولكن كانت الأمور تتجه إلى التصعيد مع رفضه ذلك، وتحديه لأهاليهم، وكانت الأمور تتجه للانفجار، بشكل واضح.

ويبدو أن النظام السوري كان واثقاً من قبضته الأمنية ولم يتراجع على الاطلاق وواصل إهانة الأهالي، وتواصلنا حينها مع عوائل الأطفال المعتقلين وأقاربهم وأكدوا أنهم سيخرجون في مظاهرات للمطالبة بأطفالهم، وكذلك بإسقاط محافظ محافظة درعا ومحاسبة عاطف نجيب.

كانت الأمور تتجه للتصعيد، وكان النظام ما يزال واثقا من قبضته الأمنية التي تحكمت برقاب الناس لأكثر من 40 عاماً، ولكن الشعب السوري قرر كسر هذه القبضة إلى الأبد، حيث قام مؤسسو شبكة شام بالتواصل مع أبناء درعا، وترتيب الأمور التقنية لبدء التغطية لأي حراك.

كان انطلاق شبكة شام نقطة تحول مهمة في سير الثورة السورية وتطورها لاحقاً، حيث حافظت على نقل صوتها منذ البداية ولغاية الآن، وكانت شبكة شام تنقل الأخبار لحظة بلحظة دون توقف وعلى مدار ال24 ساعة، حتى باتت تصدع رأس النظام السوري، وعمل على إسكاتها بكل السبل ومحاربتها.

ولكن النظام فشل في ذلك، خاصة أن أعضاء شبكة شام ومؤسسيها عملوا في بداية الأمر بشكل سري للغاية، ما صعب مهمة النظام، وعمل على تشويهها بكل السبل وبأي طريقة، وفشل في ذلك أيضا، حيث أصبح شعار شبكة شام يتصدر الأخبار على جميع القنوات العربية والعالمية، وباتت المصدر الرئيسي والموثوق لكل أخبار الثورة السورية.

ومع توسع رقعة المظاهرات توسعت شبكة شام، كثيرا حتى بلغ انتشارها في كامل التراب السوري، وعمل مؤسسي الشبكة على هدف وحيد هو إيصال صوت الحق والحقيقية وفضح النظام السوري، ونجحنا في ذلك، حتى تعرى تماما أمام العالم.

سيحكم الزمن على ما قدمناه للثورة السورية وما قدمت لنا، قد نكون أخطأنا في بعض المواقع وبعض التصورات وقراءة المستقبل، وفشلنا في عمل الكثير من أجل أعظم ثورة عرفتها البشرية، لكنا كنا دائما نقف في صف المظلومين، والمؤكد أيضا أن سياسة شبكة شام لم تتغير منذ اليوم الأول ولغاية الآن ولن تتغير، نسعى لإسقاط الأسد ونظامه ونطالب بالحرية والديمقراطية للشعب السوري، ونحارب كل الظالمين.

اقرأ المزيد
٢ فبراير ٢٠٢٢
مجزرة حماة وتشويه التاريخ.. الكاتب "هاشم عثمان" نموذجاً

لم تختلف سياسة الأسدية المتوحشة بعد آذار/2011 عن سياسة الأب حماة 1982، فبعد قتل ما بين 50 إلى 60 ألف من أبنائهم، بمن فيهم من نساء وأطفال، واعتقال قرابة 80 ألف آخرين، مازال قرابة 18000 منهم مختفين قسرياً منذ عام 1982 حتى الآن، سخر النظام الأسدي آلته الإعلامية لإنكار حصيلة الضحايا، وصورهم على أنهم إسلاميين متشددين، مما يسهل على بعض فئات المجتمع تقبل قتلهم/اخفائهم، وكذلك على المجتمع الدولي.

وبالفعل لم يعلم كثير من السوريين حقيقة ما جرى من مذبحة في مدينة حماة المظلومة إلا بعد ثورة 2011، وتيقن المجتمع السوري أن الأخبار التي وردت من حماة من نهب أموالها، واغتصاب النساء، وتقطيع أيدي الأطفال لم تكن من نسج الخيال والأوهام، بعد أن عاينوا ما هو أفظع من ذلك أمام أعينهم!

النظام الأسدي منع تداول أخبار المذبحة، وأطلق عليها اسم أحداث الثمانينيات، للأسف، أصبح الاسم متداولاً أكثر من المسمى الحقيقي "مجزرة حماة 1982"، ومن المفهوم أن نجد كتاباً وأبواقاً مناصرين للحكم الأسدي ينكرون حقيقة ما وقع، وينسفون حقوق أكثر من مئة ألف مواطن سوري يشترك معهم في الأرض والتاريخ لصالح عائلة أسدية إبادية.

اطلعت على كتاب هاشم عثمان الأول تاريخ سوريا الحديث الصادر عن الدار العزيزة على قلوبنا "رياض الريس" في كانون الثاني/2012، وكان جيداً ومفيداً بشكل عام وهو يغطي حقبة تشمل من العهد الفيصلي حتى عهد البعث، أما كتابه الثاني "عهد حافظ الأسد" فقد كان منحازاً للأسدية بشكل بشع ومقيت.

ومؤسف أن تقوم دار "رياض الريس" بنشره، وخاصة أنه نشر بعد الثورة السورية بثلاث سنوات، في كانون الأول/2014، وقال فيه إن "الحكومة السورية" لا تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية عما جرى، وسرد فيه رواية النظام السوري في الصفحات 197-202، فقط!.

أعتقد أن على دار "رياض الريس" وهو ابن مدينة حماة، رحمه الله، وضد الأسدية، أن تقوم في الذكرى الأربعين على مذبحة مدينة حماة بالاعتذار من أهلها على نشر هذا الكتاب المزور للتاريخ، وأن تقوم بسحبه من الأسواق، هذا أقل ما يمكن فعله للضحايا بعد أن عجزنا حتى الآن عن محاسبة الأسدية وداعميها، وعودة السفاح رفعت لحضن السفح بشار.

على الأقل أن نحترم معاناة الضحايا، وأن نسرد حقيقة ما جرى، ونفضح الأسدية وكتابها المنحطين، فبهذا نقدم جزءاً من العدالة للمدينة وأهلها، لعلها تسامحنا، يوماً ما!

 

اقرأ المزيد
٣١ أغسطس ٢٠٢١
درعا البلد، التي استفرد بها النظام

في آواخر يوليو الماضي، عندما تقدمت قوات النظام في أطراف درعا البلد، كانت حينها تظن أن المعركة هي أمر ساعات وتنتهي وأن المقاومة لن تتجاوز بعض النقاط، كان النظام محقًا في قراءة الواقع في درعا البلد، لكنه كان مخطئ جدًا في قراءة مشهد الريفين الغربي والشرقي. الساعات الأولى للهجوم شهدت معارك وهجمات في مدن وبلدات درعا، لتتساقط حواجز النظام الواحد تلو الآخر ويطغى مشهد الأسرى والغنائم على مشهد درعا البلد حينها. أوقف النظام هجوم البلد مباشرة وأعاد فتح قنوات الاتصال لتخفيف وتيرة تساقط الحواجز وإنقاذ أسراه.

في ذلك اليوم، شدّت درعا البلد من عضدها بباق حوران، كان جولة انتصار أولى أوضحت للنظام أن معركة ضد درعا البلد هي معركة في كل حوران، ونحن لا نتحدث عن معارك تحرير وسيطرة، بل نتحدث عن هجمات موجعة وضربات مؤلمة ضد الحواجز المنتشرة على الطرقات. هي ذاتها طرقات حوران التي اتسمت بالفوضى الأمنية وضعف السيطرة العسكرية لتشهد ما يزيد عن ألف عملية اغتيال منذ اتفاقية "التسوية" في 2018، ما يعني أن حواجز النظام ستكون لقمة سائغة للضربات والهجمات.

شهر كامل على ذلك المشهد، ماطل النظام في المفاوضات وألتف على التفاصيل وانتفض ضد بعضها وراوغ في أخرى. جرّنا النظام إلى المعركة التي يبدع في الانتصار فيها، معركة شراء الوقت بالمفاوضات، هذا الأسلوب الذي نصح يوما ما وليد المعلم خصومه بتعلم السباحة خوفا من الغرق في تفاصيل المفاوضات. أشترى النظام الوقت، سحب الحواجز الضعيفة وعزز تلك الرئيسية واستقدم التعزيزات وحشّد القوات وأعاد الانتشار وحضر نفسه للجولة الثانية من المعركة. لم يكن النظام يبحث عن معركة انتصار في درعا البلد بقدر بحثه عن معركة لا هزيمة في ريف درعا.

استفرد النظام بدرعا البلد، ووجدت حوران نفسها أمام مشهد لا يشبه ذلك الذي كان قبل شهر ونصف، الحواجز الضعيفة سهلة الضرب غير موجودة، وتلك الأقوى قليلًا باتت أقوى كثيرًا والهجوم عليها بمبدأ العصابات قد يكون ذو تكلفة عالية، واحتمالات تلبية نداءات "الفزعة" من درعا البلد محدودة. استطاع النظام تحييد نقاط ضعفه، بينما خسرت مجموعات المعارضة سلاح العصابات التي امتلكته في الجولة الأولى.

انعدام الخيارات أمام المقاتلين والحاجة الماسة لإنقاذ درعا البلد من هجمة التدمير بالصواريخ الثقيلة، دفع الجميع نحو البحث عن الطرف الوحيد القادر على بدء معركة ضد النظام بما هو أكبر من معارك العصابات. لسوء الحظ كان الفيلق الخامس – أحمد العودة هو ذلك الوحيد القادر على ذلك. لسوء الحظ لأن العودة مازال معادلة غير مفهومة في مشهد حوران، كثيرون ينتظرون من العودة التدخل وتغيير المشهد والمعادلة ولجم النظام ولعب دور أكثر فاعلية في حماية ودفع الأذى عمن كان يومًا شريكًا في البندقية في تحرير معقل العودة الأكبر في بصرى الشام نفسها. لسوء الحظ لأن السؤال الذي كان يجب طرحه قبل تعليق الآمال بالعودة، هو أنك في أيّ الطرفين تقف؟ الإجابة بسيطة للغاية، العودة في طرف النظام وإن لم يشارك في الهجوم على درعا البلد، حيث لا يحتاجه النظام في الهجوم، العودة في طرف النظام لأنه ببساطة ليس في الطرف الآخر الآن.

إن الفيلق الخامس كان الفخ الذي نصبه الروس لحوران قبل ثلاثة سنوات، الفخ الذي سقطت فيه وسائل إعلام عديدة ومقاتلون بالمئات ومدنيون بالآلاف، تم اختراع الفيلق وتصويره بأنه الضامن ضد انتهاكات النظام والرادع لتمدد الميليشيات الطائفية في جنوب سوريا، رغم أن الفيلق لم يلعب هذا الدور أبدا، بل اصطاد الفرص لتصوير هذا الدور فقط.

في مارس 2020، دخل الفيلق معززا بالمقاتلين لتصوير مشهد وساطة في الصنمين، رغم أن الصنمين حينها كانت قد أنجزت كل شيء مع النظام. في مايو 2020، دخل الفيلق برتل مجلجل إلى قرفا لتصوير مشهد لجم النظام عن اعتقال عدد من أبناء البلدة وإطلاق شعارات التهديد للمطالبة بإطلاق سراحهم، لم يطلق النظام سراح أحد في حينها. في يوليو 2020، صور مقاتلو الفيلق مظاهرات ورددوا شعارات ضد النظام ثم ذهبوا إلى سلمى في ريف اللاذقية لمساندة النظام ضد فصائل المعارضة هناك. الفيلق ليس في صفهم، ودرعا البلد فضحت كل شيء.

استفرد النظام بدرعا البلد، وحوران كلها اليوم أمام مشهد سترسمه درعا البلد بنفسها، الصمود سيكون صمود لطفس وريف درعا الغربي، وسقوط درعا البلد سيتبعه سقوط كثيرون ولن يكون العودة ومن معه بعيدون عن ذلك أبدا.

اقرأ المزيد
١٨ يوليو ٢٠٢١
بعد انحراف البوصلة ... لابد من "ثورة لتصحيح المسار" داخلياً

تضيق المساحة الجغرافية على أبناء الحراك الثوري السوري عاماً بعد عام بتواطؤ دولي وفساد داخلي، ويقضم النظام مساحات جديدة، لكن هذا لم يطفئ نار الثورة ووقودها لدى "الحاضنة الشعبية"، والتي إن غاب صوتها بفعل سلطات الأمر الواقع، وهمشت قضيتها، وحرفت بوصلتها لغير الهدف الذي ثارت لأجله، إلا أنها لم تنته وقادرة على النهوض بمجرد توفر الظروف.


وليس هناك أشد ماتمر به المناطق المحررة من ضيق وحالة غليان كبيرة في النفوس، بفعل عوامل خارجية سببها "النظام وحلفائه" ومواصلتهم سياسات القتل والموت، وعوامل داخلية تتحمل مسؤوليتها القوى المسيطرة على المحرر والتي باتت تتحكم في قوت الشعب وتمارس عليهم أبشع ضروب التضييق، علاوة عن الفساد القضائي والاستغلال وظهور طبقة كبيرة من تجار وأمراء الحرب على حساب دماء وعذابات السوريين.

وباتت الحاضنة الشعبية اليوم أمام خيارات ضيقة في الشمال السوري المحرر، تقتضي حلول سريعة للخلاص من الوضع الراهن سواء على الصعيد "العسكري والاقتصادي"، ولعل الخلاص - الذي قد يعتبره البعض حلماً - لن يكون إلا بثورة شعبية عارمة منظمة لتصحيح المسار تقودها النخب المهمشة الثورية من قبل سلطات الأمر الواقع التي أمعنت في الخنوع عن نصرة المدنيين، وأرهقتهم في قوانينها الوضعية وضرائبها وتحكمها بقوت يومهم.

ثورة تسقط القادة المتمسكين بمناصبهم الراضخين لتمكين مكاسبهم من قادات الصف الأول في كل الفصائل وإبعادهم عم المشهد للوراء، لتعطي المجال لتمكين القادة الشرفاء وتسلمهم زمام الأمور، وتوحيد الجهود العسكري في مجلس عسكري حقيقي ويشكل كل المنطقة المحررة، سيعطي أثره الحقيقي داخلياً وخارجياً.


ثورة تُسقط الحكومات "الإنقاذ والمؤقتة" المتفرقة المتشرذمة الإقصائية، وتتيح المجال لتشكيل كيان مدني تشاركي حقيقي تقوده النخب الثورية في المحرر من كل الأطياف "يتبعه إسقاط كيانات المعارضة الخارجية وانتخاب كيان منبعه وأصله الحاضنة الشعبية"

كذلك تشكيل مجلس أعلى اقتصادي تحت أي اسم كان، تديره نخب اقتصادية، تقوم بجرح المصادر المالية التي يمتلكها المحرر ابتداءاً من المعابر وصولاً لكل المقدرات الموجودة، ويتم وضعها تحت إدارة الكيان المدني الموحد الذي سيتم تشكيله لتأمين مردود مالي حقيقي غير مرهون بالخارج يساعد على تمكين قدرة الكيان على العمل والبناء.


وإلغاء جميع المحاكم ونفي جميع القضاة في المحرر خارج السلك القضائي، وإعادة بناء كيان قضائي حقيقي من النخب الثورية والشخصيات الحقوقية الاعتبارية، لإعادة ترتيب أسس القوانين والنظم التي تدير المحاكم في كل المجالات، لتحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة بالتشارك مع المؤسسات العسكرية والأمنية في المنطقة.


وتفعيل عمل النخب المدنية على كافة المجالات، وتنظيم القطاعات الإنسانية جميعاً بما يتلاءم مع احتياجات المحرر، تحت إدارة إنسانية موحدة تحكمها نظم واضحة ورقابة حقيقية لتنظيم توزيع الدعم الإنساني على المحتاجين في عموم المحرر، دون تمييز بين المناطق، وبما تقتضيه كل مرحلة.


ولابد من إعادة تنظيم القطاع الطبي، وتفعيل نقابة طبية حقيقية لكل المنطقة، تضمن شروط اختيار من يدير القطاع بعيداً عن تحكم القوى العسكرية والأمنية وأي جهة أخرى تعيق عملهم وتمنع تسلط البعض والمحسوبيات في القطاع، وتعيد تنظيم عمل المشافي والمرافق الطبية بما يحقق تقديم أفضل الخدمات وفق الدعم الخاص بالقطاع.


علاوة عن تنظيم عمل المجالس المحلية، وفق نظام تقرره الإدارة المدنية التي ستنتجها النخب الثورية، بحيث يتم اختيار ممثلي المناطق والبلدات والقرى، دون إقصاء وضمن توافق شعبي حقيقي على من يتولى أمورهم، وبتنسيق عالي مع الإدارة الرئيسية في المناطق والمحرر ككل.


وهناك أمور كثيرة تتطلب العمل عليها وتحتاج لجهود جبارة وكبيرة، وباعتقادي فإننا نملك طاقات ونخب من مختلف الفئات والمجالات لتحقيق هذه الخطوات، بمجرد وجود نية حقيقية لرفع الصوت عالياً أولاً في وجه الوضع القائم، والتحرك بفاعلية لتمكين الحاضنة الشعبية من قول كلمتها، والخروج عن حالة الترهل والإقصاء التي تعانيها من القوى المسيطرة، عندها لن يستطيع أحد أن يواجهها أو يرفض مطالبها، وهنا تعيد تصحيح مسار الثورة لمواجهة جديدة مع النظام تعيد سيرتها الأولى.

اقرأ المزيد
١٦ يونيو ٢٠٢١
ثورتنا ثورة قيم وأخلاق لا ثورة سباب وشتائم فتنبهوا

من المؤسف نحن كثوار نمثل حراك شعب قدم التضحيات والدماء ولايزال يكابد ويعاني الموت اليومي في نزوحه وتشرده، أن تصدر عنا ألفاظ "لا أخلاقية" وسوقية، في حفل أو سهرة أو أي جمع يرفع فيه علم الثورة السورية، حتى لو كانت تلك الألفاظ موجهة للنظام.

ثورتنا ثورة شريفة ثورة قيم ومبادئ وأخلاق، منذ اليوم الأول رفعت أغصان الزيتون وعبرت عن سلميتها وحبها ورمزية الزيتون والورد، لاتناسبها ألفاظ أو عبارات أو أناشيد تحمل سباب وشتائم بأي صورة كانت حتى لو وجهت للنظام.

ثورة السوريين رسالة سامية مضرجة بالدماء والعذابات يجب أن نحسن تمثيل وإيصال هذه الرسالة بما يليق بشهدائنا وتضحيات أهلنا، الألفاظ الصادرة عما سمي "حفل ثوري" لنشطاء ومنشدين في الحراك الشعبي يوم أمس بريف حلب، ومايحمله من سباب وشتائم بهذه الطريقة تنفيس في غير موقعه ومكانه.

أناشيد "القاشوش والساروت" وكثير من حناجر الأحرار خلدت نفسها لما تحمله من معان سامية وتعبر عن ثورة شعب رفض الظلم والأسد وبأسلوب راق وباتت تردد في كل العالم وفي كل محفل ولكن ماسمعته اليوم، شيئ مخجل ومشين بحق الثورة وثوارها، ويستوجب الاعتذار والتراجع وحذف تلك المقاطع الخادشة للحياء التي نشرت على حسابات نشطاء في الحراك الثوري.


الأناشيد والأهازيج الشعبية الثورية باتت بالتأكيد حالة شعبية ومتنفس لنا كثوار في المظاهرات وبات كثير من تلك الأهازيج الثورية وأصحابها خالدين وستتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل كأنه نشيد وطني ولكن هذه العبارات السوقية برأي وهي البداية سيكون لها انعكاس سلبي على ثورة السوريين ومن شأنها تشويه الأهازيج الثورية الحقيقية وصورتها في أذهان الناس.

بالتأكيد حجم الكبت والألم في نفوسنا أخذ مكان عميقاً، ولكن التنفيس لايكون بالسباب والشتم والألفاظ اللا أخلاقية والبذيئة والسوقية والشوارعية إن صح التعبير، فأنت كناشط في الحراك الثوري السوري عليك أن تحسن تمثيل موقعك لأنك تؤدي رسالة وتحمل أمانة أخلاقية سامية، عليك أن تحسن اختيار عباراتك وكلامك، وليكن التنفيس عن نفسك ومافي صدرك من حقد على النظام في العمل لإصلاح ما أفسده الفاسدين وخدمة قضيتك وإلا عليك ببئر ماء قد جف فاليعلوا صوتك في داخله ولتنفس مافي صدك دون أن يسمعك أحد طالما لن تجد راحة لنفسك إلا بتلك الألفاظ التي لا تمثل ثقافة مجتمعنا وديننا وثورتنا ورسالتنا.



اقرأ المزيد
٢٨ مايو ٢٠٢١
هل يخشى المفضوح من الفضيحة ؟!

سمعت تسعينية سورية تقول في نقلها لمثل شعبي غابر يُحكى على سبيل التساؤل و بلهجتها البدوية: (شيّهم غراب البين من سواد الوجه؟!) الجواب المنطقي بأن لا يهتم لما يشتهر به في الأصل، وفي إسقاط المثل على السقاطة التي اعتاد النظام السوري إظهارها في كل موقعة على امتداد ما يسمى بـ"حضن الوطن" الخانق لساكنيه، نكون ظلمنا "غراب البَيْن"، الطائر المعروف من جنس الغربان الإفريقية، فكل ما جرى خلال ساعات قليلة ضمن المسرحية الهزلية المسماة بالانتخابات حاول جمعه وقدمه ملخصاً لمن يسألك عن أسباب ثورة السوريين على هذه العصابة التي تضيف للجرائم بصمات تزيدها بشاعة تجعل مصطلح "جريمة حرب" قد لا يوافي فظاعتها.

أصر ولا زلت على عدم تسمية ما يخرج من إعلام النظام الرسمي والموالي وحسابات الداعمين له بالفضائح وقد يكون ما يبرر ذلك بأن "المفضوح لا يفضح"، ثم أن المجرم والسفاح لا يزال دم السوريين يظهر بين أنيابه المسمومة في كل ابتسامة فاجرة يطل بها مستفزاً مشاعر الملايين ممن وقعوا ضحية آلته الإجرامية، فهل يهتم لكشف "بعض" سفالته؟! نعم بعض وذلك لعلم السوريين مجتمعين بأن ما خفي من تفاهات الأسد ورموزه و إعلامه أعظم، ومن شاهد جريمة واحدة من بين عدداً لا يحصى من الجرائم مكتملة الأركان يدرك هذه الحقيقة وأن لا مثيل لوضاعة هذا القاتل رفقة عصبة المجرمين التابعين له.

ولماذا التسريب والفضائح وإلّا يكفي تصريح وزير الخارجية "فيصل المقداد"، بقوله إن "انتخابات نظامه أفضل بآلاف المرات من الانتخابات الأمريكية التي وصفها بالمهزلة؟!"، ونعته لعمليات التصويت في قنصليات الأسد التي تشبه فروعه الأمنية وقطعاته العسكرية بأنها "رائعة جدا"، سبق ذلك كله الترويج الإعلامي الفاشل الذي لا يحتاج أي عاقل جهدا لكشف تزييف الحقائق وقلب الوقائع خلاله كل ما يحتاجه عين تبصر وضمير مجرد، ليرى أن عمليات الترويج تلك تشبه حد التطابق عمليات التجميل التي بدت على وجه رأس النظام، حقاً فعلها! لكنها لن تغيير أي شيء يذكر من صورة إجرامه بحق الشعب السوري.

وبعد الحديث المعلن لأعلى منصب دبلوماسي لدى النظام حديث غير مستغرب مع دراية السوريين بعقلية وأسلوب خطاب النظام الذي أدمن القتل والتدمير لسنوات طوال طحنت رحاها الملايين منهم، قبل يومين فقط بدء "العرس الوطني الديمقراطي"، كما أطلق عليه إعلام الراعي الرسمي للمسرحية، مع محاولات ضبط وتوزيع نشوة التجديد لقاتل الأطفال لدى الموالين الذين تضاعفت إفرازات هرمونات التشبيح لديهم متأثرين برواية النظام، فمن اقنعته تصريحات مسؤوليه المثيرة من الطبيعي أن يكملها بتنفيذ عملي يتمثل بتنظيم الحفلات والدبكات في تلك الجغرافية التي يختزل مريدو استمرار الإجرام عظمتها بوصفها "سوريا الأسد".

ولدى النظام شخصيات تظهر للرد على الانتقادات التي تطال ما يمارسه في مسرحية مفضوحة لا تحتاج إلى تسريبات، فتتحول تصريحاتها إلى مادة للجدل قد تزيد فظاظتها على ما أريد تبريره اساساً، ففي أحد المراكز ظهر بعثياً الصفة التي تلازمها صفة الغباء يطالب ما يقرب من 6.6 مليون سوري مهجر بأن لا يكونوا مثل الببغاوات "تبغبغ و تعوعو"، في مصطلحات لا أشك بأن المقترعين فهموا فحواها، وأخص بذلك من ظهر وتحت قميصه الصيفي الملون مسدساً مغموراً لا أدري كم مواطنا أغتال وأرعب، إلا إذا كان يخدع الحضور ويشير برأسه بالفهم في كل خطاب يبرمج على التصفيق عند ذكر بطل المسرحية فحسب.

ومع ظهور العجائب التي لن تظهر إلا في النسخة الأسدية من هذه المهزلة بدءاً من كيفية تلقي وطرح الترشيحات مروراً بتصريحات المقبولين وغيرهم حول الانتخابات وصولاً إلى مراحل تنفيذ المسرحية التي استهلها رأس النظام بالظهور في مدينة دوما التي خنقها بالكيماوي المدينة التي تحولت من مسرح جريمة إلى مسرح للرقص على الأشلاء والأنقاض، قبلها تابعت عدة مواكب ظننتها للمجرم وراعي الإرهاب والإرهابيين الأول، وهي تصل إلى مركز اقتراع بمنطقة مدمرة، إلا أنها كانت لمتزعمي ميليشيات لا يحصر ذكرها فتشابهت القوافل والمجرم واحد، أما ما أثار ردود فعل متباينة لدى السوريين الذين تابعوا دونما تعجب رصد مذيعة لصوتان ذهبا "بحرية أسدية"، إلى منافسي الأسد وفقاً لما زعمه من أدلى بهما، ترافق ذلك مع بث تسجيل "أبو حيدرة جوية" فظهر منشغلاً يقوم بتسهيل عمل المواطن الذي وصل إلى أن ينتخب عنه ولا يكلف نفسه بإسقاط الورقة في الصندوق.

وخلف كواليس الدبكات والمبالغة في إظهار "الفرح" الذي قد لا يشك بأنه مصطنع في بعض الأحيان لمن لا يزالون في درجة الآدمية دون أن أحدد نسبة التوقع، هنالك نظام أوغل في قتل وتدمير وتهجير واعتقال وتعذيب السوريين، يضحك ماكراً بعد معرفته حجم ما أواصر العلاقات الاجتماعية السورية إليه حيث مزقها تماماً، هو ذاته من دعم حفلات الرقص في أحياء تجاور مناطق كان يحاصرها ليصار إلى تدميرها كما فعل بكافة جوانب وقطاعات البلاد إثر حربه ضد الشعب السوري، فيما ظهر جلّ سكان مناطق سيطرته بعد جولات التهديد والوعيد كالخراف التي تساق إلى المذابح للتجديد المحسوم لجلادها، وأول ما ينزف منها وتلفظه عنها هي الكرامة إن وجدت بعد استنزافها على الطوابير وتكسب مزيدا من الذل والهوان، ولا مجال لتحميل بعضهم المسؤولية كاملة بعد أن ردد لسان حالهم بأنهم في موقع الضحية بالتعامل مع سلطة احتلال، هنا يجري الحديث بواقعية عن نظام يحتسب في مسرحيته أصوات من كتم أنفاسهم في غياهب السجون ومن سفك دمائهم بشتى صنوف الأسلحة، ومن حرمهم منازلهم بالتهجير القسري الممنهج، ويرسل خلف الأموات ليعيد تنصيبه في بلد أصبح بفعل ممارساته كالسجن الكبير بوابته الرئيسية "مقبرة"، يجدد النظام عديم الشرعية والإنسانية عبر رفات سكانه، فترة حكم بالحديد والنار والإرهاب هي الرابعة منذ توريثه الحكم والثانية منذ انطلاقة الثورة ضد نظامه في مارس 2011.

وتجديد ولاية رأس النظام "بشار الأسد"، التي غابت عنها المشاركة الشعبية وهذا ما تكشفه لغة الأرقام ولأسباب لا يجهلها سوري حتماً، ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه مكرراً ويلح على الجواب، حول الناخب الذي قدم صوته لا سيّما الذين حشدهم النظام في الخارج، هل يعقم يده قبل الإدلاء بصوته أم بعد؟! طبياً يفضل قبل وبعد عندما يتعلق الأمر بفايروس كورونا، إلا أن ثورياً قد لا تنجح أي مادة في غسل الخزي والعار الذي ارتكبته أيدي الناخبين وهنا أتجاهل عن سبق الإصرار والترصد الأسباب وكل المسبات التي جعلته يقف أمام صندوق قد يكون وقف بموقف مماثل أمام صندوق يضم جثمان شهيد في ركن منزله الذي لا أجزم بأن يكون نجى من الصواريخ والبراميل.

وفي المناسبة قرأت تعليقاً لمذيعة موالية تمعن بالتشبيح تقول إن الصوت في صندوق الاقتراع هو بمثابة "رصاصة في صدور الأعداء"، ومع اكتسابنا شرف عداوة هذا النظام نكون نحن من تقصد في تعليقها ذاك وهذا ما يعلمه السوريين بأن النظام لا يفقه سوى لغة القتل والتدمير والترهيب، وجريدة موالية للنظام ترجع إلينا ذكريات حي الميدان الدمشقي الشهير، فتقول في عنوان محتوى مكتوب لديها ما يشير إلى "خروج أهالي دوما لشكر ربهم على زيارة رأس النظام وأن فرحتهم لا توصف"، أما عن احتمالية مصداقيتها تتأرجح نسبتها في حال نقلت عن من كان يحيط ببشار في ظهوره إلى جانب "أسماء الأخرس"، لا سيما رجل الأعمال وعضو "مجلس الشعب" حامل الجنسية السودانية، "عامر خيتي"، الذي يرى الدمار ثروة اقتصادية، ودوما "بؤرة إرهابية"، أو عن شخص ضمن قطيع ما يطلق عليهم ظلما برجال الدين ممن ظهروا وهم يجوبون الشوارع تمجيداً بغيضاً للقاتل.

ولعل أكثر ما يزيد من قهر السوريين هو ما سمي زوراً بـ"خيمة وطن" وذلك مع تشابه عشرات النسخ منها التي أقيمت على أطلال المنازل وفي ساحات تشييع الشهداء، في ذلك الوطن المحطم الذي باتت الخيمة رمزاً للبؤس والوجع الذي لا ينضب بعد أن ضمت ملايين المهجرين عن أرضهم، وبالطرف الآخر كانت تلك الخيام المقامة للاحتفال أكثر ما تشبه النعوة الرسمية المعلنة لكثير من الأشياء في ما تبقى من البلاد، ومجالس كان الأجدر أن يستقبل فيها التعازي، مع إتمام التجديد المحسوم للنظام وسط تجاهل وتواطؤ عربي ودولي مفضوح هو الآخر ونفي عدم استغربنا من وقاحة قاتلنا لا ينفي الآلام والأوجاع التي تعتصر قلوب السوريين على ما آلت إليه الأمور وأصبح واقعاً مراً يزيد علقمه ظلم وتخاذل ذوي القربى ممن زعموا الانحياز لقضيتنا فتحول منهم من تحول إلى شريكاً فاعلاً في استمرار ما يعانيه الشعب المقهور، وكلمة واحدة تختصر حالهم حين قالها حارس الثورة بأنها "كاشفة".

ومع إتباع نظام الأسد للأساليب والوسائل وكل ما يملك من الإمكانيات الممولة التي يرمي خلالها زرع الإحباط في نفوس الثائرين، قد يكون بعضها تحولت إلى محفز لهم للاستمرار الأبدي والغير قابل للتراجع في طريق النضال والكفاح المعبد بدماء شهداء وصرخات معتقلين ومآسي مهجرين، لا سيما المبالغة في التوقيع بالدم الذي أراه ملخصاً لبرنامجه الانتخابي الأوحد، وهل هناك ما يعبر عن رأي النظام سواه؟! لو أتيح الكيماوي لكان مناسباً أيضا في التعبير عن شهية وما يتوافق مع ممارسات النظام وشبيحته ورغبتهم المستمرة بسفك الدم السوري الذي لو جمع بمكان واحد لتحول إلى بحر يمتاز غيظاً من جملة المتخاذلين ممن تركوه يصراع جلاده وحيداً، بعد إجراء الانتخابات التي يختصره فصولها ظهور عنصراً واحداً وهو يبصم بالدم على عدة بطاقات انتخابية لصالح سافك الدماء الأول، أما مشهد اختتام المسرحية فكان كالمعتاد مع القفز على الأرقام والكذب المكشوف.

وعلى وقع الرصاص الذي لم يغيب عن أرجاء البلاد، لا يكتمل فرح النظام إلا بسفك الدماء فقتل بالرصاص العشوائي ما قتل من المدنيين، معلناً استمراره في الحكم الذي تسلمه قاصراً، فكان ببساطة إعلان فوز المجرم بنتيجة زادت عن 95% بقليل لحقبة زمنية تمتد لسنوات، كل هذا لن يحيد الأحرار ممن لا تزال تراودهم مشاهد لا تغيب عن الذاكرة ولا تزال واقعاً حول ما حل بالشعب السوري على يد نظام الأسد وحلفائه وشركائه، عن دربهم ويوقنون بأن لا مكان للسفاح إلا العقاب والمحاسبة على جرائمه و يستمدون من استمرارهم قناعات لا تفّتر ولا تعرف التراجع مفادها بأن لكل طاغية نهاية محتومة تحت أقدام من ثاروا من أصحاب الأرض والحق، وهنا لا أردد شعارات شخصية بل أنقل ما ظهر خلال أفعال من مزقوا صور الإرهابي "بشار"، رغم قبضته الأمنية وانتشار القناصة لحمايتها، وردود الحاضنة الشعبية في الشمال السوري وتلك التي أحرجت النظام المفضوح في حوران مهد الصرخات الأولى، أقرب دليل على تمسّك السوريين بقضيتهم وأهداف ثورتهم حتى تحقيقها بما لا يدعو مجالاً للشك بأن هذا اليوم قادماً لا محالة هكذا رددها وأقسم عليها شهدائنا الذين نحب ونصدق.

اقرأ المزيد
1 2 3 4 5

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٤
في "اليوم الدولي للتعليم" .. التّعليم في سوريا  بين الواقع والمنشود
هديل نواف 
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٤
في "اليوم الدولي للتعليم" .. التّعليم في سوريا  بين الواقع والمنشود
هديل نواف 
● مقالات رأي
٢٣ يناير ٢٠٢٤
"قوة التعليم: بناء الحضارات وصقل العقول في رحلة نحو الازدهار الشامل"
محمود العبدو  قسم الحماية / المنتدى السّوري 
● مقالات رأي
١٨ أكتوبر ٢٠٢٣
"الأســـد وإسرائـيــل" وجهان لمجـ ـرم واحــد
ولاء أحمد
● مقالات رأي
٢٦ سبتمبر ٢٠٢٣
منذ أول "بغي" .. فصائل الثورة لم تتعلم الدرس (عندما تفرد بكم "الجـ.ــولاني" آحادا)
ولاء أحمد
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٣
هل تورطت أمريكا بفرض عقوبات على "أبو عمشة وسيف بولاد" ..!؟
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٨ مايو ٢٠٢٣
كل (خطوة تطبيع) يقابلها بـ (شحنة مخدرات).. النظام يُغرق جيرانه بالكبتاغون رغم مساعي التطبيع
أحمد نور