مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٤ أبريل ٢٠١٨
ماذا بعد الضربة الثلاثية؟

ما إن انفضت قمة ثلاثية في أنقرة، ضمت تركيا وإيران وروسيا، ووضعت هدفها البحث في مستقبل سورية والوصول إلى حل سلمي، حتى نفّذ جيش النظام السوري هجوماً كيميائياً على دوما، فتشكلت غيمةٌ من التساؤلات عن رد الفعل الأميركي.

وقبل أن تنزل الضربة الأميركية الموعودة برداً وسلاماً، فرض الجو الكيميائي وجوده على ساحة الإعلام، وأزاح عن الواجهة الاجتماع الثلاثي في أنقرة، لكن شكل التعامل الأميركي الحذِر، والحريص على عدم إثارة مشكلة كبيرة مع روسيا داخل الأراضي السورية، أعاد الأمور إلى ما كانت عليه قبل هجوم النظام الكيميائي. تابع أهالي دوما النزوح، وتحرّكت قطعات الجيش السوري باتجاه الجنوب إلى الخاصرة الدمشقية في مخيم اليرموك، وأطراف حي التضامن، وبدأت بالقصف هناك لإخلاء المنطقة، كما يمّمت شطر القلمون، فعقد النظام اتفاقاته التي تخلص إلى تهجير جديد مع "الضمير" و"جيرود" ومجموعة البلدات الصغيرة المحيطة بهما، مفرِّغاً القلمون أيضاً من المقاتلين وذويهم.

كان ذلك كله يحدث فيما عملية غصن الزيتون العسكرية التركية تكمل فصولها، ليسيطر الجيش الحر المدعوم تركياً على عفرين بشكل كامل، وهو يعد العدة، فيما يبدو، للتحرك إلى مناطق أخرى، لتوسيع سيطرته، وجعل مدى أمانه أكبر في ظل تفهّم روسي، وغضّ بصر إيراني، وتململ أميركي لن يسفر في الغالب عن شيء.

تبدو الدول الثلاث، تركيا وروسيا وإيران، ممسكة بالفعل بجزء كبير من الملف السوري، فتركيا نشطة في الشمال، وتحاول تطهير القطاع الملاصق لحدودها من المقاتلين الأكراد، وتتحرّك إيران مع روسيا في الوسط لتعيد إلى النظام السيطرة على كل البؤر الصغيرة والكبيرة التي كانت تسيطر عليها المعارضة، مع الحفاظ على وضعية الجمود في درعا، حيث الحدود الملاصقة لفلسطين المحتلة. وفي الشمال، في محافظة إدلب بالذات، يخيم الهدوء نفسه، حيث يمكن أن تكون المنطقتان موضوعاً لمحادثات "سورية سورية" برعاية دولية في جنيف، وهو الاسم الذي تكرّر في البيان الختامي لمؤتمر القمة الثلاثي في أنقرة، مع غياب ذكر مؤتمري سوتشي وأستانة ضمن الوضع الجغرافي الجديد.

قد تصبح الحاجة ملحةً لتوسيع هذا الإطار الثلاثي في مرحلةٍ مقبلةٍ، فقد نقلت تقارير إخبارية أن طيراناً عراقياً نفذ هجماتٍ جويةً على وجود "داعش" وتجمعاتها داخل الأراضي السورية، وكذلك عن تدخلات إسرائيلية في الجنوب، ومنعها أي محاولة إيرانية من التقدم نحو حدودها.

ثمّة صعوبات تعترض توسيع التجمع الثلاثي، ليشمل دولاً أخرى، فالجميع متمترسٌ بما كسبه. وليس هناك نية بالطبع لدى أي قوةٍ من القوى الثلاث الأساسية بسحب قواتها العسكرية من سورية، لا الآن ولا في المستقبل المنظور. وهذا يفسح المجال أمام احتمالاتٍ كبيرة، فالاتفاق بين هذه الدول قد ضيق جبهات المواجهة، وحدّدها، وحصرها في أربعة أماكن رئيسية: المنطقة التي يحتفظ بها النظام، وهي تشكل حالياً القسم الأكبر من سورية. ويبدو أن هذا القطاع الكبير فيه تجاوز لـ"سورية المفيدة"، لتصبح سورية المقيدة، وهي المحاطة بما يشبه الحصار. وتحتل القوى الكردية المرتبة الثانية من حيث السيطرة المساحية، ومن خلفها دعم أميركي قلِق، سيُحدث انسحابه، في أي لحظة، تفجيراً جدياً في الوضع، وإزاحة للطاولة يميناً وشمالاً. وهناك منطقة إدلب، وهي رقعةٌ مساحيةٌ تتاخم الحدود التركية، والأهم أنها تحاذي منطقة النظام الحميمة، وتهدّده بشكل مباشر.

أما المنطقة الرابعة والأخيرة فهي الجنوب الذي يسيطر على الحدود مع الأردن و"إسرائيل"، وفي هذه المنطقة، وجود أميركي فعال، ومراقبة إسرائيلية عن بعد، وتلهف إيراني للوصول.

لم يكن الهجوم الكيميائي على الغوطة نقطة فارقة، ولا حتى الضربة الأميركية، لكن العلاقة الفارقة، ونقطة الحيرة والتساؤل هي كيفية التعامل مع المساحات الكبيرة، والمفتوحة على حدود الدول المجاورة، وقد تكون هذه مهمة مؤتمر جنيف العسيرة.

اقرأ المزيد
٢٤ أبريل ٢٠١٨
الفتح النوري بين العراقي والسوري!

في الغارات الأميركية - الفرنسية - البريطانية «المحدودة» جداً، على أهداف لها علاقة بالسلاح الكيماوي السوري، لم تجد من يوقفها، لا صواريخ الروس ولا مضادات الإيرانيين والأسديين، هذه حقيقة واضحة.

لكن لحظة... نسينا بندقية مواطن سوري «أسطوري» أسقط الصاروخ الأميركي الذكي، ليست أدري كيف ميّز أنه أميركي وليس فرنسيا أو بريطانيا مثلا!

ما علينا، القصة كما يسردها لنا الصحافي اللبناني حازم الأمين بجريدة «الحياة»، أتت على هذا النحو: «أحد الناطقين اللبنانيين بلسان النظام السوري على إحدى القنوات التلفزيونية اللبنانية يروي كيف أسقط جندي سوري ببندقيته صاروخاً كانت أطلقته الطائرات الأميركية في الغارة التي نفذتها أواخر الأسبوع الفائت على قواعد النظام السوري في دمشق وحمص».

يضيف حازم: «قال الناطق إن الجندي السوري تلقى أوامر بالتصدي ببندقيته للصواريخ فأصاب محرك الصاروخ، وسقط الأخير من دون أن ينفجر، وأهداه الجيش السوري للجيش الروسي لكشف (ذكاء) هذه الصواريخ التي تحدث عنها دونالد ترمب».

يبدو هذا «البواردي» السوري، والبواردي باللهجة السعودية تعني «القناص الماهر»، أقول يبدو أن هذا البواردي السوري تفوق بمراحل على البواردي العراقي من قبل، الفلاح صاحب بندقية «البرنو» الذي أسقط مقاتلة الأباتشي الأميركية المخيفة عام 2003 في حرب إسقاط نظام صدام حسين.
حينها روّج إعلام البعث الصدّامي هذه البطولة النقية الطبيعية شبه الإلهية، - لاحقا صارت الحروب كلها إلهية صافية مع جماعة نصر الله - وتلقّف جملة من العرب وبقية المسلمين هذه «الخبرية» بكثير من الحماس الفوّار.

أتذكر وقتها أن خطيبا سعوديا شهيرا هو د. عائض القرني، دبّج قصيدة عصماء في الفلاح العراقي البواردي، المتكنّى بأبي منقاش، تشيد ببطولة صاحب بندقية «البرنو» الخارقة الحارقة، ومما جاء بقصيدته:
يا أبا منقاش أحسنت فزد / فعلكم يا ابن العلا فعل الأسد
الأباتشي أنت من أسقطها / برصاص مثل حبات البرد
اشحــن البندق بالنار ولا / تتقي الموت فإن الأمر جد
اذبـح العلج علـى خيبته / ثم رّتل: قل هـو الله أحد

قناصنا السوري، حسب إعلام البعث الأسدي، الممتزج ببخار الإعلام الخميني المقاوم، تفوق على نفسه، فالإصابة بلغت من الدقة استهداف محرك الصاروخ «الذكي» وليس جسمه أو رأسه المتفجر، أمر أذكى بكثير مما فعله أبو منقاش العراقي.

يجب الحفاظ على هذه النوادر البشرية، صائد «التوماهوك» الأميركية، سليما كاملا، مثله مثل الصاروخ الذي أسقطه سليما معافى، حتى لا تضمحل هذه القدرات ببحر الجحود العربي المعتاد!
أمة عربية واحدة... ذات بندقية خالدة.

اقرأ المزيد
٢٤ أبريل ٢٠١٨
ذرائع الاستبداد

لم يختر السوريون حافظ الأسد رئيساً لهم. ففي «الوقائع»، أن الأسد قاد انقلاباً عسكرياً في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1970 على رفاقه في سلطة البعث، التي كانت هي الأخرى نتيجة حركة انقلابية في الثامن من مارس (آذار) عام 1963، جرت بعده صراعات دموية بين الانقلابيين، أبرزها انقلاب 23 فبراير (شباط) الذي جعل من حافظ الأسد ورفاقه الذين تمرد عليهم يمسكون بالسلطة، وقبلها لم يكن معظم من وصلوا إلى السلطة أشخاصاً معروفين، ولا كانوا يمثلون شيئاً بالنسبة للسوريين، إنما مجرد أشخاص أوصلتهم الدبابات إلى مركز السلطة والتحكم في مصير الدولة والمجتمع في سوريا.

عندما حدث «انقلاب آذار» 1963، كان حافظ الأسد مجرد ضابط صغير برتبة نقيب متقاعد، أعاده رفاقه الانقلابيون في اللجنة العسكرية «البعثية» إلى الجيش ورفّعوه إلى رتبة مقدم، وسموه آمراً لقاعدة ضمير الجوية بالقرب من دمشق، ثم رفّعوه مرة ثانية عقب «انقلاب شباط» 1966 إلى رتبة لواء، وجرى تسليمه منصب قائد القوة الجوية، ثم جرت تسميته وزيراً للدفاع في حكومة يوسف زعين، وعندما استقالت الحكومة بعد هزيمة 1967، رفض الاستقالة من وزارة الدفاع، وخاض صراعاً عنيفاً مع رفاقه قاد لانقلابه عليهم ووضعهم في الاعتقال لأكثر من عشرين عاماً.

بعد انقلابه عام 1970، جلب أحمد الخطيب نقيب المعلمين في حينها، وولاه منصب رئاسة الدولة، واحتفظ لنفسه برئاسة الحكومة ووزارة الدفاع وقيادة القوات الجوية، ممهداً لإقامة نظام رئاسي، يتم الصعود إليه بالاستفتاء المضبوط بقوة أجهزة المخابرات وسيطرتها، التي كان قد أحكم قبضته عليها، وبفعلها وصل إلى منصب رئاسة الجمهورية في مارس 1971 وأخذ يكرر استفتاءاته المحسوبة نتائجها مسبقاً، وآخرها عام 1999.

طوال ثلاثين عاماً، لم يرَ الأسد الأب في السوريين شعباً، بل مجرد أداة لوجوده في سدة السلطة، وكان كلما أحس أو لمس مشكلة في تلك الأداة ووظيفتها، قمع حركتها السياسية والمدنية والشعبية، فكان عهده سلسلة متواصلة من القمع والإرهاب والديكتاتورية، ارتكبت فيه كل الجرائم؛ من القتل والاغتيال والاعتقال الطويل ضد معارضيه بمن فيهم رفاقه، إلى المجازر ضد الشعب في دمشق وحمص وحماة وحلب وجسر الشغور وتدمر وغيرها، ليضمن البقاء في سلطة الحكم الفردي – العائلي - الطائفي الذي سعى لتكريسه حكماً وراثياً لأبنائه، فكان لباسل، وعندما مات، استبدل ابنه الثاني بشار به.

ومثلما لم يختر السوريون حافظ الأسد لرئاستهم، فإنهم لم يختاروا وريثه بشار، وقد حمله سدنة النظام من أشخاص وأجهزة وسط قبول إقليمي ودولي إلى كرسي الرئاسة بعد تعديل «الدستور» في جلسة واحدة بما يتوافق ووصوله إلى رأس السلطة، وفق آلية الاستفتاء المحسومة النتائج سلفاً، التي كرست أباه رئيساً حتى الممات في سوريا.

ومثلما فعل الأسد الأب في بداية عهده في إسكات السوريين وتطويعهم بـ«إصلاح النظام» وذهابهم إلى عهد جديد، ساير الابن تطلعات الحراك الثقافي والاجتماعي لربيع دمشق، قبل أن ينقلب عليهم، اعتقالاً وسجناً وملاحقة، وقمعاً للحراك الوليد، وإغلاقاً لكل إمكانيات إصلاح النظام بطريقة تدرّجية وآمنة، واختار طريق أبيه، فجدد رئاسته الثانية بالاستفتاء، وقمع بالقوة الوحشية ثورة السوريين ومطالبهم بالحرية والديمقراطية وبمستقبل أفضل للسوريين وبلدهم، وفتح أبواب التطرف والإرهاب بإطلاق قواه من كل نوع وصنف، ثم استعان بالتدخلات الإقليمية والدولية للتغلب عليهم قبل أن يجدد رئاسته الثالثة وسط بحيرة من الدم والدمار وتهجير ملايين السوريين، مجسداً شعار شبيحته «الأسد أو نحرق البلد».

وسط تلك المحصلة الجهنمية، التي أغرق فيها الأسد الابن سوريا والسوريين، ثمة نقطة تثير الاستغراب، جوهرها أن ثمة من لا يزال يؤيد بقاء الأسد ونظامه في سوريا تحت مبررات مختلفة في سلسلة متواصلة من المحلي إلى الإقليمي والدولي، تارة باسم السيادة الوطنية أو القومية أو معاداة إسرائيل، وبحجة أن لا بديل له، وكلها مبررات أسقطها نظام الأسد وداس عليها بالممارسة العملية طوال أكثر من سبع سنوات.

ولعل الأغرب من الدفاع عن الأسد وتأييد بقائه ونظامه في سوريا، وصف السوريين بأنهم «شعبه» كما يرد في كلمات ومقالات مسؤولين سياسيين بينهم مؤيدون للثورة ومعارضون لنظامه، وفي تقارير دولية حقوقية، وأخرى إخبارية، يتناسى فيها الجميع، وصف الأسد للسوريين في خطابه الأول بعد الثورة عام 2011 بأنهم جراثيم، ثم حديثه عن المجتمع المتجانس الذي كرسه في خلال حربه ضد السوريين، وكلها تثبت أن السوريين ليسوا «شعبه». شعبه فقط، كل من ذهب معه في مسيرة الدم والدمار والتهجير، ومن يؤيد بقاءه في السلطة، والساكتون عن جرائمه.

اقرأ المزيد
٢٣ أبريل ٢٠١٨
يا له من عدوان ثلاثي

من حق الأسديّة إطلاق صرخات البهجة والسرور بمناسبة ما أسمته "فشل العدوان الثلاثي" عليها، والذي لا أدري كيف كان له أن ينجح، إذا كان من نفذوه قد أرادوا له أن لا يُسقط بشار الأسد، أو يغير موازين القوى لصالح الثورة، أو يوقف الحرب الروسية/ الإيرانية/ الأسدية ضد السوريين.

وكيف تنجح الملاعبة العسكرية الأميركية/ البريطانية/ الفرنسية، إن كانت لم تستهدف الأسد، أو موازين القوى الراجحة لصالحه، أو وقف حربه ضد السوريين، أو تدمير أسلحته التي يقتل شعب"ه" بواسطتها منذ نيف وسبعة أعوام؟. وكانت أطراف "العدوان الثلاثي" لم ترغب في الضرب على يديه، لمنعه من مواصلة مجازر القتل المنظم بكل سلاح، والتي ينفذها جيشه بدعم روسي مفتوح وإيراني حثيث، بالتعاون مع أحط حثالات الإرهاب في أفغانستان والعراق ولبنان وبنغلادش وأوزبكستان.. إلخ؟. ثم، كيف يكون ما حدث عدواناً، إن كان من نفذوه لم يستهدفوا أيضاً شركاء الأسد، ولم يرموا إلى إخراجهم من سورية، أو إلى تطبيق حل سياسي دولي بقوة قرارات دولية أصدرها مجلس الأمن لوضع حدٍّ للمقتلة المستمرة منذ سبعة أعوام، التي يتعرّض لها ملايين الأطفال، لأن آباءهم ارتكبوا جريمة المطالبة بالحرية، وهي حق يكفله لهم دستور بلادهم الذي أصدرته الأسدية، وتضمنه شرعة حقوق الإنسان والقوانين الوضعية ووصايا الأديان؟.

وأيّ عدوان هذه الملاعبة العسكرية التي حرص منفذوها على عدم المسّ بجيش الأسد ومرتزقته! لذلك لم يصيبوا أحداً منهم بقنابلهم وصواريخهم التي دخلت إلى سورية، وخرجت منها من دون أن يعترضها الروس، أو يجدوا في أنفسهم الجرأة على إطلاق رصاصة واحدة عليها؟ وبأية وقاحة يجيز الأسد لنفسه الحديث عن "عدوان ثلاثي" تشبّهاً بـ "العدوان الثلاثي" على مصر الناصرية بعد تأميم قناة السويس عام 1956، وكان غرضه إسقاط جمال عبد الناصر، حسب تصريح لرئيس وزراء بريطانيا آنذاك، أنطوني إيدن، واحتلال مصر، كما أعلن رئيس وزراء فرنسا، جيه موليه، بينما تستهدف "الملاعبة العسكرية الحالية" الإبقاء على الأسد وسلطته، وعلى تفوقه العسكري على الثورة، وتقتصر على أخذ سلاحه الكيميائي، وعدم المس بأسلحة أشد فتكاً منه، والسماح له باستخدامها، وهو على ثقةٍ من أن أحداً لن يزعجه، مهما أسرف في قتل شعب"ه"؟.

ما الشبه بين ما جرى عام 1956 ضد مصر، واستهدف اقتلاع الثورة العربية من جذورها، والقضاء عليها في مهدها المصري، و"عدوان" مزعوم يحافظ على من يستهدفه، ثم يعلن القائمون به توبة نصوحاً عن تكراره، من خلال تأكيدهم أنه فقد ما كان في حوزته منه، وأنهم دمروه إلى سنين عديدة مقبلة؟

هللت الأسدية لإفشال "العدوان الثلاثي" الذي لو كان عدواناً بحق لاقتلعها من جذورها، ولما وجد بطل البراميل الوقت للاحتفال بانتصاره، لأن الأموات لا ينتصرون ولا يحتفلون. بدورها، هللت الكنيسة الأرثوذكسية "المقدسة" لفشل "العدوان الثلاثي"، وانخرطت، برخصٍ وسفاهةٍ، في جوقة الدجل، فرحاً بنجاة المجرم من "عدوانٍ" لم يقع عليه، لحرص من نفذوه على مواصلته ذبح السوريين إلى آخر طفل وامرأة، وتمكين الكنيسة وكتبتها، الذين تجرّدوا من أي شعورٍ إنساني، من الزحف على بطنها أمام مخابراته.

يثير التهليل لفشل "العدوان الثلاثي" على الأسدية القرف، وأكثر ما يثير القرف فيه عدوان الأسدية الوقح على جمال عبد الناصر ومصر، الذي يشبّه مجرماً قتل الملايين من شعب"ه" وشرّدهم، بزعيم أمة العرب التاريخي الذي استشهد وهو يدافع عنها.

اقرأ المزيد
٢٣ أبريل ٢٠١٨
سوريا... تقتيل وتشريد

نعم الشعب السوري العربي ليس قطيعاً من الخرفان ينتظرون الذبح بقلة حيلة، تلك الفكرة يجب أن تحارب وتقتل بأي ثمن كان، ويؤكد الواقع أنه شعب حي، حتى وكالات الأمم المتحدة أوقفت تسجيل عدد القتلى السوريين في هذه الحرب المدمرة، وهي التي تقع بين طلاب الحرية وحقوق الإنسان الطبيعية في الاختيار وفي القول، وبين ديكتاتورية قاهرة. منذ سنتين على الأقل أوقفت الوكالات الدولية المتخصصة تعداد القتلى السوريين، توقفت عام 2016 على أربعمائة ألف قتيل مؤكد قضوا تحت تدمير سلاح النظام السوري وبراميله المتفجرة وخلطته الكيماوية، وهي الأعداد المؤكدة التي ذبحها النظام وحلفاؤه في المدن والبلدات والقرى السورية، كما أوقف تعداد المُهجّرين والنازحين الذين شُتتوا الآن في كل مناطق الدنيا وأركانها، ويُعدون بالملايين. هل لمثل هذا النظام، بصرف النظر عن التفاصيل، أن يبقى وأن يعاد تأهيله؟ ذلك مضاد لمسيرة التاريخ، كما هو مضاد للمنطق، على الرغم من مرور سبعين عاماً من الاستقلال السوري عن فرنسا، الآن، فإن «حكم الأسد» العائلة، قد أخذ أكثر من نصف كل تلك المدة، وكأنها ملكت سوريا بشراً وأرضاً.. لم يقم نظام سياسي بربع ما قام به نظام الأسد من قتل وتدمير، وبقي على حاله. في المدى المتوسط سوف يسقط النظام؛ فقد خلّف الكثير من الكراهية العميقة والمقت لدى أوساط الشعب السوري بكل مكوناته، حتى من يخرج اليوم هاتفاً باسمه، وهم قلة، هؤلاء في داخل نفوسهم شبه يقين أنه من الممكن أن يصبحوا وأولادهم الضحية المقبلة. لقد انفتحت شهية الدم، وهي شهية ملعونة لا تتوقف عن طلب المزيد. يشارك النظام قوى كثيرة في تلك الشهية، الأولى هي الآلة الحربية الروسية.

روسيا ترغب في تحقيق أكثر من هدف؛ الأول هو استمرار أنظمة على شاكلتها، فتكون مرتاحة أكثر إن كان على الساحة العالمية أنظمة تشبهها. كما ترغب في أن يكون لها موطئ قدم في المياه الدافئة، الحلم القيصري القديم، يدفئ بها الشهية القومية الروسية التاريخية، وثالثاً يفرض وصايته في الشرق، التي فقدها في بعض مناطق أوروبا، وبذلك هو لا يرسل الطائرات والمدافع والجنود، بل وحتى المرتزقة الروس الذي تلفظهم «المافيات» من كل نوع، للقتال في الأرض السورية، بما يدفع لهم من مال، على أمل تكوين كتائب مرتزقة للبيع في أماكن أخرى من بؤر الصراع في العالم.

وفي الجانب الإيراني، يفضل نظام طهران أن يتوسع في العمق العربي، تحت شعارات شتى، ويجلب معه قوى شبه مرتزقة، تقاتل بسبب المال الذي يدفع لها، وبسبب التمكين في رقاب الناس لزعمائها الذين يلبسون لباس الدين. الحلال في كل ذلك هو دم الشعب السوري الذي يقتل كما النعاج أو أشد هواناً!

المفزع، أنه بعد إرسال الصواريخ من الدول الثلاث الكبرى في العالم احتجاجاً على ذلك القتل العشوائي بالكيماوي، تخرج لنا ألسنة النظام السوري ومحازيبه بمجموعة من المصفوفات المضللة، والمفارقة للمنطق، كاتهام الغير بالعمالة، في الوقت الذي يتحكم في سوريا اليوم كل من موسكو من جهة وطهران من جهة أخرى، ويوضع النظام السوري ليس في خانة العمالة، بل وفي خانة التبعية الذليلة المطلقة، وتسليم البلاد السورية لأجانب، يقبل كل ذلك فقط من أجل الاحتفاظ الشكلي بالحكم والرئاسة، التي لم تعد تعني حتى حروف كلماتها. كما يخرج سيل من التابعين للنظام في عملية واسعة لا تحترم حتى العقول، بالقول إن «النظام انتصر»، وإنه «أصبح أقوى مما كان»، بل يذهب التزييف في قول أحدهم علناً على التلفزيون، إن الأوامر صدرت أن «تُصد الصواريخ حتى بالمسدسات»! في إهانة مطلقة للعقل البشري السوي. في أي صراع بين إرادة الأغلبية، وإرادة الأقلية، تنتصر الأغلبية، مهما ظهر غير ذلك، ومهما طال الصراع، فالشعب السوري قاوم ويقاوم، وسوف يقاوم في السنوات المقبلة، ومن يعتقد أن تلك المقاومة قد ضعفت أو تراخت فهو واهم وغير مطلع على صيرورة تاريخ الشعوب في شرقها وغربها. حرص النظام السوري منذ أن تولى البعث (بالاسم) الحكم، على هيكلة وإعادة هيكلة الفضاء السياسي السوري على محور عائلة الأسد، التي حكمت أكثر من نصف عهد الاستقلال بكامله في أول ظاهرة توريث جمهورية على النطاق العربي! واستخدم في ذلك كل الأدوات غير السوية، منها الإخفاء القسري للمعارضين، وإلقاء الجثث في البحر (لا جثة لا جريمة)! والاغتيال في وضح النهار، كما حدث في بيروت عام 2005 في اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، بأدوات أثبتت المحكمة الدولية تورطها في الاغتيال، رغم كل السيناريوهات التضليلية التي رافقت الاغتيال، من أبو عدس حتى الموساد الإسرائيلي. الاتجاه الكلي الذي يذهب إليه العالم هو التحرر وإشاعة حقوق الإنسان وبناء الأوطان على أسس حديثة عادلة، بقاء النظام السوري، يعني بقاء سوريا في ذيل التطور العالمي، يعني استمرار الماضي، وهو أمر لم يعد قابلاً للتنفيذ، بل أصبح مستحيلاً بقاء وممارسة النظام الحالي، بصرف النظر عن مؤيديه واستخدامهم القوة الغاشمة لإشاعة الصمت السياسي للسوريين. على مقلب آخر، فقد ظهر للعالم أنه رغم محدودية «ما عرف بالضربة الثلاثية»؛ فإن تهديدات النظام الروسي والنظام الإيراني في المقاومة وإسقاط الصواريخ، بل وضرب مواقع إطلاقها، كل ذلك لم يتبلور، فقد كان لغواً واستهلاكاً ينثر للعوام، وقد ظهر أن النظام الروسي غير قابل أن يذهب إلى حرب مدمرة بسبب تحالفه مع الأسد. في القادم من الأيام قد يعود نظام الأسد إلى استخدام أسلحة محرّمة أو قتل على نطاق واسع؛ فهو يرغب في تحقيق «انتصار» على شعبه، وقد تعود الدول الكبرى إلى التهديد أو الفعل، وقد تعجز موسكو وطهران عن تبرير كل ذلك القتل لشعب عربي يرغب في التحرر من نظام قمعي. وبسحب كل من الثقة بالنظام وضعف اليقين بضرورة وجوده، وهما عاملان سيؤديان إلى سحب التأييد العلني أو الخفي من النظام، والتشكيك حتى من حلفائه في إمكانية استمراره، هذه حقيقة لا تخفى على الروس على الأقل، وإن تم إخفاؤها على الشعوب الإيرانية أو أزلامها حتى الآن! فالسوريون ليسوا أشباه شياه ليستمر قتلهم، وفي وقت ما سوف يقدم كل من أجرم في حقهم إلى العدالة.

آخر الكلام:
تشهد المدن والبلدات والقرى السورية ما لم تشهده سدوم وعمورة من خراب!

اقرأ المزيد
٢٣ أبريل ٢٠١٨
سوريا حلبة الصراع!

تلك البلاد ذات الطبيعة الخلابة والمدن العظيمة بعمائرها ومبانيها، والقرى الخضراء المتربعة على عرش الجمال، تلك البلاد بجلالها وجمالها، عامرة بطيبها وكرمها، بتألقها ورونقها، لا يمكن تصديق أنها ستعيش يوماً ما فاجعة، فاجعة كبرى يفنى من خلالها كل معالم الجمال ويُجبل ترابها بالدماء، ويُخلط ماءها بالدماء وتنغمس لقمتها بالدماء وحتى بياضها انطلى عليه اللون الأحمر القاتم، ولا يمكن تصديق أن هذه البلاد تحولت من جنة الياسمين والصفاء إلى حلبة صراع كبرى قُتلت فيها الإنسانية واغتيلت الطفولة والحياة.

الفاجعة الحقيقية التي تعيشها سوريا، بداية الأمر لم تكن فاجعة بكل معانيها، كانت تعيش ثورة سلمية تسير في طريقها إلى هدف وتغيير جديد على الواقع الغير مرضي في ذلك الوقت، سارت الثورة السورية بسلاسة وكانت أهدافها ومطالبها واضحة لم تخرج عن مسمى الثورة في بدايتها عندما كانت صامدة بسلميتها ووحدتها وكانت رصينة بمبادئها وصلبة بمواقفها، لكن سرعان أن علا صوت الحناجر فيها، قوبلت بالحرب، وتجلت فيها الدموية وانحاز فيها كل شيء عن السلمية لسبب بسيط وهو أن ردعها كان لا يمكن أن يكون سوى بالحرب فلجأ خصمها إلى هذا الخيار في مواجهتها.

الفاجعة تكمن في أن سوريا تعددت فيها الأطراف وكثرت السلطات وتحولت القضية من ثورة إلى حرب ضخمة غير متوازية بتاتاً، حرب غير متوازية تحول فيها الشعب السوري إلى خصم وطرف وحيد أمام أطرف عديدة انحازت إلى جانت خصم الثورة وعدوها، ورغم أن الثورة تعيش هذه الحرب الغير متوازية من جميع النواحي إلا أنها كانت أكبر من أن تخسر وتقمع بسهولة رغم خلوها من العنف اتجاه عدوها لعدم كسبها يد حديدية تضرب بها عدوها كالرصاص والقذائف، يدها الحديدية التي ضربت بها كانت حينها الصرخة والثبات والصمود.

اليوم أصبح التراب السوري مقسم ومشتت، أرض متعددة النفوذ، بلاد متعددة الاحتلالات، تغير الواقع أصبح أكثر اضطراباً ودموية لم يعد في الساحة السورية ثورة ومعارضيها، لا بل طغت على الثورة خصيصاً حرب سياسية من جهة ومن جهة أخرى حرب عسكرية أكثر عنفاً، الثورة وحيدة وخصمها كسب العديد من الصداقات الدولية التي جرها إلى سوريا لتقابل الشعب السوري بكل جبروتها.

وهنا النقطة الأساسية هي أن سوريا خرجت عن مفهوم الثورة ضد خصم واحد، عندما كان نظام الأسد على وشك الانتهاء لم يكن في الحسبان أن الأسد سيكون سخياً جداً، كان سخياً بثمن التراب السوري ولكنه كان أكثر صرامة وتقديس لثمن الكرسي الذي يجلس عليه حتى تحولت سوريا إلى ساحة حرب بدخول قوى ودول كبرى ليكون لها موقف في سوريا بعد أن رخص نظام الأسد التراب والأرض السورية لكل من يُبقي له الكرسي والسلطة.

لو نظرنا إلى الخارطة السورية اليوم سنرى العاصمة الأموية دمشق في يد وحكم إيران وروسيا وفي الجنوب إسرائيل وفي الشرق أمريكا وفي الشمال تركيا، هؤلاء كانوا أشد أصدقاء النظام السوري باستثناء تركيا، لا يهم معنى الصداقة اتجاه ما تفعله روسيا وإيران وأيضاً أمريكا لنظام الأسد ان كان يحقق الأسد ما يريده بذلك، ألم يجعلوه يصمد!، ألم يقدموا له القوة العسكرية!

ألم يدافعوا عنه حتى الأمس في مجلس الأمن ويطمسوا جرائمه المستمرة والمشتركة معهم، هؤلاء "كانوا" حلفاء الأسد لكن اليوم دولياً لم يعد الأسد طرفاً في سوريا ولا حتى حاكم أو سلطة، أصبحت الأطراف المسيطرة على سلطة الأسد والتي جعلتها تصمد إلى اليوم هي الطرف والخصم اتجاه السوريين لأن نظام الأسد سقط فعلياً منذ سنوات وسنوات.

الأسد كان محظوظاً بمن اعتبرهم أصدقاء له، أما الشعب السوري في ثورته كان أشد بؤساً وخسارة في عدم وجود أصدقاء جادين يمتلكون موقف صادق يتوافق مع مواقف الثورة السورية، فالثورة كانت وما زالت وحيدة بمبادئها ومواقفها، صحيح أننا سمعنا الكثير ممن يقول أنه صديق للشعب السوري لكن صداقته لم يبرهنها سوى بالشجب والاستنكار والتنديد، حتى سياسياً لم يقفوا بجدية، بينما حلفاء الأسد برهنوا معنى الصداقة والتي طبعاً تختبئ خلفها مصالح سياسية كبرى، برهنوها بطريقة فعالة ومقنعة.

وبعد تطاول نفوذ من رخص لهم النظام دخول واحتلال سوريا من روسيا وإيران وعصابات أجنبية وكل من دخل مستنقع الحرب في سوريا والتوسع والتمدد أكثر مما تسمح به دول الغرب بعد أن أعطتهم الضوء الأخضر لدخولهم سوريا، كانت دول الغرب تحاول ألا تجعلهم يتمددوا في سوريا أكثر مما تريد، وألا يعيشوا السيطرة والنصر في سوريا من نظام الأسد إلى روسيا، لذلك أتت الضربة الثلاثية الأخيرة لنظام الأسد في سوريا، كانت أهدافها عميقة لو لم يقابلها تجاوب سياسي قبل حصولها، ورغم حصولها فهي كانت تصب في مصلحة نظام الأسد ورسائل سياسية وقد تكون عسكرية أيضاً إلى من يقاتلوا ويسيطروا في سوريا.

ومع تصاعد الأحداث والتغيرات على مصير الحرب على الأرض في سوريا سترون أن المواجهات والصراعات قائمة بين أمريكا وروسيا وبين إيران وإسرائيل لأنها أصبحت هي الأطراف الموجودة والمسيطرة على الأرض عسكرياً، فهذه صراعات أساسية وحدوث خلاف حقيقي بينهم وانتصار حلف فيها على حلف آخر هذا يعني حدوث تغير كبير على الأرض السورية ولا تنسوا الصراعات الداخلية التي تقوم بها عصابات وجماعات تمسك خيوط توجههم دول لها أهداف ومصالح وتتطلع لتحقيقها على الأرض السورية بعد أن تدمر الجيش الحر وتلبسوا لقبه.

وبشكل عام على الأرض السورية نحن نواجه صراعات ظاهرياً نراها جدية بغض النظر عن السياسة الخفية بين الأطراف والحلبة هي سوريا، وأكثر ما يؤسفني الوصف الصحيح والدقيق الذي كتب في أحد الكتب التي تتحدث عن سوريا وأتحفظ على اسمه واسم مؤلفه بحسب ما طلب في مقدمة كتابه، والذي يقول "سوريا موقع القيادة أو كما وصفها توينبي هي الحلبة التي تواجه فيها كل القوى بعضها مع البعض الآخر"، وصف دقيق ومؤسف يترجم حاضر اليوم، نعم سوريا تحولت إلى حلبة صراعات دولية وحقل لتجربة الأسلحة أيضاً.. ويسمر الصراع والموت ونحن الضحايا.

اقرأ المزيد
٢٢ أبريل ٢٠١٨
شرف الأسرة الدولية والوحل السوري!

يوم الثلاثاء الماضي قال الرئيس إيمانويل ماكرون أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، إن الضربات العسكرية الأخيرة الأميركية والفرنسية والبريطانية على مواقع النظام السوري «لا تحلّ شيئاً، لكن الدول الثلاث تدخلت حفاظاً على شرف الأسرة الدولية؟».

هكذا بالحرف: شرف الأسرة الدولية، لكن يجب بالضرورة أن نضيف، وشرف الشرعية الدولية والأمم المتحدة ومجلس الأمن، لكن ذلك لا يمنع من طرح السؤال الموجع: ماذا بقي أصلاً من هذا الشرف، بعد سبعة أعوام من الحروب الكارثية، التي دمرت سوريا وسقط فيها ما يقرب من نصف مليون قتيل، وتهجّر أكثر من 12 مليون سوري، واستهلكت منذ عام 2011 بعثة المراقبين العرب ورئيسها السوداني محمد علي الدابي، ثم بعثة المراقبين الدوليين ورئيسها النرويجي روبرت مود، ثم المبعوث كوفي أنان، ومن بعده الأخضر الإبراهيمي، وأخيراً ستيفان دي ميستورا الضائع هو ومؤتمرات جنيف التسعة، بين مسلسلي آستانة وسوتشي؟

حفاظاً على شرف الأسرة الدولية، في وقت تقول السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، إن النظام السوري، استعمل قبل مذبحة دوما الأخيرة، السلاح الكيماوي 50 مرة، رغم التزام الرئيس فلاديمير بوتين بعد مذبحة الغوطتين في سبتمبر (أيلول) من عام 2013 بأن يسلّم النظام السوري ترسانته من الأسلحة الكيماوية الممنوعة دولياً، وفي وقت تشتبك مع زميلها الروسي فاسيلي نيبينزيا، بعدما استعملت روسيا حق النقض 12 مرة لتعطيل قرارات الشرعية الدولية في مجلس الأمن، منها ست مرات تتعلق باستعمال السلاح الكيماوي!

طبعاً، لا داعي إلى الإفاضة في الحديث عن شرف الأسرة الدولية الغارق في الوحول السورية وغيرها، لكن من الضروري أن نلاحظ أمرين؛ شكلياً ذا دلالات، وجوهرياً ذا تأكيدات:
الأول، هو ذلك العناق الحار بين نيكي هيلي وزميلها الروسي فاسيلي نيبينزيا، فور انتهاء جلسة مجلس الأمن، التي تبادلا فيها الاتهامات وحتى التهديدات إلى درجة عمقت المخاوف الدولية من انفجار الوضع العسكري بين الولايات المتحدة وروسيا، بعدما أعلن الرئيس دونالد ترمب رداً على التهديدات الروسية بإسقاط أي صاروخ يستهدف دمشق: «استعدي يا روسيا الصواريخ الأميركية قادمة وهي ذكية وجميلة وجديدة»، وهذا العناق يجد مبرراته والتفسيرات في التصريحات الأميركية والفرنسية والبريطانية بعد الضربة الثلاثية على ثلاثة مواقع كيماوية!

أما الآخر، وهو الجوهري، فهو ما كشفته هذه التبريرات والتفسيرات التي أكدت أن تنسيقاً عميقاً وتفصيلياً جرى بين موسكو وواشنطن وباريس ولندن، قبل ثلاثة أيام من العملية، حول الأهداف التي ستتعرض للقصف والتي جرى تفريغها وتحضيرها لاستيعاب الضربة، حيث لم يقع سوى ثلاثة جرحى كما أعلن!

في هذا السياق، قال وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، إنه تم التنسيق مسبقاً مع الروس لتفادي التصادم في الأجواء السورية، وإنه تم قصف ثلاثة مواقع للأسلحة الكيماوية «وليس لدينا أي علم بأي ردٍ من دفاعات النظام الجوية»، وقد تم انتقاء الأهداف، على ما تشير الوقائع، بالتنسيق مع الروس وهي: مركز برزة للأبحاث العلمية قرب دمشق، ومخزن حيم شنشار لتخزين الأسلحة قرب حمص، ومخزن آخر لتخزين سلاح غاز السارين في حمص، وهنا يطرح الخبراء العسكريون سؤالاً لافتاً: لماذا لم يتم قصف موقع جمرايا المهم التابع لمركز البحوث الكيماوية، هل لأن الروس تأخروا في إخلائه كما يقّدر هؤلاء الخبراء؟

الموقف الفرنسي أكد عملية التنسيق مع روسيا عندما أعلنت باريس صراحة أنه تم إبلاغ الروس مسبقاً بالضربات، وأن موسكو بناءً عليه، لم تستخدم أنظمتها للدفاع الجوي لمواجهة الصواريخ الغربية، رغم كل ما كان قد أعلن عن استعدادات في مواقع «إس إس 300»، في حين حرصت الرئاسة الفرنسية على الإعلان أن الرئيس ماكرون الذي كان قد مد يد التعاون إلى موسكو قبل الضربات، لا يزال يعتزم القيام بزيارة مرتقبة إلى موسكو!

والمفارقة، أن «شرف الأسرة الدولية» الذي تحدث عنه ماكرون، ضاع وسط هذه الفوضى المنظمة، فليس من المبالغة القول إن الجميع خرجوا راضين؛ النظام السوري أثبت تماسكه، وتعمّد بث شريط للرئيس الأسد يدخل صباح اليوم الثاني بكامل قيافته إلى القصر الجمهوري حاملاً حقيبة اليد، لكن من دون مرافقين أو حراس، وموسكو لم تتردد في التباهي عندما أعلن رئيس العمليات سيرغي رودسكوي، أنه تم اعتراض 71 صاروخاً مجنحاً عبر منظومات الدفاع الجوي السورية القديمة السوفياتية الصنع، ولم تستعمل منظومة «إس إس 300» و«إس إس 400» من قاعدة حميميم، خلافاً لقول ماتيس إنه لم يطلق أي صاروخ دفاعي. أما ترمب فأشاد بالضربات على طريقة جورج بوش الابن بعد غزو العراق عام 2003: «المهمة أنجزت»!

المثير في الأمر هو الإجماع الذي ظهر في المواقف الأميركية والفرنسية والبريطانية بعد الضربة، والذي يكشف عن رهانات على إحياء مسار جنيف والعودة إلى المفاوضات السلمية، وعلى أن تقوم موسكو بالضغط على الأسد كي يقبل العودة إلى التفاوض، وفي هذا السياق أعلنت واشنطن أنها ستضغط من أجل إجراء محادثات برعاية الأمم المتحدة، وأنها تواصل العمل بقوة مع مبعوث الأمم المتحدة دي ميستورا، وكذلك مع موسكو من أجل السير قدماً في العملية السياسية «والتوصل إلى تسوية سياسية مع التركيز على أمرين؛ الإصلاح الدستوري، وانتخابات حرة وعادلة بإشراف الأمم المتحدة».

هنا يغيب الحديث كلياً عن «عملية الانتقال السياسي» التي عطلت الحل منذ البداية في مؤتمر «جنيف1» عندما فخخ سيرغي لافروف النص الذي يشير إلى دور الأسد بعد الحل السياسي، وبدورها أعلنت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي مباشرة بعد الضربة الثلاثية، أن العملية العسكرية وحدها لا تكفي، والأمل الأفضل للشعب السوري يبقى الحل السياسي، أما بوريس جونسون وزير الخارجية البريطاني فقد كان واضحاً أكثر عندما قال في اجتماع لوزراء الخارجية الأوروبيين: «إن العملية الثلاثية ليست محاولة لتغيير دفة الحرب أو لتغيير النظام، وسيستمر الضغط على الأسد من أجل الجلوس إلى طاولة المفاوضات»، هذا في حين كان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، يعلن أن باريس تريد استعادة المبادرة لضمان الاتجاه نحو تسوية سلمية للأزمة السورية!

بعد كل هذا، هل كثير القول رداً على هذه المراهنات الغربية على العودة إلى تسوية سياسية «يا حصرماً رأيته …» ما لم تتم هذه التسوية عبر الشروط الروسية أولاً وشروط الأسد ثانياً، وحسابات الإيرانيين حول دمشق والأتراك في الشمال… وهو ما يمكن أن يدفع إلى القول: إن شرف الأسرة الدولية الذي يتمرغ في الوحول السورية منذ سبعة أعوام قد يتمرّغ سبع سنوات أخرى؟

اقرأ المزيد
٢٢ أبريل ٢٠١٨
مخيم اليرموك.. تحرير أم تدمير؟!

بعد النكبة الثانية ومنذ الخروج الكبير من مخيم اليرموك الذي تلا قصف طيران الميغ التابع للنظام لجامع عبد القادر الحسيني منتصف كانون أول ٢٠١٢ لا يزال المخيم ينام على اتفاق ويستيقظ على انهياره؟! ولا يزال ذات السؤال يتردد على مدار ست سنوات لماذا تنجح الاتفاقات والمصالحات في بقية المناطق وتفشل في المخيم؟! ولا جواب منطقي ولا مبرر موضوعي لذلك؟!

حتى عصر يوم الخميس ١٩ نيسان أبريل الحالي كانت الأمور تسير على ما يرام وفق أكثر من مصدر مطلع على مجريات المفاوضات وارتفع منسوب الأمل لدى ما تبقى من أهلنا في المخيم المحاصر على مدار سنوات ولدى عشرات الآلاف من مهجريه الذين ينتظرون بفارغ الصبر انتهاء أزمته والعودة إلى بيوتهم وديارهم بعد أن أنهكتهم الغربة وتبعاتها المادية والمعنوية. وعلى غير المأمول بدأت الحملة العسكرية للنظام السوري والقوات الروسية وحلفائهم بعد انهيار المفاوضات وكل جهة تحمل الأخرى تبعات ذلك رغم أن ثمة رواية هذه المرة تؤكد أن فصيلاً معيناً لدى داعش يدعى "الأنصار" هو الذي تعنّت ورفض المغادرة.

لا شك لدينا في الدور المشبوه والتخريبي لداعش وأخواتها في محنة المخيم لا بل إن هناك العديد من إشارات الاستفهام حول كل نشأتها ومشروعها في المنطقة وتزداد إشارات الاستفهام هذه حول طريقة ومبررات دخول داعش إلى المخيم في مثل هذه الأيام من شهر نيسان قبل ثلاث سنوات تحت دعاوى"تحرير" المخيم وإنقاذ أهله وكذا جعله قاعدة للانطلاق إلى قلب العاصمة دمشق وهو مالم يحصل بالطبع ولم يكن متوقعاً أن يحصل أصلاً وقد قلنا ذلك مراراً وتكراراً في أكثر من محفل.

دعاوى "تحرير" المخيم وشعارات تخليصه من هذا الواقع المرير رفعها الجميع وركب موجتها الكل إلا أن الخاسر الأكبر في كل جولة ومعركة منها هو اللاجئ الفلسطيني وجوهر قضيته المتمثلة بحق العودة ومحاولات شطبه ولا يختلف في ذلك اثنان ولا يتناطح عنزان كما يقال؟! فهل من المنطقي أن تخوض بقايا داعش وجبهة النصرة معركة بحجم هذه المعركة ضمن مناطق محاصرة وساقطة عسكرياً بعد كل ما جرى في الغوطتين؟! ولماذا هذا التعنّت في المغادرة والذي تبدو نتائجه واضحة لكل بصيرة وهل من المتوقع أن لا تكون النتيجة الحتمية هي التدمير الشامل للمخيم ومحيطه؟!

من حقنا هنا أن نتساءل عن تعنّت داعش وأخواتها في كل ما يتعلق بوجودها ضمن المخيمات الفلسطينية ومحيطها في حين تمر جميع هذه الاتفاقات بسهولة وسلاسة في مناطق أخرى بل إن بعضها تم انسحاب داعش منها في صورة هي أقرب للاستلام والتسليم؟!

باختصار ما يجري للمخيمات الفلسطينية في سورية بشكل عام هو استهداف ممنهج ومدروس وما يجري لمخيم اليرموك بشكل خاص هو تدمير وشطب لرمز مهم لا بل الأهم من رموز حق العودة وقضية اللاجئين يعيدنا بالذاكرة إلى كل التهديد والوعيد الذي تلقاه المخيم من كل خصومه وأعدائه وفي مقدمتهم المجرم شارون" لك يوم يا مخيم اليرموك"؟!

إن تواصـل النـزاع فـي سـورية أدى إلى تمزيـق حيـاة المدنيـين، إذ سـبب الوفيات والإصابات والتهجيـر الداخلي، وأحـدث أضـراراً واسـعة النطـاق بالبنيـة التحتية المدنيـة، ما يـؤدي إلـى اشـتداد الاحتياجـات الإنسـانية. حيث تعانـي المخيمات والتجمعـات الفلسطينية مـن العنـف المنفلـت، ومن القيـود التي تكبل قدرة قاطنيها علـى التنقـل بحريـة، والانتهـاكات المسـتمرة للقانـون الإنسـاني الدولـي والقانـون الدولـي لحقـوق الإنسـان. ويعـد الفلسـطينيون ضمـن أشـد الفئـات تضـرراً مـن النـزاع. فمـن قرابـة ٤٣٨ الف لاجـئ فلسـطيني لايزالـون داخـل سـورية، يوجـد أكثـر مـن 95 % منهـم ٤١٨ ألف فـي حاجـة حرجـة للمسـاعدات الإنسـانية الثابتـة. ويعانـي حوالـي ٢٥٤ ألف مـن التهجيـر الداخلـي، فيمـا يقـدر أن ٥٦٦٠٠ عالقـون فـي مواقـع يصعـب أو يسـتحيل الوصـول إليهـا. وقد نـزح أكثـر مـن ١٢٠ ألف لاجـئ فلسـطيني مـن سـورية عـن البلـد، وتوجـه حوالـي ٣٢٥٠٠ مـنهم إلـى لبنـان فيمـا وصل ١٧ ألف إلـى الاردن وقرابة ٨ آلاف إلى تركيا و١٠ آلاف إلى مصر وألف إلى قطاع غزة.
 
والعديـد مـن هـؤلاء يعيشـون حيـاة مهمشـة ومحفوفـة بالخطر بسـبب عـدم وضـوح مكانتهـم القانونيـة ومحدوديـة آليـات الحمايـة الاجتماعية، ممـا يجعلهـم معتمديـن بشـدة علـى الأونـروا فـي تأميـن احتياجاتهـم الأساسـية. هكذا تبدو حال فلسطينيي سورية بعد سبع سنوات من الأزمة بحسب النداء الطارئ لعام ٢٠١٨ بشأن أزمة فلسطينيي سورية الإقليمية الذي أطلقته الأونروا مطلع هذا العام مع ملاحظة أن هناك قرابة ٧٥ ألف فلسطيني لم تلاحظهم الأونروا في إحصائياتها كونهم إما غير مسجلين لديها أو يعيشون الآن خارج نطاق مناطق عملياتها لأن تعداد الفلسطينيين الذي كانوا متواجدين في سورية قبل الأزمة وصل تقريبا إلى ٦٣٥ ألف لاجئ.

   

 

والحال كذلك فإن ثمة أسئلة يستدعيها هذا الملف برمته على الأصعدة كافة ولعل في مقدمتها سؤال الواقع والمصير في ظل ما سبق من معطيات ربما سلطت الضوء على جزء من الواقع لكن المصير يبدو مجهولاً ويكتنفه الكثير من الغموض ما يفرض طرح عدة سيناريوهات تحتاج من دون شك رؤية واضحة للتعاطي معها لاسيما أن السمة العامة للتعاطي مع هذه الازمة كان منذ بدايتها التخبط والارتباك ويبدو أن حجم التعقيد يزداد بازدياد تعقد الأزمة السورية ذاتها وتحول سورية إلى ملعب أممي لتصفية حسابات دول كبرى وحروب بالوكالة يدفع ثمنها بالدرجة الأولى سكان البلد وقاطنيه ويجني ثمارها تجار الأزمات ومفتعليها.

 
وهنا يقفز إلى الواجهة سؤال مفاده: ترى من المسؤول عن هذا الملف؟ وفي عهدة من؟ لا يمكن أن يكون مقبولاً من الأونروا مجرد إبداء القلق ومناشدات التحذير كما جاء على لسان ناطقيها كما لا يمكن أن يكون مقبولاً هذا الصمت المريب من الفصائل الفلسطينية فبعد بضع ساعات من الضربة الأمريكية لسورية والتي استمرت فقط ٥٠ دقيقة ولم تقتل فيها ذبابة واحدة كانت جميع الفصائل الفلسطينية قد دبّجت بيانات الشجب والاستنكار والإدانة سينقضي يوم كامل من القصف على مخيم اليرموك المحاصر منذ سنوات والذي أدى لقضاء شهيدين مدنيين حتى اللحظة ولم نسمع لأي من الفصائل الفلسطينية حسيساً؟!

 

الكل مسؤول. نعم، الكل مسؤول. منظمة تحرير، وفصائل تحالف. فلا يجوز التلطي خلف تعقيدات المشهد السوري والهروب إلى الأمام وترك فلسطينيي سورية تطحنهم سلسلة تشابُك المصالح الدولية والإقليمية وتضارُبها. فإذا كان صانع القرار الرسمي الفلسطيني قد وصل إلى نتيجة مفادها صعوبة حل الأزمة، فليس الأمر أقلّ من إدارتها على كل المستويات، سواءٌ في الداخل السوري أو خارجه.

 

لقد آن الأوان لتشكيل مرجعية وطنية لإدارة هذا الملف بعيداً عن المناكفات السياسية والحسابات الفئوية والحزبية التي ملّ منها فلسطينيو سورية لاسيما أنه بدا واضحاً أنهم مكشوفون تماماً ومن دون ظهير لا بل بلا أسوار؟!

اقرأ المزيد
٢٢ أبريل ٢٠١٨
لا تراهنوا على الطلاق بين روسيا وإيران!

يتساءل كثيرون منذ بدء التحالف الروسي الإيراني في سوريا قبل سنوات: ما الذي يجمع الروسي الشيوعي سابقاً والإيراني الشيعي؟ (أيه لم الشامي عالمغربي؟) لا شيء يبدو جامعاً لنظامين على طرفي نقيض عقائدياً وسياسياً وثقافياً، فالنظام الروسي نظام مسيحي أرثوذوكسي ديمقراطي رأسمالي ظاهرياً، ومخابراتي واقعياً، والإيراني نظام ديني أوتوقراطي لا مثيل له في العالم إلا في زمن القرون الوسطى حيث كان رجال الدين يسيطرون على كل شيء. لكن مع ذلك يتلاقى النظامان، رغم الفوارق الثقافية والدينية، في أنهما نظامان مارقان من وجهة نظر الغرب، وأيضاً في أنهما يواجهان عدواً مشتركاً يتمثل في أمريكا والغرب عموماً.

إن الطيور على أشكالها تقع. لاحظوا مثلاً أن النظامين الوحيدين اللذين يتحالفان مع أحقر وأقذر نظام في المنطقة هما روسيا وإيران. والمقصود طبعاً النظام السوري الذي لاقى حماية روسية إيرانية رغم أنه تفوق على النازيين والفاشيين في أفعاله وجرائمه. لا شيء مستحيل في السياسة، طالما تلتقي المصالح، فمعروف عن الإيرانيين أنهم براغماتيون وواقعيون رغم اتباعهم سياسة مبنية على الدين. ولا ننسى أن كلمة «بازار» كلمة إيرانية أصلاً. والبازار هو السوق الذي يبيع ويشتري فيه التجار ويعقدون الصفقات بغض النظر عن أي شيء آخر.

البعض الآن يرى على ضوء الهجوم الغربي الأخير على نظام الأسد وقبله الهجوم الإسرائيلي على القواعد الإيرانية في مطار التيفور السوري أن إيران باتت في موقف محرج في سوريا، وأن الضغط الإسرائيلي لطرد الإيرانيين من سوريا سيضع الروس حلفاء الإيرانيين في ورطة حقيقية. هل يضطر الروس لمراضاة الأمريكيين والإسرائيليين إلى فك الارتباط بحلفائهم الإيرانيين في سوريا؟ المتفائلون بفك ذلك الارتباط يفكرون بعقلية رغبوية على أمل أن ينهار التحالف الروسي الإيراني الذي بات رقماً صعباً في سوريا والعراق وحتى لبنان واليمن. لكن الطلاق الروسي الإيراني ليس بالسهولة التي يتمناها أعداء إيران في المنطقة.

لمن لا يعلم فإن التقارب الروسي الإيراني ليس نتيجة الوضع في سوريا أبداً، وليس وليد المصالح المشتركة لموسكو وطهران في سوريا وحتى اليمن، بل هو سابق لذلك. فلا ننسى أن روسيا تعتبر إيران ذراعاً ضرورياً لها فيما يسمى بالمشروع الأوراسي الذي يتبناه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأوراسيا هو مشروع يحاول الروس من خلاله تشكيل حلف أوروبي آسيوي كما يبدو من الاسم لمواجهة المشاريع والتحالفات الغربية. ولا يمكن لهذا المشروع الاستراتيجي أن يتقدم ويتشكل من دون المشاركة الإيرانية الفعالة، وبالتالي فإن التلاقي الروسي الإيراني ضرورة استراتيجية قبل أن يلتقي الطرفان في سوريا، لا بل إن التقارب بين الجانبين في الشرق الأوسط مرده إلى الزواج الكاثوليكي الذي يتطلبه مشروع أوراسيا.

وحتى لو لم تكن هناك مصالح مشتركة للروس والإيرانيين في مشروع أوراسيا، فإن الطرفين لا يمكن أن ينجحا في سوريا بمفرد كل طرف، فهما يعتمدان على بعضهما البعض اعتماداً حيوياً لتمرير مصالحهما في سوريا حيث يحظيان بترحيب كبير من قبل النظام. لا شك أن روسيا تعلم علم اليقين أنها لا تستطيع أن تنتصر عسكرياً في سوريا على قوى المعارضة السورية بسلاح الطيران فقط على نجاعته وجبروته، فهي تحتاج على الأرض إلى قوات برية كبيرة لتقوم بالمهمة برياً. وكما هو معلوم فإن لإيران ميليشيات كثيرة في سوريا تقاتل إلى جانب النظام، فلا القوات الإيرانية قادرة بمفردها على الانتصار، ولا الطيران الروسي بمفرده قادر على حسم المعركة. وكما نعلم كانت دمشق على وشك السقوط أمام قوات المعارضة لولا التدخل العسكري الروسي كما اعترف وزير الخارجية الروسي نفسه، وأن إيران فشلت من قبل في وقف زحف القوى المعارضة للنظام السوري باتجاه دمشق حتى جاء الروس وتظافرت القوة الجوية الروسية والقوة البرية الإيرانية فتحقق النصر الروسي الإيراني على قوات المعارضة في حلب وريف دمشق مع الأخذ بعين الاعتبار أيضاً أن التقارب التركي الروسي في سوريا لعب دوراً محورياً في ترجيح كفة الروس والإيرانيين في سوريا على حساب قوى المعارضة.

البعض يعتقد أن روسيا يمكن أن تبيع إيران في سوريا لصالح إسرائيل على اعتبار أن الروس أقرب للإسرائيليين منه إلى الإيرانيين. لكن مؤيدي إيران يعتقدون العكس، فهم يرون أن روسيا تستخدم الميليشيات الإيرانية في سوريا كبعبع وكمخلب قط لتخويف الإسرائيليين والأمريكيين. وكلما اقتربت الميليشيات الإيرانية باتجاه الحدود الإسرائيلية في سوريا اضطرت تل أبيب للضغط على أمريكا لتخفيف الضغوط على روسيا في أوكرانيا وسوريا ومناطق أخرى. ويتحدث محللون من الحلف الإيراني على أن هناك تفاهماً قوياً جداً بين المرشد الإيراني علي خامنئي والرئيس الروسي بوتين في هذه القضية وغيرها.

لا تراهنوا على إضعاف الدور الإيراني في المنطقة، فإيران ضرورة استراتيجية للمشروع الأمريكي والإسرائيلي، ويكفي أن تعرفوا أن الصراع السني الشيعي الذي ترعاه القوى الشريرة في المنطقة لا يمكن أن يزدهر بدون النفوذ الإيراني، وأن الخراب والتدمير الممنهج بدءاً بالعراق مروراً بلبنان واليمن والآن سوريا لا يمكن أن يتحقق أيضاً من دون المعوّل الإيراني.

اقرأ المزيد
٢١ أبريل ٢٠١٨
إيران ليست مستعدّة لحرب مفتوحة مع إسرائيل!

تنحو المواجهات في سوريا، إلى مواجهات بين القوى الكبرى مباشرة وليس بالوكالة. الغارة على مطار T.4 أحالت المستور معلوما. إسرائيل كشفت عمليا أنّها ضربت المطار؛ لأنّ إيران تستخدمه في تخزين وإطلاق طائرات بلا طيار، في حين كانت قبلا لا تعترف مطلقا، حتى ولو ثبت أنّها هي التي اعتدت. بدورها، إيران أكدت عبر علي ولايتي أقرب المستشارين للمرشد آية الله علي خامنئي «أنّ بلاده ستردّ»، وتولّى بهرام قاسمي الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية التأكيد بأنّ «الردّ الضروري سيكون عاجلا أو آجلا».

التهديدات المُتبادلة بين طهران وتل أبيب تؤشر إلى أن المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية واقعة اليوم قبل الغد. لكن سواء كانت إيران البادئة لأنها يجب أن تردّ، أو إسرائيل لأنها لم تتعوّد السكوت على هجوم عليها، فالسؤال الواقعي: من يمكنه ضبط تدحرج «كرة النار» عند نقطة تحول دون وصولها إلى حيث لا يجب أن تصل أي الحرب الشاملة، التي حكما ستغيّر كل المعادلات خصوصا بين موسكو وواشنطن، لأنهما ستُحشران في كيفية حماية كل واحدة منهما لحليفتها؟

لا شك أن مسؤولية موسكو ستكون الأكبر. وستكون هي الأكثر إحراجا، لأنّها متحالفة مع طهران ولا يمكنها التفريط بها من جهة، ومن جهة أخرى لا تستطيع ولا تريد فك علاقاتها المتينة مع إسرائيل، خصوصا على الصعيد العسكري في سوريا. لذلك لا بد من أن تكون العاصمتان على تواصل مستمر لوضع حدّ لتبريد الأجواء وعدم تدهورها، لأنها إذا بدأت في سوريا فمن يضمن عدم تمدّدها إلى لبنان أولا ومن ثمَّ إلى إيران ثانيا؟

الغارة الإسرائيلية على الموقع الإيراني في مطار T.4 دفعت حكما بالمواجهة الإيرانية – الإسرائيلية إلى الواجهة. إسرائيل أكدت بالغارة ومن خلال الصور التي نشرتها بعد ذلك حول المواقع الإيرانية في سوريا، أن «النشاطات الإيرانية في سوريا مكشوفة أمامها»، وأن هدف هذا النشاط تحويل سوريا إلى «جبهة أمامية». انتهى زمن السكون والمساكنة السورية – الإسرائيلية ومعها الإيرانية، والاكتفاء بإشعال جبهة الجنوب اللبناني. لذلك فإن أي رد إيراني على الغارة لا بد أن يطال إسرائيل مباشرة وإلا لا معنى للرد الذي تبقى مسؤوليته محجوبة في «حرب الظلال».

إسرائيل أكدت عبر صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن «الجنرال قاسم سليماني موجود في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأنّه يخطّط لعملية انتقامية». إذا صحّ هذا التوجه الإيراني فإنه يعني حكما أن إيران التي احتفلت بعيد الجيش ليست حذرة فقط وإنما قلقة وخائفة، فهي لا يمكنها الصمت ولا ضمان عدم تحوّل أي عملية محدودة ومحدّدة إلى «حرب صواريخ» شاملة في وقت لا تبدو فيه إيران مستعدة لخوض مثل هذه الحرب، وهي الغارقة في «حروب» سوريا مباشرة، والعراق واليمن بطريقة غير مباشرة حتى الآن.

السؤال الكبير، لو وقعت عملية إيرانية ضدّ إسرائيل، فهل تكون في دفع «حزب الله» إلى الدخول في حرب مهما قيل عن إمكاناته واستعداداته، غير قادر عليها ولا على مواجهة جمهوره في الجنوب اللبناني الذي سيدفع الثمن غاليا وأكثر مما حصل بكثير في الحرب السابقة؟ وماذا سيقول لقواعده الشعبية والمسلّحة لتبرير إشعال هذه الحرب التي من الواضح للجميع أنها ستكون بأمر إيراني مباشر وليس لتحرير الأرض اللبنانية؟

أمام إيران وإسرائيل مواعيد لا يمكن القفز فوقها، خصوصا أن الولايات المتحدة الأميركية شريكة في بعضها. «نصف الإسرائيليين خائفون من الحرب القريبة». اعتادت إسرائيل على تسويق وبيع خوفها دائما. المأزق أن إسرائيل تحتفل بالذكرى السبعين لقيامها والفلسطينيين بالذكرى السبعين للنكبة، وكل ذلك على وقع «الموعد الترامبي» حول الاتفاق النووي مع إيران في الفترة نفسها تقريبا.

أبعد من ذلك، إنَّ إيران لا يمكنها إلا العمل لتفادي حرب واسعة والاكتفاء بعمليات محدودة، لأنها «ترقص» في الداخل على وقع خلافات مُعلنة، إلى درجة أن المرشد خامنئي أصبح مضطرا للطلب من أجهزة الاستخبارات الإيرانية «النأي بنفسها عن الانقسامات الداخلية». وذلك بعد أن أصبح التنافس بين مختلف الأجهزة علنيا.

ويبدو أن إسرائيل وجدت أخيرا في نظام بشار الأسد، «عقدة أخيل» الإيرانية. لذلك هددت بالرد على أي هجوم إيراني بشكل «يقوّض سيطرة نظام الأسد». معنى ذلك أن إسرائيل ستركّز في ردّها العسكري على قصف مواقع للجيش الأسدي كما «الحرس الثوري» سواء في حلب أو دير الزور أو دمشق.

الخطر الظاهر والكامن في الوقت نفسه في سوريا، أنّها تحوّلت برأيي الخبراء إلى «مختبر لحروب القرن الواحد والعشرين». أي أنها «حروب تتناسل ولا يمكن وقف تناسلها إلا عندما تستنفد القوى الكبرى المُشاركة فيها وسائلها بعد حصولها على ما خططت له منذ البداية». الحرب في سوريا برأي هؤلاء الخبراء تبدو كأنها تماثل حرب إسبانيا التي شكلت مختبرا للحرب العالمية الثانية والحرب الكورية في القرن العشرين مختبرا للحرب الباردة.

ترجمة هذا التحوّل، أنَّ روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة الأميركية، لن تُوقف الحرب في سوريا حتى تحصل كل واحدة منها على «حصتها» حتى ولو اقتضى الأمر الدخول في مواجهة مباشرة مع أحد الأطراف أو أكثر. من الواضح أنّ إيران في قلب هذه المواجهة لأنها هدّفت على هدف ولم تأخذ في حساباتها موضع «أقدامها» الغارقة في وحول خارجية وداخلية معا، وأنّ إسرائيل ليست وحدها من ستكون سعيدة في «ليّ يدها إن لم يكن كسرها». فروسيا أيضا يهمّها تخفيض «الشهية الإيرانية». أما الولايات المتحدة الأميركية فسيسعدها «كسر يدها» والأقسى أنّ محيطها الجغرافي سيكون متأهبا ومغتبطا إذا ما حُجّمت طموحاتها وأُجبرت على الانكفاء إلى الداخل.

اقرأ المزيد
٢١ أبريل ٢٠١٨
«الثلاثية» غير العدوان الثلاثي... وحرب السويس كانت مواجهة قومية!

أكبر إساءة إلى مرحلة تاريخية، تختلف كثيراً عن هذه المرحلة، أنْ يُشبّه البعض الضربة الثلاثية الأخيرة، الأميركية – البريطانية – الفرنسية، لموقع «كيماوي» بقي ينتج أسلحة محرمة دولياًّ لطالما استخدمها نظام بشار الأسد بموافقة روسية وتشجيع إيراني ضد الشعب السوري والأطفال السوريين، بعدوان عام 1956 على مصر، حيث كانت حرب السويس مواجهة قومية مع غزاة ومحتلين.

ومما تجدر الإشارة إليه بدايةً هو أنه حتى الآن فإن أي جهة، بما في ذلك الروس والإيرانيون ونظام بشار الأسد نفسه لم تستطع إثبات أن هذه الضربة الثلاثية، الأميركية – البريطانية – الفرنسية، قد أسفرت ولو عن قتيل أو جريح واحد، وأنها كانت ضربة «نظيفة»، كما يقال في المصطلحات العسكرية، واقتصرت على تدمير منشأة دأبت على مدى أكثر من سبع سنوات متلاحقة على إنتاج ربما «أطنان» من أسلحة الدمار الشامل التي أزهق بها هذا النظام القاتل المجرم أرواح عشرات الألوف من السوريين من فئة «معينة» ومحددة معظمهم من الأطفال والنساء وربما ليس من بينهم ولا حتى مقاتل واحد من المعارضة الوطنية التي يلصق بها نظام بشار الأسد وحلفاؤه ومساندوه وأعوانه التهمة «الإرهابية»!

ربما أنَّ كثيرين من الذين أشبعوا أنفسهم نحيباً وتحسراًّ على تدمير هذه المنشأة، التي كانت متخصصة في صناعة الموت وتشويه أجساد الأطفال السوريين بالمواد الحارقة، لا يعرفون أنَّ الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين عندما وجّهوا هذه الضربة الأخيرة، التي لم يثبت أنها أدت إلى مقتل سوري واحد، لا عسكرياً ولا مدنياً، كانوا ينفذون قراراً دولياًّ يجيز اللجوء إلى العمل العسكري إذا أسيء استخدام الأسلحة «الكيماوية» والأسلحة الفتاكة حتى خلال الحروب والمواجهات العسكرية المحدودة والشاملة.

لقد كان متوقعاً قبل توجيه هذه الضربة «التحذيرية» التي أغلب الظن أن المقصود بها، كما قال مندوب روسيا الاتحادية إلى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة فلاديمير سافرونكوف، هو «إهانة» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تمادت قواته في استعراض عضلاتها في سوريا ضد الشعب السوري والأطفال السوريين لإثبات أن روسيا الاتحادية قد استعادت مكانة ونفوذ الاتحاد السوفياتي السابق عندما كان في ذروة غروره وعنجهيته وأرسل صواريخه «الاستراتيجية» المدمرة إلى كوبا الواقعة جغرافياً في الخاصرة الأميركية الرقيقة.

وحقيقة أنه ما كان على الرئيس فلاديمير بوتين، الذي هناك الكثير مما يُحسب له وما يُحسب عليه، أن يذهب بعيداً في تطلعاته الإمبراطورية وأن يحول بلداً عربياًّ هو سوريا، التي كانت أول دولة في هذه المنطقة تفتح أبوابها لروسيا السوفياتية وكان ذلك في عام 1949 في عهد حسني الزعيم، إلى حقل تجارب لأسلحته الفتاكة وصواريخه وبخاصة وهو يعرف تمام المعرفة أن هناك مثلاً يقول: «على قدْ غطاك مِدْ رجليك»، وأن أوضاع روسيا الاقتصادية المشرفة على الانهيار لا تسمح له بكل هذا التحدي للولايات المتحدة ومعها بالطبع حلفاؤها الأوروبيون وداعموها في هذه المنطقة الشرق أوسطية والعالم بأسره.

وهنا فإن المفترض أن بوتين يعرف بحكم «خدمته» في «كي جي بي» أنَّ نهاية الاتحاد السوفياتي وانهياره كان سببها الأول غزوه الاحتلالي لأفغانستان وتمدده أكثر من اللزوم في العالم وبخاصة في أوروبا الشرقية وكل هذا كان في ظل أوضاع اقتصادية متهاوية وبقيادة حزب هو الحزب الشيوعي الذي كان قد نخره الفساد وغدا مع الوقت متورماً «سرطانياً» فكانت نهايته على يد ميخائيل غورباتشوف وبعده بوريس يلتسين تلك النهاية المأساوية التي كانت في الوقت ذاته نهاية دول أوروبا «الشيوعية» كلها... كلها ومن دون استثناء حتى ولا دولة واحدة!

وهكذا وعوْدٌ على بدء، كما يقال، فإنَّ أسوأ ما قيل من قبل «الأُميين» سياسياً وتاريخياًّ والمنحازين انحيازاً أعمى إلى نظام بشار الأسد، الذي كان بدأه أبوه حافظ الأسد بانقلاب عسكري على «رفاقه» في عام 1970، وحيث، كما هو معروف، أرسل ليس معظم لا بل كل رموزهم القيادية إلى زنازين المزة إلى أن فارقتهم أعمارهم هناك، هو تشبيه هذه الضربة الثلاثية بـ«العدوان الثلاثي» على مصر في عام 1956... فهذا تجنٍّ على الحقائق وتعدٍّ جاهلي على أحداث التاريخ التي لا تزال حاضرة في أذهان كثيرين من الذين عاشوا تلك المرحلة التي غدت متقدمة لكنها لا تزال غير بعيدة.

كان العدوان الثلاثي، البريطاني - الفرنسي - الإسرائيلي، على مصر عام 1956 رداًّ على تأميم قناة السويس ومحاولة لإسقاط نظام رأت هذه الدول الثلاث أن توجهاته تشكل خطراً عليها في هذه المنطقة «الاستراتيجية» كلها. والمعروف أن العرب بغالبيتهم، إنْ لم يكن كلهم، قد اعتبروا أن تلك الحرب كانت حربهم وأن تلك المعركة كانت معركتهم، وهكذا فقد حرك بعض الدول العربية بعض قطاعاتها العسكرية لإسناد الجيش المصري، وهذا بالإضافة إلى أن أعداداً كثيرة من المتطوعين العرب قد توجهوا إلى أرض الكنانة للقتال كـ«فدائيين» في تلك المواجهة القومية. وهنا تقتضي الأمانة الإشارة إلى أن من بين هؤلاء عدداً من الأمراء السعوديين في مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والأمير سلطان بن عبد العزيز، رحمه الله.

لم يكن النظام القائم في مصر عام 1956 وعلى رأسه جمال عبد الناصر، قد ارتكب حتى ولا موبقة واحدة من هذه الموبقات التي ارتكبها نظام بشار الأسد ونظام والده لا في سوريا ولا في خارجها منذ عام 1970 حتى الآن. ولم يكن، أي الرئيس المصري الأسبق، قد أرسل جيش مصر لقتال دولة عربية دعماً لدولة إقليمية غير عربية على غرار ما فعله حافظ الأسد عندما أرسل قواته العسكرية للقتال إلى جانب إيران الخمينية ضد دولة عربية هي العراق التي كان جيشها أول الواصلين إلى جبهة الجولان في حرب عام 1973 مع إسرائيل وفي كل الحروب السابقة.

ثم، وهذا يجب أن يقال للذين يشبّهون الضربة الثلاثية الأخيرة، الأميركية – البريطانية – الفرنسية، لمنشأة نظام بشار الأسد «الكيماوية» بالعدوان الثلاثي على مصر، إنه لم يسجَّل على أرض الكنانة أيٌّ من كل هذه الموبقات والجرائم التي ارتكبها هذا النظام السوري إنْ في عهد «الوالد» وإن في عهد «الابن»، في لبنان أولاّ ضد الفلسطينيين وثانياً ضد اللبنانيين. ولعل ما يجب أن يكون معروفاً هو أن دويلة ضاحية بيروت الجنوبية التي على رأسها حسن نصر الله «المقاتل في فيلق الولي الفقيه» قد أنشأتها المخابرات السورية بالتعاون مع المخابرات الإيرانية، وهذا يعني أنه تجنٍّ ما بعده تجنٍّ أن تُشبه هذه الضربة التي استهدفت أسلحة محرمة دولياًّ بحرب سببها تأميم قناة السويس، كانت في حقيقة الأمر بمثابة حرب على الأمة العربية كلها من المحيط إلى الخليج.

إن المعروف أنَّ الولايات المتحدة، وكان رئيسها في ذلك الحين هو جنرال الحرب العالمية الثانية دوايت آيزنهاور، قد وقفت في حرب السويس عام 1956 إلى جانب مصر وإلى جانب الأمة العربية، أمّا الآن فإنها بمشاركتها في هذه الضربة الثلاثية الأخيرة فإنها قد لجأت إلى هذا العمل العسكري استهدافاً لأسلحة «كيماوية» قد أسيء استخدامها، واستهدافاً للوجود الروسي والإيراني الاحتلالي في سوريا، وأيضاً «إهانةً» للرئيس فلاديمير بوتين، كما قال المندوب الروسي في الأمم المتحدة.

وعليه فإنه ما لا شك فيه أن هذه الضربة الثلاثية هي ضربة تحذيرية للروس أولاً وللإيرانيين ثانياً ولنظام بشار الأسد ثالثاً، ولعل ما يؤكد هذا أن الولايات المتحدة قد أعلنت، خلافاً لتوجهات الرئيس دونالد ترمب السابقة، بقاء قواتها في سوريا من دون تحديد أي موعد لانسحابها، وهذا يعني أن الأزمة السورية قد دخلت مساراً جديداً، وأنه إن لم يتم إنعاش الحل السياسي وفقا لـ«جنيف1» والمرحلة الانتقالية، فإنه غير مستبعد أن تكون هناك مواجهة عسكرية يقدّر البعض أنها قد تأخذ هيئة الحرب العالمية الثالثة ولكن بشكل غير شكل الحربين العالميتين السابقتين.

اقرأ المزيد
٢١ أبريل ٢٠١٨
ماذا بعد الضربة؟

يتفاءل بعض المحللين بأن يكون التفاهم الروسي الأميركي على تخفيف حجم وفاعلية الضربات الصاروخية التي وجهتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لأهداف تتعلق بتصنيع الأسلحة الكيماوية في سوريا، قد تم بصفقة سرية تخلت فيها روسيا عن تشبثها بالنظام، وربما تكون وافقت على بقائه مع تغيير جذري في قياداته، ولا أستبعد أن تكون الأطراف جميعاً قد اتفقت على حفظ ماء الوجه للولايات المتحدة بعد سيل التغريدات والتهديدات من خلال تضييق حجم الضربات، والتحديد الدقيق للأهداف، واختيار ساعة من الفجر في دمشق موعداً لها، حيث الناس نيام، وقد تم تفريغ المنشآت وضمان عدم إصابة أحد.. ما يجعل الضربة استعراض قوة أكثر من كونها عقاباً يؤلم النظام، أو يوقع خسائر بشرية عند المدنيين.

وقد فهم الروس أن الضربة كانت موجهة لهم، واعتبرها مندوبهم في مجلس الأمن إهانة لبوتين، بينما اعتبرها أنصار النظام نصراً مبيناً، وأقاموا الأفراح والاحتفالات تعبيراً عن النشوة بكونها لم تستهدف النظام حتى لو هدمت بنى ومنشآت، وقد فهموا أن النظام باق، وأن الغضب الدولي كان بسبب استهتار النظام بقوانين حظر الأسلحة الكيماوية فقط، وذلك يعني إطلاق يده باستخدام ما يشاء من أسلحة أخرى دون مساءلة.

وبوصفي مواطناً سورياً، أعلن أنني أتمنى ألا أرى جندياً أجنبياً في بلادي، وطالما وددت أن يبقى الصراع السوري شأناً سورياً داخلياً، ومهما أسرف النظام في العنف وفي قتل الشعب، فإنه لن يقوى على إبادته، ولو حدث واستولى على سوريا كلها، بافتراض خروج روسيا وإيران والمليشيات الطائفية، فإن بقاء النظام سيكون محالاً، ولن تستطيع التنظيمات الدينية المتطرفة بمختلف ولاءاتها، طمس أهداف الشعب في الحرية والكرامة وبناء دولة مدنية ديمقراطية.

لقد كان التهديد قبل شن الضربات الأخيرة موجهاً لروسيا وإيران، لكن الضربات تحاشت هذا الصدام الذي كان مرشحاً لتصعيد يشمل المنطقة كلها، وربما كان سيضع العالم على شفا حرب عالمية ثالثة.

لكن السؤال المهم: ما الذي حققته الضربات على الصعيد السياسي للقضية السورية؟ وهل فهم الروس أنهم لا يستطيعون تغيير النظام الدولي الأحادي القطب، وليس بوسعهم التفرد بسوريا والمنطقة، وأن الولايات المتحدة هي القوة الأعظم عسكرياً في العالم؟ وهل فهمت الدول العظمى الأخرى أن أي استهتار بمكانة أميركا سيعرضها لمثل الإهانة التي تلقتها روسيا؟ وهل فهمت إيران أنها تحت السيطرة الأميركية، ولن تكون قوة إقليمية تتفرد بأي بلد خارج القواعد الأساسية للحراك الدولي؟

لقد كسب ترامب حضوراً أقوى أمام ناخبيه، وحاول ماكرون إعادة حضور ما لفرنسا في منطقة كانت على مدى القرن العشرين تعتبرها ساحة نفوذها السياسي، وتمكنت ماي من أن تبرز كزعيمة حازمة في بريطانيا وقوة أوربية لا يستهان بها رغم خروجها من الاتحاد الأوربي.

لكن الذين غابوا عن الحدث الكبير هم الثوار السوريون، ولئن كان النظام يحتفل بالنصر لنجاته من التهديد مرحلياً، فإن المعارضة التي تنتظر مسعى دولياً حاسماً لإيجاد حل، لا ترى أفقاً واضحاً ما لم يتم سحب أوراق رعاية المفاوضات من روسيا المنحازة للنظام، وما لم تقم الدول التي تعتبر نفسها صديقة للشعب السوري بمهمة إدارة التفاوض بنفسها للوصول به إلى حل مقبول.

ولا يمكن الوصول إلى حل يقبل به الشعب ويعود من خلاله المهجرون إلى وطنهم، وينتهي معه الاقتتال، إلا بوقف كل التدخلات الخارجية، وإنهاء الأحلام الانفصالية، وإقامة هيئة حكم انتقالي تشارك فيها كل الأطياف والمكونات الوطنية، لإنهاء الديكتاتورية التي قادت سوريا إلى الجحيم والدمار الشامل.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان