مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٣ أبريل ٢٠١٨
سوريا... تقتيل وتشريد

نعم الشعب السوري العربي ليس قطيعاً من الخرفان ينتظرون الذبح بقلة حيلة، تلك الفكرة يجب أن تحارب وتقتل بأي ثمن كان، ويؤكد الواقع أنه شعب حي، حتى وكالات الأمم المتحدة أوقفت تسجيل عدد القتلى السوريين في هذه الحرب المدمرة، وهي التي تقع بين طلاب الحرية وحقوق الإنسان الطبيعية في الاختيار وفي القول، وبين ديكتاتورية قاهرة. منذ سنتين على الأقل أوقفت الوكالات الدولية المتخصصة تعداد القتلى السوريين، توقفت عام 2016 على أربعمائة ألف قتيل مؤكد قضوا تحت تدمير سلاح النظام السوري وبراميله المتفجرة وخلطته الكيماوية، وهي الأعداد المؤكدة التي ذبحها النظام وحلفاؤه في المدن والبلدات والقرى السورية، كما أوقف تعداد المُهجّرين والنازحين الذين شُتتوا الآن في كل مناطق الدنيا وأركانها، ويُعدون بالملايين. هل لمثل هذا النظام، بصرف النظر عن التفاصيل، أن يبقى وأن يعاد تأهيله؟ ذلك مضاد لمسيرة التاريخ، كما هو مضاد للمنطق، على الرغم من مرور سبعين عاماً من الاستقلال السوري عن فرنسا، الآن، فإن «حكم الأسد» العائلة، قد أخذ أكثر من نصف كل تلك المدة، وكأنها ملكت سوريا بشراً وأرضاً.. لم يقم نظام سياسي بربع ما قام به نظام الأسد من قتل وتدمير، وبقي على حاله. في المدى المتوسط سوف يسقط النظام؛ فقد خلّف الكثير من الكراهية العميقة والمقت لدى أوساط الشعب السوري بكل مكوناته، حتى من يخرج اليوم هاتفاً باسمه، وهم قلة، هؤلاء في داخل نفوسهم شبه يقين أنه من الممكن أن يصبحوا وأولادهم الضحية المقبلة. لقد انفتحت شهية الدم، وهي شهية ملعونة لا تتوقف عن طلب المزيد. يشارك النظام قوى كثيرة في تلك الشهية، الأولى هي الآلة الحربية الروسية.

روسيا ترغب في تحقيق أكثر من هدف؛ الأول هو استمرار أنظمة على شاكلتها، فتكون مرتاحة أكثر إن كان على الساحة العالمية أنظمة تشبهها. كما ترغب في أن يكون لها موطئ قدم في المياه الدافئة، الحلم القيصري القديم، يدفئ بها الشهية القومية الروسية التاريخية، وثالثاً يفرض وصايته في الشرق، التي فقدها في بعض مناطق أوروبا، وبذلك هو لا يرسل الطائرات والمدافع والجنود، بل وحتى المرتزقة الروس الذي تلفظهم «المافيات» من كل نوع، للقتال في الأرض السورية، بما يدفع لهم من مال، على أمل تكوين كتائب مرتزقة للبيع في أماكن أخرى من بؤر الصراع في العالم.

وفي الجانب الإيراني، يفضل نظام طهران أن يتوسع في العمق العربي، تحت شعارات شتى، ويجلب معه قوى شبه مرتزقة، تقاتل بسبب المال الذي يدفع لها، وبسبب التمكين في رقاب الناس لزعمائها الذين يلبسون لباس الدين. الحلال في كل ذلك هو دم الشعب السوري الذي يقتل كما النعاج أو أشد هواناً!

المفزع، أنه بعد إرسال الصواريخ من الدول الثلاث الكبرى في العالم احتجاجاً على ذلك القتل العشوائي بالكيماوي، تخرج لنا ألسنة النظام السوري ومحازيبه بمجموعة من المصفوفات المضللة، والمفارقة للمنطق، كاتهام الغير بالعمالة، في الوقت الذي يتحكم في سوريا اليوم كل من موسكو من جهة وطهران من جهة أخرى، ويوضع النظام السوري ليس في خانة العمالة، بل وفي خانة التبعية الذليلة المطلقة، وتسليم البلاد السورية لأجانب، يقبل كل ذلك فقط من أجل الاحتفاظ الشكلي بالحكم والرئاسة، التي لم تعد تعني حتى حروف كلماتها. كما يخرج سيل من التابعين للنظام في عملية واسعة لا تحترم حتى العقول، بالقول إن «النظام انتصر»، وإنه «أصبح أقوى مما كان»، بل يذهب التزييف في قول أحدهم علناً على التلفزيون، إن الأوامر صدرت أن «تُصد الصواريخ حتى بالمسدسات»! في إهانة مطلقة للعقل البشري السوي. في أي صراع بين إرادة الأغلبية، وإرادة الأقلية، تنتصر الأغلبية، مهما ظهر غير ذلك، ومهما طال الصراع، فالشعب السوري قاوم ويقاوم، وسوف يقاوم في السنوات المقبلة، ومن يعتقد أن تلك المقاومة قد ضعفت أو تراخت فهو واهم وغير مطلع على صيرورة تاريخ الشعوب في شرقها وغربها. حرص النظام السوري منذ أن تولى البعث (بالاسم) الحكم، على هيكلة وإعادة هيكلة الفضاء السياسي السوري على محور عائلة الأسد، التي حكمت أكثر من نصف عهد الاستقلال بكامله في أول ظاهرة توريث جمهورية على النطاق العربي! واستخدم في ذلك كل الأدوات غير السوية، منها الإخفاء القسري للمعارضين، وإلقاء الجثث في البحر (لا جثة لا جريمة)! والاغتيال في وضح النهار، كما حدث في بيروت عام 2005 في اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، بأدوات أثبتت المحكمة الدولية تورطها في الاغتيال، رغم كل السيناريوهات التضليلية التي رافقت الاغتيال، من أبو عدس حتى الموساد الإسرائيلي. الاتجاه الكلي الذي يذهب إليه العالم هو التحرر وإشاعة حقوق الإنسان وبناء الأوطان على أسس حديثة عادلة، بقاء النظام السوري، يعني بقاء سوريا في ذيل التطور العالمي، يعني استمرار الماضي، وهو أمر لم يعد قابلاً للتنفيذ، بل أصبح مستحيلاً بقاء وممارسة النظام الحالي، بصرف النظر عن مؤيديه واستخدامهم القوة الغاشمة لإشاعة الصمت السياسي للسوريين. على مقلب آخر، فقد ظهر للعالم أنه رغم محدودية «ما عرف بالضربة الثلاثية»؛ فإن تهديدات النظام الروسي والنظام الإيراني في المقاومة وإسقاط الصواريخ، بل وضرب مواقع إطلاقها، كل ذلك لم يتبلور، فقد كان لغواً واستهلاكاً ينثر للعوام، وقد ظهر أن النظام الروسي غير قابل أن يذهب إلى حرب مدمرة بسبب تحالفه مع الأسد. في القادم من الأيام قد يعود نظام الأسد إلى استخدام أسلحة محرّمة أو قتل على نطاق واسع؛ فهو يرغب في تحقيق «انتصار» على شعبه، وقد تعود الدول الكبرى إلى التهديد أو الفعل، وقد تعجز موسكو وطهران عن تبرير كل ذلك القتل لشعب عربي يرغب في التحرر من نظام قمعي. وبسحب كل من الثقة بالنظام وضعف اليقين بضرورة وجوده، وهما عاملان سيؤديان إلى سحب التأييد العلني أو الخفي من النظام، والتشكيك حتى من حلفائه في إمكانية استمراره، هذه حقيقة لا تخفى على الروس على الأقل، وإن تم إخفاؤها على الشعوب الإيرانية أو أزلامها حتى الآن! فالسوريون ليسوا أشباه شياه ليستمر قتلهم، وفي وقت ما سوف يقدم كل من أجرم في حقهم إلى العدالة.

آخر الكلام:
تشهد المدن والبلدات والقرى السورية ما لم تشهده سدوم وعمورة من خراب!

اقرأ المزيد
٢٣ أبريل ٢٠١٨
سوريا حلبة الصراع!

تلك البلاد ذات الطبيعة الخلابة والمدن العظيمة بعمائرها ومبانيها، والقرى الخضراء المتربعة على عرش الجمال، تلك البلاد بجلالها وجمالها، عامرة بطيبها وكرمها، بتألقها ورونقها، لا يمكن تصديق أنها ستعيش يوماً ما فاجعة، فاجعة كبرى يفنى من خلالها كل معالم الجمال ويُجبل ترابها بالدماء، ويُخلط ماءها بالدماء وتنغمس لقمتها بالدماء وحتى بياضها انطلى عليه اللون الأحمر القاتم، ولا يمكن تصديق أن هذه البلاد تحولت من جنة الياسمين والصفاء إلى حلبة صراع كبرى قُتلت فيها الإنسانية واغتيلت الطفولة والحياة.

الفاجعة الحقيقية التي تعيشها سوريا، بداية الأمر لم تكن فاجعة بكل معانيها، كانت تعيش ثورة سلمية تسير في طريقها إلى هدف وتغيير جديد على الواقع الغير مرضي في ذلك الوقت، سارت الثورة السورية بسلاسة وكانت أهدافها ومطالبها واضحة لم تخرج عن مسمى الثورة في بدايتها عندما كانت صامدة بسلميتها ووحدتها وكانت رصينة بمبادئها وصلبة بمواقفها، لكن سرعان أن علا صوت الحناجر فيها، قوبلت بالحرب، وتجلت فيها الدموية وانحاز فيها كل شيء عن السلمية لسبب بسيط وهو أن ردعها كان لا يمكن أن يكون سوى بالحرب فلجأ خصمها إلى هذا الخيار في مواجهتها.

الفاجعة تكمن في أن سوريا تعددت فيها الأطراف وكثرت السلطات وتحولت القضية من ثورة إلى حرب ضخمة غير متوازية بتاتاً، حرب غير متوازية تحول فيها الشعب السوري إلى خصم وطرف وحيد أمام أطرف عديدة انحازت إلى جانت خصم الثورة وعدوها، ورغم أن الثورة تعيش هذه الحرب الغير متوازية من جميع النواحي إلا أنها كانت أكبر من أن تخسر وتقمع بسهولة رغم خلوها من العنف اتجاه عدوها لعدم كسبها يد حديدية تضرب بها عدوها كالرصاص والقذائف، يدها الحديدية التي ضربت بها كانت حينها الصرخة والثبات والصمود.

اليوم أصبح التراب السوري مقسم ومشتت، أرض متعددة النفوذ، بلاد متعددة الاحتلالات، تغير الواقع أصبح أكثر اضطراباً ودموية لم يعد في الساحة السورية ثورة ومعارضيها، لا بل طغت على الثورة خصيصاً حرب سياسية من جهة ومن جهة أخرى حرب عسكرية أكثر عنفاً، الثورة وحيدة وخصمها كسب العديد من الصداقات الدولية التي جرها إلى سوريا لتقابل الشعب السوري بكل جبروتها.

وهنا النقطة الأساسية هي أن سوريا خرجت عن مفهوم الثورة ضد خصم واحد، عندما كان نظام الأسد على وشك الانتهاء لم يكن في الحسبان أن الأسد سيكون سخياً جداً، كان سخياً بثمن التراب السوري ولكنه كان أكثر صرامة وتقديس لثمن الكرسي الذي يجلس عليه حتى تحولت سوريا إلى ساحة حرب بدخول قوى ودول كبرى ليكون لها موقف في سوريا بعد أن رخص نظام الأسد التراب والأرض السورية لكل من يُبقي له الكرسي والسلطة.

لو نظرنا إلى الخارطة السورية اليوم سنرى العاصمة الأموية دمشق في يد وحكم إيران وروسيا وفي الجنوب إسرائيل وفي الشرق أمريكا وفي الشمال تركيا، هؤلاء كانوا أشد أصدقاء النظام السوري باستثناء تركيا، لا يهم معنى الصداقة اتجاه ما تفعله روسيا وإيران وأيضاً أمريكا لنظام الأسد ان كان يحقق الأسد ما يريده بذلك، ألم يجعلوه يصمد!، ألم يقدموا له القوة العسكرية!

ألم يدافعوا عنه حتى الأمس في مجلس الأمن ويطمسوا جرائمه المستمرة والمشتركة معهم، هؤلاء "كانوا" حلفاء الأسد لكن اليوم دولياً لم يعد الأسد طرفاً في سوريا ولا حتى حاكم أو سلطة، أصبحت الأطراف المسيطرة على سلطة الأسد والتي جعلتها تصمد إلى اليوم هي الطرف والخصم اتجاه السوريين لأن نظام الأسد سقط فعلياً منذ سنوات وسنوات.

الأسد كان محظوظاً بمن اعتبرهم أصدقاء له، أما الشعب السوري في ثورته كان أشد بؤساً وخسارة في عدم وجود أصدقاء جادين يمتلكون موقف صادق يتوافق مع مواقف الثورة السورية، فالثورة كانت وما زالت وحيدة بمبادئها ومواقفها، صحيح أننا سمعنا الكثير ممن يقول أنه صديق للشعب السوري لكن صداقته لم يبرهنها سوى بالشجب والاستنكار والتنديد، حتى سياسياً لم يقفوا بجدية، بينما حلفاء الأسد برهنوا معنى الصداقة والتي طبعاً تختبئ خلفها مصالح سياسية كبرى، برهنوها بطريقة فعالة ومقنعة.

وبعد تطاول نفوذ من رخص لهم النظام دخول واحتلال سوريا من روسيا وإيران وعصابات أجنبية وكل من دخل مستنقع الحرب في سوريا والتوسع والتمدد أكثر مما تسمح به دول الغرب بعد أن أعطتهم الضوء الأخضر لدخولهم سوريا، كانت دول الغرب تحاول ألا تجعلهم يتمددوا في سوريا أكثر مما تريد، وألا يعيشوا السيطرة والنصر في سوريا من نظام الأسد إلى روسيا، لذلك أتت الضربة الثلاثية الأخيرة لنظام الأسد في سوريا، كانت أهدافها عميقة لو لم يقابلها تجاوب سياسي قبل حصولها، ورغم حصولها فهي كانت تصب في مصلحة نظام الأسد ورسائل سياسية وقد تكون عسكرية أيضاً إلى من يقاتلوا ويسيطروا في سوريا.

ومع تصاعد الأحداث والتغيرات على مصير الحرب على الأرض في سوريا سترون أن المواجهات والصراعات قائمة بين أمريكا وروسيا وبين إيران وإسرائيل لأنها أصبحت هي الأطراف الموجودة والمسيطرة على الأرض عسكرياً، فهذه صراعات أساسية وحدوث خلاف حقيقي بينهم وانتصار حلف فيها على حلف آخر هذا يعني حدوث تغير كبير على الأرض السورية ولا تنسوا الصراعات الداخلية التي تقوم بها عصابات وجماعات تمسك خيوط توجههم دول لها أهداف ومصالح وتتطلع لتحقيقها على الأرض السورية بعد أن تدمر الجيش الحر وتلبسوا لقبه.

وبشكل عام على الأرض السورية نحن نواجه صراعات ظاهرياً نراها جدية بغض النظر عن السياسة الخفية بين الأطراف والحلبة هي سوريا، وأكثر ما يؤسفني الوصف الصحيح والدقيق الذي كتب في أحد الكتب التي تتحدث عن سوريا وأتحفظ على اسمه واسم مؤلفه بحسب ما طلب في مقدمة كتابه، والذي يقول "سوريا موقع القيادة أو كما وصفها توينبي هي الحلبة التي تواجه فيها كل القوى بعضها مع البعض الآخر"، وصف دقيق ومؤسف يترجم حاضر اليوم، نعم سوريا تحولت إلى حلبة صراعات دولية وحقل لتجربة الأسلحة أيضاً.. ويسمر الصراع والموت ونحن الضحايا.

اقرأ المزيد
٢٢ أبريل ٢٠١٨
شرف الأسرة الدولية والوحل السوري!

يوم الثلاثاء الماضي قال الرئيس إيمانويل ماكرون أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، إن الضربات العسكرية الأخيرة الأميركية والفرنسية والبريطانية على مواقع النظام السوري «لا تحلّ شيئاً، لكن الدول الثلاث تدخلت حفاظاً على شرف الأسرة الدولية؟».

هكذا بالحرف: شرف الأسرة الدولية، لكن يجب بالضرورة أن نضيف، وشرف الشرعية الدولية والأمم المتحدة ومجلس الأمن، لكن ذلك لا يمنع من طرح السؤال الموجع: ماذا بقي أصلاً من هذا الشرف، بعد سبعة أعوام من الحروب الكارثية، التي دمرت سوريا وسقط فيها ما يقرب من نصف مليون قتيل، وتهجّر أكثر من 12 مليون سوري، واستهلكت منذ عام 2011 بعثة المراقبين العرب ورئيسها السوداني محمد علي الدابي، ثم بعثة المراقبين الدوليين ورئيسها النرويجي روبرت مود، ثم المبعوث كوفي أنان، ومن بعده الأخضر الإبراهيمي، وأخيراً ستيفان دي ميستورا الضائع هو ومؤتمرات جنيف التسعة، بين مسلسلي آستانة وسوتشي؟

حفاظاً على شرف الأسرة الدولية، في وقت تقول السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، إن النظام السوري، استعمل قبل مذبحة دوما الأخيرة، السلاح الكيماوي 50 مرة، رغم التزام الرئيس فلاديمير بوتين بعد مذبحة الغوطتين في سبتمبر (أيلول) من عام 2013 بأن يسلّم النظام السوري ترسانته من الأسلحة الكيماوية الممنوعة دولياً، وفي وقت تشتبك مع زميلها الروسي فاسيلي نيبينزيا، بعدما استعملت روسيا حق النقض 12 مرة لتعطيل قرارات الشرعية الدولية في مجلس الأمن، منها ست مرات تتعلق باستعمال السلاح الكيماوي!

طبعاً، لا داعي إلى الإفاضة في الحديث عن شرف الأسرة الدولية الغارق في الوحول السورية وغيرها، لكن من الضروري أن نلاحظ أمرين؛ شكلياً ذا دلالات، وجوهرياً ذا تأكيدات:
الأول، هو ذلك العناق الحار بين نيكي هيلي وزميلها الروسي فاسيلي نيبينزيا، فور انتهاء جلسة مجلس الأمن، التي تبادلا فيها الاتهامات وحتى التهديدات إلى درجة عمقت المخاوف الدولية من انفجار الوضع العسكري بين الولايات المتحدة وروسيا، بعدما أعلن الرئيس دونالد ترمب رداً على التهديدات الروسية بإسقاط أي صاروخ يستهدف دمشق: «استعدي يا روسيا الصواريخ الأميركية قادمة وهي ذكية وجميلة وجديدة»، وهذا العناق يجد مبرراته والتفسيرات في التصريحات الأميركية والفرنسية والبريطانية بعد الضربة الثلاثية على ثلاثة مواقع كيماوية!

أما الآخر، وهو الجوهري، فهو ما كشفته هذه التبريرات والتفسيرات التي أكدت أن تنسيقاً عميقاً وتفصيلياً جرى بين موسكو وواشنطن وباريس ولندن، قبل ثلاثة أيام من العملية، حول الأهداف التي ستتعرض للقصف والتي جرى تفريغها وتحضيرها لاستيعاب الضربة، حيث لم يقع سوى ثلاثة جرحى كما أعلن!

في هذا السياق، قال وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، إنه تم التنسيق مسبقاً مع الروس لتفادي التصادم في الأجواء السورية، وإنه تم قصف ثلاثة مواقع للأسلحة الكيماوية «وليس لدينا أي علم بأي ردٍ من دفاعات النظام الجوية»، وقد تم انتقاء الأهداف، على ما تشير الوقائع، بالتنسيق مع الروس وهي: مركز برزة للأبحاث العلمية قرب دمشق، ومخزن حيم شنشار لتخزين الأسلحة قرب حمص، ومخزن آخر لتخزين سلاح غاز السارين في حمص، وهنا يطرح الخبراء العسكريون سؤالاً لافتاً: لماذا لم يتم قصف موقع جمرايا المهم التابع لمركز البحوث الكيماوية، هل لأن الروس تأخروا في إخلائه كما يقّدر هؤلاء الخبراء؟

الموقف الفرنسي أكد عملية التنسيق مع روسيا عندما أعلنت باريس صراحة أنه تم إبلاغ الروس مسبقاً بالضربات، وأن موسكو بناءً عليه، لم تستخدم أنظمتها للدفاع الجوي لمواجهة الصواريخ الغربية، رغم كل ما كان قد أعلن عن استعدادات في مواقع «إس إس 300»، في حين حرصت الرئاسة الفرنسية على الإعلان أن الرئيس ماكرون الذي كان قد مد يد التعاون إلى موسكو قبل الضربات، لا يزال يعتزم القيام بزيارة مرتقبة إلى موسكو!

والمفارقة، أن «شرف الأسرة الدولية» الذي تحدث عنه ماكرون، ضاع وسط هذه الفوضى المنظمة، فليس من المبالغة القول إن الجميع خرجوا راضين؛ النظام السوري أثبت تماسكه، وتعمّد بث شريط للرئيس الأسد يدخل صباح اليوم الثاني بكامل قيافته إلى القصر الجمهوري حاملاً حقيبة اليد، لكن من دون مرافقين أو حراس، وموسكو لم تتردد في التباهي عندما أعلن رئيس العمليات سيرغي رودسكوي، أنه تم اعتراض 71 صاروخاً مجنحاً عبر منظومات الدفاع الجوي السورية القديمة السوفياتية الصنع، ولم تستعمل منظومة «إس إس 300» و«إس إس 400» من قاعدة حميميم، خلافاً لقول ماتيس إنه لم يطلق أي صاروخ دفاعي. أما ترمب فأشاد بالضربات على طريقة جورج بوش الابن بعد غزو العراق عام 2003: «المهمة أنجزت»!

المثير في الأمر هو الإجماع الذي ظهر في المواقف الأميركية والفرنسية والبريطانية بعد الضربة، والذي يكشف عن رهانات على إحياء مسار جنيف والعودة إلى المفاوضات السلمية، وعلى أن تقوم موسكو بالضغط على الأسد كي يقبل العودة إلى التفاوض، وفي هذا السياق أعلنت واشنطن أنها ستضغط من أجل إجراء محادثات برعاية الأمم المتحدة، وأنها تواصل العمل بقوة مع مبعوث الأمم المتحدة دي ميستورا، وكذلك مع موسكو من أجل السير قدماً في العملية السياسية «والتوصل إلى تسوية سياسية مع التركيز على أمرين؛ الإصلاح الدستوري، وانتخابات حرة وعادلة بإشراف الأمم المتحدة».

هنا يغيب الحديث كلياً عن «عملية الانتقال السياسي» التي عطلت الحل منذ البداية في مؤتمر «جنيف1» عندما فخخ سيرغي لافروف النص الذي يشير إلى دور الأسد بعد الحل السياسي، وبدورها أعلنت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي مباشرة بعد الضربة الثلاثية، أن العملية العسكرية وحدها لا تكفي، والأمل الأفضل للشعب السوري يبقى الحل السياسي، أما بوريس جونسون وزير الخارجية البريطاني فقد كان واضحاً أكثر عندما قال في اجتماع لوزراء الخارجية الأوروبيين: «إن العملية الثلاثية ليست محاولة لتغيير دفة الحرب أو لتغيير النظام، وسيستمر الضغط على الأسد من أجل الجلوس إلى طاولة المفاوضات»، هذا في حين كان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، يعلن أن باريس تريد استعادة المبادرة لضمان الاتجاه نحو تسوية سلمية للأزمة السورية!

بعد كل هذا، هل كثير القول رداً على هذه المراهنات الغربية على العودة إلى تسوية سياسية «يا حصرماً رأيته …» ما لم تتم هذه التسوية عبر الشروط الروسية أولاً وشروط الأسد ثانياً، وحسابات الإيرانيين حول دمشق والأتراك في الشمال… وهو ما يمكن أن يدفع إلى القول: إن شرف الأسرة الدولية الذي يتمرغ في الوحول السورية منذ سبعة أعوام قد يتمرّغ سبع سنوات أخرى؟

اقرأ المزيد
٢٢ أبريل ٢٠١٨
مخيم اليرموك.. تحرير أم تدمير؟!

بعد النكبة الثانية ومنذ الخروج الكبير من مخيم اليرموك الذي تلا قصف طيران الميغ التابع للنظام لجامع عبد القادر الحسيني منتصف كانون أول ٢٠١٢ لا يزال المخيم ينام على اتفاق ويستيقظ على انهياره؟! ولا يزال ذات السؤال يتردد على مدار ست سنوات لماذا تنجح الاتفاقات والمصالحات في بقية المناطق وتفشل في المخيم؟! ولا جواب منطقي ولا مبرر موضوعي لذلك؟!

حتى عصر يوم الخميس ١٩ نيسان أبريل الحالي كانت الأمور تسير على ما يرام وفق أكثر من مصدر مطلع على مجريات المفاوضات وارتفع منسوب الأمل لدى ما تبقى من أهلنا في المخيم المحاصر على مدار سنوات ولدى عشرات الآلاف من مهجريه الذين ينتظرون بفارغ الصبر انتهاء أزمته والعودة إلى بيوتهم وديارهم بعد أن أنهكتهم الغربة وتبعاتها المادية والمعنوية. وعلى غير المأمول بدأت الحملة العسكرية للنظام السوري والقوات الروسية وحلفائهم بعد انهيار المفاوضات وكل جهة تحمل الأخرى تبعات ذلك رغم أن ثمة رواية هذه المرة تؤكد أن فصيلاً معيناً لدى داعش يدعى "الأنصار" هو الذي تعنّت ورفض المغادرة.

لا شك لدينا في الدور المشبوه والتخريبي لداعش وأخواتها في محنة المخيم لا بل إن هناك العديد من إشارات الاستفهام حول كل نشأتها ومشروعها في المنطقة وتزداد إشارات الاستفهام هذه حول طريقة ومبررات دخول داعش إلى المخيم في مثل هذه الأيام من شهر نيسان قبل ثلاث سنوات تحت دعاوى"تحرير" المخيم وإنقاذ أهله وكذا جعله قاعدة للانطلاق إلى قلب العاصمة دمشق وهو مالم يحصل بالطبع ولم يكن متوقعاً أن يحصل أصلاً وقد قلنا ذلك مراراً وتكراراً في أكثر من محفل.

دعاوى "تحرير" المخيم وشعارات تخليصه من هذا الواقع المرير رفعها الجميع وركب موجتها الكل إلا أن الخاسر الأكبر في كل جولة ومعركة منها هو اللاجئ الفلسطيني وجوهر قضيته المتمثلة بحق العودة ومحاولات شطبه ولا يختلف في ذلك اثنان ولا يتناطح عنزان كما يقال؟! فهل من المنطقي أن تخوض بقايا داعش وجبهة النصرة معركة بحجم هذه المعركة ضمن مناطق محاصرة وساقطة عسكرياً بعد كل ما جرى في الغوطتين؟! ولماذا هذا التعنّت في المغادرة والذي تبدو نتائجه واضحة لكل بصيرة وهل من المتوقع أن لا تكون النتيجة الحتمية هي التدمير الشامل للمخيم ومحيطه؟!

من حقنا هنا أن نتساءل عن تعنّت داعش وأخواتها في كل ما يتعلق بوجودها ضمن المخيمات الفلسطينية ومحيطها في حين تمر جميع هذه الاتفاقات بسهولة وسلاسة في مناطق أخرى بل إن بعضها تم انسحاب داعش منها في صورة هي أقرب للاستلام والتسليم؟!

باختصار ما يجري للمخيمات الفلسطينية في سورية بشكل عام هو استهداف ممنهج ومدروس وما يجري لمخيم اليرموك بشكل خاص هو تدمير وشطب لرمز مهم لا بل الأهم من رموز حق العودة وقضية اللاجئين يعيدنا بالذاكرة إلى كل التهديد والوعيد الذي تلقاه المخيم من كل خصومه وأعدائه وفي مقدمتهم المجرم شارون" لك يوم يا مخيم اليرموك"؟!

إن تواصـل النـزاع فـي سـورية أدى إلى تمزيـق حيـاة المدنيـين، إذ سـبب الوفيات والإصابات والتهجيـر الداخلي، وأحـدث أضـراراً واسـعة النطـاق بالبنيـة التحتية المدنيـة، ما يـؤدي إلـى اشـتداد الاحتياجـات الإنسـانية. حيث تعانـي المخيمات والتجمعـات الفلسطينية مـن العنـف المنفلـت، ومن القيـود التي تكبل قدرة قاطنيها علـى التنقـل بحريـة، والانتهـاكات المسـتمرة للقانـون الإنسـاني الدولـي والقانـون الدولـي لحقـوق الإنسـان. ويعـد الفلسـطينيون ضمـن أشـد الفئـات تضـرراً مـن النـزاع. فمـن قرابـة ٤٣٨ الف لاجـئ فلسـطيني لايزالـون داخـل سـورية، يوجـد أكثـر مـن 95 % منهـم ٤١٨ ألف فـي حاجـة حرجـة للمسـاعدات الإنسـانية الثابتـة. ويعانـي حوالـي ٢٥٤ ألف مـن التهجيـر الداخلـي، فيمـا يقـدر أن ٥٦٦٠٠ عالقـون فـي مواقـع يصعـب أو يسـتحيل الوصـول إليهـا. وقد نـزح أكثـر مـن ١٢٠ ألف لاجـئ فلسـطيني مـن سـورية عـن البلـد، وتوجـه حوالـي ٣٢٥٠٠ مـنهم إلـى لبنـان فيمـا وصل ١٧ ألف إلـى الاردن وقرابة ٨ آلاف إلى تركيا و١٠ آلاف إلى مصر وألف إلى قطاع غزة.
 
والعديـد مـن هـؤلاء يعيشـون حيـاة مهمشـة ومحفوفـة بالخطر بسـبب عـدم وضـوح مكانتهـم القانونيـة ومحدوديـة آليـات الحمايـة الاجتماعية، ممـا يجعلهـم معتمديـن بشـدة علـى الأونـروا فـي تأميـن احتياجاتهـم الأساسـية. هكذا تبدو حال فلسطينيي سورية بعد سبع سنوات من الأزمة بحسب النداء الطارئ لعام ٢٠١٨ بشأن أزمة فلسطينيي سورية الإقليمية الذي أطلقته الأونروا مطلع هذا العام مع ملاحظة أن هناك قرابة ٧٥ ألف فلسطيني لم تلاحظهم الأونروا في إحصائياتها كونهم إما غير مسجلين لديها أو يعيشون الآن خارج نطاق مناطق عملياتها لأن تعداد الفلسطينيين الذي كانوا متواجدين في سورية قبل الأزمة وصل تقريبا إلى ٦٣٥ ألف لاجئ.

   

 

والحال كذلك فإن ثمة أسئلة يستدعيها هذا الملف برمته على الأصعدة كافة ولعل في مقدمتها سؤال الواقع والمصير في ظل ما سبق من معطيات ربما سلطت الضوء على جزء من الواقع لكن المصير يبدو مجهولاً ويكتنفه الكثير من الغموض ما يفرض طرح عدة سيناريوهات تحتاج من دون شك رؤية واضحة للتعاطي معها لاسيما أن السمة العامة للتعاطي مع هذه الازمة كان منذ بدايتها التخبط والارتباك ويبدو أن حجم التعقيد يزداد بازدياد تعقد الأزمة السورية ذاتها وتحول سورية إلى ملعب أممي لتصفية حسابات دول كبرى وحروب بالوكالة يدفع ثمنها بالدرجة الأولى سكان البلد وقاطنيه ويجني ثمارها تجار الأزمات ومفتعليها.

 
وهنا يقفز إلى الواجهة سؤال مفاده: ترى من المسؤول عن هذا الملف؟ وفي عهدة من؟ لا يمكن أن يكون مقبولاً من الأونروا مجرد إبداء القلق ومناشدات التحذير كما جاء على لسان ناطقيها كما لا يمكن أن يكون مقبولاً هذا الصمت المريب من الفصائل الفلسطينية فبعد بضع ساعات من الضربة الأمريكية لسورية والتي استمرت فقط ٥٠ دقيقة ولم تقتل فيها ذبابة واحدة كانت جميع الفصائل الفلسطينية قد دبّجت بيانات الشجب والاستنكار والإدانة سينقضي يوم كامل من القصف على مخيم اليرموك المحاصر منذ سنوات والذي أدى لقضاء شهيدين مدنيين حتى اللحظة ولم نسمع لأي من الفصائل الفلسطينية حسيساً؟!

 

الكل مسؤول. نعم، الكل مسؤول. منظمة تحرير، وفصائل تحالف. فلا يجوز التلطي خلف تعقيدات المشهد السوري والهروب إلى الأمام وترك فلسطينيي سورية تطحنهم سلسلة تشابُك المصالح الدولية والإقليمية وتضارُبها. فإذا كان صانع القرار الرسمي الفلسطيني قد وصل إلى نتيجة مفادها صعوبة حل الأزمة، فليس الأمر أقلّ من إدارتها على كل المستويات، سواءٌ في الداخل السوري أو خارجه.

 

لقد آن الأوان لتشكيل مرجعية وطنية لإدارة هذا الملف بعيداً عن المناكفات السياسية والحسابات الفئوية والحزبية التي ملّ منها فلسطينيو سورية لاسيما أنه بدا واضحاً أنهم مكشوفون تماماً ومن دون ظهير لا بل بلا أسوار؟!

اقرأ المزيد
٢٢ أبريل ٢٠١٨
لا تراهنوا على الطلاق بين روسيا وإيران!

يتساءل كثيرون منذ بدء التحالف الروسي الإيراني في سوريا قبل سنوات: ما الذي يجمع الروسي الشيوعي سابقاً والإيراني الشيعي؟ (أيه لم الشامي عالمغربي؟) لا شيء يبدو جامعاً لنظامين على طرفي نقيض عقائدياً وسياسياً وثقافياً، فالنظام الروسي نظام مسيحي أرثوذوكسي ديمقراطي رأسمالي ظاهرياً، ومخابراتي واقعياً، والإيراني نظام ديني أوتوقراطي لا مثيل له في العالم إلا في زمن القرون الوسطى حيث كان رجال الدين يسيطرون على كل شيء. لكن مع ذلك يتلاقى النظامان، رغم الفوارق الثقافية والدينية، في أنهما نظامان مارقان من وجهة نظر الغرب، وأيضاً في أنهما يواجهان عدواً مشتركاً يتمثل في أمريكا والغرب عموماً.

إن الطيور على أشكالها تقع. لاحظوا مثلاً أن النظامين الوحيدين اللذين يتحالفان مع أحقر وأقذر نظام في المنطقة هما روسيا وإيران. والمقصود طبعاً النظام السوري الذي لاقى حماية روسية إيرانية رغم أنه تفوق على النازيين والفاشيين في أفعاله وجرائمه. لا شيء مستحيل في السياسة، طالما تلتقي المصالح، فمعروف عن الإيرانيين أنهم براغماتيون وواقعيون رغم اتباعهم سياسة مبنية على الدين. ولا ننسى أن كلمة «بازار» كلمة إيرانية أصلاً. والبازار هو السوق الذي يبيع ويشتري فيه التجار ويعقدون الصفقات بغض النظر عن أي شيء آخر.

البعض الآن يرى على ضوء الهجوم الغربي الأخير على نظام الأسد وقبله الهجوم الإسرائيلي على القواعد الإيرانية في مطار التيفور السوري أن إيران باتت في موقف محرج في سوريا، وأن الضغط الإسرائيلي لطرد الإيرانيين من سوريا سيضع الروس حلفاء الإيرانيين في ورطة حقيقية. هل يضطر الروس لمراضاة الأمريكيين والإسرائيليين إلى فك الارتباط بحلفائهم الإيرانيين في سوريا؟ المتفائلون بفك ذلك الارتباط يفكرون بعقلية رغبوية على أمل أن ينهار التحالف الروسي الإيراني الذي بات رقماً صعباً في سوريا والعراق وحتى لبنان واليمن. لكن الطلاق الروسي الإيراني ليس بالسهولة التي يتمناها أعداء إيران في المنطقة.

لمن لا يعلم فإن التقارب الروسي الإيراني ليس نتيجة الوضع في سوريا أبداً، وليس وليد المصالح المشتركة لموسكو وطهران في سوريا وحتى اليمن، بل هو سابق لذلك. فلا ننسى أن روسيا تعتبر إيران ذراعاً ضرورياً لها فيما يسمى بالمشروع الأوراسي الذي يتبناه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأوراسيا هو مشروع يحاول الروس من خلاله تشكيل حلف أوروبي آسيوي كما يبدو من الاسم لمواجهة المشاريع والتحالفات الغربية. ولا يمكن لهذا المشروع الاستراتيجي أن يتقدم ويتشكل من دون المشاركة الإيرانية الفعالة، وبالتالي فإن التلاقي الروسي الإيراني ضرورة استراتيجية قبل أن يلتقي الطرفان في سوريا، لا بل إن التقارب بين الجانبين في الشرق الأوسط مرده إلى الزواج الكاثوليكي الذي يتطلبه مشروع أوراسيا.

وحتى لو لم تكن هناك مصالح مشتركة للروس والإيرانيين في مشروع أوراسيا، فإن الطرفين لا يمكن أن ينجحا في سوريا بمفرد كل طرف، فهما يعتمدان على بعضهما البعض اعتماداً حيوياً لتمرير مصالحهما في سوريا حيث يحظيان بترحيب كبير من قبل النظام. لا شك أن روسيا تعلم علم اليقين أنها لا تستطيع أن تنتصر عسكرياً في سوريا على قوى المعارضة السورية بسلاح الطيران فقط على نجاعته وجبروته، فهي تحتاج على الأرض إلى قوات برية كبيرة لتقوم بالمهمة برياً. وكما هو معلوم فإن لإيران ميليشيات كثيرة في سوريا تقاتل إلى جانب النظام، فلا القوات الإيرانية قادرة بمفردها على الانتصار، ولا الطيران الروسي بمفرده قادر على حسم المعركة. وكما نعلم كانت دمشق على وشك السقوط أمام قوات المعارضة لولا التدخل العسكري الروسي كما اعترف وزير الخارجية الروسي نفسه، وأن إيران فشلت من قبل في وقف زحف القوى المعارضة للنظام السوري باتجاه دمشق حتى جاء الروس وتظافرت القوة الجوية الروسية والقوة البرية الإيرانية فتحقق النصر الروسي الإيراني على قوات المعارضة في حلب وريف دمشق مع الأخذ بعين الاعتبار أيضاً أن التقارب التركي الروسي في سوريا لعب دوراً محورياً في ترجيح كفة الروس والإيرانيين في سوريا على حساب قوى المعارضة.

البعض يعتقد أن روسيا يمكن أن تبيع إيران في سوريا لصالح إسرائيل على اعتبار أن الروس أقرب للإسرائيليين منه إلى الإيرانيين. لكن مؤيدي إيران يعتقدون العكس، فهم يرون أن روسيا تستخدم الميليشيات الإيرانية في سوريا كبعبع وكمخلب قط لتخويف الإسرائيليين والأمريكيين. وكلما اقتربت الميليشيات الإيرانية باتجاه الحدود الإسرائيلية في سوريا اضطرت تل أبيب للضغط على أمريكا لتخفيف الضغوط على روسيا في أوكرانيا وسوريا ومناطق أخرى. ويتحدث محللون من الحلف الإيراني على أن هناك تفاهماً قوياً جداً بين المرشد الإيراني علي خامنئي والرئيس الروسي بوتين في هذه القضية وغيرها.

لا تراهنوا على إضعاف الدور الإيراني في المنطقة، فإيران ضرورة استراتيجية للمشروع الأمريكي والإسرائيلي، ويكفي أن تعرفوا أن الصراع السني الشيعي الذي ترعاه القوى الشريرة في المنطقة لا يمكن أن يزدهر بدون النفوذ الإيراني، وأن الخراب والتدمير الممنهج بدءاً بالعراق مروراً بلبنان واليمن والآن سوريا لا يمكن أن يتحقق أيضاً من دون المعوّل الإيراني.

اقرأ المزيد
٢١ أبريل ٢٠١٨
إيران ليست مستعدّة لحرب مفتوحة مع إسرائيل!

تنحو المواجهات في سوريا، إلى مواجهات بين القوى الكبرى مباشرة وليس بالوكالة. الغارة على مطار T.4 أحالت المستور معلوما. إسرائيل كشفت عمليا أنّها ضربت المطار؛ لأنّ إيران تستخدمه في تخزين وإطلاق طائرات بلا طيار، في حين كانت قبلا لا تعترف مطلقا، حتى ولو ثبت أنّها هي التي اعتدت. بدورها، إيران أكدت عبر علي ولايتي أقرب المستشارين للمرشد آية الله علي خامنئي «أنّ بلاده ستردّ»، وتولّى بهرام قاسمي الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية التأكيد بأنّ «الردّ الضروري سيكون عاجلا أو آجلا».

التهديدات المُتبادلة بين طهران وتل أبيب تؤشر إلى أن المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية واقعة اليوم قبل الغد. لكن سواء كانت إيران البادئة لأنها يجب أن تردّ، أو إسرائيل لأنها لم تتعوّد السكوت على هجوم عليها، فالسؤال الواقعي: من يمكنه ضبط تدحرج «كرة النار» عند نقطة تحول دون وصولها إلى حيث لا يجب أن تصل أي الحرب الشاملة، التي حكما ستغيّر كل المعادلات خصوصا بين موسكو وواشنطن، لأنهما ستُحشران في كيفية حماية كل واحدة منهما لحليفتها؟

لا شك أن مسؤولية موسكو ستكون الأكبر. وستكون هي الأكثر إحراجا، لأنّها متحالفة مع طهران ولا يمكنها التفريط بها من جهة، ومن جهة أخرى لا تستطيع ولا تريد فك علاقاتها المتينة مع إسرائيل، خصوصا على الصعيد العسكري في سوريا. لذلك لا بد من أن تكون العاصمتان على تواصل مستمر لوضع حدّ لتبريد الأجواء وعدم تدهورها، لأنها إذا بدأت في سوريا فمن يضمن عدم تمدّدها إلى لبنان أولا ومن ثمَّ إلى إيران ثانيا؟

الغارة الإسرائيلية على الموقع الإيراني في مطار T.4 دفعت حكما بالمواجهة الإيرانية – الإسرائيلية إلى الواجهة. إسرائيل أكدت بالغارة ومن خلال الصور التي نشرتها بعد ذلك حول المواقع الإيرانية في سوريا، أن «النشاطات الإيرانية في سوريا مكشوفة أمامها»، وأن هدف هذا النشاط تحويل سوريا إلى «جبهة أمامية». انتهى زمن السكون والمساكنة السورية – الإسرائيلية ومعها الإيرانية، والاكتفاء بإشعال جبهة الجنوب اللبناني. لذلك فإن أي رد إيراني على الغارة لا بد أن يطال إسرائيل مباشرة وإلا لا معنى للرد الذي تبقى مسؤوليته محجوبة في «حرب الظلال».

إسرائيل أكدت عبر صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن «الجنرال قاسم سليماني موجود في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأنّه يخطّط لعملية انتقامية». إذا صحّ هذا التوجه الإيراني فإنه يعني حكما أن إيران التي احتفلت بعيد الجيش ليست حذرة فقط وإنما قلقة وخائفة، فهي لا يمكنها الصمت ولا ضمان عدم تحوّل أي عملية محدودة ومحدّدة إلى «حرب صواريخ» شاملة في وقت لا تبدو فيه إيران مستعدة لخوض مثل هذه الحرب، وهي الغارقة في «حروب» سوريا مباشرة، والعراق واليمن بطريقة غير مباشرة حتى الآن.

السؤال الكبير، لو وقعت عملية إيرانية ضدّ إسرائيل، فهل تكون في دفع «حزب الله» إلى الدخول في حرب مهما قيل عن إمكاناته واستعداداته، غير قادر عليها ولا على مواجهة جمهوره في الجنوب اللبناني الذي سيدفع الثمن غاليا وأكثر مما حصل بكثير في الحرب السابقة؟ وماذا سيقول لقواعده الشعبية والمسلّحة لتبرير إشعال هذه الحرب التي من الواضح للجميع أنها ستكون بأمر إيراني مباشر وليس لتحرير الأرض اللبنانية؟

أمام إيران وإسرائيل مواعيد لا يمكن القفز فوقها، خصوصا أن الولايات المتحدة الأميركية شريكة في بعضها. «نصف الإسرائيليين خائفون من الحرب القريبة». اعتادت إسرائيل على تسويق وبيع خوفها دائما. المأزق أن إسرائيل تحتفل بالذكرى السبعين لقيامها والفلسطينيين بالذكرى السبعين للنكبة، وكل ذلك على وقع «الموعد الترامبي» حول الاتفاق النووي مع إيران في الفترة نفسها تقريبا.

أبعد من ذلك، إنَّ إيران لا يمكنها إلا العمل لتفادي حرب واسعة والاكتفاء بعمليات محدودة، لأنها «ترقص» في الداخل على وقع خلافات مُعلنة، إلى درجة أن المرشد خامنئي أصبح مضطرا للطلب من أجهزة الاستخبارات الإيرانية «النأي بنفسها عن الانقسامات الداخلية». وذلك بعد أن أصبح التنافس بين مختلف الأجهزة علنيا.

ويبدو أن إسرائيل وجدت أخيرا في نظام بشار الأسد، «عقدة أخيل» الإيرانية. لذلك هددت بالرد على أي هجوم إيراني بشكل «يقوّض سيطرة نظام الأسد». معنى ذلك أن إسرائيل ستركّز في ردّها العسكري على قصف مواقع للجيش الأسدي كما «الحرس الثوري» سواء في حلب أو دير الزور أو دمشق.

الخطر الظاهر والكامن في الوقت نفسه في سوريا، أنّها تحوّلت برأيي الخبراء إلى «مختبر لحروب القرن الواحد والعشرين». أي أنها «حروب تتناسل ولا يمكن وقف تناسلها إلا عندما تستنفد القوى الكبرى المُشاركة فيها وسائلها بعد حصولها على ما خططت له منذ البداية». الحرب في سوريا برأي هؤلاء الخبراء تبدو كأنها تماثل حرب إسبانيا التي شكلت مختبرا للحرب العالمية الثانية والحرب الكورية في القرن العشرين مختبرا للحرب الباردة.

ترجمة هذا التحوّل، أنَّ روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة الأميركية، لن تُوقف الحرب في سوريا حتى تحصل كل واحدة منها على «حصتها» حتى ولو اقتضى الأمر الدخول في مواجهة مباشرة مع أحد الأطراف أو أكثر. من الواضح أنّ إيران في قلب هذه المواجهة لأنها هدّفت على هدف ولم تأخذ في حساباتها موضع «أقدامها» الغارقة في وحول خارجية وداخلية معا، وأنّ إسرائيل ليست وحدها من ستكون سعيدة في «ليّ يدها إن لم يكن كسرها». فروسيا أيضا يهمّها تخفيض «الشهية الإيرانية». أما الولايات المتحدة الأميركية فسيسعدها «كسر يدها» والأقسى أنّ محيطها الجغرافي سيكون متأهبا ومغتبطا إذا ما حُجّمت طموحاتها وأُجبرت على الانكفاء إلى الداخل.

اقرأ المزيد
٢١ أبريل ٢٠١٨
«الثلاثية» غير العدوان الثلاثي... وحرب السويس كانت مواجهة قومية!

أكبر إساءة إلى مرحلة تاريخية، تختلف كثيراً عن هذه المرحلة، أنْ يُشبّه البعض الضربة الثلاثية الأخيرة، الأميركية – البريطانية – الفرنسية، لموقع «كيماوي» بقي ينتج أسلحة محرمة دولياًّ لطالما استخدمها نظام بشار الأسد بموافقة روسية وتشجيع إيراني ضد الشعب السوري والأطفال السوريين، بعدوان عام 1956 على مصر، حيث كانت حرب السويس مواجهة قومية مع غزاة ومحتلين.

ومما تجدر الإشارة إليه بدايةً هو أنه حتى الآن فإن أي جهة، بما في ذلك الروس والإيرانيون ونظام بشار الأسد نفسه لم تستطع إثبات أن هذه الضربة الثلاثية، الأميركية – البريطانية – الفرنسية، قد أسفرت ولو عن قتيل أو جريح واحد، وأنها كانت ضربة «نظيفة»، كما يقال في المصطلحات العسكرية، واقتصرت على تدمير منشأة دأبت على مدى أكثر من سبع سنوات متلاحقة على إنتاج ربما «أطنان» من أسلحة الدمار الشامل التي أزهق بها هذا النظام القاتل المجرم أرواح عشرات الألوف من السوريين من فئة «معينة» ومحددة معظمهم من الأطفال والنساء وربما ليس من بينهم ولا حتى مقاتل واحد من المعارضة الوطنية التي يلصق بها نظام بشار الأسد وحلفاؤه ومساندوه وأعوانه التهمة «الإرهابية»!

ربما أنَّ كثيرين من الذين أشبعوا أنفسهم نحيباً وتحسراًّ على تدمير هذه المنشأة، التي كانت متخصصة في صناعة الموت وتشويه أجساد الأطفال السوريين بالمواد الحارقة، لا يعرفون أنَّ الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين عندما وجّهوا هذه الضربة الأخيرة، التي لم يثبت أنها أدت إلى مقتل سوري واحد، لا عسكرياً ولا مدنياً، كانوا ينفذون قراراً دولياًّ يجيز اللجوء إلى العمل العسكري إذا أسيء استخدام الأسلحة «الكيماوية» والأسلحة الفتاكة حتى خلال الحروب والمواجهات العسكرية المحدودة والشاملة.

لقد كان متوقعاً قبل توجيه هذه الضربة «التحذيرية» التي أغلب الظن أن المقصود بها، كما قال مندوب روسيا الاتحادية إلى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة فلاديمير سافرونكوف، هو «إهانة» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تمادت قواته في استعراض عضلاتها في سوريا ضد الشعب السوري والأطفال السوريين لإثبات أن روسيا الاتحادية قد استعادت مكانة ونفوذ الاتحاد السوفياتي السابق عندما كان في ذروة غروره وعنجهيته وأرسل صواريخه «الاستراتيجية» المدمرة إلى كوبا الواقعة جغرافياً في الخاصرة الأميركية الرقيقة.

وحقيقة أنه ما كان على الرئيس فلاديمير بوتين، الذي هناك الكثير مما يُحسب له وما يُحسب عليه، أن يذهب بعيداً في تطلعاته الإمبراطورية وأن يحول بلداً عربياًّ هو سوريا، التي كانت أول دولة في هذه المنطقة تفتح أبوابها لروسيا السوفياتية وكان ذلك في عام 1949 في عهد حسني الزعيم، إلى حقل تجارب لأسلحته الفتاكة وصواريخه وبخاصة وهو يعرف تمام المعرفة أن هناك مثلاً يقول: «على قدْ غطاك مِدْ رجليك»، وأن أوضاع روسيا الاقتصادية المشرفة على الانهيار لا تسمح له بكل هذا التحدي للولايات المتحدة ومعها بالطبع حلفاؤها الأوروبيون وداعموها في هذه المنطقة الشرق أوسطية والعالم بأسره.

وهنا فإن المفترض أن بوتين يعرف بحكم «خدمته» في «كي جي بي» أنَّ نهاية الاتحاد السوفياتي وانهياره كان سببها الأول غزوه الاحتلالي لأفغانستان وتمدده أكثر من اللزوم في العالم وبخاصة في أوروبا الشرقية وكل هذا كان في ظل أوضاع اقتصادية متهاوية وبقيادة حزب هو الحزب الشيوعي الذي كان قد نخره الفساد وغدا مع الوقت متورماً «سرطانياً» فكانت نهايته على يد ميخائيل غورباتشوف وبعده بوريس يلتسين تلك النهاية المأساوية التي كانت في الوقت ذاته نهاية دول أوروبا «الشيوعية» كلها... كلها ومن دون استثناء حتى ولا دولة واحدة!

وهكذا وعوْدٌ على بدء، كما يقال، فإنَّ أسوأ ما قيل من قبل «الأُميين» سياسياً وتاريخياًّ والمنحازين انحيازاً أعمى إلى نظام بشار الأسد، الذي كان بدأه أبوه حافظ الأسد بانقلاب عسكري على «رفاقه» في عام 1970، وحيث، كما هو معروف، أرسل ليس معظم لا بل كل رموزهم القيادية إلى زنازين المزة إلى أن فارقتهم أعمارهم هناك، هو تشبيه هذه الضربة الثلاثية بـ«العدوان الثلاثي» على مصر في عام 1956... فهذا تجنٍّ على الحقائق وتعدٍّ جاهلي على أحداث التاريخ التي لا تزال حاضرة في أذهان كثيرين من الذين عاشوا تلك المرحلة التي غدت متقدمة لكنها لا تزال غير بعيدة.

كان العدوان الثلاثي، البريطاني - الفرنسي - الإسرائيلي، على مصر عام 1956 رداًّ على تأميم قناة السويس ومحاولة لإسقاط نظام رأت هذه الدول الثلاث أن توجهاته تشكل خطراً عليها في هذه المنطقة «الاستراتيجية» كلها. والمعروف أن العرب بغالبيتهم، إنْ لم يكن كلهم، قد اعتبروا أن تلك الحرب كانت حربهم وأن تلك المعركة كانت معركتهم، وهكذا فقد حرك بعض الدول العربية بعض قطاعاتها العسكرية لإسناد الجيش المصري، وهذا بالإضافة إلى أن أعداداً كثيرة من المتطوعين العرب قد توجهوا إلى أرض الكنانة للقتال كـ«فدائيين» في تلك المواجهة القومية. وهنا تقتضي الأمانة الإشارة إلى أن من بين هؤلاء عدداً من الأمراء السعوديين في مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والأمير سلطان بن عبد العزيز، رحمه الله.

لم يكن النظام القائم في مصر عام 1956 وعلى رأسه جمال عبد الناصر، قد ارتكب حتى ولا موبقة واحدة من هذه الموبقات التي ارتكبها نظام بشار الأسد ونظام والده لا في سوريا ولا في خارجها منذ عام 1970 حتى الآن. ولم يكن، أي الرئيس المصري الأسبق، قد أرسل جيش مصر لقتال دولة عربية دعماً لدولة إقليمية غير عربية على غرار ما فعله حافظ الأسد عندما أرسل قواته العسكرية للقتال إلى جانب إيران الخمينية ضد دولة عربية هي العراق التي كان جيشها أول الواصلين إلى جبهة الجولان في حرب عام 1973 مع إسرائيل وفي كل الحروب السابقة.

ثم، وهذا يجب أن يقال للذين يشبّهون الضربة الثلاثية الأخيرة، الأميركية – البريطانية – الفرنسية، لمنشأة نظام بشار الأسد «الكيماوية» بالعدوان الثلاثي على مصر، إنه لم يسجَّل على أرض الكنانة أيٌّ من كل هذه الموبقات والجرائم التي ارتكبها هذا النظام السوري إنْ في عهد «الوالد» وإن في عهد «الابن»، في لبنان أولاّ ضد الفلسطينيين وثانياً ضد اللبنانيين. ولعل ما يجب أن يكون معروفاً هو أن دويلة ضاحية بيروت الجنوبية التي على رأسها حسن نصر الله «المقاتل في فيلق الولي الفقيه» قد أنشأتها المخابرات السورية بالتعاون مع المخابرات الإيرانية، وهذا يعني أنه تجنٍّ ما بعده تجنٍّ أن تُشبه هذه الضربة التي استهدفت أسلحة محرمة دولياًّ بحرب سببها تأميم قناة السويس، كانت في حقيقة الأمر بمثابة حرب على الأمة العربية كلها من المحيط إلى الخليج.

إن المعروف أنَّ الولايات المتحدة، وكان رئيسها في ذلك الحين هو جنرال الحرب العالمية الثانية دوايت آيزنهاور، قد وقفت في حرب السويس عام 1956 إلى جانب مصر وإلى جانب الأمة العربية، أمّا الآن فإنها بمشاركتها في هذه الضربة الثلاثية الأخيرة فإنها قد لجأت إلى هذا العمل العسكري استهدافاً لأسلحة «كيماوية» قد أسيء استخدامها، واستهدافاً للوجود الروسي والإيراني الاحتلالي في سوريا، وأيضاً «إهانةً» للرئيس فلاديمير بوتين، كما قال المندوب الروسي في الأمم المتحدة.

وعليه فإنه ما لا شك فيه أن هذه الضربة الثلاثية هي ضربة تحذيرية للروس أولاً وللإيرانيين ثانياً ولنظام بشار الأسد ثالثاً، ولعل ما يؤكد هذا أن الولايات المتحدة قد أعلنت، خلافاً لتوجهات الرئيس دونالد ترمب السابقة، بقاء قواتها في سوريا من دون تحديد أي موعد لانسحابها، وهذا يعني أن الأزمة السورية قد دخلت مساراً جديداً، وأنه إن لم يتم إنعاش الحل السياسي وفقا لـ«جنيف1» والمرحلة الانتقالية، فإنه غير مستبعد أن تكون هناك مواجهة عسكرية يقدّر البعض أنها قد تأخذ هيئة الحرب العالمية الثالثة ولكن بشكل غير شكل الحربين العالميتين السابقتين.

اقرأ المزيد
٢١ أبريل ٢٠١٨
ماذا بعد الضربة؟

يتفاءل بعض المحللين بأن يكون التفاهم الروسي الأميركي على تخفيف حجم وفاعلية الضربات الصاروخية التي وجهتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لأهداف تتعلق بتصنيع الأسلحة الكيماوية في سوريا، قد تم بصفقة سرية تخلت فيها روسيا عن تشبثها بالنظام، وربما تكون وافقت على بقائه مع تغيير جذري في قياداته، ولا أستبعد أن تكون الأطراف جميعاً قد اتفقت على حفظ ماء الوجه للولايات المتحدة بعد سيل التغريدات والتهديدات من خلال تضييق حجم الضربات، والتحديد الدقيق للأهداف، واختيار ساعة من الفجر في دمشق موعداً لها، حيث الناس نيام، وقد تم تفريغ المنشآت وضمان عدم إصابة أحد.. ما يجعل الضربة استعراض قوة أكثر من كونها عقاباً يؤلم النظام، أو يوقع خسائر بشرية عند المدنيين.

وقد فهم الروس أن الضربة كانت موجهة لهم، واعتبرها مندوبهم في مجلس الأمن إهانة لبوتين، بينما اعتبرها أنصار النظام نصراً مبيناً، وأقاموا الأفراح والاحتفالات تعبيراً عن النشوة بكونها لم تستهدف النظام حتى لو هدمت بنى ومنشآت، وقد فهموا أن النظام باق، وأن الغضب الدولي كان بسبب استهتار النظام بقوانين حظر الأسلحة الكيماوية فقط، وذلك يعني إطلاق يده باستخدام ما يشاء من أسلحة أخرى دون مساءلة.

وبوصفي مواطناً سورياً، أعلن أنني أتمنى ألا أرى جندياً أجنبياً في بلادي، وطالما وددت أن يبقى الصراع السوري شأناً سورياً داخلياً، ومهما أسرف النظام في العنف وفي قتل الشعب، فإنه لن يقوى على إبادته، ولو حدث واستولى على سوريا كلها، بافتراض خروج روسيا وإيران والمليشيات الطائفية، فإن بقاء النظام سيكون محالاً، ولن تستطيع التنظيمات الدينية المتطرفة بمختلف ولاءاتها، طمس أهداف الشعب في الحرية والكرامة وبناء دولة مدنية ديمقراطية.

لقد كان التهديد قبل شن الضربات الأخيرة موجهاً لروسيا وإيران، لكن الضربات تحاشت هذا الصدام الذي كان مرشحاً لتصعيد يشمل المنطقة كلها، وربما كان سيضع العالم على شفا حرب عالمية ثالثة.

لكن السؤال المهم: ما الذي حققته الضربات على الصعيد السياسي للقضية السورية؟ وهل فهم الروس أنهم لا يستطيعون تغيير النظام الدولي الأحادي القطب، وليس بوسعهم التفرد بسوريا والمنطقة، وأن الولايات المتحدة هي القوة الأعظم عسكرياً في العالم؟ وهل فهمت الدول العظمى الأخرى أن أي استهتار بمكانة أميركا سيعرضها لمثل الإهانة التي تلقتها روسيا؟ وهل فهمت إيران أنها تحت السيطرة الأميركية، ولن تكون قوة إقليمية تتفرد بأي بلد خارج القواعد الأساسية للحراك الدولي؟

لقد كسب ترامب حضوراً أقوى أمام ناخبيه، وحاول ماكرون إعادة حضور ما لفرنسا في منطقة كانت على مدى القرن العشرين تعتبرها ساحة نفوذها السياسي، وتمكنت ماي من أن تبرز كزعيمة حازمة في بريطانيا وقوة أوربية لا يستهان بها رغم خروجها من الاتحاد الأوربي.

لكن الذين غابوا عن الحدث الكبير هم الثوار السوريون، ولئن كان النظام يحتفل بالنصر لنجاته من التهديد مرحلياً، فإن المعارضة التي تنتظر مسعى دولياً حاسماً لإيجاد حل، لا ترى أفقاً واضحاً ما لم يتم سحب أوراق رعاية المفاوضات من روسيا المنحازة للنظام، وما لم تقم الدول التي تعتبر نفسها صديقة للشعب السوري بمهمة إدارة التفاوض بنفسها للوصول به إلى حل مقبول.

ولا يمكن الوصول إلى حل يقبل به الشعب ويعود من خلاله المهجرون إلى وطنهم، وينتهي معه الاقتتال، إلا بوقف كل التدخلات الخارجية، وإنهاء الأحلام الانفصالية، وإقامة هيئة حكم انتقالي تشارك فيها كل الأطياف والمكونات الوطنية، لإنهاء الديكتاتورية التي قادت سوريا إلى الجحيم والدمار الشامل.

اقرأ المزيد
٢٠ أبريل ٢٠١٨
لماذا لم تشارك ألمانيا في الضربات السورية؟

أشار وزير الدفاع الألماني الأسبق كارل تيودور غوتنبرغ، في لمحة ساخرة، إلى أن قرار الحكومة الألمانية الأخير بدعم الضربات الأميركية والبريطانية والفرنسية ضد سوريا بالخطاب السياسي وليس بالأسلحة والصواريخ، يؤكد حالة الامتياز الجدلي التي تتمتع بها الحكومة الألمانية الحالية، الأمر الذي قد يتفق معه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ولكن بصورة غير مريحة على الإطلاق. بيد أن المستشارة أنجيلا ميركل والمنهج الهيجيلي الجدلي الذي تعتمده حيال القضايا الجيوسياسية يبدو أكثر عقلانية ومنطقية من استعداد نظرائها الغربيين لحمل السلاح والانطلاق إلى الحرب.

ويعتبر بيان المستشارة الألمانية، بشأن الضربات التي تمت صباح السبت الماضي ضد منشآت الأسلحة الكيماوية التابعة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، من أوجه الدعم المباشر الذي لا لبس فيه. كما أن البيان يُلمح إلى العذر الألماني بعدم المشاركة المباشرة في الغارات الجوية المشار إليها؛ يعتبر كلاً من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، على خلاف ألمانيا الاتحادية، من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة - أي أنها الدول التي تتحمل المسؤولية الكاملة عن التأكد من متابعة القواعد الدولية في هذا الصدد. إنه إحجام بارع الدهاء عن تحمل مسؤولية القيادة العالمية في موقف لا يمكن لألمانيا أن تحتل فيه موضع القيادة بحال. وكانت غارات السبت الماضي، بعد كل شيء، نتيجة مباشرة لتغريدة الرئيس دونالد ترمب الأسبوع الماضي، التي تعهد فيها بأن الصواريخ «في الطريق». وشرعت الإدارة الأميركية، في أعقاب هذه الفورة العنيفة، في البحث عن مساعدة الحلفاء (على الرغم من أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يكن في حاجة إلى تحفيز)، غير أن الرئيس ترمب كان في أمس الحاجة إلى أتباع، وعلى الأخص أنه لم يطلب تفويضاً من الكونغرس على اتخاذ مثل هذا الإجراء كما تقتضي الأمور.

ولم يكن بوسع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي الرفض بحال؛ فلقد كان الرئيس ترمب مسانداً لها على طول الطريق في أعقاب محاولة تسميم العميل الروسي المزدوج السابق، وكان لزاماً على ماي أن تُظهر قدراً معتبراً من الامتنان والالتزام، على اعتبار أن بشار الأسد متهم باستخدام الأسلحة الكيماوية المحظورة ضد شعبه. ولم يكن يلزم الرئيس ماكرون الانضمام إلى تلك الجوقة، غير أنه يسعى جاهداً لترسيخ علاقاته مع الرئيس الأميركي وبأفضل مما يستطيع أي زعيم أوروبي آخر. كما أنه يسعى كذلك لإبراز صورته الشخصية كزعيم من أكبر زعماء السياسة الخارجية.
عانت ميركل الأمرين حتى تتسق مع الرئيس الأميركي وفشلت في إخفاء استيائها من سياساته. وكان إرسال بضع مقاتلات من سلاح الجو الألماني للمشاركة في الضربات الأخيرة سيعتبر محاولة رخيصة نسبياً للدخول تحت مظلة الرئيس الأميركي؛ فلقد أشاد الرجل أيما إشادة بلندن وباريس للمضي قدماً على السبيل التي رسمها بنفسه. غير أن المستشارة الألمانية فوتت على نفسها هذه الفرصة. وكما هي الحال دائماً، كانت اعتبارات ميركل ذات طبيعة محلية في المقام الأول. لم ترغب ميركل قط في تأمين المكانة الدولية الرفيعة لنفسها على حساب الأوضاع المحلية الداخلية الأكثر اضطراباً، وهي لا تزال تعتمد هذه السياسة من دون تغيير يُذكر.

أما ماي، فقد ساندت الرئيس ترمب على الرغم من المعارضة في بريطانيا ضد الضربات على سوريا. كما تحرك الرئيس ماكرون، كذلك، ضد رغبة جانب من أبناء الشعب الفرنسي في هذا القرار. لكن ميركل فضلت الاتساق مع الرأي العام الداخلي في بلادها.

تمكنت ميركل أخيراً، وبشق الأنفس، من تشكيل الحكومة الألمانية الجديدة بعد انتخابات عامة غير حاسمة في سبتمبر (أيلول) الماضي. وكان آخر شيء تحتاجه المستشارة الألمانية في الأيام الأولى من الائتلاف الحكومي شديد الهشاشة الذي كونته هو إثارة حالة من الجدل العارمة بشأن جر الجيش الألماني فيما يمكن أن يتحول إلى مواجهة عسكرية كبيرة بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية. وحذر الرئيس الألماني الحالي فرانك فالتر شتاينماير الأسبوع الماضي، الذي مد يد العون بشكل أساسي وكبير لميركل، من تشكيل الائتلاف الحكومي الجديد عن طريق حزبه القديم، حزب الديمقراطيين الاشتراكيين، من «حالة العزلة السريعة» بين الغرب وروسيا. وأوضحت ميركل، هي ومسؤولون آخرون من الحكومة الألمانية، الأمر تماماً، بأنهم ليسوا من الأصدقاء المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولكنهم في الوقت نفسه غير راغبين تماماً في اجتزاء أي قطعة ساخنة من أي حرب كانت ضد بلاده. ولا يبدو ذلك من قبيل التناقض مع الذات كما يبدو للوهلة الأولى.

تعرضت ميركل للانتقادات العنيفة من اليمين واليسار على حد سواء في بلادها؛ إذ وصف السياسي يورغن تريتين من حزب الخضر الألماني، «الترحيب» الرسمي الألماني بشن الضربات على نظام الأسد بأنه أمر غير محتمل. ومن زاوية اليسار الألماني تعد الدبلوماسية هي السبيل الوحيدة الناجعة في تسوية الصراع السوري. وعلى الطرف الآخر من الطيف السياسي الألماني، نجد صقور اليمين مثل غوتنبيرغ وأنصار التعاون الأطلسي بين أوروبا والولايات المتحدة، من أمثال زعماء الحزب الديمقراطي الحر المؤيد للمال والأعمال، الذين أدانوا التقاعس الألماني الواضح عن المشاركة في العمليات الأخيرة ضد سوريا، واصفين الأمر بأنه سوف يُلحق مزيداً من الضرر في علاقات بلادهم مع الولايات المتحدة.

ورغم ذلك، من السهولة بمكان التملص من هذه الانتقادات؛ إذ ينبغي على اليسار الألماني الشعور بالسعادة لتقاعس ميركل بصرف النظر عن التصريحات التي أدلت بها؛ فذلك التقاعس الرسمي هو أكثر ما يصبو إليه الناخبون. ومن شأن الساسة الموالين للولايات المتحدة ملاحظة أن ميركل تعبر بشكل لا لبس فيه عن المعسكر السياسي الذي تنتمي إليه. وكما صرح ساعدها الأيمن في الحكومة، وزير الاقتصاد الحالي بيتر ألتماير لصحيفة «بيلد» الألمانية اليومية: «إن لم ننفذ الضربات بأنفسنا فلا يعني ذلك أننا ننأى بأنفسنا تماماً عنها». وألمانيا، على سبيل المثال، تشرف حالياً على تدريب قوات البيشمركة الكردية المعارضة لنظام بشار الأسد.

وهناك عامل محلي آخر نادراً ما يذكره أحد. منذ عام 2014، تقدم أكثر من 513 ألفاً و213 مواطناً سورياً بطلبات الحصول على اللجوء في ألمانيا. والسواد الأعظم منهم من معارضي بشار الأسد، لكن حتى وإن كانت هناك أقلية منهم تؤيد الرجل، فلن يكون من الحكمة أبداً أن تنخرط ألمانيا في الحرب الأهلية السورية أو أن تقدم الإسناد العسكري المفتوح لأي من الأطراف المتناحرة على أرض الصراع هناك. وبالمقارنة مع ألمانيا، لم تقبل الدول المشاركة في ضربات السبت الماضي ضد سوريا أي لاجئين سوريين، كما فعلت ألمانيا؛ إذ سمحت الولايات المتحدة بدخول 3024 لاجئاً سورياً فقط إلى أراضيها خلال العام الماضي. وكان من شأن بضع قنابل ألمانية قليلة تسقط على منشآت بشار الأسد العسكرية أن تكلف دافعي الضرائب الألمان أقل بكثير مما تكلفهم سياسة قبول اللاجئين السوريين التي تعتمدها حكومة بلادهم. غير أنني أؤيد وأقدر جهود اللاجئين أكثر من ضربات القنابل، وليس فقط لأجل الأسباب الإنسانية وإنما لأجل تجربة الاندماج والاستيعاب التي لم تجرؤ أي دولة أخرى على خوضها كما فعلت ألمانيا. توصف أنجيلا ميركل بأنها من أساتذة الحلول الوسط المخضرمين في أوروبا. ويعد موقفها حيال سوريا مستقراً في موضع ما بين الاستقرار الداخلي والحاجة إلى التلميح بالولاء المستمر للولايات المتحدة وتحالفها الغربي الكبير. ومن المنطقي أن يصب توازن الحلول الوسط في صالح القضايا المحلية الألمانية. وبعد كل شيء، كان هجوم البلدان الغربية الكبرى الثلاث على نظام بشار الأسد رمزياً أكثر منه فعلياً؛ إذ لم يسفر الهجوم عن تغيير يُذكر في الانتصارات التي حققها جيش الأسد في الغوطة الشرقية، وإن بقي لدى نظام الأسد أي أسلحة كيماوية في مخازنه، فمن غير المرجح أن يتم تخزينها في مواقع معروفة وواضحة مثل تلك التي تعرضت للغارات الأخيرة.

وعندما يتعلق الأمر بالإيماءات الرمزية، فإن الكلمات لها التأثير نفسه للصواريخ. ويشعر الشعب الألماني، وكاتب هذا المقال، بقدر من السرور أن زعيمة البلاد تدرك هذه الحقيقة تماماً.

اقرأ المزيد
٢٠ أبريل ٢٠١٨
مأزق بوتين: إقصاء إيران يُقصي الأسد وبقاؤهما معاً غير متاح

بين التمنيّات التي شاعت سوريّاً وعربياً ودولياً، والأهداف التي حدّدتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لضرباتها، كانت هناك هوّة واسعة وعميقة هي التي لا تنفكّ روسيا وإيران ونظام بشار الأسد تدفع إليها بسورية والشعب السوري. لم يكن أصحاب التمنيّات واقعيين لأن الغربيين مخططي الضربات كانوا واضحين في أنهم لا يسعون إلى تقويض النظام وهزمه في الصراع المسلّح، ولا يريدون مواجهة أو حرباً مفتوحة مع روسيا أو إيران. أي إبقاء اللعبة الدولية- الإقليمية في معادلتها الراهنة التي تجيز القتل والتدمير بكل أنواع الأسلحة، من دون تجاوز «الخطوط الحمر».

تصرّفت واشنطن بعد استخدام السلاح الكيماوي على أنها مُستَفزّة، وعندما تأهّبت للردّ بدت موسكو مُستَفزّة أيضاً. استنفر الأميركيون بريطانيا وفرنسا فضاعف الروس استنكاراتهم، ولن يُخفِ الفرنسيون والبريطانيون حذراً بات اعتيادياً وضروريّاَ حيال خيارات دونالد ترامب، ما استوجب اتصالات أميركية- روسية لتبادل التوضيحات (منذ اتفاق لافروف- كيري عام 2013 الذي وثّق بالقرار 2118 تُعتبر روسيا ضامنة لانضباط النظام «كيماويّاً» ومنذ التدخّل المباشر باتت مسؤولة عن ممارساته)، كذلك لتبادل التحذيرات (إذا قُتل جندي روسي أو قُوّض النظام لا تستطيع روسيا الامتناع عن الردّ)، وهكذا جرى تقليص الأهداف، موقتاً، وهو ما دفعت إليه باريس وأيّدته لندن ومعهما وزير الدفاع جيمس ماتيس، كما أنه ينسجم مع التوجّهات الفعلية لترامب بمعزل عن تغريداته النارية.

هذا التقليص «الموقّت» للأهداف أتاح لروسيا فتح المجال الجوي السوري للضربات الثلاثية، لكنه لم يمنع مواصلة حشد القطع الحربية في المتوسّط، أولاً لأن التفاهمات بين الأميركيين والروس لا تُبنى على الثقة، وثانياً لأن الدول الثلاث تتحسّب لردود إيرانية- أسدية (بموافقة روسية ضمنية) قد تعاود استخدام السلاح الكيماوي، في إدلب مثلاً، أو تستهدف مباشرة قوات التحالف الدولي في شمال سورية. وطالما أن الدول الثلاث لم تصمم ضرباتها للتدخل في مجريات الصراع الداخلي أو لإزاحة الأسد، يمكن عزو تقليص الأهداف إلى أسباب عدة، منها عدم اتفاق الدول الثلاث على استراتيجية واضحة، واستمرارها في التزام «خطة فيينا» (2015) التي صيغت في القرار 2254 واعترفت ضمناً بدور روسي أساسي وحيوي، لكن روسيا أخلّت به وتواصل تغيير قواعد اللعبة، إما للانفراد بإدارة الأزمة وحلّها أو لابتزاز الولايات المتحدة وحلفائها وجلبهم إلى تسوية تشمل سورية وغيرها من الملفات.

إذا كانت الضربات انطوت على «رسائل» سياسية وحتى عسكرية فهي تتعلّق طبعاً بإيران ونظام الأسد، وكلّها موجّه أولاً وأخيراً إلى روسيا. لعل أهمّ «الرسائل» أن على موسكو أن تحدّد خياراتها، وأن الدول الثلاث مستعدّة للتعاون معها لإنهاء الحرب في سورية، في سورية فحسب، في الأطر المتفق عليها، وبالتالي فلا داعي لافتعال هجمات كيماوية لاستدراجها إلى مساومات أخرى. أما الخيارات التي يجب توضيحها وحسمها فتراوح بين الممكن والصعب، وهي مترابطة في أي حال، كما أنها رهن الإرادة السياسية لفلاديمير بوتين. فالخيارات الممكنة روسياً بادرت باريس إلى بلورتها في نقطتين: 1) وقف إطلاق النار في عموم سورية، و2) خطة خروج من الأزمة بإيجاد حلٍّ سياسي مستدام. في الأولى تركت روسيا النظام وإيران وتركيا يتلاعبون بـ «ما بعد داعش» جاعلين «مناطق خفض التصعيد» مرحلة جديدة في الصراع. وفي الثانية أعطت موسكو إشارات عدة إلى أنها تسعى إلى تغليب «مسار سوتشي» على «مسار جنيف» ولا تزال تعمل على تقزيم الحل السياسي بتجريده من أي أفق انتقالي.

أخطر الخيارات الصعبة المطلوب من روسيا حسمها هو الوجود الإيراني في سورية. وفي الآونة الأخيرة لم تعد موسكو تسمع في مختلف المحافل العلنية والمغلقة سوى هذا العنوان، إيران، وسط زحمة استحقاقات تقود جميعاً إلى تعقيد موقفها. فالاتصالات التي سبقت الضربات الثلاثية، وإجماع القمة العربية في الظهران على إدانة التدخلات الإيرانية، واعتزام الرئيس الأميركي الانسحاب من الاتفاق النووي، وحرب اليمن مرفقة بإطلاق الحوثيين صواريخ على السعودية، ومساعي تطوير العلاقات مع دول الخليج، فضلاً عن متطلّبات إنهاء الحرب في سورية... كل ذلك وضع روسيا، شاءت أم أبت، في خانة الانحياز إلى إيران ومشروعها التوسّعي. وبطبيعة الحال فهي تلقّى بوتين رسالة الضربات التي تخيّره بين أن تبادر روسيا إلى معالجة هذا الوجود الإيراني، أو تتيح لإسرائيل التعامل معه بدعم من الدول الثلاث وربما بمشاركتها، باعتبار أن كل العواصم التي تواصلت مع إيران أبلغتها أنه كان عليها ضبط برنامجها الصاروخي وسياستها الإقليمية منذ وقّعت على الاتفاق النووي لئلا يتسببان في التأزيم المرتقب على خلفية المآخذ الأميركية على ذلك الاتفاق.

مشكلة بوتين مع حربه في سورية أن لديه حلفاء يريدون استمرارها ويواصلون منحه أوراقاً تعزّز نفوذه وتشجّعه على انتظار مساومة مع الولايات المتحدة. ومع افتراض أن الخصوم الغربيين يسعون فعلاً إلى إنهاء الحرب إلا أنهم لا يسهّلون الأمر عليه، بل يطرحون شروطاً ولا يلوّحون له بثمن مقابل قد يغريه بالتخلّي عن «أوراق» حلفائه. هذا لا يعني أن بوتين أدار جيداً الوجود/ الاحتلال الروسي في سورية، فهو دافع عن بقاء الأسد في السلطة وطالب الجميع بقبوله مع أن أعوانه قالوا مراراً أن الأسد لا يعني شيئاً بالنسبة إلى روسيا، وبعدما غيّرت العواصم المعنيّة موقفها تسهيلاً لحلٍّ سياسيٍ ما وجدت أن بوتين يدعوها إلى التكيّف مع صيغة «إيران + الأسد»، ثم أن النظام طالب دولاً أوروبية اتصلت به بالتعامل معه بشروطه، خصوصاً تجديد الاعتراف بـ «شرعيته» وإعادة فتح سفاراتها، مقابل التعاون في شأن الإرهاب وحصصٍ في مشاريع إعادة الإعمار. وبعدما سُحب بقاء الأسد أو عدمه من التداول، أطلق بوتين مساومة على مضمون الحل السياسي وطبيعة الحكم المقبل واستطاع في سوتشي فرض «الدستور + الانتخابات» كأجندة تفاوضية جديدة.

في كل الظروف والمراحل ظلّت قضية الوجود الإيراني دائماً على الطاولة ولم تكن لدى بوتين أي اقتراحات للتعامل معها، بل حاجج بأن إيران تدخّلت بدعوة من النظام. وعلى رغم أن ثمة تفاهمات مع الأميركيين، كما هو شائع، على أن لا تكون المعابر الحدودية مع العراق في أيدي الإيرانيين إلا أن بوتين لم يطبقها بحزم بل ترك حليفيه يتصرّفان كالعادة، فيكون وجود قوات النظام رمزياً والقوات التابعة لإيران أكبر عدداً وأكثر قدرةً على التحكّم بالمواقع. كما أن اتفاق «خفض التصعيد» في الجنوب الشرقي وقّع مع موافقة روسية على اشتراط إسرائيل منطقة عازلة وخالية من الإيرانيين بعمق حدّدته المعلومات الأولية بـ40 كلم ولم يستطع الروس تطبيقه بسبب الرفض الإيراني. ومع أن بوتين اهتمّ شخصياً بمجريات معركة الغوطة الشرقية إلا أنه لم يمانع عملياً مشاركة الإيرانيين، ولم يتمكّن مفاوضوه الروس من إنجاز اتفاقات تضمن بقاء السكان. ثم حصل أخيراً القصف بالغازات السامة في دُوما، وقد يكون النظام والإيرانيون دفعوا بهذا الهجوم للتعجيل باستسلام «جيش الإسلام»، لكنهم ما كانوا ليتصرّفوا بهذا السلاح من دون موافقة بوتين.

وسط المعادلات المتشابكة وضعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الكرة في ملعب الرئيس الروسي، إذ آن الأوان للبحث في مستقبل مغامرته السورية واستُنفد الجدل على مصيرَي حكم آل الأسد والوجود الإيراني المتلازمَين. لم يعد متاحاً له الحفاظ على الأسد وإيران معاً إذا كان يرغب في تعاون الأميركيين والأوروبيين معه. وعدا أنه غير قادر على التحكّم بحركة الإيرانيين، فإن بقاءهم مع الأسد يحبط أي نهاية للحرب وأي حلٍّ سياسي، حتى بالشروط الروسية المجحفة للشعب السوري. أما إقصاء أحدهما فيقصي الآخر، وهذا يقتضي تورّطاً روسياً واسعاً لا يريده. صحيح أن أجندات الولايات المتحدة وحلفائها وخياراتهم المحدودة لا تقلق بوتين، ومع إدراكه حاجته إليهم فإنه يرفض التعامل مع شروطهم. وإذا كان لوّح مراراً بخيار إخراجهم من سورية فهذا يستدعي أيضاً مزيداً من التورّط الروسي.

اقرأ المزيد
٢٠ أبريل ٢٠١٨
بين بطش بشار ودفع الإيجار!

نحن كأناس أحرار، أو يجدر بنا أن نكون أحرارا، سيكون هدفنا الإنساني الأول، غالبا، هو أن نحيا في سلم وأمن بعيدين عن كل ما من شأنه أن يحرمنا من هذا الهدف، ومن ثم يتأتى لنا أن نطور درجاتنا في الإنسانية فنساعد الآخرين كي يحيوا في سلم واستقرار نفسيين. لم ترج هاته الأفكار في خلدي من قبل أبدا، وحان الوقت ربما لأسأل لماذا، هل أنا كعربي لست أهلا لأن أكون إنسانا؟ بلى، أظن أنه من حقي ذلك وغصبا عن كل معارض، لكن هيهات، كان ذلك قبلا وليس اليوم.

بينما كنت أؤدي فريضتي كأي مسلم، وبعد التسليم والدعاء، يتبادر إلى مسمعك "يا ناس ساعدونا من شان الله"، فتاة يمكن أن تعرف من صوتها أنها لا تتعدى سن السادسة عشرة، صوتها الممزوج بقطرات العسل ولهجتها الشامية تلك، تبعث قلبك على الرحمة والرأف لحال المسكينة، تدعو على بشار وتسألنا دفع الإيجار، فتسمع رنين الدراهم وهي تودع جيوب أصحابها منتقلة لسد احتياجات الفتاة وعائلتها ربما، سررت بموقف المصلين، ورغم أنهم محتاجون إلا أنهم يقتسمون.

لكن ما حز في نفسي هو وقوفها بارتجال أمام الرجال، يمكن أن تسموه قدرا إن شئتم، لكنه قطعا ليس كذلك، أنا لا أفقه في السياسة إلا ما يفقهه الأدبي في الفيزياء، لكنني ومع ذلك صنفت "بشار" الذي لن أذكر لقبه احتراما لحيوان سكن الغابة وما حكم بقانون الغاب قط، صنفته ذئبا بريئا من دم يوسف، لكنه مذنب في حق ملايين الشهداء والجرحى. كل نظرة من عيون تلك الطفلة تحاسب بشار وكل عربي منا.. الكرسي، السلطة والنفوذ، محركات دمرت معاني الإنسانية قبل أن تطمس معها معالم الدين أيضا. أيمكن للإنسان أن يضحي بملايين الأبرياء إرضاء لكرسي سلطة؟ حسنا، لنقل أن نظاما فسد وانقاد لطاعة تكالبات خارجية تنهش في الجسد العربي، أما حق للأنظمة الأخرى أن تشد بأيدي اخوتها وتنقذ ما يمكن انقاذه والخروج بأقل الأضرار؟ حتى من قطعان الجواميس تعلمت كيف تتحد، فتراها تغالب أسودا وتماسيحا وتنتصر، إلا قطيعنا العربي هذا، أنظمة وشعوبا، كنا خرافا متفرقة وكان الغرب ذئبا، أصبحنا نردد "أنا ومن بعدي الطوفان"، لكن الطوفان لم يبق على أحد منا.
 
ما رد فعلك بعد أن يتم ترحيلك من أرضك، أن تطمس هويتك، ذكرياتك، حاضرك، وأيضا مستقبلك؟ كنت أود توجيه السؤال لتلك الصغيرة، لكن حالها كان يجيب عن نفسه، ستسأل المسكينة الناس أن يغدقوا عليها من كرمهم، تذكرهم برابط الأخوة في الدين والتاريخ والهوية، فلا زال أناس في قلبهم مثقال ذرة من إنسانية استطاعوا النجاة بسلامة قلوبهم، يساعدون بما أمكن، وباقون لا يحركون ساكنا رغم قدرتهم على فعل ذلك. كلما تذكرت الفتاة وملامحها أحسست بتأنيب ضمير، لم كل هاته التعقيدات؟ أمن الضروري أن تعيش فينا الطبقية إلى الأبد؟ وما الدافع لفتاة كباقي الفتيات تملك دفترا ورديا مثقلا بالأحلام، يتحول بين ليلة وضحاها لدفتر تخطيطات من أجل ضمان لقمة العيش، ما دافعها أن تلجأ لبلد لا يقل تعقيدا عن سياسة بلدها، ولمدينة صغيرة تكاد تنعدم فيها فرص العيش كمدينتي؟

كلما تساءلنا وجدنا أن السياسة مصطلح مخرب لكل ما له صلة بالإنسانية، لربما الحل الوحيد والأوحد في ظل شتات الدين في البلاد العربية، هو أن نقف وقفة رجل واحد، أو بالأحرى إنسان واحد، ونقاتل طاغوت السياسة وشبحها الأسود الذي تربص وأطاح بالشعوب واحدا تلو الآخر، وننتفض ولو مرة واحدة بعيدا عن التنديدات والشعارات الفارغة التي تمتص حماسنا فتذهب مواقفنا سدى. وتصيح تلك الفتاة الصغيرة "أجل، أنا عربية سورية وأفتخر" فتعيش هاته الشامية آنفة وشامخة كما عاش أهلوها السابقون.

اقرأ المزيد
٢٠ أبريل ٢٠١٨
الضربة الثلاثية

حدثت الضربة العسكرية الأميركية البريطانية الفرنسية ضد مواقع  للنظام في سورية تتعلق بالأسلحة الكيميائية، سواء بالبحوث أو التصنيع أو التخزين، أو المطارات التي خرجت منها الطائرات التي ألقت صواريخها المحملة بالأسلحة الكيميائية، فقد أصرَّ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ولحقته رئيسة الحكومة البريطانية، تيريزا ماي، وكذلك لحقه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على "معاقبة" النظام لاستخدامه الأسلحة الكيميائية. انتهت الضربة، واُعلن أنها استهدفت السلاح الكيميائي، حيث إن هذه الدول لا تريد تغيير النظام، ولا التدخل في "الحرب الأهلية"، وحتى لا تريد إضعاف النظام عبر تدمير ما تبقى من قدراته العسكرية (سلاح الطيران).

شهدنا في دمشق الرقص والفرح، وإعلان الانتصار، على الرغم من أن المواقع التي ضُربت بدت مدمرة. وكان النظام، كذلك روسيا، قد أعلنا عن إسقاط عدد من الصواريخ التي أُطلقت، من دون الاتفاق على عددها. بالتالي ظهر أن السلاح الروسي القديم يستطيع إسقاط صواريخ من نوع كروز، ربما هذا يفيد روسيا لتصدير هذا السلاح، ما دامت سورية باتت سوق استعراض للسلاح الروسي، لكن هذا ما قدّمه النظام لمشايعيه لكي يقول إنه انتصر، وأن يسمح لهم بالفرح والرقص. وكما حدث بعد ذلك، حيث أعلن التلفزيون السوري إسقاط ستة صواريخ أُطلقت على مطار الشعيرات، ثم تبين أنه لم تكن هناك صواريخ حسب ما أعلن النظام ذاته. وبالتالي سيكون الإسقاط السابق نتيجة التوهم ذاته، لكن في وضعٍ كانت هناك صواريخ كروز تدك بعض مواقعه.

بغض النظر عن هذه الجزئية، فإن الرقص والفرح وإعلان الانتصار ستكون "أموراً طبيعية"، ليس لأنه قد تم إسقاط صواريخ، فهذه هي ملهاة، أو وسيلةُ تلهٍ للمشايعين، بل لأن النظام وتابعيه فهموا أن هذه الدول التي قامت بـ "العدوان الثلاثي" لا تريد تغيير النظام كما فعلت في العراق، وحتى لا تريد تدمير طائراته التي تقصف بالكيميائي، ولا زالت تقصف الشعب كل يوم. وهذا جيد بالنسبة له ولهم، لأنه يعني أن هذه الدول تُطلق يده في قتل الشعب السوري، وهي بالأساس لا تستهدفه، فلا تريد تغييره عبر القوة التي خاف منها. هذا يستحق الفرح والرقص وإعلان الانتصار، بالضبط لأن النظام باقٍ ومشرَّع له قتل الشعب السوري، ليس فقط من إيران وروسيا وعصاباتهما، بل من هذه الدول التي قامت بـ "العدوان الثلاثي" لكي تُعلن انتصاره على شعبه.

سمحت هذه الدول للنظام بأن ينقل طائراته إلى مناطق آمنة، كما فعلت أميركا حينما قصفت مطار الشعيرات، ولم تتعرّض للمطارات إلا التي يُعتقد أن فيها سلاحا كيميائيا. وهي بذلك أبقت قوة القتل التي يستخدمها، وظهر أنها حريصةٌ على ذلك. ويعني هذا الأمر أنها لا زالت تريد من النظام أن يقتل أكثر، وأن يدمر أكثر. لهذا قال وزير خارجية بريطانيا، بوريس جونسون، إن "الحرب في سورية ستستمر". بالتالي، كانت الضربة الصاروخية تتعلق بأسباب أخرى، تمثلت في "رفع الإحراج" عن ترامب الذي لا يريد أن يكون مثل سلفه باراك أوباما بإعلانه خطوطا حمرا ثم عدم الالتزام بها. لهذا قصف مطار الشعيرات قبل عام، وكان لا بدّ له أن يقصف الآن بعد استخدام الكيميائي في دوما. كما أنه يريد إظهار أنه المقرّر في سورية وليس روسيا، وهذا في إطار "المكاسرة" بينهما، حيث ترى أميركا أن روسيا "تتنمَّر".

ما هو مهم هنا أن أميركا بالتحديد حريصةٌ على استمرار النظام، وعلى استمرار قصفه وتدميره وقتله، لأنه يقوم بما كانت تريد أن تقوم به هي، أي أنه ينفذ إرادتها هي. وهذا يعني أن أميركا لم تكن بحاجةٍ، من هذه الزاوية، لقصف النظام، ما دام يفعل ذلك، لكنه أحرجها باستخدامه السلاح الكيميائي. لهذا ضربته من دون أن تضعفه.

بالتالي، كل حديث عن فبركة تتعلق باستخدام السلاح الكيميائي لا معنى له. لقد فعلها النظام.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
دور تمكين المرأة في مواجهة العنف الجنسي في مناطق النزاع: تحديات وحلول
أ. عبد الله العلو 
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
صمود المرأة ودورها القيادي في مواجهة التحديات
فرح الابراهيم
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
العنف الجنسي في حالات النزاع: تحديات وآثار وحلول ودور المرأة في هذه الظروف
أحمد غزال