لم تبرز مجزرة ارتكبها النظام الأسدي كما برزت مجزرة الكيماوي، فعلى الرغم من عدد الضحايا الكبير الذي وقع نتيجة مجزرة حماة عام 1982، وتراوحت تقديراته حول 35 ألفا، أو ضحايا مجزرة سجن تدمر الذين قاربوا الألف، أو ضحايا مجزرة مخيم تل الزعتر في لبنان، وذلك كله في عهد الأسد الأب، فإن مجزرة الكيماوي التي وقعت في عهد الابن قبل ثلاث سنوات، مازالت الأكثر بروزا بين مجازر هذا النظام، لا لفاجعيتها الإنسانية أو سلاحها الأكثر فظاعة فقط، بل لما صاحبها وما تكشف بعدها من سياساتٍ دولية أيضاً.
فإذا كانت المجازر القديمة قد ارتكبت في مراحل سابقة من سيطرة دولة الصمت السورية، وعزلتها خلف أسوار نظام الأسد، ولم تنتشر أخبارها إلا بصور محدودة ومتأخرة، فإن مجزرة الكيماوي ارتكبت تحت سمع العالم ونظره كله في مرحلة عولمة وسائل الاتصال وفورية النشر في القرية الكونية. ففي فجر الأربعاء 21 أغسطس/ آب 2013، أفاق أهالي بلدتي زملكا وعين ترما في الغوطة الشرقية على قصف بصواريخ أرض- أرض، محملة بغازات سامة، تأكد لاحقاً أنها غاز السارين المدمر للأعصاب، تلاه قصف عنيف استمر حتى الصباح؛ وتزامناً مع ذلك، شهدت بلدة معضمية الشام في الغوطة الغربية قصفًا مماثلًا. ونتيجة ذلك الاستخدام المكثف للسلاح الكيماوي، وقع خلال ساعات حوالي 1400 ضحية، كان أكثر من ربعهم نساء وأطفالا. وكانوا جميعا نائمين في بيوتهم فماتوا في مضاجعهم. وكان الفارق الزمني بين القصف وبدء الأعراض نحو نصف دقيقة. ولذلك، لم يتمكن المصابون، في حالات عديدة، من التحرّك أو الهرب، وانهاروا فور ظهور مختلف الأعراض الكيماوية المعروفة طبياً من إغماء وغثيان وتشنج واختناق وعماء وشلل، فضلا عن أنه لم يسلم أحد من الكوادر الطبية والإسعافية من بعض درجات الإصابة، بسبب عدم توفر أقنعة أو بزّات واقية في أثناء قيامهم بعمليات الإخلاء والإسعاف. أما أطفال الغوطتين فكانت صور المصابين منهم أشد صدمة، فيما كانت معاناة النساء المصابات مضاعفة، نظراً لضيق الأماكن وعدم وجود ردهات خاصةٍ، تتيح خلع ثياب النساء قبل غسلهن من آثار المواد السامة.
وبسبب نقل الشهداء والمصابين إلى مختلف النقاط الطبية في بلدات الغوطة ومدنها، تعذّر على كثيرين من الأهالي إيجاد أبنائهم وذويهم بالسرعة المطلوبة، لأنه جرى إخراجهم بثياب نومهم من غير هوياتٍ شخصيةٍ، أو أي شيء يدل على شخصيتهم. ومع الحر الشديد لشهر أغسطس/ آب، وعدم وجود كهرباء وثلاجات لحفظ الجثامين، كان هناك اضطرار في حالاتٍ عديدة لدفن الشهداء المجهولين، قبل تعرف ذويهم إليهم ووداعهم.
وعلى الرغم من كل الادعاءات ومحاولات التهرّب، كانت مسؤولية النظام شديدة الوضوح يومها، من جهة امتلاكه مخزونات السلاح الكيماوي المعروفة، والتي طالما اعتبرها سلاح التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل، أو من جهة شهادات المراقبين الدوليين والنشر المباشر لصورها ووثائقها. ويومها، ضجّ العالم ببيانات التنديد والاستنكار لتلك الإبادة الجماعية، وتنادى مسؤولون دوليون ورؤساء وقادة دول غربية عديدون إلى التحرك الدولي لعقاب النظام المجرم الذي تجاوز الخط الأحمر، والمتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية، وكان من أبرزهم الرئيس الأميركي، باراك أوباما، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
لكن تلك البيانات والتحركات كلها، والتي حبس العالم أنفاسه على وقع ضجيجها وتوقع ضرباتها، لم تتجاوز بدورها الإعلانات الصحفية، وانتهت إلى مبادرةٍ تقدّمت بها حكومة روسيا الاتحادية، من أجل تسليم الأسلحة الكيماوية السورية وتدميرها تحت الرقابة الدولية، لتجنيب النظام السوري تلك الضربات، وسارع وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، إلى إعلان قبول سورية تلك المبادرة.
وفق ذلك، تم، من جهةٍ أولى، تسلم سلاح الجريمة والسكوت عنها، ومسحت كل الخطوط الحمراء المتعلقة بها، انطلاقا من تنسيق أميركي روسي حولها، وسلم النظام السوري المجرم خزانته من السلاح الكيماوي إلى مندوبي لجنة الأمم المتحدة التي قبلت ذلك دفعات متتالية، على الرغم من الشكوك المرافقة. وامتد السكوت عن الجريمة إلى السكوت عن المجرم وجرائمه اللاحقة، حيث لم يعد يخلو يوم لاحق من أخبار القصف الذي تصبه طائرات النظام وحليفه الروسي على مدن وبلدات سورية، والذي تدمر قذائفه وبراميلة المتفجرة العمران والبيئة، كما تصيب أعداداً متزايدة من السكان والمدنيين الذين صارت الفظائع التي تودي بهم خبراً معتادا في كل يوم.
استمر السكوت عن الجريمة السورية، وصار سياسةً رسميةً دولية، كرّسها التنسيق اللاحق والمستمر بين الراعيين، الأميركي والروسي، للملف السوري، وهما يتوزعان الأدوار في تغطية الجريمة مجدداً، تحت ستار محاربة الإرهاب. حيث يقصف الأميركان عن بعد، وفي الشمال ضد داعش، ودعماً لمشروع كردي، بينما يقصف الروس دعما للنظام، عن قرب ومن قواعد مباشرة لهم في سورية ، ثم في إيران، ولا بأس أن يستمر ذلك بموازاة مفاوضاتٍ لا تكاد تنعقد حتى تنفض بدون طائل.
وبدلا من سوق الرئيس السوري المجرم إلى محكمة الجنايات الدولية، كما أمثاله من مجرمي العصر في البوسنة ورواندا، ها هو السكوت عن جرائمه السابقة والمستمرة يتحول إلى إعادة تأهيل له ولنظامه، فيصبح حليفاً ضرورياً لمحاربة الإرهاب، في ظل ما صار أشبه بحالة طوارئ دولية، تتعطل فيها القيم، وتتوارى الشرعة الدولية وحقوق الإنسان.
منذ صيف العام 2013، عندما استخدم بشّار الأسد السلاح الكيميائي بشكل سافر في حربه على شعبه، وربّما منذ اليوم الأوّل لاندلاع الثورة الشعبية في سوريا، تعطي إدارة باراك أوباما كلّ الإشارات الخطأ في كلّ الاتجاهات. كانت الإشارة الأخيرة في هذا المجال الاكتفاء بـ”الأسف” لقصف الطائرات الروسية الأراضي السورية انطلاقا من قاعدة همدان الإيرانية.
لم يعد لدى الإدارة الأميركية الحالية سوى لغة الاعتراض والأسف والحديث عن خرق روسي لقرارات مجلس الأمن مثل القرار 2231، فيما روسيا وإيران مندفعتان في اتجاه تدمير كلّ ما تقع عليه يدهما في سوريا.
تدمّران المجتمع ومدنا عريقة، مثل حلب، وأريافا بهدف القضاء نهائيا على البلد في غياب القدرة على القضاء على إرادة الشعب السوري. هذا الشعب الذي لا يزال يقاوم منذ خمس سنوات ونصف سنة كلّ تلك القوى التي تكالبت عليه مستخدمة أعتى أنواع الأسلحة وصولا إلى الميليشيات المذهبية التي شكلت وما زالت تشكل القوة المساعدة والداعمة لأرهاب “داعش” وأخواته وإخوانه.
سيغادر باراك أوباما البيت الأبيض والشرق الأوسط في وضع أسوأ من ذلك الذي كان سائدا لدى دخوله إليه. هذه نتيجة طبيعية لسياسة تقوم على الانكفاء من جهة، والاكتفاء بالتركيز على الملف النووي الإيراني من جهة أخرى. أدت هذه السياسة إلى نهاية العراق. هذا أمر صار مفروغا منه في ضوء وضع إيران يدها على البلد وسيطرة الميليشيات المذهبية الموالية لها المسمّاة “الحشد الشعبي” على مفاتيح السلطة، بما في ذلك الجيش العراقي. جاء الآن دور الانتهاء من سوريا التي تشهد مأساة لم يشهد بلد شبيها لها في القرن الواحد والعشرين.
من الطبيعي أن تستغل كل من روسيا وإيران قرب نهاية عهد أوباما لمحاولة خلق واقع جديد على الأرض، خصوصا في سوريا. هناك قبل كلّ شيء إعلان عن حلف عسكري جديد يستفيد من العلاقة السيئة بين تركيا والولايات المتحدة. وهناك تركيز روسي ـ إيراني على حلب. يظهر ذلك من خلال نوع القصف الروسي لحلب والمناطق المحيطة بها. هذا القصف يمهّد إمّا لتدمير المدينة نهائيا وتهجير سكانها، وامّا لعملية عسكرية برّية كبيرة.
في كلّ الأحوال، يبدو واضحا أن إدارة أوباما فرصة لن تتكرّر لا لـ”المرشد” الإيراني علي خامنئي، ولا للقيصر الروسي فلاديمير بوتين. هناك إدارة في واشنطن تكتفي بالكلام، وعندما يأتي دور الأفعال، تختلق لنفسها كلّ أنواع الأعذار للعودة عن التهديدات والتحذيرات التي أطلقتها في شأن سوريا، بما في ذلك مسألة بقاء بشّار الأسد في موقعه. كم مرّة قال باراك أوباما أن “لا مكان” لبشار الأسد في سوريا؟ بقي كلامه مجرّد كلام. صار النظام السوري في مزبلة التاريخ. هذا صحيح، لكنّه لا يزال يُستخدم في عملية لا هدف لها سوى القضاء على سوريا، وما بقي منها.
يمكن، من الآن فصاعدا، الكلام عن حلف روسي – إيراني في المنطقة، فيما تشكو تركيا، التي كانت في مرحلة معيّنة رأس حربة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، من سلسلة الخيبات التي تعرّضت لها، خصوصا منذ إسقاطها القاذفة الروسية في تشرين الثاني – نوفمبر من العام الماضي. هناك شعور تركي واضح بالخيبة من طبيعة العلاقة بحلف الأطلسي الذي خذل أنقرة على كلّ المستويات. هل انتهى حلف شمال الأطلسي مع انتهاء الحرب الباردة؟
يكشف الحلف الجديد بين روسيا وإيران أن موسكو صارت صاحبة اليد العليا في سوريا. هناك اعتراف من طهران بالعجز عن متابعة مشاركتها في الحرب على الشعب السوري من دون روسيا. للمرّة الأولى منذ الإعلان عن قيام “الجمهورية الإسلامية” في العام 1979، هناك قوات أجنبية تعمل انطلاقا من قواعد في الأراضي الإيرانية. إنّه تطور مهمّ على الصعيد الإقليمي يعطي فكرة عن مدى التراجع الأميركي على كلّ صعيد، ولكن من دون أن يعني ذلك أنّ روسيا وإيران في وضع مريح في سوريا.
يظل السؤال في نهاية الأمر هل من أفق لهذا الحلف الروسي – الإيراني في الوقت الذي ليس أمام روسيا سوى التنسيق مع إسرائيل في سوريا في شأن كلّ شاردة وواردة؟ اللافت للانتباه أنه بات على إيران التنسيق الكامل مع الطرف الذي ينسق مع إسرائيل بعدما فتحت أراضيها لروسيا وطائراتها! ما كان سرّا صار حقيقة وواقعا لا أكثر!
هناك، بكلّ بساطة، فراغ ناجم عن الغياب الأميركي في الشرق الأوسط. تدخلت أميركا في الماضي، وكانت لتدخلها نتائج كارثية. يحصد العراقيون اليوم نتائج هذا التدخل الذي استهدف نظام صدّام حسين. الأخطر من ذلك، أن المنطقة كلّها تحصد نتائج تسليم العراق على صحن من فضّة إلى إيران، وما استتبع ذلك من خلل كبير على صعيد التوازن الإقليمي.
عاجلا أم آجلا سيتبيّن أن لا أفق للحلف الروسي ـ الإيراني. في استطاعة هذا الحلف التدمير في كلّ مكان وفي كلّ مجال، خصوصا في سوريا حيث لا همّ للنظام سوى القضاء على كلّ أثر للبلد. ليست لدى هذا الحلف أيّ حلول لأيّ مشكلة، لا في سوريا ولا في العراق… ولا في لبنان. ستستخدم إيران روسيا للقول أنّها ما زالت لاعبا في سوريا. وستستخدم روسيا إيران نظرا إلى أنها قادرة على زجّ مقاتلين لبنانيين وعراقيين وأفغان في سوريا من منطلق مذهبي ليس إلّا. ليست لدى روسيا قوات برّية ترسلها إلى سوريا، فضلا عن أنها تعرف أن قدرة النظام السوري على تجنيد المزيد من “الشبيحة” باتت محدودة إلى حدّ كبير، فيما الجيش السوري يعاني من نقص كبير في الرجال.
سيسعى الحلف الجديد إلى تحقيق ما عجزت إيران عن تحقيقه منذ اليوم الأوّل لاندلاع الثورة السورية. سيفشل في ذلك على الرغم من أن التنسيق الروسي – الإسرائيلي في مرحلة متقدمة وعلى الرغم من أن إدارة أوباما ليست في وارد القيام بأي خطوة لمصلحة الشعب السوري. سيظل همّها محصورا في حماية الاتفاق النووي مع إيران… الذي يختزل كلّ ملفات الشرق الأوسط.
تدخلت أميركا في عهد بوش الابن، فحصلت كارثة. قرّر باراك أوباما أن لا يتدخل، فحصلت كارثة أكبر. لم تعد المسألة هل تتدخل أميركا أم لا تتدخل. المسألة هل لا يزال في واشنطن أشخاص يعرفون شيئا عن الشرق الأوسط وعن النتائج التي ستترتب على التدخل وتلك التي ستنجم عن عدم التدخل؟ في حالي التدخل وعدم التدخل، تغيّرت المنطقة كلّيا. لن ينقذ الشرق الأوسط حلف جديد ينتمي طرفاه إلى دول العالم الثالث، بغض النظر عن وجود مشروع توسّعي إيراني واضح المعالم، وامتلاك روسيا لأسلحة متطورة.
ليس كافيا وجود المشروع التوسعي ولا الأسلحة المتطورة لتغيير الشرق الأوسط نحو الأفضل بأي شكل من الإشكال، في ظلّ البناء على الانكفاء الأميركي.لو كانت إيران قادرة على تطوير نفسها لكانت خفضت نسبة السكان الذين هم تحت خط الفقر فيها. لو كانت روسيا قوة عظمى بالفعل لكانت خرجت من اعتماد اقتصادها على النفط والغاز وحدهما. ليس هكذا تبنى الأحلاف، وليس هكذا تعمّر الدول… لا في ظل التدخل الأميركي ولا في ظلّ غيابه.
يبدو المشهد العسكري في سوريا أكثر وضوحاً من المشهد السياسي، فالطائرات الروسية والسورية تقصف حلب وإدلب وريف دمشق ومواقع أخرى كثيرة، وتقتل الحياة في حرب إبادة للشعب السوري وبخاصة لأهل السنة الذين يستهدفهم النظام وحلفاؤه ويخطط لتهجيرهم من حلب وإدلب لإحداث تغيير ديموغرافي يحولهم إلى أقلية في سوريا. وبعض الساخرين يقولون إنه ربما يتحسن وضع أهل السنة حين يصيرون أقلية، فربما يهتم بهم المجتمع الدولي كما يهتم بكل الأقليات!
وقد ازداد المشهد العسكري وضوحاً بعد أن منحت إيران حليفتها روسيا حق استخدام قاعدة همدان العسكرية لتنطلق منها طائرات أشد فتكاً، وخلال الأيام الماضية شهد السوريون تصاعداً مريعاً في الهجمات وسقط مئات من النساء والأطفال ضحايا هذا العدوان.
ولكن هذا المشهد العسكري يواكبه غموض شديد في المشهد السياسي، ويشكل حالات من التناقض لا تفسير لها سوى أنها خداع مثل لقاء بوغدانوف مع بعض المعارضين السوريين في الدوحة باحثاً عن السلام، بينما الطائرات الروسية تقصف المدنيين في حلب وإدلب! والطريف المفجع أن روسيا أعلنت هدنة لثلاث ساعات ولكنها اخترقتها بعد ثلاث دقائق، ويقول الروس إن بينهم وبين الولايات المتحدة اتفاقاً عسكرياً حول عمليات مشتركة، ويقول الأميركان إنه لا يوجد اتفاق خارج القضايا التقنية التي تضمن التنسيق فقط في خطوط الطيران، والأميركان لم يقفوا ضد تحرير حلب، ولكنهم لم يقفوا بجدية ضد القصف الروسي المتصاعد، وهم يعرفون أن المدنيين السوريين يقتلون ولم تتجاوز عمليات الروس العسكرية ضد «داعش» واحداً في المائة من مجمل الأهداف، وقد وجهنا سيلاً من الرسائل إلى الأمم المتحدة نطالب بحماية المدنيين، وللأسف لم نجد رداً عملياً.
ويقول الروس إنهم غير متمسكين بالأسد، لكن وزير خارجية روسيا يقول إن طلب رحيل الأسد غير مقبول، بينما تقول الولايات المتحدة إنه لا دور للأسد في مستقبل سوريا، ولكنها ليست معنية برحيله عملياً، وأما إيران التي وثقت علاقاتها مع «الشيطان الأكبر» كما كانت تسمي الولايات المتحدة، فهي تمنح روسيا قاعدة عسكرية، وهذه ليست مساعدة لوجستية مهمة لقصف الشعب السوري فقط، فهي رسالة سياسية أيضاً للولايات المتحدة ولأوروبا كلها، وعلى رغم الانزعاج الأميركي تم التنسيق بين إيران وروسيا والولايات المتحدة دون استنكار حول حركة الطيران من همدان إلى الشمال السوري، ومع احتجاج شعبي إيراني لمنح روسيا قاعدة عسكرية خلافاً للدستور تم تبرير ذلك في البرلمان الإيراني بكونه مجرد تعاون عسكري، دون مناقشة الأهداف الحقيقية التي نفذها الطيران الروسي بعيداً جداً عن «داعش».
وتتجاهل إيران وروسيا أن الضحايا الذين يقتلهم «داعش» هم أهل السنة بشكل خاص، وهذا التنظيم المتطرف يعتبر «الجيش الحر» عدوه الأول، وآخر جريمة ارتكبها «داعش» ضده كانت في أطمة قبل أيام حيث قتل 35 جندياً.
وروسيا التي تدعم الانفصاليين من الأكراد وعدت تركيا بالكف عن هذا الدعم، بينما الولايات المتحدة التي تعلن حرصها على وحدة سوريا أرضاً وشعباً تدعم الانفصاليين الذين يعملون مع النظام، وترى أن «الجيش الحر» لم يقبل أن يتوقف عن محاربة النظام وأن يتفرغ لحرب «داعش» فقط، ومع حرصنا جميعاً على محاربة «داعش» والخلاص من حضورها الشرير، يجب أيضاً ألا ينسى أحد أن النظام هو سبب كل هذه الويلات التي اصطنعها للتعمية على مطالب الشعب وخلط الأوراق.
والمؤسف أن أوروبا وهي الجار الأقرب لم تعد تملك غير التصريحات المتناثرة، وبعضها غامض كذلك، ومجلس الأمن يرى قراراته ترمى في سلة المهملات فلا يملك غير التعبير عن القلق، وشعبنا السوري يباد، وديمستورا لا يملك أن يحدد موعداً لجولة مفاوضات جديدة ما لم يجد ظرفاً يوحي بنجاحها، والظرف الراهن يوحي بمزيد من الدمار.. لقد خرجت المظاهرات السورية الاحتجاجية ضد المؤسسة الأمنية التي ضيقت الخناق على الشعب، ولم يخطر لأولئك المتظاهرين أنهم سيواجهون إيران وروسيا و«حزب الله» ومليشيات العراق وشرق آسيا.. ومع ذلك سيبقى الشعب السوري رغم فظاعة المحنة، صامداً صابراً متمسكاً بحقه في الحرية والكرامة.
لايمكن لنا أن ندعي أن شيء ما مهما عظم سينسينا ماحدث يوم 21/8/2013 ، مهما تعاظمت المجازر أو كبرت أو كانت مروعة ، فستبقى أم المجازر و أقذرها ، داخل أفئدتنا ، توغل فينا تقطيعاً ، و لكن بعد مرور ثلاثة أعوام على تلك الانتكاسة البشرية ، سأعترف أن أحداً من 1500 إنسانا لم يمت ، و لم يغادر الحياة مطلقاً .
اعتراف ليس من شخص أو مؤسسة أو هيئة، إنما اعتراف من كل من ينبض بداخله قلب لإنسان و ليس لأشباهه ، نعم لم يمت أحد و لم يغادر هذه الحياة أي كائن ، فهو لازال يعيش بداخلنا ، بحواسنا ، يشاركنا النبض ، ولا يمكن أن نحيا بدونه .
لم يمت أحد بالفعل ، فهم حاضرون في كل مكان ، وفي كل زمان ، يشاركوننا كل تفاصيل الحياة ، و لا يمكن أن نتخلى عنهم ، فهم كالنفس ، ملاصق لأجسادنا ، ومرافق لتفاصيل الحياة .
قد نراجع الفيديوهات المتعلقة بالمقابر الجماعية التي فتحت لهم ، لضم أجسادهم النظيفة ، لنؤكد لأنفسنا أنهم ماتوا بالفعل ، و لكن هذا التأكيد يتحول لهراء مع يقيننا بأنهم موجودن معنا بكل ما ذكرت .
لم ننسهم ، أو نتناساهم ، أم يتم إنسائنا إياهم ، فهو موجودون ، حاضرون ، قابعون في كل خلايانا ، إنهم شهداء الكيماوي ، شهداء البراء للعالم من إنسانيته ، إنهم الحقيقة الوحيدة التي كانت و لازالت و ستبقى ، أن لا موت لهم إلا بعقاب كل من شارك بالقصف أو بالصمت ، أو ساهم بالتستر أو عملية الإنساء .
نعم لم يمت أحد فهم موجودون ، في كل نقطة دم فينا ، و كل شهيق و زفير ، و لن يموتوا إلا إن مات قاتلهم و مشاركه و مسانده و الصامت عنهم .
حين تتأمل نصف قرن في سورية، يستوقفك موضوعان بالغا الأهمية، كانا سبب الفساد وانهيار القيم في البلاد، خصوصاً فساد التعليم والقضاء. وقد يبدو أن لا رابط بينهما، لكنهما أشبه بنبتتين مزروعتين في تربة واحدة، هي تربة الفساد في أعلى درجاته، فالحياة لا تتجزأ، وهي أشبه بجسم الإنسان حين يمرض عضوٌ يختلُّ الجسم كله.
في بداية التسعينيات، بدأت أفواج من طلبةٍ لم يحققوا أي مجموع جيد في الشهادة الثانوية، بل كان نجاحهم عند الحد الأدنى، يدخلون كليات الطب والهندسة والصيدلة، لمجرد أنهم من منظمة شبيبة الثورة، وخضعوا لتدريباتٍ وهبطوا بالمظلة، كما لو أنهم بهذا يستحقون أن يختاروا الاختصاص الذي يريدونه في الجامعة، حتى لو لم يكونوا مؤهلين له، وكان هؤلاء الهابطون بالمظلة يسرقون فرص غيرهم من الطلاب المجتهدين والحاصلين على مجموع عالٍ في الشهادة الثانوية. كانوا ينجحون بالواسطة، من سنة إلى أخرى، ليتخرّج معظمهم جامعيين أميين. وكانوا يحصلون على منح دراسية خاصة في روسيا ورومانيا، حيث إمكانية النجاح والحصول على شهادة بالواسطة كبيرة جداً. وكان بعض هؤلاء الهابطين بالمظلة ينسحبون من دراسة الطب، عارفين أنهم ليسوا أهلاً لها. وعندما عادوا من رومانيا وروسيا، وعيّنوا أساتذة جامعيين، صار التعليم يتدهور، حتى أن طبيباً بيطرياً كان يُدرّس التشريح في كلية الطب البشري.
أما عن فساد القضاء، فلا أنسى قول محام كبير لي إن من يدفع أكثر يربح الدعوى، وهو يعترف بأن لا دعوى يمكن أن تُنجز بدون دفع رشوة للقاضي، وبأنه، في نهاية كل شهر، يجتمع القضاة في مكتبه الفخم، ويبدأ توزيع المال الوفير عليهم، كل حسب الخدمة التي قدّمها، ليس لخدمة صاحب الحق والمظلوم، بل لمن يدفع أكثر. حتى أن فساد القضاء في سورية تحوّل إلى ما يشبه القانون العام. وبلغ الفساد أوجه، بعد قيام الثورة السورية وحملة اعتقالات الناشطين، خصوصاً وأن أهاليهم لا يعرفون أمكنتهم، وأي جهات اعتقلتهم، وما هي تهمة الواحد منهم، وصاروا يدفعون مبالغ طائلةً تتجاوز أحياناً الملايين لمحامين، أشبه بالمقاولين واللصوص الأنيقين، ليعرفوا أخبار أولادهم. وقد تعرّض المسلسل التلفزيوني السوري "الندم"، في موسم رمضان الماضي، للظاهرة، كما لو أن ذلك يُبرئ الجهات التي تعتقل. وكانت تلك المعالجة الدرامية ناقصةً، وأشبه بتنفيس غضب الناس.
وتحولت أحاديث الناس إلى شبه مبارزة بين قصص المعتقلين، وكم دفع ذووهم لمحامين نصابين يوزعون الملايين على شركائهم في أجهزة الأمن. وكانت التهم خُلبية وغامضة، كاتهام أطباء يعملون في الإغاثة وتوزيع المعونات على الأسر النازحة، ومعظمها من النساء المعدمات من الفقر والأطفال، بأنهم يعطون المساعدات لأسر وعائلات يحارب رجالها وأزواج المُعدمات في جبهة النصرة أو "القاعدة" وغيرهما من مجموعات أصولية، كما لو أن مهمة الطبيب أن يتقصى عن خلفية الأطفال السوريين الجياع وأمهاتهم، والذين ينتظرون ساعات طويلة أمام مراكز الإغاثة، كما لو أن مهمة الطبيب أن يكون رجل مخابرات أولاً. وعليه، قبل أن يُسعف الجريح النازف، أو يُقدم مساعدة لمُحتاج أن يسأل عن الأب وعمله، وهل ينتمي لتنظيمات متطرفة أم هج خارج البلد، أم قتل في وطن القتل اليومي.
وقد اعتقل عدة أشهر طبيب كان رئيساً لجمعية خيرية، تساعد الفقراء والعجائز المُهملين، وخسر أكثر من 20 كيلو غراماً من وزنه، بتهمة أنه يوزع مساعداتٍ لأسر ينتمي رجالها للتنظيمات المتطرفة. وفي أثناء إدارته الجمعية الخيرية كان ممنوعاً أن تتم التبرعات للجمعية في الجامع، وبعد اعتقال الطبيب وتعيين واحدٍ من عظام رقبة النظام بدلاً منه، أصبح مسموحاً جمع التبرعات في الجامع.
إلى متى نبقى مُروعين من ذكر تلك الحقائق؟ إلى متى سوف يردد العبارة نفسها معتقلون قضوا أكثر من خمسة عشر عاماً في السجن، ولا يجرؤون على كتابة تجربتهم، لأنهم لا يزالون يعيشون في سورية. متى تتفجر حناجر هؤلاء بتجاربهم وسنوات سجنهم الطويل؟ ومتى يحل الوقت المناسب؟ وهل أمامهم خياران لا ثالث لهما، أن يخرجوا ويروون تجاربهم في السجن، أو يبقوا في سورية صامتين منتظرين اللحظة المناسبة التي قد يموتون ولا تأتي.
الهابطون بالمظلة، والذين استلموا أعلى المناصب في سورية، وفساد القضاء، وجهان لعملة واحدة.
ما أن اتجهت القوى الدولية والإقليمية المؤثرة في سورية إلى اعتماد الجدية في تحقيق هدف التخلص من «داعش» ومواجهته، حتى أخذ الارتباك يصيب الجميع ويفرض على هذه القوى خططاً عسكرية وسياسية وعملانية معقدة، ومناورات تبدو في كثير من الأحيان غير مفهومة.
إلا أن التفسير الأكثر عقلانية لكل هذا الارتباك والتخبط، إن من قبل الغرب أو روسيا وإيران، هو أن اضطرار الولايات المتحدة الأميركية إلى إظهار مقدار مختلف من الجدية في ضرب «داعش» بسبب ضرباته في أوروبا وأميركا وتحولها إلى عنصر خارجي مؤثر في الحملات الانتخابية الرئاسية الأميركية، أخذ يطرح السؤال الكبير: أي من القوى العسكرية على الأرض في سورية والعراق سيتولى السيطرة على الأراضي التي احتلها «داعش» قبل سنتين بعد دحره منها، ولا سيما في بلاد الشام؟
بات الشغل الشاغل هو عما بعد «داعش» في حال جرى تحرير الموصل في العراق، وفي حال جرى استكمال الخلاص من التنظيم المتوحش في الرقة والجيوب الأخرى التي يحتفظ بها في سورية؟ ويثبت السجال الدائر في العراق بين الأطياف العراقية نفسها، وبين بعضها والجانب الأميركي، الشريك في خطط استعادة الموصل، أن الكثير مما يدور هو حول هوية القوى التي تحل مكان «داعش»: الحشد الشعبي الذي تقوده إيران أو الجيش العراقي بالتعاون مع القوى العسكرية العشائرية والتشكيلات السنية، أم قوات البيشمركة التابعة للقيادة الكردية في السليمانية المتعاونة مع الأميركيين، والتي لها طموحات بالسيطرة على مدن وبلدات تتطلع إلى استعادتها إلى الهوية الكردية. ويبدو أن هذا السجال دفع بالجانب الأميركي إلى الحديث عن تأجيل تحرير الموصل.
الأمر نفسه مطروح في سورية بإلحاح أكثر حدة، لأن الإشكال البعيد المدى لهوية القوى التي ستتولى السيطرة على مناطق «داعشية» يساهم في رسم الخريطة المستقبلية. لا تقبل تركيا أن تقبض قوات سورية الديموقراطية على منبج والتوسع منها تمهيداً لوصل المناطق التي استطاعت هذه الميليشيا أن تحررها بأخرى جديدة تكرس قيام الإقليم الكردي، بحيث يصبح الأمر غير قابل للتفاوض عندما يحين أوان الحل. وإذا كانت إيران تشارك تركيا رفضها هذا، فإنها تتعارض معها في خيار إعطاء دور لفصائل المعارضة السورية الأخرى المتعارف على تسميتها «معتدلة»، في تولي مسؤولية هذه المناطق المحررة من التنظيم التكفيري، لأن هذا يعزز موقعها في المعادلة التي سيرسو عليها الحل المفترض للأزمة السورية حين تدق ساعته، فضلاً عن أنه يشكل رافعة لدور الدول العربية الداعمة لهذه الفصائل على الساحة السورية. في المقابل تشارك موسكو طهران خشيتها من أن تتولى الفصائل السورية المعارضة، لأنها تضعف موقع ورقتها في المعادلة، أي بشار الأسد.
لم تنجح الخطط الروسية- الإيرانية في كسب حلب، تمهيداً لتأهيل القوات المدعومة من إيران، تحت لافتة القوات الأسدية، للسيطرة على مناطق «داعشية» لاحقاً. وإذا كان هذا الفشل تحقق بدعم تركي- عربي للفصائل العسكرية «المعتدلة»، فإنه حصل أيضا نتيجة موقف أميركي رافض أي تغيير في الخريطة لمصلحة الأسد، وفق واحدة من الأهداف الثلاثة التي أعلن عنها مستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط روبرت مالي، وهي: خفض العنف، هزيمة «داعش» و «النصرة»، والدفع من أجل حل سياسي من دون الأسد.
المحاولات الروسية الأميركية للاتفاق على عمليات مشتركة ضد «داعش» و «النصرة» منذ أكثر من شهرين باءت أيضاً بالفشل، لاختلاف الأهداف: فموسكو تحتفظ بحرية مواصلة ضرب الفصائل العسكرية الأخرى، كما تفعل يومياً، فيما تأمل واشنطن بأن تلعب هذه الفصائل دوراً في التخلص من «داعش» وتحل مكانها.
لا تقتصر الإشكالية على ما إذا كان التخلص من «داعش» يلغي دور الغطاء الذي افتعله الجانبان الإيراني والروسي حين كرسا معادلة إما بشار وإما «داعش»، لأن هزيمة الأخير و «القاعدة» والإرهاب، يفقد لافتة الأسد مفعولها وينهي صلاحيتها، بل إن إظهار الجدية في التصدي للتنظيم الإرهابي في الإقليم، كما هو حاصل في ليبيا (سرت) وفي اليمن من قوات التحالف العربي بالتعاون مع الشرعية اليمنية، يأخذ بُعداً إقليمياً لا يقف عند حدود سورية والعراق. وقد يعيد النموذج الذي يكرس الشراكة العربية في مواجهة الإرهاب في غير دولة عربية، تظهير اقتراح السعودية إرسال قوات عربية وإسلامية تتولى محاربة التنظيم المتوحش في سورية والإمساك بالمناطق المحررة من بعده.
ألهذا السبب وجد السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير حاجة لدعوة «داعش» و «النصرة»، إلى وقف القتال تمهيدا لمصالحة وتسوية معهما؟
قرار أميركي ثابت: لا لبقاء بشار الأسد رئيساً لسورية، ولا تغيّر هذا القرار براغماتية تميّزت بها السياسة الأميركية. أقصى ما يمكن هو أن يكمل الأسد ولايته، وإذا تمكّن التعاون الأميركي الروسي من وقف النار وعقد مفاوضات جديدة في جنيف، فسيقود المرحلة الانتقالية مجلس عسكري متوافق عليه من القوتين العظميين ومن القوى الإقليمية ممثلة بتركيا والمملكة العربية السعودية وإيران. وخلال المرحلة ربما يبقى الأسد بصلاحيات رمزية.
لا تزال واشنطن مهتمة بسورية وإن اقتصر وجودها العسكري على مستشارين محدودي العدد. ومن باب الخرافة ما يروّج من أن الولايات المتحدة ستترك المنطقة العربية لتنشغل بالشرق الأقصى. أميركا باقية ليس فقط لحماية ممرات النفط وإنما ايضاً لحماية أوروبا وإسرائيل من تهديدات محتملة إذا سيطر المتشدّدون.
ولأن سورية مائدة مسمومة تحاذر واشنطن الانخراط فيها وتتحرك من مناطق قريبة بضغوط اقتصادية وسياسية، وإذا اضطرت فالقليل من الضغط العسكري عبر قوى معارضة من العرب أو الأكراد.
تترك واشنطن المائدة لموسكو التي أحضرت طائرات وجنوداً إلى الساحل السوري، ولطهران التي جنّدت شيعة من لبنان وأفغانستان وباكستان يقودهم مرشدون إيرانيون. ويتحلّق حول المائدة ايضاً الآلاف من المتطرفين الإسلاميين الذين أغواهم «داعش» و «القاعدة» فاعتبروا سورية أرضهم الموعودة ومنطلقهم لاستعباد المسلمين ومن بعدهم شعوب العالم. هؤلاء المتطرفون أسدلوا الستار على المعارضة السورية لتصبح صورة من الماضي قد تعجز الذاكرة عن استحضارها، وربما تستعين بكتابات معارضين تتناسل من سماء الكلام لا من أرض الواقع. إنه الحنين وقد وجد تعبيره في مقالات سياسية لا في الشعر ولا في الموسيقى.
وتركيا ما بعد الانقلاب الفاشل يتغيّر حضورها حول المائدة السورية لكن ملامحه لم تتبلور بعد. وهي كانت منخرطة في الحرب السورية ووسيطاً لمنخرطين آخرين، حتى إذا حدث الانقلاب الفاشل اكتشفت انها لن تستطيع تصدير مشاكلها الداخلية إلى الخارج كما تفعل طهران وموسكو. إن الجهد الأكبر لرجب طيب أردوغان يتركّز في الشأن الداخلي، ولن تقبل المعارضة التي تضامنت معه ضد الانقلابيين وفتح الله غولن، بحال طوارئ إلى ما لا نهاية.
تطفو مشاكل تركيا الداخلية على السطح بدءاً من طموح أردوغان الى نظام رئاسي وليس انتهاء بعمليات قضم النظام العلماني الأتاتوركي التي يقوم بها الحزب الحاكم. ولن تكتفي المعارضة بأطروحات أردوغان في مديح العلمنة، إنما تريد تطبيقاً في سياسات الحكومة الداخلية. وإذا قبلت عرض أردوغان بأن تكون السياسة الخارجية قراراً وطنياً تشارك فيه الى جانب حزب أردوغان، فهي لن تقبل اعتبار المشاركة رشوة للسكوت عن قضم العلمانية.
تركيا غير مهيّأة لحلف مع روسيا وإيران حول القضية السورية، فثمة فوارق كثيرة تفصلها عنهما، أولها عضويتها في الحلف الأطلسي، وثانيها مراعاتها مصالح الأكثرية العربية السنّية في سورية، وثالثها الرغبة بالحفاظ على علاقة جيدة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج. وربما يتيح «الانسحاب الجزئي» لتركيا من الجبهات السورية، إعادة تموضعها داخلياً وإقليمياً ودولياً، فقد تفاهمت مع روسيا على وحدة سورية وأن لا يقتصر الحكم بعد الأسد على طائفة أو فئة بل يشمل الأطياف الاجتماعية كافة، وأن يتعاون الجميع لعودة النازحين السوريين، خصوصاً أولئك الذين نزحوا إلى بلاد مجاورة. هذه التفاهمات تكتفي بها تركيا حالياً لتنصرف الى معالجة قلقها من حليفها الأميركي الذي يتهمه سيئو الظن بالتحضير لفوضى عبر نصف انقلاب يؤدي الى نصف دولة. هذا هاجس أردوغان في وجهه الوطني التركي لا في وجهه «الإخواني» الذي رفع تركيا عالياً في برج الوهم ثم ألقى بها من أعلى الطوابق.
مائدة سورية المسمومة يتحلق حولها كثيرون فيما الشعب السوري يدفع الثمن أرواحاً وممتلكات، أو يذهب به اليأس إلى هجرة بلا عودة، أو يتخلى عن سلوكه الحضاري لينخرط في كيانات عسكرية تحتل وطنه باسم الثورة أو باسم النظام.
تلتزم الإدارة الأميركية موقف المراقب من الحرب الدائرة في حلب بين فصائل عدة، بينها جبهة «فتح الشام» («النصرة سابقاً»)، وجيش النظام وداعموه مثل ميلشيا «حزب الله» وغيرها، فيما تعلن هذه الإدارة في شكل واضح أنها شريكة وراعية لحرب أخرى تدور في نفس الحيّز الجغرافي تقريباً لكنها بين من تسميه YPG أي «قوات الحماية الشعبية» وتنظيم «الدولة الإسلامية (داعش).
على ذلك، ربما أن ما سرّب عن اجتماع مايكل راتني المبعوث الأميركي إلى سورية مع قيادة «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» (في 10 الشهر الجاري في إسطنبول)، وأثار تكهنات عدة، لم يأت بجديد عما هو معروف من سياسة أميركية تدير ظهرها للحرب الدائرة في سورية منذ قرابة الخمس سنوات، على رغم أنها واحدة من مجموعة دول ما يسمى «أصدقاء الشعب السوري»، أي الدول الداعمة للمعارضة وللثورة ضد نظام الأسد. وقد يمكن القول عن الاجتماع المذكور أن راتني كان صريحاً بما فيه الكفاية وهو يرد على تساؤلات أعضاء من «الائتلاف» عن دور أميركي ملتبس، وعن شبهة تراجع واضح في إدارة ملف الصراع السوري لمصلحة روسيا، وهو الأمر الذي لم يعد خافياً على أحد من السوريين.
في الوقت ذاته بددت صراحة المبعوث الأميركي الغموض الذي يلتبس موقف إدارة أوباما المتعلق بدعمها العسكري المطلق لـ «قوات الحماية الشعبية» أو «قوات سورية الديموقراطية» في حربها ضد «داعش»، علماً أن هذه القوات هي بمثابة الجناح العسكري لـ «حزب الاتحاد الوطني الديموقراطي» (الكردي).
هكذا اتضح أن ثمة رسائل أميركية متعددة مما يجري في حلب، ليس أولها انتزاع الأضواء عما يحدث هناك، سواء ما يتعلق بمعارك تخوضها فصائل عدة ضد قوات النظام، وليس آخرها تجاهل ما يمكن أن تقرأه تركيا من دعم أميركي لقوات تصنفها هي بالإرهابية، نظراً لاعتبارها بمثابة امتداد لـ «حزب العمال الكردستاني» (pkk)، مروراً بما يمكن تسميته الابتسامة الأميركية الصفراء إزاء التقاربات الروسية - التركية - الإيرانية، مع العلم أن معظم المحلّلين يحيلون هذا التقارب الثلاثي إلى الموقف المشترك من المشروع الكردي، بعد المبرّر الاقتصادي الذي يأتي في مرتبة متقدمة جداً، بالنظر إلى متطلبات الاعتمادية المتبادلة بين هذه الدول في كثير من المجالات.
يستنتج من ذلك أن الإدارة الأميركية التي تقف إلى جانب المعارضة السورية («الائتلاف الوطني» و»الهيئة العليا للتفاوض») تقف أيضاً وفي الوقت نفسه، وربما بمستوى أعلى، مع ما تعتبره معظم أوساط المعارضة السورية طرفاً أقرب إلى النظام منه إلى الثورة السورية (أي «قوات سورية الديموقراطية»)، مع فارق شاسع يتعلق بطبيعة الدعم الأميركي لكلا الطرفين الذي يتخذ شكله الإعلامي فقط مع المعارضة بينما يتجسد بتدفق أسلحة فعالة، وبرامج تدريب ومستشارين على أرض الواقع مع ما سماه مبعوثها YPG. بل إن الولايات المتحدة تقدم أيضاً الدعم «الإنساني» للمناطق التي ترزح تحت سيطرة هذه القوات لرفع نسبة تأييد وجودها وتعزيز شرعيتها بين مواطني المحافظات المستهدفة بالتحرير من «داعش».
في هذا السياق لا بد من التأكيد أن أهمية تحرير هذه المدن من سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي يتطلب أيضاً مجموعة من العناصر التي تؤمن حماية لسكان هذه المدن، وضمان تعددية مرجعياتهم القومية والدينية، وعدم تحويل هذه الانتصارات المدعومة أميركياً إلى بيئة صالحة لإطلاق أحلام تقسيمية لسورية. وكان تأكيد الإدارة الأميركية للمعارضة بخصوص أن هذا الدعم لا يشمل الدعم السياسي التي تطلبه الـ PYD منهم والمتعلق بالاعتراف بالشكل الذي أقرته للدولة السورية (الفيديرالية)، لأن هذا ينبغي أن يحدده الشعب السوري بالتوافق في ما بينه وليس بإعلان صريح ومريح من طرف واحد.
من جهة أخرى، وعلى الأرض، تحاول الإدارة الأميركية فرض مفهومها عن القوات المعتدلة، والمؤيدة للحل السياسي، وفصلها عن الجماعات الإرهابية، التي تحصرها في «داعش» و»النصرة»، بحيث تشتغل على إقناع روسيا بهذا المفهوم، بغرض عدم استهدافها بالقصف الروسي، كما أنها تحاول إقناع المعارضة بمثل هذا التوجه. ويبدو من كل هذه المطالبات أن الولايات المتحدة تهادن روسيا، مع علمنا أن ذلك ليس من موقف الضعيف، وليس من موقف المتردد ربما، وإنما موقف اللامبالي إزاء ما يجري في سورية، أو من موقف ترك الأطراف تتصارع، حتى تستنزف، وهذا هو الأرجح. أي أن الموقف الأميركي يتحرك مع موسكو من منطلق سياسي براغماتي قوامه تركها لترى حدود قدراتها، وربما لاستدراجها لمزيد من التورط، لإضعاف موقفها، واستنزافها، وكشفها إزاء مجتمعات المنطقة، وتالياً دفعها للتقارب مع الموقف الأميركي، وقوامه التركيز على ما تسميه مواجهة الإرهاب ولا سيما «داعش» و»النصرة»، بالتزامن مع إقامة حكومة انتقالية تضم المعارضة وأطرافاً من النظام، من دون حسم مسبق لمصير الأسد على رغم تصريح راتني أن واشنطن متمسكة بسورية جديدة من دون الأسد.
في الغضون فإن الولايات المتحدة تشتغل على الأرض، كما ذكرنا آنفاً، مع «قوات سورية الديموقراطية»، كميليشيا صاعدة، أو كقوة يمكن أن تنمو أكثر، وتشتغل مستقبلاً وفق ديناميات جديدة، وحدها أو مع أطراف أخرى (ممن تعتبره معارضة معتدلة)، هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية فإن الولايات المتحدة ما زالت تمانع قيام أي تعاون سياسي بينها وبين روسيا، باعتبار أن لهذا التعاون أثمانه السياسية التي لا ترضي الإدارة الأميركية، فضلاً عن أنها تضر بصدقية علاقتها مع المعارضة، وبين هذا وذاك فهي تشتغل على إقناع الروس بتخفيف الطلعات الجوية، وضمنه الكفّ عن استهداف المدنيين، ولا تخفي الولايات المتحدة قناعتها بأن الروس يفعلون كل ما يحلو لهم بحجة استهداف «جبهة النصرة»، وأن هذا يستلزم من المعارضة التعامل مع هذا الأمر، وعدم تجاهله، وبالطبع فإن الأميركيين هنا يقصدون أنه ليس كافياً تغيير «جبهة النصرة» اسمها أو ادعاء انفكاكها عن «القاعدة».
بالمحصلة، فإن أهم رسالة أميركية قوامها أن الولايات المتحدة لم تغير موقفها، وأنها لا تسمح بإنهاء المعارضة، كما لا توفر لها الدعم الكامل لانتصارها، ولا تسمح بتبييض صفحة «النصرة» من حلب، وأن الحرب لم تنته بعد، وأن الحل لن يكون بحسب ما يريد هذا الطرف أو ذاك من السوريين. وبالنتيجة لا يبدو أن الإدارة الأميركية غيرت موقفها بقدر ما أن بعض المعارضة كان يبني على تصريحات أميركية لا رصيد عملياً لها على الساحة السورية.
من جهة ثانية ثمة رسالة روسية مقابلة للرسالة الأميركية تمثلت في التقارب الروسي التركي، وهي الورقة الجديدة التي ستضعها روسيا في ملفها أثناء الجلوس إلى طاولة التفاوض الروسية - الأميركية عندما ستمضي قدماً في الملف السياسي بعد الانتهاء من الاتفاق العسكري لمحاربة الإرهاب، فعلى رغم التعتيم الإعلامي على مجريات اجتماعات «القيصر والسلطان» في موسكو إلا أن مجرد الابتعاد عن الخوض في تفاصيل خلافية أمام الإعلام هو اتفاق ضمني على ضرورة التوصل إلى حلول وسطى، وهو ما يعنيه اليوم استمرار معركة حلب لإعطاء دافع جديد لذهاب المعارضة إلى مفاوضات سياسية بشبه انتصار، ورضوخ النظام لإملاءات روسية لا يمكنه مخالفتها بحكم وصاية روسيا الجوية الكاملة والدائمة في سورية من خلال أبدية وجود قاعدة حميميم.
إيران أيضاً لم يطل صمتها على توزع الأدوار على طاولة الغنائم فهرعت إلى تركيا تفرد أوراقها وتقاطع مصالحها مع المصالح التركية والروسية في آن معاً، بخاصة في ما يتعلق بالملف الكردي على الحدود، حتى لو كلفها ذلك تنازلات عما سمته خطاً أحمر (مصير بشار الأسد) في مرحلة لاحقة لما بعد التحضيرية أو ما تسميه المعارضة مرحلة ما قبل الانتقالية. في مقابل ذلك تنازلات بدأت عبر تصريحات متفرقة عن قبول تركي للأسد في تلك المرحلة لكن شرط أن يؤدي ذلك إلى رحيله آخراً.
لا شك أن الساحة السورية صندوق رسائل دولية لكن ما لا يمكن تجاهله أيضاً هو السؤال المحوري: من يملك مفاتيح هذا الصندوق؟ والأهم ما حدود دور السوريين فيه؟
الخطوات العسكرية المتباعدة التي تتخذها روسيا والولايات المتحدة، الأولى في إيران وسورية والثانية بالقرب من الصين وكوريا الشمالية، تعكس الافتراق الكبير في اهتمامات الدولتين الكبريين، وبالتحديد في منطقة الشرق الأوسط. ففي حين مدّ الروس انتشارهم العسكري إلى إيران، في سابقة منذ العام 1941، وأرسلوا إلى إحدى قواعدها قاذفات استراتيجية لقصف مواقع يتبع معظمها للمعارضة السورية المعتدلة، كان «البنتاغون» يعلن حشد قاذفات أميركية مماثلة في جزيرة غوام في المحيط الهادئ، على بعد آلاف الأميال من سورية، حيث يسود توتر بين القوى الإقليمية نتيجة النزاع على الموارد.
رد فعل واشنطن الذي كشف علمها المسبق بالخطوة الروسية، على رغم أنها «فوجئت» بالتوقيت، جاء ليؤكد أن ما فعلته موسكو لم يتخطّ حدود الاتفاق على تلزيم «الحل» في سورية إلى الروس. فالأميركيون المنكفئون لديهم أولوية وحيدة: دحر تنظيم «داعش»، من دون اهتمام فعلي بما سيحصل لاحقاً، وهم سيتعاطون مع الوقائع المستجدة في وقتها، مثلما يفعلون في العراق، وقد يوافقون على الطرح الروسي الذي قبلته تركيا بتشكيل حكومة «وحدة وطنية» في سورية تشمل الأسد، على رغم ميلهم الى وجوب رحيله.
ومن الواضح أن إسرائيل أيضاً كانت على علم مسبق بالإجراء الروسي، وإلا لكانت رادارتها ستعتبر القاذفات «المجهولة» المنطلقة من إيران باتجاه سورية عبر العراق تهديداً مباشراً لأمنها، ولأطلقت صافرات الإنذار في مدنها.
لكن هل لنشر القاذفات الروسية الذي أكدت إيران أنه ليس دائماً، تأثير كبير على سير المعارك في سورية، وخصوصاً في منطقة حلب المستعصية على خطط موسكو وطهران؟
من المفترض أن تكون موافقة إيران على هذا الخرق الطوعي للسيادة الوطنية، ولو كان موقتاً، أملتها أسباب تفوق بأهميتها قرار السماح بنشر قوة أجنبية على أراضيها. صحيح أن هناك مصالح كبيرة مشتركة بدأت تتبلور بين موسكو وطهران بعد رفع العقوبات الدولية عن الأخيرة، لكنها لا تبرر وحدها مثل هذه الخطوة، إلا إذا كان الإيرانيون يستشعرون خطراً وشيكاً يتهدد ما يعتبرونه «معركة مصير» في حلب التي يستهدفها القصف الروسي بشكل خاص.
والواقع أن القوات الإيرانية، من «حرس ثوري» وميليشيات شيعية متعددة الجنسية، تلقت صفعة قوية في حلب قبل نحو أسبوعين عندما نجح المعارضون السوريون في فك الحصار عن شرق المدينة، ويواصلون هجماتهم في مناطق أخرى منها متوعدين بتحريرها بالكامل. وعنى ذلك أن القيادة الإيرانية لمعركة حلب تواجه صعوبات تدفعها إلى الاستعانة أكثر بالدعم الجوي الروسي، مع ما يستلزمه ذلك من القبول بمطالب روسية بينها استخدام القواعد الإيرانية، علماً أن خبراء عسكريين غربيين يعتقدون جازمين بأن هذا الانتشار لا يشكل فرقاً كبيراً على الصعيد العسكري، لأن القصف الروسي متاح من قاعدة حميميم ومن السفن المنتشرة قبالة الساحل السوري، ومن جنوب روسيا نفسها، ولم يمنع مقاتلي المعارضة من التقدم.
من الواضح أن نتائج معركة حلب أربكت حلفاء نظام الأسد، كونها فضحت عجز مرتزقة طهران، ودفعت موسكو الى استعراض مسرحي لقوتها بعدما عجز طيرانها وصواريخها عن حسم المواجهة، ذلك أن هدفها الفعلي تقديم دعم معنوي إلى إيران ونظام الأسد، وتوجيه رسالة إلى العالم بأن روسيا هي التي تدير معركة سورية، وأنها الطرف الأقدر على ملء الفراغ الأميركي في المنطقة.
لافرق بين المشهدين إلا تلك البسمة المرسومة على شفاه الجميع ، و تلك الطفلة التي تعيش بهدوء و سعادة وسط حضور كاهن يلعب دور المطمّئن، وفي نفس الوقت ينتشر جنود على شاكلة “الاحتلال الاسرائيلي” شكلاً و فوقونهم اجراماً و حقداً .
الفرق البارز بين الصورتين اذا ما قررنا المقارنة ، هو ابتسامة طفلة تدل على السلام الأمان ، بفضل حضور مجموعة من العساكر لا يحملون معهم قنابل أو تسبقهم طائرات، بل قالوا أنهم يحملون في شاحناتهم مساعدات و أغذية و بعض الألعاب، لضمان اريحية و حياة طبيعية لهم، و طبعاً كانت الغاية أن يظهر الأمر اعتيادياً عاماً، يشمل كل المناطق السورية التي وعد، “القيصر” الصغير الباحث عن “المجد” فلا ديمير بوتين، الشعب السوري به، على شاشات التلفزة و البيانات المصدرة من مكتبه أو مكتب آخر من مكاتب القتل الذي يسمى تجاوزاً بـ”الخارجية” تارة و “الدفاع” تارة أخرى.
و لكن الخطين المتصالبين ، على شكل الصليب الذي قيل أنه حُمل المسيح عليه ، أبى إلا أن يخرج و يكشف الحقيقة التي كسوريين لا نحتاج لتلك الهفوة كي تظهر، فهي منذ اللحظة الأولى و طوال المدة الماضية جميعها ظاهرة و معروفة و محسومة.
“حرب مقدسة “، “حماية المسيحين في الشرق” ، “سندافع عن وجودهم” ، لن يكون الشرق بدونهم ، ذلك ابان انطلاق العدوان الفلعلي من العدو الروسي في أيلول ٢٠١٥، و سبقه قبل سنوات قليلة دعم لدير الموت في صيدنايا “دير الشيروبيم” ، و لمناطق عدة لا مكان لذكرها خشية أن يتحول الموضوع لصراع ديني ، و إن كان هذا الصراع، جزء من الصراعات التي توجه إلى الشعب السوري منذ عقود طويلة أخذ منحاه الواضح خلال السنين الست الماضية.
بين المشهدين طفلة محمولة على يد والدته و هو ضاحك باسم مطمئن بجانب كاهن عسكري ، و في الصورة المقابلة كيسٌ أبيض صامت و ضجيج طائرات تواصل حوامها في السماء ، فداخل الكيس يضج ببقايا جسد طفل ، لم ينال حتى شرف البكاء من والدته التي لا زال البحث جارياً عن بقايا جسدها المتناثر ، في ساحة السوق الذي كان في أيام مضت سوقاً و بات مقبرة تائهة ، بلا شواهد لمدافنها ، فلا أجساد كاملة، و الجميع اختلط بالجميع و باتوا يشكلون “الجسد السوري” في المقبرة الكبيرة سوريا، و خطأ أن نقول سوريا ككل و لنقل أؤلائك “المسلمين” السوريين في الأراضي المسلمة في سوريا.
يقال لا تنفخ يا فتى ببوق الحقد و التشدد و الكراهية ، و تعامل مع الأمر من منظور انساني بحت ، و لاتشر إلى الدين أو الطائفة أو المنطقة الجغرافية ، كي لا تقع في المحظور و تضاف إلى قائمة القمئين ، “الحقيرين” و مداني التصرفات، و المنبوذون من العالم و المتحضرين و ذوي العقول المنفتحة، و اطرح القصة على أنها وجهان يمكن تواجدهما مساعدات و ابتسامات في منطقة مسالمة ، وقذائف و “قذارات” و قتل في مناطق تشهد صراع متعدد الأطراف ليس الروس وحدهم من فيه فهناك “المتشددون” الاسلاميون ، ونرجوا منك التركيز على الأخيرين.
في الحقيقة الدور المتحضر لا ينجح مع أمثالي ، لسبب بسيط ذكرته بالأمس عن قصة ، الرقم “٢٦” و المحتوى “طفل” ، بأننا “لايمكن الحديث بعنجهة أمام موت من النوع الذي نشاهده، فهنا الواقع يفرض نفسه بأن نسمي الأمور بمسمياتها، فهم يسعون لاذلالنا حتى في طريقة الموت، ، ليكون طموحنا فيما تبقى من حياتنا بأن تكون “النهاية أقرب” .”
فارق «بسيط» بين قتال الفصائل المسلحة المعتدلة في سورية بأسلحة متواضعة وبلا غطاء جوي، و «نضال» الروس ضد مَن تسمّيهم موسكو «عصابات إرهابية»، من دون أي تمييز بين المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد، ومَنْ كانوا في «جبهة النصرة»، ومَنْ لا يزالون في صفوف «داعش».
فارق «ضئيل» بين قذائف «الهاون» في أيدي الفصائل والقاذفات الروسية الاستراتيجية التي اقتربت من مواقع «الإرهابيين التكفيريين» في سورية، باتفاق مع إيران، بعدما ارتضت فتح كل منشآتها للروس، لحسم المعركة في حلب.
هكذا بات القيصر في الخليج، ومن بحر قزوين إلى المتوسط يدشّن عرض عضلات نادراً منذ الحرب الباردة، فيما الأميركيون منهمكون بمعاركهم في حملة الانتخابات الرئاسية. وإذا صحّ القول أن الرئيس باراك أوباما اختار لتفادي التورُّط بالمستنقع السوري، «تلزيم» الحرب والحل إلى القيصر، فيصدق كذلك استنتاج صفعة قوية وجّهها الكرملين أمس إلى إدارة أوباما وسياسته «الناعمة»، حين كشف نشر قاذفات من طراز «توبوليف 22» في قاعدة جوية إيرانية، باشرت قصف مواقع في سورية.
في المشهد الأولي، تقتدي موسكو بواشنطن التي تستخدم قاعدة انجرليك التركية لقصف «داعش» في سورية. وإن باتت إيران تحت المظلة الجوية الروسية إلى حين، بذريعة خفض زمن طلعات الطيران الروسي الذي يستهدف مسلّحي التنظيم في الأراضي السورية، فما لا يحتاج إلى أدلة هو توافق موسكو وطهران على سحق كل معارضة للنظام السوري ترفع السلاح في وجهه.
الأهم، عشية بدء عمليات «توبوليف 22» من القاعدة الجوية الإيرانية، هو توافق موسكو وطهران على طمأنة أنقرة، وتحييد مصير الأسد عن أولوياتها، في مقابل سحب ورقة التشجيع الروسي لإدارة كردية في شمال سورية، بما يرضي تركيا وإيران معاً، وعدم ممانعة الرئيس رجب طيب أردوغان في درس تدويل الرقابة على الحدود التركية- السورية. الهدف الواضح هو قطع شرايين التسليح والتمويل، ولكن، مرة أخرى يجدر التساؤل عن المتضرِّر الأول والثاني، «داعش» وحده أم كذلك «جبهة فتح الشام» والفصائل التي كسرت حصار النظام السوري للأحياء الشرقية في حلب؟
بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، تبدّل موقع أنقرة في حسابات «التسوية» السورية، انطلاقاً من التقارب الروسي- التركي الذي شجّع أردوغان على قبول سيناريو «حكومة الوحدة الوطنية» في دمشق، والتي لا تقصي الأسد، ضمن مهلة محددة. باتت وحدة سورية أولوية، باتت معادِلة لوحدة تركيا التي حرص الأميركيون على تسريب «مخاوف من حرب أهلية» فيها، و «قلق» على مصير أسلحة نووية مخزّنة في قاعدة إنجرليك.
وقبل الحديث عن المبادئ الثلاثة للحل في سورية، وعن التوافق بين موسكو وطهران وأنقرة، كانت التلميحات التركية الى «مفاجآت»، بعد نفي توجُّه أنقرة الى التطبيع مع نظام الأسد. «توبوليف» في همدان أم «المفاجآت» التي تطلق يد القيصر فلاديمير بوتين في رسم ما يعتبره ملامح لنظام دولي جديد، فيما واشنطن منكفئة الى قوتها «الناعمة».
وبين غرفة عمليات روسية- إيرانية- عراقية، وتنسيق روسي- إيراني- تركي، و «قاعدة» قرب همدان بعد طرطوس وحميميم، يستعجل القيصر حسم المعركة. إنها الخريطة الجديدة لنفوذ الكرملين، عدّل أول خطوطها في شبه جزيرة القرم، قبل استنساخ الأرض المحروقة في الشيشان لملء الفراغ «الأميركي» في الشرق الأوسط.
لا تتعفف طهران عن «تلزيم» موسكو مهمة سحق معارضي الأسد، ما دامت اعتبرت سورية محافظة إيرانية، لكنّ العرّاب الروسي الذي أدخلها «نفق» التفاوض مع الغرب لطيّ الملف النووي، مثلما قايض بقاء الأسد بنزع الترسانة الكيماوية السورية، يثبت بجدارة أنه تلقّف رسالة «تصدير الثورة» الإيرانية، وأرخى مظلة روسية على «الهلال الشيعي»... ليستعيد المبادرة في مواجهة «زحف الحلف الأطلسي» إلى شرق أوروبا.
صواريخ «مجنّحة» روسية في أجواء العراق وإيران، لضرب «الإرهاب» في سورية. لا مواجهة بين كبار الحرب الباردة، وما يتطلع إليه بوتين بات أبعد بكثير من استئصال دولة «داعش» بين دجلة والفرات.
صواريخ وبوارج وقاذفات تفتح أجواء المنطقة العربية ومياهها للقيصر العائد بخيبات أوباما. ولن يكون مفاجئاً أن يدعم الدور الإيراني في اليمن، فيما لا تفوّت الأمم المتحدة فرصة إلا وتشكّك في شرعية تحرُّك التحالف العربي في مواجهة الانقلاب على الشرعية.
بداية النهاية؟ الصراع على النظام العالمي الجديد في بداية فصل آخر.
كان الخصام الناشب حالياً بين تركيا والولايات المتحدة سبباً وجيهاً لتزخيم احتضانٍ روسي ثم إيراني لرجب طيب أردوغان، بعدما أشعرته موسكو في الخريف الماضي، بعقوباتها وإشهارها العداء له غداة إسقاط «السوخوي»، بأنها في صدد شطب تركيا من أي معادلة نفوذ إقليمية خاصة بسورية. خلال تلك المحنة، بخسائرها الاقتصادية المحققة وتداعياتها السياسية غير القابلة للضبط، لم يبذل «الحليف» الأميركي أي جهد لطمأنة أنقرة ولم يخرج «الناتو» عن تضامنٍ معنوي غير مجدٍ. لم تكن تلك المرّة الأولى التي يشعر فيها الأتراك، منذ بدء الأزمة السورية، بأن واشنطن تخذلهم وتعرقل كل خططهم مع حلفائهم العرب، وفيما تكبّل أي دعم للمعارضة السورية بكمٍّ هائلٍ من الشروط إلا أنها تتعايش مع كل التدخّلات الأخرى أو تشجّعها، سواء كانت روسية أو إيرانية أو إسرائيلية.
ومع أن أنقرة لم تتبنَّ بعد رواية علنية متكاملة لـ «الدور الخارجي» في المحاولة الانقلابية، إلا أنها مقتنعة على الأقل بأن روسيا وإيران كانتا خارج «المؤامرة». ولعل وقوع المحاولة بعد أسبوعين على توقيع اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل حال دون الاشتباه بالأخيرة رغم اتهامات سابقة لها بعلاقات مع جماعة فتح الله غولن. لذلك بقيت فرضية الدور الأميركي قوية، شرط التوصل الى إثباتها، وبالأخص تحديد دوافعها وأهدافها. خلافاً للعواصم الأوروبية التي اشتبكت سياسياً وإعلامياً مع أنقرة على خلفية حملة «التطهير» العسكرية والمدنية لـ «الغولنيين» المفترضين واحتمال معاودة العمل بعقوبة الإعدام، التزمت واشنطن لهجةً نقديةً غير مستفزّةٍ لعلمها بأن البلدين مقبلان على مرحلة شائكة وأن الأفضل احتواء الصعوبات ديبلوماسياً بدل مفاقمتها بالمساجلات العلنية. ويكفي أن أردوغان قصد سانت بطرسبرغ للقاء فلاديمير بوتين، وسط تصاعد مشاعر العداء لأميركا في الشارع التركي.
هل يكفي ذلك لافتراض أن هذا اللقاء حصل فعلاً عند مفترق طرق لتركيا؟ هناك من ذهب بعيداً في المقارنة بين اللحظة الأردوغانية الراهنة واللحظة التي اتجه فيها جمال عبد الناصر نحو الاتحاد السوفياتي، رغم اختلاف الظروف، وحتى اختلاف الرجلَين. فمهما بلغت المرارة عند الرئيس التركي، فإنها لا تحجب براغماتيته، ثم أن مصالحته مع بوتين كــانت دخلت صلب سياسته الجديدة قـــبل محاولة إطاحته، ولا شك في أنه يعرف ماذا يريد من روسيا وماذا يريد بوتين منه، وعلى افتراض أنه يــــرغب في إحداث تغييرٍ ما في خيارات تركيا إلا أنه لا يستطيع المـــقامرة بمصالحها مع الغرب لقاء مكاسب لن يقدمها بوتين مجرّدة من التوظيف الاستقطابي.
عدا استعادة التبادل التجاري وإحياء المشاريع الكبرى مع روسيا، وهذان فيهما مصلحة للطرفين، وعدا تبعات المحاولة الانقلابية التي يمكن أن تكون لدى موسكو معطيات استخبارية مفيدة في شأنها، فلا شك في أن الهمّ الرئيسي الذي يشغل أردوغان له عنوان معروف: المسألة الكردية. وبات الشأن السوري يأتي بعدها أو في سياقها.
وفي الاثنين، لم يكن الأميركيون واضحين ولا مطمئنين ولا متعاونين، بل على العكس بالغوا في اللعب بـ«الورقة الكردية» سورياً الى حدّ ساهم في إشعالها تركياً، حتى أن معيار «الإرهاب» الذي أشهرته أميركا واوروبا ضد «حزب العمال الكردستاني» (بي كي كي) لم يعد قائماً رغم العمليات التي ارتكبها في العديد من المدن. وقد انتقدت أنقرة مراراً الدول الغربية واعتبرت أنها تكيل مواقفها من الإرهاب بمكيالَين. لكن القلق التركي تحوّل هلعاً مع ظهور توافق- وأحياناً تنافس أميركي - روسي للاعتماد على الأكراد كطرف وحيد صالح لمحاربة «داعش».
لم تكن تركيا وحدها التي استشعرت الخطر. فإيران ونظام بشار الأسد كانا استخدما «بي كي كي» وفرعه السوري لمناكفة تركيا، ونسّقا تحركاته مع انتشار تنظيم «داعش» لضرب المعارضة، إلا أنهما وجدا هذه الورقة تنزلق من أيديهما لتستقرّ عند الأميركيين في استخدامهم الأكراد لضرب «داعش». ثم وجدا أن موسكو فتحت خطّاً مع الأكراد، ورمت فكرة «الفيديرالية» لتعرب عن انفتاحها على مشروع الإقليم الكردي، كما وافقت على ممثلية لـ«حزب الاتحاد الديموقراطي» وتبنّت بإصرار تمثيله في وفد المعارضة الى مفاوضات جنيف رغم علمها بأن لا موقع له في المعارضة التي تقاتل النظام.
وبعدما أدارت طهران ودمشق فرع «بي كي كي» السوري لإضعاف المعارضة أولاً، ثم لتوظيف «إقليمه» المفترض كقاطرة للتقسيم وفقاً لرؤيتهما، إذ بهما الآن يتقاسمان المخاوف نفسها مع تركيا، وإذ بالتوافق على «وحدة سورية» يصبح أبرز رسائل زيارة وزير الخارجية الإيراني لأنقرة. ولعلها مرّة أولى ونـــادرة تُظـــهر فيها إيران اهتـــماماً رسمياً بـ «وحدة» بلد يواصل فيه حليفها الأسد مع ميلــيشياتها، خصوصاً «حزب الله»، تنــفيذ مشاريع لاقتلاع السكان والتغيير الديموغرافي.
هل يعني ذلك أن إيران تخلّت نهائياً عن اللعب بالورقة الكردية؟ ربما. لكن ماذا عن روسيا، فهل تستطيع توفير ضمانات لتركيا بمعارضة إقامة إقليم كردي على شريطها الحدودي مع سورية، وهل تستطيع احترام ضمانات كهذه مع علمها بأن أميركا تريد مكافأة الأكراد على محاربتهم «داعش»، وبالتالي إذا قرّرت وضع «فيتو» على الإقليم فمقابل ماذا؟... ثمّة أولوية روسية الآن، وهي عدم الفشل في سورية. لكن تجربتها خلال عام لم تأتِها سوى بمؤشّرات نجاح ضئيلة تدين بمعظمها لتواطؤ- تعاون أميركي. صحيح أنها من نوع الدول التي تقتل المدنيين بدم بارد وتدمّر المستشفيات والمدارس والمخابز بلا تردّد، ولا تهزّها اتهامات بجرائم حرب، إلا أن كل ذلك يورّطها أكثر مما يسهّل مهمتها. والمؤكّد أنها لم تعد ترى إمكاناً للنجاح بالاعتماد على قوات النظام المتهالكة أو على ميليشيات مهووسة بالأجندة الإيرانية. وحتى حصار حلب، الذي ساهمت فيه بعدما كانت ترفضه، ارتدّ على حلفائها في شكل أتاح لأردوغان المجيء الى اللقاء مع بوتين واثقاً وليس صاغراً.
مع ذلك، شكّل ذلك اللقاء فرصة لمعاينة إمكان استقطاب تركيا سورياً، فهي كانت خفّضت منذ تنصيب حكومتها الحالية من حدّة مطالبتها بـ «رحيل الأسد»، وأبدت استعداداً لشيء من الانفتاح على نظامه. وقبل ذلك، كانت تركيا لبّت كل الشروط الأميركية سواء بحجب الأسلحة النوعية عن المعارضة «المعتدلة» أو بالضغط لمنعها من توسيع رقعة سيطرتها الى مناطق حسّاسة مذهبياً أو حتى للتعامل بمرونة مع محدّدات للتفاوض وللحل السياسي تعتبرها المعارضة مجحفة. وبما أن هذه الشروط كانت منبثقة أساساً من التفاهمات الأميركية - الروسية، فإن أي «تنازلات» إضافية، ومنها خصوصاً عدم الخوض بـ «مصير الأسد» رحيلاً أو بقاءً، أو تأجيله أو حتى تجاهله، تستطيع موسكو المساومة عليها مع واشنطن أو أنقرة أو سواهما، ولا يمكنها إجبار المعارضة على قبولها.
كانت روسيا تصوّرت، أو صوّر لها النظام والإيرانيون، أن حصار حلب كافٍ لتصفية المعارضة وتمرير «حلّهم» السياسي المنشود. وقد تكون المداولات الأخيرة مع الأميركيين، والليونة المستجدّة في مواقف تركيا (قبل زيارة أردوغان)، ساهمت في تشجيع الروس على هذه المغامرة. لكن إذا كان الأميركيون يخذلون المعارضة السورية تفادياً لأي تنازل لروسيا في مكان آخر (اوكرانيا مثلاً)،فإن الأتراك لا يملكون خياراً كهذا لأن التخلّي عن المعارضة أو التورّط بتصفيتها يعني خروجهم من المعادلة بإرادتهم مع وجود أكثر من مليونَي لاجئ سوري لديهم. وعدا أن الروس يتجاهلون أطرافاً معنيّة أخرى، عربية وغير عربية، فإنهم بإصرارهم المحموم على بقاء الأسد يفتقدون لأبسط قواعد التسويق، اذ ليست لديهم حتى الآن أي «صفقة» يعرضونها على الآخرين لقبول بقاء هذا الرجل ونظامه، وليست لديهم صيغة خلاقة لحل سياسي متوازن. فتارة يعرضونه لقاء «محاربة الإرهاب»، وتارةً أخرى لقاء «هدنة 3 ساعات»، وطوراً لقاء إطلاق المفاوضات أو إدارة مرحلة الاستنزاف في انتظار الإدارة الأميركية المقبلة. وعندما تكون السلعة مضروبة، فلا عجب أن يكون الإتجار بها فاشلاً.