مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٥ أغسطس ٢٠١٦
... وأخيراً منطقة حظر طيران في سوريا!

في تصعيد جديد في الحرب السورية، هددت وزارة الدفاع الاميركية النظام السوري بأنها ستسقط المقاتلات السورية التي تهدد قواتها الخاصة العاملة في شمال سوريا وحلفاءها من الوحدات الكردية العاملة في اطار التحالف الدولي لمحاربة "داعش".

وجاء التحذير الاميركي بعد حادثين وقعا قرب الحسكة عندما قصفت مقاتلتان سوريتان الخميس أربعة مواقع كردية يعرف أنها تضم قوات أميركية خاصة. ومع أن أحداً لم يصب بأذى، شكل الحادث تحدياً لواشنطن التي حرصت دائماً على أن قواتها المنتشرة في سوريا وقوات المعارضة التي تدربها مكلفة حصراً محاربة "داعش" لا جيش النظام. والحادث الثاني سجل الجمعة عندما عادت مقاتلات النظام الى المنطقة قبل أن تطاردها مقاتلات أميركية وتبعدها.

هذان الحادثان دفعا واشنطن الى توجيه تحذير مباشر وواضح من أنها سترد عسكرياً وبقوة على أي مقاتلة تهدد العمليات المشتركة. وصرّح مسؤول عسكري أميركي لشبكة "سي ان ان" الاميركية للتلفزيون: "إذا حاول السوريون ذلك مجدداً، سيكونون معرضين لخطر كبير بخسارة مقاتلة".

يرقى مثل هذا التحذير عملياً الى مستوى فرض منطقة حظر طيران فوق مناطق تنشط فيها القوات التي تحارب "داعش". وبعدما قاومت واشنطن الفكرة طويلاً، حاولت الاثنين الماضي التملص من التزام كهذا بقولها إن منطقة يحظر فيها الطيران السوري ليست منطقة حظر للطيران!

منذ أكثر من أربع سنوات يرفض "البنتاغون" ومعه ضباط أميركيون إقامة منطقة حظر طيران لحماية المدنيين السوريين على الأرض من غارات النظام السوري وحلفائه بحجة أنها غير عملية. ولكن عندما هددت هذه الغارات قوات اميركية سارعت واشنطن الى ارسال مقاتلات من تركيا لحمايتها وسيرت دوريات فوق المنطقة فارضة حظراً للطيران يصر "البنتاغون" على أنه ليس منطقة حظر طيران.

لا شك في أن التزام واشنطن إقامة منطقة حظر طيران صار أكثر تعقيداً مع الانخراط العسكري الروسي في الحرب السورية ونظام الدفاع الصاروخي "اس 400" الذي أعلن الروس نشره في سوريا. هذا إضافة الى ان فرض حظر فوق مناطق تنشط فيها القوات الكردية سيثير حفيظة تركيا التي ضغطت طويلاً من أجل إقامة منطقة حظر على حدودها. لكنّ أميركا، التي تركت خطوطها الحمر تنتهك مرة تلو الأخرى ما دام الضحايا من السوريين والخسائر سورية أيضاً، باتت في وضع حرج بعدما بلغ التهديد قواتها التي تحمل تفويضاً واضحاً بالبقاء بعيدة عن خط النار، فهل تتمسك بـ"حظر الطيران" هذه المرة أم تذعن للروس مجدداً وتُدخل الأسد في الاتفاق الروسي - الأميركي للتنسيق في سوريا؟

اقرأ المزيد
٢٥ أغسطس ٢٠١٦
روسيا وإيران… والشرعية في سوريا

في ظلّ القصف الذي تقوم به قاذفات روسية من نوع “توبوليف” تنطلق من قاعدة همدان الإيرانية، يبقى الانتصار الروسي ـ الإيراني في سوريا بعيد المنال. ربّما استفاقت إيران أخيرا إلى أنّ الإعلان الروسي عن استخدام قاعدة في همدان لا يصبّ في مصلحتها، بمقدار ما أنّه يكشف كم هي في حاجة إلى روسيا في معركة الانتصار على سوريا وعلى شعبها.
في كلّ الأحوال، بقيت الطائرات الروسية في همدان أم لم تبق فيها، لا يمكن لروسيا وإيران الانتصار في سوريا. يمكنهما الانتصار على سوريا لا أكثر. يمكنهما السير في الخط الذي يسير فيه النظام وعنوانه “بشّار أو لا أحد”. لا يستطيع الروسي والإيراني تحقيق أكثر من ذلك. يعود ذلك، أوّلا وأخيرا، إلى أنّ الجانبين يعتمدان على نظام غير شرعي مرفوض من شعبه يسعيان إلى تمديد عمره إلى ما لا نهاية. وهذا شيء مستحيل في نهاية المطاف. لا يمكن الاعتماد على النظام الأقلّوي لتحقيق انتصار في سوريا.

ببساطة ليس بعدها بساطة، لا تستطيع روسيا أو إيران الاعتماد على نظام انتهت صلاحيته منذ فترة طويلة من أجل الحفاظ على مصالحهما في سوريا، علما أن لكل من روسيا وإيران مصالح خاصة بكل منهما. قد يكون هناك حتّى تناقض بين هذه المصالح. روسيا تريد السيطرة على الأراضي السورية كي تمنع أنابيب الغاز الخليجي من المرور فيها وإيجاد قواعد على البحر الأبيض المتوسط، فيما الهمّ الإيراني من نوع آخر. تريد روسيا، من خلال سوريا، تأمين مصالح ذات طابع اقتصادي من جهة، وتأكيد أنّها ما زالت لاعبا دوليا من جهة أخرى.

بالنسبة إلى إيران، لا تزال سوريا الخاضعة لها ممرا إجباريا إلى لبنان وإلى ما تعتبره الإنجاز الأهمّ الذي حقّقته “الجمهورية الإسلامية” منذ قيامها في العام 1979. هذا الإنجاز هو “حزب الله” الذي بات ذراعا إيرانية تعمل في كلّ المنطقة العربية وحتّى في العالم كلّه، وصولا إلى أميركا اللاتينية. ليس “حزب الله” تنظيما يمكن الاستهانة به، خصوصا بعدما تبيّن أن في استطاعته الحلول مكان إيران حيث ترتأي ذلك. يظل اليمن، حيث للحزب دور مهمّ في دعم الميليشيات الحوثية وتدريبها، أفضل دليل على ذلك. أكثر من ذلك، إن لبنان الذي يتخذ منه “حزب الله” قاعدة للعمل لمصلحة إيران، ساقط عسكريا. لبنان صار تحت سيطرة إيران بفضل الميليشيا المذهبية التي تمتلكها في هذا البلد. بقاء لبنان ساقطا عسكريا مرتبط، إلى حد كبير، ببقاء النظام في سوريا نظاما علويا يعتمد أوّل ما يعتمد على حماية من إيران بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أي عبر الميليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية. هذا النظام السوري سخّر الأراضي السورية ممرا للسلاح الإيراني الذي يستخدم في عملية تدمير لبنان وفرض وصاية عليه.
من هذا المنطلق، تبحث كلّ من روسيا وإيران عن شرعية غير موجودة للنظام السوري. هذا البحث عن مثل هذه الشرعية يختلف بين موسكو وطهران، نظرا إلى خلفية العلاقة السورية – الروسية من جهة، والعـلاقة السـورية ـ الإيـرانية من جهـة أخرى.

تعتمد روسيا في بحثها عن شرعية للنظام السوري على تاريخ علاقتها بالجيش والمؤسسات المرتبطة به، فيما تعتمد إيران على الرابط المذهبي، أي على العلاقة القائمة بينها وبين العلويين في سوريا، أي بينها وبين النظام تحديدا بصفته العلوية، وليس بالضرورة مع الطائفة العلوية. فالطائفة العلوية في سوريا لا تزال، في مجملها، تنظر بحذر إلى العلاقة مع إيران التي فشلت في محاولاتها المستمرّة لتشييع العلويين في منطقة الساحل السوري.

هل يمكن لروسيا إيجاد شرعية لنظام قام أساسا على انقلاب عسكري “بعثي” قاده في العام 1963 ضباط من مشارب مختلفة، بينهم سنّة، فيما ليس أمام إيران سوى تغيير طبيعة المجتمع السوري وطبيعة المدن السورية، من منطلق مذهبي، كي يبقى النظام تحت رحمتها.

ستفشل روسيا مثلما ستفشل إيران، لا لشيء سوى لأنّ المؤسسة العسكرية السورية التي تراهن عليها موسكو انتهت منذ زمن طويل، فيما ستظل إيران عاجزة عن تغيير طبيعة سوريا، مهما اشترت، عبر واجهات لها، من الأراضي ومهما عملت على تهجير سكان أحياء معيّنة من أرضهم، سواء أكان ذلك في دمشق وجوارها أو في حمص وحماة… ومهما جنّست عراقيين ولبنانيين. تفعل ذلك من أجل خلق خلل في التوازن السكاني في مناطق تعتبرها إيران مناطق إستراتيجية بالنسبة إليها.

لا يمكن تجاهل أنّ نسبة 76 في المئة من سكان سوريا هم من أهل السنّة. يرفض هؤلاء أي مصالحة من أيّ نوع مع نظام جعل منهم مواطنين من الدرجة الثانية وأذلّهم بكل الوسائل المتاحة منذ ما يزيد على أربعة عقود.

استثمر النظام السوري منذ اللحظة الأولى لقيامه في بث الرعب في صفوف المواطنين، وفي البناء على حلف الأقليات بنواته العلوية. تحكّم هذا الحلف بالجيش والأجهزة الأمنية التي كان يتجسس كلّ منها على المواطن العادي وعلى الأجهزة الأخرى. مثل هذا النوع من الأنظمة لا يمكن أن يدوم إلى ما لا نهاية، ولا يمكن الاعتماد عليه لبناء مؤسسات شرعية في دولة تحترم نفسها وتحترم مواطنيها.

أين الشرعية التي يتشدق بها المعلقون الروس، ومعظمهم من الدبلوماسيين المتقاعدين الذين ما زالوا يستخدمون اللغة الخشبية نفسها التي كانت تستخدم أيّام الاتحاد السوفياتي السعيد الذكر. لو كانت هذه اللغة الروسية التي تعتبر بشّار الأسد رئيسا “منتخبا”، لكان الاتحاد السوفياتي ما زال حيّا يرزق!

أيّ شرعية تتحدث عنها إيران غير شرعية نظام اختزل سوريا في طائفة أيّام حافظ الأسد، فيما اختزلها بشّار الأسد في عائلة هيمنت على كلّ مقدرات البلد تحت شعارات فارغة من نوع “الممانعة” و“المقاومة”.

نعم، لا يمكن لروسيا وإيران الانتصار في سوريا بغض النظر عن درجة التنسيق مع إسرائيل، وبغض النظر عن الانكفاء الأميركي. يمكن تفتيت سوريا ولكن لا يمكن تحقيق انتصار في سوريا. يمكن الانتصار على سوريا والوصول إلى مرحلة تقسيم للكيان بغية ضمان المصالح الإيرانية والروسية.

العنصر الجديد الذي طرأ أخيرا هو عنصر قديم. إنه العنصر الكردي الذي لا يمكن تجاهله نظرا إلى أنّه بات رهانا أميركيا، إضافة إلى أنه بات وسيلة لجعل تركيا أقلّ حماسة لدعم الثورة السورية. دخول هذا العنصر على خط الأزمة السورية المستمرّة منذ خمس سنوات ونصف السنة، صار عاملا لخلق المزيد من التعقيدات لا تصب سوى في مسار إطالة الحروب السورية بما يقود إلى تقسيم البلد بعد تفتيته. هل من خيار آخر أمام روسيا وإيران لضمان مصالحهما في هذه الأرض السورية؟

اقرأ المزيد
٢٥ أغسطس ٢٠١٦
استدارة إردوغان في سوريا

إذا كان الدور التركي في سوريا موضع استفهام منذ اندلاع الأزمة قبل أكثر من خمس سنوات، فإنه أصبح اليوم مثيرًا لتساؤلات وشكوك أكبر. فالرئيس التركي رجب طيب إردوغان فاجأ الكثيرين بتحركاته الأخيرة خصوصًا بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف يوليو (تموز) الماضي، وهي تحركات اعتبرها كثيرون استدارة في مواقفه المعلنة إزاء النظام السوري، وفي سياساته إزاء حلفاء بشار الأسد في روسيا وإيران.

بوادر هذه الاستدارة ظهرت مع الزيارة التي قام بها إردوغان لمقابلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكانت أول رحلة خارجية له بعد إحباط المحاولة الانقلابية، وشكلت ترجمة للاعتذار التركي عن إسقاط الطائرة الحربية الروسية على الحدود السورية أواخر العام الماضي. صحيح أن إردوغان أراد أيضًا بتلك الزيارة توجيه رسالة غاضبة للغرب وعلى وجه الخصوص للولايات المتحدة، على ما اعتبره تلكؤا في إدانة الانقلاب وما تبعه من انتقادات للإجراءات الأمنية والاعتقالات الواسعة التي قامت بها السلطات التركية. لكن هذا لم يكن الدافع الوحيد لمصالحة إردوغان مع روسيا، لأن تركيا وإن كانت غاضبة من الغرب، وتريد الضغط عليه، إلا أنها لا تفكر قطعًا في طلاق معه أو في انقلاب استراتيجي شامل في علاقاتها من الغرب إلى الشرق.

أنقرة تشعر بقلق كبير من التمدد الكردي في شمال سوريا، وهو قلق يفوق أي قلق قد تشعر به من «داعش»، لا سيما أن لديها الكثير من الخيوط والأوراق التي تستطيع بها التأثير واللعب في موضوع «الحرب على الإرهاب» في سوريا، وهي حرب متعددة الوجوه والأهداف والاستراتيجيات أصلاً. لكنها في الموضوع الكردي لا تملك أوراقًا مماثلة للتحكم فيما يحدث، بل ترى تشابكات وتعقيدات كثيرة مع تداخل استراتيجيات وحسابات أطراف إقليمية ودولية أخرى في الموضوع السوري. فحلفاء تركيا الغربيون لا يبدون واثقين في إردوغان، ولا في المكون السني في المعارضة السورية، ويشعرون أن القوة الحقيقية في هذا المكون هي للحركات الدينية المتطرفة. من هنا اتجهت عدة جهات غربية للعمل منذ فترة طويلة مع الأكراد، سرًا في البداية، ثم علنًا لاحقًا لمحاربة «داعش» ودولته الإسلامية المزعومة.

هذا الدعم أزعج الأتراك الذين اعتبروه خطرًا على أمنهم القومي، خصوصًا مع تحركات أكراد سوريا لإعلان فيدرالية في الشمال. وعبرت أنقرة عن انزعاجها علنًا من خلال التصريحات التي ربطت فيها بين حزب العمال الكردستاني التركي الذي تصنفه منظمة إرهابية وبين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، وسرًا من خلال دعمها لتنظيمات أخرى في المعارضة السورية والتنسيق معها لوقف تمدد الأكراد في المناطق التي يطرد منها مقاتلو «داعش» في الشمال. كذلك تبنت تركيا الدعوة لإقامة «منطقة آمنة» على الحدود السورية، هدفها المعلن إيواء اللاجئين السوريين وحمايتهم من غارات النظام، وغير المعلن وقف تمدد أكراد سوريا في الشمال وإنشاء منطقة عازلة بينهم وبين حدود تركيا، وحرمان حزب العمال الكردستاني التركي من أي عمق في الداخل السوري.

إردوغان يدرك أيضًا أن تحركاته في الموضوع السوري والكردي تتطلب تفاهمًا مع روسيا وإيران حليفي الأسد الأساسيين، لذلك قام بزيارته إلى بوتين، وتحدث لاحقًا عن تعزيز التعاون والتنسيق مع موسكو وطهران «لاستعادة السلام والاستقرار في المنطقة». كذلك استخدمت حكومته لهجة مختلفة إزاء دمشق، مشيرة إلى قبولها لفكرة ترحيل البت في مستقبل الأسد «إلى وقت لاحق»، بما يعني قبولها بدور له في المرحلة المقبلة بعدما كانت تصر في السابق على رحيله كشرط لنجاح أي تسوية للأزمة السورية.

موسكو وطهران لم تضيعا من جانبهما أي وقت في استثمار المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا لمغازلة إردوغان، إذ كان بوتين من أول المبادرين للاتصال بالرئيس التركي لتهنئته بإحباط الانقلاب، بينما أرسلت طهران وزير خارجيتها محمد جواد ظريف إلى أنقرة حيث أجرى محادثات وزار مقر البرلمان التركي الذي تعرض للقصف خلال المحاولة الانقلابية مهنئًا الشعب التركي «على تحديه للانقلابيين». في إطار هذا «التحالف» الجديد يمكن أن نقرأ أيضًا سماح إيران لروسيا باستخدام قاعدة همدان لشن غارات في سوريا، وإن قيل إن هذا الاستخدام كان أمرًا مؤقتًا.

استدارة إردوغان في سوريا لا تخلو من تعقيدات، لأن روسيا لديها علاقات جيدة مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وتردد أنها دعمته بالسلاح. أما إيران فإنها وإن كانت تنظر بعين الريبة إلى تحركات كرد سوريا لإعلان فيدرالية أو حكم ذاتي، إلا أنها تعتبر بقاء الأسد أهم، لذلك تتفهم استراتيجية نظامه إزاء الأكراد وحزب الاتحاد الديمقراطي ونظرته لهم كورقة مهمة في لعبة التوازنات الداخلية وفي معركة البقاء ومنع توحد كل مكونات المعارضة السورية. من هذا المنظور فإن حسابات إردوغان وكثير من الأطراف تبدو معلقة، على الأقل في الوقت الراهن، بما سيحدث في الشمال السوري.

اقرأ المزيد
٢٥ أغسطس ٢٠١٦
المعركة في حلب والصراع في إيران!

من المؤكد أن إيران كانت تفضل سياسة «التقية» ولم تسعد بإعلان روسيا أنها تستعمل قاعدة عسكرية داخلها، فهذا أشعر الإيرانيين بالإحراج؛ إذ لم يكن يجب أن يعرف العالم، فإذا بوزارتي الدفاع والخارجية الروسيتين تفاجئان إيران، لكن من أجل حماية حليفها الأسد لا وقت أمام إيران لاستعراض عضلاتها على روسيا، فطيران الأخيرة ضروري لحماية النظام في سوريا كما القوات الإيرانية وحلفائها، لذلك فإن الطائرات الروسية ستعود لاستعمال القاعدة الإيرانية إنما بعد إيجاد إخراج أفضل لا يحرج «الثورة المكتفية ذاتيًا»، وبعد تهدئة البرلمان والشارع.

بسبب بشار الأسد، فإن سوريا واقعة بين ناري دولتين؛ واحدة يشدها جنون استرجاع الماضي، وأخرى فاقدة المصداقية. روسيا تشعر أن الوقت مناسب لتحقيق طموحات سابقة، رغم أزمتها المالية والاقتصادية. بعد القاعدة العسكرية في إيران، قال مصدر في وزارة الدفاع الروسية إن حاملة الطائرات (الوحيدة) «الأدميرال كوزنتزوف» تخضع لإصلاحات حتى تكون جاهزة في نهاية سبتمبر (أيلول) المقبل لعمليات طويلة المدى على الساحل السوري. أيضًا دعت موسكو أنقرة لتوفير منفذ لها في قاعدة إنجيرليك، في محاولة لتوسيع نفوذ روسيا في الشرق الأوسط. القاعدة التابعة للحلف الأطلسي تحتوي على ما لا يقل عن 50 رأسًا نوويًا يحمل كل منها مائة ضعف القدرة التدميرية لقنبلة هيروشيما.

إيغور موروزوف، عضو لجنة الشؤون الدولية في مجلس الشيوخ، قال: «القاعدة الثانية ستكون إنجيرليك، وسيكون هذا انتصارًا آخر لـ(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين». (صحيفة «إيزفستيا» - 20 أغسطس/ آب الحالي). وقال سيناتور آخر، هو فيكتور أوزيروف (لوكالة «نوفوستي»): «قد لا تحتاج روسيا لإنجيرليك، لكن هذا القرار يكشف نيات تركيا في العمل مع روسيا لمكافحة الإرهاب».

وبالنسبة إلى إيران، ففي وقت تحاول فيه كل من روسيا وإيران تقليل الطموحات الإقليمية، إلا أن مراقبين سياسيين يرون في الأفق استراتيجية روسية أبعد. يقول مصدر روسي: «هناك إمكانية لتوسيع الغارات الجوية الروسية بحيث تشمل العراق». سوريا مهمة، لكن هناك ما هو أكثر من ذلك. روسيا تريد بسط نفوذها على كامل المنطقة، وأن تكون لها قواعد في كل مكان.. تريد دفع الأميركيين خارجًا لتصبح القوة المهيمنة في المنطقة.

يوم الاثنين الماضي أعلن ناطق باسم الخارجية الإيرانية وقف التحرك الروسي من الأراضي الإيرانية، وردًا على سؤال حول عدم إعلان إيران أولاً عن الوجود الروسي، ظهر وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان مرتبكًا، وقال: «الروس مهتمون بإظهار أنهم قوة عظمى، ويريدون ضمان حصة لهم في المستقبل السياسي لسوريا». دهقان نفسه كان قال في مؤتمر صحافي يوم السبت الماضي إن إيران مستعدة لأن توفر قاعدة جوية ثانية لروسيا. ودافع بشكل قاطع عن استخدام الروس قاعدة همدان على أنه يأتي وفقًا للمعايير الدولية في الحروب التقليدية. وأعلن دهقان في محاولة لتهدئة المعارضين الإيرانيين في البرلمان كما في الشارع، أن بلاده تسلمت كامل صفقة صواريخ «إس - 300». لكن وسائل إعلام إيرانية قريبة من «الحرس الثوري» أشارت إلى أن القوات المسلحة الإيرانية «اشترت» من روسيا رشاشات «إيه كيه - 103»، والمعروف أن الأسلحة الصغيرة لا يشملها بالمنع القرار الدولي «2231».

وتمادى دهقان في شرح الإقدام الإيراني، فقال إن بلاده «تقود التحالف الذي انضمت إليه روسيا، والآن من الممكن لتركيا العودة عن سياساتها الخاطئة والعدائية تجاه سوريا والانضمام إلى التحالف».

يقول مصدر روسي: «فوجئت بإعلان وزارة الدفاع الروسية أننا في إيران. اعتدنا على سرية المؤسسة العسكرية الروسية. أعتقد أن الإعلان كان سياسيًا لنثبت للعالم أن روسيا وإيران عسكريًا معًا».

القاعدة الإيرانية مهمة لروسيا، لأن مزيدًا من القصف يعني مزيدًا من الأراضي. وقال مسؤول إيراني إن الترتيب الروسي – الإيراني حدد سوريا، لكنه كان استراتيجيًا، وتحذيرًا للدول التي تدعم الإرهاب والتي تريد الإطاحة بالأسد.

تبعد القواعد الروسية 3 آلاف كيلومتر عن سوريا. في حين أن انطلاق الطائرات من همدان يقلص المسافة إلى 700 كيلومتر، وهذا يعني أن طائرات «توبوليف - 22» تستطيع زيادة حمولتها.. من روسيا تحمل ما بين 5 و8 أطنان من الذخيرة، بينما من إيران تصل الحمولة إلى 22 طنًا. ثم إن طائرات «سوخوي - 34» لا تستطيع أن تصل إلى سوريا من روسيا من دون التزود بالوقود في الجو.

لا يعطي محدثي الغربي أهمية لكل هذه التفاصيل، بل يقول إن التوقيت متصل بالوضع المهترئ للأسد وتقدم الثوار في منطقة حلب، مما تطلب استجابة فورية. وقد يكون التوقيت نابعًا من الخسائر التي تكبدها «الحرس الثوري» والقوات البرية الإيرانية ومقاتلو «حزب الله» في سوريا، ودفع هذا إلى شكوى الإيرانيين من أن التغطية الجوية الروسية غير كافية. لكنه يرى تحسنًا للعلاقات بين روسيا وإيران، خصوصًا في تعاونهما لإنقاذ نظام الأسد. ثم إن ميخائيل بوغدانوف، الممثل الخاص لبوتين في الشرق الأوسط وأفريقيا، التقى أخيرًا محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، وتباحثا حول تعزيز التعاون الإقليمي. كما أعلن عن أن بوتين سيزور طهران في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

يتوقع محدثي ألا تطول القطيعة الإيرانية لروسيا. ويقول إن روسيا الآن في خضم مناورة كبيرة في البحر الأبيض المتوسط وبحر قزوين، والإيرانيون يشاركون في جزء من مناورات قزوين.

إن العلاقة بين روسيا وإيران، حتى بعد ضجة همدان التي كشفت عن عمق الخلافات داخل القيادات الإيرانية، لا يمكن ترجمتها بتحالف أو معاهدة، فالدولتان مصالحهما متعارضة وأهدافهما مختلفة والشكوك متبادلة بينهما، حتى عندما يتعلق الأمر بسوريا، والتحسن في العلاقات بينهما لا يعكس أكثر من صفقات مالية.

التعاون الآن تستغله الدولتان لتوجيه رسالة إلى الولايات المتحدة والغرب والخليج العربي بأنهما الأقوى تأثيرًا في المنطقة، وأنهما تلعبان دورًا محوريًا في تشكيل النظام الجديد. أميركا وصفت الخطوة بالمؤسفة إنما غير المستغربة، ومخالفة للقرار الدولي.

خلافًا للتقارير، فهذه ليست المرة الأولى التي تستعمل فيها روسيا قاعدة همدان؛ إذ كشفت الأقمار الصناعية في ديسمبر (كانون الأول) 2015 عن قاذفات روسية في القاعدة ذاتها. وفي الشهرين الماضيين جرت اجتماعات رفيعة المستوى بين إيران ومسؤولين روس، حيث ناقش الجانبان «سوريا»، وزيادة التعاون الثنائي، وشارك علي شمخاني، مسؤول الأمن القومي الإيراني، في الاجتماعات التي جرت بين وزيري الدفاع الروسي والإيراني في طهران في شهر يونيو (حزيران) الماضي، وكان وزير الدفاع السوري شارك في جزء منها. وأتبع شمخاني ذلك برحلة إلى موسكو، حيث التقى كبار مسؤولي وزارة الدفاع. وكان شمخاني أكد للإعلام الإيراني خبر استعمال الطائرات الروسية للقاعدة الإيرانية، ووصف التعاون الروسي - الإيراني ضد الإرهاب بأنه «عمل استراتيجي»، وأشار إلى أن إيران ستضع كل منشآتها تحت تصرف روسيا «في حربها ضد الإرهاب»، وقال إن «التعاون الموسع سيستمر حتى القضاء الكامل على الإرهاب». بعد إعلان دهقان وقف استعمال روسيا القاعدة الإيرانية، عاد شمخاني ليؤكد أن التعاون مع روسيا استراتيجي وأبعد من الإرهاب.

في هذه الزحمة من التصريحات الإيرانية المتناقضة، اختفى صوت الجنرال قاسم سليماني.

إن التعاون الروسي - الإيراني مستمر، ويعني أيضًا أن الدولتين لن تخففا من دعمهما للأسد، وأنهما على استعداد لتعزيز تعاونهما العسكري بطرق جديدة إذا لزم الأمر. الحرب في سوريا في لحظة حرجة، قوات النظام والقوات والميليشيات الموالية له، وقوات المعارضة، تتصارع من أجل السيطرة على حلب. وقرار إيران السماح علنًا بقوات أجنبية فوق أرضها، دليل على رغبتها في تحقيق مكاسب استراتيجية، وألا تذهب التكلفة المالية العالية لتورطها في الحرب السورية سدى، حيث خسرت أيضًا أكثر من 400 من «الحرس الثوري» وعددًا من الجنرالات.

من جانبها، تريد روسيا ترجيح كفة المعركة لصالح حليفها الأسد. معركة حلب لن تحسم، إنما انفجر الصراع الداخلي في إيران بين علي شمخاني وقاسم سليماني، والذي أشعل النار بينهما هو الرئيس حسن روحاني الشمخاني الميول.

اقرأ المزيد
٢٥ أغسطس ٢٠١٦
أبطال داريا لا تبكوا قلوبنا معكم

لم أدري ما ينبغي فعله حين سمعت نحيبه يتخلل صوته المكسور ، كان علي أن أواسيه لكن كلماتي إختنقت وسط صمت الجميع دولياً، وتصفير الفصائل في على مساحة الأرض السورية، ولم يكن بوسعي إلا أن أقول له لاتبكي فالجميع خذلكم .

لم تصفعني كلمات أكثر من كلماته "وا أماه .. وا ذل داريا"، فماذا عساي أن أفعل لحظة علمت أن داريا ستفرغ من سكانها، وأن التغيير الديمغرافي بكل تبجح لغات العالم سيتم رغماً عن أولئك الأبطال، منذ الآن أيقونة الثورة التي ألهمتنا التفاؤل ستكون ثكلى، ستكون أرملة المحبين، كيف نستطيع ترميم جراح أبطال داريا الذين لطالما ترميمهم لجروحنا؟

 هل كان عليهم أن يستشهدوا جميعهم .. الرجل تلو الآخر كي يتحرك العالم و يوقف الدم المسال على رؤوسهم و أفواههم وأطفالهم، وتتحرك نخوة المتقاعسين عنهم؟

أكمل تمام داريا حديثه "سنبدأ بإخلاء داريا غداً"، وارتطمت بعدها أحلامه بغيبوبة القهر، إرتطمت دموعه بثقل ظله، ارتطمت أوجاعه برقعة داريا التي حولها النظام الى سجن مفتوح قبل أن يخليه، ارتطمت كل آماله بكل شيء إلا بضمائر العالم، إلا بضمائر من يسمون أنفسهم "قادة" في جنوب دمشق، والغوطة الشرقية .

لم نعد نعلم في سوريتي، الوجع من لم الشتات، ولم نعد نميز بين الرياح والصفعات، العالم فسيحول كل مدينة صامدة الى حانوت يمارس النظام السوري عربدته فيها، سيحول داريا من قُبلة الى قِبلة مع حلفائه الإيران، وينحت إجرامه على حجارها الطاهرة، ولكني متيقنة أن لعنة السماء ستحل عليه ذات يوم، بعد أن ترتوي أرض داريا بدموع الأموات قبل الأحياء على مصابها 

 لاتحزن يا تمام، لم تجدوا من يناصركم فنصرتم أنفسكم بأنفسكم، وحان وقت الرحيل، ابتسم للكاميرا واكبح غيظك ولملم تلك السوائل التي تتحرر من عينيك، ربما أن تكون قد تحملت أربعة سنوات من الجوع والقذائف والبراميل، خيرٌ من أن تمثل دور الضحية منذ الشهر الأول وتسلمهم مدينتك 

لا تخجل يا أخي الأصغر، فأنا من علي أن أخجل من الجلوس هنا أكفكف دموع سوريا عن بعد، لا تنكس رأسك وأنت خارج من ديارك، فقد أعطيتنا درساً في الوطنية ودرساً في الحب، ودرساً في الكرامة أنت وكل بطل من أبطال داريا، ومن مات منكم سيدخل الجنة وهو يتباهى بأنه ابن داريا الصمود.

صدقني يا تمام أن دموعكم على جرح داريا أربك كل من يعرف معنى سوريا، وكشفت عورة البغاة في ثورة يتيمة، تشجع يا أخي فأنت مرفوع الرأس منصوب القامة، وها هو النظام السوري من جديد يكشف عن معلم مشروع إيران في أجندة وسخة لن تكتمل، وسنعود أنا وأنت وكل من يعشق أيقونة الثورة لنرتشف قهوة النصر في داريا الشرف  

اقرأ المزيد
٢٥ أغسطس ٢٠١٦
داريا … و كفى

 

“نحن من بكرا ماشيين .. سامحونا” بتلك الكلمات و الصوت المبحوح لخص أعز أصدقائي في داريا المشهد ، ليمر شريط طويل أمام ناظري، وتضيع المشاهد فيه من غزارة الدموع، و غصة لم أعتد عليها طوال سني الثورة ، بكل ما حملته معها من آلام، فهنا الأمر يتعلق بـ”مسند حلمنا” الذي ضيّعناه نحن لا أحد غيرنا.

اليوم نقف على أعتاب المدينة المدمرة ، الشاهد الأبرز على حقد الأسد و ايران و روسيا ، الحاضر الأبرز على طاولات الخذلان و مؤتمرات المؤامرات، و الأهم الدليل الأدمغ على معنى الخذلان الثوري لمصدر عز و فخار الثورة، وباتت اليوم وصمة عار على جبين الجميع لا استثناء ، مهما كان اسمه أو صفته أو أي كان بالإجمال .

اليوم سيقف جيش الإسلام و فيلق الرحمن في الشط المقابل لداريا، ليتابعوا ما فعلت أيدهم ، و أي “بغي” ارتكبوا ، و أي تاريخ سيذكر من محاسنهم قيد أنملة ، و الأكثر ألماً أي مستقبل سينتظرهم ، فداريا اليوم لم تسقط أبداً، قاتلت حتى الرمق الأخير ، و حتى في هذا الرمق قاتلة فيه ما بعد انتهاءه، أما هم فلا زال الخلاف من أرسل المؤازرة ، و من سبق بإطلاق معارك باسم “داريا”.

في الجنوب ستقف الفيالق و الجيوش و الجبهات و الفصائل و الأولوية و الكتائب، منكبة على نفسها تدّور الأسماء بين قاداتها ، و تستعجل في بيانات الشجب ، والتوعد و التهديد ، و التصبير ، و لكن لمن ؟؟ فالوقت حان لتحضر نفسها للدخول في قائمة اللامنتمين.

في الشمال على الفصائل الرنانة العاتية الجيوش و المليئة بما تصفهم بـ”الأسود” ، عليها الوقوف مع ذاتها و تفكر مليلاً ، أي نصر سيغطي خذلان داريا ، وهم من يملكون وسائل ضغط تساعد و تخفف ، و لكن الوقت بالنسبة لهم ليس لداريا ، بل لمن يعجل بنشر الخبر و تبني الفعل .

لا ألوم الأسد و حلفاءه ، فهم عدو و عدو “قذر” ، و لكن اللوم نلقيه على أنفسنا و ذواتنا ، فنحن فقدنا الكثير ، و لكن بداريا لم نعد نملك ما نفقده ، و كما قال لي أحد الأصدقاء بعد سماع تسجيل أعز أصدقائي في داريا “ أتمنى أن أرى وجه قائد أي فصيل في سوريا لأعرف من أي جبلة جبلوا .. و كيف سيمضون ما تبقى لهم في هذه الحياة”.

اقرأ المزيد
٢٥ أغسطس ٢٠١٦
ربيع “الانفصاليين الأكراد” يصطدم بـ"درع الفرات" ويكشف زيف الحلم

تتسارع وتيرة الأحداث العسكرية في الريف الشرقي لحلب، لاسيما بعد تقدم قوات "قسد" في منطقة منبج وتمكنها من السيطرة على المدينة، بدعم جوي كبير من التحالف الدولي الغربي، لتبدأ قواتها بعمليات الزحف غربي نهر الفرات في سعيها للسيطرة على مدينتي جرابلس والباب، الأمر الذي لاقي معارضة تركية كبيرة، خصوصاً أنها تدرك نية "قسد" في تحقيق مشروعها الانفصالي على الحدود التركية.


وقد عملت تركيا بعد سيطرة "قسد" على مدينة منبج على التحرك على عدة أصعدة دولية، لكسب تأييد دولي لعملية عسكرية تهدف لتأمين حدودها يكون الجيش السوري الحر المكون المعتدل بنظر الجميع، رأس الحربة لمحاربة تنظيم الدولة وتوسع "قسد" في المنطقة الشرقية لحلب، على أن يحظى بدعم تركي كبير على الأرض.


وبدأت فصائل عدة من الجيش السوري الحر وبدعم تركي الأمس، عملية عسكرية واسعة النطاق تستهدف السيطرة على مدينة جرابلس بريف حلب الشرقي، على الحدود السورية التركية، والخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة، وذلك بعد تحضيرات استمرت لأسابيع عديدة، تمكنت خلال ساعات قليلة وبعد تمهيد مدفعي وجوي لأيام من السيطرة على المدينة بشكل كامل، والتوسع جنوباً حتى للسيطرة على قريتي الجامل والعمارنة، حيث بات الثوار وجهاً لوجه مع قوات "قسد" في المنطقة، والتي فوجئت بالتقدم السريع للثوار في المنطقة.


وحسب محللين فإن الأيام القادمة ستشهد تحولات عسكرية كبيرة في الخارطة العسكرية على الأرض، لاسيما مع ارسال تعزيزات تركية إضافة إلى جرابلس، وبدء قوات "قسد" بالتراجع إلى شرقي نهر الفرات حسب ما أعلن الناطق باسم التحالف الدولي، تزامناً مع تصريحات عديدة لقادة الجيش الحر في جرابلس عن نيتهم التقدم باتجاه الباب والتوسع غرباً حتى إعزاز بريف حلب الشمالي.


وينظر البعض إلى أن ربيع "قسد" في المنطقة قد انتهى وأن عملية "درع الفرات" جاءت لكبح جماح هذه القوات التي كادت أن تحقق مشروعها الانفصالي لو تأخرت هذه العلمية، وبالتالي قد تشهد تراجعات كبيرة عن مناطق عدة لاسيما العربية منها في تل أبيض ومنبج وريف الرقة، لتعود لحجمها الطبيعي في مناطق وجودها الأساسية في الحسكة وعين العرب وعفرين، مع التنبؤ باقتراب حدوث انشقاقات كبيرة في صفوف "قسد" لاسيما من المكونات العربية والتركمانية التي أجبرت على الانضمام لهذه القوات في وقت سابق، دون اي يكون لديها أي خيار ثاني.


ووسط تسارع الأحداث وتغير المواقف الدولية، بات من الضروري اليوم أن يعلم الأكراد الانفصاليين منهمـ أنهم وطوال عقود عديدة في التاريخ، كانوا أداة لتنفيذ مشاريع الغير، وبالنهاية تنقلب أطماعهم التوسعية والانفصالية عليهم، ليكونوا هم الخاسر الوحيد، لذلك لابد من مراجعة حساباتهم والعودة لرشدهم، والنظر في موقفهم من الثورة والنظام، وإعلانه بشكل واضح، حتى ينعم المكون الكردي الذي لاقى الويلات بشيىء من الحرية كغيريه من مكونات الشعب السوري الثائر ضد الظلم والاستبداد.

اقرأ المزيد
٢٤ أغسطس ٢٠١٦
عبثية حرب تتفسخ على ضفاف ما تبقى من سوريا

في هلوسة الانتظار أرصد بعض خردوات القذائف على إحدى التلال المنهكة، أنقل نظري بين جعبة ممزقة ورصاصة صدئة، أحدث بعض الحشرات التي تتكئ على بقايا صاروخ منفجر منذ عام أو أكثر، وأتأمل عبثية الأشياء التي خلفتها الحرب في وطني.

تحكي أشجار الصنوبر والكرز والرمان حكايات، وما بين تقارب أشجار الزيتون تخلق قصص، منها ما يحكي رواية عن شهيد أو معتقل أو لاجئ في مكان بعيد أو حتى نازح في مكان قريب، أراها مشدوهة من هول ما رأت، يكاد الصلع يصيبها بعد جرعات الكيماوي وهمجية التتر الذين مروا عليها، قالت لي أنها اعتقلت في مكانها بسياج الرصاص واستنشقت سموماً لا تعرف ما اسمها، واختلط مع عبقها رائحة البارود وتفسخ الجثث، لم يكن حينها بإمكاني أن أخبرها شيء سوى أني أبكي معها.

هكذا تحولت الثورة الى حرب خاضت ستة أعوام من طفولتها، ارتوت من ثدي الغدر والمؤامرات واللاإنسانية الدولية، الثورة التي وصمت ب"اليتيمة" نالت ما يكفي من الطعنات، كشرنقة تحاول الخروج من جلدها وتتحول الى فراشة، تلك الثورة تحاول الفرار من سم كوبرا الدول التي تلاهثت عليها لكنها لم تفلح حتى الآن.

أتساءل ماذا بإمكان صمود الشجر أن يقدم أو يؤخر في حرب ضروس؟ وماذا بإمكان هيجان بحر أن يفعل لوقف معارك شعثاء حتى البروج؟ وهل لبراميل نفط أن تمانع أن تكون سبيلا لإشعال فتيل التطرف وعبودية الأموال وتمجيد أشخاص كالعجول؟ هل دموعنا طريق لإطلاق سراح المعتقلين من السجون؟ وهل لضحكاتنا المبتذلة تأثير لدغدغة مشاعر العالم معنا ضد إجرام العبيد بالأحرار وجعلهم يسارعون لتنفيذ الوعود؟

كل عبثية الحرب تقطن في كفة وجوع الأطفال في كفة، فعند هذا العجز تشعر باستسلام كواكب الدنيا لحرقة الشمس، هذا الحرمان وهذه القسوة التي ولدت الأحقاد بين أبناء سوريا، فحين يفكر طرفان أن كلاهما إنسان و أن أحدهما يعيش على عاتق حرمان الآخر من رغيف الخبز تزيد نقمة الأحقاد تلك، هذا ما سعى له ذاك النظام السوري بأفكاره الشعثاء وأهدافه الملقحة بالضغينة، وهذا ما ولدته الحرب، إنها سموم تنفخ في عقول كل سوري، لا بل تنفث حتى في طعام الشعب.

ينتابني إحساس بين تلك الخردوات تساؤل آخر، وربما كان هذا التساؤل هو الأكثر فطرية في عهد الفجور الإنساني الذي مارس بغاؤه على جثث الأرامل واليتامى والأطفا، كيف اخترقت رمال الكره أدمغتنا يا ترى؟

يجيبني صدى غامض من بعيد : "لقد تصحرت نفوس أولئك الذئاب فلم يعد يهزهم دمع أو توسل امرأة عزول، لقد باتوا يلهثون كالكلاب العطشى لإذلال إنسانية الأحرار، وبات أسيادهم ينعقون لجمع اليورو و الدولار في حساباتهم بسويسرا وأوروبا، لتزيد خزائنهم و تفيض مواردهم من فيض دم تخثر على أوراق الشجر و في وسط السماء وعند الغروب و عند السحر، وأصبحت أرصدتهم بحجم استكلابهم و نهشهم أجساد شهداء عراة لم ينحنوا ذات يوم.

تمنيت حينها لو ني انتميت لمجزرة أو قدمت روحي قرباناً لنحيب أمٍ أو قهر ثائر، تمنيت لو كنت معولاً أحفر خنادق الثوار أو كنت أغلالاً تكبل الحقد الممنهج في نفوس الغاصبين، أو أنشودة تحفر النصر في جدران الكبرياء لتصرخ باسم سوريا الوطن.

اقرأ المزيد
٢٤ أغسطس ٢٠١٦
"تحرير جرابلس" نقطة عودة سوريا الموحدة

لطالما نادى الشعب السوري منذ انطلاقة الثورة السورية بوحدة الأراضي والشعب السوري، لتغدو هذه الكلمات شعاراً يرددوه في كل جمع وكل مظاهرة وكل مقام ومقال ثوري، حتى جاء ما يبدد هذا الشعار ويحاربه بمشروع قديم جديد مدعوم من الغرب بكل أنوع الدعم السياسي والعسكري باسم وشعارات براقة لمحاربة الإرهاب.

هذا المشروع الانفصالي قديم حديث بدأ كحلم لتنظيمات عدة تنتمي لمكون معلوم في الداخل السوري، ومع بدء الثورة السورية بدأ الحلم يأخذ شكل الحقيقة ليتحول إلى واقع بعد أن عملت قوات "واي بي جي" و الـ "بي كي كي" الكردية على السيطرة على المناطق العربية في محافظة الحسكة وتهجير أهلها، تمهيداً لمشروعهم الكبير من الحسكة شرقاً حتى عفرين غرباً، مستغلة بذلك تغاضي قوات الأسد عن أفعالها في الحسكة، مقابل ضبط المحافظة وضمان عدم خروجها في وجه الأسد.

ومع دخول تنظيم الدولة من العراق إلى سوريا والذي كان الحجة الأكبر لتكوين هذا الكيان وتدخل الدول الغربية لمساندة الأكراد في ذلك رغم المعارضات التركية الدولة الجارة، إلا أن محاربة الإرهاب باتت الحجة الأكبر للدول الغربية لدعم المشروع الانفصالي في سوريا وتثبيت أركانه بالسيطرة على منطقة عين العرب، ثم التوسع شرقاً إلى تل أبيض وعين عيسى، لتبدأ مرحلة جديدة من الحراك السياسي باسم مكون جديد وهو "مجلس سوريا الديقراطية".

ولإعطائه الصبغة الشرعية وأنه يمثل مطلب السوريين ككل عملت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" على إدخال بعض المكونات العربية والتركمانية في الرقة كجبهة ثوار الرقة ضمن صفوفها وفي عفرين جيش الثوار، لتكون هذه المكونات هي رأس حربة إعلامية لا أكثر، تعطي لقسد دفعاً إعلامياً وحضوراً سياسياً كبيراً على أنها تمثل مكونات الشعب السوري، من عرب وكرد وتركمان، وتسعى لتخليص أرضهم من الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة.

ومع تسارع الأحداث في الشمال السوري واستغلال "قسد" لتقدم قوات الأسد في حلب وسيطرتها على بلدات ومدن ريف حلب الشمالي، ومن ثم السيطرة على منطقة حوض الفرات والتقدم غرباً في منبج ومناطق أخرى، بدأت ملامح المشروع الانفصالي تظهر للعلن على ألسنة قادة قسد ومكوناتها الكردية، وباتت أحلامهم تتحول لحقيقة فلم يبق أمامهم إلا منطقة جرابلس والباب وإعزاز فتغدو المنطقة الحدودية كاملة من عفرين غرباً حتى الحسكة شرقاً تحت سيطرتهم، وقد هجرها غالبية أهلها من المكونات العربية.

ولأن تركيا الدولة الجارة تعارض بشدة قيادة دولة انفصالية في الشمال السوري، ولأنها اصطدمت مرات عدة بالقرار الأمريكي الداعم لقسد، عملت في الآونة الأخيرة على بناء تحالفات سياسية وعسكرية جديدة ظهر فيها التقارب الروسي الإيراني التركي، ليكلل هذا الاتفاق خلال أسابيع قليلة ببدء عملية عسكرية واسعة النطاق في منطقة جرابلس، تستهدف السيطرة على المدينة، والتوسع في ريفها، وبذلك قطع الطريق على المشروع الانفصالي، وربما إعادة ترتيب الأرواق العسكرية على طول الحدود بما يجبر قسد للتراجع عن المناطق التي سيطرت عليها مؤخراً في شمالي حلب وريفها الشرقي وريف الرقة.

وجاء الإعلان عن عملية "درع الفرات" كصاعقة وضربة كبيرة لقسد في سوريا، وحلفائها في الغرب، إلا أن إصرار تركيا على دعم الجيش الحر ومساندته برياً بقوات ومدفعية على غرار المساندة الأميركية، قد أثمرت اليوم بالسيطرة على مدينة جرابلس، وربما تغدو هذه المدينة نقطة انطلاق لتحرير المنطقة، وبناء المنطقة الأمنة على طول الحدود السورية التركية، وبالتالي ضرب المشروع الانفصالي، وإعادة سوريا لما يريد شعبها حرة مستقلة موحدة.

اقرأ المزيد
٢٤ أغسطس ٢٠١٦
قررت التدخل بنفسها.. انتقال التغيير في السياسة التركية إلى الأرض وقلبت الموازين

قررت تركيا اليوم التدخل المباشر ، العلني ، لأول مرة في الميدان السوري عسكريا، بزج قواتها الخاصة في تطور ملحوظ في الملف السوري عموماً و لاسيما الحدود، و الذي يعتبر رسالة واضحة أن “لا مغامرة جديدة “في هذا المكان ، و العمل سيكون بيدها بشكل تام .

في الأيام الماضية، من خلال متابعة التحضيرات لمعركة “جرابلس”، كانت الأحاديث العلنية و المتداولة أن الفاعل على الأرض سيكون بعض الفصائل التابعة للجيش الحر ، بدعم كبير و شامل و كامل من قبل تركيا ، و في الخفاء كان الحديث عن تدخل قوات تركية بشكل غير علني ، و لكن اليوم و منذ الفجر بدأ الاعلام التركي الرسمي الاعلان عن أن القوات التي ستدخل تركية ، في اطار الحق في “الدفاع عن النفس” و الأهم تنفيذ التهديد الفعلي لأحد أهم خطوطها الحمراء ألا وهي “الدولة الكردية”، بعد أن مرت سنوات على الاقتصار على التهديد و الوعيد على المنابر و أمام الكميرات.

توقيت الهجوم لم يكن مفاجئاً ، فقد أخذ “حقه” في التمهيد السياسي الناعم ، و الذي حمل في طياته “الحسم” بأن لا دولة كردية بشكل نهائي، بعد أن كان الاقتصار على منطقة بعينها ضمن مربع معين يمنع أن يكون الحلم الكردي في شمال سوريا موصولاً .

و لعل التغيير في ديمغرافية السياسية التركية اتجاه سوريا ، قد يمهد لمزيد من التغيرات على الأرض ، و يقلب الموازين من جديد ، و لكن بشكل غير مفهوم أو متوقع ، فهنا لن يكون لـ”المبادئ” دور في توجيه السياسية التركية ، و إنما “المصالح” هي المغلبة بشكل حتمي ، فمن يستطيع أن يقدم خدماته لتركيا سيكون على موعد مع مقابل مجزٍ، و أما من يتخاذل أو يظهر ضعفه فسيكون حتماً في قائمة المحاربين، و هذا ما يجعل من معركة “جرابلس” و في الطرف الآخر “الحسكة” ، هي المفاضلة بين الثوار و النظام ، من يفز بود تركيا و يحصل على “الهدية”.

الحقيقة التدخل التركي ، بهذه الطريقة لا يمكن اعتباره تدخل من طرف واحد “تركيا” ، بمنعزل على بقية الأطراف الدولية الفاعلة بالملف السوري، فأحاديث تركيا الرسمية تقول أن الدعم الجوي يتم من قبل التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، و في نفس الوقت هناك “تطنيش” روسي ينم على علم ، و صمت إيراني يشير إلى التأييد الكامل ، و بطبيعة الحال الأسد لا يملك شيء إلا محاولة تقديم خدمة “المصالحة” مع تركيا من خلال اقلاق الفصائل الكردية الانفصالية في الحسكة و القامشلي ، علّه يستطيع الحصول على شيء من “العسل” التركي ، الذي لوحت به الأخيرة بعد أن تصريحات رئيس الوزراء بن علي يلدريم ، التي تجاهل بها ذكر الأسد كعدو و إنما اعتبره مفاوض و طرف في الحل .

اليوم بدأت “درع الفرات” ، التي تشي بأن الهدف لن يكون “جرابلس” بعينها ، بل الامتداد سيكون على طول الخط “الفرات” ، وهذا ما أكده العقيد أحمد عثمان قائد فرقة السلطان مراد ، أن جرابلس هي بوابة لتحرير ريف حلب الشمالي، قهذا يدل أن الأمور قد حسمت ، و أن دور “الانفصاليين” بات من الماضي ، و أقسى ما يمكن الحصول عليه هو مناطق كانوا متواجدين بها قبل الثورة .

اقرأ المزيد
٢٣ أغسطس ٢٠١٦
ماذا تبقى من القرار الوطني السوري المستقل؟

خرجت القضية السورية من أيدي السوريين (نظاماً ومعارضة)، على الرغم من الآلتين، الإعلامية والدبلوماسية اللتين تحاولان إظهار مشهد المفاوضين من الجانبين على طاولة المؤتمرات الدولية، وضمنها في جنيف، والتي لن يكون آخرها مؤتمر لندن في الشهر المقبل.

لم يعد السوري المعارض اليوم يسأل عن مشروع معارضته تجاه ما يحدث له من حرب إبادة تطاول الإنسان والحجر، أو عمّا تعده هذه المعارضة للتخفيف من معاناته، أو لتمكينه من استعادة عالمه، وتحقيق آماله في سورية الجديدة. كما لم يعد السوري الموالي يسأل عن موقف نظامه من كل الاختراقات الدولية لما كانت تسمى "السيادة السورية"، وتلاعب هذه الدولة، أو تلك، بمصير السوريين، ووصايتها على النظام.

هكذا نحن، في الحالتين، نتابع التصريحات المتتالية لدولٍ تساند النظام من جهة، ودول تدعي مساندة المعارضة من جهة أخرى، ولعل من المفيد التذكير بأن التفاهمات والتقاربات الأخيرة بين الدول، على اختلاف موقفها أو موقعها من الثورة، وضع السوريين في حالةٍ يمكن تسميتها سقوط مفهوم الدول الصديقة، أو المساندة، لصالح ظهور مفهوم جديد، يمكن تسميته دول "الوكلاء"، أي وكلاء الحل السوري.

تستطيع روسيا التي تقدم نفسها وكيلاً عن النظام السوري عقد التفاهمات والاتفاقات والهدن، داخلياً وخارجياً، من دون العودة إليه، أو حتى إعلامه، من باب سد الذرائع وتحصيل الشرعية في جزئها السوري الموالي. وهذا يشمل أيضاً إيران التي تدرك، اليوم وبوضوح، أنها لم تعد وكيلاً عن النظام، إلا ضمن ما تسمح به روسيا لها، على الرغم من تنازع النظام في ولائه بينهما، وإحساسه العميق أنه أمام خيارين، أحلاهما بيعه على أول طاولة تفاوض، تحقق لروسيا مصالحها الأوروبية، وحضورها الدائم في الشرق الأوسط، ومصالحةً، ولو شكلية، على المستوى الدولي العام. أما ثانيهما فيتجلى في خيار الوكيل الآخر، أي إيران التي أضحت عاجزة عن الدفاع عن وجودها، كما عن مكانتها في سورية، إلا من خلال الرضا الروسي.
"أوغلت المعارضة السورية في التفريط بالقرار الوطني المستقل، في تعاملها بطريقةٍ دونيةٍ مع دولٍ لا تهتم إلا بمصالحها وأجندتها بداية ونهاية"

وفي الواقع، إيران هذه التي لطالما تصرفت كأنها وكيلة حصرية عن النظام، وصاحبة النفوذ في سورية، والتي دفعت الأمور إلى أقصى الحل الأمني، وأقصى الرفض لمطالب المعارضة، ومعاداة طموحات الشعب السوري، بإصرارها على بقاء الأسد، وجدت نفسها مضطرةً للتقليل من طموحاتها، والرضى، ولو على مضض، بالوصاية الروسية، بل واعتبار روسيا صاحبة النفوذ الأكبر في سورية، إلى حد أنها باتت تخشى منازعتها على مكانتها حليفاً ثانياً لروسيا، بعد دخول تركيا على خط التحالف مع روسيا؛ وهو تحالفٌ يمكن أن يتطور ويفتح على سيناريوهات عديدة، لا علاقة لها، أو ربما تأتي بالضد من مصالح إيران في المنطقة.

في المقابل، الأوضاع على جبهة المعارضة أكثر وطأة وخطورة وتعقيداً، فأولاً، هذه المعارضة من الأصل كانت تعاني من قلة الدعم والإسناد السياسي والعسكري والمالي مما يسمى معسكر أصدقاء سورية، بالقياس للدعم اللامحدود الذي كان يتلقاه النظام من حليفيه، الإيراني والروسي. ثانياً، واضحٌ أن دول "أصدقاء سورية"، لا سيما الولايات المتحدة، تراجعت في مواقفها المعلنة عن حقوق الشعب السوري والانتهاء من نظام الأسد، إلى أقل حتى من قرارات جنيف 2012 وأقل من بياني فيينا 1و2. ثالثاً، المشكلة أن هذا بات يشمل حتى أكثر الدول قرباً للمعارضة السورية، وهي تركيا من جانبين، أولاهما تنسيقها مع روسيا حليفة النظام، والتي تقصف الشعب السوري بالطائرات، وثانيهما بإعلانها التراجع عن هدف ترحيل النظام في المرحلة الانتقالية. رابعاً، ما ينبغي ملاحظته أن هذا كله يجري في غياب تام للمعارضة السورية، رأياً أو حضوراً، وحتى أن هذه المعارضة تبدو غير قادرة على إبداء رأيها، أو مناقشة رأي من يدّعي صداقتها من مبدأ التوكيل التام أيضاً لهذه الدولة أو تلك.

كان الأجدر بالمعارضة أن تدرك أنها تمثل الشعب السوري ومشروعه الوطني، وأنها تستمد شرعيتها ليس من الأنظمة الداعمة "الصديقة"، والأصح الوكيلة، وإنما من شعبها. أيضاً كان يجدر بالمعارضة أن تصارح شعبها بحقيقة الأوضاع، وبشأن كل ما يجري من تحولات وتعقيدات، من دون مواربة، وبمسؤولية، وأن تضع شعبها بصورةٍ واضحةٍ حول مواقف كل الدول، وأين تقف اليوم من مبادئ الثورة، وحدود مصالحها الاقتصادية أو السياسية أو الأمنية، لأن ما يدور في أروقة مكاتب المعارضة، في لقاءاتها واتصالاتها، هو ملك للشعب السوري، وليس لأي أحد بذاته.

إضافة إلى كل ما تقدم، من المفترض بالمعارضة أن تدرك أن الشعب هو الذي يدفع الأثمان الباهظة لكل ما يجري، ومن ذلك تسليم النظام السوري بلده لمن ادّعوا مساندته، في محاولته الحفاظ على سلطةٍ، ولو منزوعة السيادة. ويأتي ضمن ذلك أيضاً عجز المعارضة، وضعف إدراكاتها مكانتها ودورها ممثلاً للسوريين وبديلاً للنظام، ناهيك ضعف إدراكها مكانتها ورقة قوة، وليس مجرد أداة لهذه الدول على طاولة التفاوض الدولية.

قصارى القول، أوغلت المعارضة السورية في التفريط بالقرار الوطني المستقل، في تعاملها بطريقةٍ دونيةٍ مع دولٍ لا تهتم إلا بمصالحها وأجندتها بداية ونهاية، فهل يمكن للمعارضة أن تتدارك مخاطر هذا الوضع الذي وصلت إليه، حفاظاً على مكانتها، ودفاعاً عن حقوق شعبها؟

اقرأ المزيد
٢٢ أغسطس ٢٠١٦
بشرى أميركية: الحروب السورية مستمرة

لم يكن فشل مفاوضات جنيف السورية مفاجئاً، ولا علاقة لتأجيلها، مرة بعد مرة، بخرق وقف إطلاق النار في حلب أو الغوطة، أو عدم التزام الأطراف المتقاتلة الهدنة المعلنة. السبب الأساسي أن روسيا والولايات المتحدة لم تتفقا بعد على تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط، وإفساحهما المجال للدول الإقليمية للغوص أكثر في هذا المستنقع. ولكل منهما هدفه. موسكو تسعى إلى تكريس وجودها في المنطقة، طامحة إلى إحياء مشروع استراتيجي إمبراطوري قديم جداً يقضي بإنشاء تحالف أو تكتل عسكري- سياسي، يمتد إلى طهران وبغداد ودمشق، وكان هذا المشروع يواجه الكثير من العقبات، ففي ستينات وسبعينات القرن الماضي كانت تركيا وإيران الشاه وإسرائيل تقف حائلاً دون تحقيقه، وبعد الثورة لم تكن إيران الضعيفة مستعدة للتعاون في تنفيذه، فضلاً عن تفكك الاتحاد السوفياتي مطلع التسعينات، واستقلال الدول الآسيوية التي كانت تدور في فلكه وتحولها في اتجاه الغرب، وسماح بعضها للولايات المتحدة بإقامة قواعد عسكرية. اليوم يجد بوتين الفرصة سانحة لإعادة إحياء هذا الحلم من خلال علاقاته القوية مع إيران والحرب الأهلية في سورية وتمسكه بالأسد، وتحييد تركيا الخائفة من إقامة دولة كردية قرب حدودها.

أما واشنطن فكانت تواجه هذا المشروع بتمتين تحالفاتها في آسيا الوسطى والقوقاز، وفي الشرق الأوسط، وإقامة قواعد عسكرية فيها، كما حاصرت إيران بعد الثورة واعتبرت سورية جزءاً من محور الشر، وضربت العراق وأسقطت نظامه، بعدما أنهكته حرب الخليج الأولى، وأزالت معالم دولته لتنشئ نظاماً موالياً، معتمداً في بقائه على الدعم السياسي والعسكري الذي تقدمه إليه كي لا يقع في أحضان طهران، من دون أن يعاديها، وكي لا ينفتح على دمشق وحلمها القديم (منذ أيام الأسد الأب) في التواصل مع موسكو عبر هذا الخط الإستراتيجي.

انطلاقاً من هذا التفكير تتواجه الولايات المتحدة وروسيا في سورية، وعلى خلفيته تجري المحادثات بين كيري ولافروف اللذين لم يجدا بعد مساحة للتوافق. يقول روبرت مالي، وهو منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج في البيت الأبيض ومساعد الرئيس أوباما، إن «الروس لا يعارضون الانتقال السياسي (في سورية)، ويريدون تجنب نشوء وضع يؤدي إلى تدمير مؤسسات الدولة وتفككها وانتصار الجهاديين. كما أنهم يدعون إلى وقف النار، لكنهم ضد أن تستغل النصرة هذه الهدنة. ونحن نشاطرهم موقفهم في هاتين النقطتين». (فورين بوليسي). ويضيف: «نقول بصراحة، سواء كان هناك اختلاف بين ما تقوله موسكو وما يجول في ذهنها، أو إن كانت عاجزة عن إجبار النظام السوري على القيام بما يجب (وقف قصف المعارضة المعتدلة)، فنحن لا نخسر شيئاً. وسنواصل تقديم الدعم للمعارضة السورية، ولن نسمح للنظام بأن ينتصر». وتابع إن «واشنطن تسعى إلى التعاون مع روسيا لتحقيق أهداف مشتركة، لكن في حال فشل هذا التعاون فنحن مستعدون لاتخاذ خطوات تؤدي إلى إطالة أمد النزاع».

لم يوضح مالي الأهداف المشتركة، ولا كيفية التوصل إلى تحديدها، فالنقطتان اللتان تحدث عنهما (الانتقال السياسي وتجنب انهيار الدولة) غير كافيتين لإنهاء الحرب التي بدأت تمتد إلى دول الجوار، خصوصاً تركيا. ومن غير الواضح أيضاً كيف يمكن الدولتين التفاهم على حلول للأزمات المعقدة، بدءاً من أوكرانيا وجورجيا وليس انتهاء بسورية.

كل المؤشرات تؤكد إطالة أمد الحروب الطائفية والمذهبية في المشرق العربي والعراق، فلا موسكو مستعدة للتخلي عن حلمها في تكريس الخط الإستراتيجي إلى دمشق مروراً بطهران وبغداد، ولا واشنطن مستعدة لمغادرة المنطقة. بل هي عادت إليها بقوة، بعد انكفاء لم يدم طويلاً، كما أن الحرب بين «اليانكي» والجيش الأحمر ليست واردة.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٦ يونيو ٢٠٢٥
النائب العام بين المساءلة السياسية والاستقلال المهني
فضل عبد الغني مدير ومؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٥ يونيو ٢٠٢٥
قراءة في التدخل الإسرائيلي في سوريا ما بعد الأسد ومسؤولية الحكومة الانتقالية
فضل عبد الغني مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٢١ مايو ٢٠٢٥
بعد سقوط الطاغية: قوى تتربص لتفكيك سوريا بمطالب متضاربة ودموع الأمهات لم تجف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٠ مايو ٢٠٢٥
هكذا سيُحاسب المجرمون السابقون في سوريا و3 تغييرات فورية يجب أن تقوم بها الإدارة السورية
فضل عبد الغني" مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ مايو ٢٠٢٥
شعب لا يعبد الأشخاص.. بل يراقب الأفعال
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٥ مايو ٢٠٢٥
لا عودة إلى الوطن.. كيف أعاقت مصادرة نظام الأسد للممتلكات في درعا عودة اللاجئين
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٤ مايو ٢٠٢٥
لاعزاء لأيتام الأسد ... العقوبات تسقط عقب سقوط "الأسد" وسوريا أمام حقبة تاريخية جديدة
أحمد نور (الرسلان)