مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٨ أبريل ٢٠١٥
" موسكو2".. مضحك حتى شفا الموت

بدأت الجولات الفعلية على حلبة موسكو2  و لنقل الحوار المسمى "نظام الأسد مع نفسه" عفواً "السوري- السوري" كما يحب الروس تسميته و تتغنى فعاليات الأسد به ، و يرى هؤلاء أنه المنقذ من أتون الحرب التي تدور رحاها في أصقاع سورية.

لا يمكن لعاقل أن يتفهم أو يقتنع أن ما يحدث في موسكو في النسخة الثانية من مؤتمرها يهدف لايجاد رؤية موحدة للحل بين النظام و المعارضة ، فاستعراض الاسماء وحده كافي لأن تعرف أن ما يحدث هو مجرد "ثغاء مجموعة من الأغنام تسعى وراء الكبش الروسي" في مرعى الاجرام .

مضحك حتى شفا الموت هو التصريحات التي تخرج من خلف الأبواب الذي يصفونها بأنها مغلقة بوجه الإعلام ، إلا من رحم النظام و أراد له الحضور وفق رؤيته ، و قيل بالأمس أن المعارضة أعدت ورقة موحدة ستقدمها خلال مباحثاتها مع وفد الأسد ، و لكن المعارضين المذكورين آنفاً اختلفوا على المصطلحات ، بين ما اذا كان ما نواجهه مؤامرة أم أزمة ، و هل القتل يتم بيد داعش وحدها أم جبهة النصرة تساعدها ، و ما تعريف الجيش هل هو جيش سوري أم جيش خليط من مكونات الشيعة من ايرانيين و لبنانيين و أفغان و باقي الجنسيات المساندة للقضية الأم يعتبرون وطنيين أكثر من السوريين أنفسهم.

بالفعل شيء مقزز ما يدور في ذلك المكان ، لماذا يجتمعون هناك ، و لم عناء السفر ، فالجميع متاح لهم التواجد في دمشق و بجانب و رفقة الأصدقاء الأمنيين ، و تحت نظر و رعاية الأب القانوني للجميع بشار الأسد ، لكن بلا روسيا يبدو الأمر مستهجن و غير محبب ، فـ روسيا الأب الفعلي لكل ما يحدث ، فكيف تحرم من جمعت الابناء.

بالعودة إلى المسودة التي خرج به السادة المعارضون فهي تتضمن طبعاً جنيف 1 و الانتقال الديمقراطي و الايقاف الفوري لاطلاق النار و اطلاق سراح معتقلي الرأي الذي كانت بادرته باطلاق لؤي حسين ، و هنا تفوقت المعارضة السلمية على نفسها و طالبت بعدم استهداف المدنيين بالبراميل المتفجرة و كذلك بتلك المسماة بـ "مدفع جهنم" ، و قبل أن ننسى دعوة الأطراف الدولية للكف عن مد الارهابيين بالدعم .

هذه ابرز البنود التي خرج بها من يطلق عليهم عدة تسمية كـ "معارضة الداخل ، ياسمين الدمشق ، لا للطائفية ، و سورية بخير .......) .

في المقابل جاء الرد من الأسد عبر وفده الذي يرأسه بشار الجعفري الذي عاد و كرر كلامه الذي قاله في موسكو1 من مؤامرة و اسرائيل و المقاومة و الممانعة ، و الارهاب الذي يغزو الأرض و الجيش الذي يعمر و يدافع ، و طبعا الدول العربية و الاقليمية و مطامعها الاستعمارية ، و لاننسى اشارته للحل السياسي بتسليم الجميع أنفسهم للسلطات المختص أو انسحابهم الى ما وراء البحار ليعيد النظام استرجاع ما سرق منه من قوى الاستكبار( المصلح الايراني الذي يغزوا الاسواق في هذه المرحلة الفريدة من الزمن ).

اذا في موسكو2 هناك تفوق كبير حققته الأطراف على ذاتها ، تفوق في البغي و الغوص في الاجرام السياسي بشكل يندى له من يملك جبين ، فأما المجتمعون فهم سعداء حالياً و لكن لهم القصاص عندما يحين موعد القطاف .

اقرأ المزيد
٧ أبريل ٢٠١٥
حكاية النووي وزفة لوزان وانتصارها المجيد!!

 منذ الإعلان عن الاتفاق الأولي في لوزان، بدأ أبواق إيران في الترويج له بوصفه الفتح المبين، ولو رفضته إيران لكان فتحا مبينا أيضا، «ومن يدفع للزمار يطلب اللحن الذي يريد»، كما في المثل الإنجليزي. ويذكّرنا ذلك باحتفال ذات القوم بتسليم بشار للسلاح الكيماوي من أجل تجنب الضربة العسكرية، والذي صنفوه بوصفه دهاءً وحنكة، وإنجازا أيضا!!
لكن أية بلاغة مهما كان مستواها لن تخفي حقيقة الاستسلام الذي تم في لوزان، والذي سيكون أكثر وضوحا بعد أسابيع نهاية يونيو، وبالطبع في الاتفاق النهائي، ولا قيمة هنا لكل الحديث عن الاحتفاظ بالحق في التخصيب، أو بعدد من أجهزة الطرد المركزي، ولو كان المقال يحتمل لوضعنا كافة البنود، لكن المؤكد أن شروط التخصيب والعدد المسموح به من أجهزة الطرد، ومعها شروط التفتيش لمدة 25 عاما، وهي في مجملها لن تسمح أبداً لإيران بالتفكير في إنتاج سلاح نووي، وبالطبع في ظل نص صريح بأن العقوبات ستعود في حال حدوث إخلال بالاتفاق، مع نص آخر يشير إلى أن العقوبات الخاصة بقضايا الإرهاب والصواريخ بعيدة المدى لن ترفع، وأن ما سيرفع هو العقوبات المتعلقة فقط بالبرنامج النووي.
من زاوية إيرانية داخلية يمكن القول: إن حكاية النووي من ألفها إلى يائها تمثل معركة طويلة خاسرة، لو خاضها أي زعيم في العالم لاستقال بعد هذه النتيجة (ينطبق ذلك على خوضها من قبل تيار سياسي أو فكري، وهو التيار المحافظ هنا)، ولو كنا في بلد يتمتع بقدر مقبول من الحرية لنزل الناس إلى الشوارع؛ ليس للاحتفال بتوقيع الاتفاق كما حصل ليلة الجمعة في شوارع طهران (من نزلوا كانوا قلة)، ولكن للإطاحة بهذا التيار الذي أهدر عشرات المليارات في تأسيس مشروع، كما دفع أضعافها بسبب العقوبات التي ترتبت عليه، وها هو في النهاية يتنازل عنه من أجل رفع تلك العقوبات.
وإذا قيل إن إيران قد احتفظت بحق الاستخدام السلمي للطاقة النووية، فإن ذلك رد لا يبتعد كثيرا عن الهراء، لأن الجميع يعلم الهدف الأصلي للمشروع ممثلا في السلاح النووي، وليس الاستخدام المدني للطاقة النووية، لأننا نتحدث عن بلد غني جدا بالنفط والغاز، ولا يحتاج تبعا لذلك إلى طاقة نووية لأغراض مدنية. أما فتوى خامنئي بعدم جواز استخدام الأسلحة النووية، والتي ذكّر بها أوباما في سياق الإعلان عن الاتفاق فليست ذات قيمة، ليس لأنها سياسية وحسب، بل أيضا لأن أحدا في الأصل لا يتحدث عن سلاح نووي من أجل الاستخدام، بل من أجل الردع، لاسيَّما أن لدى الكيان الصهيوني، فضلا عن أميركا من القدرات النووية ما يجعلها مؤهلة لإعادة إيران إلى العصر الحجري خلال ساعات، لكن الكيان كان وسيبقى حريصا على عدم كسر ميزان القوى الاستراتيجي الذي يعمل لصالحه.
لا شك أن الشارع الإيراني ليس غبيا، وهو تساءل طوال الوقت، وسيتساءل الآن أكثر عن جدوى هذا المسلسل الطويل من المعاناة إذا كان سينتهي على هذا النحو، وهذا البعد هو الذي يفسِّر أصلا تردد التيار المحافظ بزعامة الحرس الثوري والمرشد طويلا في إنجاز الاتفاق، هم الذين يعلمون تماما أنه سيمنح دفعة قوة معتبرة للتيار الإصلاحي، لكنهم وجدوا أنفسهم في حاجة ماسة لدفع كلفة نزيف كبير في سوريا واليمن والعراق، وهو نزيف يحتاج إلى رفع العقوبات لتحسين وضع الاقتصاد، فضلا عن حاجتهم إلى مصالحة الغرب، وهم يعادون غالبية المسلمين. ولعل الأكثر بؤسا في الاتفاق هو أنه لم ينص على الحصول على الأموال المجمدة في الولايات المتحدة لأنها ترتبط بقضية الإرهاب، وليس بالملف النووي، وهذا ما سيجعلها محطة ابتزاز أخرى مستقبلا، وبالطبع من أجل تغيير الموقف من الكيان الصهيوني، وهو ما سيكون مقبولا بالطبع، لأن عين إيران اليوم تركز على التحول لدولة المذهب ذات النفوذ الإقليمي الواسع، مع نسخ حكاية المقاومة والممانعة من الأجندة.
هذه هي النتيجة البائسة لمغامرة المحافظين المتعلقة بالاتفاق النووي، لكن النتيجة الأخرى التي ستطيح بهم في المستقبل هي تلك المتعلقة بمشروع التمدد المجنون الراهن، فبينما يعوّل الشارع الإيراني على أن يؤدي رفع العقوبات إلى تحسين وضعه، يركز المحافظون على الاستفادة من ذلك في دفع كلة الاستنزاف الراهن في سوريا واليمن والعراق، ما يطرح سؤالا كبيرا حول موقف الشارع من ذلك، لاسيَّما أن كل ما دفع وسيدفع لن يؤدي إلى نتيجة، فلا بشار سيحسم المعركة عسكريا، ولا الحوثي سيستقر وضعه على الأرض، ولا العراق سيأمن من دون حل معضلة التمييز الطائفي ضد العرب السنّة، ولا حتى حزب الله سيواصل حكم لبنان بسطوة السلاح.
هكذا تعانق إيران بقيادة المحافظين «الاستكبار»، وذلك بدل أن تذهب نحو تسوية مع جيرانها العرب والمسلمين، لكن هذا العناق لن ينفعها، فالنزيف هنا، والصفقة ينبغي أن تكون هنا، فعالم اليوم لم يعد كما كان، وأميركا والغرب اليوم ليسوا آلهة الكون، ولن يفرضوا على هذه الأمة أن تخضع لإيران أو تقبل بجنون تمددها، وهي ستواصل مقاومتها حتى تدرك إيران حقيقة أن عليها أن تجلس على الطاولة من أجل التوصل إلى صفقة ترضي الجميع.
متى سيحدث ذلك؟ لا ندري، والمؤسف أنه لم تتوفر إلى الآن أية مؤشرات على الرشد المأمول، ونأمل أن تتوفر في القريب، لأن المعاناة تطال الجميع من دون استثناء، فيما يستمتع أعداء الأمة، وفي مقدمتهم الكيان الصهوني بهذا الحريق المدمر لجميع أعدائهم.

اقرأ المزيد
٧ أبريل ٢٠١٥
لا عذر بعد اليوم لعربي

بصراحة، كنا نعتقد، نحن السوريين، أن نفس الخليج قد انقطع، وأن حكامه ما عادوا قادرين حتى على هش الذباب عن وجوههم. وكنا نؤمن بوجود خطوط حمراء أميركية، تلزمهم بالمشاركة في إدارة أزمتهم عبر إدارة الأزمة السورية. وكنا نرى وقائع تؤكد صحة ظنوننا. وفي حين كنا نعتقد أنه ليس في مصلحتنا إغضابهم، لمجرد أنهم عاجزون عن إسقاط بشار الأسد بالسرعة التي نريدها، فإننا كنا نكرر، في مجالسنا، أنهم ليسوا شركاء جديين للشعب السوري، لأنهم لا يعون ما يحيق بهم من أخطار إيرانية، ولو كانوا يعونها لما كنا بحاجة إلى أن نشرح لهم، كل مرة، نلتقيهم فيها تفاصيل ما يجري، من دون أن يحركوا ساكناً، أو يخرجوا على الخط الأميركي الذي صفى حساباته الإقليمية بدماء شعبنا المظلوم، الذي لا يستطيع الخروج من معركة ليست معركته، مع أن تكلفتها باهظة إلى درجة لا يكاد يحتملها، ولا يريد، في الوقت نفسه، الاستمرار في خوضها، لكونها تعرضه لشتى أنواع التلاعب والأخطار، وتهدد وجوده إلى زمنٍ لا يعرف أحد نهايته، وإن كنا نعرف جميعا أنه سيمتد ويطول. كان إخوتنا الخليجيون يؤكدون حبهم لشعبنا وحرصهم عليه، وكنا نقول، في سرنا ونحن نستمع إليهم، ما سبق أن قاله محمود درويش لمن تلاعبوا بقضية فلسطين وشعبها "ارحمونا من هذا الحب القاسي"، الذي لم يحمنا من الموت والخراب والتشرد والقتل.

في الأيام القليلة الماضية التي أعقبت بدء "عاصفة الحزم"، بدأنا نشعر باحتمال نشوء وضع نضطر معه إلى مراجعة مواقفنا غير المعلنة، وأحسسنا بالأمل في أن يكون إخوتنا في الخليج قد تحركوا لأسبابٍ، بينها وعيهم العلاقة بين استيلاء الحوثيين على السلطة في صنعاء وجسامة الاختراق الإيراني للمشرق، ورغبتهم في الحد من تأثير سياسات أميركا عليهم، وخصوصاً منها تلك القائمة على إدارة الأزمة السورية بطرق تلحق بهم أفدح الضرر، على الرغم من أنهم شركاء فيها، بينما تسمح بفتح صفحة جديدة مع طهران، خصمها وخصمهم المفترض، تجعلها هي، لا المملكة العربية السعودية، شريك واشنطن الاستراتيجي، بكل ما قد يرتبه ذلك من مخاطر على الدولة السعودية التي قد تكون مستهدفة، كآخر كيان عربي قوي، ويمتلك القدرة على المبادرة، ومن تحد لوجود بقية دول الخليج التي لا يستبعد انهيارها، لا سمح الله، في حال نجحت طهران في اختراق المملكة التي لم تشتهر إطلاقا بسياساتها الانفعالية، لكن شعورها بالخطر أقنعها بضرورة التصدي للحوثيين في اليمن، ولإيران التي هللت لهم، وأعلنت عزمها على إيصال من يماثلهم إلى السلطة في الرياض والكويت: منطقة النفوذ الفارسي التاريخي، على حد قول مسؤول فارسي كبير، بينما أعيدت البحرين إلى موقعها على الخرائط الإيرانية محافظة فارسية، وأعلن عسكر الحرس الثوري أن كماشته الاستراتيجية تطبق الآن على الأرض العربية، مثلما تطبق كماشته البحرية على مضيقي هرمز وباب المندب، مغلقة الأول أمام تصدير جزء كبير من النفط العربي، والثاني في وجه قناة السويس المصرية.

جاء الرد السعودي في مستوى الهجوم الإيراني مدروساً، وجيد التخطيط والتنفيذ، وأشرك العرب في عاصفته، وأظهر حجم القدرات الهائلة التي يمتلكها من يريدون حماية أوطانهم، وكم هي قصيرة يد إيران "الطويلة"، ومحكومة بعجزها عن الدخول في مواجهة مع عالم عربي، شمر عن ساعديه دفاعاً عن سلامه واستقلاله، وقرر الضغط على أتباعها في المناطق التي غزوها لإخراجهم منها، لقناعته، ربما، بأن سكوته عن سياسات طهران شجعها على التمادي في الاعتداء عليه، وتهديد دوله ومجتمعاته. أمام المفاجأة المزدوجة، المتمثلة في الرد العسكري، وفي المشاركة الخليجية الشاملة والعربية الواسعة في "عاصفة الحزم"، عم الاضطراب مواقف طهران التي وجدت أنها لا تستطيع تحريك أي شيء غير ألسنة قادتها الذين بان عجزهم عن نجدة عملائهم، فنابت تصريحاتهم القوية عن محدودية خياراتهم وضعف قدرتهم على الرد العسكري المباشر.
"عم الاضطراب مواقف طهران التي وجدت أنها لا تستطيع تحريك أي شيء غير ألسنة قادتها الذين بان عجزهم عن نجدة عملائهم"

لا عذر لعربي، إن هو ساير بعد اليوم إيران أو تعايش مع اختراقاتها في أوطاننا، أو أحجم عن مواجهتها، خوفا من بهورات جنرالاتها، بعد أن بينت "عاصفة الحزم" أن لدى العرب الأهلية لبلورة ردود ناجعة على تغلغلها في بلدانهم، وأن عجزها الفاضح في اليمن سيكون أشد في سورية، حيث تقاتلها قطاعات شعبية واسعة، وتنزل هزائم متلاحقة بمرتزقتها، ولن تكون بحاجة إلى أي شيء غير دعمها بالسلاح، لمساندتها في معركة عربية بامتياز، لا تدافع فيها عن ذاتها وحسب، وإنما تحمي الجسد العربي بأكمله أيضا، بوسعها تصعيد قتالها لاحتواء أية ضغوط إيرانية على الخليج، وطرد الاحتلال الإيراني من وطنها الذي استخدمه الفرس، منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، قاعدة متقدمة ضد السوريين والعرب، أسهم نظامها الأسدي في نقل إرهاب فارس إلى بلدانهم التي كان آخرها اليمن.

فتحت "عاصفة الحزم" معركة الوجود الإيراني في أوطاننا التي يرى السوريون فيها معركة استقلالهم الثاني التي لا بد أن تفضي إلى طرد الفرس ومرتزقتهم من وطنهم. وعلى الرغم مما يراودنا من آمال، لا بد من الإقرار بأن "عاصفة الحزم" ستضع العرب أمام خطر وجودي، في حال تهاونوا فيها، أو توقفوا في منتصف طريقهم إلى الحسم، أو أعجزهم تقاعس ما عن إخراج الفرس من بلدانهم.

هذه معركة سيكون لها أعظم النتائج سلباً وإيجاباً، ستأخذنا إما إلى حرية العرب واستقلالهم، أو إلى رضوخهم لعبودية استشهادهم في الحرب، دفاعا عن كرامتهم وهويتهم أفضل لهم منها بكثير.

اقرأ المزيد
٧ أبريل ٢٠١٥
"عاصفة الحزم" وامتحان العلاقات التركية الإيرانية

وضعت "عاصفة الحزم" -التي تقودها السعودية ضد الحوثيين والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح- العلاقات الإيرانية التركية أمام اختبار جديد قد يغير العديد من المعادلات التي تحكمت بالعلاقة بين البلدين، خاصة إذا تطورت "عاصفة الحزم" إلى تدخل بري وساندت تركيا هذه العملية بعد إعلان أنقرة دعمها القوي للعملية وانتقادها الشديد لدور إيران في المنطقة واحتمال بروز تحالفات إقليمية جديدة.

الصراع بين "الشمس و"القمر"
اتسمت العلاقات التركية الإيرانية عبر التاريخ بالصراع والتنافس على منطقة المشرق العربي والخليج وآسيا الوسطى، وفي يومنا هذا فإن هذا الإرث من الصراع بدأ ينبعث من جديد بينهما في ساحات سوريا والعراق واليمن ولبنان على أسس يتداخل فيها الطائفي بالمصالح والنفوذ الإقليمي والدور السياسي، مما يعزز من استحضار الرموز التاريخية على الجغرافية السياسية.

    "الصراع التاريخي بين الدولتين الصفوية والعثمانية يحضر بقوة في هذه الساحات المتفجرة على شكل مواجهة بين الشمس الإيرانية والقمر التركي، وهو صراع أساسه الصدام على الجغرافيا السياسية والاجتماعية منذ أن ثبتت معركة جالديران 1514 حدودهما الجغرافية "

فالصراع التاريخي بين الدولتين الصفوية والعثمانية يحضر بقوة في هذه الساحات المتفجرة على شكل مواجهة بين الشمس الإيرانية (اختار الشاه إسماعيل الصفوي الشمس رمزا لعلم إيران) والقمر التركي الذي يشكل رمزا لعلم البلاد منذ عهد الدولة العثمانية، في إشارة إلى التصادم الإقليمي بين البلدين، أساسه الصدام على الجغرافيا السياسية والاجتماعية منذ أن ثبتت معركة جالديران 1514 الحدود الجغرافية بينهما.

وعليه، فرغم المصالح الكبيرة بين البلدين وحرصهما الحفاظ عليها لأسباب اقتصادية وأمنية بالدرجة الأولى فإن الصراع بينهما سرعان ما يطفو إلى السطح في الأحداث الإقليمية العاصفة، فمنذ بدء الثورات العربية في تونس ومصر وانتقالها إلى اليمن وسوريا تعمقت الانقسامات التركية الإيرانية أكثر فأكثر، ولا سيما في ساحات سوريا والعراق حيث الصدام العميق بين البنى الاجتماعية التي تتداخل مع بعضها وتتصادم في حروب متداخلة محليا وإقليميا.

تركيا وإيران وقفتا على النقيض إزاء ما يجري في سوريا والعراق، كل طرف له أسبابه ودوافعه وإستراتيجيته المختلفة، فطهران أعلنت دعمها الكامل للنظام السوري، وهذا طبيعي ومفهوم في ظل التحالف القائم بينهما منذ نحو أكثر من ثلاثة عقود، وانطلاقا من هذه الرؤية تحركت إيران على كل المستويات لدعم النظام السوري في حربه ضد خصومه في الداخل والخارج.

أما أنقرة فقد تحركت على العكس تماما في كل الاتجاهات لإسقاط النظام السوري، والخلفيات نفسها تنطبق على ما جرى ويجري في العراق، واليوم في اليمن وإن اختلفت ظروف كل ساحة، وعلى هذا الأساس ينبغي النظر إلى الموقف القوي الذي صدر عن أردوغان بدعم "عاصفة الحزم" والردود الإيرانية الغاضبة عليها التي وصلت إلى حد المطالبة بإلغاء الزيارة التي من المقرر أن يقوم بها أردوغان إلى إيران في السابع من الشهر الجاري.

الموقف التركي وزيارة أردوغان
شكلت انتقادات أردوغان لسياسية إيران في المنطقة مع بدء "عاصفة الحزم" أقوى موقف تركي ضد إيران بعد أن حرصت تركيا خلال الفترة الماضية على عدم الصدام مع إيران بسبب الخلافات الجارية بينهما على ما يجري في سوريا والعراق.

فقد اتهم أردوغان خلال لقاء مع قناة "فرانس 24" إيران للمرة الأولى بالسعي "إلى الهيمنة على المنطقة وأن هذا الأمر لم يعد يحتمل"، كما دعاها إلى "سحب قواتها من اليمن وسوريا والعراق" وطالبها "بتغيير عقليتها"، مشيرا إلى أن السعودية وباقي دول الخليج لم تعد تقبل بهذه السلوكيات، وأرفق أردوغان هجومه على سياسة إيران بالإعلان عن دعمه عملية عاصفة الحزم وإبداء الاستعداد لتقديم دعم لوجستي بهذا الصدد.

    "سواء تمت هذه الزيارة أو لم تتم فإن الحدث سيكون مفصليا في تاريخ علاقات البلدين، فإن تمت فسيكون هدفها تدوير زوايا الخلافات الحادة انتصارا لسياسة الحفاظ على المصالح المشتركة، وإن ألغيت فسيكون ذلك إيذانا بدخول هذه العلاقة مرحلة جديدة من الصدام "

موقف أردوغان هذا فجر عاصفة من الردود في إيران، فوزير الخارجية محمد جواد ظريف وصف موقفه بالخطأ الإستراتيجي الذي يهدد الاستقرار في المنطقة، فيما استدعت وزارة الخارجية الإيرانية القائم بالأعمال التركي في طهران باريش صايجي احتجاجا على هذه التصريحات، كما طالب العديد من النواب والمسؤولين الإيرانيين بإلغاء زيارة أردوغان إلى طهران.

لكن الردود الإيرانية الغاضبة لم تغير من موقف أردوغان الذي جدد مواقفه السابقة خلال اتصال مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، بل كشفت الخارجية التركية أن أنقرة كانت على علم مسبق بعملية عاصفة الحزم، في إشارة إلى وجود تنسيق سعودي تركي في ظل التحسن الجاري في العلاقات بين البلدين.

حرب التصريحات بين أنقرة وطهران على خلفية الموقف من "عاصفة الحزم" دفعت العديد من المراقبين إلى توقع إلغاء أردوغان زيارته، خاصة بعد أن طالب العديد من المسؤولين الإيرانيين بذلك، بل إن أردوغان نفسه ورغم إعلانه أن الزيارة قائمة فإنه أشار ضمنا إلى احتمال إلغائها حين قال "إن التطورات في اليمن مهمة جدا بالنسبة لنا، وقد تحدث أمور تتطلب منا اتخاذ قرارات مختلفة"، في إشارة إلى الزيارة.

وفي جميع الأحوال من الواضح أن هذه الزيارة إن تمت أو لم تتم فإن الحدث سيكون مفصليا في تاريخ العلاقات بين البلدين، فإن تمت فسيكون هدفها تدوير زوايا الخلافات الحادة انتصارا لسياسة الحفاظ على المصالح المشتركة، وإن ألغيت فسيكون ذلك إيذانا بدخول هذه العلاقة مرحلة من الصدام الذي قد يتطور على وقع الأحداث الجارية في اليمن والعراق وسوريا.

قاعدة المصالح والتحالفات الجديدة
الثابت أن الصراع التركي الإيراني على المنطقة ليس بجديد، ورغم ضراوة هذا الصراع في يومنا هذا فإن ثمة من يتوقع أنه سيبقى في حدود قواعد لعبة التنافس التقليدية بين البلدين، فالصراع بينهما على الأزمة السورية التي دخلت عامها الخامس لم يفجر العلاقات بينهما حتى الآن، بل ظل البلدان يعملان على تطوير علاقاتهما الاقتصادية وكأن لا علاقة للمصالح الضخمة بينهما بالصراع الجاري، حيث المشاريع التجارية في مجال النفط والغاز والتجارة تجعل كل طرف ينظر إلى الآخر بأهمية كبيرة، بل لعبت تركيا دورا كبيرا في الحد من تأثير العقوبات الغربية المفروضة على إيران، حيث ظلت العلاقات التجارية والمالية بين البلدين على قدم وساق.

ومع الحديث عن احتمال التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والغرب ثمة من يرى أن هذا الاتفاق سينقل العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى مرحلة جديدة خاصة بعد أن تحولت تركيا إلى ممر دولي لأنابيب النفط والغاز، وهو ما يراهن عليه البلدان في رفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى أربعين مليار دولار في السنوات القليلة المقبلة.

    "لعل أول ملامح الصدام التركي الإيراني بروز ما يشبه تحالفا تركيا سعوديا في مواجهة تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة، وتوقع أن يطلق الاتفاق النووي المرتقب مع الغرب يد إيران في المنطقة"

إلى جانب البعد الاقتصادي فإن ثمة اتفاقا ضمنيا بين البلدين على عدم السماح بإقامة دولة كردية مستقلة في المنطقة، فالعاصمتان تدركان أن إقامة دولة كردية مستقلة في أي جزء من الأجزاء التي يقيم الأكراد فيها (العراق-إيران-تركيا-سوريا) ستنعكس لاحقا على بقية الدول وحدودها التي رسمتها الاتفاقيات الدولية فضلا عن بناها الاجتماعية والقومية، وعليه فإن التنسيق التركي الإيراني بهذا الخصوص ستظل له قيمة إستراتيجية مهما سعرت الخلافات بينهما.

المصالح السابقة لم تمنع المراقبين من توقع احتمال حصول تطورات دراماتيكية في العلاقات التركية الإيرانية وقلب المعادلات التي تتحكم بهذه العلاقة، خاصة إذا تطورت الأزمة اليمنية وتدخلت إيران بشكل مباشر فيها وتحولت "عاصفة الحزم" إلى عملية برية.

لعل أول ملامح الصدام التركي الإيراني بروز ما يشبه تحالفا تركيا سعوديا في مواجهة تصاعد النفوذ الإيراني بالمنطقة، وتوقع أن يطلق الاتفاق النووي المرتقب مع الغرب يد إيران في المنطقة.

وما يمكن ملاحظته هنا هو أن التحالف التركي السعودي الذي يتشكل على وقع "عاصفة الحزم" بات جزءا من محور أشمل يضم إضافة إلى الدول العربية الخليجية مصر والسودان والأردن والمغرب وباكستان وتركيا ويحظى بدعم غربي، وهو ما قد يعطي أنقرة دفعا قويا في صراعها مع إيران على قضايا المنطقة، ولا سيما الأزمة السورية والسعي لإسقاط النظام بالقوة، خاصة بعد أن تعثرت الحلول السياسية حتى الآن.

ولعل ما يلاحظ هنا أيضا في ظل هذه التطورات العاصفة هو تراجع حدة الخلافات التركية المصرية والحديث عن وساطة سعودية لتحسين هذه العلاقة عبر دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى إجراء إصلاحات داخلية، وهو ما تشترطه أنقرة للانفتاح على القيادة المصرية. وإن سارت الأمور على هذا النحو فإن أردوغان الذي يقول إن صبر بلاده بدأ ينفد من السياسة الإيرانية قد ينتقل من سياسة تدوير الخلافات مع إيران إلى سياسة الهجوم الحازم ولو عبر الساحة السورية.

اقرأ المزيد
٧ أبريل ٢٠١٥
من نهر البارد إلى اليرموك

وضع مجموعة من الملتحين العلم الفلسطيني تحت اقدامهم وقاموا بدوسه، بينما كان رفاق لهم يرمون ثلاثة رؤوس مقطوعة في احد شوارع مخيم اليرموك. التكبير الداعشي يعلو وبراميل الأسد تتساقط على المخيم، والموت في كل مكان.
حصار من هنا وقتل من هناك، هذا هو مصير أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في الشتات. في الماضي حين كنا لا نزال نتطلع إلى مستقبل ما، كنا نتحدث عن المسافة الوحشية التي تم قطعها بين تل الزعتر وشاتيلا. أما اليوم، في زمن الأصوليات، فقد تغير معنى المسافة التي صارت تمتد من نهر البارد إلى اليرموك.
الاسرائيليون وعملاؤهم الصغار قتلوا الفلسطينيين وهجروهم لكننا لم نشهد ذلا وهوانا كهذا الذل والهوان. لا شيء يشبه ما يجري الآن. لم تغادر الفلسطينيات والفلسطينيون مخيماتهم طوعا تحت كل أنواع التنكيل إلا حين جاء هؤلاء الهمج، مدججين بالحقد والجهل والعته. حتى في تلك الحرب الوحشية التي شنها النظام السوري بواسطة عملائه من حركة أمل وسميت حرب المخيمات، لم نصل إلى هذا الحضيض، وبقي المخيم رمز الوجود وحق العودة. الانقسام الفلسطيني الذي صنعته أصابع المخابرات السورية التي استغلت حماقة البعض من أجل تحطيم الإرادة السياسية للفلسطينيين بعد غزو 1982، لم يستطع اختراق المخيم، فكانت حرب المخيمات الفتيل الذي أشعل الانتفاضة الأولى.
لكن منذ عام 2007 حين تسللت «فتح الإسلام» برداء جماعة أبو خالد العملة إلى مخيم نهر البارد، دخل المخيم كاطار وفكرة في تحدي الوجود. لم يسبق للفلسطينيين ان غادروا مخيماتهم بارادتهم، الا في نهر البارد. يومها شعر أهل المخيم انهم طردوا من مخيمهم قبل ان يطردوا، فالمجموعات المسلحة التي أطلقت على نفسها اسم «فتح الإسلام» كانت ابنا هجينا لزواج القاعدة بالنظام السوري. هذا الابن الهجين لم يكن يمت إلى فلسطين وقضيتها بأي صلة. هنا بدأت مأساة المخيم، وهنا بدا أن تصفية المخيمات ومعها تصفية قضية اللاجئين ممكنة.
كان لا بد لهذا العمل أن يكون نتاج التلاقح الإجرامي بين استبدادين، استبداد الطغمة الأسدية واستبداد الإسلاميين، ومن هذا التلاقح ولدت بدايات كارثة سوف تصل إلى ذروتها في مخيم اليرموك.
أطلقت حرب نهر البارد العنان للخطاب العنصري اللبناني ضد الفلسطينيين، الذي لم يكن كامنا يوماً، لكن هذه لم تكن المسألة الجوهرية في تلك الحرب المجنونة التي استخدمت فيها البراميل التي تلقى من المروحيات، وكان هذا هو المؤشر إلى دخول سلاح جديد سوف يصبح إعلانا صارخا لدخول سورية في أزمنة التوحش الداعشية الأسدية.
المسألة في حرب نهر البارد كانت تحطيم الهوية الوطنية الفلسطينية، عبر تغريب الفلسطينيين عن مخيمهم.
نهر البارد كان مختبر الجريمة، أما ساحتها فستكون مخيم اليرموك.
ما يقوم به القتلة والسفاحون في أزقة المخيم اليوم، ليس سوى وضع الناس أمام الخيار بين الطاعون والكوليرا، بين الموت بالبراميل والموت بالسكاكين.
نجح النظام في إفراغ المخيم من سكانه، وهذا ما فعله في كل مكان من الأراضي السورية وصلت اليها طائراته. من أكثر من 150 ألف نسمة لم يبق في المخيم المحاصر سوى 18 ألفا، يعيشون في المجاعة والخوف والإذلال والإعاشات المتقطعة.
أفرغ المخيم قبل دخول داعش، وصار أزقة أشباح هائمة، وإرادة صمود بطولية، اختبرت معنى عبثية البطولة في هذا الزمن الذي اندثر فيه الخطاب الفلسطيني الذي صار بلا بوصلة سياسية أو معنوية مع الانقسام وأوهام التسوية وتخيلات أمراء الباندوستانات الفلسطينية.
أبطال بلا بطولة، هذا هو اسم الهزيمة الفلسطينية المروعة والتي لا سابق لها في مخيم اليرموك. فصائل جبانة ومجموعات من عملاء النظام السوري تتلطى خلف الإسم الفلسطيني، وشعب ترك للتيه والإذلال إلى أن وصلت داعش وأخواتها كي تدوس العلم الفلسطيني، مثلما داست علم الثورة السورية، وكي تأخذنا إلى جنون الخلافة ودولتها وهستيريا عبادة العنف والدم.
لا نستطيع اليوم أن نلوم أحداً، كل كلمات إلقاء التهم على الآخرين صارت جوفاء. لا أمريكا مسؤولة عن موتنا ولا إسرائيل. موتنا صنعته قيادات سياسية لم تتصرف كما يليق بالقيادة ان تتصرف، وهذا يصح على فلسطين مثلما يصح على سورية، علما أن هناك فرقا شاسعا بين قيادة ثورة سورية كانت تتعثر في ولادتها وبين قيادة فلسطينية ورثت نضالا عمره نصف قرن وأهدرته على مذابح الوهم والفساد والسذاجة.
نحن أمام كارثة إنسانية تستكمل كارثة سياسية كبرى نعيشها. وأمام هذا الهول، وأمام هذا التوحش لا يحق لأحد أن يبكي.
كلا أيها الناس، لا بكاء ولا مناشدات. طز على الضمير العربي والإنساني. لا تصدقوا ضمير من لا ضمير له، إذا أردتم تحريك ضمائرهم فعليكم ان تنتزعوا الضمير الإنساني عنوة من سباته، واذا كنا عاجزين عن ذلك فلنخرس.
إنه تيمورلنك وقد انشق إلى نصفين، نصفه يحمل اسم نظام آل الأسد ونصفه الآخر اسمه داعش أو النصرة أو ما يشبههما. نصفه يراكم الأشلاء ونصفه الآخر يقطع الرؤوس. وهذا التيمورلنك يشبه جده التتري لا يفاوض لأنه يسعى إلى هدف واحد هو تدمير كل شيء وإفساد كل شيء، وغريزة الدم التي فيه صارت اسمه ووسيلته وغايته.
شعب اليرموك، برجاله ونسائه وأطفاله، الشعب الذي تحولت فيه أجساد الناس إلى هياكل عظمية، الشعب الذي صار علامة ذل كل الفلسطينيين وكل العرب وكل الناس، هذا الشعب المحاصر بالموت هو الهوية الفلسطينية والعربية الجديدة.
أيها العرب انتم في الذل والمهانة طالما بقيت سورية بشعبها وفلسطينييها ذليلة ومهانة.

اقرأ المزيد
٧ أبريل ٢٠١٥
متى ستنطلق عاصفة الحزم الشامية

لم تعد القضية السورية عبارة عن أزمة بين طرفي النظام السوري والمعارضة السورية، وكذلك لم تعد ثورة شعب ثائر ضد نظام فاسد ، بل هي بين شعب غاضب ونظام طائفي تجمع حوله ومعه كافة القوى الطائفية من شتى أنحاء العالم ومن لون واحد وطائفة بعينها واضحة يعرفها الجميع تلك العصابة المتمثلة بالحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني ومليشيات المالكي والمليشيات الطائفية الأفغانية والباكستانية الشيعية وغيرهم من شبيحة النظام وجل طائفته والمنتفعين من فساده.

مما شكل احتلالاً إيرانياً طائفياً شيعياً واضحاً للجمهورية العربية السورية وللعاصمة دمشق تحديداً ، ومايجري في مسجد بني أمية لأكبر شاهد ودليل على ما أقول وأدعي ولم يعد النظام السوري صاحب قرار القتل في سوريا أو إنهاء المعركة بالحوار أو التقاسم أو الانسحاب أو الاستسلام أو حتى الهروب.

بل هي القوى المحتلة الدخيلة على مجتمعنا العربي المسلم في بعده الديني والجغرافي، مما يستدعي تدخلاً عربياً سريعاً وقوياً وحازماً لإعادة سوريا لحاضنتها العربية وأمتها الأصل ، وحمايتها من أن تحول إلى (حسينية إيرانية).

 وبوادر ذلك واضحة وحماية الشعب السوري الذي تعرض لكافة أشكال العنف والقتل والاعتداءات من النظام وحلفائه ، علاوة على جرائم تنظيم داعش الإرهابي والذي صنعه النظام السوري المجرم ليحارب به الاعتدال الإسلامي السوري الوسطي من المعارضة السورية وخاصة منها المسلحة والمتمثلة بالجيش الحر.

 علما بأننا نؤكد بأن سوريا المستقبل ستكون لكل السوريين من الأخوة العلويين والشيعة والدروز والمسيحيين والإسماعليين والأكراد والآشوريون والشركس والتركمان واليزيديين وكذلك السنة الذين يشكلون 79 % من الشعب السوري.

وعلى أساس المواطنة وليس الطائفة والمحسوبية والحزبية والآن فإن الشعب السوري يستغيث ويصرخ وهو شامخ يدافع بكل شجاعة عن أرضه وعرضه وكرامته ودينه وحريته، وقد دفع مئات الآلاف من الشهداء الشرفاء في سبيل ذلك حتى بلغ عدد الشهداء أكثر من مليون شهيد ( فهل من مجيب).

علما بأننا لا ننتظر منكم إدانة  أو استنكار لما يجري كالعادة فقد مللنا من التصريحات الكلامية والبيانات الاستنكارية والتي لم تعد تسمن ولا تغني من جوع ، بل نريد قراراً عربيا واضحاً وتدخلا عربياً عسكرياً على شكل عاصفة الحزم.

 فكما استجبتم لنداء رئيس شرعي لليمن الشقيق وهذا حق بل هو الموقف العربي الوحيد في العصر الحديث الذي يرتقي لمستوى الأمة العربية فإنه من باب أولى الاستجابة لشعب عربي شرعي يذبح من أكثر من أربع سنوات وأنتم تنظرون وتستنكرون ومازال الدم يجري والوقت من دم وهذا النداء أمانة في أعناقكم وشاهد عليكم وهو في رسم الإجابة.

اقرأ المزيد
٦ أبريل ٢٠١٥
صرخة من أجل اليرموك

بعض المناطق الصغيرة تكون أكبر وأوسع في تفاصيلها من المدن الكبيرة. مخيم اليرموك مثال جيد. ذلك المخيم الفلسطيني هو صورة سورية الصغرى، هو اللجوء والفقر والعجز والحرية المستترة. هو صورة الحصار والجوع والصمود، مخيم الأمل والألم وخنق داعش ونظام الأسد للحنٍ من هناك.

إنه عصر مخيم اليرموك المُحاصر في شكل جزئي من قبل نظام الأسد والقوات الموالية له منذ أيـلول (سبتمبر) 2013 وفي شكل كامل منذ بداية 2014، وفي شكل خـانق من قبل قوات الأسد وقوات تحالف تنظيم «داعش» و»جبهة النصرة» منذ بداية نيسان (أبريل) الجاري.

اليرموك يقاوم وحده على جبهتين، المقاتلون المتطوعون للدفاع عن المخيم إضافة الى مقاتلي كتيبة أكناف بيت المقدس محاصرون في عدد غير كبير من الأمتار يواجهون الموت وحدهم بعد أن خذلهم الجميع بمن فيهم كثيرون من السوريين.

هذا المخيم الصغير وهو أكبر مخيمات الفلسطينين في الخارج لا تتجاوز مساحته 2.5 كيلومتر مربع، وهو يقف وحيداً اليوم ليدافع عن روح الشتات الفلسطيني وحقهم في العودة إلى فلسطين بعد أن تخلى عنها الممانعون والمقاومون ومن ثقبوا آذاننا بقضيتهم المركزية ونسوا وجود مخيم اليرموك في زحمة أحداث الشرق الأوسط، أولئك الذين لم نسمع صوتهم خلال سنتين من حصار الجوع والعطش، ولم نسمع صوتهم اليوم في حصار سكاكين «داعش» وصواريخ الأسد.

يقف اليرموك مقاوماً الموت القادم من خلافة البغدادي منتظراً مؤازرة جيش الإسلام وجيش الأبابيل وكتائب شام الرسول لنصرتهم ضد عدوهم المشترك «داعش»، هؤلاء الجيوش لم يطلقوا سوى بياناتهم من دون رصاصهم إلى الآن، إلا من رحم ربي منهم. الجرحى يموتون وحيدين لأن الحصار خانق والعطشى يعطشون وحيدين لأن نظام الممانعة منع المياه عن المخيم منذ أكثر من مئتي يوم والجائعون لهم الله.

فلسطينيو الله يشعرون بالخذلان، هكذا يجيبون إن سألتهم عما يحسون به هذه الأيام. أما إن سألتهم ماذا تنتظرون من السوريين اليوم، فسيكون جوابهم «بسيطاً كالماء واضحاً كطلقة مسدس»: ما ننتظره اليوم هو أن يحس السوريون بنا لا أكثر.

مخيم درعا للاجئين الفلسطينيين كان أول من احتضن السوريين الفارين من مناطقهم في درعا حين شنّ النظام هجومه على المدينة في بداية الثورة وكان متنفس المدينة الوحيد أثناء الحصار. مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان كانت مقصد اللاجئين السوريين من أرياف حمص ودمشق وحماة حين هربوا من بطش مليشيات الأسد، إذ كان يقال حينها إن لا بيت للاجئ السوري سوى بيت اللاجئ الفلسطيني، وما زالت الشواهد كثيرة من هناك، ومن أراد الاستزادة فليزر تلك المخيمات ويرى بأم عينه.

مخيم الرمل الجنوبي في اللاذقية كان من أشد المؤازرين للثورة السورية مما أدى إلى أن يذيقهم النظام السوري أصناف جحيمه، فلم يكن قصف الزوارق الحربية من البحر المتوسط للمخيم إلا أحد فصولها.

مخيم اليرموك كان أحد مناطق النزوح الآمن في مدينة دمشق وكان متنفساً يطل على غوطة الشام فيصلها من هناك أدوية ومواد غذائية ويسعف جرحى تلك المناطق في المخيم الآمن فضلاً عن اختباء الناشطين السوريين هناك خوفاً من اعتقال قد يؤدي إلى موت في أحد أقبية الاستخبارات.

مخيم اليرموك اليوم يقف وحيداً مخذولاً. مخذولاً من نظام المقاومة والممانعة ومريديه وأنصاره، مخذولاً من الممانعين العرب ممن سكتوا عن الحصار المفروض من قبل الأسد وميليشيا الجبهة الشعبية – القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل، ويسكتون الآن عن سكاكين «داعش» القريبة، مخذولاً من الكتائب الإسلامية التي لم تؤازره بما يكفي في محنته الأخيرة، وهو كان متنفسهم في فترة ما، مخذولاً من الجيش الحر الذي تركه وحيداً في المعركة، مخذولاً من ناشطي المجتمع المدني السوري الذين لم يذكروا المخيم، وهو صورتهم التي كلما نظروا إليها تذكروا قضيتهم، مخذولاً من قيادات مختلف الفصائل الفلسطينية التي نسيت عاصمة الشتات الفلسطيني وتركته يموت وحيداً.

صحيح أن الوضع السوري عبثي ومعقد وصعب لدرجة الجنون إلا أنّ لليرموك حقاً علينا، إن لم يكن من أجل فلسطين، فمن أجل فلسطينيي سورية. إنّهم فلسطينيونا، إنّهم صوتنا وصورتنا.

إنّها دعوة لتتوجه صلوات السوريين وبنادقهم لحماية مخيم اليرموك... لحماية الروح الأخيرة لدمشق.

اقرأ المزيد
٦ أبريل ٢٠١٥
القدم الروسية في الجزيرة العربية

إذن روسيا مهتمة بالجانب الإنساني في اليمن، لا تسأل كيف ولماذا حدث ذلك فجأة، موسكو صحا ضميرها الإنساني ذات يوم، وتريد التكفير عن أخطائها السابقة ضد الشعب السوري، بعد أن تسببت بمقتل مئات الآلاف منهم وتشريد الملايين، إلا أن تصحيح الأخطاء هذا لا يتم عبر البوابة السورية، كما هو مفترض، بل في اليمن ولصالح الحوثيين، حلفاء حليفتها إيران، وبعد تدخلها المنحاز في سوريا وأوكرانيا تيمّم سياستها هذه المرة باتجاه الجزيرة العربية عن طريق اليمن، عفوا: عن طريق ميليشيا الحوثيين.

في السياسة لا يمكن الركون للنوايا الحسنة، فلو افترضنا جدلا الاهتمام الروسي المفاجئ باليمن وبأوضاعه الإنسانية، وأنها كدولة كبرى تريد المساهمة في جهود السلام العالمي، فما الذي منع موسكو من التواصل مع سفير اليمن في الأمم المتحدة، بدلا من القفز على أعراف دبلوماسية متعارف عليها، والذهاب مباشرة لتقديم مشروع قرار لمجلس الأمن، مع أن مشروع القرار العربي يتحدث أصلا عن الجوانب الإنسانية، بالإضافة إلى الجوانب السياسية، ومنها إدانة الطرف الذي نسف العملية السياسية في اليمن، الذي هو هنا الحوثي، وإلزامه بالتراجع عن التمرد والعودة إلى المسار السياسي. يا ترى هل أخطأت موسكو العنوان، وذهبت للسفير الإيراني، وليس اليمني، ونسقت معه مشروع القرار؟!

الانكماش الأميركي هو من أعطى روسيا الفرصة لأن تصدم العالم تارة تلو الأخرى، يظن الجميع أن التصرفات الروسية غير مقبولة فور صدورها، غير أنها تأخذ صفة المقبول والواقع مع مرور الأيام، وإلا من كان يصدق أن روسيا تستطيع مواجهة العالم بأسره، باستثناء إيران، وتؤيد نظام بشار الأسد رغما عن أنف ملايين السوريين؟ من كان يصدق أن تفعلها وتخترق الاتحاد الأوروبي باحتلالها جزءا من أوكرانيا؟ وها هي الآن تزحف رويدا رويدا لتضع لها قدما في اليمن، أمس برسالة غريبة من السيد بوتين للقمة العربية يعارض فيها ما سماه التدخل الخارجي في شؤون الدول العربية، واليوم بمشروع لمجلس الأمن تحت ذريعة «السياسة الإنسانية». من يدري، ربما نرى غدا أيضا إمدادا للحوثيين بالأسلحة الروسية، والهدف إنساني بحت وليس سياسيا!

صحوة الضمير الروسية هذه جاءت لتخفيف الضغط على حليفها الإيراني، الذي كان واضحا ارتباكه منذ بدء عاصفة الحزم، فالتحالف الذي نتجت عنه العاصفة محصن سياسيا قبل أن يكون قويا عسكريا، والخطايا التي ارتكبتها طهران في سوريا والعراق والبحرين ولبنان، فضحتها أمام العالم بأسره، فلم يعد لديها القدرة على التبجح أكثر، ناهيك عن تداعيات الأزمة السورية على العلاقات الخليجية الروسية، مما دعا روسيا للتحرك، تحت الغطاء الإنساني المفضوح، باتجاه مياه اليمن الدافئة، وانتظروا مزيدا من تدخلات موسكو للبحث عن منفذ لها في خاصرة الجزيرة العربية، تعيد فيه ذكرياتها، عندما كان اليمن الجنوبي طفل الاتحاد السوفياتي السابق المدلل.

موسكو التي ارتفع منسوب حسّها الإنساني من دون أي مقدمات، تتخوف من أن تكون هناك عاصفة حزم ثانية مستقبلا في سوريا، أو غيرها، بعد أن يحقق الحزم كل أهدافه في اليمن، وهذا ما تراه موسكو قد يطيح بمصالحها، لذلك لا يستبعد أن نرى مزيدا من الخطوات الروسية التدريجية نحو وضع القدم الأخرى لها في الجزيرة العربية عن طريق الأزمة اليمنية.

اقرأ المزيد
٦ أبريل ٢٠١٥
مخيم اليرموك شهيداً مرة أخرى

ما البطولة في مهاجمة مخيم جائع وعطش ومحاصر؟ وأي معنى للنصر على الجائعين ودعوتهم إلى التوبة؟ وللتوبة عن ماذا، عن جوعهم؟

لن نجد أحداً يجيب عن هذه الأسئلة، لكنها أسئلة تحمل أقصى السخرية من قاع المرارة الفلسطينية المستمرة في مخيم اليرموك، في ظل المحرقة السورية المستعرة، منذ ما يزيد على أربع سنوات. ولا تفسير لهجوم داعش، أخيراً، على مخيم اليرموك، سوى أن هذا التنظيم، الموغل في دم الناس، يحتاج إلى ادعاء نصر ما في محيط مدينة دمشق التي يتقلص فيها وجوده إلى أماكن محدودة جداً، ومن هذه الأماكن إمارة حي الحجر الأسود على حدود مخيم اليرموك جنوباً. فأبطال الظلام في بحثهم عن انتصار، لم يجدوا سوى الجائعين والمحاصرين لينتصروا عليهم، بوصفهم الطرف الأضعف في المنطقة الجنوبية لمدينة دمشق. وهم يدركون سلفاً سهولة الانتصار على الضحايا المحاصرين الجائعين، الذين تركهم الجميع، بمن فيهم فصائلهم الفلسطينية، في مهب الرياح السورية العاتية والمشتعلة، لتتلاعب بهم كيفما كان، في الوقت التي ترفع فيه منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية شعار "عدم التدخل في الشؤون العربية"، حتى لو كانت الدماء الفلسطينية تسفك في هذا الشأن العربي.

يعيد مخيم اليرموك المحاصر والمجوع من النظام، والمهاجم من داعش، طرح مأساة الفلسطينيين في سورية. فالتجمع الفلسطيني في مخيم اليرموك، منذ بداية الانتفاضة السورية، لم يختر حمل السلاح، بل اختار أن يتضامن مع الضحايا إنسانياً باحتضانهم، فكان المكان الذي استقبل نازحين كثيرين من المناطق المحيطة التي شهدت اشتباكات مسلحة قبل نكبة اليرموك، فكان من الطبيعي أن يتضامن الفلسطينيون الضحايا مع الضحايا السوريين، ويردون لهم جزءاً من ديْنهم لهم، واحتضاناً سابقا في نكبتهم. خصوصاً أن اليرموك عاش، عقوداً، تعايشاً فلسطينياً ـ سورياً منقطع النظير. فالمخيم المعروف بكونه مخيما فلسطينيا، كان أغلب سكانه سوريين، في وقت عاش فيه نحو 150 ألف فلسطيني، كانوا يعيشون بين 500 ألف سوري من سكان المخيم. فهو تأسس مخيماً فلسطينياً، وبقي معروفاً كذلك، لكنه، منذ ثمانينيات القرن، أصبح الفلسطينيون فيه أقلية. في اليرموك، لم يكن هناك تمييز بين فلسطيني وسوري، ولم يحصل أي صدام بين الفلسطينيين والسوريين، على خلفية الانتماءات الوطنية.

لم تكن، في مخيم اليرموك، تستطيع تمييز السوري عن الفلسطيني. طبعاً، هذا لا يعني أنه كان تجمعاً من الملائكة، فهو تجمع سكاني يعاني من مشكلات كثيرة، بحكم الاكتظاظ السكاني، وغيره من المشكلات المعروفة في تجمعات العشوائيات. لكن المقصود، هنا، أن المخيم لم يشهد طوال تاريخية صداماً هوياتيا بين فلسطينيين وسوريين على أي خلفية كانت. وكان التعاطف الفلسطيني مع السوريين في ثورتهم على النظام كبيراً، وصلت عند بعض الفلسطينيين إلى حد الاندماج في الحراك. فالنظام القمع الشمولي في دمشق وحّد الجميع في سياساته القمعية، وزج الجميع في السجون، لم يفرق بين فلسطيني وسوري، وشهد فلسطينيون كثيرون الاعتقال في سجون النظام السوري، قله منهم بسبب انتمائهم إلى المعارضة السورية السرية، وأكثرهم بسبب انتمائهم لفصائل فلسطينية. وكانت أكبر حملة اعتقالات شهدها الفلسطينيون على يد النظام السوري، تلك التي شهدتها التجمعات الفلسطينية بعد الخلاف بين النظام وحركة فتح في العام 1983، وأدت إلى صدام مسلح في البقاع اللبناني ومدينة طرابلس اللبنانية، وأدت إلى خروج فلسطيني آخر من لبنان، بعد أقل من عام من الخروج الفلسطيني من بيروت على يد إسرائيل في 1982. وكانت حصيلة المعتقلين الفلسطيني المتهمين بالانتماء لحركة فتح والقوى الصغيرة الحليفة لها أكثر من خمسة آلاف، أقلهم قضى في السجون السورية خمسة أعوام. وهو رقم كبير إذا عرفنا أن عدد الفلسطينيين في سورية لم يتجاوز في ذلك الوقت 220 ألفاً.
"ليس مع الفلسطينيين في سورية أحد، حتى قياداتهم والمفترض أنها مسؤولة عنهم، تصمت عن قتلهم اليومي"

المخزي فلسطينيا في الموقف من مأساة المخيم أن القوى الفلسطينية، وفي مقدمتها منظمة التحرير والسلطة وحركة فتح، وعلى الرغم من شعارات "عدم التدخل في الشؤون الداخلية العربية" فهم عملياً يقفون إلى جانب النظام في حربه على السوريين والفلسطينيين السوريين، فهم، ببساطة، يتبنون رواية النظام عن المؤامرة والإرهاب وعما يجري في سورية. وفي المقابل، لم يقوموا بأي فعل جدي من أجل حماية الفلسطينيين في سورية، أو في مخيم اليرموك الذي يعاني من نكبة مستمرة منذ نهاية العام 2012. فهم يتضامنون مع المخيم وكأن ما يجري، لا يجري لفلسطينيين هم المسؤولون عنهم، بل كأنهم يتضامنون مع فيضان في الهند، يرسلون طروداً غذائية، وكفى المؤمنون شر القتال. والمفارقة الساخرة الحمقاء أنهم يحتفلون مع رجال النظام بذكرى انطلاقة حركة فتح، ويقطعون قالب كاتو على شكل علم فلسطين. يقطعون علم فلسطين، لك أن تتخيل رمزية المشهد.

يقول الدرس المتكرر/ الجديد، اليوم، إن الفلسطينيين، مرة أخرى، في العراء تنهشهم الذئاب من كل جانب. هذه المرة أقسى من كل مرة، ففي المرات السابقة التي نهشت الذئاب الفلسطينيين كانت القيادة الفلسطينية معهم، أو على الأقل جزء منها كان يصرخ أن هناك فلسطينيون يذبحون. اليوم، ليس مع الفلسطينيين في سورية أحد، حتى قياداتهم والمفترض أنها مسؤولة عنهم، تصمت عن قتلهم اليومي، بالقصف والجوع والاعتقال، اليوم بهجوم داعش الظلامي.

ليس للفلسطينيين أحد، آه "يا وحدنا" في مثل هذه اللحظات القاسية والمؤلمة، نفتقد رجلاً اختلفنا معه، كان فيه كل العيوب، لكنه ما كان ليصمت على آلام شعبه، اليوم نفتقد ياسر عرفات.

اقرأ المزيد
٦ أبريل ٢٠١٥
هل يمكن التفاؤل بإمتداد عاصفة الحزم إلى سوريا؟

أتت عاصفة الحزم بعد طلب من الرئيس الشرعي هادي، أي وبعبارة أخرى لا يحتاج الأمر لقرار من مجلس الأمن. فالتدخّل العسكري في سوريا إذاً ليس مستحيلاً، ولا يتطلّب أكثر من الإعتراف بالإئتلاف الوطني كممثّل شرعي للشعب السوري ثمّ أخذ تفويض التدخل منه، وهذا طبعاً بعد موافقة الأمريكيين.
ليست المرّة الأولى التي تتحرّك فيها السعودية لحماية محيطها الحيوي، فقد تدّخلت في البحرين عام 2011عبر قوات درع الجزيرة. ثمّ صبرت كثيراً على ما كان يجري في اليمن، حتى غلب اليقين بعدم جدّية تهديدات وزير خارجيتها خلال إستضافته لنظيره البريطاني مؤخّراً. ليأتي الإعلان عن بدء عاصفة الحزم من واشنطن ويسكت الجميع، فإقتصر الردّ الإيراني على العبارات الدبلوماسية، واستحقت روسيا لقب الرجل المريض؛ يسكتها الأمر الواقع، ولا تملك أكثر من قضم قطع صغيرة من الدول الخارجة من بيت طاعتها، وهو ما يكلّفها أكثر بكثير مما يعود عليها.
لن تستطيع إيران توفير التسليح اللازم لإستمرار سيطرة الحوثيين على مواقعهم، وذلك لأسباب لوجسيتية. كما لم تكن سندهم الرئيسي منذ البداية؛ الأمر الذي تكفّت به قوات الجيش اليمني الموالية للمخلوع علي عبد الله صالح، التي إنسحبت من معسكراتها تاركة عتادها لهم، ثمّ قاتلت وسيطرت على عدد من المدن تحت غطاء الحوثيين.
لم تتحرّك السعودية لحماية الشعب اليمني من إرهاب الحوثيين وصالح. بل تحرّكت لمنع تمدّد الحريق الفارسي ووصوله إلى مضاربها. أياً كانت النوايا فإنّ خطوتها تلك في محلّها، وستقطع أيدي إيران وتكبح جماحها في اليمن. لكن بإعلان السعوديين أنّ الحملة ستستمر حتى يتمّ ردع الحوثيين، وبأخذ الواقع اليمني بعين الإعتبار، إذ لم يعد فيه جيش وطني قادر على إستلام زمام الأمور. بل ربما يتطلّب تأسيس جيش جديد عدة سنوات، فإنّ الحملة بشكلها الحالي المقتصر فقط على الضربات الجوية دون تدخل بري، سوف يعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل وقت قريب، أي حالة من تقاسم عدد من الفرقاء للسلطة والأدوار والدخول في حالة مشابهة للحالة اللبنانية وإستمرار المراوحة في وضعية ما قبل الدولة. وبالتالي الحصول على نتائج بعيدة عن أماني الشعب اليمني.
منذ البداية لم تكن طلبات السعودية تعجيزية، بل حذّرت فقط من التوجه إلى عدن ودعت إلى التفاوض، لم يصغِ الحوثيون وصالح الذي يريد اليمن كاملة غير منقوصة له ولعائلته، حتى لو كلّفه الأمر رهن اليمن لإيران، فلم يبق أمام السعودية إلا العمل العسكري.
على بعد آلاف الأميال يعاني الأمريكيون من الشيزوفرينيا، فيسمحون بقطع أيادي إيران في اليمن. في نفس الوقت الذي يطلقون أيديها في سوريا والعراق ويسلّمونها قيادة الحرب على داعش فيه.
تعثّرت عملية إقتحام مدينة تكريت وتوقفت لحوالي الشهر، بسبب توقف الإسناد الجوي. ثمّ إستؤنفت الضربات الجوية عليها بالتزامن مع بدء عاصفة الحزم، والذي أتى عقب تراجع مليشيات الحشد الشعبي وإستلام قيادة الجيش العراقي للعملية، وهذا ما إشترطه الأمريكيون لإستئناف الغارات ضدّ داعش، حسب قائد القيادة الوسطى للجيش الأمريكي. فهل حدث ذلك بالإتفاق مع عشائر سنية عراقية، خوفاً من تكرار جرائم مليشيات الحشد الشعبي، في مدينة تحمل رمزية كبيرة لدى سنّة العراق؟ أم كان توقفها ثمّ استمرارها بالإتفاق مع السعودية التي سمحت بإقتحام تلك المدينة السنّية بعد حصولها على موافقة بعمل عسكري في اليمن.
لا يدعو قرار تشكيل قوات عربية مشتركة للتفاؤل، وذلك بسبب طبيعة الأنظمة الحاكمة حالياً. فهل تستطيع هذه القوات التحرّك لحماية الشعب السوري من إرهاب نظام الأسد وإيران؟ وهل ستقوم بحماية سنّة العراق من إرهاب إيران ونظام العبادي الذي ورث كلّ ممارسات المالكي؟ وهل تستطيع التفكير بعمل شيء تجاه الإرهاب الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني؟ الذي يبقى الأكثر خبرة بما يسمى العمل العربي المشترك أو بالأحرى عمل الأنظمة العربية المشترك؛ وهو ما كلّف الأمة خسارة فلسطين بعد حرب 1948. على العكس ربما تكون هذه القوة نقمة، فلن تتحرّك على الأرجح إلا ضمن نطاق موضة محاربة الإرهاب القديمة الجديدة. وطبعاً يبقى تعريف هذا المصطلح فضفاضاً لأبعد الحدود؛ فقد تذرّع به أحد أزلام الحوثي لتبرير قصفهم للقصر الرئاسي في عدن. وهذا هو نفس منطق باقي الأنظمة العربية، التي تفصّل كلّ شيء على مقاسها. سيكون أول برهان على مصداقية القوات العربية المشتركة إستخدامها لعمل شيء في سوريا، فمن الناحية النظرية يمكن توسيع عاصفة الحزم لتشمل سوريا. الشعب العربي عاطفي بطبيعته، وفي هذا الظرف بالذات؛ حيث ينزف الملايين ويعانون من أشدّ درجات القهر، في وقت تملك بلادهم إمكانات إقتصادية وقدرات عسكرية هائلة، لكنّها لا تزال معطّلة. لذلك شعر الكثيرون بشيء إستثنائي إثر عاصفة الحزم التي تبدو خطوة نحو عمل عربي مشترك. لكن من قتل الآلاف في ميداني رابعة والنهضة، ويصمت عن قصة الموت المعلن التي يعيشها يومياً ملايين السوريين والعراقيين. لا يمكن أن يكون على قدر تلك المشاعر والأحلام. لا تتحرّك تلك الأنظمة إلا لحماية عروشها.
السعودية حصلت على ضوء أخضر أمريكي للتدخل في اليمن، كجائزة ترضية بعد التقارب الأمريكي الإيراني وقبل الإعلان عن إتفاقية حول البرنامج النووي الإيراني لكنّها لا تملك الكثير خارج اليمن.
الضربات الجوية غير ناجعة ما لم يرافقها تحرك عسكري على الأرض، يستعيد السيطرة على صنعاء وباقي المناطق التي إحتلّها الحوثيون وحليفهم صالح. وهذا ما قد تقوم به قوات موالية للرئيس هادي. ثمّ يعود الحوثيون إلى جبالهم، ويبقى مصير صالح غامضاً نوعاً ما. لن تحلّ كلّ مشاكل اليمن ويعود سعيداً، ما لم يحدث تدخل عسكري بري ينزع سلاح الحوثيين وأنصار صالح، ويحصر على الأقل الثقيل منه بيد الجيش، الأمر الذي يتطلّب تأسيس جيش وطني جديد وهذا ما يبدو بعيد المنال خلال المدى المنظور، لذلك قد يعاني اليمن من الفوضى لفترة ليست قليلة.

اقرأ المزيد
٦ أبريل ٢٠١٥
رهان إدلب غير المحسوم

أعلنت فصائل “جيش الفتح” يوم 28 آذار الراهن بسط سيطرتها على مركز مدينة إدلب، بعد قرابة ثلاثة أيام من إعلان “جيش الفتح” بدء المعركة يوم 24 آذار الراهن، كانت هذه المعركة السريعة أول معركة معلنة تقوم بها الفصائل المقاتلة لنظام الأسد منذ وقت طويل، كانت التحشيدات واضحة حول المدينة قبل بدء المعركة بأكثر من أسبوعين، وسحب النظام مؤسساته وموظفيه من المدينة إلى بلدة “جسر الشغور” المجاورة للمدينة قبل وقت مشابه، وكان الجميع ينتظر بدء هذه المعركة “السرية.

يعتبر هذا “الانتصار” هو الأول بهذا الحجم الرمزي والإعلامي بعد مرحلة طويلة تراجعت فيها إنجازات وسيطرة الثوار أمام تنظيم الدولة أو نظام الأسد والميليشيات الشيعية في الشمال السوري، و في مقابل هذا الانتصار المعنوي الكبير، ينبغي الوقوف على الأبعاد الأكثر عمقاً –وتأثيراً- للمعركة على المدى الأبعد، على المستوى العسكري الميداني، أو على المستوى السياسي الدولي، أو حتى على المستوى الاجتماعي والإنساني، والتي قد تحتاج وقفة أهدأ –رغم صوت المعركة العالي- لتقييم مدى هذا الإنجاز وأطر الاستفادة منه.

خلل الأولويات العسكرية في الشمال السوري

أعلن عن تشكيل جيش الفتح ليكون الواجهة العسكرية والإعلامية للفصائل المشاركة في معركة إدلب، ورغم كلمة “الجيش” ذات الدلالة العسكرية المباشرة، إلا أن التسمية تحيل إلى غرفة عمليات وتنسيق يخص المعركة أكثر مما هو فصيل أو تحالف دائم.

يضم جيش الفتح هذه التشكيلات مرتبة بشكل تقريبي حسب العدد والقوة المشاركة فيه:

- حركة أحرار الشام: التي مثلت بفصيلين هما أحرار الشام وصقور الشام الذين اندمجوا بالحركة، وحملت الحركة العبء الأكبر في المعركة باستلامها الجهة الشرقية الأكثر تعزيزاً للمدينة، ومشاركتها في الجهات الأخرى.

جبهة النصرة: التي يبدو أنها كانت أول من طرح فكرة المعركة.

جند الأقصى: وهو فصيل سلفي جهادي يغلب عليه المهاجرون ولم يشترك في القتال ضد داعش، وهو أكثر تشدداً في فكره وعلاقته مع الفصائل والمجتمع المحلي من جبهة النصرة، وقد اشترك في هذه المعركة بعناصره وبكتائب محلية دخلت المعركة ببيعة قتال مؤقتة تحت اسمه بسبب شروط الدخول إلى جيش الفتح والتي تتضمن توفر السلاح الثقيل، الشرط الذي استفاد منه الجند بعد الاستيلاء –مع جبهة النصرة- على أسلحة حركة حزم في خان السبل والفوج 46 في آذار 2015م.

فيلق الشام: وهو أكبر فصائل الجيش الحر التي تمثل مدرسة الإخوان المسلمين، وقد ورث معظم فصائل هيئة حماية المدنيين، والغالب على وجوده في ريف إدلب وريف حماة.

أجناد الشام: بقيادة أبو حمزة الحموي، وكان للأجناد مشاركة قوية في معارك ريف حماة.

جيش السنة: بقيادة أبو عبيدة الحموي الذي كان أحد قيادات الأحرار وانفصل عنهم قبل قرابة شهر فقط من المعركة، ويغلب على الفصيل أبناء حمص ثم حماة.

لواء الحق: فصيل محلي من أبناء ريف إدلب وبلدة تفتناز لم يشارك في قتال داعش واشترك وقتها مع جند الأقصى ولواء عمر ولواء داود في “تحالف المهاجرين والأنصار” في كانون الثاني 2014م، ولكن لا يمكن القول إنه تنظيم سلفي جهادي.

ويمكننا الكلام هنا بالنسبة للجيش ولفهم خطابه أو صراعاته اللاحقة الممكنة عن وجود تكتلين كبيرين: الكتلة الثورية الإسلامية التي يمثلها أحرار الشام وفيلق الشام، والكتلة السلفية الجهادية التي يمثلها جبهة النصرة وجند الأقصى، والفصائل الأصغر متوزعة بين الجانبين.

سيطر الثوار على معظم مساحة ريف إدلب منذ بدايات 2013م، خاصة في الريف الشرقي والشمالي والجنوبي، في المناطق التي تمثل امتداداً لريف حلب وريف حماة الشمالي، بينما تمركز النظام بقوة في “أريحا” وجسر الشغور” غرب المدينة واللتان تشكلان الامتداد والإمداد نحو الساحل أولاً ثم حماة، وكانت القطع العسكرية الأهم التي بقيت ضمن أو على حدود هذه المنطقة المحررة حتى ما قبل السيطرة على المدينة: معسكر المسطومة، معمل القرميد، بلدتا كفريا والفوعة، جبل الأربعين (الذي يحمي طريق أريحا)، وبالطبع جسر الشغور وأريحا.

في نهايات كانون الثاني 2015م، أعلنت ألوية صقور الشام معركة شبه منفردة، لتحرير جبل الأربعين، لم تلبث أن توقفت بعد أيام دون أن تحقق أهدافها، وكانت هناك محاولة مصغرة من جبهة النصرة لعملية انغماسية ضمن معسكر المسطومة الذي قامت ضده أكثر من معركة لم تنجح، أما كفريا والفوعة حيث الخزان البشري للميليشيات الشيعية المحلية فهما مصدر للقصف المستمر (والمتبادل) مع قوات الثوار، إضافة لحمايتهما ظهر المدينة وطريق الساحل (سابقاً)، وبالنسبة لجبهة أريحا – جسر الشغور فإن أهميتها استراتيجية بالنسبة لجبهة الساحل ومحور (إدلب-حماة-الساحل).

تقع المدينة في امتداد المساحة الجغرافية الواسعة التي يسيطر عليها الثوار، ولكنها أيضاً في قلب هذه المعسكرات وعلى حواف طرق إمداد النظام من حماة والساحل وإليهما.

إن أخذنا الجبهة الشمالية بالعموم، فمن الملاحظ ضعف الخطوط –والخطط- الدفاعية للثوار أمام تمدد النظام في خطة دبيب النمل التي تهدف لتطويق حلب وقطع الطريق ما بين المدينة والريف الشمالي، بلغت هذه الخطة آخر إنجازاتها بالسيطرة على “باشكوي” في ريف حلب الشمالي منذ 17 شباط الراهن، وباستعادة حندرات بعد أيام من سيطرة الثوار عليها الشهر السابق، هذا بعد استنزاف طويل لمقاتلي الثوار على هذه الجبهات طيلة سنة ونصف، ومقتل أعداد هائلة فيها من الجانبين، دون تحقق إنجاز عسكري مضاد من قبل الثوار، أو فتح طريق بديل، ما يجعل أكبر ثقل للثورة في الشمال السوري (مدينة حلب) معرّضاً لتهديد دائم ومستنزفاً في خطوط الرباط الطويلة، رغم تأمين عمقه الاستراتيجي في ريف حلب وريف إدلب.

انقلاب “المعتاد العسكري” هذا المتمثل بقلب مهدد وأطراف آمنة، لا يبدو أنه سيتحسن عسكرياً بفتح “قلب” آخر في مدينة إدلب.

على جبهة حماة المقابلة، التي تبدو أكثر اتصالاً بجبهة إدلب وريف حلب الجنوبي، وتشكل معها محور العمق والحماية لطرق الإمداد لجبهة الساحل ولقوات النظام في حلب أيضاً، فلم يحصل تقدم مفصلي بعد انهيار جبهات الثوار بعد انسحاب جبهة النصرة من محردة الذي تلاه انسحاب كافة الفصائل من معظم المواقع التي تقدمت فيها في ريف حماة الشمالي، منذ أيلول 2014م، وكانت الخسارة الاستراتيجية الأكبر سقوط مورك التي تقع على طريق الإمداد نحو حلب في 23 تشرين أول 2014م، ويتمركز تنظيم الدولة في بادية حماة من الجهة الشرقية ويهاجم باستمرار طريق السلمية – أثريا، ويشكل بؤرة تهديد للثوار هناك مع طرق إمداده المؤمنة من دير الزور عبر البادية.

أما بالنسبة لخارطة الفصائل فلم يقتصر التراجع على التقلص العددي بإصابات الحرب، وإنما اختفت سبع فصائل بأكملها من جبهات ريف إدلب وريف حماة بعدما فككتها جبهة النصرة خلال الأشهر السابقة بعد إعلان مشروع الإمارة الذي تلته السيطرة على جزء كبير من ريف إدلب خاصة الشريط الحدودي مع تركيا وجبل الزاوية، الأمر (المقصود انتهاء هذه الفصائل) الذي قد تظهر تبعاته فيما لو فتح النظام جبهة ريف حماة من جديد (كان لحركة حزم بالذات دور مهم في جبهة مورك)، عدا عن زرعه نزعة من الاحتقان والشك المستمر ما بين جبهة النصرة والفصائل الأخرى، وتتجه خارطة الفصائل في الشمال السوري لتكون أكثر وضوحاً ببقاء التشكيلات الكبيرة (أحرار الشام، الجبهة الشامية، جبهة النصرة) واتجاه الفصائل الأصغر إلى الاندماج في أجساد كبرى خوفاً من أن يتم ابتلاعها أيضاً، هذا لا ينفي وجود اضطرابات داخلية ضمن هذه الأجساد الكبيرة نفسها.

على مستوى الأولويات، تبدو أولوية النظام في الشمال السوري السيطرة على طرق الإمداد والحفاظ على القطع العسكرية التي تقصف المناطق المحررة أما كمناطق جغرافية فأولويته الساحل والبلدات الشيعية في ريف حلب وإدلب، بينما أولوية تنظيم الدولة فهي تأمين مناطق سيطرته والتوسع على المواقع النفطية وتأمين طرق إمداد إضافية لسيطرته الاستراتيجية على البادية التي تؤمن له طرق إمداد خلفية وامتداداً شاسعاً بين الجبهات الشرقية والشمالية والوسطى والجنوبية، ما يقطع الاتصال الجغرافي لمناطق الثوار، أما أولوية الثوار فلا يظهر وجود استراتيجية عسكرية شاملة للشمال السوري وتكاد تقتصر المحاولات على الحفاظ على المناطق التي يسيطرون عليها في حلب وإدلب والتوسع “جغرافيّاً” قبل السيطرة على القطع العسكرية وطرق الإمداد المحيطة بها الجغرافيا، ومن الواضح أن استثمار الموارد المحدودة والمتناقصة -البشرية والمادية- للفصائل لم يستغل في المكاسب العسكرية الأكثر أهمية والأقل خسائر.

تعتبر السيطرة على مدينة إدلب إنجازاً مهمّاً ولكن يبقى ناقصاً دون العمل على القطع العسكرية المحيطة بها (خاصة المسطومة) واستكمال المعركة في محور جسر الشغور – أريحا، حتى لو كانت بقطع طرق الإمداد دون السيطرة على المدن، لأن البقاء على المدينة وحدها سيمثل استنزافاً للمقاتلين في نقاط رباط إضافية، مع استمرار الضغط في المقابل على جبهات حلب التي كان يغطيها مئات من هؤلاء المقاتلين.

وعلى المدى البعيد، فإن العمل على محاور جسر الشغور- أريحا في ريف إدلب، و مورك في ريف حماة، ومعامل الدفاع في ريف حلب الجنوبي يمكن أن يقدم إنجازاً عسكرياً استراتيجيا للشمال السوري.

رايات ضد السياسة

لم يكن خافياً على من خططوا للمعركة من الفصائل الثورية أن الهدف منها سياسي أكثر منه عسكريًّا، عبر انتزاع ثاني مركز محافظة بشكل كامل من قبضة النظام بعد الرقة (شباط 2013م)، ليكون مركز المدينة الوحيد الذي يسيطر عليه الثوار في الشمال السوري (وفي سوريا عامة)، باعتبار أن مدينة حلب مقسمة بين الثوار والنظام، وإن كانت مساحة الجزء المحرر من مدينة حلب أكبر من مدينة إدلب.

ولكن هذا النصر الإعلامي الكبير الذي تحقق بسيطرة “جيش الفتح” على مدينة إدلب، والذي لم يحرز إنجازاً عسكرياً ضخماً، بقدر ما أريد أن يترجم كإنجاز ومكاسب سياسية ممكنة جداً، ولكن هذا الإمكان يواجه عوائق عدة، أو بالأحرى فإن استفادة الفصائل الثورية من هذا الإنجاز هي التي تواجه عوائق عدة، والجزء الأكبر من التحدي السياسي هنا إعلامي بالدرجة الأولى، ولذلك سنحلل الصورة الإعلامية التي انتشرت عن المعركة.

في 24 آذار الراهن انتشر خبر إعلان جيش الفتح بدء معركة إدلب على الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بهذه الصيغة:

توحد الفصائل الجهادية في الشمال السوري في جيش الفتح وإعلان بدء معركة إدلب.

وبطبيعة الحال فحتى دون نقل الخبر كاتحاد واندماج فإن اسم “الجيش” لا يوحي بغير ذلك، وهو اتحاد الفصائل ذات المشروع الثوري والإسلامي المحلي (أحرار الشام وفيلق الشام) مع تنظيمات سلفية جهادية معولمة ومصنفة على لائحة الإرهاب (جبهة النصرة وجند الأقصى) ضمن فصيل واحد، الأمر الذي لم يحصل بطبيعة الحال; باعتبار أن “جيش الفتح” هو مسمى لغرفة عمليات المعركة، ولكنه دال لا يحيل إلى مدلوله الدقيق، وطيلة الأيام اللاحقة حاول الناطقون باسم أحرار الشام والفصائل المشاركة استدراك هذا الخطأ اللغوي (والسياسي) بتوضيح أن “جيش الفتح” هو “غرفة عمليات جيش الفتح”، الأمر الذي نفاه الحساب الرسمي لجيش الفتح نفسه على تويتر عبر تغريدة كان نصها:

جيش الفتح لم يكن غرفة عمليات مؤقتة هو جيش حقيقي رجاله من خيرة الرجال وقادته من خيرة القادة وسيواصل فتوحاته قريباً بإذن الله.

بينما كان يمكن تجنب هذا الأمر وتبعاته الواضحة باختيار اسم أكثر دلالة على التنسيق لا على الاندماج.

وبعد السيطرة على المدينة استعادت “تصريحات ما بعد التحرير” صورة الجيش كمشروع مستمر إلى “دمشق”، ما ألغى أيضاً تأثير التوضيح أنها غرفة عمليات للتنسيق وحسب.

لم يقتصر الأمر على الأسماء بطبيعة الحال وإنما يمتد إلى الأرض، كان الاتفاق ضمن غرفة عمليات جيش الفتح على ألا تظهر الفصائلية في المدينة بعد التحرير، وتكون راية جيش الفتح فقط هي الممثلة للعمل، ولكن ما ظهر وانتشر على الإعلام العالمي هو أعلام جبهة النصرة فوق جميع معالم المدينة، الأمر الذي أذاع صورة أن تنظيم القاعدة يسيطر على المدينة، بينما لم تظهر أعلام الثورة السورية إلا في بضع صور شخصية كانت واحدة منها فقط من فصيل مشارك في المعركة وهي للقائد العسكري لفيلق الشام الرائد ياسر عبدالرحيم.

وبالنسبة لبيان التحرير فإن البيان الذي انتشر عن تحرير المدينة كان لقاء مصوراً مع الشيخ السعودي الشاب د.عبدالله المحيسني، والذي قدّم خطاباً إيجابيّاً ومتزناً واعتبر أن أبناء إدلب هم من حرروا إدلب، ولكن هذا الخطاب بطبيعة الحال لم يصدر من أحد القيادات المحسوبة على الثورة السورية، وإنما على “الجهاد العالمي.

هذا الغياب لحضور خطاب الثورة السورية أو أعلامها في التحرير، رغم أن العبء الأكبر من المعركة تحملته الفصائل الثورية، حاولت أجهزة المعارضة السياسية أن تملأه بتصريحاتها عن دخول مدينة إدلب ونقل مؤسساتها هناك لإدارة المدينة وتخديمها، ولكن موجة التصريح المضاد من الكتلة السلفية الجهادية عن أن الائتلاف لن يدخل إدلب بل ستُحكم بشرع الله، وعدم توضيح الكتلة الثورية الإسلامية في جيش الفتح موقفها من هذه التصريحات، زاد من هيمنة الصورة الإعلامية عن أن تنظيم القاعدة هو من يحكم إدلب، وليس “الثورة السورية”، قد يكون ثمة تداخل ميداني وتنظيمي وحتى فكري بين المفهومين، لكنهما أمام العالَم السياسي مشروعان منفصلان.

دوليّاً، أصبح الواقع الإقليمي بعد عاصفة الحزم مفتوحاً على احتمالات التدخل في سوريا أو تغيير المعادلة على الأقلّ، كان يمكن لمعركة إدلب أن تعيد التذكير بالثورة السورية كمشروع يمتلك مدناً ويثبت نفسه كبديل وشريك في تغيير الوضع السوري، ولكن هذ المشروع بقي دالاً دون مدلول واضح، فلم يتمثل في جسد سياسي ولا جسد عسكري متفق عليه وقادر على التفاوض واتخاذ القرار، لا على المستوى السوري الوطني وحسب بل حتى في الشمال السوري وحده، ولم تمثل الفصائل الثورية الكبيرة (مثل أحرار الشام) مشاريع قادرة على ضبط الجغرافيا والحرب وحدها حتى تدخل في اتفاقيات الدول وتستفيد – إلى حد جذري – من تغير المعادلات الإقليمية، ولم تقدم نفسها كممثل للثورة السورية ولا رفعت علم الثورة في أماكن سيطرتها، بقدر ما حاولت التركيز على هويتها الخاصة المتداخلة بين الثورية والجهادية، نتيجة المزايدات السلفية الجهادية التي اخترقت الفضاء السوري الثوري العام وهيمنتْ عليه.

هذا كله جعل المكسب السياسي الممكن من هذا الإنجاز العسكري غير المكتمل، يضيع في المنطقة الضبابية التي وضعت الفصائل الثورية نفسها فيها، نتيجة عدم التوحد على تمثيل مشروع الثورة السورية حتى عبر الشعارات والأعلام، وليس عبر مؤسسات عسكرية وسياسية، ضياع المكسب السياسي هذا قد يُضاف لاستفادة جبهة النصرة من المعركة، رغم الإعلان المتكرر عن أنها لن تعلن قيام الإمارة بعد تحرير إدلب.

يبقى التحدي الأخير هنا هو عبء إدارة المدينة لمن سيتبقى فيها بعد موجة النزوح الكبيرة التي تلت سيطرة جيش الفتح عليها، والذي يمكن به تدارك الصورة الإعلامية التي يروجها إعلام النظام السوري عن المناطق التي ينسحب منها، باعتبارها مناطق لحكم القاعدة وللنهب الفوضى، ويمكن به أيضاً تعديل الصورة التي انتشرت للعالم كذلك عن المدينة وإثبات وجود بديل مؤهل في المناطق المحررة، وهذا ما استطاع “جيش الفتح” إثبات قدرة انضباطية عالية فيه حتى الآن مقارنة بعمليات تحرير المدن السابقة، رغم بعض التجاوزات، ولكن يبقى الرهان معلّقاً حتى ضبط الأمن في المدينة، خاصة بالنسبة للمسيحيين، وعدم اتخاذ مؤسسات المدينة كمقرات للفصائل، ما سيلغي فوراً ميزتها كمدينة ذات مؤسسات، ولا يبدو أن لدى الفصائل قدرة مالية أو إدارية على تحمل هذا العبء دون وجود هيئات مدنية ومحلية توكل إليها مهمة إدارة المدينة (وهذا ما أعلنت عنه حركة أحرار الشام في الدعوة لإدارة مدنية بحماية عسكرية للمدينة)، وهو ما يمكن أن يجنّب المدينة صراعات النفوذ والأيديولوجيا بين الفصائل العسكرية، إضافة إلى أنه يتيح للفصائل العسكرية التفرغ لاستكمال هذا الإنجاز العسكري المهدد، هذا ما يجعلنا نتوقع أن رفض عرض الحكومة المؤقتة ليس أمراً محسوماً بعد.

خلاصة

لا شك أن السيطرة على مدينة إدلب تمثل انتصاراً معنويّاً مهمّاً للثوار السوريين، وتقدير نتائج هذا الإنجاز عسكريا وسياسيا، يضعنا أمام تحديات عسكرية لا بد من حسمها لاستكمال هذا الإنجاز، أولاً بتأمين هذا القلب من القطع العسكرية المحيطة به (المسطومة ومعمل القرميد) وثانياً بالعمل على محور (جسر الشغور – أريحا) الذي يهدد جبهة إدلب باستمرار ويحمي النظام في الساحل، والعمل ضمن خطة استراتيجية عسكرية للشمال السوري تقطع طرق إمداد النظام بين حلب وحماة والساحل وتحقق اتصالاً جغرافيا مؤمّناً بين مناطق سيطرة الثوار.

أما سياسياً، فرغم إمكانات الاستفادة الكبيرة من هذا الحدث مع التغيرات الإقليمية، إلا أن عدم وجود جسد سياسي وعسكري متفق عليه يمثل الثورة السورية، وعدم إجماع الفصائل المشاركة على تقديم نفسها كممثل عن الثورة السورية، وانتشار صور “سوداء” عن السلطة المسيطرة في المدينة، يحرم الثوار السوريين -وهذه الفصائل نفسها- من الاستفادة السياسية الكاملة من الحدث، عدا عن أن الإعلان عن “جيش الفتح” له عواقب سلبية على الفصائل المشاركة قد لا تكون ظهرت الآن بعد.

ويبقى العبء المدني، سواء بإدارة المدينة، أو إغاثة النازحين الذين يعدّون بعشرات الآلاف منها، هو الرهان الأصعب بالنسبة للفصائل العسكرية إن لم تقم بالأمر هيئة مدنية محلية تمنع تحويل المدينة إلى ساحة صراع على النفوذ والأيديولوجيا بين الفصائل، وتوفر على الفصائل احتمال الفشل في الإدارة المدنية الذي تكرر من قبل في أماكن أخرى.

اقرأ المزيد
٥ أبريل ٢٠١٥
كي لا تقع إدلب تحت سيطرة التطرف!

تطرح عملية تحرير إدلب في شمال سوريا وبصرى الشام في الجنوب، السؤال عن مآل المنطقتين، وعن ماهية القوى التي ستحكمهما، وتتحكم بأهلها في المستقبل. وهذه بين أسئلة لا تشغل بال السوريين فقط لأنها تتعلق بحياتهم ومستقبل بلدهم، بل تشغل بال المحيط الإقليمي والدولي وكل المهتمين والمتصلين بالقضية السورية نتيجة احتمال سيطرة المتطرفين الإرهابيين على المنطقتين أو واحدة منهما، أو احتمال السير في اتجاه آخر، وهو إقامة سيطرة سلطة مدنية في المنطقتين أو في واحدة منهما.
واحتمال سيطرة المتطرفين الإرهابيين في أي من المناطق التي تم طرد قوات النظام منها مؤخرا، أمر وارد، لكنه يظل في باب الاحتمالات الأكبر في إدلب وجوارها مقارنة بما هو عليه الحال في بصرى الشام وجوارها لأسباب مختلفة ومتعددة، تتعلق بطبيعة تلك المناطق، ووضع القوى العسكرية، وطبيعة الصلات القائمة بين تلك المناطق وجوارها الجغرافي والسياسي.
ففي إدلب ومحيطها، يسود نفس ذو طبيعة متدينة، وتنتشر فيها قوى إسلامية، وتجاورها مناطق ينتشر فيها تنظيم داعش، إضافة إلى تمركز القوة الرئيسية لـ«جبهة النصرة» في المنطقة، التي تعتبر مع «داعش» أشد قوى التطرف والإرهاب، ومعهما نظام الأسد وعصاباته. والأمر الإضافي هو أن «النصرة» وسعت في الأشهر القليلة الماضية دائرة نفوذها، بعد أن وجهت ضربات لأهم خصومها من القوى العسكرية في المنطقة، ومنها «جبهة ثوار سوريا» و«حركة حزم» المحسوبتان على «الجيش الحر»، ودمرتهما تماما، واستولت على أسلحتهما وأماكن تمركزهما، وفي طريق عملياتها، لم تسلم من أذيتها قوى أخرى في المنطقة وجوارها، وبالنتيجة تكرست «جبهة النصرة» قوة رئيسية في المنطقة، قبل أن تنضم إلى جانب القوى الأخرى وخاصة حركة «أحرار الشام» لتشكل «جيش الفتح»، وتخوض معهم معركة طرد قوات النظام وحلفائه وفرض سيطرة «جيش الفتح» على إدلب.
ولئن كان الحضور العسكري والقوي لـ«جبهة النصرة» فرع «القاعدة في سوريا»، يمثل مصدر خوف في سيطرة المتطرفين والإرهابيين على إدلب وجوارها، فإن ثمة عاملا رئيسيا آخر يدعم الخوف ذاته، وهو تصريحات قادة «داعش»، التي أكدت أن سيطرة «النصرة» على إدلب تمثل خطوة تمهيدية لسيطرة «داعش» اللاحقة، وهو سيناريو كان قد حدث في مدينة الرقة، التي باتت عاصمة لـ«داعش»، والتي مرت بعد طرد قوات الأسد هناك بثلاث نقلات أساسية، فانتقلت من تحت سيطرة حركة «أحرار الشام» إلى تحت سيطرة «النصرة»، قبل أن يستولي «داعش» على المدينة، ويحكم قبضته عليها.
وتؤكد المعطيات الواقعية والتجارب القائمة في مناطق الشمال السوري أن سيطرة التطرف والإرهاب على إدلب ومحيطها أمر ممكن، خاصة في ظل وجود «جبهة النصرة» القوي هناك مع احتمال تحالفها مع «داعش» كما يحدث في الصراع الراهن على مخيم اليرموك جنوب دمشق، حيث يتحالف الطرفان ضد قوات سورية - فلسطينية محسوبة على الجيش الحر أو قريبة منه في المنطقة.
ورغم أن سيطرة التطرف والإرهاب على إدلب ومحيطها هي في باب الاحتمالات، فإن المطلوب حذر في وجه الاحتمال، لأن حصول مثل هذا الاحتمال سوف يؤدي إلى خروج كل القوى المسلحة المعتدلة من ساحة الصراع في سوريا، وهذا سيغلق الباب أمام أي مساعدة دولية سياسية أو عسكرية وربما إغاثية للسوريين، حيث إن سيطرة المتطرفين والإرهابيين في المنطقة سيدفعهم إلى ذهاب عملي نحو تصفية ما تبقى من القوى المعتدلة، بما في ذلك المجموعات الصغيرة والأفراد، ومصادرة فرص الحراك الشعبي والمدني على نحو ما حدث في مناطق سيطرة «داعش».
ويتطلب الوضع في ضوء احتمالاته، استنفارا واسعا في المستويات الداخلية، وخاصة في الشمال السوري، إضافة إلى استنفار إقليمي، وخاصة من جانب تركيا لحصار احتمالات سيطرة التطرف والإرهاب على إدلب، من أجل تحشيد كل القوى السياسية والعسكرية المناهضة لسيطرة المتطرفين من جهة، ولجم تمدد الأخيرين من جهة أخرى، ووضع قواعد سياسية وعملية، تجعل من إدلب ومحيطها نموذجا، لما يمكن أن تكون عليه حالة المناطق السورية الخارجة عن سيطرة النظام، وهذا لن يخلق فرصا جديدة، أو أفضل لحياة السوريين، بل سيضع نموذجا ومثالا أفضل أمام بقية المناطق السورية لرسم مستقبل أفضل لحياتهم، وسيشجعها على التوجه إلى التجربة الجديدة لتقليدها، إن لم يفتح بوابة إبداع لحياة أفضل منها، غير أن من المهم في هذا المجال القول إن التجربة ستترك أثرا على الرأي العام الدولي، وموقف القوى الإقليمية والدولية من تجربة سورية تكاد تكون خالصة في القدرة على منع تمدد التطرف والإرهاب إلى المناطق التي تخرج منها قوات النظام، وخلق نموذج مدني أفضل لحياة السوريين، وهذا سيعزز فرص دعم السوريين، وقضيتهم من جانب المجتمع الدولي.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٢ سبتمبر ٢٠٢٥
رسائل "الشرع" من قمة كونكورديا: خطاب يفتح أبواب سوريا على العالم
أحمد نور الرسلان
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني