المفترض أن العرب، إنْ ليس كلهم فمعظمهم، يعارضون إحباط محاولات إيران للحصول على السلاح النووي والقنبلة الذرية ما دامت إسرائيل، التي هي العدو الرئيسي والاستراتيجي وعلى المدى المنظور والبعيد أيضا، تمتلك هذا السلاح ومنذ سنوات بعيدة، وما دامت الولايات المتحدة متواطئة معها وترفض أي محاولة لإثارة هذه القضية الحساسة إنْ في الأمم المتحدة أو في غيرها من المحافل الدولية المعنية.
لكن المشكلة تكمن في أن إيران لا تسعى لامتلاك السلاح النووي والقنبلة الذرية لتحرير فلسطين، أو لمواجهة إسرائيل، بل لتفرض نفسها كإمبراطورية فارسية تتدثر بجلباب المذهب الشيعي - الجعفري الاثني عشري، وتضع فوق رأسها العمامة السوداء (الإمامية)، لتفرض نفسها وعلى غرار ما كان قائما في العصور الغابرة على الشرق الأوسط العربي والمنطقة العربية كلها، ولتحول عواصم العرب، كما قال أحد كبار المسؤولين الإيرانيين، إلى مجرد أجرام صغيرة تدور في فلك العاصمة الإيرانية طهران.
كانت باكستان أول دولة إسلامية تمتلك السلاح النووي والقنبلة النووية، وكان العرب كلهم، شعوبا ودولا وحكومات، قد اعتبروا أن هذا الإنجاز هو إنجاز لهم، فدافعوا عنه وتغنوا به، مع أن إسلام آباد لم تشر ولو إشارة واحدة إلى أن هدف ما حققته على هذا الصعيد هو تحرير فلسطين، أو هو مواجهة إسرائيل، ومع أن المعروف أن الهدف كان ولا يزال هو إحراز توازن رادع بعد امتلاك الهند لهذا السلاح بدعم وتأييد الاتحاد السوفياتي السابق الذي كان ينخرط، كما روسيا الآن، في صراع نفوذ مع الولايات المتحدة في هذا الجزء من آسيا وفي العالم بأسره.
كان على إيران أن تقنع العرب، بالأفعال وليس بمجرد الأقوال، أن سعيها للحصول على سلاح نووي لا يستهدفهم ولا يستهدف دورهم ومكانتهم في هذه المنطقة والشرق الأوسط كله، لكنها في حقيقة الأمر فعلت عكس هذا تماما، فهي عندما بادرت إلى استكمال ما كان أنجزه الشاه السابق محمد رضا بهلوي كانت قد كشفت عن نواياها وبالأدلة القاطعة وبالتدخلات الواضحة، وأن هدفها القريب والبعيد هو إلحاق العراق وسوريا بها، وهو السيطرة على المنطقة العربية، وهذا ما تأكد لاحقا، والدليل هو ما يجري في اليمن الآن والسعي لتحويل الشيعة العرب إلى جاليات إيرانية في بلدانهم.
إذن.. إن هذا هو أحد دوافع إيران للحصول على السلاح النووي، أما الدافع الثاني فهو إيجاد توازن رعب مع باكستان السنية التي كانت ولا تزال لها اليد الطولى في أفغانستان المجاورة، ولهذا فإن الاتحاد السوفياتي السابق كان قد فعل ما فعلته روسيا لاحقا بدعم طهران في السعي لامتلاك قنبلتها النووية. وهنا فإنه يجب أخذ صراع موسكو مع بكين سابقا بعين الاعتبار، وحيث كانت ولا تزال العلاقات الصينية - الباكستانية متينة وقوية، مع أن الهدف الحقيقي لمتانة هذه العلاقات في حقيقة الأمر هو مواجهة الهند التي لها مشاكل وإشكالات كثيرة مع كلا البلدين.
ولهذا فإن المعروف أن الاتحاد السوفياتي، الذي كان يتعامل مع شاه إيران السابق على أساس أنه تابع للولايات المتحدة وللمعسكر «الإمبريالي» الغربي، قد بادر إلى تأييد الثورة الإيرانية، التي أطاحت بعرش الطاووس في عام 1979، فهو (أي الاتحاد السوفياتي) كان وبخاصة بعد هزيمته في أفغانستان يخشى انتفاض الجمهوريات الإسلامية، السنية بمعظمها، ضده وهو كان يرى أن من مصلحته حصول إيران على السلاح النووي والقنبلة الذرية ما دام الهدف ليس إسرائيل وإنما باكستان، وكذلك إسناد التمدد الإيراني في المنطقة العربية، وهذا هو في حقيقة الأمر ما بقي يفعله الروس منذ بدايات تسعينات القرن الماضي وحتى الآن.
وهكذا فإن دافع الولايات المتحدة الرئيسي ومعها المعسكر الغربي كله (دول الاتحاد الأوروبي كلها)، من السعي الدؤوب منذ عام 2002 لإجهاض المشروع النووي الإيراني، هو الاستجابة لرغبة إسرائيل التي من المؤكد أنها تعرف حقيقة النوايا والتطلعات الإيرانية الآنفة الذكر، إلا أنها تحت وطأة الخوف من المستقبل ودائما وأبدا لا تمتلك إلا أن ترفض هذا المشروع وتقاومه، لكن وإلى جانب هذا فإنه لا شك في أن الأميركيين، ومعهم الأوروبيون، لا يمكن أن يقبلوا بسيطرة إيران النووية على منطقة استراتيجية تعتبر منطقة مصالح أميركية حيوية هي منطقة الشرق الأوسط.
والسؤال المُلح هنا ونحن بصدد الحديث عمَّا يمكن أن يترتب على الاتفاق بين الولايات المتحدة ومعها باقي دول ما يسمى «5+1» وإيران هو: هل مخاوف الدول العربية المعنية من أن يطلق هذا الاتفاق الذي لا يزال في مرحلة «الإطار العام» يد دولة الولي الفقيه في الشرق الأوسط محقة يا ترى؟!
معلومات المتابعين لهذا الاتفاق عن قرب لا ترى أي مبرر لهذه المخاوف. وهم يشيرون إلى أن أي صفقة بين الولايات المتحدة وإيران وعلى حساب العرب الرافضين للتمدد الإيراني في المنطقة العربية مستبعدة جدا، بل إن هناك من يقول إن التمسك الأميركي بالإبقاء على العقوبات الاقتصادية على طهران، إنْ ليس كلها فمعظمها على الأقل، ما لم يتراجع الإيرانيون عن هذا التمدد، يتعارض مع ذلك. ويبدو أن هذا هو موقف تركيا وباكستان، بالإضافة إلى مواقف الدول العربية كلها باستثناء القلة القليلة من المؤلفة قلوبهم وأصحاب المصالح الخاصة والنظرة الحولاء إلى قضايا بكل هذه الخطورة.
إنه غير صحيح وكـ«التغميس خارج الصحن» كل هذا الذي يقال عن أن كل مصالح الولايات المتحدة غدت مرتبطة بالصين وبالشرق الآسيوي الأقصى، وأن واشنطن عازمة على إدارة ظهرها لهذه المنطقة وتركها تغرق في المشاكل المتفجرة حاليا في معظم دولها وبلدانها. فالشرق الأوسط، بنفطه وبأسواقه الاستهلاكية و«بصرفه» مئات المليارات على التسلُّح العسكري، بالإضافة إلى ممراته المائية وبالإضافة إلى وجود إسرائيل فيه، لا يزال - والواضح أنه سيبقى - منطقة مصالح حيوية أميركية لا يمكن التخلي عنها لإيران، وبخاصة في عهد هذا الحكم الذي من غير الممكن أن يراهن على أنه قد يتغير حتى أصحاب أنصاف العقول!!
ثم وعوْد على بدء، فإن السؤال المطروح أيضا هو: هل اتفاقية «الإطار العام» هذه ستصمد يا ترى حتى يوليو (تموز) المقبل حيث من المفترض أن توقع اتفاقية «النووي» مع إيران بصورة نهائية؟!
البعض يرى أنه ليس لدى إيران الغارقة في المشاكل الاقتصادية، التي ترتبت على تدني أسعار النفط وعلى العقوبات التي فرضت عليها حتى ذروة رأسها، إلا الذهاب مع ما تم التوصل إليه في لوزان حتى النهاية، لكن وخلافا لهذا فإن هناك منْ يرى أن جمهورية الولي الفقيه تتعامل حتى مع المعاهدات والاتفاقات الدولية على أساس «التقية» وإظهار شيء وإبطان شيء آخر، وأنه لا يمكن الاطمئنان إليها، والدليل هو مسيرتها منذ عام 1979 وحتى الآن.
وهكذا، وفي النهاية، فإن ما يؤكد صحة كل هذا أن المعلومات المتوافرة تتحدث عن أن التيار المتشدد في إيران، الذي يمثله حراس الثورة وبعض المحيطين بالمرشد علي خامنئي ومن بينهم علي أكبر ولايتي، غير راض عن اتفاق «الإطار العام» هذا، وأن أحد مستشاري الولي الفقيه، الذي هو حسين شريعتمداري، قد قال بالنسبة لما تم الاتفاق عليه في لوزان: «إن هذا الاتفاق ولد ميتا، وإن محمد جواد ظريف بعث إلينا بإشارة استسلام، وإن ما جرى يعني أننا سلَّمنا الحصان وتسلمنا عنانه فقط»، ثم وبالإضافة إلى هذا كله فإن عددا من أعضاء مجلس الشورى قد هاجموا وبعنف «اتفاق الإطار»، وقالوا فيه أكثر مما قاله مالك في الخمر، وحقيقة فإن هذه مؤشرات تدل على أن هناك مقاومة فعلية لتخلي إيران عن إصرارها على الحصول على القنبلة النووية، وبخاصة إن هي لن تقبض ثمن هذا التخلي بإطلاق يدها في هذه المنطقة والاعتراف بها إمبراطورية «فارسية» مهمة في الشرق الأوسط!
منذ أكثر من سنتين، ومخيم اليرموك محاصر من النظام السوري، وظل يُدك بكل أنواع الأسلحة، وحوصر إلى حدّ أن من سكانه من أكلوا الحشائش والقطط. وإذا كان الشباب الفلسطيني حاول، منذ البدء، تجنيب المخيم الصدام مع السلطة، على الرغم من أنهم كانوا مع الثورة، ومن أجل تجنيب المخيم مجزرة جديدة، شاركوا في التظاهر في كل أحياء دمشق وفي ريفها، بالضبط، لأنهم يعيشون الوضع نفسه الذي يعيشه السوري، من حيث الفقر والاستبداد، لكنهم كانوا يعرفون أن زج المخيم يمكن أن يدفع إلى صراع فلسطيني فلسطيني. لهذا، جهدوا من أجل ألا يتحوّل المخيم إلى ساحة صراع.
لكن السلطة وأدواتها الفلسطينية، من منظمة الصاعقة والقيادة العامة وفتح الانتفاضة، دفعت إلى تسليح مجموعاتها، وحاولت أن تزج المخيم من خلال التمسّح بالقضية الفلسطينية. وباتت تلك الأدوات تنطلق من المخيم لضرب الثورة في الحجر الأسود وحي التضامن وببيلا وغيرها، ما أدى إلى استجرار المخيم إلى الصراع، من خلال سيطرة المسلحين من الأحياء المجاورة عليه، بمساعدة فلسطينيين كذلك. ويبدو أن هذه اللحظة كانت الفرصة التي أرادتها السلطة، لتصفية الحساب التاريخي مع المخيم الذي كان يعبّر في كل المفاصل عن "خيانة" النظام للقضية الفلسطينية، وأيضاً احتضانه المعارضة السورية. لهذا، جرى حصاره بكل العنف الممكن، إلى حدّ منع دخول الغذاء والدواء بشكل كامل، وبالتالي، تجويع السكان حتى الموت، وإذلالهم حين أراد إدخال بعض الغذاء، وأمطر، كذلك، المخيم بالصواريخ وبقصف الطيران والبراميل المتفجرة.
لم يكن هذا الأمر لأن في المخيم مسلحين، فقد قصف كذلك مخيم خان الشيح، وهو لا مسلحين فيه أصلاً. الأمر يتعلق بموقف، من المخيم ومن اللاجئين الذين بات القرار الدولي يفترض ترحيلهم إلى أبعد نقطة عن فلسطين، كما حدث مع اللاجئين في العراق الذين رموا في معسكرات على حدود الأردن، وكذلك سورية (القومية والممانعة)، إلى أن تم ترتيب ترحيلهم إلى أميركا اللاتينية. في مخيم اليرموك، يبدو أن المطلوب أيضاً هو الأمر نفسه. يجب أن يدمّر المخيم، وأن يرحّل اللاجئون إلى مجاهل الأرض. هذا ما يُلمس، من طريقة التدمير والقتل التي شهدها المخيم الذي شكّل رمزاً للثورة الفلسطينية.
نقول ذلك بعد أن دخلت داعش المخيم، وسيطرت على أجزاء عديدة منه. كيف دخلت، والمخيم محاصر من كل الجهات من أكثر من سنتين؟ فقد كانت عناصر داعش موجودة في الحجر الأسود، وبين الحجر الأسود والمخيم سيطرة للسلطة. هذا يطرح الأسئلة حول كيفية الانتقال من الحجر الأسود إلى المخيم. ثم دخل داعش من مواقع جبهة النصرة، وهذا، أيضاً، يطرح الأسئلة عن طبيعة جبهة النصرة. السلطة تريد دخول داعش المخيم، وجبهة النصرة سهّلت ذلك. ما هي جبهة النصرة؟ ألم يحن الوقت لتكسير الوهم حولها؟
في كل الأحوال، يمكن القول إن داعش والنصرة يلعبان اللعبة نفسها التي تسهّل تصعيد عنف السلطة في المواقع التي يريدها، وهما أداتان لأطراف متعددة يستخدمان "شماعة"، من أجل القتل والتدمير. لهذا، صعّد النظام من قصفه المخيم وتدميره، وربما يصل الأمر إلى تدميره على بكرة أبيه بحجة داعش، لكن من دون أن يقتل عنصراً من داعش، بل يقتل الشعب، والمقاتلين الذين يقاتلونه، وباتوا يقعون بين فكي كماشة، هو وداعش.
آمل أن تفيق القوى الفلسطينية التي تمالئ النظام، ويفيق من يعتقد أنه يدعم "دولة الممانعة والمقاومة" ضد "المؤامرة الإمبريالية". فالنظام مستمر في سياسته القديمة، منذ غلْق الحدود أمام المقاومة الفلسطينية إلى مجازر تل الزعتر ودعم تصفية المقاومة في لبنان. فليست فلسطين هدفاً في أجندته، لم تكن، وليست هي كذلك الآن. فالمخيم يدمّر، من أجل تهجير جديد إلى بلاد بعيدة.
لم تكد تمر أيام قليلة على توقيع اتفاق الإطار بين مجموعة 5+1 وإيران حول ملفها النووي، حتى ظهر أوباما في مقابلته الصحافية مع توماس فريدمان ليقول ما فهم منه تشجيعاً على تدخل عسكري عربي في سوريا ضد نظام بشار الكيماوي. وثار الجدل حول ما إذا كان هذا التصريح يشكل تغييراً في سياسة الإدارة الأمريكية تجاه المشكلة السورية أم لا. وبالنظر إلى سلبية هذه السياسة طوال أربع سنوات ونيف من المأساة السورية الفظيعة، قد يمكن للمتشائمين أن يقرأوا هذا التصريح بوصفه محاولة من الرئيس الأمريكي لتبرئة ذمته من دم مئات آلاف القتلى وملايين النازحين واللاجئين والمشردين وعشرات آلاف القتلى تحت التعذيب في سجون النظام الكيماوي، وكذا من المسؤولية التي تتحملها هذه السياسة عن انتشار التطرف الإسلامي وصولاً إلى ذروته في إعلان دولة الخلافة الممتدة من الموصل إلى حلب ودمشق (مخيم اليرموك وجواره).
بالمقابل، يمكن للمتفائلين قراءة التصريح نفسه على ضوء الدعم الأمريكي المعلن لمعركة عاصفة الحزم الهادفة إلى وقف زحف النفوذ الإيراني في اليمن. ذلك أن جميع المراقبين يجمعون على وحدة الصراع في اليمن وسوريا والعراق ولبنان والبحرين، لكون الدول المذكورة ملاعب لمنظمات محلية يجمعها المذهب الشيعي والولاء السياسي لإيران. ولعل ساحة الصراع الوحيدة التي تشذ نسبياً عن هذا التوصيف هي سوريا حيث لا منظمات محلية شيعية بسبب صغر حجم الطائفة الشيعية في سوريا وتشتتها الجغرافي، بل نظام ينتمي رأسه إلى الطائفة العلوية (النصيرية)، وتشكل هذه الأخيرة النواة الصلبة المتماسكة لقاعدته الاجتماعية التي لم تتخل عنه إلى الآن. ربما لتعويض هذا النقص المذهبي، نجد المنظمات الشيعية الموالية لإيران تأتي من الخارج لمؤازرة النظام الكيماوي الذي تدهورت امكاناته الذاتية كثيراً. من لبنان والعراق وإيران وأفغانستان وغيرها من مناطق انتشار المذهب الشيعي.
الواقع أن تصريح أوباما يحتمل التأويلين المذكورين معاً. فصحيح أنه يحتاج إلى الكثير من تبرئة الذمة بالمعنيين الأخلاقي والسياسي إزاء النتائج الكارثية لسياسته السورية، قبل أن يودع البيت الأبيض ليتفرغ لكتابة مذكراته عن هذه الفترة العاصفة من تاريخ العالم ودوره كصانع قرار للقوة العظمى الوحيدة في العالم في أحداثها.
فمن المعروف أن تلك السياسة اختبأت طوال سنوات وراء الفيتو المزدوج الروسي ـ الصيني لتبرير تقاعسها عن ردع جزار أحمق دمر البلد الذي يحكمه على رؤوس سكانه، مع العلم أن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على هذا الردع من غير أن يستلزم ذلك تدخلاً عسكريا فعلياً. ولم تكتف السياسة المذكورة بذلك، بل منعت الدول الأخرى التي لها مصلحة في الإطاحة بالنظام الكيماوي من تقديم مساعدة عسكرية ذات شأن لقوات المعارضة، بما يمكِّنُها من الإطاحة به. لكنها غضت النظر، بالمقابل، عن الآليات التي أدت إلى انتشار التطرف كما عن تدفق آلاف الجهاديين من أربع جهات الأرض إلى الداخل السوري، وعن تدخل المنظمات الإرهابية الشيعية التابعة لإيران بصورة علنية في الصراع الداخلي السوري لمصلحة النظام.
ومع تشكيل الولايات المتحدة لتحالف دولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالتوازي مع استماتة أوباما لتوقيع اتفاق نووي مع إيران، وغضها النظر عن زحف الحوثيين إلى صنعاء وانقلابهم على الشرعية في اليمن، بدا وكأن أوباما وفريقه في اصطفاف واحد مع إيران في الصراع الاقليمي المحتدم.
الأمر الذي أثار استياء واضحاً لدى الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، من المنظومة الخليجية إلى تركيا وإسرائيل. لم تشهد العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية توتراً يماثل ما نشهده اليوم طوال تاريخ العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
مع انطلاق عاصفة الحزم، اتضحت أكثر السياسة الأمريكية إزاء صراعات المنطقة التي انتظمت في اصطفاف إيراني ـ عربي، أو شيعي ـ سني كما قد يفضل أنصار مذهبة الصراع السياسي على النفوذ. فقد أعلنت الإدارة الأمريكية دعمها الصريح لتحالف عاصفة الحزم، بما في ذلك الاستعداد للمساهمة بدعم لوجستي واستخباري.
كذلك لم تعترض الإدارة على وصول سلاح نوعي إلى فصائل المعارضة السورية، في شمال البلاد وجنوبها، بما مكنها من تحقيق انتصارات بارزة على النظام في إدلب وبصرى الشام ومعبر النصيب الحدودي مع الأردن. ليأتي كلام أوباما الاستنكاري لـ«عدم رؤية تدخل عربي ضد الانتهاكات الفظيعة لنظام الأسد» كما لو كان ترجمة لسماح الإدارة بوصول السلاح المذكور، وتشجيعاً لتدخل عربي أكثر فعالية في سوريا على غرار التدخل في اليمن.
ولكن لا بد من الإشارة، بصدد هذا التأويل، إلى أن تشجيع أوباما لتدخل عربي في سوريا، لا يتضمن موافقةً على الإطاحة بالنظام، بل فقط منعه من ارتكاب المزيد من الانتهاكات الفظيعة على حد تعبيره. وهذا يعني ثبات الموقف الأمريكي في تمسكه بالحل السياسي، وتشجيعه الضغط العسكري على النظام لإرغامه على القبول بالحل السياسي. هذا هو الموقف الأمريكي من المشكلة اليمنية أيضاً على أي حال. أي تشجيع السعودية وحلفائها على ضرب الحوثيين لإرغام هؤلاء على الحل السياسي في اليمن.
تنطوي سياسة التشجيع هذه على مخاطر كبيرة، وقد لا تعطي أسباباً كثيرة للتفاؤل. فهي استمرار «أكثر عدلاً» إذا جاز التعبير لسياسة الانسحاب الأمريكي الاستراتيجي من شؤون المنطقة وصراعاتها، وترك أهلها يحلون مشكلاتهم بأنفسهم. وفي الشروط القائمة اليوم، يعني ذلك تأجيجاً للصراع الاقليمي على محور مذهبي شيعي ـ سني، أي مزيداً من الصراعات والحروب الدموية.
البارحة كان ذكرى ميلاد حزب البعث 1947م ( ميلاداً حسب وصفهم)
فعلا كان بعثاً وميلاداً لفصل من فصول نكبة المنطقة بل والأمة جمعاء كيف لا وهو أيضاً يعد التنظيم الأقدم على مستوى الوطن العربي، كما أنه كان كارثة على سوريا وتاريخ سوريا ونضجها السياسي والصناعي والإقتصادي الذي سجل لها بُعيد الإستقلال ليس للحزب به أي منة بل كان بأيدي سورية مخلصة للأرض الشام بمهدها الديني والحضاري، بدأ الحزب بتدميره منذ إنقلابه العسكري عام 1962م الذي سماه بالحركة التصحيحية.
الكارثة تعمقت أكثر منذ عمد المجرم حافظ الأسد إلى دفن الحزب بين سطور منطلقاته ومبادئه و وضعه صورة لأفعاله وفساد نظامه المعتمد بنهب ثروات الأرض الخيرة، ثم بإسطورة بطل التشرينين المزيفة وهما
- اللعبة التصحيحية في تشرين الأول عام 1970 إن صح التعبير كونها لعبة على عامة الشعب عندما أراد تطوير إنقلابه "حركته التصحيحية" بشعار سوريا الحديثة بادخال الكهرباء وبناء المشافي والمدارس وبعض المرافق العامة وكأنها ليس حق مشروع ومتأخر لهذا الشعب المُجد وصَور المجرم نفسه صاحب هذه الإنجازات بينما حقيقة ان سورية تراجعت بصناعتها واقتصادها، وتزفيت الطرقات ومد الشبكات الكهربائية وما شابهها من أعمال ما هي إلا لعبة على الشعب الذي عُتم عن العالم الخارجي حيث كانت شعوب الإستقلال والمنطقة وكذلك بلدان الإستعمار في تقدم وشعب سورية في إستعمار بشكل جديد تتزعمه عصابة مارقة من مجرم خبيث وثلة محيطة به من عسكر كطلاس الذي وصيي بمساعدة الخلفة بشار من بعد الأب وتعهد بذلك.
- لتأتي بعد اللعبة التصحيحية الخدعة التحريرية... نعم المقصود حرب تشرين الثاني عام 1973م وكم من شهادات طافت على السطح عن خيانة عمود محور العروبة! وخط الجبهة الأول! بقيادة حافظ وكم من جندي وضابط إغتيل في الحرب من الخلف بعد أن شرب من مياه طبرية ولم يستمع لأوامر التوقف والإنسحاب من القائد العربي الخالد الفذ، ناهيك عن تدخل القوى العربية وخيانة جيش الأسد للجيش العراقي….فما كان حافظ الأسد إلا إسمً على مُسمى حافظاً للحدود الشمالية لإسرائيل وأمِنَ أمنها.
لقد تلا اسطورة التشرينين مايعده السوريين جرحاً عميقاً لا يندمل ولن ينسوه ولا يمكن للخوف المتراكم لعقود أن يصمت عته، فدخل الأسد بمرحلة قمع كل من يعلو صوته أو يلفظ ببنت شفا، فرتكب مجازر فبراير 82 وأشهرها وأبشعها على الإطلاق مجرزة حماه الغنية عن التعريف.
كانت البداية بإنقلاب حزب البعث وترشيح وزير الدفاع "حافظ الأسد" نفسه لرئاسة الجمهورية دونما أي منافس طبعا، بعد أن زج بقادته و رفاقه ومنافسيه بمعتقلاته المظلمة فكانت القبر لهم، يومها لم يكن الشعب بالمُستكين ولا بالصَامت فـعلى سبيل المثال، هذه ادلب المحررة اليوم الطاهرة الشريفة تَستذكر جماهيرها في ساحة السبع بحرات جنوب شرق المدينة عندما وقف حافظ السفاح على ليلقي خطاب الإنقلاب وبدأ بشعارت الكذب التي طالما إمتلأت خطباته عبر عقود ثلاث من حكمه لسوريا بها من سبيل الوطنية والتصحيحية والثورة واصفاً إنقلابه بها، وهي كانت على العكس تماما كانت بداية النكبة لسورية خاصة وليس بثورة ونهج تصحيح أبداً، فما إن بدءَ بتلك الكلمات الرنانة حتى انهالت على وجه القائد الخالد حبات البندورة والأحذية والبراطيش لينسحب تحت حماية مرافقيه مزلولاً…..كما يتكرر المشهد نفسه على صوره وتماثيله في ساحات الوطن السوري بدءً بآذار درعا2011 وليس أخرها ما حصل لتمثال آذار إدلب 2015
أدرك السفاح ان هذا الشعب لم ينجح معه انقلب سياسي وعسكري ولا قانون الطوارئ المعمول به منذ الأنتداب الفرنسي فعدل بدستور البلاد كما يشاء و وسع عمليته بما هو أقسى على سورية بلد التجار والعلماء فأقدم على تفريغها من تراثها الفكري قبل إرثها الثقافي والحضاري فهجرت ممارسته القصودة العقول والتجار وإعتقل النخب و دفن المتفوقين وصرفهم إلى منازلهم كما فعل مع رائد الفضاء محمد فارس بعد أن إنصدم بحجم الترحيب الشعبي الذي ناله عند عودته من القمر، فلم يرضى الدكتتور عن هذه الصورة الجماهرية، كيف لا وهو من نزلت الجماهير العفوية للشوارع لتطلب مه الترشح للرئاسة! تلك الأكذوبة التي دسها نظامه حتى في مناهج الدراسة والتاريخ، كيف لا وحافظ الأسد قد شغل منصب " الأمين القطري العام" منذ عام 1971م وحتى وفاته عام 2000م" ولم يخلفه أحد بهذه الرتبة الحزبية للتنظيم الحزبي صاحب العدة فروع الوطن العربي فلا وريث خلف الأمين القطري للحزب كوراثة إبنه لسوريا المكبوتة لعقود ليقوم الخليفة! القاصر بإتباع نهج والده بألاعيب وشعارات غوغائية مزيفة كان أخرها محور المقاومة والممايعة، فعند توليه السلطة "بالوراثة" أطلق العنان لمن تبقى من معارضي الحكم الموروث فكان ربيع وإعلان دمشق محاولاً من خلاله إظهار ما أفشته مخابراته في صفوف الشعب أنه بشار الأمل، لكن سرعان ما هجرهم وإعتقلهم تماما كنهج الأب، وليس كما أفشت مخابراته وشُعب حزبه - التي تحولت بأخر سنينها إلى مكان للثرثرة وشرب القهوة - أنه قائد مسيرة التطوير فهو كما روج له أنه مربى أوربي! فأدخل ما سماه برنامج نشر المعلوماتية "الكمبيوتر" والشبكة العنكبوتية "الإنترنيت" ويالا الهول من إنجاز شابه إنجازات الحركة التصحيحية فإسرائيل "الكيان العدو" و دول العالم وصلت المريخ وآل الأسد بوريثهم القاصر يدخلون خدمة الإنترنيت بعام الـ2000 إلى الشعب المقهور والباحث عن لقمة عيشه جراء بطش وسرقة نظام الأسد بثرواته وخيراته.
أما عن الإنفتاح والمربى في البلاد المزدهرة فحدث ولا حرج فالطَبع يَغلب التطبع فقبل وبعد كونه شاباً منفتحاً درس طب العيون في بريطانيا كان إبن السفاح وإبن العائلة المالكة التي مكنت وضحكت على طائفتها لتثبيت حكمها للسلطة المسروقة من الشعب، فحول الوريث القاصر سوريا لمافيات إقتصادية إزدهرت وعُلفت بها جيوب السلطة والعائلة الحاكمة والمقربة وأصحاب المصالح المرتبطة من ألي المناصب والمكاسب كمخلوف وشاليش وحمشو والقائمة تطول، فخـتـنـقت سوريا أكثر فأكثر وبات الموظف يسعى لوظيفة ثانية فالأستاذ أصبح يسوق بطالبه سيارة الأجرة بعد أن كان يلقنه الدرس في الصباح وصاحب العمل يسعى لعمل ثاني، وما ذلك إلا لسد غلاء الأسعار ومتطالبات إذدهار جيوب المافيات الأسدية الإقتصادية و رغم ذلك لم يلتفت الشعب للسياسة وحريات التعبير فهو ذاق ما ذاق وعهد الأسد الأب وبطشه فصَبر على وضع إقتصاده وإذدادت هجرة أبنائه وإغترابهم حتى باتوا اليوم للأسف أكثر من مجرد غريب ومهاجر، لقد أصبحوا لاجئين في حقيقة مررة وقاسية على السوريين أبناء العز والتاريخ، وقد بلغوا اليوم حدود الـ12 مليون نازح ولاجئ ناهيك عن أرقام المعتقلين قسراً والجرحى والشهداء، كلهم أرقامهم متزايدة في كل دقيقة منذ إختار الوريث القاصر صب الجحيم من رصاصته إلى صواريخه البعيدة المدى وقذائفه الكيماوية فبراميله المتفجرة لـتـصب على الىشعب الذي إنتفض ولم يتوقع معظمه هذه الانتفاضة في آذار 2011 من جراء شرارة نخوة حورانية وصفها البعض بأنها ثورة ربانية أرادها الله لهذا الشعب الذي رضي بها لينفض غبار الذل المتراكم لأربعين عاماً ولأنها على حق ضد عصابة فاسدة مارقة مجرمة بحق الشعب، لتكون إذاناً ببدء صرخات الحرية وشعارات" هي هي بدنا نشيل البعثية … وطقوا موتوا بعثية ونحنا بدنا الحرية وما بدنا حكم الأسدية…. فلا وألف لا لحزب النكبة والعصابة الحاكمة بعد اليوم….. والأمهات السوريات بعد اليوم لن يُنجبنَ إلا ثوراً، والثورة مازالت مازال هناك حجر لم يهدم .
بدأت الجولات الفعلية على حلبة موسكو2 و لنقل الحوار المسمى "نظام الأسد مع نفسه" عفواً "السوري- السوري" كما يحب الروس تسميته و تتغنى فعاليات الأسد به ، و يرى هؤلاء أنه المنقذ من أتون الحرب التي تدور رحاها في أصقاع سورية.
لا يمكن لعاقل أن يتفهم أو يقتنع أن ما يحدث في موسكو في النسخة الثانية من مؤتمرها يهدف لايجاد رؤية موحدة للحل بين النظام و المعارضة ، فاستعراض الاسماء وحده كافي لأن تعرف أن ما يحدث هو مجرد "ثغاء مجموعة من الأغنام تسعى وراء الكبش الروسي" في مرعى الاجرام .
مضحك حتى شفا الموت هو التصريحات التي تخرج من خلف الأبواب الذي يصفونها بأنها مغلقة بوجه الإعلام ، إلا من رحم النظام و أراد له الحضور وفق رؤيته ، و قيل بالأمس أن المعارضة أعدت ورقة موحدة ستقدمها خلال مباحثاتها مع وفد الأسد ، و لكن المعارضين المذكورين آنفاً اختلفوا على المصطلحات ، بين ما اذا كان ما نواجهه مؤامرة أم أزمة ، و هل القتل يتم بيد داعش وحدها أم جبهة النصرة تساعدها ، و ما تعريف الجيش هل هو جيش سوري أم جيش خليط من مكونات الشيعة من ايرانيين و لبنانيين و أفغان و باقي الجنسيات المساندة للقضية الأم يعتبرون وطنيين أكثر من السوريين أنفسهم.
بالفعل شيء مقزز ما يدور في ذلك المكان ، لماذا يجتمعون هناك ، و لم عناء السفر ، فالجميع متاح لهم التواجد في دمشق و بجانب و رفقة الأصدقاء الأمنيين ، و تحت نظر و رعاية الأب القانوني للجميع بشار الأسد ، لكن بلا روسيا يبدو الأمر مستهجن و غير محبب ، فـ روسيا الأب الفعلي لكل ما يحدث ، فكيف تحرم من جمعت الابناء.
بالعودة إلى المسودة التي خرج به السادة المعارضون فهي تتضمن طبعاً جنيف 1 و الانتقال الديمقراطي و الايقاف الفوري لاطلاق النار و اطلاق سراح معتقلي الرأي الذي كانت بادرته باطلاق لؤي حسين ، و هنا تفوقت المعارضة السلمية على نفسها و طالبت بعدم استهداف المدنيين بالبراميل المتفجرة و كذلك بتلك المسماة بـ "مدفع جهنم" ، و قبل أن ننسى دعوة الأطراف الدولية للكف عن مد الارهابيين بالدعم .
هذه ابرز البنود التي خرج بها من يطلق عليهم عدة تسمية كـ "معارضة الداخل ، ياسمين الدمشق ، لا للطائفية ، و سورية بخير .......) .
في المقابل جاء الرد من الأسد عبر وفده الذي يرأسه بشار الجعفري الذي عاد و كرر كلامه الذي قاله في موسكو1 من مؤامرة و اسرائيل و المقاومة و الممانعة ، و الارهاب الذي يغزو الأرض و الجيش الذي يعمر و يدافع ، و طبعا الدول العربية و الاقليمية و مطامعها الاستعمارية ، و لاننسى اشارته للحل السياسي بتسليم الجميع أنفسهم للسلطات المختص أو انسحابهم الى ما وراء البحار ليعيد النظام استرجاع ما سرق منه من قوى الاستكبار( المصلح الايراني الذي يغزوا الاسواق في هذه المرحلة الفريدة من الزمن ).
اذا في موسكو2 هناك تفوق كبير حققته الأطراف على ذاتها ، تفوق في البغي و الغوص في الاجرام السياسي بشكل يندى له من يملك جبين ، فأما المجتمعون فهم سعداء حالياً و لكن لهم القصاص عندما يحين موعد القطاف .
منذ الإعلان عن الاتفاق الأولي في لوزان، بدأ أبواق إيران في الترويج له بوصفه الفتح المبين، ولو رفضته إيران لكان فتحا مبينا أيضا، «ومن يدفع للزمار يطلب اللحن الذي يريد»، كما في المثل الإنجليزي. ويذكّرنا ذلك باحتفال ذات القوم بتسليم بشار للسلاح الكيماوي من أجل تجنب الضربة العسكرية، والذي صنفوه بوصفه دهاءً وحنكة، وإنجازا أيضا!!
لكن أية بلاغة مهما كان مستواها لن تخفي حقيقة الاستسلام الذي تم في لوزان، والذي سيكون أكثر وضوحا بعد أسابيع نهاية يونيو، وبالطبع في الاتفاق النهائي، ولا قيمة هنا لكل الحديث عن الاحتفاظ بالحق في التخصيب، أو بعدد من أجهزة الطرد المركزي، ولو كان المقال يحتمل لوضعنا كافة البنود، لكن المؤكد أن شروط التخصيب والعدد المسموح به من أجهزة الطرد، ومعها شروط التفتيش لمدة 25 عاما، وهي في مجملها لن تسمح أبداً لإيران بالتفكير في إنتاج سلاح نووي، وبالطبع في ظل نص صريح بأن العقوبات ستعود في حال حدوث إخلال بالاتفاق، مع نص آخر يشير إلى أن العقوبات الخاصة بقضايا الإرهاب والصواريخ بعيدة المدى لن ترفع، وأن ما سيرفع هو العقوبات المتعلقة فقط بالبرنامج النووي.
من زاوية إيرانية داخلية يمكن القول: إن حكاية النووي من ألفها إلى يائها تمثل معركة طويلة خاسرة، لو خاضها أي زعيم في العالم لاستقال بعد هذه النتيجة (ينطبق ذلك على خوضها من قبل تيار سياسي أو فكري، وهو التيار المحافظ هنا)، ولو كنا في بلد يتمتع بقدر مقبول من الحرية لنزل الناس إلى الشوارع؛ ليس للاحتفال بتوقيع الاتفاق كما حصل ليلة الجمعة في شوارع طهران (من نزلوا كانوا قلة)، ولكن للإطاحة بهذا التيار الذي أهدر عشرات المليارات في تأسيس مشروع، كما دفع أضعافها بسبب العقوبات التي ترتبت عليه، وها هو في النهاية يتنازل عنه من أجل رفع تلك العقوبات.
وإذا قيل إن إيران قد احتفظت بحق الاستخدام السلمي للطاقة النووية، فإن ذلك رد لا يبتعد كثيرا عن الهراء، لأن الجميع يعلم الهدف الأصلي للمشروع ممثلا في السلاح النووي، وليس الاستخدام المدني للطاقة النووية، لأننا نتحدث عن بلد غني جدا بالنفط والغاز، ولا يحتاج تبعا لذلك إلى طاقة نووية لأغراض مدنية. أما فتوى خامنئي بعدم جواز استخدام الأسلحة النووية، والتي ذكّر بها أوباما في سياق الإعلان عن الاتفاق فليست ذات قيمة، ليس لأنها سياسية وحسب، بل أيضا لأن أحدا في الأصل لا يتحدث عن سلاح نووي من أجل الاستخدام، بل من أجل الردع، لاسيَّما أن لدى الكيان الصهيوني، فضلا عن أميركا من القدرات النووية ما يجعلها مؤهلة لإعادة إيران إلى العصر الحجري خلال ساعات، لكن الكيان كان وسيبقى حريصا على عدم كسر ميزان القوى الاستراتيجي الذي يعمل لصالحه.
لا شك أن الشارع الإيراني ليس غبيا، وهو تساءل طوال الوقت، وسيتساءل الآن أكثر عن جدوى هذا المسلسل الطويل من المعاناة إذا كان سينتهي على هذا النحو، وهذا البعد هو الذي يفسِّر أصلا تردد التيار المحافظ بزعامة الحرس الثوري والمرشد طويلا في إنجاز الاتفاق، هم الذين يعلمون تماما أنه سيمنح دفعة قوة معتبرة للتيار الإصلاحي، لكنهم وجدوا أنفسهم في حاجة ماسة لدفع كلفة نزيف كبير في سوريا واليمن والعراق، وهو نزيف يحتاج إلى رفع العقوبات لتحسين وضع الاقتصاد، فضلا عن حاجتهم إلى مصالحة الغرب، وهم يعادون غالبية المسلمين. ولعل الأكثر بؤسا في الاتفاق هو أنه لم ينص على الحصول على الأموال المجمدة في الولايات المتحدة لأنها ترتبط بقضية الإرهاب، وليس بالملف النووي، وهذا ما سيجعلها محطة ابتزاز أخرى مستقبلا، وبالطبع من أجل تغيير الموقف من الكيان الصهيوني، وهو ما سيكون مقبولا بالطبع، لأن عين إيران اليوم تركز على التحول لدولة المذهب ذات النفوذ الإقليمي الواسع، مع نسخ حكاية المقاومة والممانعة من الأجندة.
هذه هي النتيجة البائسة لمغامرة المحافظين المتعلقة بالاتفاق النووي، لكن النتيجة الأخرى التي ستطيح بهم في المستقبل هي تلك المتعلقة بمشروع التمدد المجنون الراهن، فبينما يعوّل الشارع الإيراني على أن يؤدي رفع العقوبات إلى تحسين وضعه، يركز المحافظون على الاستفادة من ذلك في دفع كلة الاستنزاف الراهن في سوريا واليمن والعراق، ما يطرح سؤالا كبيرا حول موقف الشارع من ذلك، لاسيَّما أن كل ما دفع وسيدفع لن يؤدي إلى نتيجة، فلا بشار سيحسم المعركة عسكريا، ولا الحوثي سيستقر وضعه على الأرض، ولا العراق سيأمن من دون حل معضلة التمييز الطائفي ضد العرب السنّة، ولا حتى حزب الله سيواصل حكم لبنان بسطوة السلاح.
هكذا تعانق إيران بقيادة المحافظين «الاستكبار»، وذلك بدل أن تذهب نحو تسوية مع جيرانها العرب والمسلمين، لكن هذا العناق لن ينفعها، فالنزيف هنا، والصفقة ينبغي أن تكون هنا، فعالم اليوم لم يعد كما كان، وأميركا والغرب اليوم ليسوا آلهة الكون، ولن يفرضوا على هذه الأمة أن تخضع لإيران أو تقبل بجنون تمددها، وهي ستواصل مقاومتها حتى تدرك إيران حقيقة أن عليها أن تجلس على الطاولة من أجل التوصل إلى صفقة ترضي الجميع.
متى سيحدث ذلك؟ لا ندري، والمؤسف أنه لم تتوفر إلى الآن أية مؤشرات على الرشد المأمول، ونأمل أن تتوفر في القريب، لأن المعاناة تطال الجميع من دون استثناء، فيما يستمتع أعداء الأمة، وفي مقدمتهم الكيان الصهوني بهذا الحريق المدمر لجميع أعدائهم.
بصراحة، كنا نعتقد، نحن السوريين، أن نفس الخليج قد انقطع، وأن حكامه ما عادوا قادرين حتى على هش الذباب عن وجوههم. وكنا نؤمن بوجود خطوط حمراء أميركية، تلزمهم بالمشاركة في إدارة أزمتهم عبر إدارة الأزمة السورية. وكنا نرى وقائع تؤكد صحة ظنوننا. وفي حين كنا نعتقد أنه ليس في مصلحتنا إغضابهم، لمجرد أنهم عاجزون عن إسقاط بشار الأسد بالسرعة التي نريدها، فإننا كنا نكرر، في مجالسنا، أنهم ليسوا شركاء جديين للشعب السوري، لأنهم لا يعون ما يحيق بهم من أخطار إيرانية، ولو كانوا يعونها لما كنا بحاجة إلى أن نشرح لهم، كل مرة، نلتقيهم فيها تفاصيل ما يجري، من دون أن يحركوا ساكناً، أو يخرجوا على الخط الأميركي الذي صفى حساباته الإقليمية بدماء شعبنا المظلوم، الذي لا يستطيع الخروج من معركة ليست معركته، مع أن تكلفتها باهظة إلى درجة لا يكاد يحتملها، ولا يريد، في الوقت نفسه، الاستمرار في خوضها، لكونها تعرضه لشتى أنواع التلاعب والأخطار، وتهدد وجوده إلى زمنٍ لا يعرف أحد نهايته، وإن كنا نعرف جميعا أنه سيمتد ويطول. كان إخوتنا الخليجيون يؤكدون حبهم لشعبنا وحرصهم عليه، وكنا نقول، في سرنا ونحن نستمع إليهم، ما سبق أن قاله محمود درويش لمن تلاعبوا بقضية فلسطين وشعبها "ارحمونا من هذا الحب القاسي"، الذي لم يحمنا من الموت والخراب والتشرد والقتل.
في الأيام القليلة الماضية التي أعقبت بدء "عاصفة الحزم"، بدأنا نشعر باحتمال نشوء وضع نضطر معه إلى مراجعة مواقفنا غير المعلنة، وأحسسنا بالأمل في أن يكون إخوتنا في الخليج قد تحركوا لأسبابٍ، بينها وعيهم العلاقة بين استيلاء الحوثيين على السلطة في صنعاء وجسامة الاختراق الإيراني للمشرق، ورغبتهم في الحد من تأثير سياسات أميركا عليهم، وخصوصاً منها تلك القائمة على إدارة الأزمة السورية بطرق تلحق بهم أفدح الضرر، على الرغم من أنهم شركاء فيها، بينما تسمح بفتح صفحة جديدة مع طهران، خصمها وخصمهم المفترض، تجعلها هي، لا المملكة العربية السعودية، شريك واشنطن الاستراتيجي، بكل ما قد يرتبه ذلك من مخاطر على الدولة السعودية التي قد تكون مستهدفة، كآخر كيان عربي قوي، ويمتلك القدرة على المبادرة، ومن تحد لوجود بقية دول الخليج التي لا يستبعد انهيارها، لا سمح الله، في حال نجحت طهران في اختراق المملكة التي لم تشتهر إطلاقا بسياساتها الانفعالية، لكن شعورها بالخطر أقنعها بضرورة التصدي للحوثيين في اليمن، ولإيران التي هللت لهم، وأعلنت عزمها على إيصال من يماثلهم إلى السلطة في الرياض والكويت: منطقة النفوذ الفارسي التاريخي، على حد قول مسؤول فارسي كبير، بينما أعيدت البحرين إلى موقعها على الخرائط الإيرانية محافظة فارسية، وأعلن عسكر الحرس الثوري أن كماشته الاستراتيجية تطبق الآن على الأرض العربية، مثلما تطبق كماشته البحرية على مضيقي هرمز وباب المندب، مغلقة الأول أمام تصدير جزء كبير من النفط العربي، والثاني في وجه قناة السويس المصرية.
جاء الرد السعودي في مستوى الهجوم الإيراني مدروساً، وجيد التخطيط والتنفيذ، وأشرك العرب في عاصفته، وأظهر حجم القدرات الهائلة التي يمتلكها من يريدون حماية أوطانهم، وكم هي قصيرة يد إيران "الطويلة"، ومحكومة بعجزها عن الدخول في مواجهة مع عالم عربي، شمر عن ساعديه دفاعاً عن سلامه واستقلاله، وقرر الضغط على أتباعها في المناطق التي غزوها لإخراجهم منها، لقناعته، ربما، بأن سكوته عن سياسات طهران شجعها على التمادي في الاعتداء عليه، وتهديد دوله ومجتمعاته. أمام المفاجأة المزدوجة، المتمثلة في الرد العسكري، وفي المشاركة الخليجية الشاملة والعربية الواسعة في "عاصفة الحزم"، عم الاضطراب مواقف طهران التي وجدت أنها لا تستطيع تحريك أي شيء غير ألسنة قادتها الذين بان عجزهم عن نجدة عملائهم، فنابت تصريحاتهم القوية عن محدودية خياراتهم وضعف قدرتهم على الرد العسكري المباشر.
"عم الاضطراب مواقف طهران التي وجدت أنها لا تستطيع تحريك أي شيء غير ألسنة قادتها الذين بان عجزهم عن نجدة عملائهم"
لا عذر لعربي، إن هو ساير بعد اليوم إيران أو تعايش مع اختراقاتها في أوطاننا، أو أحجم عن مواجهتها، خوفا من بهورات جنرالاتها، بعد أن بينت "عاصفة الحزم" أن لدى العرب الأهلية لبلورة ردود ناجعة على تغلغلها في بلدانهم، وأن عجزها الفاضح في اليمن سيكون أشد في سورية، حيث تقاتلها قطاعات شعبية واسعة، وتنزل هزائم متلاحقة بمرتزقتها، ولن تكون بحاجة إلى أي شيء غير دعمها بالسلاح، لمساندتها في معركة عربية بامتياز، لا تدافع فيها عن ذاتها وحسب، وإنما تحمي الجسد العربي بأكمله أيضا، بوسعها تصعيد قتالها لاحتواء أية ضغوط إيرانية على الخليج، وطرد الاحتلال الإيراني من وطنها الذي استخدمه الفرس، منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، قاعدة متقدمة ضد السوريين والعرب، أسهم نظامها الأسدي في نقل إرهاب فارس إلى بلدانهم التي كان آخرها اليمن.
فتحت "عاصفة الحزم" معركة الوجود الإيراني في أوطاننا التي يرى السوريون فيها معركة استقلالهم الثاني التي لا بد أن تفضي إلى طرد الفرس ومرتزقتهم من وطنهم. وعلى الرغم مما يراودنا من آمال، لا بد من الإقرار بأن "عاصفة الحزم" ستضع العرب أمام خطر وجودي، في حال تهاونوا فيها، أو توقفوا في منتصف طريقهم إلى الحسم، أو أعجزهم تقاعس ما عن إخراج الفرس من بلدانهم.
هذه معركة سيكون لها أعظم النتائج سلباً وإيجاباً، ستأخذنا إما إلى حرية العرب واستقلالهم، أو إلى رضوخهم لعبودية استشهادهم في الحرب، دفاعا عن كرامتهم وهويتهم أفضل لهم منها بكثير.
وضعت "عاصفة الحزم" -التي تقودها السعودية ضد الحوثيين والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح- العلاقات الإيرانية التركية أمام اختبار جديد قد يغير العديد من المعادلات التي تحكمت بالعلاقة بين البلدين، خاصة إذا تطورت "عاصفة الحزم" إلى تدخل بري وساندت تركيا هذه العملية بعد إعلان أنقرة دعمها القوي للعملية وانتقادها الشديد لدور إيران في المنطقة واحتمال بروز تحالفات إقليمية جديدة.
الصراع بين "الشمس و"القمر"
اتسمت العلاقات التركية الإيرانية عبر التاريخ بالصراع والتنافس على منطقة المشرق العربي والخليج وآسيا الوسطى، وفي يومنا هذا فإن هذا الإرث من الصراع بدأ ينبعث من جديد بينهما في ساحات سوريا والعراق واليمن ولبنان على أسس يتداخل فيها الطائفي بالمصالح والنفوذ الإقليمي والدور السياسي، مما يعزز من استحضار الرموز التاريخية على الجغرافية السياسية.
"الصراع التاريخي بين الدولتين الصفوية والعثمانية يحضر بقوة في هذه الساحات المتفجرة على شكل مواجهة بين الشمس الإيرانية والقمر التركي، وهو صراع أساسه الصدام على الجغرافيا السياسية والاجتماعية منذ أن ثبتت معركة جالديران 1514 حدودهما الجغرافية "
فالصراع التاريخي بين الدولتين الصفوية والعثمانية يحضر بقوة في هذه الساحات المتفجرة على شكل مواجهة بين الشمس الإيرانية (اختار الشاه إسماعيل الصفوي الشمس رمزا لعلم إيران) والقمر التركي الذي يشكل رمزا لعلم البلاد منذ عهد الدولة العثمانية، في إشارة إلى التصادم الإقليمي بين البلدين، أساسه الصدام على الجغرافيا السياسية والاجتماعية منذ أن ثبتت معركة جالديران 1514 الحدود الجغرافية بينهما.
وعليه، فرغم المصالح الكبيرة بين البلدين وحرصهما الحفاظ عليها لأسباب اقتصادية وأمنية بالدرجة الأولى فإن الصراع بينهما سرعان ما يطفو إلى السطح في الأحداث الإقليمية العاصفة، فمنذ بدء الثورات العربية في تونس ومصر وانتقالها إلى اليمن وسوريا تعمقت الانقسامات التركية الإيرانية أكثر فأكثر، ولا سيما في ساحات سوريا والعراق حيث الصدام العميق بين البنى الاجتماعية التي تتداخل مع بعضها وتتصادم في حروب متداخلة محليا وإقليميا.
تركيا وإيران وقفتا على النقيض إزاء ما يجري في سوريا والعراق، كل طرف له أسبابه ودوافعه وإستراتيجيته المختلفة، فطهران أعلنت دعمها الكامل للنظام السوري، وهذا طبيعي ومفهوم في ظل التحالف القائم بينهما منذ نحو أكثر من ثلاثة عقود، وانطلاقا من هذه الرؤية تحركت إيران على كل المستويات لدعم النظام السوري في حربه ضد خصومه في الداخل والخارج.
أما أنقرة فقد تحركت على العكس تماما في كل الاتجاهات لإسقاط النظام السوري، والخلفيات نفسها تنطبق على ما جرى ويجري في العراق، واليوم في اليمن وإن اختلفت ظروف كل ساحة، وعلى هذا الأساس ينبغي النظر إلى الموقف القوي الذي صدر عن أردوغان بدعم "عاصفة الحزم" والردود الإيرانية الغاضبة عليها التي وصلت إلى حد المطالبة بإلغاء الزيارة التي من المقرر أن يقوم بها أردوغان إلى إيران في السابع من الشهر الجاري.
الموقف التركي وزيارة أردوغان
شكلت انتقادات أردوغان لسياسية إيران في المنطقة مع بدء "عاصفة الحزم" أقوى موقف تركي ضد إيران بعد أن حرصت تركيا خلال الفترة الماضية على عدم الصدام مع إيران بسبب الخلافات الجارية بينهما على ما يجري في سوريا والعراق.
فقد اتهم أردوغان خلال لقاء مع قناة "فرانس 24" إيران للمرة الأولى بالسعي "إلى الهيمنة على المنطقة وأن هذا الأمر لم يعد يحتمل"، كما دعاها إلى "سحب قواتها من اليمن وسوريا والعراق" وطالبها "بتغيير عقليتها"، مشيرا إلى أن السعودية وباقي دول الخليج لم تعد تقبل بهذه السلوكيات، وأرفق أردوغان هجومه على سياسة إيران بالإعلان عن دعمه عملية عاصفة الحزم وإبداء الاستعداد لتقديم دعم لوجستي بهذا الصدد.
"سواء تمت هذه الزيارة أو لم تتم فإن الحدث سيكون مفصليا في تاريخ علاقات البلدين، فإن تمت فسيكون هدفها تدوير زوايا الخلافات الحادة انتصارا لسياسة الحفاظ على المصالح المشتركة، وإن ألغيت فسيكون ذلك إيذانا بدخول هذه العلاقة مرحلة جديدة من الصدام "
موقف أردوغان هذا فجر عاصفة من الردود في إيران، فوزير الخارجية محمد جواد ظريف وصف موقفه بالخطأ الإستراتيجي الذي يهدد الاستقرار في المنطقة، فيما استدعت وزارة الخارجية الإيرانية القائم بالأعمال التركي في طهران باريش صايجي احتجاجا على هذه التصريحات، كما طالب العديد من النواب والمسؤولين الإيرانيين بإلغاء زيارة أردوغان إلى طهران.
لكن الردود الإيرانية الغاضبة لم تغير من موقف أردوغان الذي جدد مواقفه السابقة خلال اتصال مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، بل كشفت الخارجية التركية أن أنقرة كانت على علم مسبق بعملية عاصفة الحزم، في إشارة إلى وجود تنسيق سعودي تركي في ظل التحسن الجاري في العلاقات بين البلدين.
حرب التصريحات بين أنقرة وطهران على خلفية الموقف من "عاصفة الحزم" دفعت العديد من المراقبين إلى توقع إلغاء أردوغان زيارته، خاصة بعد أن طالب العديد من المسؤولين الإيرانيين بذلك، بل إن أردوغان نفسه ورغم إعلانه أن الزيارة قائمة فإنه أشار ضمنا إلى احتمال إلغائها حين قال "إن التطورات في اليمن مهمة جدا بالنسبة لنا، وقد تحدث أمور تتطلب منا اتخاذ قرارات مختلفة"، في إشارة إلى الزيارة.
وفي جميع الأحوال من الواضح أن هذه الزيارة إن تمت أو لم تتم فإن الحدث سيكون مفصليا في تاريخ العلاقات بين البلدين، فإن تمت فسيكون هدفها تدوير زوايا الخلافات الحادة انتصارا لسياسة الحفاظ على المصالح المشتركة، وإن ألغيت فسيكون ذلك إيذانا بدخول هذه العلاقة مرحلة من الصدام الذي قد يتطور على وقع الأحداث الجارية في اليمن والعراق وسوريا.
قاعدة المصالح والتحالفات الجديدة
الثابت أن الصراع التركي الإيراني على المنطقة ليس بجديد، ورغم ضراوة هذا الصراع في يومنا هذا فإن ثمة من يتوقع أنه سيبقى في حدود قواعد لعبة التنافس التقليدية بين البلدين، فالصراع بينهما على الأزمة السورية التي دخلت عامها الخامس لم يفجر العلاقات بينهما حتى الآن، بل ظل البلدان يعملان على تطوير علاقاتهما الاقتصادية وكأن لا علاقة للمصالح الضخمة بينهما بالصراع الجاري، حيث المشاريع التجارية في مجال النفط والغاز والتجارة تجعل كل طرف ينظر إلى الآخر بأهمية كبيرة، بل لعبت تركيا دورا كبيرا في الحد من تأثير العقوبات الغربية المفروضة على إيران، حيث ظلت العلاقات التجارية والمالية بين البلدين على قدم وساق.
ومع الحديث عن احتمال التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والغرب ثمة من يرى أن هذا الاتفاق سينقل العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى مرحلة جديدة خاصة بعد أن تحولت تركيا إلى ممر دولي لأنابيب النفط والغاز، وهو ما يراهن عليه البلدان في رفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى أربعين مليار دولار في السنوات القليلة المقبلة.
"لعل أول ملامح الصدام التركي الإيراني بروز ما يشبه تحالفا تركيا سعوديا في مواجهة تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة، وتوقع أن يطلق الاتفاق النووي المرتقب مع الغرب يد إيران في المنطقة"
إلى جانب البعد الاقتصادي فإن ثمة اتفاقا ضمنيا بين البلدين على عدم السماح بإقامة دولة كردية مستقلة في المنطقة، فالعاصمتان تدركان أن إقامة دولة كردية مستقلة في أي جزء من الأجزاء التي يقيم الأكراد فيها (العراق-إيران-تركيا-سوريا) ستنعكس لاحقا على بقية الدول وحدودها التي رسمتها الاتفاقيات الدولية فضلا عن بناها الاجتماعية والقومية، وعليه فإن التنسيق التركي الإيراني بهذا الخصوص ستظل له قيمة إستراتيجية مهما سعرت الخلافات بينهما.
المصالح السابقة لم تمنع المراقبين من توقع احتمال حصول تطورات دراماتيكية في العلاقات التركية الإيرانية وقلب المعادلات التي تتحكم بهذه العلاقة، خاصة إذا تطورت الأزمة اليمنية وتدخلت إيران بشكل مباشر فيها وتحولت "عاصفة الحزم" إلى عملية برية.
لعل أول ملامح الصدام التركي الإيراني بروز ما يشبه تحالفا تركيا سعوديا في مواجهة تصاعد النفوذ الإيراني بالمنطقة، وتوقع أن يطلق الاتفاق النووي المرتقب مع الغرب يد إيران في المنطقة.
وما يمكن ملاحظته هنا هو أن التحالف التركي السعودي الذي يتشكل على وقع "عاصفة الحزم" بات جزءا من محور أشمل يضم إضافة إلى الدول العربية الخليجية مصر والسودان والأردن والمغرب وباكستان وتركيا ويحظى بدعم غربي، وهو ما قد يعطي أنقرة دفعا قويا في صراعها مع إيران على قضايا المنطقة، ولا سيما الأزمة السورية والسعي لإسقاط النظام بالقوة، خاصة بعد أن تعثرت الحلول السياسية حتى الآن.
ولعل ما يلاحظ هنا أيضا في ظل هذه التطورات العاصفة هو تراجع حدة الخلافات التركية المصرية والحديث عن وساطة سعودية لتحسين هذه العلاقة عبر دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى إجراء إصلاحات داخلية، وهو ما تشترطه أنقرة للانفتاح على القيادة المصرية. وإن سارت الأمور على هذا النحو فإن أردوغان الذي يقول إن صبر بلاده بدأ ينفد من السياسة الإيرانية قد ينتقل من سياسة تدوير الخلافات مع إيران إلى سياسة الهجوم الحازم ولو عبر الساحة السورية.
وضع مجموعة من الملتحين العلم الفلسطيني تحت اقدامهم وقاموا بدوسه، بينما كان رفاق لهم يرمون ثلاثة رؤوس مقطوعة في احد شوارع مخيم اليرموك. التكبير الداعشي يعلو وبراميل الأسد تتساقط على المخيم، والموت في كل مكان.
حصار من هنا وقتل من هناك، هذا هو مصير أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في الشتات. في الماضي حين كنا لا نزال نتطلع إلى مستقبل ما، كنا نتحدث عن المسافة الوحشية التي تم قطعها بين تل الزعتر وشاتيلا. أما اليوم، في زمن الأصوليات، فقد تغير معنى المسافة التي صارت تمتد من نهر البارد إلى اليرموك.
الاسرائيليون وعملاؤهم الصغار قتلوا الفلسطينيين وهجروهم لكننا لم نشهد ذلا وهوانا كهذا الذل والهوان. لا شيء يشبه ما يجري الآن. لم تغادر الفلسطينيات والفلسطينيون مخيماتهم طوعا تحت كل أنواع التنكيل إلا حين جاء هؤلاء الهمج، مدججين بالحقد والجهل والعته. حتى في تلك الحرب الوحشية التي شنها النظام السوري بواسطة عملائه من حركة أمل وسميت حرب المخيمات، لم نصل إلى هذا الحضيض، وبقي المخيم رمز الوجود وحق العودة. الانقسام الفلسطيني الذي صنعته أصابع المخابرات السورية التي استغلت حماقة البعض من أجل تحطيم الإرادة السياسية للفلسطينيين بعد غزو 1982، لم يستطع اختراق المخيم، فكانت حرب المخيمات الفتيل الذي أشعل الانتفاضة الأولى.
لكن منذ عام 2007 حين تسللت «فتح الإسلام» برداء جماعة أبو خالد العملة إلى مخيم نهر البارد، دخل المخيم كاطار وفكرة في تحدي الوجود. لم يسبق للفلسطينيين ان غادروا مخيماتهم بارادتهم، الا في نهر البارد. يومها شعر أهل المخيم انهم طردوا من مخيمهم قبل ان يطردوا، فالمجموعات المسلحة التي أطلقت على نفسها اسم «فتح الإسلام» كانت ابنا هجينا لزواج القاعدة بالنظام السوري. هذا الابن الهجين لم يكن يمت إلى فلسطين وقضيتها بأي صلة. هنا بدأت مأساة المخيم، وهنا بدا أن تصفية المخيمات ومعها تصفية قضية اللاجئين ممكنة.
كان لا بد لهذا العمل أن يكون نتاج التلاقح الإجرامي بين استبدادين، استبداد الطغمة الأسدية واستبداد الإسلاميين، ومن هذا التلاقح ولدت بدايات كارثة سوف تصل إلى ذروتها في مخيم اليرموك.
أطلقت حرب نهر البارد العنان للخطاب العنصري اللبناني ضد الفلسطينيين، الذي لم يكن كامنا يوماً، لكن هذه لم تكن المسألة الجوهرية في تلك الحرب المجنونة التي استخدمت فيها البراميل التي تلقى من المروحيات، وكان هذا هو المؤشر إلى دخول سلاح جديد سوف يصبح إعلانا صارخا لدخول سورية في أزمنة التوحش الداعشية الأسدية.
المسألة في حرب نهر البارد كانت تحطيم الهوية الوطنية الفلسطينية، عبر تغريب الفلسطينيين عن مخيمهم.
نهر البارد كان مختبر الجريمة، أما ساحتها فستكون مخيم اليرموك.
ما يقوم به القتلة والسفاحون في أزقة المخيم اليوم، ليس سوى وضع الناس أمام الخيار بين الطاعون والكوليرا، بين الموت بالبراميل والموت بالسكاكين.
نجح النظام في إفراغ المخيم من سكانه، وهذا ما فعله في كل مكان من الأراضي السورية وصلت اليها طائراته. من أكثر من 150 ألف نسمة لم يبق في المخيم المحاصر سوى 18 ألفا، يعيشون في المجاعة والخوف والإذلال والإعاشات المتقطعة.
أفرغ المخيم قبل دخول داعش، وصار أزقة أشباح هائمة، وإرادة صمود بطولية، اختبرت معنى عبثية البطولة في هذا الزمن الذي اندثر فيه الخطاب الفلسطيني الذي صار بلا بوصلة سياسية أو معنوية مع الانقسام وأوهام التسوية وتخيلات أمراء الباندوستانات الفلسطينية.
أبطال بلا بطولة، هذا هو اسم الهزيمة الفلسطينية المروعة والتي لا سابق لها في مخيم اليرموك. فصائل جبانة ومجموعات من عملاء النظام السوري تتلطى خلف الإسم الفلسطيني، وشعب ترك للتيه والإذلال إلى أن وصلت داعش وأخواتها كي تدوس العلم الفلسطيني، مثلما داست علم الثورة السورية، وكي تأخذنا إلى جنون الخلافة ودولتها وهستيريا عبادة العنف والدم.
لا نستطيع اليوم أن نلوم أحداً، كل كلمات إلقاء التهم على الآخرين صارت جوفاء. لا أمريكا مسؤولة عن موتنا ولا إسرائيل. موتنا صنعته قيادات سياسية لم تتصرف كما يليق بالقيادة ان تتصرف، وهذا يصح على فلسطين مثلما يصح على سورية، علما أن هناك فرقا شاسعا بين قيادة ثورة سورية كانت تتعثر في ولادتها وبين قيادة فلسطينية ورثت نضالا عمره نصف قرن وأهدرته على مذابح الوهم والفساد والسذاجة.
نحن أمام كارثة إنسانية تستكمل كارثة سياسية كبرى نعيشها. وأمام هذا الهول، وأمام هذا التوحش لا يحق لأحد أن يبكي.
كلا أيها الناس، لا بكاء ولا مناشدات. طز على الضمير العربي والإنساني. لا تصدقوا ضمير من لا ضمير له، إذا أردتم تحريك ضمائرهم فعليكم ان تنتزعوا الضمير الإنساني عنوة من سباته، واذا كنا عاجزين عن ذلك فلنخرس.
إنه تيمورلنك وقد انشق إلى نصفين، نصفه يحمل اسم نظام آل الأسد ونصفه الآخر اسمه داعش أو النصرة أو ما يشبههما. نصفه يراكم الأشلاء ونصفه الآخر يقطع الرؤوس. وهذا التيمورلنك يشبه جده التتري لا يفاوض لأنه يسعى إلى هدف واحد هو تدمير كل شيء وإفساد كل شيء، وغريزة الدم التي فيه صارت اسمه ووسيلته وغايته.
شعب اليرموك، برجاله ونسائه وأطفاله، الشعب الذي تحولت فيه أجساد الناس إلى هياكل عظمية، الشعب الذي صار علامة ذل كل الفلسطينيين وكل العرب وكل الناس، هذا الشعب المحاصر بالموت هو الهوية الفلسطينية والعربية الجديدة.
أيها العرب انتم في الذل والمهانة طالما بقيت سورية بشعبها وفلسطينييها ذليلة ومهانة.
لم تعد القضية السورية عبارة عن أزمة بين طرفي النظام السوري والمعارضة السورية، وكذلك لم تعد ثورة شعب ثائر ضد نظام فاسد ، بل هي بين شعب غاضب ونظام طائفي تجمع حوله ومعه كافة القوى الطائفية من شتى أنحاء العالم ومن لون واحد وطائفة بعينها واضحة يعرفها الجميع تلك العصابة المتمثلة بالحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني ومليشيات المالكي والمليشيات الطائفية الأفغانية والباكستانية الشيعية وغيرهم من شبيحة النظام وجل طائفته والمنتفعين من فساده.
مما شكل احتلالاً إيرانياً طائفياً شيعياً واضحاً للجمهورية العربية السورية وللعاصمة دمشق تحديداً ، ومايجري في مسجد بني أمية لأكبر شاهد ودليل على ما أقول وأدعي ولم يعد النظام السوري صاحب قرار القتل في سوريا أو إنهاء المعركة بالحوار أو التقاسم أو الانسحاب أو الاستسلام أو حتى الهروب.
بل هي القوى المحتلة الدخيلة على مجتمعنا العربي المسلم في بعده الديني والجغرافي، مما يستدعي تدخلاً عربياً سريعاً وقوياً وحازماً لإعادة سوريا لحاضنتها العربية وأمتها الأصل ، وحمايتها من أن تحول إلى (حسينية إيرانية).
وبوادر ذلك واضحة وحماية الشعب السوري الذي تعرض لكافة أشكال العنف والقتل والاعتداءات من النظام وحلفائه ، علاوة على جرائم تنظيم داعش الإرهابي والذي صنعه النظام السوري المجرم ليحارب به الاعتدال الإسلامي السوري الوسطي من المعارضة السورية وخاصة منها المسلحة والمتمثلة بالجيش الحر.
علما بأننا نؤكد بأن سوريا المستقبل ستكون لكل السوريين من الأخوة العلويين والشيعة والدروز والمسيحيين والإسماعليين والأكراد والآشوريون والشركس والتركمان واليزيديين وكذلك السنة الذين يشكلون 79 % من الشعب السوري.
وعلى أساس المواطنة وليس الطائفة والمحسوبية والحزبية والآن فإن الشعب السوري يستغيث ويصرخ وهو شامخ يدافع بكل شجاعة عن أرضه وعرضه وكرامته ودينه وحريته، وقد دفع مئات الآلاف من الشهداء الشرفاء في سبيل ذلك حتى بلغ عدد الشهداء أكثر من مليون شهيد ( فهل من مجيب).
علما بأننا لا ننتظر منكم إدانة أو استنكار لما يجري كالعادة فقد مللنا من التصريحات الكلامية والبيانات الاستنكارية والتي لم تعد تسمن ولا تغني من جوع ، بل نريد قراراً عربيا واضحاً وتدخلا عربياً عسكرياً على شكل عاصفة الحزم.
فكما استجبتم لنداء رئيس شرعي لليمن الشقيق وهذا حق بل هو الموقف العربي الوحيد في العصر الحديث الذي يرتقي لمستوى الأمة العربية فإنه من باب أولى الاستجابة لشعب عربي شرعي يذبح من أكثر من أربع سنوات وأنتم تنظرون وتستنكرون ومازال الدم يجري والوقت من دم وهذا النداء أمانة في أعناقكم وشاهد عليكم وهو في رسم الإجابة.
بعض المناطق الصغيرة تكون أكبر وأوسع في تفاصيلها من المدن الكبيرة. مخيم اليرموك مثال جيد. ذلك المخيم الفلسطيني هو صورة سورية الصغرى، هو اللجوء والفقر والعجز والحرية المستترة. هو صورة الحصار والجوع والصمود، مخيم الأمل والألم وخنق داعش ونظام الأسد للحنٍ من هناك.
إنه عصر مخيم اليرموك المُحاصر في شكل جزئي من قبل نظام الأسد والقوات الموالية له منذ أيـلول (سبتمبر) 2013 وفي شكل كامل منذ بداية 2014، وفي شكل خـانق من قبل قوات الأسد وقوات تحالف تنظيم «داعش» و»جبهة النصرة» منذ بداية نيسان (أبريل) الجاري.
اليرموك يقاوم وحده على جبهتين، المقاتلون المتطوعون للدفاع عن المخيم إضافة الى مقاتلي كتيبة أكناف بيت المقدس محاصرون في عدد غير كبير من الأمتار يواجهون الموت وحدهم بعد أن خذلهم الجميع بمن فيهم كثيرون من السوريين.
هذا المخيم الصغير وهو أكبر مخيمات الفلسطينين في الخارج لا تتجاوز مساحته 2.5 كيلومتر مربع، وهو يقف وحيداً اليوم ليدافع عن روح الشتات الفلسطيني وحقهم في العودة إلى فلسطين بعد أن تخلى عنها الممانعون والمقاومون ومن ثقبوا آذاننا بقضيتهم المركزية ونسوا وجود مخيم اليرموك في زحمة أحداث الشرق الأوسط، أولئك الذين لم نسمع صوتهم خلال سنتين من حصار الجوع والعطش، ولم نسمع صوتهم اليوم في حصار سكاكين «داعش» وصواريخ الأسد.
يقف اليرموك مقاوماً الموت القادم من خلافة البغدادي منتظراً مؤازرة جيش الإسلام وجيش الأبابيل وكتائب شام الرسول لنصرتهم ضد عدوهم المشترك «داعش»، هؤلاء الجيوش لم يطلقوا سوى بياناتهم من دون رصاصهم إلى الآن، إلا من رحم ربي منهم. الجرحى يموتون وحيدين لأن الحصار خانق والعطشى يعطشون وحيدين لأن نظام الممانعة منع المياه عن المخيم منذ أكثر من مئتي يوم والجائعون لهم الله.
فلسطينيو الله يشعرون بالخذلان، هكذا يجيبون إن سألتهم عما يحسون به هذه الأيام. أما إن سألتهم ماذا تنتظرون من السوريين اليوم، فسيكون جوابهم «بسيطاً كالماء واضحاً كطلقة مسدس»: ما ننتظره اليوم هو أن يحس السوريون بنا لا أكثر.
مخيم درعا للاجئين الفلسطينيين كان أول من احتضن السوريين الفارين من مناطقهم في درعا حين شنّ النظام هجومه على المدينة في بداية الثورة وكان متنفس المدينة الوحيد أثناء الحصار. مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان كانت مقصد اللاجئين السوريين من أرياف حمص ودمشق وحماة حين هربوا من بطش مليشيات الأسد، إذ كان يقال حينها إن لا بيت للاجئ السوري سوى بيت اللاجئ الفلسطيني، وما زالت الشواهد كثيرة من هناك، ومن أراد الاستزادة فليزر تلك المخيمات ويرى بأم عينه.
مخيم الرمل الجنوبي في اللاذقية كان من أشد المؤازرين للثورة السورية مما أدى إلى أن يذيقهم النظام السوري أصناف جحيمه، فلم يكن قصف الزوارق الحربية من البحر المتوسط للمخيم إلا أحد فصولها.
مخيم اليرموك كان أحد مناطق النزوح الآمن في مدينة دمشق وكان متنفساً يطل على غوطة الشام فيصلها من هناك أدوية ومواد غذائية ويسعف جرحى تلك المناطق في المخيم الآمن فضلاً عن اختباء الناشطين السوريين هناك خوفاً من اعتقال قد يؤدي إلى موت في أحد أقبية الاستخبارات.
مخيم اليرموك اليوم يقف وحيداً مخذولاً. مخذولاً من نظام المقاومة والممانعة ومريديه وأنصاره، مخذولاً من الممانعين العرب ممن سكتوا عن الحصار المفروض من قبل الأسد وميليشيا الجبهة الشعبية – القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل، ويسكتون الآن عن سكاكين «داعش» القريبة، مخذولاً من الكتائب الإسلامية التي لم تؤازره بما يكفي في محنته الأخيرة، وهو كان متنفسهم في فترة ما، مخذولاً من الجيش الحر الذي تركه وحيداً في المعركة، مخذولاً من ناشطي المجتمع المدني السوري الذين لم يذكروا المخيم، وهو صورتهم التي كلما نظروا إليها تذكروا قضيتهم، مخذولاً من قيادات مختلف الفصائل الفلسطينية التي نسيت عاصمة الشتات الفلسطيني وتركته يموت وحيداً.
صحيح أن الوضع السوري عبثي ومعقد وصعب لدرجة الجنون إلا أنّ لليرموك حقاً علينا، إن لم يكن من أجل فلسطين، فمن أجل فلسطينيي سورية. إنّهم فلسطينيونا، إنّهم صوتنا وصورتنا.
إنّها دعوة لتتوجه صلوات السوريين وبنادقهم لحماية مخيم اليرموك... لحماية الروح الأخيرة لدمشق.
إذن روسيا مهتمة بالجانب الإنساني في اليمن، لا تسأل كيف ولماذا حدث ذلك فجأة، موسكو صحا ضميرها الإنساني ذات يوم، وتريد التكفير عن أخطائها السابقة ضد الشعب السوري، بعد أن تسببت بمقتل مئات الآلاف منهم وتشريد الملايين، إلا أن تصحيح الأخطاء هذا لا يتم عبر البوابة السورية، كما هو مفترض، بل في اليمن ولصالح الحوثيين، حلفاء حليفتها إيران، وبعد تدخلها المنحاز في سوريا وأوكرانيا تيمّم سياستها هذه المرة باتجاه الجزيرة العربية عن طريق اليمن، عفوا: عن طريق ميليشيا الحوثيين.
في السياسة لا يمكن الركون للنوايا الحسنة، فلو افترضنا جدلا الاهتمام الروسي المفاجئ باليمن وبأوضاعه الإنسانية، وأنها كدولة كبرى تريد المساهمة في جهود السلام العالمي، فما الذي منع موسكو من التواصل مع سفير اليمن في الأمم المتحدة، بدلا من القفز على أعراف دبلوماسية متعارف عليها، والذهاب مباشرة لتقديم مشروع قرار لمجلس الأمن، مع أن مشروع القرار العربي يتحدث أصلا عن الجوانب الإنسانية، بالإضافة إلى الجوانب السياسية، ومنها إدانة الطرف الذي نسف العملية السياسية في اليمن، الذي هو هنا الحوثي، وإلزامه بالتراجع عن التمرد والعودة إلى المسار السياسي. يا ترى هل أخطأت موسكو العنوان، وذهبت للسفير الإيراني، وليس اليمني، ونسقت معه مشروع القرار؟!
الانكماش الأميركي هو من أعطى روسيا الفرصة لأن تصدم العالم تارة تلو الأخرى، يظن الجميع أن التصرفات الروسية غير مقبولة فور صدورها، غير أنها تأخذ صفة المقبول والواقع مع مرور الأيام، وإلا من كان يصدق أن روسيا تستطيع مواجهة العالم بأسره، باستثناء إيران، وتؤيد نظام بشار الأسد رغما عن أنف ملايين السوريين؟ من كان يصدق أن تفعلها وتخترق الاتحاد الأوروبي باحتلالها جزءا من أوكرانيا؟ وها هي الآن تزحف رويدا رويدا لتضع لها قدما في اليمن، أمس برسالة غريبة من السيد بوتين للقمة العربية يعارض فيها ما سماه التدخل الخارجي في شؤون الدول العربية، واليوم بمشروع لمجلس الأمن تحت ذريعة «السياسة الإنسانية». من يدري، ربما نرى غدا أيضا إمدادا للحوثيين بالأسلحة الروسية، والهدف إنساني بحت وليس سياسيا!
صحوة الضمير الروسية هذه جاءت لتخفيف الضغط على حليفها الإيراني، الذي كان واضحا ارتباكه منذ بدء عاصفة الحزم، فالتحالف الذي نتجت عنه العاصفة محصن سياسيا قبل أن يكون قويا عسكريا، والخطايا التي ارتكبتها طهران في سوريا والعراق والبحرين ولبنان، فضحتها أمام العالم بأسره، فلم يعد لديها القدرة على التبجح أكثر، ناهيك عن تداعيات الأزمة السورية على العلاقات الخليجية الروسية، مما دعا روسيا للتحرك، تحت الغطاء الإنساني المفضوح، باتجاه مياه اليمن الدافئة، وانتظروا مزيدا من تدخلات موسكو للبحث عن منفذ لها في خاصرة الجزيرة العربية، تعيد فيه ذكرياتها، عندما كان اليمن الجنوبي طفل الاتحاد السوفياتي السابق المدلل.
موسكو التي ارتفع منسوب حسّها الإنساني من دون أي مقدمات، تتخوف من أن تكون هناك عاصفة حزم ثانية مستقبلا في سوريا، أو غيرها، بعد أن يحقق الحزم كل أهدافه في اليمن، وهذا ما تراه موسكو قد يطيح بمصالحها، لذلك لا يستبعد أن نرى مزيدا من الخطوات الروسية التدريجية نحو وضع القدم الأخرى لها في الجزيرة العربية عن طريق الأزمة اليمنية.