منذ انطلقت عملية عاصفة الحزم التي تقودها المملكة العربية السعودية ودول أخرى ضد متمردي جماعة الحوثي وقوات الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح، بدأ السوريون يستبشرون خيراً ويتناقلون أخباراً تفيد أن العاصفة، التي تستهدف التمدد الإيراني في منطقة الخليج، سوف تلامس بشكل أو بآخر، ذلك التمدد والتغول في سوريا، ويعزز ذلك التفاؤل السوري أخبار لم تتوقف منذ اليوم الأول لعاصفة الحزم تؤكد أن قادة مجلس التعاون الخليجي لم يعودوا قادرين على احتمال ما تفعله إيران في المنطقة العربية، خاصة بعد أن اكتسبت نوعاً من الثقة بنفسها غداة توقيعها الاتفاق النووي مع الدول الكبرى، وهو الأمر الذي أثار حفيظة دول الخليج التي ترى في إيران خطراً محدقاً يهدد مستقبل المنطقة بأسرها، وثمة عتب لم يعد خفياً على أحد يوجهه المسؤولون الخليجيون لواشنطن لتهاونها في الملف الإيراني، وتفريطها بطريقة أو بأخرى في أمن الخليج والمنطقة.
بالتزامن مع انطلاق عاصفة الحزم حققت بعض الكتائب على الأرض السورية انتصارات ميدانية كبيرة في محافظتي إدلب ودرعا، وقد ربط البعض هزائم النظام في هاتين المنطقتين بانشغال حليفته طهران بلملمة أوراقها اليمنية التي تبعثرت في ضوء المفاجأة التي تعرضت لها، وقد بدأت تمنى بالخسائر المتلاحقة، وفقد المسؤولون الإيرانيون أعصابهم وهم يرون الحديقة الخلفية للخليج العربي، والتي كانوا يعدون عشرات الخطط لها بدأت بالخروج من أيديهم، ولن يكون بإمكانهم إعادة بسط سيطرتهم كما كان الأمر خلال الأشهر الستة الأخيرة والتي أعقبت استيلاء الحوثيين على السلطة، وإعلانهم تبعيتهم للولي الفقيه، ولعل هذا التحالف هو ما يفسر ما يمكن وصفه بالجنون الذي أصاب أقطاب المحور الإيراني وجعل النظام السوري يلقي بكل ثقله في التجييش ضد عملية عاصفة الحزم، مذكراً القادة الخليجيين من جديد أن طريق القدس لا تمر عبر اليمن، وكأنها تمر أصلاً عبر تدمير المدن السورية وتشريد أهلها.
وفيما لم تصدر بعد أي تأكيدات من قبل قادة عاصفة الحزم أنهم قد يتخذون خطوات عسكرية ضد النظام السوري، واستطراداً ضد الميلشيات الإيرانية المنتشرة بكثرة على الأراضي السورية والمتمثلة في حزب الله اللبناني الذي لا يختلف من حيث المبنى والمعنى عن ميلشيات أنصار الله في اليمن، إلا أن ذلك لم يمنع الارتباك الذي بدأ يعتري سلوك تلك الميلشيات ويجعلها تفكر بالخروج بأقل الهزائم، وإن كانت طهران تدرك أنها لا يمكن أن تسمح بخسارة جبهتين ثمينتين في وقت واحد، فإنها قد تحاول التركيز على الجبهة اليمنية لما تمثله من ثقل نظراً لقربها الشديد من منطقة الخليج العربي، ولموقعها الإستراتيجي الذي لا تخفي طهران رغبتها في التحكم فيه والسيطرة عليه، ولعل ذلك ما يجعل اهتمامها بالساحة السورية يضعف بعض الشيء، وقد انتقل قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني والذي كان يدير العمليات على الساحتين السورية والعراقية إلى اليمن.
وانتقل معه عدد من قياديي حزب الله اللبناني أيضاً، وهو ما يتيح الفرصة أكثر لكتائب الثوار على الأرض للانقضاض على قوات النظام المنهكة والتي كانت قد أسلمت قيادتها وبشكل كلي لمن يسمون بالخبراء الإيرانيين، وإن كانت النتائج التي حصدها الثوار خلال الفترة الماضية تعكس تفوقاً ملحوظاً، فإنه يمكن اعتباره واحداً من نتائج عاصفة الحزم التي بدأت تظهر باكراً على الساحة السورية، وإن كان النظام قد بدأ يكتفي بشن الغارات على المناطق المحررة في محاولة منه لتدمير ما يمكن تدميره ريثما يستطيع “الخبراء الإيرانيون” العودة للإشراف على العمليات القتالية، فإن الكلام عن مناطق حظر جوي فوق المناطق المحررة بدأ يعلو خلال الأيام الماضية.
ويبدو أن الرياض وهي أكثر المعنيين بالملف السوري تقود ماراثوناً دبلوماسياً على أكثر من اتجاه لإيصال رياح عاصفة الحزم إلى دمشق، ربما دون أن تكون مضطرة لتوجيه أسراب طائراتها وطائرات حلفائها إلى هناك، طالما أن النتيجة ستكون مرضية في نهاية المطاف.
من المبكر الحديث عن خطط إستراتيجية في طريقها إلى الإنجاز أو أن ترى النور قريبا، للإطاحة بنظام الأسد، كما تتوقع مراكز أبحاث أميركية، تأسيسا على الحراك السياسي بين أقطاب المنطقة العربية الشرق أوسطية، خاصة السعودية وتركيا، منذ فبراير الماضي.
المسألة من التعقيد بأكثر مما يمكن أن يتصوره باحثون غربيون يحتاجون معلومات دقيقة ومعطيات متصلة بدول المنطقة وسياساتها وأنماط التفكير فيها. وقد لا تعكس التصريحات والتحركات الدبلوماسية، حقيقة السياسات التي تطبخ على نار هادئة، فيما يحترق السوريون سراعا بمختلف وسائط الموت.
تتوقع أوساط سياسية، أن عاصفة الحزم، سوف تنتقل شمالا لتضع حدا للحالة السورية التي أوغلت في الدم والخراب، وهذا التوقع يكاد يقترب من نسج الخيال الشعبي، الذي يعكس أحلامه في تمنيات يتوق إليها المقهورون، خارج المعطيات الموضوعية. من هنا ينظرون إلى ما تقوم به السعودية ودول الخليج في ردع الحوثيين، على أنه مقدمة للخلاص من نظام الأسد. لكن الأمر أيضاً ليس بعيدا عن القوى الإقليمية المعنية مباشرة بالوضع في سوريا، فليس من المستبعد بلورة تحالف سعودي تركي، تدعمه الإمارات العربية المتحدة، وقطر ومصر، لكنه لن يماثل بأي حال مهمة عاصفة الحزم، كما أنه غير وارد الآن، في هذه المرحلة، بسبب انشغال تلك القوى بإنجاز مهمتها في اليمن، وهي تشهد توسعا في العمليات العسكرية الجوية، وإلحاقها بعملية برية، من شأنها استكمال العمل على استئصال حركة الحوثيين المسلحة، وإعادة سيطرة الدولة اليمنية.
من المتوقع، المزيد من الوقت الذي ستستغرقه عاصفة الحزم. وفي الأثناء، ليست ثمة أولوية للانشغال بالحدث السوري على جميع الأصعدة. والواقع فإن لقاء موسكو 2 أظهر الانشغال الدولي عما تقوم به روسيا من دور يتمثل بتعويم النظام السوري واحتواء المعارضة، بالصورة المعيبة التي انجلت عنها المشاورات الأخيرة، من حيث استمرار إشكاليتي تعنت النظام، وفوضى المعارضة.
تشير المعطيات إلى أن الرياض تتحرك بشأن سوريا في اتجاهين، بتعاون وثيق مع الدوحة، وتاليا مع أنقرة، مع ملاحظة الإشكال الأساسي الذي يظلل العلاقة السعودية التركية بشأن دعم الأخيرة لتنظيمات الإخوان المسلمين في المنطقة العربية، خاصة مصر وتونس وليبيا، وبالطبع سوريا. يتمثل الاتجاه الأول في دعم الجهود السعودية في إعادة تشكيل المعارضة السورية، وبمعنى أدق بثّ الروح في الجسد الميت عبر مؤتمر القاهرة، واستباقه بحملة تنسيق مع الأطراف المؤثرة في مكوناتها الأساسية، علّ ذلك ينقذ المشروع من الوقوع في أخطاء الانفراد والإقصاء وبالتالي الفشل. أما الاتجاه الثاني، فهو العمل على بلورة رؤية مشتركة تطلق حراكا سياسيا دوليا من شأنه أن يدفع باتجاه اتخاذ مواقف دولية أكثر حزما في ما يتصل بإلجام نظام الأسد عن الاستمرار في عدوانه على المدنيين السوريين.
أي تحالف في المنطقة لن يستهدف القيام بعمل عسكري لإسقاط بشار الأسد ونظامه الأمني. أيا تكن الأطراف التي يكونها ذلك التحالف، ذلك أن الإرادة الدولية وضعت تصورا وحيدا هو التسوية السياسية، وليست هناك حتى الآن أي تطورات في هذا الشأن. وأقصى ما يمكن الوصول إليه، هو فرض مناطق حظر طيران في شمال سوريا، وهو مطلب تلّح عليه تركيا وتعتبره شرطا لازما لانخراطها في أي تحالف عسكري بشأن سوريا. وهو ما يؤاخذ على أنقرة اشتراطاتها في إعادة صياغة علاقاتها الإقليمية في حقبة أردوغان، كاشتراط تغيير الموقف السعودي من الإخوان المسلمين. غير أن فشل هذه الجماعة في إدارة الدولة والصراعات في حيزها الجغرافي المحدد، انعكس على الدور الريادي الذي حاولت تمثلّه بدعم من تركيا.
تحالف السعودية وتركيا، إذا قيّض له أن يولد بمباركة أميركية، سوف يكون مرتبطا بالمنظومة الأمنية الخليجية، التي تلعب أطرافها دورا محوريا في تذليل الصعاب بينهما، بما يقود إلى ممارسة ضغط فعّال يُجبر نظام الأسد على التفاوض، وكذلك تأهيل فريق معارض قادر على تحمل مسؤولياته. وهذا يحتاج الكثير من الوقت والجهد، خاصة أن الوضع السوري مفتوح على كل الاحتمالات، دون قدرة أي من الأطراف على وقف التدهور القائم أو التحكم بسيرورة العمل العسكري، الذي اتسع بصورة غير مسبوقة، يقابله استقواء نظام الأسد بميليشيات الاحتلال الإيراني ومثيلاتها. يضاف إلى ذلك العقدة المتصلة بالدولة الإسلامية التي تتمدد في دول الربيع العربي، فيما يشبه اقتصاص من مجتمعات التغيير الثوري، في تونس وليبيا وسوريا.
إن لم تكن هناك رؤية شاملة للحل في سوريا، تتضمن كيفية التعامل مع داعش من جهة، وجبهة النصرة من جهة ثانية، فإن أي تحالفات جديدة لن يكون مصيرها أقل مما آل إليه التحالف الدولي لمحاربة داعش. والنجاحات التي حققتها عاصفة الحزم يمكن أن تشكل لدى القادة الإقليميين، السعودية والإمارات وقطر، دافعا للعمل المشترك، ليس لنسخ تجربة “الحزم” في سوريا، بل للقيام بدور أساسي لإنشاء تحالف إقليمي، من أجل فرض تسوية مرتبطة بالتغيير.
مع اندلاع عاصفة الحزم في اليمن، هبّت إيران لمهاجمتها كما كان متوقعاً؛ لأنها طالت أحد أذرع أخطبوطها في المنطقة. حيث نعتتها بمختلف الأوصاف والنعوت؛ كـ "الجرائم"، "العدوان"، "الاحتلال"، وأن السعودية هي "غدة سرطانية يجب استئصالها"... إلخ.
وصل مرشد ثورتها الخمينية، علي خامنئي، لدرجة الحديث عن المحاكم الدولية، بسبب ما قيل إنها "جرائم ضد الإنسانية" تقترفها قوات التحالف بحق المدنيين والعزّل من الشعب اليمني!
قنوات إيران الفضائية حوّلت عاصفة الحزم إلى مجرد "عدوان سعودي أمريكي" على اليمن، وهذه كي تخوّنها، وكأن إيران لا تتعاون مع أمريكا وإسرائيل أيضاً، حيث يربط بينهما مشروع استعماري مشترك.
تهمة التحالف والتعاون مع أمريكا ثابتة على طهران، وبتصريحات من مسؤولين إيرانيين، حيث إن محمد علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية، صرّح مساء الثلاثاء 2004/1/15، في ختام أعمال مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل، الذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية سنوياً بإمارة أبوظبي، بأن بلاده قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربهم ضد أفغانستان والعراق.
وأكَّد أبطحي أنه "لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة". وتابع أيضاً: "لكننا بعد أفغانستان حصلنا على مكافأة، وأصبحنا ضمن محور الشر، وبعد العراق نتعرض لهجمة إعلامية أمريكية شرسة"..
من جهة أخرى، أعلن رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، علي أكبر هاشم رفسنجاني، في خطبته بجامعة طهران في فبراير/شباط 2002، أنّ "القوات الإيرانية قاتلت طالبان، وساهمت في دحرها، وأنّه لو لم تُساعد قوّاتهم في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في المستنقع الأفغاني".
وتابع قائلاً: "يجب على أمريكا أن تعلم أنّه لولا الجيش الإيراني الشعبيّ ما استطاعت أمريكا أنْ تُسْقط طالبان".
وفي السياق نفسه، أعلن الناطق باسم الخارجية والاستخبارات الإيرانية علي يونسي أن هناك شكلاً من أشكال الدعم تقدمه إيران للولايات المتحدة.
أما د. محسن رضائي، الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، أعلن من فضائية الجزيرة عبر برنامج "بلا حدود"، الذي بث في 2002/7/25 أثناء العدوان الأمريكي على أفغانستان، أن الخلاص من المستنقع الأفغاني يجب أن يمر عبر إيران، وإذا وصلت أمريكا إلى طريق مسدود في أفغانستان فإيران طريق جيد، وإيران يمكن بشتى الطرق أن تحل هذا الطريق.
أما عن التواصل مع الولايات المتحدة، التي سماها الخميني "الشيطان الأكبر"، فقد كان قائماً دائماً من قبل، وليس في إطار المفاوضات على المشروع النووي فقط، وأكَّد نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني الإصلاحي محسن أرمين عن وجود اتصالات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران.
في السياق نفسه، ذكرت صحيفة "يو إس إيه توداي" الأمريكية، أن إيران مهتمة بإعادة العلاقات الدبلوماسية بينها وبين الولايات المتحدة.
أما مستشارة الأمن القومي السابقة، كوندوليزا رايس، فتحدثت في مقابلة مع إحدى وكالات الأنباء عن أن الأمم المتحدة قد قامت بتيسير اتصالات بين بلادها وإيران بصورة منتظمة، لمناقشة مسائل عملية كانت تتعلق أصلاً بأفغانستان، ثم اتسع نطاقها لتشمل العراق.
إيران مع عاصفة الحزم التي دكّت أوصالها في اليمن، هبّت تتحدث عن الصهاينة والمؤامرة والمقاومة والممانعة والقانون الدولي، ولكن لم نسمع من وسائل إعلامها أدنى إشارة لجرائم مليشيات الحوثيين الذين حولتهم إلى الشعب اليمني، ولا نقلت لنا مشهداً واحداً عن جرائمهم في دماج – مثلاً- بحق طلبة علم من المدنيين، ولا رأينا صور سيطرتهم على المباني الحكومية بقوة السلاح.
طبعاً، هذه عقيدة إيران في التعامل مع قضايا الشعوب العربية، فهي التي ترى حراك الشيعة في البحرين ثورة شعبية، في المقابل تشارك بحرسها الثوري ومليشياتها الإرهابية في ذبح الشعب السوري لأنه طالب - بادئ الأمر - نظام الأسد بالإصلاحات، قبل أن يبطش بمظاهراتهم السلمية فاضطروا إلى مقاومته بالسلاح.
إيران تحتل دولة الأحواز منذ 1925 وتشرّد شعبها، وتمارس شتى المخططات للتطهير العرقي ومسح الهوية العربية والإسلامية، وبذلت ما في وسعها لتشييع الأحوازيين، غير أنها فشلت؛ حيث نشهد سنوياً المئات من شيعة الأحواز يتحولون إلى أهل السنّة، بل حتى الذين بقوا على تشيّعهم الكثير منهم يناهضون الاحتلال الإيراني الفارسي والصفوي لبلادهم.
نعم، تحتل الأحواز، وتعمل على تغيير دينهم وقوميتهم، وتعلق على المشانق من دون محاكمات عادلة كل من يناهض احتلالها، ولو كان شيعياً، وفي الوقت نفسه ترفع شعارات تحرير فلسطين من العدو الصهيوني الذي لم تطلق رصاصة واحدة عليه.
حتى بعض مغامرات "حزب الله" ضد "إسرائيل" كانت من أجل مصالح أخرى فيها ما جرى الاتفاق عليه بين الموساد والمخابرات الإيرانية تحت رعاية المخابرات الروسية.
إيران التي تذبح الأحوازيين وتحتل أرضهم وتحاول أن تجتثّ دينهم وعرقهم، هل يعقل أنها ستحرّر إخوانهم في الدين والهوية بفلسطين أو أي مكان آخر من العالم العربي والإسلامي؟
لم يقتصر الأمر على الأحواز فقط، بل إن إيران ذبحت أكثر من مليوني عراقي، وتعاونت مع الجيش الأمريكي في احتلال بغداد، وشيعتها العراقيون هم رؤوس الحربة الذين استعملتهم أمريكا في غزوها للعراق.
هل يعقل أن إيران تعادي أمريكا وتتعاون معها في غزو أفغانستان والعراق؟
الأدهى من كل ذلك، أن إيران لديها خط إمداد ينطلق من طهران ويمرّ عبر العراق ويصل إلى سوريا ثم لبنان حيث "حزب الله" الذي يدّعي المقاومة والممانعة، لكنها لم ترسل يوماً صاروخاً واحداً من الصواريخ طويلة المدى، حتى يستعمله حسن نصر الله ضد تل أبيب التي هدّد بنسفها، كما زعم الرئيس الإيراني الأسبق نجاد أنه سيمسحها من الوجود.
إيران صارت حدودها مع "إسرائيل" وهي حقيقة ثابتة لا اختلاف حولها، من جهة الجولان المحتل حيث نظام الأسد الذي هو مجرد محافظ إيراني على مقاطعة إيرانية، ولم نشهد أنه أطلق رصاصة واحدة لتحرير الأراضي السورية المحتلة.
بل الأخطر أن نظام الأسد يمتلك ترسانة كيماوية ضخمة، كما صرّح الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يمكنها أن تمسح "إسرائيل" من الوجود، ولم يستعملها إلا ضد السوريين، كما أن بحوزته صواريخ مسافتها تتجاوز 200 كم لم يستهدف بها قوات "إسرائيل" في هضبة الجولان التي تبتعد بـ 50 كم عن العاصمة دمشق.
نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في عددها الصادر بتاريخ 2013/8/26 أن نظام الأسد يمتلك 100 ألف صاروخ متطور ومتنوع من نوع "سكاد"، يمكن أن تغطي فلسطين المحتلة كلها.
ترى، لماذا لم يطلق نظام إيران في دمشق صاروخاً واحداً ضد "إسرائيل" في حين استهدف الشعب السوري بمئات الصواريخ المدمرة للإنسان والبنيان والحيوان؟
لو أردنا أن نحصي جرائم إيران بحق العرب والمسلمين، وبتسمية أوضح وأدق هي "أهل السنّة"، لما كفتنا المجلدات، فقد تسبّبت في مقتل أكثر من مليوني عراقي، وحوالي نصف مليون سوري، وعشرات الآلاف في أفغانستان ولبنان واليمن والأحواز، وهو ما لم يفعله العدو الصهيوني منذ احتلاله لفلسطين عام 1948 إلى يومنا هذا.
على الرغم من كل ما شاهده العالم موثّقاً بالصوت والصورة في سوريا أو العراق، فإننا لم نسمع الإعلام الإيراني يتحدث يوماً عن جرائم ضد الإنسانية، ولا عن العدوان على الشعب السوري أو العراقي.
في حين هبّت تستعمل هذه الاصطلاحات في اليمن، مع أنه لم يثبت بأدنى دليل سقوط مدنيين في غارات قوات تحالف عاصفة الحزم، في حين ثبت بأكثر من دليل عدوان الحوثيين على المدنيين واستعمالهم كدروع بشرية، بل وصل الحال إلى الكذب باستخدام صور مفبركة أو أخرى وقعت في سوريا لتشويه العاصفة.
إيران تبرّر تدخل "حزب الله" وغيره بأنه جاء بطلب من الرئيس الشرعي – كما تصفه – بشار الأسد، في حين تخوّن الرئيس المنتخب في اليمن هادي لما طلب من الدول العربية أن تتدخل لحماية الشرعية ومؤسسات الدولة!
لما جاء شيعتها في العراق على ظهر دبابات أمريكية، وأفتى السيستاني بعدم جواز قتال الجيش الأمريكي، لم نسمع إعلامها ولا معمّميها يتحدّثون عن العمالة، في حين لما دخلت قوات درع الجزيرة في إطار قرار خليجي راحت تصفه بالاحتلال والعمالة وغيرها!
كل ما تقوم به إيران ضد العرب وأهل السنّة تراه حلالاً، ولو وصل إلى حدّ ذبح الأطفال ونحرهم من الوريد إلى الوريد بخناجر منقوش عليها "يا حسين"، في حين أن أهل السنّة حين يقاومون ويدافعون عن أنفسهم يُتّهمون بالإرهاب إن كانوا تنظيمات، وبالاحتلال إن كانوا دولاً وهيئات معترفاً بها دولياً.
نظام الأسد الذي تدعمه إيران بالصواريخ والأسلحة والأموال، حين يقصف المدن، ويبيد النساء والأطفال والشيوخ، ويدمّر المساجد والمستشفيات، فإنه يكافح الإرهاب في نظر ملالي طهران.
وحين تشكّل قوات شيعية طائفية تسمّيها "الحشد الشعبي"، وتبيد القرى وتقتل عشرات الآلاف من المدنيين، فهذا عمل مشروع وحلال لدى إيران الصفوية.
وحين تتدخل الدول العربية لحماية الشعوب من الإبادة، فإن ذلك حرام ومجرّم في قانون الغاب الذي تؤمن به دولة الفرس العنصرية.
ثبت سقوط الملايين من المدنيين في سوريا والعراق واليمن ولبنان والأحواز، وثبت مقتل عشرات الآلاف تحت التعذيب في أقبية المخابرات السورية، ولم نسمع إيران تتحدث عن المواثيق الدولية وحقوق الإنسان، والسبب واضح؛ أن القاتل لا يجرم نفسه أبداً.
في حين لم يثبت سقوط مدني واحد في عمليات عاصفة الحزم، ونسمع إيران وهي تملأ العالم ضجيجاً عما تسميه "إبادة" الشعب اليمني من طرف قوات التحالف العربية بقيادة المملكة العربية السعودية.
صار واضحاً أن المعايير الإنسانية والأخلاقية لا تهم إيران أصلاً، فهي مجرد دولة مافياوية متطرفة دينياً وعرقياً، وكل ما يهمّها هي مليشياتها التي تقاتل وتدمر الأوطان لصناعة إمبراطورية فارسية تظل هي شرطي المنطقة العربية يحمي الكيان العبري ويساعده في بناء دولته من الفرات إلى النيل.
الحلال لدى إيران أن تقتل أهل السنّة وتُبيدهم على بكرة أبيهم، وتمزّق أوطانهم، والحرام أن يحمي العرب وجودهم وكيانهم.
الحلال عند إيران أن تكون هي القاتل فقط، وحين تتحول إلى قتيل أثناء دفاع ضحاياها عن أنفسهم فهذا حرام في دينها ودنياها.
هذا ليس جديداً؛ فتاريخ الصفويين مملوء بالجرائم ضد البشرية، والفرق الوحيد أن آليات القتل تطورت، والجرائم صار يراها كل العالم على المباشر.
لم يقتصر أمر الحلال والحرام على ما ذكرنا، بل إن إيران حركت أجهزتها الاستخباراتية كي يطعنوا في كل مثقف أو إعلامي أو حقوقي أو مفكر أو كاتب يدافع عن عاصفة الحزم، ويتّهمونه بأنه مرتزق يتلقى الأموال من السعودية.
في حين أن المدافعين عن جرائم إيران وحروبها النجسة الطائفية شرفاء وأصحاب مبادئ ونخب فكرية، مع أن كثيرهم من التافهين الذين لم يجدوا لأنفسهم مكاناً بين مجتمعاتهم وشعوبهم فراحوا يبحثون عنه لدى غزاة وبغاة.
بلا أدنى شك أن هدف إيران هو الهيمنة على العالم الإسلامي، وهذه لن تتحقق لها إلا بزرع الخراب وتدمير أوطان العرب والمسلمين، وهو ما تنفذه بامتياز عبر مليشيات شيعية موالية لها، وتجلى ذلك بوضوح في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ولعابها لا يزال يسيل لأجل أقطار عربية أخرى، وإن لم تتعدد عاصفة الحزم وتتمدّد فسيتحقق لها ما تريده، لا قدّر الله.
خرجَ وفد النظام السوري برئاسة بشار الجعفري من مشاورات موسكو-2، بتوقيع جزء من المعارضة التي التقاها، على تنازلات خطيرة في ملفات عديدة، وذلك بصورة مغايرة لما حصل خلال "جنيف-1" و"جنيف-2"، إذ إنه واجه في حينه معارضة جدية تمثّلت بوفد الائتلاف السوري، وحداً أدنى من قرار دولي رافض لتمييع الملف الإنساني في سوريا، ومسألة الهيئة أو الحكومة الانتقالية التي أشير إليها في وثيقة جنيف الأول عام 2012.
قبل بدء المشاورات، لم يكن للقاء السوري في موسكو جدول أعمال رسمي. فانتهى بعدم معرفة وفد المعارضة ما تم إنجازه من نقاط وما بقي معلّقاً، وظهر ذلك جليّاً في المؤتمر الصحافي المشترك لرئيس حزب "الإرادة الشعبية"، قدري جميل، ورئيس "منبر النداء الديموقراطي"، سمير العيطة، إذ اختلف الرجلان على تقييم الجلسات ونقاط الوثيقة الختامية التي ادّعى الجعفري، وجميل، أنها نالت موافقة المجتمعين، فيما اعتبر عيطة أنها ليست مهمة وليست ما تم الاتفاق عليه من قبل الجميع.
منسق اللقاء، فيتالي نعومكين، تعمّد وضع جدول الأعمال خلال اليومين الأخيرين، اللذين جمعا وفد النظام والمعارضة، بحيث وضع في اليوم الثالث- الذي شهد انضمام وفد النظام إلى المشاورات- أول جدول أعمال، تضمّن بشكل رئيسي نقاطاً تناقش "سبل توحيد القوة في مواجهة الإرهاب"، وفي اليوم الأخير وضع جدول جديد، لم يكن استكمالاً لجدول اليوم السابق بقدر ما كان لأخذ إقرار من وفد المعارضة بالوثيقة النهائية، التي غاب عنها أي إشارة تدين النظام، بل أكثر من ذلك أعطته الصلاحية لقيادة أي عملية تسوية بحسب ما جاء في الفقرة السادسة من البند السابع، بالإضافة إلى انتزاع تأييد للعمليات العسكرية والأمنية في البند الخامس.
تواطأت روسيا مع النظام لإنجاز اللقاء. ولعل الصورة الوقحة للدبلوماسية السورية التي كان الجعفري خير سفير لها، دليلاً على ذلك التواطؤ. فالجعفري رفض ورقة الوفد المعارض، التي حملت عناوين عامة ينادي بها النظام منذ "جنيف-1"،عن وحدة سوريا وإدانة الإرهاب، وتفصيلاً وحيداً تعلّق بالوضع الإنساني، وفي مقدمته الحصار المفروض من قبل النظام على المدن، وملف المعتقلين. وذلك الرّفض نابع من حالة نكران النظام لوجود حصار ومعتقلين، أو سوريين يرفضون الإيمان بقيادة الأسد. مع العلم أن موسكو نفسها دخلت على خط الوساطة لدى النظام من أجل الإفراج عن رئيس تيار "بناء الدولة" المعتقل، لؤي حسين، فأخرجه من السجن ومنعه من حضور موسكو-2.
رغبت موسكو من خلال جمع المعارضة والنظام في روسيا أن تستعيد شرعية دولية خسرتها على خلفية الأزمة الأوكرانية، وحتى الآن يبدو أنها نجحت في تحقيق ذلك، أمام حالة الإنشغال الدولي وإعادة تقييم الأولويات التي أخّرت الأزمة السورية إلى ما بعد الملف النووي الإيراني والعملية العسكرية التي تقودها المملكة السعودية في اليمن. وهي الآن أيضاً تدخل كلاعب رئيسي على خط الأزمة اليمنية، وتجتمع مع مندوبي الدول الخليجية في الأمم المتحدة لبحث سبل عدم معارضتها لمشروع قرار ضد الحوثيين.
بعد الوثيقة التي خرجت عن المجتمعين في موسكو، يصبح الحديث عن أن المشاورات حصلت بين فريقين مختلفين نكتة ثقيلة. فالجعفري اشترى تواقيع تنازل من الوفد المعارض عن مطلب الإفراج عن المعتقلين، وأخذ مبايعتهم على دعم "القيادة السورية من دون أي تدخل خارجي" لقيادة عملية التسوية السياسية، وهذه الوثيقة، بهذه التنازلات، أصبحت ورقة رسمية للتداول في "جنيف-3"، الذي ألمح نعومكين إلى أن مشاورات جدية بدأت من أجل انعقاده. أما قدري جميل فيبدو أنه لم يكن سوى حصان طروادة، وربما يعود قريباً إلى دمشق. لكن في أحد أوجه هذا المشهد، والتجاهل الدولي للمساعي الروسية في إعادة تأهيل نظام الأسد دولياً، يبدو أن سوريا لم تعد القضية.
سيقفز كُثر ليقول يا "عدو الله " و "عدو المجاهدين" و نصير " الكفرة" ، فالأمر بات من أبجديات الرد و طبيعيات الحوار ، و لكن الغاية أن نتمتع بشيء من الوعي و نتفهم الأمور و نكون على قدر الإدارة السياسية و الإعلامية إلى جانب الأمور العسكرية الميدانية ، بشكل يمكّن الثورة من ايجاد طريق لها و مستمعين لها و موالين لها ، بدلاً من عملية التنفير المستمرة التي تقاد بشكل متقن ضدنا.
فعندما يتم تحرير أي منطقة أو يتحقق أي انجاز ، تسارع وسائل الإعلام بالحديث بأحدى الإسلوبين إما "جبهة النصرة " تسيطر أو تهاجم ، أم "جبهة النصرة و شركائها الإسلاميين" يفعلون كذا ، و لا نعرف لماذا الاصرار على وضع جبهة النصرة في مقدمة أي حدث و كأن سوريا كلها و الثورة و الثوار و الفصائل اختزلت بهذا الفصيل.
لا أتحدث عن تسمية هذا الفصيل أو ذلك أو ألبس لبوس العدواة أو الإختلاف من حيث الهدف المشترك و الغاية المرجوة مع أياً كان ، و لكن العمل الإعلامي و السياسي الذي يواجه الثورة يفوق بآلاف المرات العمل العسكري على الأرض ، و الذي طبعاً يؤثر على نظرة المجمع الدولي و الأهم التعاطف الشعبي مع معاناتنا .
المجهود الذي يبذل و الذي يعمل عليه عشرات الجهات لكي يتم وسم الثورة السورية بوسم غير مرغوب دولياً ماهو إلا تمهيد لإعادة الأسد من جديد ، سواء بالمحافظة على شخص بشار الأسد ، أم بالمحافظة على هيكلية النظام و إحضار لعبة جديدة تكمل ما بدأه الأسد الأب و ليبقى الشعب داخل مستوعب محكم الإغلاق ، و تبقى تلك الطائفة المستباحة حالياً ضمن إطار الضبط و عدم التمرد.
لسنا في وارد الحديث عن القاعدة أو الإنتماء لها و مدى صوابيته من عدمه ، كل ما يهمنا هو الصورة العامة للثورة بأن تبقى وطنية بإمتياز و إن كانت بإيدلوجية إسلامية ، فالإسلام هو صفة ليست مرفوضة و لا محاربة من قبل الشعب ، الذي هو من يملك القرار في شكل الهوية المستقبلية للدولة .
ولعل السعي إلى سبق أي انجاز بوسم "القاعدة ، متشددون ، سلفيون ، ......" ماهو إلا سياسة يعمل النظام على توسعتها من خلال أبواق إعلامية و للإسف منها من يحسب على الثورة السورية ،وذلك ليؤكد نظريته أن ما يحدث هو خطة ، و أن ما يقوم به هو دفاع عن العالم أجمع من "بعبع القاعدة" الذي يخيف الجميع و الذي تمخض عنه تنظيم الدولة ، و من الممكن أن يخرج منها أمثال ذلك في المستقبل.
هذا السعي يدفع الكثيرين للإحجام عن الدعم و المساندة و الخوف طبعاً أن إن سقط الأسد من سيحكم ... هل سنمنح الأرض للقاعدة ... أم لمتشددين ... أم سنبقي الحال على ماهو عليه حتى ينهك الطرفان ويأتي من نجد فيه الصلاح و المناسب لمصالحنا...
لست ضد هذا الفصيل أو ذلك ، فإنما الثورة السورية التي حظيت للأسف بكم هائل من المعوقات و أبرزها ذاته ، جعلتها لقمة سائغة لكل من يرغب النهش في الجسد السوري ، و لست ضد الجبهة أو أي فصيل آخر ، و إنما عندما توجد مصلحة عامة و سياسة أمر واقع ، يفترض بأن نملك الحنكة في مواجهتها.
ولعل الكثيرين من الأخوة في النصرة يجتهدون في هذا المجال و قد تحمل الأيام القادمة شيئ ، من خلال رسالة من النصرة للقاعدة تفيد بالوضع الميداني و كيفية الأرضية و مع مقترحات قد تكون من قبيل الإنفصال ، (هذا ما نأمله) ، نصرة لشعبنا و لمظلومينا .
فـ"مخطئ" من يظن أن العمل عسكري بحت أم سياسي بحت .. فالحرب بلا سياسة حرب لانهاية لها ، و سياسة بلا حرب كلام لا طائل منه.
بعد أن تم تحرير محافظة إدلب من قوات النظام السوري، بعد معارك واشتباكات عنيفة دامت أياما، يواجه الثوار اختبارا صعبا في إدارة ثاني مدينة يخسرها النظام، بعد «الرقة» السورية، التي أصبحت بيد «تنظيم الدولة» (داعش)، فأعين جميع الناس في الداخل والخارج تنظر إليهم وتراقبهم بشدة.
كيف سيديرون المدينة.. وما هي الآليات.. وهل سينجحون فعلا في إثبات ذاتهم ويبرهنون للعالم أنهم بديل حقيقي عن الأسد ونظامه؟ ربما لن يكون الأمر سهلا، لاسيما أن نظام الأسد يقصف المدينة بشكل عنيف كل يوم بالبراميل المتفجرة وصواريخ الطيران الحربي. عشرات القذائف والصواريخ والبراميل تسقط على ادلب كل يوم، معيقة محاولات الثوار لتفعيل مؤسسات المحافظة من جديد، وتشغلهم بإسعاف الضحايا ودفن الشهداء وفتح الطرقات التي تغلق كل يوم بفعل انهدام مبان جديدة بسبب القصف
ما يزيد الأمر صعوبة هو واقع المعارضة السياسية خارج سوريا، التي من المفترض أن تكون هي المسؤول الأول عن إدارة المدن والمناطق السورية بعد تحريرها، فحالة الضياع التي تعيشها هذه المعارضة طيلة الأشهر والسنوات الماضية، بالإضافة لقلة الدعم الدولي المقدم لها ماديا وسياسيا وعسكريا، أدى لانعدام الثقة بينها وبين الثوار على الأرض، الأمر الذي سيصعّب إدارتها لإدلب المحررة. الثوار السوريون يقولون إنهم سينجحون في إدارة المدينة رغم كل المصاعب والتحديات.. فنجاحهم في الصمود طيلة أربعة أعوام، أمام نظام مجرم وحلفاء طائفيين وعالم متخاذل يوفر الغطاء السياسي لنظام الأسد وحلفائه بفعل ما شاء في سوريا، يشكل الحافز الأهم في تصميمهم على إدارة المدينة. هم نجحوا، وإن بشكل نسبي، في إدارة الأرياف التي يسيطرون عليها في عموم أنحاء سوريا، من خلال محاكم شرعية ودور قضاء مهمتها فض النزاعات بين الناس، ومجالس محلية تحاول تأمين متطلبات الحياة للريف، رغم صعوبة الأمر وضعف الإمكانيات،.لكن طبيعة إدارة المدينة بمؤسساتها المتعددة وكثافة سكانها يشكل تحديا أكبر للثوار. ما بدأنا نراه فعلا على الأرض يبشر بالخير.. فمنذ دخول الثوار أرض ادلب لم تسجل أي حالة سرقة أو اعتداء على الممتلكات العامة أو الخاصة.. تفاءلنا جميعا بهذا الأمر، ومما زاد تفاؤلنا هو تشكيل قوة مشتركة مستقلة من فصائل جيش الفتح، الذي حرر إدلب وبدأت هذه القوة مهامها في إعادة تشغيل المؤسسات وشكلت لجنة أمنيّة مهمتها الحفاظ على المباني العامة والممتلكات الخاصة، وهي تعمل حاليا على تأهيل وتشغيل مؤسسات الصحة والتعليم والكهرباء والمياه وغيرها من المؤسسات. كل هذا يأتي بعد إعلان حركة أحرار الشام الإسلامية «الفصيل الأكبر في سوريا، والفصيل الأكبر في عملية تحرير ادلب» نيتها تسليم إدارة ادلب لإدارة مدنية وتسليم المؤسسات فيها للمدنيين من أبناء ادلب والمناطق المجاورة..
كل هذه المبادرات لم يعرها الإعلام العربي أو الغربي أي أهمية، وسط انشغالهم في التركيز على مخاوف تحول ادلب الى رقة اخرى. أما العمل الرائع الذي وجدته على الارض والذي إن أشيد به سيتشجع الثوار في البقاء على الطريق الصحيح فيتغاضى عنه الاعلام تماما، بانتظار خطأً من الثوار ليضخموه وينشروه في كل مكان على أنه الطامة الكبرى التي أفسدت واقع سوريا.
ردا على هذا التعتيم، بالاضافة الى حرص الناشطين على إنجاح تجربة ادلب، أطلق عدد من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي حملة عبر هاشتاغ تحت مسمى «نصائح بعد تحرير ادلب» يشيدون فيه بجهود أهالي ادلب و يدعون الثوار إلى إدارة المدينة بشكل ناجح، ويحذرونهم من مغبّة الفشل ويدعونهم لنقل مقراتهم العسكرية إلى خارج المدينة، لاستكمال عمليات التحرير والاكتفاء بالقوة المشتركة التي شكلت من الفصائل داخل ادلب،.إذا يبدو أن درجة الوعي التي يمتلكها ثوار سوريا وناشطوها مختلفة هذه المرة عن سابقاتها، فجميعهم متفقون على أن النجاح هذه المرة ستلحقه سلسلة من النجاحات، والفشل لو حصل سيتبعه فشل.وهم يدركون حقا أن النصر لا يكون عسكريا فقط، بل أن النجاح في إدارة المحرر هو الأهم وهو الذي يعطي الشرعية للثوار فهم أصحاب الحق.. ولا بد للحق أن ينتصر عسكريا وسياسيا ومدنيا واداريا.
المنطقة رقعة واحدة، ترتبط حروبها ببعضها مهما بعدت المسافات، خاصة منذ اندلاع الثورات في مطلع عام 2011. القتال اندلع بشكل واسع في اليمن منذ منتصف العام الماضي بعد استيلاء الحوثيين على مدينة عمران، ثم احتلالهم العاصمة صنعاء، ثم صارت حربًا كَبِيرَة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بعد محاصرة الرئيس الشرعي وحكومته.
الاقتتال في اليمن نتيجة للأزمة الإقليمية التي تواجهها إيران في المنطقة، وتحديدًا في سوريا والعراق، حيث تقاتل دفاعًا عن نظامين حليفين لها. فهذه حرب بدأت في الشوارع، ثم تطورت وصارت مواجهات جيوسياسية بين محورين إيراني وعربي خليجي. خوفًا على حليفها نظام الأسد في سوريا، بذلت إيران الدم والمال والسلاح، وتفعل الشيء نفسه في العراق لإنقاذ حلفائها في العراق. من جانبها، اضطرت السعودية للتدخل عسكريًا في جارتها الجنوبية، اليمن، بعد أن سعى الإيرانيون لتغيير النظام عبر حليفهم الحوثي، مع الرئيس المعزول شعبيًا علي صالح، الإيرانيون يعتقدون أن إشغال السعوديين في اليمن هدف بحد ذاته، لمنعهم من مواجهة نشاط إيران في العراق وسوريا. فاليمن بلد كبير، مساحته تبلغ نحو ثلاث مرات مساحة سوريا، وأرضه أكثر وعورة، ولا يوجد فيه نظام مركزي يمكن القضاء عليه بسهولة. وإضعاف السعودية في الجنوب سيعني إضعاف منطقة الخليج بشكل عام، بما يمهد لإيران للتصرف وفق طموحاتها في المنطقة.
وبسبب هذا الترابط الجيوسياسي الحرب في اليمن جزء من الحرب في سوريا. وفصل آخر من مشروع إيران تغيير الخريطة، والتقدم، مستغلة حالة الفوضى التي أوجدتها الثورات. وفي هذه اللحظة تسعى إيران لوضع خصمها الرئيسي، السعودية، وسط كماشة تهددها بين العراق واليمن. والعراق امتداد طبيعي وسياسي لسوريا.
للدفاع عن نفسها، ستحتاج السعودية إلى أن تدعم بشكل أكبر التنظيمات السورية المعارضة، تحديدًا الائتلاف المعارض، حتى تزيد الضغط على إيران التي تعاني كثيرًا هناك. فحرب سوريا صعب على إيران أن تكسبها، أما اليمن فإن السعودية أقدر على الانتصار فيه. غالبية الشعب السوري معادٍ ومنتفض ضد النظام، وحليفه إيران، منذ أربع سنوات، أما بالنسبة لليمن فإن غالبية اليمنيين ذوو علاقة قوية بالسعودية لعقود طويلة. والحكومة السعودية على علاقة خاصة وطويلة مع معظم مكونات اليمن، شماله وجنوبه، مع قبائله، ووجهاء المجتمع، ورجال أعماله. وسبق لإيران مرات الدخول إلى اليمن للتأثير عليه، لكنّها لم تنجح، حتى استثمرت علاقة بنتها دينيًا وسياسيًا مع الحوثيين، وهي جماعة ليست كبيرة بالمقاييس اليمنية، لكنها استغلت الفوضى بعد الثورة وتحالفت مع قوى النظام الذي سقط.
وبسبب فشل إيران في فك الحصار عن نظام الأسد في سوريا، الذي تقاتل عنه مُنْذ عامين، فهي تريد فرض حصار عَلى النظام اليمني الشرعي، بتقديم الدعم للمتمردين، والذي أتوقع أن يتضاعف خلال الفترة المقبلة، ومن خلالهم خلق جيب يهدد السعودية من جنوبها. ومع أن حلفاء إيران نجحوا في إقصاء الحكومة الشرعية من العاصمة صنعاء، ثم لاحقوها وحاصروها في عاصمتها المؤقتة في عدن، فإن التدخل السعودي عسكريًا وسعيه لبناء تكتلات موالية في أنحاء اليمن سيفشل مشروع الكماشة، لكن الفوضى التي خلقها الإيرانيون في اليمن بالفعل قد تشغل السعوديين عن مصالحهم الإقليمية والدفاع عنها. النظر إلى خريطة الصراع الإقليمي تبين طبيعة ومسار النزاع، يتطلب من دول الخليج تقديم المزيد من الدّعم للثورة السورية. الهدف محاصرة النظام السوري وإجبار إيران على القبول بحل إقليمي تحترم من خلاله الكيانات القائمة، وتكف عن نشاطها التخريبي المستمر منذ بدايات الثمانينات، والمسؤول عن لبنان المزعزع، والانقسام الفلسطيني في الأراضي المحتلة، والتنازع الطائفي في العراق، والفوضى في البحرين! هذه كلها قصة واحدة تعبر عن نشاط إيران في المنطقة، والذي سيزداد استباقا لمؤتمر كامب ديفيد الذي تعهد الرئيس الأميركي بتنظيمه لجمع الأطراف الإقليمية المتنازعة عَلى طاولة واحدة.
في هذه الأيام، يواجه اللاجئون الفلسطينيون كارثة تفوق الوصف في مخيم اليرموك بدمشق، فحسب اعتقادي، وبكل أسف، لقد حاق بالفلسطينيين كثير من الكوارث واللعنات في اليرموك، فقطع رؤوس قياديين ليس إلا جزءًا صغيرًا من تلك المآسي.
وكما قال السكرتير العام للأمم المتحدة، بان كي مون، يوم الخميس الماضي الموافق 9 مارس (آذار) الماضي: «بالنظر إلى حجم الرعب الذي تعيشه سوريا، فإن مخيم اليرموك يمثل دائرة الجحيم الأعمق».
وفق تعداد أجري قبيل الحرب الأهلية السورية، كان يعيش في اليرموك أكثر من 140 ألف لاجئ فلسطيني لهم مدارسهم، ومساجدهم، ومبانيهم العامة. وكان اللاجئون يعيشون في مساحة صغيرة جدًا لا تتعدى 2.11 كلم مربع في جنوب دمشق. ولم تكن الحياة في اليرموك طبيعية أو عادية طوال العقود القليلة الماضية، فقد كانت مرهقة، وتمثل تجربة قاسية لأناس يحلمون دومًا بالعودة لأرض آبائهم وأجدادهم ولديارهم في فلسطين، فإلى جانب تلك الذكريات والأحلام، لا يملك الفلسطينيون سوى مفاتيح بيوتهم التي أرغموا على تركها، فتلك المفاتيح هي ما تبقى لديهم من بين كل ما كانوا يمتلكونه، وهي الصلة الباقية بينهم وبين أوطانهم.
تخيلت نفسي وأنا في اليرموك فرأيت بعضًا من الرجال والنساء المسنين الذين علقوا على الجدران مفاتيح بيوتهم، تلك البيوت التي دون شك حاق بها الدمار، ولكن هؤلاء الناس ما زالوا ينظرون إلى تلك الذكريات القديمة وكأنها واقع يعيشونه.
لقد بلغت الأوضاع من السوء في اليرموك مبلغها منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، حيث حوصر السكان بين قذائف قوات الأسد ونيران معارضيه منذ 2012، فمنذ بداية الحرب الأهلية بات اليرموك مسرحًا للقتال بين الجماعات المتناحرة المدعومة من جهات مختلفة متورطة في الحرب الأهلية، بما فيها مجموعات معارضة مختلفة، فضلاً عن جبهة التحرير الفلسطينية - القيادة العامة التي تدعمها القوات النظامية السورية، ونتيجة لذلك وخلال السنوات القليلة الماضية تحول مخيم اليرموك إلى ميدان معارك بين القوى المتناحرة المختلفة في سوريا، التي فرضت سيطرتها عليه، ليعاني اليرموك بعدها من نقصان في المؤن وانتشار الجوع والأمراض وارتفاع معدل الوفيات مما دفع كثيرين من سكان المخيم إلى الفرار منه.
وبحلول أواخر 2014، انخفض عدد سكان المخيم إلى 20 ألف نسمة فقط، إلا أن الأوضاع ازدادت بؤسًا عندما شن تنظيم داعش هجومه على المخيم في الأول من أبريل (نيسان)، فاضطر المئات من السكان إلى الهرب تحت قصف القوات الحكومية، ووسط أزيز الرصاص المتبادل بين مقاتلي داعش، والمسلحين الفلسطينيين.
ومع تفاقم الأوضاع الإنسانية داخل مخيم اليرموك أصبح هناك شح في الطعام يعاني منه المدنيون العالقون داخل المخيم، والواقعون تحت الحصار، كما أن سبل الرعاية الصحية باتت أثرا بعد عين، فلا توجد مياه صالحة للشرب، ولا كهرباء، ولم يتبق سوى عدد قليل من الأطباء، بينما تنهال القذائف على الجميع بلا تمييز ليؤدي ذلك كله إلى «وضع مأساوي» يشهده مخيم اليرموك حسب شهادة أحد النشطاء هناك.
«مدينة أشباح»، هكذا يمكننا أن نصف مخيم اليرموك، أو كما وصفه بان كي مون بأنه دائرة الجحيم، فالسكان المدنيون يعانون أشد المعاناة داخل بيوتهم، ويخشون الخروج إلى الشوارع خوفًا على حياتهم، بينما لجأ الآلاف إلى مناطق مجاورة، ولا يعني هذا سوى أن الفلسطينيين وقعوا بين شقي رحى حرب تدور بدمائهم ودموعهم، فها هي قوات الأسد من جانب، والمسلحون من جانب آخر بما فيهم «داعش»، يسفكون دماء الفلسطينيين.
ما زلت أتذكر كلمات القيادي الفلسطيني أبو إياد عندما التقيت به أثناء عقد المجلس الوطني الفلسطيني السادس عشر في الجزائر حينما قال لي: «نصيبنا من الحياة هو الموت». وقال تلك الكلمات بعدما استمعنا إلى قصيدة «بيروت خيمتنا»، التي كتبها محمود درويش، قال فيها إن نصيبنا من بيروت هو البارود! في قصائد مفعمة بموهبة عبقرية وإحساس فنان مرهف تمكن درويش من التعبير عن صدى الحياة والموت.
لقد شاهدت رجلا فلسطينيا مسنّا، لم يترك المخيم منذ أربع سنوات، وما زال يعيش هناك، وقال في مقابلة تلفزيونية: «لقد انقطعت عنا الكهرباء منذ عام 2013 عندما قصف النظام محطة الكهرباء. وتوقفت الأمم المتحدة عن إرسال المساعدات للمخيم، والسكان واقعون تحت حصار خانق، وهذا الوضع المأساوي لا يجلب لقلوب من تبقوا هنا سوى الخوف والهلع».
وكان مجلس الأمن قد طالب بفتح ممر آمن، واصفا الأوضاع هناك بأنها «فاقت حد اللا إنسانية» كما طالبت الرئيسة الحالية لمجلس الأمن، السفيرة الأردنية دينا قعوار، بتوفير الحماية للمدنيين، وفتح ممر آمن، وتوفير المساعدات الإنسانية لإنقاذ حياة العالقين في المخيم.
وعلى الرغم من مقاومة المسلحين الفلسطينيين، وقصف طائرات الأسد للمخيم، لا يزال تنظيم داعش يسيطر على 90 في المائة من المخيم، لكن الجانب المثير للقلق في مأساة مخيم اليرموك هو أن بعض السكان يعتقدون أن معظم مقاتلي «داعش» في المخيم من سكان المخيم، وليسوا من الغرباء عنه، وهو ما يعني أننا نواجه مشكلة بالغة التعقيد، أو بمعنى آخر فإن تنظيم داعش بدأ في تنظيم وتمويل بعض الفلسطينيين للانضمام إليه.
لو اجتمعت كل الجهات التي مولت «داعش» على أن يضعوا حدًا لهذه المأساة في اليرموك فسينجحون في ذلك، فنزع سلاح القوى المتناحرة في اليرموك هو الحل الوحيد لمأساة الفلسطينيين الذين يعيشون في المخيم منذ عام 1948.
المقاتلون الذين كان يجب عليهم أن يحاربوا أعداءهم في إسرائيل، يسفك بعضهم دماء بعض، ولنا أن نتخيل مدى السعادة التي تشعر بها إسرائيل وهي ترى ما يحدث كقطع رؤوس قياديين على أيدي الدواعش، وهو ما يعد أقبح وجه أظهره القتال الدائر في مخيم اليرموك.
أعتقد أنه يتعين على الفلسطينيين، وأعنى فتح وحماس، النظر في هذا الموقف الحساس بمنتهى الجدية، والبحث عن حل له، فإذا عجزوا عن حل تلك المشكلة فسرعان ما سيواجهون كارثة أخرى في مكان آخر، فاليرموك على شفا السقوط في الهاوية هذه الأيام، ولن يستطيع سكانه تحمل مزيد من المعاناة.
لا حاجة لأن يقرأ المرء بوستات المعارضين السوريين الذين شاركوا في لقاء موسكو، لكي يتخيل مقدار التعالي والاستخفاف الذي عوملوا به في العاصمة الروسية من وفد النظام. ليس مفاجئاً، مثلاً، أن يرفض رئيس وفد النظام السوري أن يستلم من المعارضين قائمة بأسماء حوالي تسعة آلاف معتقل لدى النظام (مع الإشارة إلى أنها قائمة لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من أعداد المعتقلين). وليس مفاجئاً أن يتجاوز بشار الجعفري حدود اللباقة، في حديثه الصحافي، ويسخر من هؤلاء الذاهبين (أغلبهم بنيةٍ صادقة)، في محاولة لفتح ثغرة في هذا الجدار، لعلها تساهم في كسر حلقة الموت المفرغة.
هذا ليس مفاجئاً لأن أولئك المعارضين الذين ذهبوا إلى موسكو لا يمثلون، في الواقع، قوة على الأرض، تفرض على النظام تنازلاً. ولأن النظام السوري تعامل، دائماً وفي كل المواضيع، على مبدأ "من لا قوة له لا حق له"، فليمت في السجون الآلاف، وليحرم الآلاف من حريتهم، طالما أن النظام غير مرغم على إطلاق سراحهم، أو حتى على إطعامهم ومعالجتهم في السجون. هذا هو الفارق بين الدولة والطغمة. الدولة تستخدم القوة التي يفوضها بها المجتمع، لتطبق القانون المتفق عليه، بما يحمي حقوق المواطنين من تعديات مواطنين آخرين، أو مؤسسات خاصة، أو حتى من مؤسسات الدولة نفسها، أما الطغمة فتستخدم قوة الدولة لمصالحها ولحفظ ديمومتها على حساب حقوق الناس، حتى أنها تفاوض على حقوق "مواطنيها" لدى القوى الأخرى، فتعتبر إطلاق سراح المعتقلين السياسيين لديها تنازلاً تقدمه في مقابل كسب سياسي ما من الدول التي تطالب باحترام حقوق الإنسان.
إذا استبعدنا صالح مسلم من الوفد المعارض في موسكو، سنجد أن كامل الوفد لا يملك أي قوة عسكرية، في الوقت الذي تحول فيه الصراع في سورية إلى صراع عسكري. يذهب الوفد المعارض إلى موسكو خالياً من أي قوة. لا يوجد قوة إقليمية أو عالمية داعمة له، ولا توجد قوة عسكرية تسانده، ولا يمثل أي حراك شعبي سلمي، بعد أن تم سحق السلمية، بفعل بطش النظام من جهة، وطيش المعارضة من جهة أخرى. إن وفد المعارضة هذا إلى موسكو، هو مجرد ممثل افتراضي. أقصى ما يمكن لمثل هذا الوفد أن يقدمه أن يبرز مطالب السوريين، وهذا ليس أمراً بلا قيمة. لكن، في المقابل، قد يسمح هذا الوفد للنظام بعرض صورة يريدها، وهي أنه نظام منفتح على الحوار. والواقع أن هذه الصورة الخارجية التي يريد النظام أن يصدرها للعالم هي الدافع الوحيد له في هذه المفاوضات.
"كيف يفهم الموالون للنظام غطرسة بشار الجعفري وطاووسيته تجاه هؤلاء المعارضين "الوطنيين"، حسب وصف النظام نفسه؟"
ولكن، بعد كل شيء، كان النظام السوري الخاسر في جولة موسكو على عكس ما يقوله معلقون كثيرون. هذا الوفد من المعارضة الذي ذهب إلى موسكو يمثل ما دأب النظام على تسميتها "المعارضة الوطنية". أشخاص ضد الإرهاب، وضد الطائفية، وضد التدخل الخارجي، ومع ذلك، فإن التعالي والاستخفاف الذي تعامل به رئيس وفد النظام كان كافياً لفضح حقيقة أن النظام السوري لا يعادي الإرهاب لأنه إرهاب، ولا الطائفية لأنها طائفية، ولا التدخل الخارجي لأنه تدخل خارجي، هو يعادي الإرهاب والطائفية وخرق السيادة الوطنية فقط حين تكون موجهة ضده. أما عداؤه الثابت الوحيد فهو لمن يطالب بالعدالة في توزيع السلطة والثروة. كيف يفهم الموالون للنظام غطرسة بشار الجعفري وطاووسيته تجاه هؤلاء المعارضين "الوطنيين"، حسب وصف النظام نفسه؟ إذا كان النظام يتعامل بهذا القدر من الاستخفاف مع من يعتبرهم، وتعتبرهم حليفته روسيا، معارضين معتدلين ووطنيين، فمن الطبيعي أن يجد المتطرفون الإسلاميون وكل أنواع التطرف المزيد من الأنصار والمتفهمين. هكذا يكشف النظام حقيقته أمام العالم، وأمام كل مناصر للنظام يمتلك قدرة على التأمل والتفكير.
تبدو المنطقة في حراك متصاعد. وهذه حقيقة تعكس اهتمام دول المنطقة بمعالجة أوضاعها المتردية، وتدهورها السياسي والأمني، الذي يجر ترديًا اقتصاديًا اجتماعيًا، وقد صارت كلها واضحة وجلية، ليس فقط في البلدان التي تضربها الصراعات العنيفة، مثل سوريا والعراق، واليمن، إنما أيضا الدول المجاورة مثل تركيا ولبنان والأردن وإيران ودول الخليج العربية، وقد أخذت معاناتها تشتد إلى درجة أنه بات عليها أن تتحرك للخروج من الوضع القائم، وقد صار بمثابة دائرة للنار تلف المنطقة كلها.
ويتوزع الحراك الإقليمي ما بين السياسي والعسكري، ولعل الأبرز في الحراك السياسي زيارة رئيس الجمهورية التركي رجب طيب إردوغان إلى إيران، التي سبقتها زيارته إلى المملكة العربية السعودية، وقد غيرت الأخيرة بصورة مبدأي إطار العلاقات التركية - السعودية، وهيأت الفرص لتقاربات بين البلدين فيما يتعلق بالوضع الإقليمي والقضايا المتفجرة فيه، وهو أمر يمكن أن يحدث ما يقاربه من بعض الوجوه في نتائج زيارة إردوغان لإيران، رغم ما يباعد بين مواقف البلدين في بعض قضايا المنطقة، ومنها القضية السورية، رغم ما سبق الزيارة من شد سياسي تركي وإيراني، ظهر في تصريحات مسؤولين في البلدين.
أما في جانب الحراك العسكري الإقليمي، فلا بد من ملاحظة أن الأبرز فيه، كان إطلاق تحالف عاصفة الحزم لمحاربة الحوثيين وحلفائهم في اليمن في إطار معركة المنطقة ضد الإرهاب وامتداداته، كما يندرج في إطار الحراك العسكري الذي تشهده المنطقة مجمل العمليات العسكرية الجارية من قبل التحالف الدولي ضد إرهاب «داعش» في سوريا والعراق، وكذلك العمليات التي شنتها تشكيلات عسكرية معارضة ضد قوات الأسد وحلفائه في جنوب سوريا وشمالها، التي تمخضت عن تحرير إدلب في الشمال وبصرى ومعبر نصيب في الجنوب، وهي عمليات لم تكن بعيدة عن تأثيرات إقليمية معروفة.
ووسط الحراكين السياسي والعسكري الجاريين في المنطقة وحولها، لا يمكن تجاهل مساعي عدد من دول المنطقة للضغط على المجتمع الدولي من أجل معالجة تداعيات القضية السورية، لا سيما في أمرين مهمين؛ أولهما موضوع اللاجئين السوريين في دول الجوار، وقد قارب عددهم الخمسة ملايين نسمة، وهو رقم سوف يزداد في ضوء استمرار عمليات الهجرة والتهجير الناجمة عن عسف النظام وقوى التطرف واستمرار الصراع المسلح في سوريا، وهذا يرتبط بالأمر الثاني، وهو موضوع إغاثة المهجرين واللاجئين، وقد بات مثل سابقه، يثقل ظهر دول الجوار، ويدفعها لمطالبة المجتمع الدولي بالعمل الجدي على معالجة الأمرين بشكل جدي وفعال.
ورغم أن سوريا في قلب الحراك السياسي والعسكري، وتمثل همًا لدول الجوار فيما يتعلق بموضوعي اللاجئين والإغاثة، فإن ما يجري في المنطقة وحولها، سيترك آثارًا أبعد على القضية السورية، والآفاق المرتقبة لحلها، التي تتركز في ثلاثة مسارات، أولها استمرار مسار الصراع في سوريا، وفيه ثلاث قوى: النظام وتحالفاته الإقليمية، وقوى التطرف والإرهاب وعلى رأسها «داعش»، وقوى المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، وهو مسار سيؤدي المضي فيه إلى مزيد من التداعيات الداخلية والخارجية المدمرة، وإنهاك متزايد للقوى المشاركة وللداعمين لها، فيما يشكل مسار الحسم العسكري، الخط الثاني في علاج القضية السورية وفق الطريقة اليمنية، ورغم أنه احتمال ضعيف نتيجة الميل العام السوري والإقليمي والدولي لتغليب الحل السياسي، فإنه ممكن إذا استمر النظام وحلفاؤه في رفض الأخير، وخوض الحرب على الشعب السوري قتلاً وتدميرًا وتشريدًا.
وتفتح وقائع مساري استمرار الصراع في سوريا والحل العسكري الصعب، الباب على المسار الثالث في معالجة القضية السورية، وهو مسار الحل السياسي باعتباره الأكثر قبولاً في المستويات المختلفة، وانطلاقًا من أنه يوفر دماء السوريين وتهجيرهم ودمار ما تبقى من قدراتهم وبلدهم، ويوفر الحراك السياسي الجاري فرصًا أفضل من أجل السير به، بل إن التطورات العسكرية الأخيرة في شمال وجنوب سوريا، يمكن أن تخدم هذا المسار، لأنها توجه درسًا واضحًا للنظام وتحالفاته، خلاصته أنه يمكن تغيير خريطة التوازنات العسكرية على الأرض، مما يدفعه للتفكير بالسير نحو حل سياسي رغم ما يبدو على النظام من خروجه عن قواعد التفكير والتدبير المنطقيين.
وثمة جهود متعددة تجري، تصب بالنتيجة في تعزيز المضي نحو حل سياسي للقضية السورية، ومنها جهود تبذلها أطراف المعارضة السورية في تطوير رؤية مشتركة للحل السياسي للقضية، وفي هذا السياق يمكن رؤية توجه المعارضة نحو عقد مؤتمر عام، يخص الحل السياسي في القاهرة في غضون شهر مقبل، وهو جهد يتقاطع في محتواه مع ما تسعى إليه المملكة العربية السعودية في رعاية مؤتمر مماثل، يُعقد فيها، يمكن أن يكون تطويرًا لمؤتمر القاهرة وتعزيزًا لمحتوياته من خلال توافق المشاركين فيه على ورقة، تتضمن مسارًا متوافقًا عليه بين الحاضرين لعملية تسوية سياسية في سوريا.
خلاصة الأمر أن ما يحصل في المشهد الإقليمي، يترك تأثيرات ملموسة في واقع القضية السورية، ويعزز سبل حلها. بل إنه يرجح مسار الحل السياسي الذي وإن عارضه النظام وحلفاؤه الآن، فإنهم لن يستطيعوا الاستمرار في معارضته، إذا استمرت التحركات الراهنة، وعززت التوجه نحو وضع حد لما يحصل في سوريا.
لم يتوقف قصف النظام لمخيم اليرموك بالبراميل المتفجرة، والذي شمل مشفى فلسطين التابع للهلال الأحمر الفلسطيني، حتى أثناء زيارة أحمد مجدلاني عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير إلى دمشق، ولقائه مسؤولين سوريين. فوق ذلك فإن النظام لم يسمح بفتح ممر آمن يمكّن المدنيين الفلسطينيين، لا سيما من الأطفال والنساء والشيوخ من مغادرة المخيم، حماية لهم من هجمات “داعش”، علما أن هؤلاء يعانون الأمرّين جراء حصار مشدد دام 25 شهرا، لقي خلاله أكثر من 170 من الفلسطينيين حتفهم بسبب الجوع والمرض والإرهاق
معلوم أن الملف الفلسطيني في سوريا لا يختصر في حصار مخيم اليرموك، ذلك أن الأمر يشمل المخيمات الأخرى، كما يشمل قصف النظام لها بدعوى أنها مناطق حاضنة للجماعات المسلحة. أيضا يشمل هذا الملف مئات المعتقلين الفلسطينيين حوالي (900) في سجون النظام، وتعرض 300 من المعتقلين للموت تحت التعذيب، إضافة إلى تشرد عشرات ألوف الفلسطينيين من المخيمات، علما أن النظام لا يسمح بعودة اللاجئين إلى مخيماتهم التي باتت تحت سيطرته، مثل مخيمات سبينة والست زينب والحسينية، ما يعني أن الحديث عمّا يسمى “تحرير” مخيم اليرموك، لا علاقة له بتمكين الفلسطينيين الذين تشردوا منه من العودة إليه.
اللافت في نقاش هذه القضية الواضحة اضطراب مواقف القيادة الفلسطينية، فهي كانت في فترات سابقة ادعّت “النأي بالنفس″ عمّا يجري في سوريا، بل إنها قامت بإلقاء اللوم على الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة وأمينها العام أحمد جبريل لتسببهم بتوريط الفلسطينيين بالصراع السوري، بحكم انحيازهم للنظام، وطلبهم إنشاء لجان مسلحة في المخيمات. لكن مواقف قيادة المنظمة لم تثبت عند ذلك إذ باتت في أوقات أخرى تبدو كمن يعوّل على إنشاء علاقات مع النظام، مستفيدة من تراجع زخم الثورة السورية، عربيا ودوليا.
على أيّ حال فما يهمنا هنا ليس موقف القيادة الفلسطينية من ثورة السوريين وإنما موقفها بالذات من مأساة الفلسطينيين السوريين، الذي لم يدلل على تعاطفها مع معاناتهم وعذاباتهم، إلى الدرجة المناسبة، وما يوحي بانقطاعها عنهم، وتحولها إلى مجرد سلطة في الضفة الغربية، وحتى تطويحها بمكانتها الاعتبارية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.
هكذا، فبعد هجمة داعش والنصرة على مخيم اليرموك ظهر موقف القيادة الفلسطينية غاية في الانكشاف، ذلك أن السكوت عن حصار مخيم اليرموك، لأكثر من عامين، وعن جرائم النظام المتمثلة بالقصف والقنص والتدمير، وسياسة الاعتقال والموت تحت التعذيب، شمل تبنى رواية النظام بشأن وجود جماعات تكفيرية وإرهابية في المخيم، الأمر الذي فندته وقائع الأيام الأخيرة، لا سيما بهجوم جماعات داعش والنصرة على المخيم.
الأنكى أن المنظمة وبدلا من أن تعتذر من أهالي المخيم ومن الفلسطينيين السوريين عموما، على موقفها سالف الذكر، إذ ببعض المحسوبين عليها يطالبون بـ”تحرير” المخيم، معلنين انحيازهم السافر إلى جانب النظام بدل مطالبته بوقف القصف الأعمى وفتح ممر آمن للمدنيين والإفراج عن المعتقلين الأبرياء.
في هذا الإطار برزت تصريحات أحمد مجدلاني عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي نمّت عن خفّة وسذاجة بالغتين، إذ أنه دعا للتعاون بين السلطة الفلسطينية والنظام السوري لإيجاد حل أمني لمشكلة مخيم اليرموك، متناسيا أن حصار المخيم بدأ قبل ظهور النصرة وداعش، وأن النظام يقصف المخيم بشكل عشوائي، ويعتقل في سجونه مئات الفلسطينيين، وأنه لم يسمح بفتح ممر آمن.
اللافت أن هذا التصريح المشين لم يمر على قيادة منظمة التحرير التي أصدرت بيانا عبّرت فيه بطريقة غير مباشرة عن رفضها لتصريحات مجدلاني، مؤكدة “موقفها الدائم برفض زجّ شعبنا ومخيماته في أتون الصراع الدائر في سوريا الشقيقة، وأنها ترفض تماماً أن تكون طرفاً في صراع مسلح على أرض مخيم اليرموك، بحجة إنقاذ المخيم الجريح.. وأن منظمة التحرير الفلسطينية في الوقت الذي تحرص فيه على علاقاتها مع كل الأطراف، تؤكد رفضها الانجرار إلى أيّ عمل عسكري، مهما كان نوعه أو غطاؤه، وتدعو إلى اللجوء إلى وسائل أُخرى حقناً لدماء شعبنا، ومنعاً للمزيد من الخراب والتهجير لأبناء مخيم اليرموك”. (“وفا”).
والحقيقة فإن مجدلاني، الذي يقال إنه مكلف بمتابعة وضع مخيمات سوريا، دأب باستمرار على إصدار تصريحات تنم عن انعدام صلة بالواقع وبمعاناة شعبه، وكان يبيع مواقف مجانية للنظام دون أن يأخذ أيّ شيء منه، إلى درجة أن النظام لم يقدم له أيّ احترام أو اعتبار، فهو لم يفرج عن معتقل واحد من مئات المعتقلين الفلسطينيين في سجونه، بل إن مواقف هذا الرجل لم تفض إلا إلى إظهار القيادة الفلسطينية كقيادة بلا كرامة ولا تحترم شعبها.
والحال فإن المطلوب من القيادة الفلسطينية ليس التنصل من تصريحات مجدلاني التي تتنكر لعذابات الفلسطينيين السوريين ومعاناتهم، وإنما المطلوب أيضا تجريده من مناصبه ومحاسبته على ما صدر عنه من مواقف خرقاء.
الدكتاتورية "طاعون العرب المستمر" جعلت من يعرف يصمت، ومن لا يعرف يتصدر ليوجه العقل الذي أنهكته دكتاتورية قرون متتابعة. وهنا مثال صريح، شرحه موجع لنا جميعا، ولكنه صحيح، وهو أن داء التخاذل وقبول إبادة بشار الشعب السوري تمّا بسبب تهاون وكراهية الحكومات العربية الثورة والتغيير، وبسبب ميراث الخنوع والسلبية والاتكالية في تلك الحكومات التي استمرأت ثقافة "أميركا تعرف كل شيء وتدبره"، و"ننتظر منهم المبادرة".
السفير الأميركي في سوريا قابل عددا من الثوار وبعض المعارضين مثل "إعلان بيان دمشق"، وأخبرهم باللاءات الأميركية الأربع:
1- لا لتحويل الثورة إلى ثورة عسكرية، والحل حل سلمي.
2- لا للتدخل العسكري الغربي لصالح الثورة.
3- لا لإبادة العلويين.
4- لا لحكومة بديلة تفكر في تطبيق الشريعة.
"تم استغلال أخطاء وجهل وعجز الثوار عن إتمام ثورتهم في بلدان أخرى، فكانت لقاءات عمان العلنية والسرية، التي كان اعتذارها عن مناصرة الثورة السورية منصبا على أن نجاح الثورة يعني نجاح الإسلاميين، وبالتالي فإن بقاء شرّ يعرفونه خير من شرّ لا يعرفونه "
التزمت أميركا بهذه الشروط الأربعة معظم الوقت، حتى كانت جريمة قتل الشعب بالغازات السامة، هنا طرأ تغير في الموقف الأميركي لصالح تقدم في مواجهة بشار وربما ضربه. صحيح أن همّ أميركا في المنطقة "سلامة إسرائيل ورفاهية الحياة فيها" على حساب الجميع، ولكن فضيحة بشار لا تسمح بالتستر عليها، والتآمر معه انتهاك لكل القيم الإنسانية، ومن شأنه أن يخلف ميراثا من السخط والكراهية السورية العامة لكل من قبل أو رضي بما حدث للأبرياء وأكثرهم أطفال ونساء.
عندما تحول المزاج الأميركي لصالح الثورة السورية، كانت النظم العربية قد غرقت في جولة أخطر جدا على بقائها واستمرارها، وهي موجة "الثورة المضادة"، حيث وقفت حكومات عربية صراحة ضد الشعوب الثائرة وكل ما تعنيه الثورات.
وتم استغلال أخطاء وجهل وعجز الثوار عن إتمام ثورتهم في بلدان أخرى، فكانت لقاءات عمان العلنية والسرية التي انتهت بفوضى وفشل كبيرين، وكان اعتذارها عن مناصرة الثورة السورية منصبا على أن نجاح الثورة يعني نجاح الإسلاميين، وبالتالي فإن بقاء شرّ يعرفونه (بشار) خير من شرّ لا يعرفونه (الثوار). وكانت لبعض الحكومات العربية مواقف قرب وولاء لبشار غير معلنة، خاصة بعد إعلان مقربين منه بأنه هو مصدر أمن واستقرار إسرائيل وليس الثورة والثوار.
ودخل على خط الثورة الكراهية الشديدة أو عداء بعض النظم العربية لتركيا. كيف لا وقد ظهر على جبهتها الواسعة مع سوريا تقدم كبير للثوار، وهم غالبا ممن لم يخضعوا لرؤية النظم العربية القديمة، ولم تخترقهم الحكومات العربية بشكل كاف.
وهنا ظهر الخلاف العربي التركي على حق النفوذ في الثورة السورية، ووصل الأمر ببعض المجتمعين العرب إلى المطالبة صراحة بإغلاق جبهة الثوار الشمالية ضد بشار المنطلقة من الحدود التركية، وتحويل المواجهة إلى الجنوب مع الأردن، حيث يمكن ضبط كل شيء والتحكم في الثورة من هناك. وكانت أمنية غريبة، فتركيا استقبلت الشعب السوري وآوته وسمحت له بالعمل والإقامة، وفنادق ومقاهي وبيوت إسطنبول وعنتاب وجنوب شرق تركيا أصبحت مأوى ومنتدى ومهربا للتجمع السياسي للثورة السورية، ولن يحل محلها مكان آخر في ما يبدو.
أوباما وفي ظل وجود مشكلات عديدة عاناها مع الوجود العسكري الأميركي المتعثر في المنطقة، وتغلب الإسلاميين المناوئين لأميركا في معظم جبهات سوريا، أصبح لا يود الظهور بمظهر من يقاتل في حرب عربية أخرى بعد الفشل في العراق وأفغانستان، وتعالي موجة كراهية الجيش الأميركي، والصدود الأميركي الشعبي والحكومي عن أي مساهمة في حروب جديدة مرهقة وضحايا كثيرين ونتائج سلبية مع العجز المالي الداخلي الكبير، وتخاذل العرب عن أي مبادرة، وكان جمهوريون يلحون على التدخل ضد بشار، مما سبب خلافا بين السفير الأميركي فورد والرئيس وأدى إلى تنحيه.
"هناك حقيقة موجعة عبر عنها أوباما بأن ما يهدد الحكومات العربية هو استياء شعوبها منها، وليس خطر إيران، ونحن نعلم أنه لو غابت إيران عن الوجود في لحظة لكانت المشاكل الداخلية للحكومات العربية كالتي نرى وأسوأ"
الأوضح والأهم من ذلك، أن أوباما قال لبعض الحكام والدبلوماسيين العرب عليكم أن تبدأوا ولا تنتظرونا، وكأنه يشير إلى أنكم لن تجدونا متأخرين عنكم، لأن لنا حسابات أخرى. ولم يفهم العرب، أو جبنوا، أو كان لعامل تدخل ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي -وهو روسي أيضا- دور في المطالبة باستكمال هدم سوريا، لكيلا تقوم لها قائمة بعد الثورة، ولو لنصف قرن قادم، وأصر على استمرار القتال، فكانت روسيا وإسرائيل تقفان موقفا واحدا في النتيجة، أما الأسباب فمختلفة.
أما ما زعمه صحفيون عرب من أن أميركا توزع اللوم على العرب فقط، فربما صدق في أحيان أخرى، ولكن ليس في هذه الحالة، لأن من أهم الذين أعاقوا الثورة العربية وتحدوا حقوق الشعوب في مستقبل حُرّ وإنساني كانت حكومات عربية. زد على هذا أنه قد حركها عداؤها الأعمى للإسلاميين، فأنى لها أن ينصروا ثورة قد يستولي عليها إسلاميون في سوريا؟ ثم إن انتصار الثورة يؤذي وليتهم القريبة، والموقف العربي متفرق، ففي غمرة الحديث عن الثورة على بشار استقبلت حكومة عربية أفرادا من عائلة بشار وشركاء له علنا وسرا، فكيف يتوقع منهم عزيمة في نصرة الثورة؟
نعم، أوباما في حديثه مع الصحفي الصهيوني فريدمان أعلن بوضوح أن الحكومات العربية لم تبادر للحل في سوريا. هذا الموقف يعرفه سياسيون عرب، ومن قبل أبلغهم به الرئيس نفسه، لكن الجديد هو الإحراج بنشر الموقف علنا أمام العالم. ربما نشر هذه الحقيقة ضدهم لأن بعض العرب ظاهروا خصومه كنتنياهو ومتشددي اليمين المسيحي المتصهين في الاحتجاج على المصالحة مع إيران.
ولعل أوباما كان يريد سابقا من العرب أن يبدؤوا، وكان هو يخفي رغبته ولا يريد أن يبادر لحرب بشار، بسبب فشل الحروب السابقة وتكلفتها العالية، وبسبب اللوبي الصهيوني الذي أراد إطالة الحرب وأبى إلا المشاركة غير المباشرة في صياغة الحكم السوري البديل. فليس اللوبي الصهيوني مستعدا لقبول حكومة مجهولة في سوريا بعد معاناته في مصر، إذ لم تستقر مصر لمصلحة اللوبي إلا بعد جهد عربي وصهيوني كبير.
ثم إن هناك حكاما عربا عاجزين تجاوزت سلبيتهم كل الحدود، يريدون أن يصنع الغرب والشرق لهم كل شيء يطلبونه، مع أنهم عندما تُمس مصالحهم الشخصية يتغيرون ويستأسدون.
"لم يتآمر العالم على حكومات العرب كما زعموا، ولم يقف الشرق والغرب دون إنقاذ إخوانهم في الشام من المذابح، ولكنهم أحرجوا عندما واجههم أوباما بحقيقة مسؤوليتهم عما حدث ويحدث"
لقد ذكر وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس شواهد محرجة في كتابه "الواجب: مذكرات وزير في الحرب". شرح شيئا من حالة هذه الحكومات، التي تريد أن يفعل لها الأميركيون كل شيء دون أن تفعل هي شيئا وحتى لا يقال أيضا إنها فعلت، أو لأنها تفهم وتمارس السياسة على أنها غدر متواصل، واختفاء وتخل عن المسؤولية، وحرب على مصالح الشعوب لصالح الغزاة.
ومن سخافات اللجنة العربية لمتابعة الشأن السوري أن طلب أغلب أعضائها إقصاء تركيا من المشاركة في إسقاط بشار، وطالب بعضهم بإغلاق المنافذ والعمل العسكري والسياسي على الجبهة التركية، وألحوا على أن يكون كل شيء يدار من الأردن، ولأسباب معلنة أو مفهومة: وهي جود حكومة تركية عندها ميول إسلامية، وعلاقاتها سيئة بإسرائيل بعد توتر العلاقات التركية الإسرائيلية إثر العملية الإرهابية للجيش الصهيوني على سفينة مرمرة.
حصلت في اللقاءات التي من "المفترض أن تساعد الثوار" مشكلات بين الوفود، فأصبحوا يحتاجون من يساعدهم في تجاوز خلافاتهم، وسُجل على بعضهم مقابلات مع الطرف الصهيوني أثناء مهمات اللجنة، وهدد بعضهم بابتزاز بعض، ولم يزل الحديث عنها صعبا حتى الآن.
هناك حقيقة موجعة عبر عنها أوباما بأن ما يهدد الحكومات العربية هو استياء شعوبها منها، وليس خطر إيران، ونحن نعلم أنه لو غابت إيران عن الوجود في لحظة لكانت المشاكل الداخلية للحكومات العربية كالتي نرى وأسوأ، فاستمرار اغتصاب المستبدين حقوق الشعوب هو مصدر الأزمات والقلق والفشل المستمر مهما هربت دائما باصطناع تهمة من الخارج كإيران أو إسرائيل أو الإرهاب.
لم يتآمر العالم على حكومات العرب كما زعموا، ولم يقف الشرق والغرب دون إنقاذ إخوانهم في الشام من المذابح، ولكنهم أحرجوا عندما واجههم أوباما بحقيقة مسؤوليتهم عما حدث ويحدث.