مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٢ أبريل ٢٠١٥
الدولة الإسلامية واختبار ولاية دمشق

تعمل التكتيكات القتالية لتنظيم الدولة الإسلامية دوما على إرباك الأعداء والمناصرين، كما أن سلوك التنظيم يحيّر معظم الخبراء والمحللين، بحيث تفضي غالبا التحليلات إلى الاستسلام لنظرية المؤامرة، فعندما خسر التنظيم معركة تكريت بداية نيسان/ إبريل ودخلت القوات العراقية ومليشيات الحشد الشعبي إلى المدينة لم تجد أحدا من مقاتلي التنظيم، الأمر الذي أفسد فرحة الانتصار وذهب بعض البعض إلى القول بأن طائرات التحالف بمساعدة أجهزة استخبارات عديدة أخلت مقاتلي تنظيم الدولة، وفي الوقت الذي تراجع فيه التنظيم من تكريت في العراق كان التنظيم يفاجئ الجميع بدخول مخيم اليرموك في سوريا لتنتعش مرة أخرى نظرية المؤامرة.

لا شك بأن الأطروحة الأساسية لقوى المعارضة السياسية والعسكرية السورية ترتكز إلى القول بأن تنظيم الدولة الإسلامية صنيعة نظام الأسد لضرب وتشويه الثورة، وحجاجها يستند إلى مسلمة عدم استهداف النظام للتنظيم، الأمر الذي ينطبق على تنظيم الدولة الإسلامية الذي تصر المعارضة على أنه يتجنب مواجهة قوات نظام الأسد، وانشغاله بالتصدي لفصائل المعارضة المسلحة وتحرير المحرر، لكن الحقيقة الفجة تجافي النزعة الرغبوية لخصوم التنظيم، الذين يجتهدون في البحث عن حجج بلاغية تفسر تقدم التنظيم ببطء ولكن بثبات.

خلال الفترة الأخيرة كان وجود تنظيم الدولة الإسلامية المرئي في سوريا يقتصر على المناطق الشرقية، مع احتفاظه بوجود لا مرئي في مناطق عدة، إلا أن التنظيم بدأ مؤخرا بتأسيس ولايات جديدة في مناطق أخرى، ويبدو أن ولاية دمشق أحد أهم الولايات وأخطرها، فقد جاء الإعلان عن السيطرة على مخيم اليرموك الذي يعتبر أحد ضواحي دمشق نقطة تحول في مسار التنظيم وخلط الأوراق لدى الفصائل المتواجدة في المخيم التي عجزت عن فك الحصار المفروض على المخيم، حيث برزت نظرية تواطؤ جبهة النصرة مع تنظيم الدولة وتردد حركة أحرار الشام، لكن التنظيم كما عودنا كان يختبر مدى ردود الأفعال لدى مختلف الفصائل المتواجدة ومعرفة توجهاتها، ومعرفة ردو فعل نظام الأسد والفصائل الموالية له، وردود فعل المجتمع الدولي، نظرا لحساسية وتعقيد وخصوصية مخيم اليرموك لدى كافة الأطراف، ولذلك سوف يعمل التنظيم على تثبيت سيطرته المكانية إذا وجد تراخيا، لكن المرجح أن ينسحب جزئيا بانتظار تطورات المشهد.   

يدرك تنظيم الدولة الإسلامية صعوبة السيطرة على أماكن تتمتع بحساسية استراتيجية في محيط معاد لنهجه، إلا أن التنظيم يعمد إلى تنفيذ هجمات تكتيكية كاشفة واختبارية، تستند باستمرار إلى تكتيكات مميتة ومرعبة معهودة كما حدث في 31 آذار/ مارس الماضي عندما نفذ التنظيم هجوما مباغتا على قرية المبعوجة قرب حماة، وقتل أكثر من 46 شخصا من سكانها باعتبارهم من الصحوات، الأمر الذي تكرر في 1 نيسان/ إبريل بالهجوم المباغت على مخيم اليرموك والسيطرة على معظمه، وكان مخيم اليرموك قد شهد معارك عنيفة في أيلول/ سبتمبر 2012، حيث تمكنت مجموعات من المعارضة المسلحة من السيطرة عليه، بينما انقسمت المجموعات الفلسطينية المقاتلة مع النظام وضده، وبعد أشهر من المعارك، أحكمت قوات النظام حصارها على المخيم الذي بات يعاني  من يقي من سكانه البالغ عدده 15 ألف من أصل حوالي 180 ألف، من الحصار التجويع، ولذلك يدرك تنظيم الدولة الإسلامية الأهمية الاستراتيجية لليرموك الذي يقع على بعد 10 كيلومترات فقط عن مركز مدينة دمشق، لكنه استثمر حالة الحصار الخانقة التي يفرضها نظام الأسد بمساعدة حلفائه من الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة بزعامة أحمد جبريل، ورمزية المخيم وارتباطه بالقضية الفلسطينية، وحالة الغضب التي تتملك سكان المخيم الحانقين على النظام والفصائل الموالية له.

لا يمكن لنظام الأسد أن بسمح بإقامة ولاية لتنظيم الدولة الإسلامية في دمشق، وهو سيعمد إلى سياسات الأرض المحروقة في نهاية المطاف، فقد أعلن عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني الخميس9 نيسان/ إبريل  عن توافق أبرز الفصائل الفلسطينية في مخيم اليرموك على عملية عسكرية بالتنسيق مع النظام السوري عقب اجتماع عقد مساء الأربعاء وشارك فيه ممثلون عن 14 فصيلا فلسطينيا في سوريا، وغابت عنه كتائب "أكناف بيت المقدس"، ويبدو أن المجتمع الدولي يدرك تماما سياسات النظام وأنصاره ، ولذلك دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في ذات الوقت إلى العمل على تفادي "مجزرة" في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين قرب دمشق، وذلك بعد قبول الفصائل الفلسطينية تنفيذ عملية عسكرية مشتركة مع الجيش السوري لاخراج تنظيم "الدولة الاسلامية" من المخيم.

 قد يتساهل نظام الأسد في مناطق عديدة بعيدة عن العاصمة دمشق رغم أنه يرتكب مجازر ممنهجة ويستخدم أسلحة محرمة دوليا، إلا أنه لا يمكن أن يتسامح مع اقتراب وصول تنظيم الدولة الإسلامية إلى مقر سيادته، فالنظام يفرض حصارا خانقا على مناطق جنوب دمشق، وخصوصاً مخيّم اليرموك، وحيّ التقدّم، وحيّ القدم، والحجر الأسود (معقل تنظيم الدولة)، وبيت سحم، ببيلا، ويلدا والعسالي، ويساند النظام في محاصرة مخيم اليرموك ميليشات جيش الدفاع الوطني المتواجدة في شارع نسرين المجاور للمخيم، ومقاتلو الفصائل الفلسطينية الموالية للأسد وهي: القيادة العامة للجبهة الشعبية، فتح الانتفاضة وجبهة النضال.

أما فصائل المعارضة المسلحة في اليرموك فتتمثل بمقاتلي "جبهة النصرة"، الذي يتواجد بين شارع اليرموك الرئيسي وشارع الثلاثين وقرب دوار فلسطين في شارع فلسطين في المخيّم، وجماعة "أكناف بيت المقدس"، وهو فصيل مقرب من "حركة حماس"، ويتواجد في جزء من شارع فلسطين وفي محيط بلدية اليرموك، وحركة "أحرار الشام"، ويتواجد في نقاط في شارع الـ 30، وهناك فصائل صغيرة أخرى، ويحاصر النظام المخيّم من ثلاث جهات وهي: حي الزاهرة، منطقة القاعة وشارع نسرين الذي يسكنه غالبية علوية وفيه "ميليشيات الأسد"، فيما تهتمّ الميليشيات الفلسطينية بمدخل المخيّم الذي يربط شارع فلسطين واليرموك الرئيسيَّين بدوار البطيخة.

تعقيدات تأسيس ولاية دمشق لا تخفى على تنظيم الدولة الإسلامية، نظرا لوجودها في محيط شديد العداء، فقد برهن اختبار اليرموك على حجم التحدي، فتنظيم الدولة يواجه مزيجا مركبا من الأعداء، مكونة من نظام الأسد والفصائل الفلسطينية المتحالفه معه، وداخل المخيم مجموعة من الفصائل المناوئة لنهجه وفي مقدمتها كتائب "أكناف بيت المقدس"، وفي جبهة الجنوب مجموعة من فصائل المعارضة الإسلامية المعادية للتنظيم وفي مقدمتها: "جيش الإسلام" و"لواء شام الإسلام" و"لواء الأبابيل"، التي دخلت على خط مواجهة التنظيم في محاولة لفك الحصار عن مخيم اليرموك في إطار معركة أطلقت عليها اسم "نصرة أهل المخيم".

كشفت معركة اليرموك عن حلفاء محتملين لتنظيم الدولة الإسلامية، وفي مقدمتهم "جبهة النصرة"  و"أحرار الشام"، فعلى الرغم من دخول الدولة والنصرة في صراع مميت في جبهات عديدة، إلا أن بعض الجبهات تشهد تعاونا وتنسيقا ميدانيا، ومع أن جبهة النصرة أصدرت بيانا أعلنت فيه وقوفها على الحياد، ونفت مساندتها لتنظيم الدولة، إلا أن موقفها لم يقنع الفصائل المعارضة واتهمتها بالتواطؤ.

خلاصة القول أن دخول تنظيم الدولة إلى مخيم اليرموك هو تكتيك يسعى من خلاله إلى خلط الأوراق، كعملية اختبارية لمعرفة ردود الأفعال من طرف كافة القوى المعادية لنهجه، ومحاولة لكسب تأييد السكان المحاصرين، واستمالة مقاتلي فصائل المعارضة المسلحة الناقمين على نهج فصائلهم في التعامل مع نظام الأسد، واختبار مدى قوى الفصائل وتماسكها وصلابتها، وإرباك أطروحات أنصار نظرية المؤامرة وكشف ركاكة منطقهم، فضلا عن رمزية مخيم اليرموك وارتباطه بالقضية الفلسطينية، والأهم إذا نجح التكتيك تحوله لاستراتيجية وبدء الدخول في عملية استنزاف النظام في معقله الأساس دمشق وزعزعة الثقة بتماسكه وصلابته.

اقرأ المزيد
١٢ أبريل ٢٠١٥
من سلّطكم علينا؟

لم يسمع قادة إيران بعد بمبدأ "حق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية"، الذي يعني حقها في أن لا يتدخل أحد في شؤونها، أو يفرض إرادته عليها، أو يمارس أي نوع من التسلّط والإكراه حيالها.

لو سمع قادة إيران بهذا المبدأ الذي لولاه لانقلبت الحياة الدولية إلى غابةٍ، يتصارع فيها همج ووحوش، لكانوا أدركوا أنه ليس من حقهم التدخل في الشؤون العربية، بالطريقة التي يعتمدونها، هذه الأيام، في اليمن، وتقوم على تعيين أنفسهم أوصياء على شعبه الذي عليه إطاعتهم، والالتزام بما يرونه، مهما كان مجافياً لمواقفه ومصالحه، أليسوا أهل البيت الذين يحق لهم البت في شؤونه، بينما يجب على ضيفهم، شعب اليمن، الامتثال لإرادتهم من دون اعتراض، وإلا ناله منهم ما ينال العصاة على أيدي مراجعهم الشرعية التي أوكلوا أمرهم لها.

يضع قادة طهران أنفسهم خارج منظومة القوانين والأعراف الدولية، بتبنيهم منظومة قيمية معاكسة مضمونها، تجعل منهم مرجعية فوق بشرية، إلهية ومقدسة، لجميع مسلمي العالم، وخصوصاً من ابتلوا منهم بجيرتها، الذين يجب أن يبتهجوا ويثمّنوا إيجابياً ما تبذله من جهود مقدّرة لاختراق مجتمعاتهم ودولهم، لأن اختراقها يقرّبهم من لحظةٍ سينعمون فيها بالخضوع لولي الفقيه: قائد الحكومة الإسلامية، حكومة المسلمين الشرعية والوحيدة، حكومتهم العليا، العابرة حدودهم وبلدانهم، التي يجب أن يكون ولاؤهم لها غالباً على ولائهم لحكوماتهم المحلية، محدودة الصلاحيات والسيادة بالمقارنة معها، ولا بد أن تعد في حكم التابعة لها التي عليها الرضوخ لخياراتها، والانصياع لمواقفها ومصالحها.

بما أن هذا النمط من الحكومة العابرة للأمم لا يتفق مع النظام الدولي، القائم على مبدأ "حكومة واحدة لكل شعب أو أمة"، فإنه يتبنى منظومة قيم تقوّض مبادئ هذا النظام، كعدم التدخل في شؤون الآخرين الداخلية، واحترام سيادة دولهم، وحق شعوبهم في تقرير نمط نظامها السياسي والاجتماعي، وحل المشكلات التي قد تنشأ معهم سلمياً ومن دون عنف، واحترام حقوق الإنسان والمواطن... إلخ، ويعطي نفسه حقاً غير مقيّد في الاعتداء على جيرانه، وانتهاك سيادة دولهم وتقويض شرعية نُظُمهم. وأخيراً، في منح نفسه صلاحيات يفترض أنها خاصة بحكوماتهم الوطنية وحدها، تعبّر عن علاقاتها السيادية مع شعوبها، المختلفة، كل الاختلاف، عن علاقات أي طرف خارجي معها.

من يستمع إلى تصريحات قادة طهران حول اليمن، يعتقد أن شعبه فارسي، وليس عربياً، وبايع الولي الفقيه الإيراني، وأن "عاصفة الحزم" تدمر طهران أو قم، ولا تدافع عن وطن عربي ضد غزو خارجي، إيراني، نفذته جماعة داخلية، درّبها وسلّحها وموّلها الحرس الثوري، وها هو يقاتل إلى جانبها ضد أغلبية اليمنيين، الموالية للشرعية ولرئيسها.

بعد الحرب العالمية الثانية، وتشكل دولنا الوطنية المستقلة، ابتلينا بتسلّط أميركي فاضح علينا. واليوم، تتسلّط إيران علينا، بحجة مضمرة، تجعل قادتها حكامنا الحقيقيين، وحكامنا إما من أتباعها، كحسن نصر الله، أو غير شرعيين ومن حقها قلبهم بالقوة، مباشرة أو بالواسطة، مثلما حدث في اليمن باسم ثورةٍ لم يرها أو يشعر بها أحد. في حالة أميركا، كنا ندين تسلّطها باعتباره تدخلاً في شؤوننا الداخلية يخالف القانون الدولي. أما في حالة إيران، فيبدو أن ذلك لم يعد من حقنا، بعد أن أخرجتنا طهران من النظام، كي تخضعنا لنظام مذهبي شمولي وغير إنساني، دمر بلداننا ويبيد اليوم شعوبنا.

أيها الإخوة/ الأعداء: تعالوا إلى الصلح قبل الندم.

اقرأ المزيد
١٢ أبريل ٢٠١٥
سورية .. الوهم المتجدّد في موسكو

مرة جديدة، "ينجح" الروس، في الأسبوع الماضي، بعقد لقاء "سوري" في موسكو بمن حضر، في سعيٍ لا يكلّ ولا يملّ، مرضيّ عنه أميركياً، للعب دورٍ سياسي في مسار المقتلة السورية، إلى جانب الدور العسكري والاقتصادي البارز. وعلى الرغم من فشل اللقاء السوري الأول الذي دعوا إليه في 26 فبراير/شباط الماضي، لضعف السيناريو والممثلين وفشل المخرج، على الرغم من السمعة العطرة للسينما الروسية، في حقبتها السوفييتية على الأقل، إلا أن بعض الشخصيات مما اصطلح على تسميته تبسيطاً معارضة الخارج شاركت في التمثيل خلال الاجتماعات تلك، على الأقل تصويراً، وأدلت بدلوها المثقوب من أكثر من جهة، ليس بسبب النيّات، والله أعلم بالنيّات، ولكن، لأن الرسالة واضحة من عنوانها، فأكثر المراقبين سذاجة لم يكن لينتظر من طرف أساسي في الصراع السوري أن يلعب دور المُصالح والوسيط. وحتى بعيداً عن الانخراط العسكري المباشر، ومن متابعة وتحليل السياسات الروسية منذ البدء، يمكن اعتبار الروس طرفاً يُحاوَر، ولا يمكن بحالٍ أن يُعتمد عليهم وسطاء محايدين. وهي "تهمة" نفوها جهاراً في أكثر من مناسبة. هم، إذاً، طرفٌ يُحاوَر، كما الإيرانيون طرفٌ يُحاوَر، على الرغم من إمساك هؤلاء أوراق اللعبة بشكل أكبر وأكثر فاعلية وتأثيراً على طرف أساسي من أطرافها.

كاتب السيناريو والمخرج اللذان أثبتا فشلهما في اللقاء الأول، استعادا المبادرة، ودعوا إلى لقاءٍ ثانٍ في عاصمة الإمبراطورية الروسية المريضة اقتصادياً وسياسياً، محاولين، هذه المرة، تفادي أخطاء شكلية في الحلقة الأولى من مسلسل الكوميديا السوداء. فقرروا أن دعوة أشخاص بأسمائهم من دون التوجه إلى "كياناتهم" السياسية غير محمود. فعمدوا إلى التواصل مع هذه الكيانات، من هو في الداخل أو في الخارج، مثل تيار بناء الدولة وهيئة التنسيق من جهة، والائتلاف الوطني السوري من جهة أخرى، إضافة، طبعاً، إلى عناصر أمنية بلبوس معارضة "وطنية". وأخيراً، جاء من دُعي كشخصيات مستقلة، أو ممثلة عن كيانات وهمية. وفي هذه المبادرة، أي دعوة الجميع من دون استثناء، إيجابية شكلية، أراد منها الروس أن يُزيلوا الشكّ حول نيّاتهم.

وعلى الرغم من أن عدداً من قيادات هيئة التنسيق الوطني مختفون، ولا تأثير للروس على أصدقائهم في دمشق لإخلاء سبيلهم، فقد ارتضت قيادة هذا التجمع السياسي المشاركة، من دون الإشارة، ولو بكلمة عتاب، إلى مُغيبيهم وأصدقاء هؤلاء من الروس الذين لا ناقة لهم ولا جمل في التأثير الفعلي على السجّان. أما تيار بناء الدولة، والذي يُحاكم مؤسسه ورئيسه، لؤي حسين، بتهمة "وهن عزيمة الأمة"، فقد مُنع من السفر والمشاركة في اللقاء. وأما الائتلاف الوطني لقوى المعارضة، والموجود في الخارج، فقد رفض المشاركة في التمثيل، في هذا العمل الضعيف إعداداً وإخراجاً وتمثيلاً. وحجته أن الروس ارتأوا قبول الصيغة السورية الرسمية لترتيب اللقاء من حيث، أولاً، إشراك أشخاص من المعارضة الوهمية/الرسمية/الأمنية، ما يُضعف موقف الطرف المعارض الذي يتوجب عليه، نظرياً على الأقل، أن يتوافق على مطالبات موحدة، أو منسّقة، توجّه إلى وفد النظام السوري. وثانياً، يبدو التهاون الرسمي السوري بهذا اللقاء على أشدّه، عندما يتم تمثيله بدبلوماسي اشتهر بمواقفه الحادة، وبتهديداته الصريحة لمن شارك في جنيف 2. وعندما تعتمد أية جهة على موظف في وزارة الخارجية في "محاورة" معارضيها، فهي رسالة
واضحة إلى تبعية هؤلاء إلى جهات خارجية، أو إلى أن النظام لا يرغب بمحاورة مواطنيه، بل هو يحاور عبرهم دولاً بعينها.

تم الاجتماع، وخرجت صور ضمّت، جنباً إلى جنب، ممثلي المعارضة الأمنية، أو تلك المُقتنصة لأي ظهور، مع بعض المعارضين الحقيقيين أو الساعين، ومنهم من لم يجد مكاناً له حتى على الطاولة الخشبية ليسمع كلمة الوزير الروسي الخشبية حول النيات الخشبية في إنهاء المقتلة السورية. ودارت الحوارات بتغطية إعلامية روسية متميّزة، إضافة إلى تسريبات عبر الإعلام الرسمي السوري لتصريحات من يقولون إنهم يمثلون المجتمع المدني "الحيادي"، والذين يُجيدون تسويق عملهم، يعتذرون فيها من ممثل النظام على تشتت المعارضة (...).
"يظن الأميركيون أن تلزيمهم الملف السوري له أن يدفعهم إلى لعب دورٍ مسؤولٍ، ولو في حدوده الدنيا. ولكن، ما هي النتيجة؟"

لا ضرر في عقد الندوات، واجتماع ممثلين حقيقيين عن المعارضة المرضي عنها، أو المسكوت عليها، مع ممثلين لتيارات تتنقّل حيث شاء الهوى، مع عناصر أمنية بلبوس سياسية، مع أشخاص يحملون النيّات الطيبة، ويسعون إلى وقف المقتلة القائمة بكل ثمن. وليس من المنبوذ، في المطلق، أن يرعى الروس، أصحاب المسؤولية المباشرة في الموت، مثل هذا اللقاء، سعياً إلى تحويل مساهمتهم العسكرية إلى سياسية، بعد أن فهموا تعقيدات المشهد ومآلاته المتفاقمة. ليسوا حياديين. ولكن، يظن الأميركيون أن تلزيمهم الملف السوري له أن يدفعهم إلى لعب دورٍ مسؤولٍ، ولو في حدوده الدنيا. ولكن، ما هي النتيجة؟

لقد تلا الروس النقاط التسع التي تم "الاتفاق" عليها. وفي ما عدا النقطة الأولى حول "تسوية الأزمة السورية بالوسائل السياسية على أساس توافقي، بناء على مبادئ جنيف 1"، فما يليها، مع بعض الصياغات الغامضة، لا يعدو كونه بياناً رسمياً سورياً مُصاغاً بالتركيبات والمفردات نفسها التي تعوّد عليها متابعو إذاعة دمشق.

وعلى الرغم من تعبير بعض المشاركين "المعارضين" عن امتعاضهم فيسبوكياً من أداء الوفد "الحكومي"، ومن انخفاض مستوى تهذيب ممثل النظام، ومن نتائج اللقاء عموماً، فمن المنصف القول إن الروس والرسميين السوريين كانوا منسجمين مع أنفسهم، ومع "مبادئهم" وأهدافهم. في حين أن من ارتضى أن يلعب دور "الكومبارس" في هذا الفيلم السيئ هو المُلام إن أُحْسِنَ التعبير.

اقرأ المزيد
١١ أبريل ٢٠١٥
للتذكير: مخيم اليرموك ... في سوريا

نشعر بكثير من الغبطة أمام  الكم الهائل الذي حصل عليه مخيم اليرموك على الساحة الإعلامية و كثرت التصريحات و الإجتماعات التي عُقدت باسمه ، و كذلك تلك الدموع التي ذرفت على أبوابه ، و على نساءه و أطفاله و شيوخه ، و حجارته أيضاً ، فالغطبة كبيرة وصلت لحد الحسد و الإنزعاج.

للحظات ، في خضم هذا الإهتمام الجلل و الواسع الطيف ، ظننا فيها أن المخيم هو قطعة أرض على كوكب ثاني لم تصل أخباره إلا قبل أيام قليلة مضت ، أو بما أن السوريين باتت المعاناة عندهم شيء من البديهي و ضمن أقل من الطبيعي ، فإن هذا المخيم موجود على أرض غير أرضنا ، لذا الجميع مصدوم من حجم المآساة و المعاناة.

تطول قائمة التنديد و الشجب ( الأمر لايتعدى الكلمات دون أي فاعلية على الأرض) لاوضاع المخيم بعد تمدد تنظيم الدولة ، ونعم فلولا ذلك التمدد لما كنا نرى شيء ، لذا فإن هذا التمدد يستوجب منا الشكر و الإمتنان و العرفان ، و قد تطول هذه القائمة أيضاً لتصل إلى حد تقبيل اليد التي تمددت على المخيم و انتشلته من النسيان و لو أذاقته الموت ، فالموت ليس مُر كما يظن كُثر ، فالموت في حالات حصار الموت ، هو خلاص .

و مع كل حديث يأتي على ذكر المخيم يمر اسم سوريا سريعاً و بشكل لا تشعر به ، يمر اسم دمشق كالبرق ، بإسلوب تشعر أن الأمر كله تم اختزاله في 2 كيلومتر مربع فقط ، و ماتبقى خارج أي اهتمام ، أمتار قليلة يبعد بقية الجنوب الدمشقي المحاصر هو أيضاً ، و إمتدت عليه نفس اليد ، و عانى ذات المعاناة ، و نال أكثر و أشد.

مرور اهتمام الجميع على المخيم بعد التمدد "الداعشي" يدفعنا للمطالبة بذات التمدد على كل مكان و كل رقعة و كل حجر ، و ليكن أولها قصر الأسد ، و بعض قطعه العسكرية القريب لحد يجعلها هدف لـ"حجر" .

ليس استهزاء بمعاناة شعبنا في اليرموك ، و إنما استغباء بالعالم أجمع ، بدوله و هيئاته و منظماته و سياسيه ، تغابيهم يحولنا إلى طالبي الإحتراق بالرمضاء و النار معاً ، علنا نرى نوعاً من الإهتمام و لو كان إعلامي .

اقرأ المزيد
١١ أبريل ٢٠١٥
إيران في حسابات موسكو السورية

فيما استضافت موسكو الجولة الثانية من "الحوار السوري"، مستفيدة من تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، عن ضرورة إحياء جهود التسوية في سورية، والتفاوض حول عملية انتقالية بين النظام والمعارضة، ماتزال معظم التحليلات التي تخوض في أسباب طرح موسكو نفسها وسيطاً في الصراع السوري، بعد أن ظلت تأخذ صف النظام، تربط المسألة بمساعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى استخدام القضية السورية أداة لتحسين علاقاته مع الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، والخروج من العزلة الدولية التي فُرضت عليه بسبب الأزمة الأوكرانية.

قد تكون موسكو تسعى، فعلاً، إلى احتواء التوتر في علاقتها بالغرب، والحد من تأثير العقوبات القاسية عليها. لكن، هناك بالتأكيد أسباب أعمق وراء الاهتمام الروسي المستجد بلعب دور الوسيط في الأزمة السورية، فاختصار الأسباب في محاولة تحسين العلاقات مع الغرب يبدو تبسيطاً كبيراً لأهداف السياسة الروسية، خصوصاً وأن أهمية أوكرانيا لكل من روسيا والغرب لا تقارن بأهمية سورية لكليهما، بدليل اختلاف التعاطي مع المسألتين، ففي أوكرانيا، فرض الغرب عقوباتٍ هي الأقسى على روسيا، منذ عقوبات جيمي كارتر عام 1980، والتي جاءت على خلفية الغزو السوفييتي لأفغانستان قبل ذلك بعام، إلى درجة أنها هددت الاقتصاد الروسي بالانهيار.

من جهة أخرى، لا تبدو روسيا قادرة على تقديم تنازلات مهمة في المسألة الأوكرانية، وبذلك يصبح الربط بين القضيتين غير ذي معنى. فضلاً عن ذلك، تبدو المقاربة الروسية-الأميركية للمسألة السورية، اليوم، أقرب منها في أي وقت مضى. فالطرفان يركزان على جزئية "الإرهاب" في الصراع السوري، لا بل إن واشنطن دعت موسكو، بشكل مباشر وصريح، إلى الانضمام إلى الجهود الدولية لمكافحة "الإرهاب"، بعد حادثة "شارلي إيبدو" الباريسية. وهناك اتجاه لفصل التعاون في المسألة السورية عن الخلاف المحتدم في أوكرانيا. ويرغب الغرب، في هذه المرحلة بالذات، في أن تلعب روسيا دوراً أكثر إيجابية في حل المسألة السورية، خصوصاً مع تنامي القلق من دور الجماعات الجهادية التي ما فتئت تستقطب مناصرين لها في المجتمعات الغربية. يدفع ذلك كله إلى القول إن السلوك الروسي، في هذه المرحلة بالذات، يرتبط بمصالح أكثر جوهرية، وتحديداً بمواجهة النفوذ الإيراني في سورية، واستعداداً لتطورات كبيرة على جبهة المفاوضات في الملف النووي.


قطبة مخفية في الصراع السوري
شكلت الأزمة الطويلة، وحاجة النظام السوري إلى الدعم الخارجي، مناسبة مهمة لكل من روسيا وإيران لزيادة نفوذهما في سورية. لكن، ما بدا وكأنه توافق روسي-إيراني على دعم النظام السوري، كان يخفي وراءه تنافساً حاداً، عبّر عن نفسه بوضوح، في أحد المراحل، في تفجير مكتب الأمن القومي في 18 يوليو/تموز 2012، والذي قضى فيه أربعة من أهم أركان النظام، وجميعهم، بالمناسبة، ينتمون إلى المدرسة العسكرية الروسية.

وتضم المؤسسة العسكرية السورية جيلين من الضباط. الأول، والأكبر سناً، هو الذي نشأ وترعرع في ظروف الحرب الباردة، وفترة التحالف مع الاتحاد السوفييتي، وتدرب على قواعد المدرسة العسكرية الروسية والسلاح الروسي. الجيل الثاني، الأصغر سناً، وهو الذي انتسب إلى المؤسسة العسكرية، في فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وأخذ يتأثر بشكل متزايد بالمدرسة الإيرانية، خصوصاً بعد حرب يوليو/تموز 2006.
"استغل الإيرانيون تدهور العلاقات الروسية-الأوروبية، بسبب الأزمة الأوكرانية، وعرضوا أن يكونوا بديلاً لإمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا"

في هذه المرحلة، ونتيجة الحصار والعقوبات التي فرضت عليها، بسبب المواقف من غزو العراق، واغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، رفيق الحريري، أخذت سورية تعتمد بشكل متزايد على الدعم الإيراني، بما فيه العسكري، وتم توقيع معاهدة للتعاون الدفاعي في 16 يونيو/حزيران 2006. وعلى الرغم من أن بنود المعاهدة ظلت سرية، إلا أن آثارها أخذت تظهر في مناحٍ متعددة، منها ارتفاع عدد المستشارين العسكريين الإيرانيين في سورية، وتحول الجيش السوري من الاعتماد على الفرق العسكرية الكبيرة التي يتم وفق المنظور الروسي زجها في المعركة كتلاً ميكانيكية ضخمة، إلى وحدات قتالية أصغر حجماً، تعتمد تكتيكات أقرب ما تكون إلى عمل القوات الخاصة وحرب العصابات (أسلوب عمل حزب الله).

والأكيد أنه مع اندلاع الثورة كان قد تلاشى نفوذ المدرسة الروسية في المؤسسة العسكرية السورية، في مقابل تنامي دور إيران ونفوذها. الأهم من ذلك، أن إيران، ولأنها تفضل العمل في إطار لا نظامي ولا رسمي، ولأنها لا تثق عموماً بأجهزةٍ ومؤسساتٍ، لم تقم هي ببنائها والإشراف عليها فكرياً وسياسياً، فانها تعمد عادة إلى بناء أذرع ذات طبيعة مليشياوية، خارج إطار أجهزة الدولة ومؤسساتها الرسمية. وكما في العراق ولبنان واليمن، نجحت إيران، مستفيدة من ظروف الأزمة السورية في بناء هيكلية عسكرية واقتصادية وأمنية موازية للأجهزة النظامية. هذه الهيكلية أخذت تترسخ، ويتعاظم نفوذها في مقابل المؤسسات التقليدية في الجيش والأمن والقطاع العام والحكومة، والتي كانت تقع، تاريخياً، في دائرة النفوذ الروسي، أخذاً في الاعتبار أن عشرات آلاف السوريين من المدنيين والعسكريين درسوا وتخرجوا في جامعات الاتحاد السوفييتي السابق ومعاهده وأكاديمياته. ومع تنامي الاتجاه إلى تعاون أميركي إيراني في الحرب على داعش يمتد من العراق إلى سورية، أخذ القلق يستبد بموسكو من أن ذلك قد يعني خروجها بالكامل من دائرة التنافس في سورية وضياع أربع سنوات من الاستثمار السياسي والمالي والعسكري الكبير فيها.


حلفاء أم أعداء؟
هذا يدخلنا في السبب الرئيس الآخر للتحرك الروسي، وهو الاحتمال المتزايد للتوصل إلى اتفاق حول برنامج إيران النووي، يشكل مدخلاً نحو علاقات أكثر وداً بين طهران وواشنطن. فموسكو ترقب بقلق اللقاءات الثنائية المتكررة التي تأخذ، بشكل متزايد، صفة الحميمية بين وزيري الخارجية الإيراني والأميركي، ويجري بعضها في الهواء الطلق، ما يعني أنها بعيدة عن أعين الروس وأسماعهم، فالمفاوضات الفعلية لم تعد تجري داخل السداسية الدولية، إنما تحولت إلى مفاوضات ثنائية بين واشنطن وطهران. وكان الروس ظهروا كالزوج المخدوع، عندما تم الكشف عن المحادثات السرية التي كان يجريها "حلفاؤهم" الإيرانيون مع "الشيطان الأكبر" في سلطنة عمان، وأسفرت عن التوصل إلى اتفاق جنيف المرحلي في نوفمبر/تشرين ثاني 2013. ويدرك الروس، من جهة أخرى، أنهم لن يكونوا حاضرين على أية تفاهمات إقليمية يمكن التوصل إليها، بعد تجاوز عقبة النووي الايراني، خصوصاً في أجواء التوتر مع إدارة باراك أوباما حول أوكرانيا. فالنفوذ في المنطقة يبدو مقسماً على الأقل ظاهرياً بين إيران وأميركا، ولا يبدو أن محاولات الرئيس بوتين، أخيراً، للتدارك ومحاولة تعزيز مواقعه في اللعبة، عبر توثيق التعاون مع مصر، سوف تنجح في إحداث تغيير جوهري في المشهد الإقليمي.
"روسيا اليوم هي الشريك التجاري الأكبر لتركيا، ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 33 مليار دولار"

من جهة ثانية، ينظر الروس إلى إيران باعتبارها منافساً محتملاً لهم في مجال الطاقة، وقد استغل الإيرانيون تدهور العلاقات الروسية-الأوروبية، بسبب الأزمة الأوكرانية، وعرضوا أن يكونوا بديلاً لإمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، ومع أن هذا العرض غير قابل للترجمة، حالياً، لأسباب سياسية وفنية ولوجستية، الا أن أوروبا لا تخفي أن أحد أهم أسباب استعجالها لحل مشكلة الملف النووي مع طهران هو رغبتها في موازنة الـتأثير الطاقوي الروسي بالإيراني. ومن جهتها، تدرك إيران أن روسيا كانت، حتى الأزمة الأوكرانية، تستخدمها ورقة تفاوض مع الغرب، خصوصاً في ما يتعلق بمفاعل بوشهر الذي ظل الروس يماطلون في بنائه وتشغيله أكثر من عشر سنوات، قبل أن يفعلوا أخيراً. رفض الروس، أيضاً، تسليم إيران منظومة صواريخ إس 300، على الرغم من أن الإيرانيين سددوا ثمنها. وقد عبر الإيرانيون عن قلة ثقتهم بالروس في مناسبات مختلفة، منها أنهم فضلوا نقل مخزونهم من اليورانيوم المخصب بدرجة 20% إلى تركيا، بدلاً من روسيا، في إطار اتفاق اسطنبول الذي تم التوصل إليه عام 2010، ولم ينفذ بسبب رفض واشنطن الالتزام به. ولا ينسى الإيرانيون أن روسيا صوّتت إلى جانب قرارات مجلس الأمن الأربعة، بخصوص برنامجهم النووي، بما فيها القرار 1929 لعام 2010، والذي فرض عقوبات اقتصادية قاسية ضد طهران، علماً أن تركيا التي كانت عضواً غير دائم في مجلس الأمن حينها صوتت ضده. ويدرك الجميع، اليوم، أن مصلحة روسيا تكمن في استمرارا الكباش الإيراني-الغربي، وفي أن تقبع إيران خارج سوق النفط الدولية أطول فترة ممكنة، وأن تبقى الاستثمارات الغربية بعيدة عن قطاع النفط والغاز الإيراني الذي يشكل منافساً كبيراً لهم، خصوصاً في الأسواق الأوروبية وحتى الآسيوية. ولا تخفِ موسكو اضطرابها لمجرد الخوض في احتمال العودة إلى الأيام التي كانت فيها إيران شرطي واشنطن في المنطقة ووكيلها الاقليمي، خصوصاً اليوم، حيث تمضي إدارة أوباما في سياسة إحكام الخناق على رقبة الدب الروسي.


رد بوتين على "العرس" الإيراني الأميركي
شكلت زيارة الرئيس بوتين إلى أنقرة في ديسمبر/كانون أول 2014، وهي الثانية له خلال عامين، محطة مهمة في العلاقات بين البلدين. جاءت الزيارة في ظروف تباعد تركي أميركي واستباقاً لتقارب أميركي إيراني، كما جاءت في وقت تشهد فيه علاقات كل من موسكو وأنقرة توتراً متزايداً مع الغرب، كل لأسبابه. وكان ملفتاً أن بوتين اختار أنقرة ليعلن منها إلغاء بناء خط الغاز الجنوبي (South Stream) لتغذية أووربا بالغاز. وكان العمل بدأ في هذا الخط عام 2007 ليمر تحت البحر الأسود إلى بلغاريا، متجاوزاً أوكرانيا، وقد أنفقت عليه شركة غاز بروم الروسية 5 مليارات دولار حتى الآن. وقرر بوتين أن يتم تحويل الخط إلى تركيا، وزيادة كميات الغاز التي يتم ضخها إليها بمقدار 3 مليارات متر مكعب، وبحسم يصل إلى 6% من الأسعار العالمية. وقد جعل هذا الأمر تركيا في موقف أقوى تجاه إيران التي تفرض أسعار غاز مرتفعة، كما مكّنها من الاستغناء عن جزء من الإمدادات الإيرانية. وفيما ترفض تركيا الالتزام بالعقوبات الأوروبية والأميركية التي جرى فرضها على روسيا بسب الأزمة الأوكرانية، يبحث البلدان مطارح أخرى للتعاون، بعد أن تعهدت روسيا ببناء أول مفاعل نووي لتوليد الطاقة الكهربائية في تركيا. وروسيا اليوم هي الشريك التجاري الأكبر لتركيا، ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 33 مليار دولار، يطمح الطرفان بزيادته إلى 100 مليار بحلول عام 2020، خصوصاً بعد تحول تركيا إلى مصدر الغذاء الرئيس لروسيا، نتيجة مقاطعة هذه المنتجات الأوروبية، رداً على العقوبات ضدها، علماً أن التبادل التجاري بين الجانبين تضاعف 30 مرة مقارنة بعام 1999. ويمكن القول إن تركيا هي المستفيد الاقتصادي الأكبر من توتر علاقة روسيا مع الغرب، نتيجة الازمة الأوكرانية، ومن احتدام المنافسة بين روسيا وإيران في سورية. هذا لا يعني، أبداً، أن تركيا سوف تخرج من الأطلسي أو أن روسيا ستدخل حلفاً استراتيجياً مع تركيا، فهناك خلافات كبيرة حول سورية وأوكرانيا وقبرص واليونان، لكن روسيا وتركيا تعدان العدة لمفاعيل التقارب الأميركي-الإيراني المحتمل في حال التوصل إلى اتفاق نووي.


إعادة نظر في مجمل الاستراتيجية
"عند اتضاح الموقف الغربي في عدم السماح بإسقاط النظام السوري عسكرياً، سوف تميل موسكو، على الأرجح، إلى ممارسة اللعبة الأميركية نفسها في موازنة النفوذ السني بالشيعي"

خلال العقد الماضي، وبعده إبّان ثورات الربيع العربي، شكل القلق من تصاعد النفوذ التركي، ووصول تيارات الإسلام السياسي إلى السلطة في غير دولة في المنطقة العربية، وتأثيرها المحتمل على أقاليم روسيا المسلمة، "السنية" في غالبيتها، أحد أهم محددات الموقف الروسي من ثورات الربيع العربي. وقد وجدت روسيا نفسها تلقائياً في صف المعسكر الإيراني الذي كان يدافع عن "تغوّله" في المنطقة، في مواجهة قوى الإسلام السياسي "السنية" الصاعدة. أما وقد تمت إطاحة الإخوان المسلمين في مصر، وخرج الإسلاميون من الحكم في تونس، واستعادت القوى الشيعية التي تحكم العراق توازنها، بعد صدمة الموصل، وبعد اتضاح الموقف الغربي في عدم السماح بإسقاط النظام السوري عسكرياً، سوف تميل موسكو، على الأرجح، إلى ممارسة اللعبة الأميركية نفسها في موازنة النفوذ السني بالشيعي (تركيا في مواجهة إيران) بعد أن ظلت، خلال العقد الأخير، تستخدم إيران ورقة تفاوض مع الغرب، قبل أن تميل، كلياً، لصالحها لمواجهة الصعود التركي في ظروف الربيع العربي. من هنا، بدأت روسيا تقدم نفسها وسيطاً في الصراع السوري، بعد أن كانت طرفاً أصيلاً فيه، لأنه، بغير ذلك، فإنه من المؤكد أن استثماراتها في سورية سوف تضيع على عتبة توافق إيراني-أميركي، يخرجها كلياً من شرق المتوسط.

اقرأ المزيد
١١ أبريل ٢٠١٥
مبعوث منظمة التحرير… السورية

من استمع، أول من أمس، إلى أحمد مجدلاني، الذي من المفترض أن يكون مبعوث منظمة التحرير الفلسطينية إلى دمشق، لبحث الوضع في مخيم اليرموك، لا يمكن أن يتخيل أن هذا الرجل ليس مسؤولاً في النظام السوري، أو عضواً في حاشية بشار الأسد. كل ما قاله مجدلاني، في مؤتمره الصحافي، جاء في سياق تجريم المخيم، ورفع المسؤولية عن النظام السوري في المأساة التي يعيشها، بل أعطى الضوء الأخضر للنظام للمضي في ارتكاب مجازر إضافية بحق أبناء المخيم، العالقين بين براميل الأسد وسواطير "داعش".

لم يتخيّل أهالي مخيم اليرموك الذين ربما استبشروا خيراً بالتفات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينيتين إلى معاناتهم التي ليست أبداً وليدة دخول "داعش" إلى المخيم، بل سابقة لذلك بكثير، أن يأتي هذا المبعوث بضوء أخضر فلسطيني ليُقتحم المخيم، ويهجر من تبقى من أهله، بذريعة "طرد الإرهابيين التكفيريين"، معطياً صك براءة مسبقاً للنظام السوري، على اعتبار أن "الخيارات التي كانت مطروحة سابقاً لإنجاز الحل السياسي قضى عليها المسلحون، الأمر الذي وضعنا أمام خيارات أخرى، تذهب إلى حل أمني، يراعي الشراكة مع الدولة السورية، باعتبارها صاحبة السيادة على أراضيها، وأن هذا الأمر قرار الدولة السورية الأول والأخير في الحفاظ على أمن واستقرار المواطنين الفلسطينيين والسوريين، على السواء".

لم يأت مجدلاني على ذكر معاناة المخيم، طوال السنوات الماضية التي عانى فيها من حصار خانق، دفع أهله إلى حافة المجاعة، أو المجاعة نفسها، بعدما اضطروا إلى أكل الحيوانات الأليفة الموجودة لسد الرمق. لم يتذكر مبعوث منظمة التحرير الصورة الشهيرة التي توافد فيها كل من بقي في المخيم محاصراً إلى مركز للأمم المتحدة كان يوزع غذاء. ولم يسأل هذا المسؤول نفسه أساساً كيف دخل مسلحو "داعش" إلى المخيم، وكل منافذه محاصرة من قوات النظام، أو القوات الموالية له من فصائل فلسطينية يطلق عليها مجدلاني اسم "القوى الوطنية"، وهي التي يعاني سكان اليرموك من انتهاكاتها أكثر من معاناتهم من انتهاكات النظام نفسه. لم يلتفت مجدلاني إلى نيات "الثأر" التي يكنها النظام لمخيم اليرموك، باعتبار أنه وأهله كانا الحاضنة الأساس للمتظاهرين الفارين من بطش النظام السوري، خصوصاً في ريف دمشق. كل هذه الأمور لم ترد في كلام المبعوث الفلسطيني، الذي لم ير من معاناة المخيم إلا وصول "داعش" إليه.

ليس غريباً على مسؤولي السلطة الفلسطينية الاصطفاف الكامل خلف النظام السوري، وهو ما أكدته ممارسات رئيسها، محمود عباس، في مناسبات عدة. ممارسات كانت نابعة من سياسة كيدية وخاضعة لحسابات الانقسام الفلسطيني، والخوف من تكريس حركة حماس بديلاً له، في ظل الصعود السياسي للإخوان المسلمين في المنطقة، بعد ثورات الربيع العربي. لكن هذا الصعود السياسي انتهى مبدئياً، وها هي جماعة الإخوان تعيش فترة أفول، خصوصاً في مصر. ولم يدفع هذا الأمر عباس إلى مراجعة مواقفه، بل على العكس، ها هو يتمادى عبر مبعوثه، منطلقاً ربما من إشارات تقارب تصدر من هنا وهناك بين حركة حماس ودول خليجية عدة، في مقدمتها السعودية.

مع ذلك، يبدو أن مجدلاني ذهب أبعد مما هو مخطط له في تصريحاته، ما دفع عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية، حنان عشراوي، إلى الخروج للرد عليه، مؤكدة رفض المنظمة "أن يتم الزج بالمخيم في أي عمل عسكري، من أي طرف".

لكن، هل سيعفي ذلك المخيم من مجزرة جديدة؟ لا يبدو الأمر كذلك، خصوصاً أن الضوء الأخضر أعطي للنظام السوري، وها هم أهالي المخيم يستعدون لنكبة تقتيل وتشريد جديدة. لكن، هذه المرة بغطاء فلسطيني.

اقرأ المزيد
١١ أبريل ٢٠١٥
بالإذن.. «داعش» الممانعة

نجح «داعش» في مخيم اليرموك، وسقط في عموم سوريا. سرق المخيم الفلسطيني المنكوب تمهيداً لتسليمه إلى بقايا سلطة الأسد، مثلما حاول أن يسرق الثورة ويسلّمها إلى جلاّديها.. وهو كاد أن ينجح في مهمته هذه وأن يرد الكثير من الاعتبار لمقولة المفاضلة بين جلاّد طاغية يرتدي بذلة رسمية ويضع ربطة عنق ويحمل في يمينه نصاً حزبياً (مدنياً!)، وبين جلاّد طاغية يرتدي جلباب الخليفة ويضع السيف في رقاب أعدائه ويحمل في يمينه نصاً دينياً محرّفاً.

وقصة «داعش»، لمن لا يزال يركبه الوهم ويأخذه الضجيج التزويري إلى المكان الخطأ، هي الإصدار الأنجح في سلسلة إصدارات مطابع الممانعة، وليس غيرها على الإطلاق.. غزلتها وسوّتها وحبكت خيوطها وأطلقتها في سوق ملتبسة لكنها ميّالة إلى الفراغ: لا المعارضة أمكنها الحصول على ما يلزمها لإنهاء الحالة الأسدية والإجهاز على ما تبقى من سلطاتها وقواها، ولا تلك السلطة تمكنت من كسر الثورة وإعادة الأمور إلى السيطرة الإحكامية السابقة. مرّ «داعش» بين سطور العجزين وحقّق الكثير مما عجزت تلك البقايا السلطوية عن تحقيقه.

وسرد الوقائع في زمن صاخب، لا يعطيها حقّها الكافي من الإنصات.. لكن ربما تنفع العموميات في إيصال الفكرة: نجح معارضو الأسد في الثورة عليه لكنهم فشلوا في تحقيق الانتصار. نجاحهم ذاتي وفشلهم (المرحلي والراهن بكل حال) موضوعي ويتصل بالأميركيين قبل غيرهم بالتمام والكمال. فيما الصورة على الجانب الآخر تكاد تقارب الأسطورة: لم يبقَ مَدَدٌ إيراني وروسي إلاّ وقُدّم إلى الأسد. ولم يبقَ سلاح إلا واستُخدم. ولم تبقَ خبرية رعب في التاريخ البشري إلا وتعرضت للتبخيس إزاء مقارنتها بارتكابات وفظاعات تلك المنظومة الممانعة الفتّاكة. ومع هذا كله بقي الانكسار صنوّها الوحيد، والاندثار مآلها الحتمي.

رمية «داعش» في هذا السياق كانت أهم الرميات وأنذلها وأكثرها شيطنة وعبثاً. وهي دلّت وتدلّ على أن منظومة الممانعة اعتمدتها بعد أن أخذ العجز منها مأخذه وتبيّن لها استحالة تنفيذ «إرادتها» باستخدام الكيماوي والغازات السامة، لحرق ومحو، حرفياً ومباشرة، كل منطقة خرجت فيها تظاهرة معادية أو انطلقت منها رصاصة معارضة، خصوصاً وأن التجربة في الغوطة الدمشقية كادت أن تكون مدمّرة ذاتياً.. وتحضر بالمناسبة ردحيات جون كيري يومها، وقصّته الأثيرة عن إحضاره أشرطة فيديو المذبحة التي تُظهر الأطفال السوريين المخنوقين، إلى بيته، لمعاينة الجريمة وفظاعاتها التي تذكّر بأفران الغاز النازية!

طبعاً، الأشرطة «ضاعت» لاحقاً، وتبخّر الغاز السام! ولم يبق إلا الاتفاق الذي رعته موسكو وأنقذت بموجبه الأسد من الهلاك.. وإدارة أوباما من الإحراج!

.. دخل «داعش» إلى مخيم اليرموك عبر خطوط حصار كانت كافية لمنع تمرير كيس طحين واحد على مدى سنتين! تماماً مثلما كان دخل إلى الرقّة وسيطر على أول مركز محافظة سورية، من دون أن يطلق رصاصة باتجاه قوات السلطة وشبيحتها وذبّيحتها. وفي الحالتين لم يقاتل إلا المعارضة، ولم يفعل سوى ترسيخ صورة الرعب من البديل عن سفّاح دمشق!

لكن مثلما أن الدفرسوار الذي شكّلته الرقّة لبدء اختراق الثورة في عموم سوريا (والمصطلح علمي وفي مكانه!) لم يوصل إلى نتيجة عامة وحاسمة، فإن سقوط اليرموك لن يسقط باقي خطوط المعارضة في ضواحي دمشق وبعض أنحائها الداخلية.. هو سقوط لم يفعل سوى تقديم عيّنة دموية ومأسوية أخرى، عن طبيعة المنظومة الممانعة ومدى «تنوّرها» تحت ظلال «داعش» وراياته السود!

اقرأ المزيد
١٠ أبريل ٢٠١٥
"أحرار الشام" من جديد .. على قائمة الإزالة

منذ 9/11 العام الماضي و حتى اليوم هناك فصول كتبت و أمور حدثت و تطورات جعلت التاريخ يقترب من إعادة نفسه على نفس الأيدي القذرة التي خطته بالدم في ذلك اليوم.

أحرار الشام من الفصائل الثورية ذات رؤية واضحة و متطورة و متناسقة مع متطلبات المراحل المختلفة التي مرت بها الثورة السورية ، و لعل اعتدالها و ميلانها إلى الوسطية القريبة من الشارع السوري جعل منها مقبولة لدى الجميع بمختلف أطياف المجتمع و إن كان لاقت فيما بعد رفض من الفئة المتشددة ، التي وجدت بالأحرار عدو قد يسحب كل تأييد ممكن تجده على أرض الظلم و القهر سوريا.

في 9/11/2014 كانت الضربة التي كان كل الظن أنها ستنهي حلم أكبر و أقدم و أعتى الفصائل الثورية عبر اغتيال رؤوس الفكر العسكري و الفكري و السياسي و الديني في الحركة ، و هذا الإستهداف الذي أودى بـ28 شهيداً ليسوا بحاجة أياً كان أن يمتدحهم فتاريخهم كاف .

بعد ذلك التاريخ لا نستطيع أن ننكر أن النجم بدأ يخبو و الضعف يتسرب إلى جسد الفصيل الذي يعرف عنه قوة تنظيمه و قيامه على عمل مؤسساتي مبني على علم ادارة و ضمه خيرت الخبرات التي بقيت في الدخل السوري و رفضت الخروج أو الهروب من المواجهة .

أشهر لم تكن قليلة و لكن كانت كافية لإعداد صف جديد من القيادات التي استطاعت العودة بالأحرار إلى الواجهة بقوة ، و بعد تحرير وادي الضيف ، تحولت الأحرار إلى الفصيل الأعتى و الأبرز و الأهم من هذا كله الفصيل الذي حظي بقبول الجميع دون استثناء ، سيما مع تغيير في الشعار ،  بالإنتقال من "مشروع أمة" إلى "ثورة شعب" هذه النقطة التي جعلت من الأحرار الفصيل الألصق بالشعب فهو يلبي ما يطمح له ، بروح اسلامية ميسرة و متفهمة ، تقودها سياسة شرعية تستطيع أن تتقبل التطور و تحاكي المخالف ، إما بالإندماج أو بالتحالف أو بالمشاركة ، فوحدة الهدف هو من يلعب الدور الأبرز ، دون التخلي عن الأخلاق و المبادئ الأساسية التي تطلبها الروح الإنسانية.

عودة الأحرار إلى تصدر الواجهة من بوابة "تحرير إدلب" ، أمر لا يعجب البعض ، هذا البعض يملك أدوات متنوعة و عنيفة ، و ليست محاولة اليوم باستهداف حسام أبي بكر أحد قيادي الأحرار إلا البداية لمرحلة تبدو صعبة ، تتطلب الكثير من الوعي و الإنتباه .

استهداف أبو بكر ، هي رسالة من ذات النوع التي أرسلت قبل عام ، أنه لا يجب أن تملك الثورة السورية فصيل نشيط و مقبول و يسعى لتصحيح المسار و تحقيق الأهداف ، سيما أن الأحرار بعد النجاحات المتتالية عسكرياً و تنظيمياً و إدارياً ، و ما تلاها من تحديد المسار نحو إستمرار العمل بزخم أكبر ضد نظام الأسد ، و ضد كل من يسانده  سواء تحالف معه علناً أو سراً أو حتى يتصرف تصرفات تضر بالثورة و تصب في مصلحة الطرف الآخر"الأسد" ، و إعلان أبو جابر الشيخ قائد الأحرار أن "الحياد" بات مرفوض ، بعد مشكلات مخيم اليرموك ، إعلانٌ يبدو أنه  فتح النار على الأحرار و قياداتها من جديد ، هذه القيادات التي عُرف عنها فعاليتها و قربها من المقاتلين و الشعب و مشاركتهم لكل تفاصيل العمل ، فليسوا بقيادات مكاتب ، بل هم قيادات في الخنادق ، و استشهاد أبي جميل نائب القائد العام للأحرار في تحرير إدلب ما هو إلا مثال بسيط  عن طبيعة هذه النوعية من الأشخاص.

إذاً مطلوب من الأحرار الوعي أكثر و الإنتباه بشكل أوسع ، و توقع كل شيء ، من إغتيال و إنقلاب الشركاء ، و طعن المقربين ، فالأحرار اليوم هم الشجرة المثمرة الوحيدة التي بتنا نملكها ، الشجرة التي يبدو أن كُثر يريدون ضربها بالحجارة.

اقرأ المزيد
١٠ أبريل ٢٠١٥
سقط 'تلفزيون لبنان'.. لكن لبنان لم يسقط بعد

مهين للبنان واللبنانيين ولكلّ عربي يمتلك حدّا أدنى من الوفاء والكرامة أن ينقل التلفزيون الرسمي حديثا للأمين العام لـ”حزب الله” الهدف منه، بين أهداف أخرى، شن حملة على المملكة العربية السعودية.

حشر”تلفزيون لبنان” نفسه في شأن لا دخل له فيه. نقل حديثا كان يجريه حسن نصرالله مع “الإخبارية السورية” وهي محطة تابعة للنظام السوري. أخطأ مرتين وليس مرّة واحدة عندما قبل أن يُستخدم في تصفية حسابات إيرانية مع السعودية، وعندما قبل أن يكون نسخة طبق الأصل عن محطة من محطات النظام السوري.

يدلّ ذلك على أن لا علاقة لوزير الإعلام، الذي يفترض أن يكون مشرفا على التلفزيون الرسمي، بالإعلام. كما يدلّ على أن المشرفين المباشرين على المحطة الرسمية، هواة في الإعلام أكثر من أيّ شيء آخر. ما الذي يُجبر هؤلاء، بدءا برئيس مجلس الإدارة، على إيجاد هذا الرابط مع محطة تروّج لنظام يذبح شعبه يوميا؟

معروف أن الأمين العام لـ”حزب الله” مضطر إلى الحديث إلى مثل هذه المحطة السورية. ثمّة حاجة إيرانية إلى تخفيف الاحتقان الداخلي، في أوساط النظام تحديدا، خصوصا بعدما بدأ الضباط السوريون يشكون من الهيمنة الإيرانية على البلد. إنّها هيمنة عسكرية وسياسية في الوقت ذاته، تشمل كلّ القرارات المرتبطة بمستقبل سوريا والقرارات الكبيرة التي صارت تتخذ في طهران وليس في دمشق.

لعلّ أفضل تعبير عن هذا الواقع ما حلّ باللواء رستم غزالة، بكلّ سفالته، الذي كان على رأس أحد الأجهزة الأمنية (الأمن السياسي) والذي لم يدرك أنّه كان عليه تسليم قصره في قرفا القريبة من درعا لـ“الحرس الثوري”، بدل نسفه وتوثيق عملية النسف وإنزالها في “يوتيوب”.

هناك ما هو أبعد من نقل “تلفزيون لبنان” المقابلة السورية مع حسن نصرالله. تبيّن مدى سيطرة “حزب الله” على المؤسسات التابعة للدولة اللبنانية من جهة، وسلوك الحزب من جهة أخرى. لم يعد من مشرف على مؤسسة لبنانية، باستثناء قلّة، يتجرّأ على قول كلمة لا للحزب، الذي هو في نهاية المطاف لواء في “الحرس الثوري” الإيراني. من لديه أدنى شكّ في ذلك، يستطيع أن يسأل نفسه ما مصلحة لبنان في جعل التلفزيون الرسمي في خدمة إيران؟ هل كان ذلك ممكنا لولا أن الحزب تحوّل إلى دولة، فيما الجمهورية اللبنانية دويلة داخل هذه الدولة؟

أكّدت إيران مرّة أخرى، وبما لا يدع مجالا لشك، أنّها تعتبر لبنان جزءا لا يتجزّأ من المحور الممتد من طهران إلى مارون الراس في أقصى جنوب لبنان. هذا المحور يمرّ ببغداد ودمشق وبيروت.

كان همّ “حزب الله” في السنوات الأخيرة عزل لبنان عن محيطه العربي. لم يعد من سائح أو زائر أو مستثمر عربي في لبنان. مطلوب نشر البؤس في لبنان كي تسهل السيطرة عليه والتحكّم بمؤسساته.

لم يكن اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه “حادثا” كما يقول حسن نصرالله عادة، وكما عاد وردّد في المقابلة الأخيرة التي نقلها “تلفزيون لبنان”. كانت الجريمة نقطة تحوّل في عملية وضع اليد على لبنان. كانت الجريمة خطوة على طريق تفريغ لبنان من العرب، وضرب الاقتصاد تمهيدا لإغراقه بلبنانيين عاطلين عن العمل يأتون من دول الخليج.

لم يحدث شيء بالصدفة في لبنان، بما في ذلك خروج الجيش السوري ليحلّ مكانه “حزب الله” الذي سارع إلى ملء الفراغ الأمني والعسكري الناجم عن الانسحاب السوري.

هل صدفة أن “حزب الله” لم يكن مهتمّا بدخول الحكومة اللبنانية بشكل مباشر في عهد الوصاية السورية؟ لم يعد مصرّا على الوجود المباشر في الحكومة إلا بعد اغتيال رفيق الحريري. أراد التأكيد أن الوصاية ما زالت قائمة، لكنّ انتقالا حصل من السوري إلى الإيراني ليس إلا؟

ما شهدناه عبر “تلفزيون لبنان” كان فصلا جديدا من فصول الانقلاب الكبير، الذي بدأ باغتيال رفيق الحريري الذي ربط العرب بلبنان، وربط لبنان بالعرب. لا يزال “حزب الله”، ومن خلفه إيران طبعا، يعمل على فكّ هذا الارتباط التاريخي ونقل لبنان إلى موقع آخر.

لم تكن حكومة “حزب الله” برئاسة شخصيّة سنّية من طرابلس، هي النائب نجيب ميقاتي، سوى فصل بارز ومفصلي في هذا الانقلاب الكبير. ففي عهد هذه الحكومة التي فرضتها قوّة السلاح غير الشرعي، بدأ السكوت الرسمي عن التهديدات الموجّهة لكلّ خليجي يزور لبنان. لم تتخّذ حكومة “حزب الله” أيّ موقف حازم من “الجناح العسكري” في هذه العائلة أو تلك. وفي عهد تلك الحكومة رُفعت التأشيرة بالنسبة إلى الإيرانيين الراغبين في المجيء إلى لبنان.

انتقلت إيران في سياستها اللبنانية التي تنفّذ عبر ميليشيا مذهبية مسلّحة إلى مرحلة جديدة. إنّها مرحلة جعل اللبناني المقيم في دول الخليج، على رأسها السعودية، مهدّدا بلقمة عيشه. الأمل كبير في تفادي دول الخليج الردّ على ما يصدر عن حسن نصرالله. فأيّ إبعاد لأي لبناني عامل في الخليج، هو بمثابة سقوط في الفخّ الإيراني. ليس لدى إيران ما تقدّمه للبناني غير السلاح وربّما بعض المال الذي يغنيه عن العمل الجدي، أي بما يساهم في جعل الاقتصاد اللبناني اقتصادا ريْعيا، بدل أن يكون اقتصادا منتجا.

كان ما فعله “تلفزيون لبنان” سقطة كبيرة. ربّما استخدمه “حزب الله” للردّ على الموقف الرسمي اللبناني الذي عبّر عنه الرئيس تمام سلام في القمة العربية الأخيرة في شرم الشيخ. بالطبع، كان موقف رئيس مجلس الوزراء اللبناني تعبيرا عن أنّ لبنان ما يزال، إلى إشعار آخر، دولة تحترم نفسها، وعضوا مؤسسا في جامعة الدول العربية.

قبل عشر سنوات، استشهد رفيق الحريري. استشهد من أجل لبنان. من أجل أن يبقى لبنان دولة عربية حضارية موجودة على خريطة الشرق الأوسط بهذه الصفة، وليس بصفة كونها ذيلا لإيران.

واضح أنّ لبنان ما يزال يقاوم. الإصرار على المقاومة زاد من شراسة الهجمة الإيرانية التي كشفت أنّ “حزب الله” ليس معنيا، بمصلحة لبنان ولا بمصلحة أبنائه. كيف يكون هناك مواطن، يحمل الجنسية اللبنانية، يرفض الاعتراف بأنّ السعودية لم تتوقف يوما عن مساعدة لبنان بكلّ الطرق والوسائل الممكنة. هل حاولت المملكة يوما فرض شيء على لبنان واللبنانيين؟

بعض الوفاء ضروري، أقلّه حماية للبنان واللبنانيين واحتراما للذات وللواقع وللحقائق التي تؤكّدها الأرقام قبل أيّ شيء آخر.

اقرأ المزيد
١٠ أبريل ٢٠١٥
رجع الصدى بين نصرالله وخامنئي

هل سيكرر الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه المقبل، القول إن «إيران لا تملي ولا تقرر ولا تتدخل ولا تهيمن» في سورية والعراق واليمن ولبنان وفلسطين... بعد تصريح المرشد الإيراني السيد علي خامنئي أمس، الذي قال فيه إن السعودية «ستتلقى ضربة في اليمن وتُهزم فيه»؟

هل سيكرر القول إن «إيران لم تأمرنا بأمر ولم تطلب منا أي طلب»؟

لم يكن الأمر بحاجة إلى دليل التطابق في الأوصاف التي أطلقها نصرالله على عملية «عاصفة الحزم» التي قادتها الرياض ضد الانفلاش الحوثي الإيراني، مع ما قاله خامنئي للتأكد من أنه أمر عمليات صدر من طهران للتعاطي الإعلامي الشديد الحدة مع قرار المواجهة السعودي- العربي ضد هذا الانفلاش. فهجوم نصرالله، مع جوقة الإعلام التابعة للنفوذ الإيراني، بما فيه إعلام الحوثيين وحلفائهم، شكل «الفرقة السباقة» التي مهدت لترداد خامنئي ما سبق أن طلب من القوى التابعة له أن تطلقه، بعد المفاجأة التي أحدثتها الحملة العسكرية السعودية العربية بتأييد من باكستان وتركيا، رداً على احتلال الحوثيين وأنصار الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، العاصمة الموقتة عدن، وتهديدهم الرئيس عبد ربه منصور هادي.

ومع أن التناقض صارخ في ما قاله نصرالله في خطابه غداة «عاصفة الحزم»، حين أقر بأن لإيران «احترامها وتأثيرها» في الدول المذكورة، وأنها تملأ الفراغ الذي تركه «العرب»، ثم تبرأ من التأثر بما تطلبه طهران منه، فإن استنساخ خامنئي أمس لتصريحات نصرالله هو رجع الصدى لأمر العمليات الذي أطلقه الجانب الإيراني في الرد على سعي الرياض والعواصم العربية الأخرى التي شاركتها الحملة إلى استعادة التوازن في المنطقة، مقابل تمكن طهران عبر «تصدير الثورة» من التقدم في نفوذها الإقليمي.

لم يكن ذهاب نصرالله إلى حد إطلاق الاوصاف المسيئة على المسؤولين السعوديين ناجماً عن انفعاله هو، بل كان صدى لانفعال القيادة الإيرانية التي رددت معظم ما قاله.

وبغض النظر عما ستؤول إليه مواجهة النفوذ الإيراني هذه، فإن عنصر المفاجأة والذهول ما زال يتحكم برد الفعل الإيراني، فطهران بنت حساباتها أولاً على أنها تتعاطى مع مسؤولين اخطأوا في التقدير، وثانياً على أن ازدراءها القومي الفارسي بمن سماهم نصرالله «العرب» لم يكن مطابقاً للواقع، فما كان واقعياً في هذه الأوصاف هو استبطان نصرالله انتسابه إلى غير هؤلاء «العرب».

والمصدر الأساس لهذا الذهول وتلك المفاجأة، هو أن الالتفاف العربي حول السعودية ومواقف مصر وسائر دول الخليج في القمة العربية في شرم الشيخ، جعل المواجهة عربية- إيرانية، فالرد في اليمن جعل ايران في موقع المحرج أثناء مفاوضات لوزان وسيؤثر في كل أوراقها على امتداد المنطقة. والهدف الإيراني هو منع استثمار الرد السعودي على الصعيد الإقليمي، وهو ما يجعل التحدي عربياً لا سعودياً فقط.

استعادة التوازن ستأخذ مداها الزمني في المرحلة المقبلة، التي ردد نصرالله أنها ستنتهي بـ «الانتصار» في اليمن وفي المنطقة، مستنهضاً الجهات الحزبية والمذهبية التي شكلت أذرعاً لطهران. والوعد بـ «الانتصار» تكرار للمكابرة التي تمارسها طهران حيال حرب الاستنزاف التي غرقت فيها وأغرقت «حزب الله» معها في سورية، فنصرالله يعد جمهوره بالانتصار في بلاد الشام منذ 3 سنوات، ويدعو الخصوم إلى الاستسلام لهزيمتهم الافتراضية أمام ما يمليه هو وطهران، من دون أن يرف له جفن إزاء الخسائر التي يوقعها بحزبه وبلده جراء الانغماس في حرب أهلية في بلد آخر لمصلحة بلد ثالث. لكنه انتصار لم يأتِ، بل نسمع كل يوم عن تحضيرات الحزب وجيش النظام لاستعادة القلمون السورية، تمهيداً لاستعادة إدلب، واستقدام الآلاف من «الحرس الثوري» إلى السويداء، على رغم زعمه أن الإيرانيين في سورية لا يصلون إلى 50 عنصراً!

توقع نصر الله في مقابلته مع «الإخبارية السورية»، أن يكون دخول الحوثيين إلى الأراضي السعودية «وارداً»، ممهداً لعمليات مدعومة إيرانياً داخل المملكة، واستند إلى قول الرئيس أوباما أن مشاكل دول الخليج هي مع الداخل عندها، متسلحاً باتفاق الإطار على النووي بين واشنطن وطهران لتصبح الحرب كراً وفراً، مثلما هي في سورية. أم أن نصرالله وطهران سيعتبران ما طرحته الرياض، من أن الحل السياسي بالحوار من دون استبعاد أي من المكونات اليمنية، بعد إنهاء المراهقة المكلفة التي أقحمت طهران الحوثيين ومن معهم فيها وبعد إعادتهم إلى حجمهم الطبيعي، هو الانتصار؟

اقرأ المزيد
١٠ أبريل ٢٠١٥
نحن وإيران

اختارت إيران، مع سبق الإصرار، أن تقف في خانة خصوم الشعوب العربية وتطلعاتها نحو الحرية والانعتاق من قيد الديكتاتوريات، غير أن هذا لا ينبغي أن يعمينا عن الحقيقة المُرَّة، وهي أن العيب فينا نحن، أكثر ممّا هو في إيران، أو حتى إسرائيل والغرب. فإيران، وعلى الرغم من سياساتها المدمرة في دول، مثل سورية ولبنان واليمن والعراق، وتسعيرها صراعاً طائفياً محموماً، سنياً ـ شيعياً، في فضاء المنطقة، إلا أنها تنطلق من زاوية مصالحها الوطنية، وسعيها إلى الهيمنة الإقليمية. ونحن، وإن رفضنا ذلك كعرب، فإننا مضطرون أن نحترم مَن يحترم نفسه، حتى وإن كرهنا سياساته ومواقفه. أبعد من ذلك، فإنه، وبدل الردح وإشباع إيران شتماً، فالأولى أن نعيد النظر في الأسباب الذاتية لإخفاقاتنا المخزية.
في مفاوضاتها مع القوى الكبرى حول برنامجها النووي، أثبتت إيران أنها جعلت من نفسها قوة إقليمية معتبرة، يحسب لها كل حساب. بل إن الرئيس الأميركي، بارك أوباما، وفي سياق تبريره اتفاق الإطار النووي في لوزان مطلع مارس/ آذار الجاري، أقر بأن البرنامج النووي بالنسبة لإيران هو مصدر فخار واعتزاز وطني، ما يجعل من المستحيل القفز عن هذه الحقيقة. أبعد من ذلك، أقر أوباما لإيران، أيضاً، بأنها قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها.
لم تصل إيران إلى هذه المكانة الاستراتيجية عبثاً، بقدر ما أن الأمر حصيلة عقود من التخطيط وبناء القدرات والحسابات الدقيقة. ولا يجدي هنا الحديث الملقى على عواهنه من أن توتر العلاقات الأميركية ـ الإيرانية، أو العداء الإيراني ـ الإسرائيلي، في العقود الماضية، ليسا إلا تمثيلية هدفت إلى تمكين "إيران الشيعية" على حساب "العرب السنّة". فأي حديث عن مؤامرة أميركية ـ إسرائيلية ـ إيرانية مزعومة ليس أكثر من تبرير الكسول لفشله الذريع في محاولة لإبراء الذات.
منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، أي منذ ثورة الخميني على نظام الشاه، وإيران تخضع لعقوبات أميركية وغربية مشددة. ثمّ لم تلبث أن دخلت حرباً مدمرة مع العراق مطلع الثمانينيات، استنزفت البلدين سنوات، غير أن العقوبات الاقتصادية والتكنولوجية على إيران دفعتها إلى تطوير قدراتها التصنيعية الذاتية، عسكرياً ومدنياً، في حين بقي العرب أسارى منطق العالة في كل شيء. ليس هذا فحسب، بل وظّفت إيران، وبذكاء، أخطاء العرب الكارثية لصالحها. فهي استفادت من الخلافات العربية ـ العربية التي أفضت إلى تدمير العراق، غربياً وعربياً، مطلع تسعينيات القرن الماضي، بعد احتلاله الكويت. ثمّ إنها تحالفت، ضمنياً، مطلع القرن الجاري، مع إدارة الرئيس الأميركي، جورج بوش الابن، في إسقاط نظام خصمها، طالبان، في أفغانستان. ثمَّ ما لبث أن تعزز وضعها الإقليمي أكثر، عام 2003، بعد أن أسقطت الولايات المتحدة نظام عدوها الأول، صدام حسين، واحتلت العراق. وتمكنت إيران، بدهاءٍ لا يُنكَر، من استغلال التخبّط الأميركي في العراق، وورطة احتلاله له، فكان أن ابتلعت البلد عبر حلفائها الشيعة، والذين، وإن كانوا جاؤوا على متن دبابة أميركية، فإن ولاءهم كان، ولا يزال إيرانياً.
"مع انطلاق الثورات العربية أواخر عام 2010، سارعت إيران، عبر أدواتها، إلى التمدّد في الفراغ والفوضى في منطقتنا، مستفيدة من غياب رؤية عربية واعية ومستوعبة الأخطار المحدقة بالجميع"
 
أيضاً، أحسنت إيران اللعب بالأوراق الإقليمية، في ظل غيبوبة عربية شبه كاملة. فحزب الله في لبنان تحوّل إلى قوة عسكرية إقليمية، تحسب له إسرائيل ألف حساب. وفي الموضوع الفلسطيني، القضية الأقرب إلى قلوب الشعوب العربية، تبنّت إيران خطاب المقاومة ودعمها، إلى حين، بينما انشغل جُلُّ النظام الرسمي العربي بمعاداتها واستهدافها. ولم تخلُ حسابات إيران من المتاجرة في هذا السياق، فكان أن تعززت صورتها، وإلى عهد قريب، في مخيال شعوب عربية كثيرة، في وقت أصبحت فيه هذه الأوراق أدوات ضغط ومساومة في آن واحد.
ومع انطلاق الثورات العربية أواخر عام 2010، سارعت إيران، عبر أدواتها، إلى التمدّد في الفراغ والفوضى في منطقتنا، مستفيدة من غياب رؤية عربية واعية ومستوعبة الأخطار المحدقة بالجميع. فمعاداة معظم الأنظمة العربية وقمعها المطالب المشروعة لشعوبها، كشفت الدول العربية، الهشّة أصلاً، استراتيجياً. وفي حين تخبّط النظام الرسمي العربي في دعم الثورة في سورية، وارتهن في حساباته إلى الحسابات الأميركية، ومعاداته، أي النظام الرسمي العربي، أصلاً، الثورات الشعبية، لم تتردد إيران، أبداً، في دعم حليفها السوري، ممثلاً بنظام بشار الأسد. الأمر نفسه، فعلته إيران في العراق الذي لم يجد مكوّنه السني أي دعم يذكر من النظام الرسمي العربي. ولولا تمددها أخيراً في اليمن، عبر الحوثيين، وتهديدها السعودية تحديداً، والخليج العربي عموماً، لما كان هنالك أصلاً بعض صحوة عربية.
"حركة التاريخ، ومنطق الأشياء، لا يقبلان أن يكافأ الكسالى على كسلهم، ويكفينا، هنا، أن نقارن بين دولة عالة مرتكسة مثل مصر، القوة العربية الأساس، ودولة جامحة منطلقة مثل إيران"
 
إذن، لم تصل إيران إلى ما وصلت إليه جراء مؤامرة أميركية ـ إسرائيلية ـ إيرانية، بل إن إنجازاتها الإقليمية حصيلة تخطيط طويل واعٍ وصبور، وتطوير للإمكانات الذاتية ضمن رؤية ومشروع إقليمي واضح. جعلت إيران من نفسها، عبر حساباتها الذكية، وبتوظيفها حماقات خصومها الإقليميين والدوليين، لاعباً إقليمياً كبيراً لا يمكن تجاوزه. وهذا ما يقر به أوباما نفسه. فحسب أوباما، من دون اتفاق نووي مع إيران، قائم على تنازلات متبادلة، كما جرى في لوزان، لم يكن ممكناً الحد من برنامج إيران النووي نهائياً. وها هو أوباما اليوم، وفي مقابلته قبل أيام مع صحيفة "نيويورك تايمز"، يحاضر في "الحلفاء العرب السنّة"، بضرورة العمل على إيجاد توافق مع إيران، وتجاوز التصعيد الطائفي السني ـ الشيعي، في سبيل محاربة "العدو الحقيقي"، المتمثل بـ"التطرف" و"تنظيم الدولة الإسلامية". بمعنى أنه يطالبهم بإبقاء الصراع في الداخل السني! الأدهى من ذلك أن هذا هو ما حصل فعلاً في السنوات الأخيرة، وما زال هذا هو الحال! فغياب قيادة سياسية سنية سمح بتمدّد تيارات عنف هوجاء لملء الفراغ.
باختصار، تحصد إيران نتائج استثماراتها، حتى ولو كان كثير منها إجرامياً في منظورنا العربي، وهي حتى حين تُسْتَنْزَفُ، كما في سورية والعراق واليمن، فإنها تدّخر أوراقها استعداداً لمساومات إقليمية كبرى، تضمن لها مصالحها ونفوذها. في المقابل، ما زال مجمل النظام الرسمي العربي مصراً على استنزاف الذات، والبقاء مرتهناً لأجندات خارجية. دع عنك أصلاً غياب المشروع والرؤية.
وكلمة أخيرة، حركة التاريخ، ومنطق الأشياء، لا يقبلان أن يكافأ الكسالى على كسلهم، ويكفينا، هنا، أن نقارن بين دولة عالة مرتكسة مثل مصر، القوة العربية الأساس، ودولة جامحة منطلقة مثل إيران. وإذا ما قال أحدهم إن إيران دولة تتمتع بمصادر طبيعية ومقدرات اقتصادية كبيرة، كالنفط والغاز ولا يجوز مقارنتها بدولة محدودة الموارد مثل مصر، فإن السؤال يكون وماذا عن السعودية مثلاً؟ نحن أمة لا تصنع سلاحاً، ولا تنتج غذاءً، ولا تحيك لباساً، فأنَّى لنا أن ننافس ونُحترَم؟

اقرأ المزيد
١٠ أبريل ٢٠١٥
لاتحزنوا "معتقلينا" .. فـ "معارضتنا" غبية

رغم سعة الطريق أمامنا لكتابة آلاف الأسطر المليئة بالكلمات الدالة و المبينة على دراسات و أرقام تدل على أن ابرز أسباب تأخر و تأزم و العجز في حل الوضع في سوريا يعود ليس لغياب معارضة سياسة فاعلة ، بل لوجود معارضة سياسية بهذا الكم من العجز و البؤس و الغباء.

بالأمس استعرض المعارض سمير العطية ما وصفه بـ"استهزاء " مندوب الأسد لموسكو2 بأهالي المعتقلين و المفقودين السوريين عندما رفض استلام ورقة تحمل اسماء 8884 معتقل ليتم الإفراج عنهم كبادرة حسن نية ، و الغريب أنه ذكر الرقم و حدده بـ 8884 ، لا نعرف من يكذب هو ، أم نحن عندما نقول أكثر من 200 ألف معتقل و مفقود لدى نظام الأسد ، وعلى الأغلب المخطئ هم أنفسهم "المعتقلين و المفقودين" فهم بضعة آلاف فقط ، و تكدسوا في بعض غرف المعتقلات ليظهروا أنهم كُثر.

في علم الاعلام يتطلب منا دوماً أن نكتب بعيداً عن العاطفة و الاسلوب الإنساني ، و لكن عندما يتعلق الأمر بأشخاص يقبعون داخل القبور و يتنفسون الموت و يتجرعون الذل و الهاون ، لا يكون للقواعد مجال ، و لذا لنقولها بالفم الملئان : تباً لكم من معارضة ، و تباً لكل من يسميكم بهكذا ، و تباً لروسيا و تباً للصين ، و لن نشتم الأسد أو إيران أو حزب الله ، فهم يستحقون أن يفرحوا بوجود هكذا معارضة .

ليس الحديث عن ماجرى بالأمس فهذا الأمر تكرر في ورقة المعارضة في جنيف عندما تحدثت الأوراق عن الآلاف ، و بين تحدثوا على المنابر عن مئات الآلاف داخل المعتقلات دون ألأن يقدم أسماء لو 10% .

تباً لكم من معارضة تعجز عن تقديم حتى رقم و لو قريب عن حجم الألم .. تباً لكم عندما لا تستطيعون أن تجروا عملية احصاء .. و تباً لكم عنا تنتظرون أن يلتحف الموت أهلنا لتقفذوا للإدانة و الشجب .. و تباً لكم عندما تكتفون بالمطالبة و الإستجداء.

وحدها صور قيصر وثقة جزء من كم هائل من المعاناة ، جزء من حجم الموت الذي ذاقه أبنائنا و أخوتنا و آبائنا ، و لم يتحدث عن الموت الكلي ، و الأهم لم يأتي على الذكر المتواجدين على قائمة الموت القذر على أيدي القذرين.

معتقلينا سامحونا .. فلدينا معارضة غبية ، دنيئة ، لاترتقي لأن تكون أكثر من بوق للقاتل و مساعد للظالم ، فأنتم في قلوبنا ، وستبقون ما بقيت الحياة موجودة في جسد أي سوري حر .

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان