في الدول العادية، لا يفعل الضابط، مهما علا شأنه، سوى تنفيذ ما أوكلت إليه القيادة السياسية من مهمات. وقد يبالغ بعضهم في إظهار ولائه والتزامه التعليمات، فيتشدد في تطبيقها إلى حد يتجاوز الغرض منها. لكن، ودوماً في الدول العادية، يخضع أي ضابط لمراجعات ومحاكمات إذا ما أخلّ بحدود صلاحياته، واجتهد في تفسير مهمته، وخرق الأصول المتبعة في تنفيذها، حتى لو جرى ذلك في بلد آخر غير بلده، وعادة ما تتحمل القيادة السياسية المسؤولية عن أعماله لأنها تعتبره موظفاً لديها.
لكن، في الدول التي تحكمها أنظمة عسكرية - أمنية، ليست هناك حدود ترسم للضباط المكلفين أدواراً داخل البلاد أو خارجها، بل تُترك لهم حرية اختيار وسائل التنفيذ وتوقيته ومداه. فالمهم هو النتائج وليس كيفية الوصول إليها. ولأن الضابط في أنظمة كهذه يشعر بأنه من «أهل البيت» وأن ما يفعله يصب في «المصلحة الوطنية» التي لا يفرق بينها وبين مصلحته الشخصية، فهو «يُبدع»، إرضاء لمسؤوليه، في ابتكار أساليب تحقيق ما يصبون إليه، حتى لو شمل ذلك الظلم والاعتقال والقتل.
وهذه هي حال ضابط الاستخبارات السورية رستم غزالي، المتوفى قتلاً أو تعذيباً أو بـ «مرض نادر»، والذي كان حاكماً عسكرياً للبنان، وجاء إعلان وفاته قبل يومين من حلول ذكرى خروج الجيش السوري من هذا البلد في 26 نيسان (أبريل)، إذ عُرف عنه بطشه وسفاهته وتجاوزاته في التعامل مع اللبنانيين على اختلاف مللهم وعقائدهم، وتورطه في السرقة والإفساد، وتهديداته المتكررة بالاغتيال وصولاً إلى الاغتيال نفسه. أما ما ذكر عن محاولته الاتصال بسعد الحريري ورغبته في «إعلان شيء ما» قبيل موته، فلن يشفع له في تبييض سجله الأسود الحادق لدى اللبنانيين والسوريين.
غزالي، مثله مثل سلفه الضابط الآخر «المنتحر» غازي كنعان وسائر الضباط الكبار والصغار الذين شاركوهما «الانتداب» على لبنان، كان نموذجاً للرجال الذين ينتجهم نظام يفرض سطوته بالقهر والتسلط. فالعسكريون السوريون الذين تولوا حكم بيروت على مدى نحو ثلاثة عقود، تصرفوا تماماً مثلما يفعلون في بلدهم في ظل نظامهم الأمني، حيث لا كرامة لمواطن ولا حرية ولا رأي، بل حيث السوريون مهددون في كل لحظة بالإهانة والسجن والاختفاء والقتل. فكيف إذا كانوا يريدون فرض سلطتهم على بلد دخلوه بذرائع واهية، ومتهم بأنه لا يرحب بهم، ويطالبهم مواطنوه بأن يحترموا طرق عيشهم وعاداتهم وتنوعهم وحرياتهم، على نسبيتها.
وعلى رغم كثرة الإشاعات التي أحاطت بموت غزالي، واعتبر بعضها أن نظام الأسد المُتوارث يسعى إلى إغلاق ملف ضباطه المتورطين في لبنان بقتلهم، كي لا يمثلوا أمام المحكمة الدولية التي تنظر في جريمة اغتيال رفيق الحريري، بعدما تبدلت الأحوال وبات النظام التوسعي في حال «دفاع» وتراجع، فالمؤكد أن النظام السوري لن ينجح في تغيير جلدته وصورته وطبيعته، مهما قدم من «قرابين»، وأن مصيره الوحيد سيكون مثول رأسه، ولو ميتاً، أمام محكمة لجرائم الحرب، مع سائر أركانه.
وهذه المحاكمة لن تكون فقط بسبب التنكيل بالبلد الصغير المجاور، والاغتيالات المتوالية لكبار شخصياته السياسية والدينية والإعلامية، وتفكيك مؤسساته الدستورية، وتحجيم دوره الفكري والثقافي والتعليمي، بل خصوصاً بسبب ما فعله الأسد بشعبه نفسه بعد انتفاضة 2011، حين توسع القتل والتنكيل ليشمل مئات آلاف الضحايا، وتزايد التدمير ليطاول مدناً وقرى بأكملها، واكتمل ذلك كله بتهجير ملايين السوريين.
لكن الأسد الأب والابن لم يقدما على ما فعلاه في لبنان من دون غض الطرف، بل أحياناً الشراكة، من دول نافذة دولياً وعربياً، أوكلت أمر الجار الضعيف إلى دمشق، بعضها اتقاء لشرّها، وبعضها لاتفاق في المصالح والأهداف. وهذه الحقيقة يفترض أن تدفع الكثيرين إلى إعادة قراءة التاريخ القريب، لعلهم يدركون كيف يمكن تجنب أن يحصل في دول أخرى ما أوصل لبنان إلى الوقوع فريسة سهلة في يد إيران وأجهزتها.
دمما لاشك فيه أن للحرب الإعلامية أهمية بالغة في الحراك الثوري منذ بدايته في سوريا والتي لعبت دورا كبيراً في كشف أكاذيب النظام وإدعائاته الباطلة أمام العالم أجمع فاستطاع الناشطون وبإمكانيات بسيطة نقل الوقائع على الارض بمختلف أنواعها من معارك ومجازر وحراك سلمي للقنوات الإخبارية والوكالات العالمية .
ومع دخول الثورة السورية عامها الرابع على التوالي وظهور تيارات ووسائل إعلامية محدثة تنطق بإسم الثورة السورية أصبحت القنوات الفضائية والوكالات العالمية أمام حالة من التخبط في نقل الأحداث على الساحة السورية نتيجة تعدد المصادر الناقلة للخبر وتعدد رواياته بين وسيلة إعلامية وأخرى مايجعل التثبت من صحة الأخبار أمراً معقداً نتيجة نفي هذه المؤسسة للخبر وتأكيده من أخرى تبعاً لتوجهات سياسية أو عسكرية أو تنافس في أسبقية نقل الخبر دونما التاكد من المصدر الحقيقي لهذه الأخبار أو الرجوع إليها .
وبالتوازي مع هذا التخبط استغل الجيش الإلكتروني للنظام هذه الحالة من التشرذم في إعلام محافظة إدلب نتيجة عدم وجود كيان إعلامي موحد يجمع نشطاء المحافظة المعروفين بعملهم ومصداقيتهم على الرغم من الدعوات المستمرة للتعاون في بناء "شبكة أخبار إدلب " الشبكة الإعلامية الأولى في نقل وقائع الأحداث في المحافظة منذ بداية الحراك الثوري حتى اليوم والتي يديرها نشطاء من الداخل والخارج بشكل طوعي منذ أربع سنوات حتى اليوم والتي تتعرض لحرب إعلامية قوية من شبكات النظام والجيش الإلكتروني للنظام الذي تسبب بإغلاق الصفحة الرئيسية بعد وصولها لمئات الألاف من المتابعين إلا أن إنعدام الدعم المادي وعدم وجود مصدر لإمداد هؤلاء الناشطين بالمعدات ومصاريف العمل جعل منهم لقمة سائغة بيد وكالات وشبكات إعلامية محدثة لاتعرف خلفياتها السياسية أو مصادر دعمها .
وفي ظل الحرب العسكرية المستعرة في ريف إدلب من جسر الشغور الى المسطومة وأريحا بين مقاتلي جيش الفتح وقوات النظام تستغل بعض الجهات المناصرة للنظام من شبيحة وجيش إلكتروني هذا التشرذم وتقوم بإنشاء صفحات إخبارية ثورية بأسماء متطابقة مع بعض الصفحات الثورية تبث من خلالها شائعات لزعزعة أي محاولة لضبط العمل الإعلامي منها التحرير المتكرر لمطار أبو الظهور العسكري أو بدء معارك وهمية وبث أخبار عن اسقاط طائرة حربية هنا أو هناك لتكون مصدرأ لحديثي العهد بالعمل الإعلامي فينقلون عنها الأخبار ويعم انتشارها لتصل للقنوات والوكالات الإعلامية دون تثبت من مصادر حقيقة على الأرض ولايلبث أن يكشف زيف هذه الإشاعات حتى تكون الطامة الكبرى بفقد أغلب الصفحات والحسابات والوكالات الإعلامية لمصداقيتها أمام الرأي العام الداخلي والخارجي المتابع لتطورات الأحداث على الساحة الثورية .
قبل أسبوع تحدى المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الجميع حول مؤتمر دولي لسوريا وأصر على دعوة إيران: «الأمم المتحدة وأنا بنفسي نملك كامل الحق في دعوة الجميع، بما في ذلك إيران». لماذا يا سعادة المبعوث الدولي تدعو إيران وهي ترفض مقررات لقاءي جنيف السابقين؟ يبرر حرصه على إيران بحجة أن لها تأثيرا في سوريا! ونحن نقول له ما دام أن الدعوات توزع بناء على التأثير، ربما على الأمم المتحدة أن تدعو كذلك «داعش» و«جبهة النصرة» الإرهابيين، فهذان التنظيمان يملكان من التأثير على الأرض أكثر من إيران وحلفائها!
بعد كل هذه الأشهر من الانتظار منذ تعيينه في سبتمبر (أيلول) الماضي، قرر المبعوث الدولي أن يفرض إيران على السوريين في جنيف، إنما رياح الحرب على الأرض لا تسير كما يشتهي وإيران والأسد. فقد حقق الثوار هذه الأيام سلسلة انتصارات لم يُعرف مثلها منذ عامين تقريبا، حيث هُزمت قوات الأسد في إدلب، وجسر الشغور، ومعسكر معمل القرميد، وصار القتال على بعد أربعين كيلومترا من مدينة اللاذقية. وعكس الخوف في العاصمة دمشق سعر صرف الليرة الذي انحدر سريعا من 260 إلى فوق 300 ليرة للدولار الواحد.
طبعا، من حق دي ميستورا أن يدعو للعشاء في جنيف من يشاء، كما يقول، لكنه بأسلوب إدارته ولغته الفوقية قتل المؤتمر قبل أن يلتئم. ولن يستطيع أن يفرض حلا على أغلبية الشعب السوري فقط لأنه يعتقد أن إيران دولة مؤثرة في الحرب، فهي والنظام لا يمثلان أكثر من 15 في المائة من السكان. وحتى أبناء الطائفة العلوية، التي ينتمي لها الرئيس الأسد، أصبحوا يجاهرون برغبتهم في الخلاص من رموز النظام.
ليفعل المبعوث الدولي ما يشاء فلن يستطيع إيقاف القتال، ولا إنجاح المؤتمر، وسيفشل كما فشل الروس في مؤتمرهم «موسكو 2» الذي لم يلتحق به سوى ممثلين عن الحكومة السورية والمحسوبين عليها، وكان من هزال الملتقى أن نجمه اللامع هو مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري!
دي ميستورا أمضى معظم وقته عند الأسد، ولم يعر اهتماما للمعارضة، ثم قرر إقامة مؤتمر يتناسب وحاجات نظام دمشق. والسؤال ما الذي يمكن للمؤتمر المقترح أن يفعله إذا لم يكن هناك تطور في العرض، يمكن أن يكون مقبولا. لقد وصل المشاركون في المؤتمرين السابقين في جنيف إلى حل في المنتصف؛ تشكيل حكومة من المعارضة مع النظام دون قياداته. حل وسط يمثل السقف الأعلى من التنازلات. من دون القبول بهذا المبدأ، لمؤتمر جنيف ثلاثة، فلا معنى لانعقاده، ولا يملك المبعوث الدولي ما يهدد به المعارضة؛ فإيران موجودة بقضها وقضيضها، تحارب منذ عامين برجالها وبرجال من لبنان والعراق وأفغانستان ولم تنجح في تحقيق أي انتصار. أما المعارضة، رغم الحصار المفروض عليها، ورغم التضييق الجغرافي عليها في الأردن وتركيا ولبنان، فتقاتل النظام وتحاصره في مراكزه. ولم يبق للنظام شيء يمكن أن يخيف به السوريين، فقد هجر عشرة ملايين من بيوتهم، وقتل أكثر من ربع مليون إنسان.
إلى كل من يدعي الحمية و الغيرة على الشعب السوري و سوريا ، و يتوعد و يعِد بأن سوريا و رفع الظلم عنها غايته ، يكرر و يُعيد أنه مع الثورة السورية و سوريا الحرة ، إن كنت كذلك فإن "مضاد الطيران" هو ما تحتاجه لكي تفي بوعودك و تحافظ على ماء وجهك ، ففرصة الركوب في قطارانتصار سوريا هذا وقته، فعندما يفوتك القطار فلن ينفعك اي شيء لتخبئ فيه خذلانك و اكتفاءك بموقع المتفرج أو المشجع في أحسن الحالات.
الإنتصارات المتتالية و الضربات القاسمة التي تم و يتم توجيهها لنظام الأسد ، حولت تلك الأساطير ( إيران – حزب الله – الأسد – المليشيات – الشيعة ) إلى خرافة و جسد بالي أمامي قوة و حنكة و تكتيك الأسود على الأرض ، الذين مزقوا كل شيء و يعيدون بناء الإسطورة الحقيقة ، أسطورة أن "الشعب إذا ما أراد الحياة".
لا حاجة للثوار على الأرض إلى أي شيء ، لا ذخيرة و لا عتاد ، لا رجال و دعم و مساندة ، و لا حتى لمضاد الطيران الذي حُرموا منه طوال أربع سنوات ، فالذين على الأرض و في ساحات الوغى ، لا يخشون مواجهة الموت تحت أي شكل أو مسمى ، و لا يخشون أي سلاح مهما كانت قوته أو شدة فتكه .
و لكن دعوتي بالنسبة لمضاد الطيران لإنقاذ سوريا من التدمير أكثر ، لإنقاذ سوريا من الفناء النهائي ، لإنقاذ المدنيين من الموت المجاني ، لإنقاذ ما تبقى من أمل لحياة قادمة.
السنوات الأربع من الحرمان بحجج عديدة و متنوعة كافية ، يكفي الحصار على هذا النوع من السلاح ، يكفي المشاركة في خنق الشعب السوري ، يكفي التفرج على أشنع أنواع الموت ، يكفي مشاهدة أقسى صور التدمير و الإبادة .
روسيا في خضم عاصفة الحزم ، أبرمت مع إيران صفقة صواريخ "إس 300" و تحدت العالم بأسره بالقول إنها "دفاعية " ، و هي من نفس الفصيلة التي تطلبها سوريا ، و أقول سوريا و ليس الثوار ، سوريا و ليس أي فصيل بعينه ، سوريا و ليس طائفة بعينها ، سوريا و ليس أي مدينة معينة ، بل سوريا بكل أطيافها و مدنها و قراها .
لا يكتفي من يدعي بمساندة الشعب السوري ، بالإحجام عن الإمداد بهذا النوع من السلاح ، بل و يمارس نوع من الحظر التام على وصول على هذا النوع ، و ان كانوا متخوفين من أي تهمة مستقبلية في حال الإمداد ، فليرفعوا أيديهم عن الحظر و الثوار و السوريين قادرين على إيصال هذا النوع من السلاح .
مضاد الطيران اليوم لن يكون هجومي إطلاقاً ، بل دفاعي بحت ، و لن يكون دفاعاً عن الثوار ، بل دفاعاً عن المدنيين ، و لن يستخدم في المعارك ، بل سيكون محصور فيما بعد المعارك و النصر.
بعد كل هذه الإنجازات و الصمود لسنوات في وجه كل العالم ، والاستمرار رغم كل هذا الكم من الخذلان ، بات مؤكدا أن مضاد الطيران ليس وسيلة للإنتصار ، و إنما وسيلة لحماية من هم بالخلف ينتظرون لحظات الخلاص ليعودوا للحياة ، أما من يقف و يقدم نحو الجبهات فلا يخشى طيران و لا مدفعية و لا أي شيء.
فـ"مضاد الطيران" الآن الآن و ليس غداً ... فالغد عندما يأتي سيكون مضاد الطيران عبارة أشياء بالية لا حاجة لنا بها و لن نفكر به ، فإعادة الإعمار و العودة إلى الحياة الطبيعية التي حُرمنا منها لخمسين عاماً ، حياة بلا حرب و لا خوف .
لم يخلف جيش الفتح وعده بأن مدينة إدلب لن تكون هي الهدف بل هي بداية الطريق لسلسلة من العمليات و المعارك ، لسلسلة من الإنتصارات و الضربات الموجعة للأسد و عصاباته و مليشياته.
الفتح وعد و وفا .. وأضاف لعقد سوريا الحرة نجمة جديدة ، وهي جسر الشغور ، وعينه لازالت شاخصة على ما تبقى في إدلب للأسد ، وماهي إلا بضع نقاط محاصرة و قاب قوسين أو أدنى من التحرير .
(القرميد ، المسطومة ، جبل الأربعين ، أريحا ، محمبل ، المعصرة ، القياسات ، المقبلة ، نحليا ) نقاط في مرمى الثوار التي تدك حصونها التي باتت هشة لاتقي المتختبئين خلفها من الموت القادم .
جسر الشغور لم تكن معركة اعتيادية أو عملية تحرير كلاسيكية ، تمت بخطة مُجربة أو سبق تنفيذها ، فالمعركة هنا كانت خطة جديدة تماماً على العمل العسكري الثوري في سوري ، و كانت " ثلاثية " صاعقة ، مفاجئة ، موجهة .
اعتمد الثوار على ارباك خطوط قوات الأسد و خلط الأوراق و تنويع الجهات و تشتت القوات المدافعة ، فإنطلقت معركة تحرير سهل الغاب بدون اي مقدمات أو إعلان سابق ، تلاها معركة النصر لتحرير جسر الشغور ، و انضم الهجوم على معسكر القرميد و المسطومة إلى الأوكسترا ليعزفوا بشكل متناغم على أجساد و آليات و مناطق سيطرة الأسد بضربات مكثفة و اقتحامات و مفخخات ، جعلت قوات الأسد لا تدرك آلية الرد أو امتصاص الصدمة .
استراحة قوات الأسد لـ21 يوم بعد تحرير إدلب ، و انتقالهم لمرحلة الهجوم بغية إستعادة إدلب ، بالتزامن مع غارات جوية هي الأعنف على مدى سني الثورة الأربعة ، و تقدم ميداني نحو إدلب و استحواذه على نقاط عدة منها (القياسات ، المقبلة ، نحليا) ، ظنّ المكلف بإستعادة إدلب "سهيل حسن" أن أبواب إدلب باتت قريبة أن السيطرة عليها مسألة ساعات ، و أن سياسة "الأرض المُذابة" التي انتهجها أتت أُكلها ، لكن الإذابة كانت مجردة إعادة ترتب أوراق الثوار و امتصاص الفورة ، و التحضير للإنتقال من المدافع المتلقي للضربات ، للمهاجم الذي وجه صفعات سريعة ، كل صفعة بمثابة ضربة قاضية ، فأوهن الجسد العام لقوات الأسد ، و استحوذ على جسر الشغور كأول مرحلة ، و القائمة لازالت تحوي (القرميد ، المسطومة ، جبل الأربعين ، أريحا ، محمبل ، المعصرة ، القياسات ، المقبلة ، نحليا ).
كالعادة سيكون سيناريو تعامل مؤيدي الأسد مع عملية تحرير جسر الشغور و متابعة القصف على بقية النقاط و الزحف بإتجاهها كالتالي :
- صمت لمدة ساعتين او ثلاثة
- بيانات نفي و تأكيدات ميدانية أن الجيش صد هجوم الإرهابيين و كبدهم خسائر فادحة .
- الطائرات السورية تدك معاقل الإرهابيين و تدمر عشرات الآليات أثناء انسحابهم بعد هجومهم الفاشل على جسر الشغور .
- العودة من جديد للصمت .
- نشر أسماء القتلى .
- هجوم على الإعلام الرسمي لإخفائه الحقيقة.
- عودة للصمت .. لتأتي الفرحة عبر المصدر العسكري لـ"سانا" : تم تنفيذ إعادة تجميع للقوات في جسر الشغور في عملية تدرس في المدارس العسكرية العالمية.
- الهجوم على تركيا و قطر و السعودية لدعهم الهائل براً و بحراً و جواً للإرهابيين .
و لكن سيغيب عنصر اليوم و هو تكليف "النمر" باستعادته مافات ، كون النمر بات الفار و الخاسر و المتلقي الأكبر لإسطورته الخلبية .
هذا الإعلام الموالي للإسد ، و لكن هناك ممن يحسب على الثورة أو على الأقل يعتبر نفسه حيادي ، و هو المرصد السوري لحقوق الإنسان ، يطعن بكل الثوار و يصدر تقرير يحمل عنوان "جبهة النصرة تسيطر على جسر الشغور "!!؟
في تصرف اقل ما يوصف بإن المهنية غائبة ، فلا النصرة أعلنت و لا قال احد بأنها الوحيدة أو أنها رأس الحربة أو الفصيل الرئيسي الوحيد في ملاحم الشمال ، إنما العمل جماعي بحت و تحت مسمى "جيش الفتح" ، و على كل بات معروف أحاديث المرصد و سعيه الدائم للإساءة و تقزيم أي انتصار للثوار و ضخ السم بالعسل .
نفق صاحب مقولة "تسقط القرداحة و لا تسقط قرفا" ، فسقط هو و سيتلوه سقوط قرفا و القرداحة أيضاً ، نفق من قال "ستبقى سوريا الأسد " ، نفق دون أن يأخذ معه أي شيء من سرقاته و أمواله ، بل سيكون كفنه مليئاً بأمور كُشف منها الجزء اليسير للعلن و بقي ما خفي "أعظم".
رستم غزالة الذي ولد في درعا عام 1953 ، عُرف عنه جبروته و تسلطه و اجرام منقطع النظير ، تربى و ترعرع في حظيرة الأسد الذي خرجه كقاتل و مفترس لكل من يقترب من اسياده .
تجربة طويلة في لبنان سرقة و نهب و تسلط و قيادة الاحتلال ، قتل لرموز لبنان و كل من يخالف فكر الأسياد ، انسحاب ذليل و تجميد مؤقت ، وعودة بقوة إلى المشهد بعد عام 2012 برئاسة شعبة الأمن السياسي ، التي قاد فرعها في ريف دمشق و أجرم في قمع المظاهرات السلمية و ملئ السجون بالشباب و الرجال و النساء من ريف دمشق ، ليأتي مقتل قيادات الإجرام في تفجير خلية الأزمة عام 2012 كبوابة للعودة إلى الواجهة .
قاد سلسلة عمليات في درعا ، و أراد أن يُعيدها لحظيرة الأسد ، لكن درعا أبت.
ظهوره في تسجيل مصور من قريته "قرفا" و قيامه بحرقه منزله و إطلاقه عبارة "تسقط القرداحة و لا تسقط قرفا" ، أزعجت زملاء الحظيرة ، ليصطدم بشكل مباشر مع رئيس شعبة المخابرات العسكرية ، و يتلقى ما يستحق ، "ضرب الظالمين بالظالمين" ، رمي بالمشفى ، و سعى كُثر لإنقاذ حياته كما قيل ، لكن في الحقيقة أرادوا إنهائه ، فهو عبارة عن كتاب قذر من الجرائم المحلية و القطرية و الدولية ، يجب إنهائه برميه في سلة المهملات .
نفق كما نفق أمثاله .. سينفق البقية .. ولاندري كيف سيكون وضع مزبلة التاريخ على ما ستحتويه من جيف .
في واحدة من أهم إنجازات العميد الشهيد وسام الحسن، تم توقيف السياسي اللبناني التابع لسوريا الأسد وحزب الله ميشال سماحة عام 2012 بتهمة نقل متفجرات من سـوريا وتدبير عمليات اغتيال ضد شخصيات دينية وسياسية منها: مفتي طرابلس الشيخ مالك الشعار، مفتي عكار، النائبان الشماليان خالد الظاهر ومعين المرعبي، والبطريرك الماروني بشارة الراعي خلال زيارته الرعوية لعكار ذات الأغلبية السكانية السنية.
العملية التي نفذها الجهاز الأمني (فرع المعلومات) تمت بمهنية نموذجية ورفيعة نالت إشادة رئيس الجمهورية ميشال سليمان ووزير الداخلية ومروان شربل، في حينه، كما نالت الإشادة العربية والدولية، والأهم من ذلك، أن الأدلة الدامغة، من تسجيلات صوتية ومرئية، والعثور على أموال ومواد متفجرة، لم تترك مجالا لغير الاعتراف بالنسبة لسماحة، فالرجل ضبط متلبسا بتسليم شحنة من الأموال والمتفجرات لأحد العاملين في الشركات الأمنية لتنفيذ العمليات الإرهابية، ومن حسن الحظ أن الرجل المختار للتنفيذ قد أبلغ الجهات الأمنية عن المخطط بالكامل منذ البداية.
ما فعله ميشال سماحة لم يكن من عندياته، هو نفسه اعترف أنه ممثل الضابط السوري الرفيع والمقرب من بشار الأسد، علي مملوك، وبعلم رئيسه. اعترف سماحة بكل ذلك في التحقيقات، ثم عاد واعترف بكل التهم الموجهة إليه في المحكمة.
على الجهات اللبنانية أن تعتبر قضية سماحة بمثابة بلاغ جديد إلى المحكمة الدولية، فالمتفجرات التي هربها سماحة، استخدمت نوعيتها في اغتيالات سابقة بلبنان ضد ساسة ثورة الأرز المؤمنة باستقلال لبنان والمعادية لسوريا الأسد والجمهورية الإسلامية الإيرانية، هذا غير قرائن كثيرة لا يمكن إغفالها، كإتلاف الأدلة في قضية محاولة اغتيال مروان حمادة، إبان الوصاية السورية، وعلاقة تنظيم فتح الإسلام الإرهابي بالمخابرات السورية، وغير ذلك كثير.
ولا نغفل الشهادات الدامغة في المحكمة الدولية، من الرئيس فؤاد السنيورة والوزير مروان حمادة، وهي الشهادات التي تحدثت صراحة عن تهديد صريح من الرئيس البعثي بشار الأسد للرئيس الشهيد رفيق الحريري وللبنان.
لا يوجد أي تناقض بين الاتهام التقني لعناصر من حزب الله، وبين دور سوريا في الاغتيالات والتفجيرات التي استهدفت اللبنانيين قبل نحو عقد من الزمن ولم تتوقف، وفق القاعدة القانونية “مسؤولية المتبوع عن أفعال تابعه”، والإرهاب لن يتوقف حتى تتم محاسبة الإرهابيين، آمرين أو مخططين أو منفذين أو متسترين.
إن قضية سماحة واحدة من الحجج التي يجب أن تخرس كل المطالبين بدعم الأسد بذريعة محاربة الإرهاب، فبشار الأسد هو الإرهابي الأول، تخيلوا الفتنة المسيحية السنية لو نجح مثلا مخطط اغتيال البطريرك في عكار، تأملوا تحقيق ديرشبيغل عن علاقة داعش بالأسد. ولا يحق ﻷحد، بعد اليوم، أن يزعم براءة بشار من أفعال شبيحته، اعتبروا، على الأقل، بما يفعله بالسوريين كل يوم منذ بدأت الثورة عليه. ولا تتوهموا بأن الأسد ليس طائفيا، فالتوجيهات الصادرة من دمشق لميشال سماحة تشدد على عدم الإضرار بالعلويين أو المساس بهم.
بشار الأسد بين نهايتين تليقان به: مدهوسا تحت أقدام الشعب السوري، أو ملعونا خلف قضبان المحكمة الدولية أبد الدهر.
سوريا قلعة الصمود والتصدي في وجه الغزاة والمحتلين للأراضي العربية وكذلك الدولة الممانعة باعتبار أنها تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها المركزية منذ أكثر من أربعة عقود بالتناوب بين الأسد الأب والابن، في حين أنه واقعياً كانت تتخذ من القضية الفلسطينية ستاراً لتمرير مشاريعها الخاصة بعد محاولتها لفت أنظار المواطن العربي بأن النظام السوري هو حامي قضايا العرب إلا إن جاءت محنة مخيم " اليرموك " لتثبت العكس وهو مخيم للاجئين الفلسطينيين يقع على أطراف العاصمة السورية "دمشق " أُنشئ أوائل الستينات من القرن الماضي على مساحة إجمالية تقدر بحوالي 250 كم مربع.
ومع بداية العمليات العسكرية التي نفّذها النظام السوري في قمع المحتجين المطالبين بإسقاط النظام، تحوّل مخيم اليرموك إلى ملاذٍ آمن يقصده السوريون من مناطق مختلفة هرباً من بطش النظام وبراميله المتفجرة مثل نازحي الحجر الأسود وحي التضامن والعسالي نتيجة هدوء المخيم آنذاك من الناحية العسكرية!
وفي منتصف شهر كانون الأول من العام 2012 بدأت حملة عسكرية واسعة على المخيم من قبل النظام السوري بعد تقدم مقاتلي الجيش السوري الحر من الأحياء الجنوبيّة نحو مركز العاصمة، فقصف جامع عبد القادر الحسيني في المخيم والذي كان يؤوي الكثير من النازحين من الأحياء المجاورة بالتزامن مع سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، ثم اندلعت اشتباكات بين طرفي النزاع وهم مقاتلي النظام السوري المدعومة بميليشيات حزب الله اللبناني من جهة والجيش السوري الحر مع بعض العناصر الفلسطينية التي انشقّت عن اللجان الشعبية التابعة لأحمد جبريل من جهةٍ أخرى.
وتلا ذلك، تمركز لدبابات النظام السوري في مدخل المخيم مع بدأ موجة نزوح الأهالي بأعداد هائلة في الوقت الذي فرض فيه النظام السوري طوق حصار محكم على المخيم بالتزامن مع منع وصولات المساعدات إلى المخيم وكذلك المواصلات وسيارات الإسعاف وغيرها، مما نتج عن ذلك ظروف إنسانية غاية الصعوبة.
كما بلغ عدد شهداء الجوع والحصار في المخيم إلى أكثر من مائة وستون شهيداً، القسم الأكبر منهم من النساء والأطفال وكبار السن وعلى الرغم من انسحاب كافة الفصائل المقاتلة من المخيم إلّا إن النظام السوري لم يفك الحصار مدعياَ وجود مقاتلي المعارضة السورية داخل المخيم رغم نفي عدة مجالس ثورية لذلك".
واستمر الوضع الإنساني المتدهور رغم إطلاق الصيحات بوضع حد لتلك المعاناة، إلا أن النظام السوري كعادته لم يلبِّ لذلك مع الأخذ بعين الاعتبار الصيحات التي انطلقت من داخل فلسطين لإنقاذ أبناء جلدتهم بعد كشفهم لأكاذيب النظام السوري على مدار أربعة عقود كما كان يدعي إن القضية الفلسطينية هي المحور الأساس والصراع المبطن مع دولة إسرائيل.
كما طالبت معظم محطات البث الإذاعي في داخل الأراضي المحتلة وضع حدٍّ لمعاناة مخيم اليرموك، حتى طالب بعضهم بحملة جمع تبرعات مالية وعينية كنوع من التضامن مع أهالي المخيم تحت مسميات عدة "هنا مخيم اليرموك" و "أنقذوا مخيم اليرموك" إلا إن كل تلك المحاولات لم تضع حداَ لعناصر نظام السوري وشبيحته غير أن قوات النظام قامت بإطلاق النار على المحاصرين في المخيم بعد محاولتهم الخروج من المخيم، الأمر الذي دفعهم بالعودة إلى بيوتهم وبالتالي لا حياة لمن تنادي .
وفي المحصلة، نجد أن النظام السوري خلال تجارته بالقضية الفلسطينية على مر أربعة عقود وإنها في صراع مع إسرائيل وفي خط المواجهة ضد الإمبريالية والصهيونية العالمية وما إلى ذلك من شعارات فضفاضة كـ " قلعة الصمود " وغيرها، جلب تنظيم الدولة الإسلامية "داعش‘‘ إلى مخيم اليرموك، كنوع من ردِ الفعل نتيجة وقوف أهالي المخيم بجانب الثورة السورية، فهل يا ترى سوف يحرر الأسد فلسطين من داخل المخيم، والكلام الذي يطرح نفسه، تمهّل أيها الأسد، إن قواتك في مخيم اليرموك وليس الجولان !!
على مدى السنوات الأربع الأخيرة، كانت سوريا مسرحا لمعاناة رهيبة وقدر هائل من الوحشية، ولكن الهجوم الأخير الذي شنه مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق كان صادما ومروّعا.
فالاستيلاء على المخيم يجعل ثمانية عشر ألف لاجئ عُرضة لخطر الذبح، وعدم القدرة على الوصول إلى الغذاء والماء والخدمات الحيوية. والظروف هناك -وفقا لتقرير كريستوفر جونيس المتحدث باسم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى- "غير إنسانية على الإطلاق". ويذكرنا الهجوم مرة أخرى بأن العذاب الذي تعيشه سوريا لن ينتهي إلا من خلال العمل الدولي المنسق.
عندما اندلعت الاحتجاجات ضد نظام الرئيس بشار الأسد الاستبدادي عام 2011، لم يكن أحد ليتخيل وقوع الكارثة التي تُلِمّ بسوريا الآن، فقد حصدت الحرب أرواح أكثر من 200 ألف إنسان ودمرت النسيج الاجتماعي والاقتصادي في سوريا.
وقد أدى الصراع إلى فظائع ارتكبتها الأطراف كافة، بما في ذلك عمليات الإعدام الجماعية والاختطاف، والتعذيب، واستخدام الأسلحة الكيميائية، والقصف ببراميل البارود. وقد فر نحو 12 مليون شخص من مساكنهم، وكثيرون غادروا البلاد بالكامل، الأمر الذي يفرض عبئا ثقيلا على الدول المجاورة مثل لبنان والأردن. والآن لم يعد أكثر من ثلاثة ملايين طفل قادرين على الذهاب إلى المدرسة.
كان المجتمع الدولي غير قادر وإلى حد ما غير راغب في وقف الحرب أو إنهاء معاناة سوريا، وكان لي أنا والأمين العام السابق لمنظمة الأمم المتحدة كوفي أنان خبرة مباشرة بهذه الأزمة. فقد حاول كل منا حمل المتقاتلين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وإنهاء القتل، وكان الفشل نصيبنا.
ومن ناحية أخرى، استغرق العالم وقتا طويلا للغاية قبل أن ينتبه إلى الخطر العالمي الذي يفرضه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وسوف يتطلب الأمر ما يزيد كثيرا على حملة القصف المستمرة لإنهاء الفظائع التي ترتكبها هذه الجماعة في سوريا والعراق. وهناك حاجة ماسة إلى حل شامل للصراع. ولكن هذا لن يتسنى إلا إذا عمل اللاعبون الإقليميون الرئيسيون -إيران، والأردن، وقطر، والمملكة العربية السعودية، وتركيا- مع المجتمع الدولي من أجل توليد الإرادة السياسية اللازمة للتحرك. ولكن من المؤسف أن قِلّة من الدلائل تشير إلى أن مثل هذا التعاون قد يحدث في أي وقت قريب.
الواقع أن المسؤولية عن فشلنا الجماعي وتقاعسنا عن العمل لا تقتصر على الدبلوماسيين وصناع السياسات الدوليين، بل إننا نشترك جميعا في هذه المسؤولية. ورغم هذا فإن كثيرين أصبحوا فاقدي الحس وغير مبالين. ومن الأهمية بمكان، مهما كان الموقف في سوريا قاتما ومزعجا، أن نمتنع عن تجاهل الأمر أو السعي إلى قلب الصفحة ببساطة.
ويتجلى هذا بأكبر قدر من الوضوح في المشهد الرهيب لآلاف من اللاجئين السوريين المكدسين على متن قوارب متهالكة، في محاولة لعبور البحر الأبيض المتوسط. في العام الماضي، خسر نحو 4000 رجل وامرأة وطفل حياتهم في هذه المحاولة المحفوفة بالمخاطر للعبور، ولكن هذا لم يمنع آخرين بالآلاف من المخاطرة بالقيام بنفس الرحلة ووضع أرواحهم بين أيدي تجار البشر والعصابات الإجرامية.
وما يعجز المرء عن تصديقه هو أن استجابة الاتحاد الأوروبي لغرق الناس في البحر الأبيض المتوسط كانت خفض الميزانية المخصصة لوحدة الاستجابة البحرية المكلفة بمراقبة معابر اللاجئين وإنقاذ الناجين من السفن الغارقة. وهذا لا يشكل تحديا واضحا للأخلاق فحسب، بل إنه سلوك هدّام أيضا.
لقد أسفر التركيز الحالي على أمن الحدود عن سياسات منقوصة وغير منسقة ورديئة التصميم تجبر المهاجرين على اللجوء إلى قنوات غير شرعية وخطيرة. وبرغم هذا، يبدو أن خوف الحكومات الوطنية في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي من المشاعر المناهضة للمهاجرين بين ناخبيها -أو تقييدها بسبب هذه المشاعر- أشد من أن يسمح لها بإظهار المشاعر الإنسانية المشتركة مع اللاجئين.
في صراع بهذا القدر من المرارة والطول والتعقيد مثل الحرب في سوريا، من السهل للغاية أن نستسلم لليأس حتى إن بعض المذيعين الدوليين وجدوا أن أعداد مشاهديهم تنخفض كثيرا عندما يخوضون في الصراعات. ومن الصعب أن يشعر المواطنون العاديون بالأمل عندما تعجز الحكومات والمؤسسات الدولية عن وقف الحرب وترفض حماية اللاجئين.
ذات يوم، قال الكاتب الفرنسي الجزائري المولد ألبير كامو "في مثل هذا العالم من الصراع والضحايا والجلادين، تصبح مهمة المفكرين العقلاء من البشر أن يمتنعوا تماما عن الوقوف في صف الجلادين". وبهذه الروح أدعو الناس في مختلف أنحاء العالم إلى الضغط على حكوماتهم لحملها على تنفيذ السياسات اللازمة لحماية وإيواء لاجئي الحرب السورية.
إن رعاية أولئك الذين نزحوا بسبب الصراع هو أقل ما يمكننا تقديمه لهم. ومن أجل مصلحة العالم أجمع، لا ينبغي لنا أبدا أن ننسى الشعب السوري.
هل من مستمع أو واعٍ لما يحدث في طهران هذا اليوم ، إن إيران التى تقود الحملة الأوقح في التاريخ الحديث ، و الأقذر عبر التاريخ ، إتجاه الشعب السوري ، تجلس اليوم كوسيط في نقل و تسهيل وصل المساعدات الإنسانية إلى السوريين .
نعم بدأت في طهران سلسلة اجتماعات تجمع وفد من نظام الأسد عبر فيصل المقداد و مندوب سويسرا كممثل عن الدول الأوربية مع حضور لمبعوث عن السويد ، برعاية ايرانية كاملة ، يهدف للوصول إلى صيغة لإيصال المساعدات الإنسانية التي تتكفل بها الدول الأوريبة و قد تكون تلك أيضاً التي تقع على عاتق الأمم المتحدة ، لإيصالها إلى السوريين من خلال نظام الأسد و عبر الوسيط أو الكفيل الإيراني .
التصريحات الإيرانية التي تترافق مع هذا اللقاء تدعو للإشمئزاز و الإستغراب من حجم التواطئ الدولي بحق الشعب السوري الذي بات يتجرع الموت ، كـ"مغناطيس" يجذب إليه كل شكل من أشكال الموت ، دون أن يحرك العالم ساكناً تارةً ، و تارة يلجئ للقاتل ليكافئه .
اليوم عندما يتم الإستعانة بايران كوسيط لهذه العملية التي ظاهرها "إنساني" و أهدافها ، و طبعاً من خلال الراعي الإيراني ، دعم للأسد و لمؤيديه ، و ربما تأخذ نوع جائزة على انجازاته في تنفيذ الخطط الإيرانية و تمهيد الأرضية لدخول إيران و السماح لها بالعبث كيفما تشاء.
المخيف بالأمر أن حجم الأموال المخصصة لسوريا تقدر بالمليارات ، و هي لا تكفي لردم الهوة العملاقة المتولدة عن الحرب التي يشنها الأسد و إيران و مليشاتهما على الشعب ، فكيف يتم تحويل هذه الأموال المخصصة للمشردين و المكلومين و الجوعا و العراة ، إلى من تسبب بكل ذلك .
صحيح أننا ابتلينا بمعارضة غبية و متناحرة ، عجزت عن كسب ثقة أي طرف دولي ، و أقصى ما يمكن الخروج به عبارة عن بيان أو بعض كلمات الشجب و التنديد و الدعوة للرحمة ، لكن هناك نظام عالمي متكامل يتعامل معنا بخباثة و فجور ، أدت لتمادي الأسد في العهر بالقتل .
و لعل الحل الحالي ممن يدعوا الصداقة للشعب السوري ، عرباً كانوا أم عجم ، إيقاف هذا الطريق ،و العمل على إيجاد طريق غير مكافئة القاتل و إعطاءه و موالوه جرعات إضافية للإستمرار في قتلنا و تدميرنا ، و يحرموا المحتاجين من الدعم الذين هم بأمس الحاجة إليه ، ليكونوا بذلك بسبب بتقوية القاتل و زيادة ألم المقتول.
دأب تنظيم الدولة الإسلاميّة على اقتحام المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، وانتزاعها من فصائل المعارضة، واتباعها بدولته المزعومة، بعد تصفية جميع خصومه، بما فيهم الأقرب إليه فكرياً، وإجبارهم على بيعته أو الانسحاب منها، بعد ترك أسلحتهم وعتادهم الثقيل. ما جرى أخيراً في مخيم اليرموك كان مخالفا للتوقعات، فبعد سيطرته على المخيم، وتصفية خصومه هناك، انسحب تنظيم الدولة عائداً إلى مربعه الأمني في حي الحجر الأسود، وسلّم الحواجز والمقرات لجبهة النصرة وحركة أحرار الشام، وهما فصيلان عدوان له، يصنّفهما مرتدين، ويقاتلهما ويفجر مقراتهما في مناطق مختلفة من سورية. الأمر الذي أثار زوبعة من التفسيرات والتحليلات عن مغزى الخطوة وأهدافها، ولا سيما أنها خلطت الأوراق، وتصنيفات الأعداء والأصدقاء، وأفرزت تحالفات جديدة غير مألوفة.
بداية، لا تشكل السيطرة على مخيم اليرموك قيمة مضافة لأي فصيل مسلح، بما فيه تنظيم الدولة، بل تمثل عبئاً ثقيلاً في ظل الحصار المطبق، والأوضاع المزرية التي يعيشها سكان المخيم، السوريون والفلسطينيون. كما أنه، وفي ظل الموازين العسكريّة القائمة، يصعب على أي طرف خرق الستاتيكو العسكري القائم، واتخاذ المخيم قاعدة للانطلاق باتجاه وسط دمشق. عدا عن ذلك، فإن دعاية بعض "شبيحة" الثورة عن أن دخول التنظيم المخيم جاء لقطع الطريق على مصالحة وشيكة تنسجها الفصائل مع النظام، على غرار ما جرى في بعض أحياء جنوب دمشق، واهية. فالمتابع للمصالحات وسيرورتها، يجد أن تنظيم الدولة كان من أبرز عرابيها، ففي يلدا المحاذية للمخيم، رعى أبو صياح فرامة، أمير التنظيم في جنوب دمشق، المصالحة مع النظام، وحافظ على التهدئة، على الرغم من الإخلال ببنودها، واعتقاله عشرات العائلات الخارجة من البلدة.
ولد تنظيم الدولة في الغوطتين وجنوب دمشق غريباً، وبقي غريباً ومعزولاً، وفشل على الرغم من نهج الترغيب والترهيب في جذب الأنصار، أو تجنيد المقاتلين، لأسباب عدة لا يمكن الإحاطة بها في مقال واحد، ولعلّ أبرزها وجود خصوم أقوياء، كجيش الإسلام المتحدّر من السلفية العلمية، والاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، وأنماط التديُّن السائدة في المنطقة التي مثّلت عقبة أمام مسعى التنظيم استمالة شرائح اجتماعية لاحتضان مقاتليه وتبني أفكاره. وبناءً عليه، لم يكن استئصال التنظيم في الغوطتين صعباً، وكذلك الحال في جنوب دمشق، على الرغم من أن التنظيم حقق اختراقات مهمة في هذه المنطقة، واستغل التناقضات بين عشائر الجولان (البحاترة والهوادجة)، للانتشار والتوسّع. لكن تكاتف جيش الإسلام وأجناد الشام مع باقي فصائل الجيش الحر في جنوب دمشق، ساهم في طرد التنظيم من يلدا وببيلا وبيت سحم ومخيم اليرموك والتضامن. ولم يبق للتنظيم بعد توقيعه (12 سبتمبر/ أيلول 2014) هدنة مع الفصائل السابقة، سوى مربع أمني محاصر في الحجر الأسود، ويوجد فيه نحو 300 عنصر.
اقتحم تنظيم الدولة مخيم اليرموك من الحجر الأسود، بتسهيل ودعم من جبهة النصرة التي منعت، بدورها، الفصائل الأخرى من مساندة أكناف بيت المقدس للتصدي له، وهو ما يقود إلى التساؤل الأهم عن مغزى سلوك النصرة التي عانت، قبل غيرها، من اعتداءات تنظيم الدولة في الشمال والشمال الشرقيّ. ويقودنا تقديم إجابة وافية ومنطقية عن التساؤل السابق إلى توسيع الرؤية خارج المخيم، والذي تحوّل إلى ساحة للتنافس والصراع على النفوذ بين القوى المسلحة في محيط دمشق.
"تنبّه جيش الإسلام، مع فصائل أخرى، لإمكانية تكرار سيناريو المخيم في أماكن أخرى، فبدأ حملة واسعة استهدفت خلايا التنظيم في أحياء في دمشق"
في 26 يونيو/ حزيران 2014، أعلن في الغوطة الشرقية عن تأسيس القضاء الموحّد، وضم معظم التشكيلات العسكريّة، بما فيها جبهة النصرة وأحرار الشام، بهدف القضاء على تنظيم الدولة، وإدارة المناطق المحررة وفض النزاعات. لكن القضاء الموحد تحوّل، بعد طرد تنظيم الدولة من الغوطتين، وإضعافه في جنوب دمشق، إلى هيئة حاكمة، تسعى الفصائل، كل على حدة، للاستئثار والتحكّم فيه. وقد نجح زهران علوش، قائد جيش الإسلام، المعروف بنزوعه للقيادة والسلطة، في الهيمنة على القضاء الموحد، وتوجيه مخرجاته بما يعزز من نفوذه وحليفه (الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام)، على حساب فصائل أخرى، كجبهة النصرة، وأحرار الشام تطمح لترسيخ وجودها ونفوذها في منطقة استراتيجية. وبرزت أحداث طارئة، كالمواجهة في بيت سحم بين جبهة النصرة ولواء الأبابيل وشام الرسول، وبين أحرار الشام وفيلق الرحمن، لتعمّق التوتر القائم، وتنذر بمواجهة مسلحة، لا سيما بعد انسحاب النصرة من القضاء الموحد، ورفض الأحرار قراره باعتقال قائدها العسكري، ومساندة زهران علوش الفصائل المناوئة لكل من النصرة والأحرار.
ومع ميل الأحرار إلى تسوية النزاع القائم بطرق سلمية، فإن النصرة اختارت، في ما يبدو، طرقاً أخرى لتحجيم نفوذ جيش الإسلام (العدو اللدود لتنظيم الدولة)، في محيط دمشق، فسهّلت، أو نسّقت، اقتحام التنظيم مخيم اليرموك، والذي يعد خاصرة رخوة لأحياء جنوب دمشق وبلداته، بهدف إيجاد مواجهة مسلحة بين التنظيم والفصائل، تضعف الطرفين، وتستنزف قدراتهم على المدى المتوسط، بينما تقف هي على الحياد، لقطف ثمار التسويات بينهما، وتوسيع نفوذها لتصبح قوة عسكرية قادرة على فرض إرادتها وتوجهاتها. وقد تنبّه جيش الإسلام، مع فصائل أخرى، لإمكانية تكرار سيناريو المخيم في أماكن أخرى، فبدأ حملة واسعة استهدفت خلايا التنظيم في أحياء في دمشق.
في المحصّلة، وقع مخيم اليرموك المنكوب ضحية استهتار الفصائل السورية، ولامسؤوليتها، واندفاعها إلى السلطة، والتفرّد بالحكم في مناطق حوّلتها براميل النظام إلى أنقاض، وشردت سكانها، وحرمت من تبقى منهم من أدنى مقومات الحياة. وبناءً عليه، تقع المسؤولية الأخلاقية على عاتق الفصائل المسلحة، كونها تجاهلت معاناة الأهالي، وركزت على التنافس على كعكة فاسدة، لا تسمن ولا تغني من جوع.
لم تنجح ثورة التغيير، حتى الآن، في إنشاء كيان سياسيّ منظّم يمتلك هوية خاصّة، ويقوم على أساس الفرز المحكم للتوجهات الفكرية التي تكوّن سوريّا. فلم تتمكن التنظيمات السياسية الناتجة بعد الحراك الشعبي، عند الشروع في صناعة ذاتها أو إنشاء علاقات سياسية مع تنظيمات أخرى، أن تفرز الفئات الفكرية التي يتكون منها الواقع السياسي، لتضعها في الخانة المناسبة لها، فوضعت العدو في خانة الصديق، ووضعت الصديق في خانة العدو، ووضعت الحليف في خانة فريقها الذي يتكون منه التنظيم السياسي التابع لها.
تجاوز هذه التنظيمات السياسية مرحلة الفرز الفكري في تنظيم ذاتها لتقفز مباشرة إلى إنشاء علاقات مع التنظيمات السياسية الأخرى، من دون الأخذ أيضا في عين الاعتبار ضرورة فرز التنظيمات التي تتعامل معها بشكل دقيق وخالٍ من المحاباة، جعلها عرضة للتلاشي والذوبان في الكيانات الأخرى.
مشكلة هذا المنهج الحالي لهذه التكتلات السياسية الخالية من التنظيم القائم على أساس فكريّ معيّن، أنّها تذوب كالسكر الأبيض في فناجين قهوة أي تنظيم آخر، ليس لقوته، ولكن لعدم وجود أطر سياسية متناغمة تقود هذه التنظيمات السياسية. ما يعني أنّ العلاقات السياسية التي شرعت التنظيمات لخلقها مع الآخرين لا معنى لها، ولا تعدو كونها مجرد أضغاث أحلام سياسية، وذلك لافتقارها وجود» الأنا الفكري» الخاص بها، لأنّه عندما يريد تنظيم ما مخاطبة تنظيمات سياسية أخرى، لا بدّ لهذا التنظيم كي ينجح، أن يمتلك» الأنا السياسية» الخاصّة به؛ لأنّ مخاطبة أي تنظيم سياسي لا يكون إلّا من خلال تنظيم مقابل، له كيانه الخاص. وضرب الواقع السياسي، الائتلاف الوطني السوري لنا مثلاً، فأحد لا يخفى عليه اليوم، أنّ الهيكلية الميكانيكية لهذا التنظيم السياسي، هي التي تحمل المسؤوليّة الأكبر في فشل قيادة الائتلاف الوطني لمرحلة الثورة، فرغم امتلاك هذا الكيان السياسي للعديد من الشخصيات المخلصة والوطنية التي تسعى لإنقاذ سوريا، إلّا أنّه لم يستطع القيام بمهمته التي يريد، لأنّ المشكلة ليست في الشخصيات التي تكوّن هذا التنظيم السياسي، بل بوجود تكتلات غير متناغمة، بل ومتنافرة يقوم أساس الائتلاف الوطني عليها في تكوينه، أي أن عدم قيام هذا التنظيم السياسي بفرز نفسه بشكل دقيق أثناء تشكيله منذ البداية، جعله غير قادر على أن يتعامل بقوة وفاعلية مع التنظيمات السياسية الأخرى، دولية كانت أو إقليمية أو حتى المحلية منها. وبذلك تحوّل الائتلاف الوطني من خلال صورته التي فطره الغرب عليها وصنعه على عينه، بحجة الدعم السياسي، إلى كيان وظيفيّ يخدم المصالح الميكافيلية – الشخصية – للآخرين من حيث لا يدري البنية الاستقطابية التي فطرت عليها هيكلية الائتلاف الوطني، خدمت من حيث لا تدري مصالح الآخر أكثر من مصالح الثورة، أو حتى مصالح الائتلاف الذاتية، بل جعلت من هذا التنظيم «هولوكوست سياسي» يهدد أفضل الشخصيات الوطنية والسياسية والفكرية من السوريين بالإحراق، ففشل الائتلاف ليس بسبب أشخاصه، بل لأن الاستقطابية السياسية التي يقوم كيانه عليها، جديرة بإفشال أكبر السياسيين في العالم، فحتى لو جاء زعيم السياسة معاوية بن أبي سفيان ووضع مكان الرئيس الحالي، ستكون النتيجة السياسية هي ذاتها، لأنّ المشكلة ليست بأشخاص، ولكن بالأساس الذي يقوم هذا التنظيم عليه.
لم تع التنظيمات السياسية التي تتكلم باسم الشعب السوري حتى الآن، أنّ المرحلة الثورية لا يمكن أن يقودها الجميع، ولا بد لفريق متناغم من قيادتها، والقول بأن الجميع يجب أن يقودوا المرحلة، هو كلام إنشائي لا يقترب من الواقعية، بل هو دفع بالحراك الشعبي نحو الفشل والتشتت واللا قيادة. لذا لا يمكن للائتلاف الوطني اليوم، أن يقود المرحلة، إلا إذا غير تركيبته الائتلافية وجعل من ذاته تكتلاً سياسيّاً يحتوي على أشخاص توافقيين يؤمنون بالتوجه والأهداف ذاتهما، لأنّ التشكيل غير المتناغم داخل الائتلاف حوله لأداة معطِّلة ومُعطَلة، إضافة إلى ذلك عليه كي ينجح في مهامه التي يريد وليس التي تريد – الدول العرابة وذات المصالح الميكافيلية – أن يتقن عملية الفرز في التعامل مع التنظيمات السياسية الأخرى، والقدرة على تصنيفها باحترافية وحيادية مطلقة في الخانات الثلاث (الصديق، العدو، الحليف)، ولا يعني فرز الذات السياسية وتحديد هوية التنظيم ومن ثم السعي لجعلة قائد المرحلة الثورية بالضرورة إلغاء الآخر، لأنّ قيادة المرحلة الثورية هي قيادة مؤقتة، وستكون صناديق الاقتراع القائمة بعد إنهاء الثورة، هي الفيصل الوحيد في اختيار من يحكم وكيف يحكم
إنّ التنظيمات السياسية الوحيدة التي أتقنت لعبة الفرز وتحقيق «الأنا السياسية» في مرحلة الثورة السورية، اقتصرت للأسف على التنظيمات المتطرفة، المتمثلة بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الـ»pyd» وتنظيم «داعش» ونظام الأسد والنظام الإيراني وحزب الله في لبنان، حيث استطاعت هذه الأنظمة عن طريق فرز ذاتها السياسية وتصنيف الآخرين بشكل صحيح بالنسبة لما تسعى له من أهداف، أن تتجنب عملية الاستنزاف الذاتي التي عانى الائتلاف منها طيلة الفترة الماضية، نتيجة احتوائه على كافة التكتلات المتناقضة وغير المتناغمة، خاصة بعد التوسعة السياسية الأخيرة التي تعرّض لها وأعاقت حركته كفريق سياسي موحد قادر على اتخاذ القرارات وقيادة مرحلة الثورة، فعلى سبيل المثال، جعل الائتلاف الوطني بعض الحركات الكردية السياسية جزءاً من فريقه السياسي، في حين اتخذته تلك الحركات – التي نجحت في فرز ذاتها – كحليف ومركوب سياسيّ تحقق من خلاله أجنداتها السياسية الخاصة بها.
في النهاية، إنّ الحديث اليوم عن مؤتمر وطني شامل لقيادة الحراك الشعبي السوري هو مضيعة للوقت، وضرب من الخيال لا يمكن تحقيقه، فلا مكان لأدوات الفرز والتصنيف الفكري والسياسي في مثل هذه المشاريع السياسية على الإطلاق. فالحل لن يكون إلّا بتنظيم سياسي بعيد عن فكرة «الائتلافية»، وقائم على مبادئ وأهداف متفق عليها من قبل أعضاء التنظيم المراد صناعته، وليس ببعيد أن يكون هذا التنظيم السياسي هو الائتلاف الوطني، بشرط تغيير منهجه وبنيته السياسية، وإلا ستقود المرحلة المقبلة تكتلات سياسية وعسكرية منظمة لا تمثل ثورة الشعب السوري لا من قريب ولا من بعيد.