ما البطولة في مهاجمة مخيم جائع وعطش ومحاصر؟ وأي معنى للنصر على الجائعين ودعوتهم إلى التوبة؟ وللتوبة عن ماذا، عن جوعهم؟
لن نجد أحداً يجيب عن هذه الأسئلة، لكنها أسئلة تحمل أقصى السخرية من قاع المرارة الفلسطينية المستمرة في مخيم اليرموك، في ظل المحرقة السورية المستعرة، منذ ما يزيد على أربع سنوات. ولا تفسير لهجوم داعش، أخيراً، على مخيم اليرموك، سوى أن هذا التنظيم، الموغل في دم الناس، يحتاج إلى ادعاء نصر ما في محيط مدينة دمشق التي يتقلص فيها وجوده إلى أماكن محدودة جداً، ومن هذه الأماكن إمارة حي الحجر الأسود على حدود مخيم اليرموك جنوباً. فأبطال الظلام في بحثهم عن انتصار، لم يجدوا سوى الجائعين والمحاصرين لينتصروا عليهم، بوصفهم الطرف الأضعف في المنطقة الجنوبية لمدينة دمشق. وهم يدركون سلفاً سهولة الانتصار على الضحايا المحاصرين الجائعين، الذين تركهم الجميع، بمن فيهم فصائلهم الفلسطينية، في مهب الرياح السورية العاتية والمشتعلة، لتتلاعب بهم كيفما كان، في الوقت التي ترفع فيه منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية شعار "عدم التدخل في الشؤون العربية"، حتى لو كانت الدماء الفلسطينية تسفك في هذا الشأن العربي.
يعيد مخيم اليرموك المحاصر والمجوع من النظام، والمهاجم من داعش، طرح مأساة الفلسطينيين في سورية. فالتجمع الفلسطيني في مخيم اليرموك، منذ بداية الانتفاضة السورية، لم يختر حمل السلاح، بل اختار أن يتضامن مع الضحايا إنسانياً باحتضانهم، فكان المكان الذي استقبل نازحين كثيرين من المناطق المحيطة التي شهدت اشتباكات مسلحة قبل نكبة اليرموك، فكان من الطبيعي أن يتضامن الفلسطينيون الضحايا مع الضحايا السوريين، ويردون لهم جزءاً من ديْنهم لهم، واحتضاناً سابقا في نكبتهم. خصوصاً أن اليرموك عاش، عقوداً، تعايشاً فلسطينياً ـ سورياً منقطع النظير. فالمخيم المعروف بكونه مخيما فلسطينيا، كان أغلب سكانه سوريين، في وقت عاش فيه نحو 150 ألف فلسطيني، كانوا يعيشون بين 500 ألف سوري من سكان المخيم. فهو تأسس مخيماً فلسطينياً، وبقي معروفاً كذلك، لكنه، منذ ثمانينيات القرن، أصبح الفلسطينيون فيه أقلية. في اليرموك، لم يكن هناك تمييز بين فلسطيني وسوري، ولم يحصل أي صدام بين الفلسطينيين والسوريين، على خلفية الانتماءات الوطنية.
لم تكن، في مخيم اليرموك، تستطيع تمييز السوري عن الفلسطيني. طبعاً، هذا لا يعني أنه كان تجمعاً من الملائكة، فهو تجمع سكاني يعاني من مشكلات كثيرة، بحكم الاكتظاظ السكاني، وغيره من المشكلات المعروفة في تجمعات العشوائيات. لكن المقصود، هنا، أن المخيم لم يشهد طوال تاريخية صداماً هوياتيا بين فلسطينيين وسوريين على أي خلفية كانت. وكان التعاطف الفلسطيني مع السوريين في ثورتهم على النظام كبيراً، وصلت عند بعض الفلسطينيين إلى حد الاندماج في الحراك. فالنظام القمع الشمولي في دمشق وحّد الجميع في سياساته القمعية، وزج الجميع في السجون، لم يفرق بين فلسطيني وسوري، وشهد فلسطينيون كثيرون الاعتقال في سجون النظام السوري، قله منهم بسبب انتمائهم إلى المعارضة السورية السرية، وأكثرهم بسبب انتمائهم لفصائل فلسطينية. وكانت أكبر حملة اعتقالات شهدها الفلسطينيون على يد النظام السوري، تلك التي شهدتها التجمعات الفلسطينية بعد الخلاف بين النظام وحركة فتح في العام 1983، وأدت إلى صدام مسلح في البقاع اللبناني ومدينة طرابلس اللبنانية، وأدت إلى خروج فلسطيني آخر من لبنان، بعد أقل من عام من الخروج الفلسطيني من بيروت على يد إسرائيل في 1982. وكانت حصيلة المعتقلين الفلسطيني المتهمين بالانتماء لحركة فتح والقوى الصغيرة الحليفة لها أكثر من خمسة آلاف، أقلهم قضى في السجون السورية خمسة أعوام. وهو رقم كبير إذا عرفنا أن عدد الفلسطينيين في سورية لم يتجاوز في ذلك الوقت 220 ألفاً.
"ليس مع الفلسطينيين في سورية أحد، حتى قياداتهم والمفترض أنها مسؤولة عنهم، تصمت عن قتلهم اليومي"
المخزي فلسطينيا في الموقف من مأساة المخيم أن القوى الفلسطينية، وفي مقدمتها منظمة التحرير والسلطة وحركة فتح، وعلى الرغم من شعارات "عدم التدخل في الشؤون الداخلية العربية" فهم عملياً يقفون إلى جانب النظام في حربه على السوريين والفلسطينيين السوريين، فهم، ببساطة، يتبنون رواية النظام عن المؤامرة والإرهاب وعما يجري في سورية. وفي المقابل، لم يقوموا بأي فعل جدي من أجل حماية الفلسطينيين في سورية، أو في مخيم اليرموك الذي يعاني من نكبة مستمرة منذ نهاية العام 2012. فهم يتضامنون مع المخيم وكأن ما يجري، لا يجري لفلسطينيين هم المسؤولون عنهم، بل كأنهم يتضامنون مع فيضان في الهند، يرسلون طروداً غذائية، وكفى المؤمنون شر القتال. والمفارقة الساخرة الحمقاء أنهم يحتفلون مع رجال النظام بذكرى انطلاقة حركة فتح، ويقطعون قالب كاتو على شكل علم فلسطين. يقطعون علم فلسطين، لك أن تتخيل رمزية المشهد.
يقول الدرس المتكرر/ الجديد، اليوم، إن الفلسطينيين، مرة أخرى، في العراء تنهشهم الذئاب من كل جانب. هذه المرة أقسى من كل مرة، ففي المرات السابقة التي نهشت الذئاب الفلسطينيين كانت القيادة الفلسطينية معهم، أو على الأقل جزء منها كان يصرخ أن هناك فلسطينيون يذبحون. اليوم، ليس مع الفلسطينيين في سورية أحد، حتى قياداتهم والمفترض أنها مسؤولة عنهم، تصمت عن قتلهم اليومي، بالقصف والجوع والاعتقال، اليوم بهجوم داعش الظلامي.
ليس للفلسطينيين أحد، آه "يا وحدنا" في مثل هذه اللحظات القاسية والمؤلمة، نفتقد رجلاً اختلفنا معه، كان فيه كل العيوب، لكنه ما كان ليصمت على آلام شعبه، اليوم نفتقد ياسر عرفات.
أتت عاصفة الحزم بعد طلب من الرئيس الشرعي هادي، أي وبعبارة أخرى لا يحتاج الأمر لقرار من مجلس الأمن. فالتدخّل العسكري في سوريا إذاً ليس مستحيلاً، ولا يتطلّب أكثر من الإعتراف بالإئتلاف الوطني كممثّل شرعي للشعب السوري ثمّ أخذ تفويض التدخل منه، وهذا طبعاً بعد موافقة الأمريكيين.
ليست المرّة الأولى التي تتحرّك فيها السعودية لحماية محيطها الحيوي، فقد تدّخلت في البحرين عام 2011عبر قوات درع الجزيرة. ثمّ صبرت كثيراً على ما كان يجري في اليمن، حتى غلب اليقين بعدم جدّية تهديدات وزير خارجيتها خلال إستضافته لنظيره البريطاني مؤخّراً. ليأتي الإعلان عن بدء عاصفة الحزم من واشنطن ويسكت الجميع، فإقتصر الردّ الإيراني على العبارات الدبلوماسية، واستحقت روسيا لقب الرجل المريض؛ يسكتها الأمر الواقع، ولا تملك أكثر من قضم قطع صغيرة من الدول الخارجة من بيت طاعتها، وهو ما يكلّفها أكثر بكثير مما يعود عليها.
لن تستطيع إيران توفير التسليح اللازم لإستمرار سيطرة الحوثيين على مواقعهم، وذلك لأسباب لوجسيتية. كما لم تكن سندهم الرئيسي منذ البداية؛ الأمر الذي تكفّت به قوات الجيش اليمني الموالية للمخلوع علي عبد الله صالح، التي إنسحبت من معسكراتها تاركة عتادها لهم، ثمّ قاتلت وسيطرت على عدد من المدن تحت غطاء الحوثيين.
لم تتحرّك السعودية لحماية الشعب اليمني من إرهاب الحوثيين وصالح. بل تحرّكت لمنع تمدّد الحريق الفارسي ووصوله إلى مضاربها. أياً كانت النوايا فإنّ خطوتها تلك في محلّها، وستقطع أيدي إيران وتكبح جماحها في اليمن. لكن بإعلان السعوديين أنّ الحملة ستستمر حتى يتمّ ردع الحوثيين، وبأخذ الواقع اليمني بعين الإعتبار، إذ لم يعد فيه جيش وطني قادر على إستلام زمام الأمور. بل ربما يتطلّب تأسيس جيش جديد عدة سنوات، فإنّ الحملة بشكلها الحالي المقتصر فقط على الضربات الجوية دون تدخل بري، سوف يعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل وقت قريب، أي حالة من تقاسم عدد من الفرقاء للسلطة والأدوار والدخول في حالة مشابهة للحالة اللبنانية وإستمرار المراوحة في وضعية ما قبل الدولة. وبالتالي الحصول على نتائج بعيدة عن أماني الشعب اليمني.
منذ البداية لم تكن طلبات السعودية تعجيزية، بل حذّرت فقط من التوجه إلى عدن ودعت إلى التفاوض، لم يصغِ الحوثيون وصالح الذي يريد اليمن كاملة غير منقوصة له ولعائلته، حتى لو كلّفه الأمر رهن اليمن لإيران، فلم يبق أمام السعودية إلا العمل العسكري.
على بعد آلاف الأميال يعاني الأمريكيون من الشيزوفرينيا، فيسمحون بقطع أيادي إيران في اليمن. في نفس الوقت الذي يطلقون أيديها في سوريا والعراق ويسلّمونها قيادة الحرب على داعش فيه.
تعثّرت عملية إقتحام مدينة تكريت وتوقفت لحوالي الشهر، بسبب توقف الإسناد الجوي. ثمّ إستؤنفت الضربات الجوية عليها بالتزامن مع بدء عاصفة الحزم، والذي أتى عقب تراجع مليشيات الحشد الشعبي وإستلام قيادة الجيش العراقي للعملية، وهذا ما إشترطه الأمريكيون لإستئناف الغارات ضدّ داعش، حسب قائد القيادة الوسطى للجيش الأمريكي. فهل حدث ذلك بالإتفاق مع عشائر سنية عراقية، خوفاً من تكرار جرائم مليشيات الحشد الشعبي، في مدينة تحمل رمزية كبيرة لدى سنّة العراق؟ أم كان توقفها ثمّ استمرارها بالإتفاق مع السعودية التي سمحت بإقتحام تلك المدينة السنّية بعد حصولها على موافقة بعمل عسكري في اليمن.
لا يدعو قرار تشكيل قوات عربية مشتركة للتفاؤل، وذلك بسبب طبيعة الأنظمة الحاكمة حالياً. فهل تستطيع هذه القوات التحرّك لحماية الشعب السوري من إرهاب نظام الأسد وإيران؟ وهل ستقوم بحماية سنّة العراق من إرهاب إيران ونظام العبادي الذي ورث كلّ ممارسات المالكي؟ وهل تستطيع التفكير بعمل شيء تجاه الإرهاب الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني؟ الذي يبقى الأكثر خبرة بما يسمى العمل العربي المشترك أو بالأحرى عمل الأنظمة العربية المشترك؛ وهو ما كلّف الأمة خسارة فلسطين بعد حرب 1948. على العكس ربما تكون هذه القوة نقمة، فلن تتحرّك على الأرجح إلا ضمن نطاق موضة محاربة الإرهاب القديمة الجديدة. وطبعاً يبقى تعريف هذا المصطلح فضفاضاً لأبعد الحدود؛ فقد تذرّع به أحد أزلام الحوثي لتبرير قصفهم للقصر الرئاسي في عدن. وهذا هو نفس منطق باقي الأنظمة العربية، التي تفصّل كلّ شيء على مقاسها. سيكون أول برهان على مصداقية القوات العربية المشتركة إستخدامها لعمل شيء في سوريا، فمن الناحية النظرية يمكن توسيع عاصفة الحزم لتشمل سوريا. الشعب العربي عاطفي بطبيعته، وفي هذا الظرف بالذات؛ حيث ينزف الملايين ويعانون من أشدّ درجات القهر، في وقت تملك بلادهم إمكانات إقتصادية وقدرات عسكرية هائلة، لكنّها لا تزال معطّلة. لذلك شعر الكثيرون بشيء إستثنائي إثر عاصفة الحزم التي تبدو خطوة نحو عمل عربي مشترك. لكن من قتل الآلاف في ميداني رابعة والنهضة، ويصمت عن قصة الموت المعلن التي يعيشها يومياً ملايين السوريين والعراقيين. لا يمكن أن يكون على قدر تلك المشاعر والأحلام. لا تتحرّك تلك الأنظمة إلا لحماية عروشها.
السعودية حصلت على ضوء أخضر أمريكي للتدخل في اليمن، كجائزة ترضية بعد التقارب الأمريكي الإيراني وقبل الإعلان عن إتفاقية حول البرنامج النووي الإيراني لكنّها لا تملك الكثير خارج اليمن.
الضربات الجوية غير ناجعة ما لم يرافقها تحرك عسكري على الأرض، يستعيد السيطرة على صنعاء وباقي المناطق التي إحتلّها الحوثيون وحليفهم صالح. وهذا ما قد تقوم به قوات موالية للرئيس هادي. ثمّ يعود الحوثيون إلى جبالهم، ويبقى مصير صالح غامضاً نوعاً ما. لن تحلّ كلّ مشاكل اليمن ويعود سعيداً، ما لم يحدث تدخل عسكري بري ينزع سلاح الحوثيين وأنصار صالح، ويحصر على الأقل الثقيل منه بيد الجيش، الأمر الذي يتطلّب تأسيس جيش وطني جديد وهذا ما يبدو بعيد المنال خلال المدى المنظور، لذلك قد يعاني اليمن من الفوضى لفترة ليست قليلة.
أعلنت فصائل “جيش الفتح” يوم 28 آذار الراهن بسط سيطرتها على مركز مدينة إدلب، بعد قرابة ثلاثة أيام من إعلان “جيش الفتح” بدء المعركة يوم 24 آذار الراهن، كانت هذه المعركة السريعة أول معركة معلنة تقوم بها الفصائل المقاتلة لنظام الأسد منذ وقت طويل، كانت التحشيدات واضحة حول المدينة قبل بدء المعركة بأكثر من أسبوعين، وسحب النظام مؤسساته وموظفيه من المدينة إلى بلدة “جسر الشغور” المجاورة للمدينة قبل وقت مشابه، وكان الجميع ينتظر بدء هذه المعركة “السرية”.
يعتبر هذا “الانتصار” هو الأول بهذا الحجم الرمزي والإعلامي بعد مرحلة طويلة تراجعت فيها إنجازات وسيطرة الثوار أمام تنظيم الدولة أو نظام الأسد والميليشيات الشيعية في الشمال السوري، و في مقابل هذا الانتصار المعنوي الكبير، ينبغي الوقوف على الأبعاد الأكثر عمقاً –وتأثيراً- للمعركة على المدى الأبعد، على المستوى العسكري الميداني، أو على المستوى السياسي الدولي، أو حتى على المستوى الاجتماعي والإنساني، والتي قد تحتاج وقفة أهدأ –رغم صوت المعركة العالي- لتقييم مدى هذا الإنجاز وأطر الاستفادة منه.
خلل الأولويات العسكرية في الشمال السوري
أعلن عن تشكيل جيش الفتح ليكون الواجهة العسكرية والإعلامية للفصائل المشاركة في معركة إدلب، ورغم كلمة “الجيش” ذات الدلالة العسكرية المباشرة، إلا أن التسمية تحيل إلى غرفة عمليات وتنسيق يخص المعركة أكثر مما هو فصيل أو تحالف دائم.
يضم جيش الفتح هذه التشكيلات مرتبة بشكل تقريبي حسب العدد والقوة المشاركة فيه:
- حركة أحرار الشام: التي مثلت بفصيلين هما أحرار الشام وصقور الشام الذين اندمجوا بالحركة، وحملت الحركة العبء الأكبر في المعركة باستلامها الجهة الشرقية الأكثر تعزيزاً للمدينة، ومشاركتها في الجهات الأخرى.
–جبهة النصرة: التي يبدو أنها كانت أول من طرح فكرة المعركة.
–جند الأقصى: وهو فصيل سلفي جهادي يغلب عليه المهاجرون ولم يشترك في القتال ضد داعش، وهو أكثر تشدداً في فكره وعلاقته مع الفصائل والمجتمع المحلي من جبهة النصرة، وقد اشترك في هذه المعركة بعناصره وبكتائب محلية دخلت المعركة ببيعة قتال مؤقتة تحت اسمه بسبب شروط الدخول إلى جيش الفتح والتي تتضمن توفر السلاح الثقيل، الشرط الذي استفاد منه الجند بعد الاستيلاء –مع جبهة النصرة- على أسلحة حركة حزم في خان السبل والفوج 46 في آذار 2015م.
–فيلق الشام: وهو أكبر فصائل الجيش الحر التي تمثل مدرسة الإخوان المسلمين، وقد ورث معظم فصائل هيئة حماية المدنيين، والغالب على وجوده في ريف إدلب وريف حماة.
–أجناد الشام: بقيادة أبو حمزة الحموي، وكان للأجناد مشاركة قوية في معارك ريف حماة.
–جيش السنة: بقيادة أبو عبيدة الحموي الذي كان أحد قيادات الأحرار وانفصل عنهم قبل قرابة شهر فقط من المعركة، ويغلب على الفصيل أبناء حمص ثم حماة.
–لواء الحق: فصيل محلي من أبناء ريف إدلب وبلدة تفتناز لم يشارك في قتال داعش واشترك وقتها مع جند الأقصى ولواء عمر ولواء داود في “تحالف المهاجرين والأنصار” في كانون الثاني 2014م، ولكن لا يمكن القول إنه تنظيم سلفي جهادي.
ويمكننا الكلام هنا بالنسبة للجيش ولفهم خطابه أو صراعاته اللاحقة الممكنة عن وجود تكتلين كبيرين: الكتلة الثورية الإسلامية التي يمثلها أحرار الشام وفيلق الشام، والكتلة السلفية الجهادية التي يمثلها جبهة النصرة وجند الأقصى، والفصائل الأصغر متوزعة بين الجانبين.
سيطر الثوار على معظم مساحة ريف إدلب منذ بدايات 2013م، خاصة في الريف الشرقي والشمالي والجنوبي، في المناطق التي تمثل امتداداً لريف حلب وريف حماة الشمالي، بينما تمركز النظام بقوة في “أريحا” وجسر الشغور” غرب المدينة واللتان تشكلان الامتداد والإمداد نحو الساحل أولاً ثم حماة، وكانت القطع العسكرية الأهم التي بقيت ضمن أو على حدود هذه المنطقة المحررة حتى ما قبل السيطرة على المدينة: معسكر المسطومة، معمل القرميد، بلدتا كفريا والفوعة، جبل الأربعين (الذي يحمي طريق أريحا)، وبالطبع جسر الشغور وأريحا.
في نهايات كانون الثاني 2015م، أعلنت ألوية صقور الشام معركة شبه منفردة، لتحرير جبل الأربعين، لم تلبث أن توقفت بعد أيام دون أن تحقق أهدافها، وكانت هناك محاولة مصغرة من جبهة النصرة لعملية انغماسية ضمن معسكر المسطومة الذي قامت ضده أكثر من معركة لم تنجح، أما كفريا والفوعة حيث الخزان البشري للميليشيات الشيعية المحلية فهما مصدر للقصف المستمر (والمتبادل) مع قوات الثوار، إضافة لحمايتهما ظهر المدينة وطريق الساحل (سابقاً)، وبالنسبة لجبهة أريحا – جسر الشغور فإن أهميتها استراتيجية بالنسبة لجبهة الساحل ومحور (إدلب-حماة-الساحل).
تقع المدينة في امتداد المساحة الجغرافية الواسعة التي يسيطر عليها الثوار، ولكنها أيضاً في قلب هذه المعسكرات وعلى حواف طرق إمداد النظام من حماة والساحل وإليهما.
إن أخذنا الجبهة الشمالية بالعموم، فمن الملاحظ ضعف الخطوط –والخطط- الدفاعية للثوار أمام تمدد النظام في خطة دبيب النمل التي تهدف لتطويق حلب وقطع الطريق ما بين المدينة والريف الشمالي، بلغت هذه الخطة آخر إنجازاتها بالسيطرة على “باشكوي” في ريف حلب الشمالي منذ 17 شباط الراهن، وباستعادة حندرات بعد أيام من سيطرة الثوار عليها الشهر السابق، هذا بعد استنزاف طويل لمقاتلي الثوار على هذه الجبهات طيلة سنة ونصف، ومقتل أعداد هائلة فيها من الجانبين، دون تحقق إنجاز عسكري مضاد من قبل الثوار، أو فتح طريق بديل، ما يجعل أكبر ثقل للثورة في الشمال السوري (مدينة حلب) معرّضاً لتهديد دائم ومستنزفاً في خطوط الرباط الطويلة، رغم تأمين عمقه الاستراتيجي في ريف حلب وريف إدلب.
انقلاب “المعتاد العسكري” هذا المتمثل بقلب مهدد وأطراف آمنة، لا يبدو أنه سيتحسن عسكرياً بفتح “قلب” آخر في مدينة إدلب.
على جبهة حماة المقابلة، التي تبدو أكثر اتصالاً بجبهة إدلب وريف حلب الجنوبي، وتشكل معها محور العمق والحماية لطرق الإمداد لجبهة الساحل ولقوات النظام في حلب أيضاً، فلم يحصل تقدم مفصلي بعد انهيار جبهات الثوار بعد انسحاب جبهة النصرة من محردة الذي تلاه انسحاب كافة الفصائل من معظم المواقع التي تقدمت فيها في ريف حماة الشمالي، منذ أيلول 2014م، وكانت الخسارة الاستراتيجية الأكبر سقوط مورك التي تقع على طريق الإمداد نحو حلب في 23 تشرين أول 2014م، ويتمركز تنظيم الدولة في بادية حماة من الجهة الشرقية ويهاجم باستمرار طريق السلمية – أثريا، ويشكل بؤرة تهديد للثوار هناك مع طرق إمداده المؤمنة من دير الزور عبر البادية.
أما بالنسبة لخارطة الفصائل فلم يقتصر التراجع على التقلص العددي بإصابات الحرب، وإنما اختفت سبع فصائل بأكملها من جبهات ريف إدلب وريف حماة بعدما فككتها جبهة النصرة خلال الأشهر السابقة بعد إعلان مشروع الإمارة الذي تلته السيطرة على جزء كبير من ريف إدلب خاصة الشريط الحدودي مع تركيا وجبل الزاوية، الأمر (المقصود انتهاء هذه الفصائل) الذي قد تظهر تبعاته فيما لو فتح النظام جبهة ريف حماة من جديد (كان لحركة حزم بالذات دور مهم في جبهة مورك)، عدا عن زرعه نزعة من الاحتقان والشك المستمر ما بين جبهة النصرة والفصائل الأخرى، وتتجه خارطة الفصائل في الشمال السوري لتكون أكثر وضوحاً ببقاء التشكيلات الكبيرة (أحرار الشام، الجبهة الشامية، جبهة النصرة) واتجاه الفصائل الأصغر إلى الاندماج في أجساد كبرى خوفاً من أن يتم ابتلاعها أيضاً، هذا لا ينفي وجود اضطرابات داخلية ضمن هذه الأجساد الكبيرة نفسها.
على مستوى الأولويات، تبدو أولوية النظام في الشمال السوري السيطرة على طرق الإمداد والحفاظ على القطع العسكرية التي تقصف المناطق المحررة أما كمناطق جغرافية فأولويته الساحل والبلدات الشيعية في ريف حلب وإدلب، بينما أولوية تنظيم الدولة فهي تأمين مناطق سيطرته والتوسع على المواقع النفطية وتأمين طرق إمداد إضافية لسيطرته الاستراتيجية على البادية التي تؤمن له طرق إمداد خلفية وامتداداً شاسعاً بين الجبهات الشرقية والشمالية والوسطى والجنوبية، ما يقطع الاتصال الجغرافي لمناطق الثوار، أما أولوية الثوار فلا يظهر وجود استراتيجية عسكرية شاملة للشمال السوري وتكاد تقتصر المحاولات على الحفاظ على المناطق التي يسيطرون عليها في حلب وإدلب والتوسع “جغرافيّاً” قبل السيطرة على القطع العسكرية وطرق الإمداد المحيطة بها الجغرافيا، ومن الواضح أن استثمار الموارد المحدودة والمتناقصة -البشرية والمادية- للفصائل لم يستغل في المكاسب العسكرية الأكثر أهمية والأقل خسائر.
تعتبر السيطرة على مدينة إدلب إنجازاً مهمّاً ولكن يبقى ناقصاً دون العمل على القطع العسكرية المحيطة بها (خاصة المسطومة) واستكمال المعركة في محور جسر الشغور – أريحا، حتى لو كانت بقطع طرق الإمداد دون السيطرة على المدن، لأن البقاء على المدينة وحدها سيمثل استنزافاً للمقاتلين في نقاط رباط إضافية، مع استمرار الضغط في المقابل على جبهات حلب التي كان يغطيها مئات من هؤلاء المقاتلين.
وعلى المدى البعيد، فإن العمل على محاور جسر الشغور- أريحا في ريف إدلب، و مورك في ريف حماة، ومعامل الدفاع في ريف حلب الجنوبي يمكن أن يقدم إنجازاً عسكرياً استراتيجيا للشمال السوري.
رايات ضد السياسة
لم يكن خافياً على من خططوا للمعركة من الفصائل الثورية أن الهدف منها سياسي أكثر منه عسكريًّا، عبر انتزاع ثاني مركز محافظة بشكل كامل من قبضة النظام بعد الرقة (شباط 2013م)، ليكون مركز المدينة الوحيد الذي يسيطر عليه الثوار في الشمال السوري (وفي سوريا عامة)، باعتبار أن مدينة حلب مقسمة بين الثوار والنظام، وإن كانت مساحة الجزء المحرر من مدينة حلب أكبر من مدينة إدلب.
ولكن هذا النصر الإعلامي الكبير الذي تحقق بسيطرة “جيش الفتح” على مدينة إدلب، والذي لم يحرز إنجازاً عسكرياً ضخماً، بقدر ما أريد أن يترجم كإنجاز ومكاسب سياسية ممكنة جداً، ولكن هذا الإمكان يواجه عوائق عدة، أو بالأحرى فإن استفادة الفصائل الثورية من هذا الإنجاز هي التي تواجه عوائق عدة، والجزء الأكبر من التحدي السياسي هنا إعلامي بالدرجة الأولى، ولذلك سنحلل الصورة الإعلامية التي انتشرت عن المعركة.
في 24 آذار الراهن انتشر خبر إعلان جيش الفتح بدء معركة إدلب على الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بهذه الصيغة:
“توحد الفصائل الجهادية في الشمال السوري في جيش الفتح وإعلان بدء معركة إدلب”.
وبطبيعة الحال فحتى دون نقل الخبر كاتحاد واندماج فإن اسم “الجيش” لا يوحي بغير ذلك، وهو اتحاد الفصائل ذات المشروع الثوري والإسلامي المحلي (أحرار الشام وفيلق الشام) مع تنظيمات سلفية جهادية معولمة ومصنفة على لائحة الإرهاب (جبهة النصرة وجند الأقصى) ضمن فصيل واحد، الأمر الذي لم يحصل بطبيعة الحال; باعتبار أن “جيش الفتح” هو مسمى لغرفة عمليات المعركة، ولكنه دال لا يحيل إلى مدلوله الدقيق، وطيلة الأيام اللاحقة حاول الناطقون باسم أحرار الشام والفصائل المشاركة استدراك هذا الخطأ اللغوي (والسياسي) بتوضيح أن “جيش الفتح” هو “غرفة عمليات جيش الفتح”، الأمر الذي نفاه الحساب الرسمي لجيش الفتح نفسه على تويتر عبر تغريدة كان نصها:
”جيش الفتح لم يكن غرفة عمليات مؤقتة هو جيش حقيقي رجاله من خيرة الرجال وقادته من خيرة القادة وسيواصل فتوحاته قريباً بإذن الله”.
بينما كان يمكن تجنب هذا الأمر وتبعاته الواضحة باختيار اسم أكثر دلالة على التنسيق لا على الاندماج.
وبعد السيطرة على المدينة استعادت “تصريحات ما بعد التحرير” صورة الجيش كمشروع مستمر إلى “دمشق”، ما ألغى أيضاً تأثير التوضيح أنها غرفة عمليات للتنسيق وحسب.
لم يقتصر الأمر على الأسماء بطبيعة الحال وإنما يمتد إلى الأرض، كان الاتفاق ضمن غرفة عمليات جيش الفتح على ألا تظهر الفصائلية في المدينة بعد التحرير، وتكون راية جيش الفتح فقط هي الممثلة للعمل، ولكن ما ظهر وانتشر على الإعلام العالمي هو أعلام جبهة النصرة فوق جميع معالم المدينة، الأمر الذي أذاع صورة أن تنظيم القاعدة يسيطر على المدينة، بينما لم تظهر أعلام الثورة السورية إلا في بضع صور شخصية كانت واحدة منها فقط من فصيل مشارك في المعركة وهي للقائد العسكري لفيلق الشام الرائد ياسر عبدالرحيم.
وبالنسبة لبيان التحرير فإن البيان الذي انتشر عن تحرير المدينة كان لقاء مصوراً مع الشيخ السعودي الشاب د.عبدالله المحيسني، والذي قدّم خطاباً إيجابيّاً ومتزناً واعتبر أن أبناء إدلب هم من حرروا إدلب، ولكن هذا الخطاب بطبيعة الحال لم يصدر من أحد القيادات المحسوبة على الثورة السورية، وإنما على “الجهاد العالمي”.
هذا الغياب لحضور خطاب الثورة السورية أو أعلامها في التحرير، رغم أن العبء الأكبر من المعركة تحملته الفصائل الثورية، حاولت أجهزة المعارضة السياسية أن تملأه بتصريحاتها عن دخول مدينة إدلب ونقل مؤسساتها هناك لإدارة المدينة وتخديمها، ولكن موجة التصريح المضاد من الكتلة السلفية الجهادية عن أن الائتلاف لن يدخل إدلب بل ستُحكم بشرع الله، وعدم توضيح الكتلة الثورية الإسلامية في جيش الفتح موقفها من هذه التصريحات، زاد من هيمنة الصورة الإعلامية عن أن تنظيم القاعدة هو من يحكم إدلب، وليس “الثورة السورية”، قد يكون ثمة تداخل ميداني وتنظيمي وحتى فكري بين المفهومين، لكنهما أمام العالَم السياسي مشروعان منفصلان.
دوليّاً، أصبح الواقع الإقليمي بعد عاصفة الحزم مفتوحاً على احتمالات التدخل في سوريا أو تغيير المعادلة على الأقلّ، كان يمكن لمعركة إدلب أن تعيد التذكير بالثورة السورية كمشروع يمتلك مدناً ويثبت نفسه كبديل وشريك في تغيير الوضع السوري، ولكن هذ المشروع بقي دالاً دون مدلول واضح، فلم يتمثل في جسد سياسي ولا جسد عسكري متفق عليه وقادر على التفاوض واتخاذ القرار، لا على المستوى السوري الوطني وحسب بل حتى في الشمال السوري وحده، ولم تمثل الفصائل الثورية الكبيرة (مثل أحرار الشام) مشاريع قادرة على ضبط الجغرافيا والحرب وحدها حتى تدخل في اتفاقيات الدول وتستفيد – إلى حد جذري – من تغير المعادلات الإقليمية، ولم تقدم نفسها كممثل للثورة السورية ولا رفعت علم الثورة في أماكن سيطرتها، بقدر ما حاولت التركيز على هويتها الخاصة المتداخلة بين الثورية والجهادية، نتيجة المزايدات السلفية الجهادية التي اخترقت الفضاء السوري الثوري العام وهيمنتْ عليه.
هذا كله جعل المكسب السياسي الممكن من هذا الإنجاز العسكري غير المكتمل، يضيع في المنطقة الضبابية التي وضعت الفصائل الثورية نفسها فيها، نتيجة عدم التوحد على تمثيل مشروع الثورة السورية حتى عبر الشعارات والأعلام، وليس عبر مؤسسات عسكرية وسياسية، ضياع المكسب السياسي هذا قد يُضاف لاستفادة جبهة النصرة من المعركة، رغم الإعلان المتكرر عن أنها لن تعلن قيام الإمارة بعد تحرير إدلب.
يبقى التحدي الأخير هنا هو عبء إدارة المدينة لمن سيتبقى فيها بعد موجة النزوح الكبيرة التي تلت سيطرة جيش الفتح عليها، والذي يمكن به تدارك الصورة الإعلامية التي يروجها إعلام النظام السوري عن المناطق التي ينسحب منها، باعتبارها مناطق لحكم القاعدة وللنهب الفوضى، ويمكن به أيضاً تعديل الصورة التي انتشرت للعالم كذلك عن المدينة وإثبات وجود بديل مؤهل في المناطق المحررة، وهذا ما استطاع “جيش الفتح” إثبات قدرة انضباطية عالية فيه حتى الآن مقارنة بعمليات تحرير المدن السابقة، رغم بعض التجاوزات، ولكن يبقى الرهان معلّقاً حتى ضبط الأمن في المدينة، خاصة بالنسبة للمسيحيين، وعدم اتخاذ مؤسسات المدينة كمقرات للفصائل، ما سيلغي فوراً ميزتها كمدينة ذات مؤسسات، ولا يبدو أن لدى الفصائل قدرة مالية أو إدارية على تحمل هذا العبء دون وجود هيئات مدنية ومحلية توكل إليها مهمة إدارة المدينة (وهذا ما أعلنت عنه حركة أحرار الشام في الدعوة لإدارة مدنية بحماية عسكرية للمدينة)، وهو ما يمكن أن يجنّب المدينة صراعات النفوذ والأيديولوجيا بين الفصائل العسكرية، إضافة إلى أنه يتيح للفصائل العسكرية التفرغ لاستكمال هذا الإنجاز العسكري المهدد، هذا ما يجعلنا نتوقع أن رفض عرض الحكومة المؤقتة ليس أمراً محسوماً بعد.
خلاصة
لا شك أن السيطرة على مدينة إدلب تمثل انتصاراً معنويّاً مهمّاً للثوار السوريين، وتقدير نتائج هذا الإنجاز عسكريا وسياسيا، يضعنا أمام تحديات عسكرية لا بد من حسمها لاستكمال هذا الإنجاز، أولاً بتأمين هذا القلب من القطع العسكرية المحيطة به (المسطومة ومعمل القرميد) وثانياً بالعمل على محور (جسر الشغور – أريحا) الذي يهدد جبهة إدلب باستمرار ويحمي النظام في الساحل، والعمل ضمن خطة استراتيجية عسكرية للشمال السوري تقطع طرق إمداد النظام بين حلب وحماة والساحل وتحقق اتصالاً جغرافيا مؤمّناً بين مناطق سيطرة الثوار.
أما سياسياً، فرغم إمكانات الاستفادة الكبيرة من هذا الحدث مع التغيرات الإقليمية، إلا أن عدم وجود جسد سياسي وعسكري متفق عليه يمثل الثورة السورية، وعدم إجماع الفصائل المشاركة على تقديم نفسها كممثل عن الثورة السورية، وانتشار صور “سوداء” عن السلطة المسيطرة في المدينة، يحرم الثوار السوريين -وهذه الفصائل نفسها- من الاستفادة السياسية الكاملة من الحدث، عدا عن أن الإعلان عن “جيش الفتح” له عواقب سلبية على الفصائل المشاركة قد لا تكون ظهرت الآن بعد.
ويبقى العبء المدني، سواء بإدارة المدينة، أو إغاثة النازحين الذين يعدّون بعشرات الآلاف منها، هو الرهان الأصعب بالنسبة للفصائل العسكرية إن لم تقم بالأمر هيئة مدنية محلية تمنع تحويل المدينة إلى ساحة صراع على النفوذ والأيديولوجيا بين الفصائل، وتوفر على الفصائل احتمال الفشل في الإدارة المدنية الذي تكرر من قبل في أماكن أخرى.
تطرح عملية تحرير إدلب في شمال سوريا وبصرى الشام في الجنوب، السؤال عن مآل المنطقتين، وعن ماهية القوى التي ستحكمهما، وتتحكم بأهلها في المستقبل. وهذه بين أسئلة لا تشغل بال السوريين فقط لأنها تتعلق بحياتهم ومستقبل بلدهم، بل تشغل بال المحيط الإقليمي والدولي وكل المهتمين والمتصلين بالقضية السورية نتيجة احتمال سيطرة المتطرفين الإرهابيين على المنطقتين أو واحدة منهما، أو احتمال السير في اتجاه آخر، وهو إقامة سيطرة سلطة مدنية في المنطقتين أو في واحدة منهما.
واحتمال سيطرة المتطرفين الإرهابيين في أي من المناطق التي تم طرد قوات النظام منها مؤخرا، أمر وارد، لكنه يظل في باب الاحتمالات الأكبر في إدلب وجوارها مقارنة بما هو عليه الحال في بصرى الشام وجوارها لأسباب مختلفة ومتعددة، تتعلق بطبيعة تلك المناطق، ووضع القوى العسكرية، وطبيعة الصلات القائمة بين تلك المناطق وجوارها الجغرافي والسياسي.
ففي إدلب ومحيطها، يسود نفس ذو طبيعة متدينة، وتنتشر فيها قوى إسلامية، وتجاورها مناطق ينتشر فيها تنظيم داعش، إضافة إلى تمركز القوة الرئيسية لـ«جبهة النصرة» في المنطقة، التي تعتبر مع «داعش» أشد قوى التطرف والإرهاب، ومعهما نظام الأسد وعصاباته. والأمر الإضافي هو أن «النصرة» وسعت في الأشهر القليلة الماضية دائرة نفوذها، بعد أن وجهت ضربات لأهم خصومها من القوى العسكرية في المنطقة، ومنها «جبهة ثوار سوريا» و«حركة حزم» المحسوبتان على «الجيش الحر»، ودمرتهما تماما، واستولت على أسلحتهما وأماكن تمركزهما، وفي طريق عملياتها، لم تسلم من أذيتها قوى أخرى في المنطقة وجوارها، وبالنتيجة تكرست «جبهة النصرة» قوة رئيسية في المنطقة، قبل أن تنضم إلى جانب القوى الأخرى وخاصة حركة «أحرار الشام» لتشكل «جيش الفتح»، وتخوض معهم معركة طرد قوات النظام وحلفائه وفرض سيطرة «جيش الفتح» على إدلب.
ولئن كان الحضور العسكري والقوي لـ«جبهة النصرة» فرع «القاعدة في سوريا»، يمثل مصدر خوف في سيطرة المتطرفين والإرهابيين على إدلب وجوارها، فإن ثمة عاملا رئيسيا آخر يدعم الخوف ذاته، وهو تصريحات قادة «داعش»، التي أكدت أن سيطرة «النصرة» على إدلب تمثل خطوة تمهيدية لسيطرة «داعش» اللاحقة، وهو سيناريو كان قد حدث في مدينة الرقة، التي باتت عاصمة لـ«داعش»، والتي مرت بعد طرد قوات الأسد هناك بثلاث نقلات أساسية، فانتقلت من تحت سيطرة حركة «أحرار الشام» إلى تحت سيطرة «النصرة»، قبل أن يستولي «داعش» على المدينة، ويحكم قبضته عليها.
وتؤكد المعطيات الواقعية والتجارب القائمة في مناطق الشمال السوري أن سيطرة التطرف والإرهاب على إدلب ومحيطها أمر ممكن، خاصة في ظل وجود «جبهة النصرة» القوي هناك مع احتمال تحالفها مع «داعش» كما يحدث في الصراع الراهن على مخيم اليرموك جنوب دمشق، حيث يتحالف الطرفان ضد قوات سورية - فلسطينية محسوبة على الجيش الحر أو قريبة منه في المنطقة.
ورغم أن سيطرة التطرف والإرهاب على إدلب ومحيطها هي في باب الاحتمالات، فإن المطلوب حذر في وجه الاحتمال، لأن حصول مثل هذا الاحتمال سوف يؤدي إلى خروج كل القوى المسلحة المعتدلة من ساحة الصراع في سوريا، وهذا سيغلق الباب أمام أي مساعدة دولية سياسية أو عسكرية وربما إغاثية للسوريين، حيث إن سيطرة المتطرفين والإرهابيين في المنطقة سيدفعهم إلى ذهاب عملي نحو تصفية ما تبقى من القوى المعتدلة، بما في ذلك المجموعات الصغيرة والأفراد، ومصادرة فرص الحراك الشعبي والمدني على نحو ما حدث في مناطق سيطرة «داعش».
ويتطلب الوضع في ضوء احتمالاته، استنفارا واسعا في المستويات الداخلية، وخاصة في الشمال السوري، إضافة إلى استنفار إقليمي، وخاصة من جانب تركيا لحصار احتمالات سيطرة التطرف والإرهاب على إدلب، من أجل تحشيد كل القوى السياسية والعسكرية المناهضة لسيطرة المتطرفين من جهة، ولجم تمدد الأخيرين من جهة أخرى، ووضع قواعد سياسية وعملية، تجعل من إدلب ومحيطها نموذجا، لما يمكن أن تكون عليه حالة المناطق السورية الخارجة عن سيطرة النظام، وهذا لن يخلق فرصا جديدة، أو أفضل لحياة السوريين، بل سيضع نموذجا ومثالا أفضل أمام بقية المناطق السورية لرسم مستقبل أفضل لحياتهم، وسيشجعها على التوجه إلى التجربة الجديدة لتقليدها، إن لم يفتح بوابة إبداع لحياة أفضل منها، غير أن من المهم في هذا المجال القول إن التجربة ستترك أثرا على الرأي العام الدولي، وموقف القوى الإقليمية والدولية من تجربة سورية تكاد تكون خالصة في القدرة على منع تمدد التطرف والإرهاب إلى المناطق التي تخرج منها قوات النظام، وخلق نموذج مدني أفضل لحياة السوريين، وهذا سيعزز فرص دعم السوريين، وقضيتهم من جانب المجتمع الدولي.
ما تعرض له مخيم اليرموك من هجوم لمنتسبي ما يعرف بتنظيم الدولة "داعش" في الأول من نيسان الجاري، لم يكن عملاً أسطورياً خارقاً للعادة مقارنة بما تعرض له اليرموك طوال عمر الأزمة السورية؛ فالمخيم تعرض تكراراً لمحاولات اقتحام، ولعمليات قصف بالأسلحة الثقيلة والطائرات والبراميل المتفجرة العمياء، ولكن المخيم بأهله وشبابه استطاع الصمود وأوقف جميع محاولات الاختراق، واستطاع في العديد من المرات دفع قوات النظام السوري المدعومة من بعض الفصائل الفلسطينية إلى خارج المخيم رغم حجم التضحيات البشرية والمادية.
الملفت والغريب في هذه المرة أن المخيم بدأ الانهيار أمام جماعات "داعش" المسلحة بأسلحة خفيفة منذ اليوم الأول للهجوم من الناحية الجنوبية من الحجر الأسود، وشارع الثلاثين، ودوار فلسطين..، حتى أن "داعش" استطاعت السيطرة على نحو 80% من مساحة مخيمي اليرموك وفلسطين المتلاصقين في أقل من 72 ساعة، الأمر الذي أثار الاستغراب والتساؤل عن سبب هذا الانهيار السريع؟!
أسباب سقوط اليرموك السريع بيد تنظيم الدولة "داعش"، قبل الدخول في تفسير أسباب وخلفيات الحدث في اليرموك لا بد من الإشارة وبوضوح أن المعركة كانت محصورة وبشكل أساس بين تنظيم الدولة "داعش" المدعومة من"جبهة النصرة"، وبين كتائب "أكناف بيت المقدس" الفلسطينية المحسوبة على حركة "حماس" المتواجدة داخل اليرموك بذريعة الدفاع عن اللاجئين الفلسطينيين هناك.
وعند النظر في تفسير سقوط اليرموك بيد "داعش"، فإننا نعتقد أن هناك جملة من الأسباب الموضوعية التي تقف خلف هذا الأمر ومنها على سبيل المثال:
أولاً: أن مخيم اليرموك يعاني من حصار شامل منذ نحو 600 يوم متواصلة، حيث النقص الحاد في الأدوية، والطعام، والمياه..، وما سقوط العشرات من الشهداء نتيجة الجوع إلا شاهد على قساوة الحصار الذي تعرض له مخيم اليرموك.
ثانياً: نزوح الغالبية الساحقة من سكان المخيم؛ فلم يتبق من الفلسطينيين فيه سوى نحو 18 ألفاً من أصل ربع مليون نسمة، معظمهم من المرضى، وكبار السن، والفقراء المعدمين الذين لم يجدوا ملجأً آمناً خارجه، أو لم يتحملوا كلفة الحياة في دمشق، فآثروا البقاء مرحبين بالموت على المذلة.
ثالثاً: هجوم منتسبي ما يسمى بتنظيم الدولة "داعش"، جاء بالشراكة، أو التنسيق، أو بالتواطؤ مع "جبهة النصرة" التي تسيطر على العديد من النقاط جنوب مخيم اليرموك، حيث تواترت الأنباء التي تؤكد تسليم النصرة مواقعها لجماعة "داعش" وفتح الطريق لها للدخول إلى المخيم دون إبداء أدنى درجات الممانعة.
رابعاً: انضمام عناصر تابعة لحركة "فتح" المركزية ممن يسمون بكتيبة "الزعاطيط" التي يقودها المدعو أبو جهاد الزعطوط إلى تنظيم "داعش"، هذا ناهيك عن عدم تحرك أي فصيل فلسطيني من المؤيدين للنظام السوري كالقيادة العامة، أو النضال الشعبي، أو الصاعقة، أو جيش التحرير.. لإنقاذ المخيم من هجوم "داعش" المدعوم من جبهة النصرة.
خامساً: تخلي معظم كتائب أو ألوية المعارضة السورية المتواجدة في ريف دمشق الجنوبي عن مخيمي اليرموك وفلسطين، حيث سكتت حركة أحرار الشام، وشام الرسول، وجيش الاسلام، وأبابيل حوران، ولم تقم بمؤازرة حقيقية لأكناف بيت المقدس التي انفردت في الدفاع عن المخيم في مواجهة عناصر "داعش".
سادساً: غياب الإسناد الإعلامي والسياسي فلسطينياً وعربياً؛ فمن الأهمية بمكان الإشارة إلى خذلان الفلسطينيين (فصائل وقوى، ومنظمة التحرير، وسلطة فلسطينية، ورئيس السلطة "محمود عباس"..) خذلانهم لإخوانهم وشعبهم المحاصر في اليرموك، فلم نلمس أي تحرك سياسي أو إعلامي أو ميداني حقيقي في لبنان أو الأردن أو الضفة والقطاع..، وكأن المحاصرين في اليرموك من كوكب آخر..!!
سابعاً: الخلل في ميزان القوى لصالح تنظيم الدولة "داعش"؛ حيث ينتسب لهذا التنظيم نحو 1000 عنصر على الجبهة الجنوبية من الريف الدمشقي، مقابل 200 عنصر من اللاجئين الفلسطينيين الذين يقاتلون باسم أكناف بيت المقدس في اليرموك. أخذا بالاعتبار أن تنظيم "داعش" لاقى إسناداً من جبهة النصرة المتحكمة بالحدود الجنوبية للمخيم، مقابل خذلان الفصائل الفلسطينية والسورية لكتائب أكناف بيت المقدس التي بقيت تقاتل لعدة أيام وحيدة في الميدان دون إسناد عسكري في العدة والعتاد، أو حتى إسناد سياسي وإعلامي.
حماس الهدف غير المعلن؛ ولوحظ ومنذ اليوم الأول لدخول عناصر "داعش" إلى اليرموك، استهداف النظام السوري للمخيم بقذائق الهاون والعديد من البراميل المتفجرة التي اشتهر باستخدامها في المدن والبلدات السورية عموماً، وهذا في حد ذاته رسم علامة استفهام عن دور النظام السوري في هذه المعركة.
الملاحظة الأخرى، أن جميع الفصائل الفلسطينية المؤيدة للنظام والمتواجدة في محيط المخيم وخاصة المناطق الشمالية منه لم تتحرك لمواجهة المد والهجوم الداعشي على اليرموك، وتركت كتائب "أكناف بيت المقدس" المحسوبة على حماس وحدها في الميدان، وهي التي أخذت على عاتقها الدفاع عن المخيم واللاجئين فيه أمام تنظيم الدولة "داعش.
أي أن النظام السوري ومن خلال سلوكه الميداني، وسلوك حلفائه من الفصائل الفلسطينية، كان يرغب في سقوط المخيم تحت سيطرة تنظيم الدولة "داعش" محققاً في ذلك عدة أهداف أهمها:
ـ سيطرة تنظيم الدولة "داعش" على اليرموك، سيفتح الباب وسيوجد المبرر للنظام السوري لقصف المخيم بعنف بهدف السيطرة المباشرة عليه، دون حرج سياسي أو إنساني تجاه اللاجئين الفلسطينيين ومخيم اليرموك ـ الذي يعد رمزاً للصمود والعودة عند الفلسطينيين ـ فكل العمليات العسكرية التي سيقوم بها النظام في اليرموك لاحقاً ستكون مبررة بقتال "داعش" المتطرفة التي تمثل أقصى درجات الإرهاب في نظر المجتمع الدولي. وهنا لا بد من الإشارة إلى أهمية موقع مخيم اليرموك بالنسبة للنظام السوري؛ فهو بوابة دمشق الجنوبية، وهو أقرب نقطة لمنطقتي الميدان والزاهرة الدمشقيتين، ناهيك عن قربه من طريق مطار دمشق الدولي، ومن هنا فإن النظام معني بشكل مباشر السيطرة على اليرموك.
ـ التخلص من كتائب "أكناف بيت المقدس"؛ الفصيل الفلسطيني الأقوى في مخيم اليرموك، وهو التنظيم الذي أخذ على عاتقه الدفاع عن اليرموك واللاجئين الفلسطينيين، أمام أية قوة تفكر بالدخول إليه، الأمر الذي سبب حرجاً وعائقاً أمام النظام السوري طوال الأعوام الماضية.
ـ توجيه صفعة سياسية وميدانية لحركة "حماس"، نتيجة لموقفها السياسي من الأزمة السورية عموماً، ونتيجة لموقفها السياسي من الأزمة اليمنية مؤخراً، حيث أعلنت الحركة في بيان مقتضب لها (28/3) بأنها " تقف مع الشرعية السياسية في اليمن، وخيار الشعب اليمني الذي اختاره وتوافق عليه ديمقراطياً.." مع تأكيدها على " رفض كل ما يمس أمن واستقرار المنطقة العربية دولاً وشعوباً "، وهو ما يفهم منه أن حركة حماس ـ وإن بخطاب دبلوماسي هادئ ـ قد اصطفت ضمناً لجانب التحالف السعودي السني ضد التوسع الإيراني الشيعي في المنطقة، وهذا ما أثار غضب دمشق، وطهران التي سعت مؤخراً لاستمالة حركة حماس السنية لجانبها.
إذن اليرموك اليوم واللاجئ الفلسطيني يدفع ثمن الأزمة السورية الداخلية، وثمن الأزمة الإقليمية التي تتسع تدريجياً في المنطقة نتيجة السياسة الإيرانية التي تتخذ من المذهب الشيعي جسراً للتمدد والسيطرة، والتي ستؤدي بدورها ـ إن استمرت ـ إلى ارتفاع جدار الفصل الديني بين الشيعة والسنة.
أمس، كتبت عن الاتفاق الذي تم التوصل إليه مبدئيا بين الغرب وإيران، قراءة للمرحلة الماضية ومحاولة فهم لماذا قبلت إيران بالاتفاق، وما هي أثمانه المحتملة. الأهم من الماضي، إيران الجديدة، نظام بلا عقوبات وملاحقات قانونية كانت تقيده ثلاثين عاما مضت.
أرى أننا أمام اتفاق مثل كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، فاتفاق النووي استراتيجي يطوي صراعا إيرانيا مع الغرب، ونهاية التهديد للدولة اليهودية، ويعني بالتالي نهاية صراع الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع الإسرائيليين، والأرجح أن ذلك ضمن شروط الاتفاق الرئيسية، بغض النظر عما تقوله أجهزة الدعاية في طهران. وبالتالي إيران صارت خارج النزاع مع الغرب وإسرائيل، مما يعني أن إيران ستتفرغ للنزاع العربي - الإيراني، والطائفي الشيعي - السني المحتدم بلا توقف.
والأهم لنا في العالم العربي عموما، وعرب الخليج تحديدا، أن نقرأ خياراتنا، فما هي خيارات الدول التي تقع على خط التماس مع إيران، مثل السعودية وشقيقاتها الخليجية، التي عاشت عقودا متوترة، وأحيانا مواجهات عسكرية مباشرة، والكثير من حروب بالوكالة في لبنان والبحرين والآن اليمن والعراق؟
يوجد احتمالان لا أرى ثالثا لهما: المصالحة أو المواجهة، حيث لن يبقى الوضع القائم، كما عرفناه. وكلنا ندرك أن دول الخليج دائما كانت مستعدة للمصالحة مع إيران، بحكم طبيعة أنظمتها المسالمة، وإيران كانت غالبا الدولة في حالة الهجوم، والراغبة في تغيير المنطقة وفق منظورها الفكري والسياسي. وقد سبق أن كتبت مفصلا عن مسعى مهم قاده الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني في أوائل التسعينات، وقاد إلى مصالحة مع السعودية توقفت بموجبها نشاطات المعارضة والدعاية المعادية على الجانبين وأسست قنصليات وفتحت الأجواء لطيران البلدين والتبادل التجاري. دامت تلك لبضع سنوات ثم انتكست العلاقات بعد أن اكتشف السعوديون نشاطات تخريبية برعاية أحد الأجهزة الإيرانية، وزادت توترا مع وصول أحمدي نجاد للحكم في طهران.
الآن، قد تريد إيران التحول سياسيا لتكون دولة مسالمة وتتخلى عن فكرة تصدير الثورات وتغيير المنطقة، طالما أنها تخلت عن مشروع القنبلة النووية. وهذا لا يمكننا أن ندرك حقيقته إلا إذا جربت الحكومات الخليجية التواصل ومعرفة التوجهات الإيرانية وما هي حقا مستعدة للالتزام به بما يخدم الأمن والسلم الإقليمي. إنها فكرة صعبة التخيل، مثل الإيمان بتحقيق سلم بين الثعلب والحملان، إنما من يدري، قد تريد إيران أن تتغير وتستحق منا أن نستمع إليها ونمتحن مصداقيتها.
الاحتمال الآخر أن إيران تريد أن تعوض عن مشروعها النووي الرامي للتفوق الإقليمي، بالتوسع وزيادة مكاسبها على الأرض. وأظن أننا شاهدنا كيف تجرأت إيران، رغم مفاوضاتها السلمية مع الغرب، على إرسال مقاتلين وأسلحة للانخراط مباشرة ولأول مرة في حروب عربية - عربية، قاتلت إلى جانب الأسد في سوريا، ورجالها يقاتلون في العراق واليمن الآن، ناهيك بالصراع في لبنان. كلها توحي بأن إيران ازدادت شراسة وليس العكس.
وفي كلتا الحالتين ليس على دول الخليج إلا أن تعيد التفكير في سياستها الدفاعية التي قامت لعقود طويلة على الاعتماد على مبدأ أيزنهاور الملتزم بحماية الخليج. في ظل حكومة الرئيس باراك أوباما الولايات المتحدة لم تعد ملتزمة رغم ما صرح به أوباما بأن بلاده «ملتزمة بالدفاع عن حدود المملكة العربية السعودية». فالعبارة أقل التزاما، وفيها ضبابية يمكن لواشنطن التنصل منها متى ما شاءت. وقد سبق أن عرض الأميركيون ما سموه بالدرع الصاروخي لحماية الخليج من أي هجوم إيراني، وهو جزء لا يكفي، وليس على الخليج سوى أن يطور قدراته العسكرية، خصوصا الجوية بشكل كبير جدا، ويبني تحالفاته الإقليمية. والهدف هو إقناع إيران وحدها أن الاتفاق النووي يجب أن يكون اتفاق سلام شامل وليس اتفاقا خاصا بإسرائيل والغرب.
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين واﻷقربين. صدق الله العظيم
من الصعب على المرء أن يظل صامتا وهو يرى شهادات تقال هنا وهناك تجانب الصواب وتخالف الحق والحقيقة ولقد تعودت أن أوازن اﻷمور وأنظر إلى المصلحة العامة وأؤثر الصمت في أحايين كثيرة تغليبا لمصلحة الدين واﻷمة وحرصاً على وحدة الصف إلا في حالة إراقة الدماء وسفكها والمصيبة اﻷكبر حين يكون ذلك استحلالا بوصم أصحابها بالردة ابتداءً لرفع سوار العصمة عنهم ثم استباحتهم استباحة كاملة بعدها كنا قد آثرنا الصمت عن إخواننا في جبهة النصرة الذين لا ينكر فهل الكثير منهم على الجهاد إلا جاحد ولا ينقص من قدرهم أو يغمطعم حقهم إلا حاقد فتضحياتهم وبذلهم وعطاؤهم وسبقهم معروف مشهود ومنصفوهم وعقلاؤهم ومتدينوهم كثر والمسلم مأمور بنصرة أخيه ظالما كان أو مظلوما دون أن ينتقص منه أو يحط من قدره أو ينكر فضله ولقد آثرت الصمت والسكوت فيما يتعلق بأحداث مخيم اليرموك على أمل أن يقوم إخواننا في جبهة النصرة الذين نحسن الظن بهم بمعالجة اﻷمر واتخاذ موقف من الفئة التي آزرت دولة اﻹجرام باغية وكان أملي بالله أن يكون البيان بهذا الصدد ولكن مع اﻷسف الشديد جاء البيان عكس ما كنا نأمل ونرجو وﻷن البيان احتوى على مغالطات كثيرة أرى أن أخطرها التمسك بالعناصر والقادة الذين انحازوا انحيازا كاملا لدولة اﻹجرام في بغيها وعدوانها.
السؤال اﻷول الذي أود طرحه ترى هل هبط جنود دولة اﻹجرام من السماء؟
أم أنهم دخلوا المخيم من النقاط المتاخمة للحجر اﻷسود والعسالي؟
ومن كان يرابط على تلك النقاط؟
ومن الذي كان ينادي بمكبرات الصوت الدولة والنصرة واحد؟
ومن الذي نادى بمكبرات الصوت يطالب اﻷكناف بتسليم أنفسهم لجبهة النصرة؟
وهلا أجابنا اﻹخوة في جبهة النصرة عن العناصر الذين جلسوا في مقرات حركة أحرار الشام من شباب النصرة لما فعلوا ذلك لماذا ترك هؤلاء المجاهدون من جبهة النصرة مقارهم والتحقوا بمقرات حركة أحرار الشام؟
وكنت قد قلت في تغريداتي أول من أمس وإن كان الحياد غير مقبول شرعا فإنني أقبل منك الحياد إن كنت صادقا والتزمته لكن أن تسمح لمجرمي الدولة بالعبور إلى المخيم لقتال اﻷكناف ثم حين يطلب إليك اﻷكناف أن يعبروا نقاطك لقطع خطوط إمداد مجرمي الدولة تمنعهم وتقول أنا على الحياد؟
وحين يأتي من يود مؤازرة اﻷكناف تمنعه وتقول أنا على الحياد؟
أي حياد هذا الذي تزعم وأي تجنب للقتال هذا الذي تدعي؟
ولم تكتف بذلك بل خضت مع الخائضين...
خضت معهم في رمي المبغي عليه بالتهم الباطلة الملفقة زورا وبهتانا بأنهم يريدون التصالح مع النظام؟
ستكتب شهاداتكم كلها وتسألون فلإن صدقكم الناس اليوم فبم ستجيبون ربكم غداً؟
أعدوا لربكم جوابا فقل لذوي البصائر حيث كانوا أجيبوا الله ويحكم أجيبوا وكنت قد سكت فيما مضى عن تهمة لفقت لشام الرسول في أحداث بيت سحم وببيلا ولكن بيان إخواننا في جبهة النصرة أبى إلا أن يكرر ادعاءه الذي سبق ورمى به شام الرسول ومشكلة شام الرسول أن الناس لا يعرفونها فسيصدقون كل ما سينسب إليها ولولا أن بيان إخواننا في جبهة النصرة كرر الاتهام ﻵثرت الصمت لكنهم أتوا على ذكر التهمة وسأجيب وباﻷدلة إن شاء الله.
شام الرسول فصيل مجاهد يقوده طبيب أسنان هو أخونا الدكتور أبو عمار وهو من حفظة كتاب الله ولديه عيادته الخاصة في حي الميدان بدمشق وهو من اﻷثرياء نفر منذ بداية الثورة وأنفق كل ما يملك في سبيل الله وهو قائد اللواء ونائبه أبو عبدو الهندي خريج معهد الفتح وكان من أثرياء دمشق قبل الثورة وبذل كل ماله في سبيل الله وقد اتهم بيان النصرة السابق كما بيانها الحالي شام الرسول بأنهم ألوية المصالحات وفي الوقت الذي كان فيه بيان النصرة السابق يتهم شام الرسول بذلك غاب عن بالهم أن الرجل
كان يخطب على المنابر يهدد أرباب المصالحات ويصرح بأن هذه اﻷرض ويقصد بيت سحم وببيلا طهرت بالدماء ولن يستردها النظام أو يعود إليها إلا على جثثهم كما فات إخواننا في جبهة النصرة أن هذه الخطب مسجلة ومنشورة وإليهم وإليكم الرابط
https://www.youtube.com/watch?v=d806ttKCQhY
نسي هؤلاء أن شام الرسول اعتقلت فصيلا سيئا وإن كان تعداده قليلا بأكمله ﻷنها علمت أنه يريد تسليم نفسه للنظام وكان يتحين الفرصة لذلك وأكتفي بخطبة الدكتور أبي عمار المتهم وفصيله بأنه من دعاة المصالحات وانطلى الزور مع اﻷسف الشديد على كثير من الناس فرددوا ما سمعوا دون تثبت
وأعود لمخيم اليرموك فقد كان المرجو من إخواننا في جبهة النصرة محاسبة هؤلاء الغلاة ومحاكمتهم واﻷخذ على أيديهم وبيان الحق والحقيقة للناس، ولم أك أتوقع أن يأتي البيان مخالفا لجميع الحقائق المتواترة واﻷحداث التي كانت تدور على اﻷرض ومغفلا لجميع الشهادات التي وردت من هناك وليت اﻷمر وقف عند هذا الحد بل تجاوزه إلى إعادة الدندنة حول موضوع المصالحة وكأنهم يبررون لمجرمي الدولة اعتداءاتهم أخيراً فإن إخواننا في جبهة النصرة داخل المخيم انقسموا قسمين قسم اعتزل ووقف حقيقة على الحياد وهم قلة وقسم انحاز وأدخل المجرمين وقاتل جنبا إلى جنب ومنع المؤازرات من الوصول ومنع اﻷكناف من عبور نقاطه للالتفاف وقطع خطوط إمداد مجرمي الدولة وكنت أتمنى من إخواننا في جبهة النصرة أن يلزموا الحياد حقيقة وأن يلتزموا الصمت على اﻷقل إن لم يرغبوا بالصدع لكن فاجأنا إخواننا بخلاف ذلك ولم أطق أن أظل صامتا وأنا من أقسم على الصدع مراراً من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ومن أسخط الناس برضا الله رضي الله عنه وأرضى عنه الناس صدق رسول الله اللهم إن كنت تعلم أنني قلت ما قلت رياء وسمعة وتعصبا لطرف على طرف اللهم فانتقم مني وخذني أخذ عزيز مقتدر وإن كنت تعلم أنني قلته ابتغاء مرضاتك وإحقاقا للحق فأجرني بقولي وأثبني عليه وردني إليك ردا جميلا ودافع عني فقد وكلت أمري إليك وفوضت أمري إليك فاقض ما أنت قاض فإني بحكمك راض.
... والسؤال أثارته آراء ومطالبات بعض أطراف المعارضة السورية فور انطلاق «عاصفة الحزم» في اليمن، بأن يتشكل تحالف عسكري مماثل، يتصدى للنظام ولداعش وللدور الإيراني، ويمكّن السوريين من وقف دوامة العنف وتقرير مصيرهم.
وفي التفاصيل يضع أصحاب هذا الرأي الحكومة التركية في مركز المسؤولية لبناء هذا التحالف وقيادته تشبهاً بالدور السعودي، والغرض توجيه ضربات جوية تحطم قدرات النظام وتمهد لفرض منطقة حظر جوي يساعد جماعات المعارضة المسلحة على تعزيز سيطرتها وقلب توازنات القوى.
لكن في الوقائع، ثمة فوارق نوعية بين الحالتين اليمنية والسورية، وإذ وفرت للأولى فرصة تقدم دور عسكري رادع للتمدد الحوثي المدعوم إيرانياً، فإنها تعيق في الحالة الثانية إمكانية تبلور هذه الفرصة.
أولاً، يختلف موقع سورية في الحسابات الإستراتيجية الإيرانية عن الموقع اليمني، وإذ يرجح أن يستمر تعاطي طهران الهادئ، أو دون المستوى العسكري، مع مجريات «عاصفة الحزم» والتعويض بممارسة ضغوط سياسية لدفع مختلف الأطراف إلى طريق الحوار والتفاوض، فإنها لن تتخلى عن الحلقة السورية في سلسلة نفوذها المشرقي، ولو أكرهت على خوض حرب إقليمية من أجل ذلك، لأنها تدرك أن خسارتها هناك ستفضي إلى انهيار ما راكمته طيلة عقود، وهو تحذير تكرر على لسان غير مسؤول إيراني بأن سقوط دمشق يعني سقوط طهران!.
ثانياً، يبدو اليمن محاطاً بالدول العربية التي شكلت تحالف «عاصفة الحزم»، وتبدو الجماعات الحوثية شبه معزولة عن حليفها الإيراني، بينما يطوق تركيا حليفان للنظام السوري، هما روسيا وإيران، يضعفان قدرتها على المبادرة، ويجعلانها تتحسب وربما تخشى خوض مغامرة عسكرية يرجح أن تتسع وتكبدها خسائر مادية وبشرية كبيرة، قد لا تخففها عضويتها في حلف الشمال الأطلسي.
ثالثاً، إن الوزن المتنامي لتنظيم داعش في الصراع السوري وحضور تحالف دولي من أجل دحره، يضعف تلقائياً مطلب توجيه كل البنادق إلى صدر النظام، بدليل تبدل موقف بعض الدول الأوروبية وأميركا من دعوتها لإسقاطه! بينما لا تحظى القاعدة في اليمن بوزن مقلق وخطير، وقد تعرضت خلال سنوات لضربات طاولت أهم قادتها وكوادرها، والمعنى أن تبلور قوة عسكرية مناهضة لداعش في العراق وسورية سيمنع حكومة أنقرة من التفرد بأي دور عسكري ناجع، إلا عبر قوات مشتركة إن استدعت الغارات الجوية اجتياحاً برياً.
رابعاً، هناك نقطة إشكالية تثير خلافات حادة بين المعارضين، تتعلق بالشرعية السياسية للنظام السوري، والقصد أن الهدف المعلن لتحالف «عاصفة الحزم» هو إعادة الشرعية إلى اليمن ودحر المتمردين الذين كشفوا عن وجه انقلابي واستولوا بالقوة على مؤسسات الدولة بدعم إيراني مستتر وغير معلن، في حين سيتشكل التحالف سورياً ضد نظام كان يحظى، إلى ما قبل اندلاع الثورة، باعتراف سياسي، عربي ودولي، ولا يزال حتى اليوم، وعلى رغم ارتكاباته وتهتك شرعيته والحصار المفروض عليه، يعتبر جزءاً من المنظومة الأممية، ويلقى الدعم من دول كبرى كروسيا والصين، كما يحتفظ بقنوات تواصل غير رسمية مع دول غربية، بدليل الإشارات التي تتوالى من بعض العواصم الأوروبية عن رغبتها في إعادة العلاقات الديبلوماسية معه. ونضيف أن إيران موجودة علناً ومباشرة في الصراع السوري عبر قادة من حرسها الثوري، وعبر التشكيلات المسلحة المتعددة الموالية لها.
خامساً، ثمة عوامل تتعلق بالوضع التركي ذاته وحسابات الربح والخسارة وقدرته على قيادة تحالف يشابه «عاصفة الحزم»، منها أن سلطة أردوغان المنتخبة تخشى أن تنزلق إلى سلوك طائش يفقدها شعبيتها أمام خصوم يتحينون الفرصة للنيل منها، خصوصاً أن أحد عناصر استمرار قاعدتها الانتخابية هو سياسة «صفر مشاكل» التي نجحت في تحييد الداخل التركي وحمايته من التأثيرات الإقليمية، ومنها أن الضرر الناجم عن استمرار الصراع السوري ليس بذي أهمية كبيرة على الدولة التركية، مقارنة بما قد تتعرض له الدول الخليجية من أضرار عميقة نتيجة التطورات في اليمن. ومنها أيضاً أن دخول أنقرة حرباً في سورية سوف يسعّر الصراع المذهبي والعرقي ويفتح الباب أمام تنامي القلاقل والاضطرابات، ويزيد الأمر تعقيداً تخوف تركيا من رد فعل إسرائيلي في حال انفلاش الصراع السوري وتهديده أمنها. والأهم من كل ذلك، أن لدى تركيا فرصة كبيرة كي تخوض في الغمار السوري عبر وكلاء ليسوا ضعفاء ويمكنهم عند الضرورة، التأثير في توازنات القوى، ولنتذكر ما حصل في مدينة كسب عندما مكنت حكومة أنقرة المعارضة هناك، وما يحصل اليوم في مدينة إدلب من خلال الدعم العاجل الذي قدمته للجماعات المسلحة، هذا ناهيك عن تحكم تركيا بممرات الدعم اللوجستي للجماعات الجهادية في الشمال والشمال الشرقي من سورية بما فيهم تنظيم داعش وجبهة النصرة، والمعنى أنها معادلة رابحة في السياسة أن ينأى طرف ما بنفسه ويتجنب الدخول المباشر في صراع مفتوح طالما هناك وكلاء موثوقون وقادرون على تحقيق مراميه بأدنى تكلفة وبأقل المخاطر.
أخيراً، يبدو أن مخيلة بعض أطراف المعارضة السورية لا تزال محكومة بالأوهام عن أدوار يمكن أن يقوم بها الآخرون عوضاً عنها، وبدلاً من تقدير خصوصية الوضع السوري وتعقيداته، والانطلاق من أولوية العمل الميداني المثابر لتثقيل قوى التغيير المدني والسياسي، تلجأ إلى القياس على تجارب الآخرين والتشبه بهم. فبداية راهنت على دور مستقل للجيش ينصر الحراك الشعبي مثلما حصل في تونس ومصر، ثم على تدخل غربي مباشر كما حصل في ليبيا، ثم على فرض حل سياسي أممي كما التجربة اليمنية، تلاه الرهان على ضربات جوية تنال من داعش والنظام على حد سواء، واليوم يبدأ رهانها الجديد على قيام تحالف شبيه بتحالف «عاصفة الحزم»، وتظن أنه طريق الخلاص من هذه المحنة المريرة.
بعثت عملية "عاصفة الحزم" اليمنية الأمل في نفوس السوريين بأن ثورتهم ستنتصر، ليس فقط لأنهم صمدوا، أربعة أعوام ونيف، في وجه نظام هو الأكثر وحشية وعنفاً في تاريخ العرب القديم والحديث، وتخطوا أقسى ظروف بأكبر قدر من التضحيات يمكن تصوره، بل كذلك لأن العرب رموا، أخيراً، قفاز التحدي في وجه عدوهم: إيران، وأقدموا على فتح معركة معلنة لطردها من وطنهم، وردوا بالقوة على مرتزقة يغزون أوطانهم من الداخل، ويخضعونها بالقوة لإرادة طهران، فجاء ردّهم ضمن لحظة حاسمةٍ، بدا الطرف الإيراني عاجزاً معها عن الرد على التحدي الصارخ، وعن نجدة أتباعه الذين يواجهون خسارة تلوح معالمها في الأفق، وستغدو مؤكدة إن استخدمت القوات البرية ضدهم، بعد أسابيع من التمهيد الجوي والبحري المؤثر.
أربك الردّ العربي إيران من زوايا متنوعة، فالبلدان الإسلامية الكبرى المجاورة لها، كباكستان وتركيا، أعلنت وقوفها إلى جانب المملكة العربية السعودية ضد أي عدوان يستهدفها، وكذلك فعلت أوروبا وأميركا التي حذرت من استخدام قوتها ضد أي طرف يهاجم المملكة، بينما أعلن قادة العملية العسكريون أنهم لن يسمحوا بوصول إمدادات برية أو بحرية أو جوية إلى الحوثيين، وسيضربون أي هدف يقترب من سواحل اليمن وأجوائه، في حين أقامت الدول العربية تحالفاً ألقى بثقلها العسكري والسياسي في التصدي للاختراق الفارسي للجزيرة العربية، بدءاً بالأردن الذي وصل الحرس الثوري فجأة إلى حدوده الشمالية، مروراً بالكويت والبحرين، المهددتين بالاختراق والغزو بدورهما، وصولاً إلى السودان والمغرب، حيث يلعب التضامن المذهبي دوراً وازناً في الخيارات السياسية، ويعاني البلدان، منذ قرابة عقد، من تغلغل مذهبي في أوساطهما الريفية والفقيرة، ويجدان نفسيهما أمام ضرورة كبح جماح من يستهدفون عقيدتهما، بعد تحول نشاط دعاته إلى خطر داهم، يهدد هوية مجتمعيهما، وبقاء دولتيهما، هو أعظم خطر واجه العرب، بعد نيفٍ وستين عاماً، من بروز الخطر الصهيوني في بلادهم، الذي يخشون أن يتكامل تهديد إيران معه، فيكون في ذلك هلاكهم.
تعتبر "عاصفة الحزم" بداية فعل سيكون له تأثير حاسم، إن هو استمر ولم يعرف التهاون أو التراجع، سيكون له مفعول الهزيمة بأسوأ معانيها، وستترتب عليه نتائج وخيمة على التحالف العربي والموقف الإسلامي، ليس فقط لأنه سيشجع إيران على استئناف مشروعها، بل لأنه سيقوض كذلك علاقات النظم العربية بمجتمعاتها، وثقة المواطنين بقادتهم، وسيؤجج غضبهم على عجزهم وقبولهم المهانة، بينما يشعر عشرات الملايين منهم، اليوم، بالاعتزاز، بسبب ما أظهرته "عاصفة الحزم" من قوة وتصميم على إحراز انتصارٍ يعيد إلى اليمن أوضاعه الطبيعية، ويردع إيران هناك اليوم، لا بد أن يردعها غداً في سورية: المكان الذي تحضر فيه غزوات المرتزقة الإرهابية، ولولاه لما كانت لطهران القدرة على التمدد شمالاً وجنوباً، والتوسع شرقاً وغرباً في ديار العرب.
لا شك في أن "عاصفة الحزم" يمكن أن تكون بداية معركة استنهاض عربي شامل، لا شيء يؤكد أن العرب غير قادرين سياسياً على خوضها، وأن ظروفهم لم تنضج بعد لها، وشعوبهم لا تلح في طلبها، ونجاحها ليس سبيلهم إلى تقدمهم المنشود: المتوازن والآمن، وإلى طرد إيران من مجالهم السيادي، الوطني والقومي، وكبح جماح إسرائيل في فلسطين، وتحقيق قدر من التوافق بين دولهم وشعوبها، يجعلها قادرة على تحصين نفسها وبعضها ضد أي عدو.
يقف العرب أمام لحظة مفصلية حاسمة، فهل يرتبون أوضاع دولهم وعلاقاتها مع شعوبهم بطرق تحظى برضاهم، تبدأ معها مرحلة نوعية من تاريخهم، تفيد من خبرات ماضيهم القريب ودروسه، فيتعاونون كأعضاء في جسد واحد ومهدد، ما يوحدهم أكثر بكثير مما يفرقهم، بعد أن استنزفتهم انقساماتهم السابقة إلى تقدميين ورجعيين، وحدويين وانفصاليين، وعطلت قدراتهم وأفشلت تقدمهم، وكانت خيار زمن مضى، حتّمه اندماجهم في عالم انقسم، وقسمهم إلى معسكرين متصارعين/ متنافيين، نقلوا صراعاته إلى مجالهم القومي والداخلي، فكانت الكارثة التي لم يوجد، اليوم، ما يبرر استمرارها والانخراط في الصراعات التي أنتجتها، بينما وطننا العربي عرضة لتفكك داخلي عام، ولأطماع قوى إقليمية ودولية تواطأت عليه، إلى حد يلزمه برؤية نفسه بعين وحدته وكيانه القومي التكاملي، ويفرض عليه التحول إلى كتلة صلبة، متماسكة وعصية على الاختراق، على غير ما هو عليه اليوم.
"ستكون سورية الديمقراطية لكل أمتها، ولن ترى في أي نظام عربي غير جزء من الجسد العربي المهدد"
ولعله ليس سراً أن مأساة سورية أنتجتها مخلفات عقلية الانقسام والصراع السابقة، وأن نظام الإجرام الأسدي يقاتل باسم تقدمية ووحدوية مزعومتين، لم تعد لهما وظيفة، غير ذبح مجتمعه وفتح أبواب العالم العربي أمام غزو إيران ومرتزقتها، بينما ستكون سورية الديمقراطية لكل أمتها، ولن ترى في أي نظام عربي غير جزء من الجسد العربي المهدد الذي وقع تهميشه في مصر، ويدمر اليوم في المشرق، ولا شيء يحميه في الخليج غير تضامنه وتكامله الوثيق والفاعل الذي يرى في أية معركة تنشب في أي مكان معركة ضد العرب في كل مكان، يرد عليها انطلاقاً من وحدة الجسد العربي وبدلالته، فلا انقسامات ولا صراعات، مهما كانت مسوغاتها براقة، بل وحدة في المواقف والمصالح، في السراء كما في الضراء.
لا مفر من هبوب "عواصف حزم" متعددة تمنع انتقال التدمير إلى الخليج، بإطفاء بؤرته في سورية التي إن هزمت ثورتها لن يحمي بقية العرب أو يحميه شيء من الدمار. إن سؤال الأسئلة الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل تمت "عاصفة الحزم" انطلاقاً من هذا الوعي، واستجابة لهذه الضرورة التي دفعت عشرات آلاف السوريين إلى إبداء رغبتهم في الانخراط ضمن أية قوات برية تدافع عن الخليج، عرفاناً بجميل الخليج عامة والمملكة خاصة، وانتظاراً لموقف خليجي يمكّن شعب سورية من رد الأذى عن نفسه وإخوانه، ما دام قتاله ضد إيران ومرتزقتها، وخصوصاً منهم نظام الأسد، هو الذي سيقرر ما إذا كان العرب سينجحون في مواجهة الخطر، أم سيهلكون في أقرب الآجال.
لا شك أن المعارك في مخيم اليرموك سيطرة على الساحة الاعلامية و المشهد السياسي المتعلق في سوريا ، و باتت مركز الحديث من قبل الجميع ، بمصطحات متنفاوتة بين الشجب و القلق ، بين التخوف و التشجيع ، تعكس واقع التحالفات و التسهيلات التي يقابلها غرف عمليات و استنفار.
في النهاية كل طرف يحاول أن يكون على صواب و يؤكد و يُحتم على الجميع أن يقف معه ، و "الجميع" تتراوح حالتهم بين الذهول و الغضب .
الذهول نابع من أين خُلق هذا الكم من السلاح و العتاد و المقاتلين ، و ما سر هذا التوقيت الخبيث ، و تحديدا بعد سلسلة النجاحات التي خاضها الثوار مع الذكرى الخامسة لإنطلاقة الثورة في الشمال و الجنوب ، و تقهقر عدة خطط وعلى رأسها ما يدعى " مثلث الموت" الذي التف على اصحابه و خنقهم أكثر.
أما الغضب فهو نابع عن الاستخدام المفرط للقوة و السلاح في مكان شهد أشنع ماعرفته البشرية من موت ألا وهو "الموت جوعاً" ، و ما السر وراء هذا الإقتحام من قبل منطقة محاصرة بالأصل ، و الذي يزيد الحنق أن الغاية هي فك الحصار و ايصال امدادات الغذاء و الدواء ، مما يدفعنا للسؤال من أين هذه الإمدادات و كيف ستصل ، و إن كانت موجودة بالإصل فلماذا لم تمنح للناس الذين ماتوا و يموتون كل يوم.
عشرات الأسئلة تطرح هنا و هناك ، دون أن نلقى جواب شاف و مُنهي للجدل ، مما يدفعنا للتفكير أن مخيم اليرموك هو البوابة لقصر الأسد أو هو الطريق نحو "القدس" ، فهو بات مقصد الجميع حالياً ، رغم اهماله لعامين ، بشكل يندى له الجبين من كل الأطراف .
لابأس من مواجهة الواقع و التأكيد أن التصرفات التي تتخذ من هذا الطرف أو ذاك ، لا تؤتي أي فائدة على الأرض إلا من جهة تسهيل انهاء الحياة ، فبدل الموت التدريجي جوعاً و قهراً و مرضاً ، يكون الموت السريع .
لا نعرف ماهي السياسة التي تدور في رأسهم و أي الحكمة و أين الغاية أو المبرر من كل هذا ، و إن كان فك الحصار فمن باب أولى فك الحصار عن أنفسهم و من ثم التفكير بمد يد العون لمن يحيط بهم ، من باب أولى أن يضمنوا التمكين الحقيقي و من ثم ينطلقوا للتطهير ، كما يدعو.
الثقة الوحيدة التي نملكها هي فهم الكلام السابق في غير سياقه ، كما جرت العادة كون لا إسم لأي كان ، فهذا هو الحال للعبثية في واقعنا ، دائماً الجميع متهم و بريء ، و الجميع متعدٍ و معتدى عليه ، و فقط هو الشعب المدان الوحيد و متلقي الفاتورة و دافعها من دمه و فلذة كبده و كرامته.
فلا سياسة شرعية تبيح هذا ، و لا رؤية مستقبلية تتقبل ما يحصل ، و ليش هناك أي خطة قابلة للنجاح بعد هذا ، فكل هذا يعني أن المخيم سيسقط بيد الأسد ، و يكون الممحاة التي ستمحي انتصارات الثوار ، و سيستخدم كصك غفران للأسد مما فعل .
و نمني أنفسنا بمقولة " اليرموك بوابة قصر الأسد " عسى أن تكون كذلك ... و هي ليست أبداً..
تغيرت الأوضاع في سوريا كثيرا منذ خرجت قوات النظام الأسدي من الرقة. زادت الأمور تعقيدا إلى درجة بات معها الوضع السوري لا يجلب للناشطين الذين نجوا من التنكيل الأسدي والداعشي إلا الإحباط. ورغم ذلك كانت الأمور تسير عكس ما يشتهيه نظام سوريا ومن معه.
لم تنفعه حملات الجنوب ولا حملات الشمال. فقد تلقى الهزيمة تلو الهزيمة. ورغم الحملات الإعلامية الواسعة التي مهد بها إعلام النظام، وبالأخص إعلام حزب الله والنظام الإيراني، لحملات الجنوب في القنيطرة ودرعا، والشمال في حلب، ورغم تواجد الحرس الثوري وقائد فيلق القدس وارتفاع منسوب الدعم البشري الذي استجلبه قاسم سليماني، من لبنان وصولا حتى أفغانستان، إلى سوريا للانخراط في مواجهة الجيش الحر، فقد خسر النظام مدينتين هامتين: بصرى الشام في الجنوب، وإدلب في الشمال.
غير أن كثيرا من معارضي النظام وبالأخص من ناشطي الثورة لم يهللوا لتحرير مدينة إدلب ولم يحتفلوا بالانتصار كما يفترض ويتوقع، بل ساد الحذر والترقب وحفلت المواقع الاجتماعية بالتخوف من أن تتحول مدينة إدلب إلى “رقة” ثانية، في ظل سيطرة جبهة النصرة وجيش الفتح عليها، وبالأخص بعد أن عمدت مجموعة من الـ“مجاهدين” إلى تدمير نصب القائد السوري الرمز إبراهيم هنانو، ما يذكّر بصنائع تنظيم الدولة الإسلامية داعش في ما يخص التماثيل والآثار والرموز، ما أثار لغطا مدويا بين ناشطي الثورة السورية.
وقد أطلقت دعوات كثيفة لحث الناشطين السوريين إلى القدوم إلى إدلب، وحث الائتلاف السوري للمعارضة وحكومته المؤقتة إلى أن يجعلا من مدينة إدلب مقرا لهما حتى لو استمر النظام باستهدافها بالقصف.
تلى ذلك إعلان الحكومة السورية المؤقتة عن توجيه مديرياتها للعمل داخل مدينة إدلب، لكن، وبعد ساعات قليلة أعلن عبدالله محمد المحيسني رئيس مركز دعاة الجهاد في سوريا، في تغريدة له على تويتر، أنه “لا صحة لدخول الائتلاف، لمدينة إدلب وإدارة مناطقها”.
وأضاف محمد المحيسني الذي يحمل الجنسية السعودية، وكان قد انضم مؤخرا إلى جبهة النصرة “دخل إدلب رجال سالت دماؤهم على ثراها، وسيحكمونها بشرع الله ويديرون أمورها. هكذا عاهدوا الله، ولن ينفرد أحدهم بذلك دون إخوانه بإذن الله، ذاك ظننا بهم”.
وكانت الحكومة المؤقتة، قد أعلنت أن العمل في إدلب، سيكون بالتنسيق مع “الشركاء والفصائل المقاتلة والقوى الفاعلة، لتكون المدينة مقرا لها، لإدارة المناطق المحررة”.
ودعت الحكومة المؤقتة، جميع الفصائل المقاتلة في مدينة إدلب إلى “الحفاظ على المؤسسات الحكومية والمرافق الخدمية وضمان استمرار عملها، إضافة إلى عدم تشتيت جهودها، والتركيز على حسن إدارة المدينة”.
وحذرت الحكومة المؤقتة “أصدقاء الشعب السوري وداعميه من إعادة الكرَّة بإهمال هذا الانتصار الكبير، والتواني في إيصال السوريين إلى مبتغاهم بتأسيس الدولة المدنية الديمقراطية التعددية” في تذكير لهم بما حدث في الرقة.
غير أن شيئا مما أعلنته الحكومة المؤقتة لم يحدث حتى الآن، خاصة في ظل استمرار قصف طيران النظام لمناطق عديدة في المدينة وتسببه بمجازر بين السكان. ولم تتأكد بعد المعلومات التي قالت إن جيش الفتح طلب من المقاتلين إخلاء المدينة ورفع علم الثورة على سارية المحافظة، وتركها للإدارة المدنية لتسير شؤونها، في حين لم يرشح شيء من هذا القبيل عن جبهة النصرة.
في مقابل كل ذلك يستمر الناشطون السوريون في نشر تخوفاتهم من وقوع مدينة إدلب بين مطرقة القصف العشوائي لطيران الأسد ومدفعيته وصواريخه من جهة، وسندان الاستبداد الجهادي من جهة ثانية.
ولكن هذا التخوف لن يقدم شيئا ما لم يقترن بالمبادرة إلى العمل. ويكون العمل في عودة كل من يستطيع من الناشطين السوريين، وبالأخص المتواجدين منهم في تركيا، وهم كثر، إلى إدلب ونواحيها، وتفعيل نشـاطهم فيها وتنظيمه وتكثيفه، رغم الأهوال التي يعانيها أهالي تلك المدينة وجوارها.
فإذا كان لكل من القوى الإقليمية أجندتها التي تعمل على تنفيذها أو التمهيد لها، وإذا كانت قوى عديدة في الداخل وفي المعارضة الخارجية تعمل على إيقاع تلك الأجندات، فلن يؤدي أحد الدور الذي يطلبه هؤلاء الناشطون ما لم يبادروا بأنفسهم إلى القيام به، إن كانوا يبتغون لهم من دور فعلا.
لقد وجد النظام التركي في جبهة النصرة وأمثالها من القوى، من يمكنه دحر عصابات النظام والإمساك بالأرض ومنع قيام سلطة وطنية حقيقية فاعلة ما يجعلها غير قادرة على الاستمرار في السيطرة حال سقوط الأسد وعصابته، فسارع، في ظل عاصفة الحزم في اليمن من جهة، ومعارك تكريت والحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من جهة ثانية، والانشغالات العديدة للنظاميْن الإقليمي والعالمي، بالأخص في ما يتعلق بمفاوضات الملف النووي لإيران، بالتمهيد لأجندته الخاصة.
ففي حين يلوّح بالاستعداد للمشاركة في عملية نينوى في العراق، يقدم الدعم والإسناد للـ“مجاهدين” في جبهة النصرة وجيش الفتح لدحر قوات النظام الأسدي من إدلب، إذ لطالما كانت الأجندة التركية في سوريا مرفوضة من الأميركيين.
من هنا يمكن القول إن إمكانية عودة الناشطين السوريين وبكثافة إلى إدلب سيكون لها مردود جوهري على المديين المتوسط والبعيد في سبيل تحقيق الأهداف الأصلية والأصيلة لثورة الشعب السوري، فهل يبادر هؤلاء إلى ممارسة دورهم الريادي المطلوب؟ وهل تتحول إدلب إلى “هانوي” الثورة السورية؟
شكل تحرير إدلب، في 28 من شهر مارس/آذار الماضي، أحد أهم الإنجازات للمعارضة السورية المسلحة في الجبهة الشمالية. وجاء هذا الحدث، بعد أقل من أسبوعين على الانتصار الاستراتيجي في بصرى الشام في الجبهة الجنوبية، ليؤكد استعادة المعارضة المبادرة على الأرض، على الرغم من الهجوم الكبير الذي حشد له الإيرانيون قوات من الحرس الثوري، ومن المليشيات التابعة لهم، وطبّلوا وزمروا له في وسائل إعلامهم، باعتباره الهجوم الكاسح الذي سيغير مجرى الأحداث. لكن، كما حصل في بصرى الشام، وكما يحصل منذ أربع سنوات، في جميع المدن والأحياء المحررة، لم تمض على هذا الإنجاز أيام، حتى بدأ قصف المدينة بالبراميل المتفجرة والصواريخ البعيدة، مع التهديد المستمر باستخدام الأسلحة الكيماوية، بهدف بث الذعر وتدمير المرافق العامة، وتفكيك الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمدينة، وتحويلها إلى مدينة موت، بعد تهجير آلاف من أبنائها.
ليس هناك شك في أن قسطاً كبيراً من المسؤولية في مواجهة ما يطبقه النظام من استراتيجية الأرض المحروقة لردع المعارضة، وترويع حاضنتها الشعبية، يقع على كاهل المجتمع الدولي الذي لا يزال يغمض عينيه عن الممارسات الشنيعة للمليشيات التابعة لإيران، وعن التدخل السافر لطهران في شؤون البلدان والشعوب المجاورة. لكن، بصرف النظر عما يمكن للأمم المتحدة، والدول الصديقة، أن تفعله، تضع هذه الاستراتيجية قوى الثورة والمعارضة أمام تحدّ خطير، لا تزال المعارضة غير قادرة على معالجته، وربما لم تفكر، بما فيه الكفاية، في وسائل الرد على الابتزاز المستمر لـ"النظام" بحرق المناطق التي تنجح في تحرير نفسها من سيطرته، وقتل أكثر ما يستطيع من أبنائها وتفريغها من سكانها، بالقصف أو التجويع، أو تدمير شروط الحياة الاجتماعية فيها.
من هنا، وبعد ما حل بالرقة، وما لحق بالمدن والبلدات المحررة الأخرى من خراب ودمار وموت، تشكل إدلب، وهي عاصمة محافظة كبيرة وواعدة، أكبر امتحان لقدرة المعارضة على التصدي لاستراتيجية "الأسد أو نحرق البلد"، والحفاظ على الحياة الطبيعية في المدينة، وتجنيبها التحول إلى مدينة أشباح. وفي الرد الصحيح والناجع على هذا الامتحان تكمن، في الوقت نفسه، فرصة المعارضة الوحيدة في استعادة الثقة المفقودة في الداخل والخارج. بل ربما كان ردها على هذا التحدي هو الذي يحدد في الأشهر القريبة وجودها نفسه، وليس فقط دورها وشعبيتها، والدعم الذي ستتلقاه في المرحلة المقبلة الحساسة.
يعني هذا، باختصار، أن على المعارضة أن تدرك أن مسؤولية حماية إدلب، شعباً ومدينة، والمدن المحررة عموماً، تقع منذ الآن، وبشكل أكبر، بسبب تخلي المجتمع الدولي وشلله، على المعارضة التي حررتها. وعلى هذه المعارضة أن تظهر، بهذه المناسبة، لشعبها وخصومها معاً، أن تحرير أي مدينة في سورية، وانتزاعها من بين أنياب النظام المتوحش، لا يعني حتماً الحكم عليها بالدمار، وعلى شعبها بالتهجير والتشريد. فإذا فشلت المعارضة في ذلك، وأظهرت أنها غير قادرة على حماية انتصاراتها، لم يبق للتحرير نفسه معنى.
مستويان داخلي وخارجي
يستدعي الوصول إلى هذا الهدف التحرك بسرعة على مستويين، داخلي وخارجي:
على المستوى الخارجي، آن الأوان، بعد أربع سنوات من المعاناة والمحنة، أن تكف المعارضة عن التعلق بوهم تطابق مصالح تحرير سورية من النظام الغاشم والاحتلال الإيراني مع مصالح هذه الدولة أو تلك، وأن لا تنتظر قيام بعضها بمبادراتٍ تصبّ في مصلحة المعارضة أو التحرير. عليها أن تتحرك، هي نفسها، في كل الاتجاهات، مزودةً بملفات عن حجم الموت والدمار والخراب في كل مدينة وقرية في سورية، وأن ترسل وفوداً لعرض القضية السورية في كل المحافل الدولية والمنظمات، وأن يكون موضوع حديثها الرئيسي ما يصيب سورية من القتل والدمار وتشريد الملايين على يد المليشيات الأجنبية المتحالفة، مباشرة أو موضوعياً، مع النظامين، السوري والإيراني. وأن يكون وقف القصف والدمار والانتقام هدفاً رئيسياً وفورياً، بصرف النظر عن جميع القضايا الأخرى، بما فيها الإرهاب، واستمرار النزاع. وقف الدمار والقتل المجاني والعشوائي ينبغي أن يكون موضوع حملة سياسية ودبلوماسية خاصة سريعة وشاملة، بهدف تعبئة الرأي العام العالمي الرسمي والشعبي ضد ما يحصل في سورية، والذي يهدد حياة ملايين البشر عقوداً طويلة مقبلة.
"تشكل إدلب، وهي عاصمة محافظة كبيرة وواعدة، أكبر امتحان لقدرة المعارضة على التصدي لاستراتيجية "الأسد أو نحرق البلد"، والحفاظ على الحياة الطبيعية في المدينة، وتجنيبها التحول إلى مدينة أشباح"
وبالمثل، حتى تضمن مصالح الشعب السوري، لا ينبغي للمعارضة أن تنتظر خطط الدول والأطراف الصديقة، أو تعتمد وتراهن عليها، مهما كانت درجة صداقتها، بل عليها أن تبلور، هي نفسها، خطة تحركها، ولا تقبل بأقل من أن تكون شريكاً كاملاً، بشكل واضح ومعترف به، في أي مبادرة مطروحة، سواء كانت من نوع إقامة مناطق آمنة، أو محظورة الطيران، أو تحالفات على شاكلة التحالف العربي الإقليمي في اليمن.
وعلى المستوى الداخلي، حتى تنجح المعارضة في حملتها الدولية، وتفرض وجودها، والاعتراف بها بالفعل معارضة على الدول والمنظمات، ينبغي أن تنجح في تحقيق الحد الأدنى من التنسيق والتعاون ووحدة الصف، وأن تكون لها رؤية مشتركة وخطة واضحة. وهذا يستدعي، على المستوى الداخلي، العمل على أربعة محاور أساسية:
الأول، إعلامي يهدف إلى تثبيت حضور المعارضة في هذه اللحظة المصيرية، والتزامها تجاه أهالي إدلب والسوريين عموماً، وإعلان استعدادها لتقديم كل المساعدات اللازمة للحفاظ على حياة السكان وحقوقهم، وكذلك وضع العالم والمؤسسات الدولية أمام مسؤولياتها. ومن الضروري، بهذه المناسبة، توجيه الدعوة لمنظمات حقوق الإنسان ووكالات الأنباء والصحافة الدولية لزيارة إدلب، وتشكيل شبكة حماية للمدينة من الناشطين الأجانب الموجودين فيها إذا أمكن، وتحويل هذا الحدث إلى منطلق لحملة إعلامية واسعة، تعيد الاعتبار إلى قضية الثورة والتعريف، على أوسع نطاق، بمعاناة السوريين، وفي المناسبة نفسها، إصلاح إعلام الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، ودعوة إعلام الثورة الجديد إلى التعاون في إرسال الرسائل المطلوب توجيهها، في هذه المرحلة، إلى السوريين والعالم.
والثاني سياسي، يهدف إلى العمل بأسرع وقت على ردم الهوة بين قيادات المعارضة، السياسية والمسلحة، والاجتماع لمناقشة خطة سياسية وعسكرية مدروسة، للتحرك على جميع المستويات، تشترك في صوغها القيادتان العسكرية والسياسية معاً، محورها تجنيب إدلب الدمار والتهجير والتشريد. ولا يمثل النجاح في التوصل إلى مثل هذه الخطة مساهمة كبيرة في تحديد مصير إدلب، وإنما سيشكل دافعاً كبيراً لتقدم مسيرة التحرير على كل التراب الوطني، بعد أن يتحول إلى نموذج لإدارة المدن المحررة، يمكن احتذاؤه في المناطق الأخرى، وسوف يشجع السوريين جميعاً، والمترددين منهم، على الانحياز للثورة، بعدما يئسوا من قدرة نظام الأسد على إخراجهم من هول الحرب المستمرة. ولا أعتقد أن مثل هذه الخطة قد نوقشت في أي مكان بعد.
والثالث استراتيجي، يهدف إلى حل المعضلة الكبرى التي لا تزال تضعف قوى الثورة، وتأكلها من الداخل، وهي شكوك يثيرها كثيرون في الداخل والخارج حول العلاقة بين القوى الجهادية والقوى الوطنية، والتي تجعل المستقبل يبدو غامضاً أمام أي تقدم على الأرض، وفي مجال التحرير. ليس من الممكن، ولا من المطلوب، تغيير اعتقادات الناس السياسية، أو تبديلها، أو التسوية بينها. المطلوب تعريف المصالح المشتركة التي تجمع بين القوى في مرحلة معينة والبناء عليها. وكما أمكن التفاهم بين المقاتلين الذين خاضوا معركة تحرير إدلب على خطة لتحرير المدينة، وهم من اتجاهات متباينة، سيكون من الممكن التوصل، أيضاً، إلى صيغة متفق عليها، لصون هذا النصر، والتعاون على حماية المدن والقرى المحررة، وتجنب الفوضى والانقسام والاقتتال. ولا أعتقد أن القوى التي قدمت عشرات الشهداء لتحرير إدلب تفتقر إلى الحنكة والرشد اللازمين، للتوصل إلى صيغة تضمن حماية المدينة من الفوضى، إذا بذل فيها ما ينبغي من الجهد السياسي والدبلوماسي والفكري، وساهمت فيها شخصيات فاعلة، وتم التواصل مع الدول الداعمة لها.
والرابع عسكري، يهدف إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية والممكنة، العسكرية والسياسية، وربما بالتفاهم مع بعض الدول الصديقة، لردع النظام عن الشروع في عمليات تدميره البربري مؤسسات الدولة ومراكزها والمرافق العامة. وقد يكون من الضروري، منذ البداية، بقاء المقاتلين في محيط المدينة للدفاع عنها، وتسليم إدارتها إلى مجلس محافظة مدني، تحت إشراف محافظ تعيّنه القيادة، والتعجيل في نقل مقرات الحكومة المؤقتة والمعارضة الخارجية إليها، والانطلاق منها للتواصل مع الجبهة الجنوبية في حوران والقنيطرة، إلى أن يتم تحرير كامل التراب السوري.
لن يمكن مواجهة استراتيجية الأرض المحروقة التي يطبقها النظام الوحشي في المناطق فور تحررها من سيطرته، زارعاً فيها الخراب والدمار والموت من دون خطة متكاملة، عسكرية وسياسية ودبلوماسية وإعلامية معاً، تخرج المعارضة من حالة تشتت القوى وضعف الرؤية وغياب المبادرة السياسية، ولا يمكن لمثل هذه الخطة أن توجد من دون توافق القيادتين، السياسية والعسكرية، وتعاونهما على مستوى الجبهات والمستوى الوطني العام. وهذا هو السبيل الوحيد لتغيير صورة الحرب نفسها ونتائجها، وتطمين الشعب على أرواح أبنائه وممتلكاته ووجوده، ودفع النظام إلى التسليم بهزيمته، وبحتمية الانتقال السياسي، بدل الرهان على حشد المليشيات الأجنبية والاحتلال.