المتابع للائتلاف الوطني بإجتماعاته ومؤتمراته وبياناته ومناقشاته ، مداولاته و إداراته و تفاصيله كافة ، يجد نفسه أمام كتلة هلامية أو تركيبة متناقضات ، فلا هي كتلة سرطانية و لا كتلة حميدة ، عبارة عن كتلة دهنية طفيلة تعيش على الهامش و تطالب بكل شيء ، دون أن تقدم شيء.
لم يستطع الائتلاف عبر السنوات الأربع الماضية من تغيير أي شيء في المعادلة السورية ، و لم يكتف بعدم التغيير و إنما يمارس الدور السلبي و الهدمي ، الإسغلالي بشكل يجعل من الثورة حالة غير منتظمة و غير ولّادة لأجيال قادرة على قيام سوريا الجديدة التي ضحى لأجلها مئات الآلاف بأرواحهم ، و ملايين الأشخاص بحاضرهم .
و لا يمكن للائتلاف أن يلعب أي دور لا بالوقت الحالي و لا المستقبلي ، و لا يمكنه الوصول إلى قلوب السوريين ، و لا حتى لأطراف مشاعرهم ، إذا ما بقي على هذا الحال من العجز و الكسل و البلادة السياسية و الفكرية و الدينامكية ، و آلية عمله التي باتت عبارة عن "عادة" وليست "تعّبد" لمشروع يسير وسط أنهار الدم المتدفق في كل قطعة و مكان في سوريا.
الائتلاف بحاجة لـ"برميل متفجر" يهتك الأسس المقيتة التي قام عليها ، ووابل من "راجمة" لينهي أي تركيبة قام عليها ، و سيل من النيران يأتي على كل ما أنشئه من مقررات و بيانات ، و يجب أن ينتقل إلى الخيم تحت الشمس و بدون ماء و ليتبخر منه كل العوالق المريضة ، و ليجوع و يعطش ليذيب الدهون و الترهلات التي تنهكه ، و ليفقد بعض الأطراف ليشعر بمعنى الفقد بعد الترف من الكماليات .
و ليكن هناك أشياء أخرى ، كأن يوضع في غرف المعتقلات و يتعرف على الظلمة جيداً ، و يتعرض للضرب والإهانة و الذل ، و يجلس بين حدود البلاد و يُنظر إليه كلقيط بلا نسب ، و ليستلقي أمام المشافي و نقاط التفتيش و مراكز الشرطة في الدول ، و يركب "البلم" يعبر به غباب البحر وحيداً بلا وجهة و لا هدف .
كل هذا غيض من فيض ، علّه يتمكن من إزالة الأنايات التي تسيطر على كل عضو/ة فيه ، على كل تفصيل من تفاصيل عمله المقيته الكريهة و التي تجعل من أي مجزرة أكثر ايغالاً في الروح نظراً لطبيعة التعامل معها ، و يجعل من كل ذل تعرض له سوري أشد موتاً وسط صمته المطلوب منه اتخاذه .
ليس الائتلاف فحسب من نناشد ببرميل متفجر أن يُسقط عليه ، بل كل تشكيل تم إلصاقه بالثوره و ادعى تمثيلها أو يبحث عن مكان جاف داخل بحيرات الدم ، ليضع كرسي يجلس عليه .
الثورة السورية كانت انتفاضة شعبية ، يتيمة ، وحيدة ، عصامية ، ارتجالية ، و لم تكن في يوم الأيام عالة على أحد ، و ليس لأحد فضل عليها ، و إنما فضلها على الجميع .
عزز تنظيم الدولة الإسلامية قبضته على نصف مساحة الأراضي السـورية بعد سيطرته على مناطق إستراتيجية واسعة، توّجها بالسيطرة على آخر معبر حدودي بين سوريا والعراق، بالسيطرة على مدينة تدمر التي تفتح طرقاً لحمص ودمشق اللتـين تعتبران من أبرز معاقل النظام في عمق سوريا، كما تمر منها الطريق الرئيسية إلى دير الزور.
لقد نشر خبراء دوليون ومعارضون سوريون خرائط تفصيلية تُظهر أن قوات النظام السوري لم تعد تسيطر سوى على أقل من 25 بالمئة من مساحة البلاد، وتتركز سيطرتها في العاصمة دمشق وعلى خط طولي ضيّق يمتد من درعا إلى دمشق، ثم تمتد السيطرة لتشمل حمص ومحافظتا الساحل، فيما يهيمن تنظيم الدولة على نصف سوريا الشمالي والشرقي، مع جيوب تحت سيطرة الأكراد تقارب 5 بالمئة من مساحة سوريا، ويسيطر الجيش الحر وبقية قوى المعارضة المسلحة على نحو 20 بالمئة من مساحة البلاد.
رغم أن نصف سوريا التي يهيمن عليها تنظيم الدولة الإسلامية لا تضم نصف سكان سوريا، ولا حتى ربعهم، إلا أنها مساحات غنيّة بالثروات، فهي تضم حقول الفوسفات وغالبية آبار النفط والغاز، ونحو نصف محطات إنتاج الكهرباء، وتعطي نحو نصف إنتاج سوريا من القمح، بينما لم يعد النظام يسيطر إلا على 10 من حقول النفط والغاز، وعلى خمس معابر حدودية من أصل 19 معبراً لدول الجوار، وهذه المعابر الخمس جميعها مع لبنان، بالإضافة إلى أنه لا يعيش تحت كنفه أكثر من 20 بالمئة من مجمل سكان سوريا.
إن سيطرة تنظيم الدولة السهل والسريع على مدينة تدمر، أثار الكثير من التساؤلات والشبهات، فالتنظيم سيطر على تدمر بما يشبه الاستلام والتسليم أي دون قتال جدي وعنيف، كما أنه عبر أكثر من 200 كم في الصحراء ليصل إلى المدينة وليحتل معسكرات ومخازن أسلحة ومطار، دون أن يتعرض لممانعة من (نظام الممانعة) الذي راح مقاتلوه ينسحبون على أنغام أغاني فولوكلورية سورية وكأنهم منتصرون.
وفق غالبية التقديرات، فإن انسحاب النظام بيسر وسهولة، هو مناورة من قبله ورسالة لإثارة ذعر الغرب من انسحاب (النظام العلماني) الذي يحمي كنوز الحضارة الإنسانية أمام ضربات (النظام الجهادي) الذي سيدمرها كما فعل في العراق، وتوقيع الرسالة واضح “إما أن تتعاملوا معي وتحتضنوني كمنقذ، أو أنكم مرغمون على التعامل مع الجهاديين كواقع يهدد التراث الإنساني”، وبمعنى آخر أكثر شيوعاً (الأسد أو تدمير البلد).
دون وقف المضخة الإيرانية والروسية عن ضخ ماء الحياة للنظام فإن الأزمة ستطول ولن يكون أمام الشعب السوري سوى الموت والجوع
إن التنظيم الجهادي القاعدي الذي يسيطر على نصف سوريا الصحراوي هو، في الواقع، هدية من السماء للنظام السوري، لأنه يبرر للنظام السوري رفع يافطة الحرب على الإرهاب وليثأر من (البيئة الحاضنة) حسب زعمه، ويدمرها بالبراميل، وبالمقابل فإن هذا (التنظيم الجهادي) يساير لعبة النظام طالما تُؤمّن له (البقاء والتمدد) من خلال رخاوة مقاومة النظام لتقدمه.
سارع كثير من المعارضين السوريين والمحللين الغربيين إلى افتراض أن النظام السوري بات قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، ورُسِمت سيناريوهات عدة، منها ما افترض بدء تطبيق النظام للخطة “ب” أي الانسحاب لسوريا المفيدة له، ومنها ما افترض أنه بدأ يرسم خطوط التماس لحدود دولتين، وبعضها افترض قرب المشهد الأخير من الأزمة السورية بقرب سقوط دمشق وهروب الموالين منها بعد انهيار مفاجئ للنظام، وغيرها من السيناريوهات التي توحي بأن الأمر مسألة أيام.
صحيح أن هناك حقيقة واضحة، وهي أن النظام لم يعد قادراً على مواجهة المعارضين لحكمه مع تعدد الجبهات التي فتحها، وبعد الخسائر الكبيرة التي مُني بها خلال أربع سنوات، إلا أن الفصل الأخير من (الفيلم) يبدو بعيداً، واقتراب انهيار النظام أمر ضعيف، لأن المضخة التي تزوده بأسباب القوة والحياة مازالت تعمل دون كلل.
إن مجموع انتصارات المعارضة السورية المسلحة بأنواعها المتعددة، لا تشكل انتصارا قادرا على لي يد النظام، ومن غير المرجح أن تحدث تغيرا إستراتيجيا يجبر القـوى الحليفة للنظام، على تغيير موقفها الداعم له تسليحيا واقتصاديا وسياسيا، وهكذا فالنظام السوري سيبقى قادرا على البقاء، طالما أن طهران وموسكو تعهّدتا بتزويده بالسلاح والمقاتلين والمال والمساعدات الأخرى بلا حساب.
إن انهيار النظام السوري يعني انهيار أحلام من يدعمه، أي أنه يعني القضاء على الحلم الإيراني بدور إقليمي فعال وعظيم يساعد إيران على الهيمنة على القرار العربي، كما يعني القضاء على الحلم الروسي منذ أيام القياصرة بالتواجد في المياه الدافئة، ويساعد روسيا المعاصرة كي تصبح واحدا من اثنين يحكمان العالم، وهذا بالذات ما يدفعهما، كل بطريقته، لدعم النظام السوري بلا حدود، وبلا حساب، وبلا رادع أخلاقي أو إنساني أو عقلاني.
صحيح أن تراكم انكسارات النظام السوري أمر مهم، ويمكن أن يُبنى عليه لإرغام النظام ومن وراءه للقبول بالتفاوض وبحل سياسي، لكن دون وقف (المضخة) الإيرانية والروسية عن ضخ (ماء الحياة) للنظام السوري فإن الأزمة ستطول، ولن يكون هناك أمام الشعب السوري سوى تحمّل الموت والجوع والمرض والفقر وكل الآلام الأخرى أزمنة أطول، ولاختصار الزمن، لا بد للسوريين أن يبحثوا عن طرق لوقف تلك المضخات.
عندما يقول ميخائيل بوغدانوف "إن الولايات المتحدة فهمت الآن أنه ليس هناك بديل من الرئيس بشار الأسد وحكومته"، فليس المهم الإزدراء الضمني لأميركا "الغليظة الذهن" التي استوعبت أخيراً نظرية المعجزة الروسية التي طالما قالت لا بديل من الأسد، لكن الأهم هو المساحة التي سيبقى الأسد رئيساً عليها.
قياساً بالواقع الميداني المنحسر والمتراجع للنظام السوري يصبح التساؤل المعكوس ضرورياً، بمعنى هل فهمت روسيا الآن انه لا يمكن الأسد ان يبقى رئيساً إلا لدويلة علوية، ترتسم حدودها فوق ركام من مئآت آلاف القتلى ودمار ساوى سوريا بالأرض وشرّد ملايين السوريين في أصقاع الأرض؟
يحتاج بوغدانوف الى كثير من الأوهام لكي يصدّق ان الأسد سيبقى رئيساً وان لا بديل منه، ولكي يفترض ان شعار"الأسد أو نحرق البلد" الذي رفعه النظام قبل أربعة أعوام لا يزال قابلاً للترجمة. فالواقع بات مختلفاً تماماً، اذ احترق البلد واحترقت معه شرعية الأسد وبقاؤه ايضاً، إلا اذا كان الرفاق في موسكو يريدون الاستعاضة عن دولة سوريا بجائزة ترضية تتمثّل في ترئيس الأسد على دولة علوية وشاطئها طرطوس!
أيضاً وقياساً بالوضع الميداني المتراجع للنظام ومؤيديه، تصبح الدولة العلوية جائزة ترضية للإيرانيين الذين قاتلوا ويقاتلون عن النظام، وسيتشبثون حتماً ببقاء هذه الدولة العلوية، ليس بديلاً من سوريا كقاعدة حيوية لنفوذهم في الإقليم فحسب، بل كبديل حيوي يبقي لهم ممراً حيوياً بحرياً وبرياً الى لبنان شرفتهم البرّاقة على فلسطين وقضيتها والعدو الإسرائيلي.
لندع الأوهام الروسية جانباً، فمن الواضح ان جون كيري لم يذهب الى سيرغي لافروف ليبصم على بقاء الأسد إلا إذا كانت خريطة التقسيم على الطاولة: تتمسكون ببقاء الأسد... حسناً خذوه رئيساً للدولة العلوية. ثم ان واشنطن تعمّدت ان تحفظ الوجه الآخر للصورة فسرّبت معلومات عن انها باقية على موقفها المعلن من ان الأسد فقد شرعيته، وان وجوده على رأس النظام تسبب ويتسبب بتأجيج المشاعر المذهبية والتطرف والإرهاب ليس في سوريا وحدها بل في المنطقة كلها !
في أي حال، بدا كلام نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف بمثابة هرطقة واهمة زاد هامشيتها إنسحاب الجيش السوري من مدينة تدمر، بعد إنسحاب الجيش العراقي من مدينة الرمادي، في ما بدا لبعض المراقبين كأنه تناغم محسوب هدفه وضع العالم أمام خيارين: في سوريا "داعش" أو النظام؟ وفي العراق "داعش" أو الحشد الشعبي؟
لكن الإرهابيين الذين سيطروا على كل المعابر بين البلدين يستعدّون الآن للتحرك نحو بغداد في العراق ونحو حمص في سوريا، وهم في الأساس ليسوا سوى صناعة أميركية روسية اسرائيلية هدفها تقسيم المنطقة كقطعة من الجبنة!
ثلاثة خطابات متوالية، قتالية النزعة، أنعم بها الأمين العام لحزب الله على حزبه وعلى الطائفة الشيعية وعلى اللبنانيين والسوريين. ومؤدَّاها أنه مستعدٌّ للقتال في كل مكانٍ، ولو أدى ذلك لهلاك نصف الطائفة الشيعية أو ثلاثة أرباعها من أجل الحياة الحرة والكريمة (!). لكنه وهو يقاتل من أجل الحياة الكريمة هذه (يعني هل هو ذليلٌ الآن؟!) توعَّد فئاتٌ من شبان الطائفة الشيعية وكهولها سمّاهم: «شيعة السفارة» الأميركية في بيروت، بالويل والثبور وعظائم الأمور. فحبكت معي النكتة، وتذكرتُ فيلمًا لعادل إمام اسمه: «السفارة في العمارة»، عن المشكلات التي تعرض لها رجل مصري اكتشف أنه يسكن في عمارةٍ بالقاهرة استأجرت فيها أيضا السفارة الإسرائيلية بعد اتفاق كامب ديفيد.
لقد دخلت السفارة إذن إلى قلب الطائفة، ونصر الله يهدد الذين يعارضونه من الشيعة بالاستئصال باعتبار أنهم جواسيس للولايات المتحدة، التي تجهد إيران من سنوات لعقد اتفاق معها حول كل شيء وليس حول النووي فقط! إنما إيران في نظر الأمين العام للحزب فوق الشك والمساءلة، أمّا كل الآخرين فهم كما يقول اللبنانيون تحت الغربال.
يقيم نصر الله تقديره بأنّ الحرب طويلة، وأنها يمكن أن تُفني نصف الطائفة الشيعية، على أمرين اثنين: أنّ أميركا متآمرة على إيران وعلى المقاومة وعلى الإسلام، وأنّ السعودية وقطر وتركيا اتفقت على العمل معًا ضد إيران والحزب في سوريا والعراق. وإذا كان ذلك صحيحًا (وهو على أي حالٍ مؤكَّد لدى الأمين العام) فمعنى ذلك انقلاب الزمان، فإلى أشهر قليلةٍ مضت، كان الأمين العام للحزب يقول إن هذه الدول جميعًا حليفة لـ«داعش»، وهو يدعو الولايات المتحدة للتحالف معه ومع بشار الأسد لمكافحة الإرهاب. أمّا الآن، فإنّ الولايات المتحدة التي أطلقت حملةً على «داعش» في سوريا والعراق منذ تسعة أشهر، متهمة بالانضمام إلى الحلف الذي يضم السعودية وقطر وتركيا، وليس لمقاتلة «داعش»، بل لمقاتلة إيران ونصر الله!
فلندع المزاح والإلزامات لخطابات نصر الله المتناقضة، ولننظر في الواقع، واحتمالات المستقبل القريب. لقد أجاب نصر الله على انتكاسات الأسد بحربٍ في القلمون. والحرب في القلمون لا تستطيع صَون الأسد وحكمه، لكنها قد تستطيع تأمين الطريق بين دمشق وحمص والساحل، والحدود مع لبنان للفترة القصيرة القادمة. وإذا كان المقصود حماية الأسد ونظامه لأطول فترة ممكنة، فسيكون على نصر الله الذهاب إلى حمص فاللاذقية للمساعدة في التحصين والحماية. كما يكون على الحزب وميليشياته الامتداد على الحدود اللبنانية، ليظل الطريق مفتوحًا، كما يكون عليه المساعدة في استعادة بلدات الغوطة الغربية والشرقية. ثم يكون عليه أيضا حماية وجه دمشق فيما صار يُعرف بالجبهة الجنوبية مع الأردن في الأقرب، ومع الجولان المحتل في الأبعد.
ماذا جاء علي أكبر ولايتي صهر خامنئي ليقول لنصر الله قبل الأسد؟ في الظاهر جاء ليهنئه بالنصر الإلهي في القلمون، والذي لم يحصل بالطبع. أما في الواقع، فإنه جاء ليقول له إنّ الحرب طويلة، وإنّ إيران مضطرة للاستمرار في خوضها حتى تتوفر عدة شروط: الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، واستعادة العراق، والنظر في العلاقة مع الحوثيين، وبدء المحادثات مع المملكة العربية السعودية وبماذا يمكن في مراحلها الأولى أن تأتي به. وهذا كله يمتد على عدة سنوات. وخلال هذه المدة هناك احتمال أن تشن إسرائيل حربًا على حزب الله وصواريخه، لإزعاج إدارة أوباما، وخلْط الأوراق، بحيث تكون لها كلمة في الانتخابات الأميركية، وفي مستقبل سوريا ولبنان. وكلُّ هذه الأمور، «وليس في الميدان غير حديدان»، كما يقال. فكل القوات التي يستطيع الحزب أن يحشدها لا تزيد على الأربعين أو الخمسين ألفًا. وفضلاً عن العجز عن الانتشار الواسع والشاسع، والقتال كل الوقت لأعداء يقفون أمامك ووراءهم ملايين الشعب السوري تنتظرهم، هناك الارتهان للبنان رئاسةً وبرلمانًا وحكومةً والذي ما عاد ينتظر. ونصر الله يهدد الشبان الشيعة المعارضين بالقتل لأنهم عملاء، ويقول للسنة والمسيحيين: إن لم تكونوا معنا في مواجهة الإرهاب، فاسكتوا وإلاّ. والخصوم هؤلاء يتجرأون أكثر من السابق، لأنهم يعرفون أن نصر الله مشغول اليدين، لكنه يمكن أن يكونَ عنيفًا.
هناك إذن ضغوط الواقع القاسية والقاتلة في العراق وسوريا ولبنان. والخطة العاجلة تسكين لبنان ولو بالقوة، وليس تهدئة الوضع بانتخاب رئيس مثلاً. والخطة العاجلة في سوريا إقامة منطقة شيعية - علوية محمية فيما بين دمشق والساحل. والخطة العاجلة بالعراق التسابق بين إيران وأوباما في إخراج «داعش» من المحافظات التي احتلتها. وكل تلك خطط على هشاشتها مكلفة كثيرًا، ولا تصمد طويلاً. لأن «داعش» لا يزال يتقدم في العراق وسوريا، ولأنّ خصوم الأسد وحزب الله الآخرين يتقدمون أيضا في كل مكان.
ما عاد أحد يأمل بمستقبلٍ لعراق موحد. وعلى الأقل وفي الحد الأدنى لا بد أن تقوم الأقاليم. أما في سوريا وحتى لو قام الإقليم الشيعي – العلوي، والذي أكثر من نصف سكانه من السنة، ماذا تفعل بالـ19 مليون سني، والذين يشكلون أكثرية حتى في اللاذقية وطرطوس؟! الاتحاد الأوروبي خرج قبل أربعة أيام بحديثٍ عن الحل الإقليمي، أي توافق على التهدئة تشارك فيه القوى الإقليمية (إيران والعراق والسعودية ومصر)، ويحضره الأميركيون والأوروبيون والروس والأمم المتحدة والجامعة العربية - وحول ماذا؟ حول سوريا والعراق.
لقد كان الوضع قبل سنتين مختلفًا. الدول العربية في مواقع الدفاع في مواجهة إيران وميليشياتها والإرهاب الآخر. والوضع اليوم أنّ إيران في مواقع الدفاع في كل مكان، دون أن يعني ذلك أن الطرف العربي قد أعدَّ البديل الجاهز! قليلةٌ هي الدول العربية التي تعتبر نفسها معنية ومسؤولة. ثم لنكن واقعيين: قليلة هي الدول العربية التي تملك قدراتٍ وإرادة. لكن من ناحيةً ثانيةٍ فإنّ إيران وفي هذه المنطقة بالذات لا تفاوض منذ العام 2003. ما تفعله أنها تسلّط ميليشياتها على تخريب البلدان والعمران وتعتبر ذلك نشرًا أو تصديرًا للثورة، وإنشاء لمناطق النفوذ. لقد كان أنصار إيران هم المقاومة والممانعة. واليوم فإنّ العرب هم الطرف المقاوم والممانع. ولديهم مهمتان: الصمود والتقدم لإرغام إيران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وتطوير استراتيجيات وبدائل لسوريا والعراق وليبيا، تشبه ما حصل لليمن.
جاء علي أكبر ولايتي إلى لبنان إذن ليحثّ نصر الله على الاستمرار في القتال لعامين آخرين. لكنّ الصبر لا يفيد شيئًا غير زيادة الخسائر: نصر الله يقاتل الشعب السوري على أرضه ولا بقاء له هناك!
" الله أكبر الله أكبر الله أكبر " كلمات تصدح عاليا في سماء مدينة أريحا والريف الإدلبي ابتهاجاً وفرحاً بالتحرير وسيطرة مقاتلي الفتح على أخر المدن المحتلة في محافظة إدلب والتي أذنت بنهاية نظام الأسد في محافظة إدلب في القريب العاجل بإذن الله.
" الله أكبر" كلمة بدأ بها المجاهدون منذ اليوم الأول لإنطلاق مسيرة التحرير على يد جيش الفتح فكان الله في عونهم ومكن لهم وثبت أقدامهم فنالوا ما انتظروه طويلاً فكان الفتح العظيم بدخول محافظة إدلب وتتالت الإنتصارات ورفعت راية التوحيد في سماء المدينة ثم جسر الشغور ومعسكرات الموت في القرميد والمسطومة لتكمل الفرحة بدخول المجاهدين مدينة أريحا وتختلط دماء الابطال بحمرة أرضها وحمرة ثمر أشجار الكرز فيها فيكتب النصر وتهزم قوات الأسد وعناصر حزب اللات منها لتندحر غرباً تحت ضربات جيش الفتح ويستمر التحرير وتنتقل المعركة غرباً فتحرر معترم وأورم الجوز وكفرزيبا وتصل قطعان الأسد أو من تبقى منها لم يقتل او يقع بالأسر لمنطقة القياسات ومنها من وصلت لسهل الغاب هاربة من شبح الموت القادم على أيدي أساد الفتح وتستكمل مسيرة التحرير وتتعالى أصوات التكبير في المآذن " مآذن أريحا" التي عملت قوات النظام على منعها من التكبير على مدار سنوات من الظلم عانت من حكم وطغيان أل الأسد وشبيحة النظام وتعود أصوات المآذن فتهز عرش الطغاة وتقض مضاجع الأسد في دمشق وحمص وحماة وحلب التي باتت ترتعش من أسم " جيش الفتح " القادم إليهم في القريب العاجل بإذن الله.
"الله أكبر " عانقت سماء الريف الإدلبي المحرر من شماله لجنوبه وخرج المئات من الأهالي يجوبون الساحات والشوارع ويكبرون ويهللون فرحا بالنصر وفرحا بالحرية التي طالما عانوا للحصول عليها من يد ظالم استبد بهم على مر عقود طويلة ولم تكن الفرحة حكراً على أهل إدلب فها هي حلب والزبداني وريف دمشق ودرعا وحماة تهلل وتكبر فرحا بانتصارات جيش الفتح وهاهم أبطال حمص الإباء من داخل ساحات الحرية في أريحا وقد شاركوا إخوانهم فرحة التحرير وقدموا الدماء التي امتزجت بطهرها بأرض إدلب التي تشرفت وارتفعت بها يتوعدون النظام وأذنابه بالعودة القريبة المظفرة الى حمص الى أرض البطولات والتضحيات للفتح العظيم والتحرير بعون الله.
ووسط هذه الأجواء تبقى أخر النقاط العسكري للنظام محاصرة في بلدتي الفوعة وكفريا شمال مدينة إدلب ومطار أبو الظهور العسكري في أقصى الجنوب الشرقي من المحافظة تنتظر ساعات البدء بالمعركة الحاسمة لتطهيرهما من رجس العصابات البربرية وإعلان محافظة إدلب الخضراء محررة بشكل كامل.
قتل حزب الله عشرات (التكفريين) وتواضع بتدمير آليتين فقط! في جرود القلمون
كل ماسبق من قتل وتدمير أورده حزب الله على وسائله الإعلامية بدعم من قسم الإعلام الحربي كما يسميه ليبثه عبر قناته المتلفزة "المنار" ويروجه ويضخمه للداخل اللبناني من يدو في فلك القناة من صفحات عبثية في مواقع التواصل الإجتماعي.
هل هو جنون أن يبث حزب الله أخبار وفديوهات ويحدد يومها (البارحة) في يوم كان الهدوء النسبي سيد الموقف في تلال وجرود القلمون!؟
نعم حزب الله يجيد السرح والمرح جيداً في وسائله الإعلامية الموجهة عالميا أو محليا، لكن بالمقابل يجيد تمرير رسائل في وقتها وهو في وقت بأمس الحاجة أن يعرف الخطاب الإعلامي لخصمه "في بيروت" قبل عدوه " خارج الحدود"، فجيش الفتح سبب نوعا من الإرباك لحزب الله جراء تكتمه الشديد على مجريات المعارك، ولم يبث صوراً من المعركة إلا لجثث الحزب!، يقابلها نفي وتأكيد وتسريبات من ناشطي القلمون بلهجة تهكم واستهزاء بأخبار الحزب الوهمية بمعظمها.
حزب الله في رسالته الإعلامية الأخيرة مدعوماً بفيديو من طائرة استطلاع - تقلع من الأراضي اللبنانية نحو الأراضي السورية كما يقلع مسلحوا الحزب لكافة التراب السوري - أراد عبر فيديو قديم جديد مركب من عدة مشاهد قديمة وتعليقات صوتية حديثة من مذيع المنار لكنها ليست بتاريخ (البارحة)، أضف إلى ذلك كيف علم حزب الله بمقتل العشرات رغم أن من ظهر في المقطع شخصين فقط!، هذا في حال إفترضنا جدلاً ان الفيديو حديث، حزب الله ضمن خطابه المعهود الكاذب اعتاد بأن يصف كل من في الجرود بالإرهاب ويوزع انتمائتهم كما يشاء وبما يناسب هواه، فأورد في خبر آخر مع الفيديو أن مجموعة كاملة من لواء الغرباء قد قتلت ونسب اللواء المذكور لجبهة النصرة! مع ان بيان تجمع واعتصموا القائم قبل المعركة بأيام يوضح ان الغرباء فصيل من فصائل التجمع الذي يشكل مثله مثل جبهة النصرة أحد مكونات جيش الفتح، وللتوضيح ان اخر شهيد ارتقى من مقاتلي تجمع واعتصموا منذ يومين قبل الفيديو وهو فعلا من لواء الغرباء بحسب ما أوضح لنا مدير المكتب الإعلامي في التجمع (في اتصال خاص)، وربما سمعوا عبر اللاسلكيات بان الشهيد من اللواء، أي ان عملية التقرير (الفيديو) عبارة عن تجميع معلومات فكم بلغ الحزب من الإفلاس إذاً؟!
لم يكن حزب الله بكذبه يقصد إستفزاز عدوه (جيش الفتح) فحسب، بل كان يقصد بالدرجة الأولى إمتحان وردة فعل خصومه (معارضي سياسة الحزب) في لبنان، إضافة لقياسه لنسبة تجاوب زج الجيش اللبناني في حرب الحدود، بالمختصر عملية جس نبض بعد أن سرب ناشطو الثورة السورية خبر مفاده وصول حزب الله إلى جرود قرية عرسال اللبنانية عبر جرود قرية نحلة على مرأى الجيش اللبناني مستنكرين وموضحين أن هذه الجرود تحوي لاجئيين سوريين وعرضت للقصف أكثر من مرة عبر عام وذهب منهم شهداء.
إذاً الأهم اختار حزب الله توقيت الخبر الكاذب ليترافق مع تصريحات مفتي لبنان بأن عرسال "القرية" خط أحمر، كما ان هذا التضخيم بقتل العشرات والتصوير الهوليودي أتى بعد حملة عصفت بأمينه العام من ناشطين وموطنيين لبنانيين تحت شعار "مين قلك خايفين" بعد تحذيرات ألقها في خطابه لتيار المستقبل ومسيحيي اللبنان من قبل من وصفهم بالإرهابيين، أضف إلى ماسبق فئة (شيعة السفارة) التسمية التي نتجت بعد وصف نصر الله لمن لا يؤيده من الشيعة اللبنانيين فردوا عليه بحملة #كلنا_شيعة_السفارة.
الجيش اللبناني أيضا صدرت اليوم عنه ردة فعل حيث دخل قرية عرسال الذي هو متواجد حولها اصلاً فدخلها مع كميرات التلفزة تحت نبأ مفاده " قوة من اللواء الثامن في الجيش تدخل في هذه الأثناء إلى بلدة عرسال وسط ترحيب كبير من الأهالي" وفعلاً لم يسجل أي مداهمات او اعتداءات على اللاجئين كما سبق منذ ايام في الداخل اللبناني….فهل تبقى نسبة استجرار الجيش اللبناني للتدخل في عرسال وحدودها محدودة ومحمولة كما هي لغاية اليوم!؟
بالإنتقال لردة فعل جيش الفتح، كان عدم الرد أقوى رد كما يبدو، فهو (الفتح) سبق ونفى تواجده في جرود عرسال، عدم الرد على كل ماينبح به حزب الله سياسة اربكت الحزب فتهويله وكذبه إنكشف مع كذبة تحرير قرية عسال السورية في القلمون السورية والتي هي بالأصل محتلة من قبله ونظام الأسد منذ عام ونيف.
أريحا أو "ريحا" كا يحب أهل إدلب تسميتها ، عادت للأحرار من جديد ، عادت مضرجة بدماء الشهداء الذي ضحوا و إستبسلوا و هزموا قوات الأسد و كل من يسانده ، وكل من دعمه ، أريحا حطمت القيود من جديد ، و عادت للحرية .
لم يحتج الأمر أكثر من ساعات معدودة ليعلن جيش الفتوحات تحرير أريحا و إنضمامها إلى أشقائها الجسر و إدلب و باقي المدن و القرى الإدلبية ، في معركة قياسية ، و قوية ، و قاسمة.
مع هدوء رياح المعارك بعد تحرير "المسطومة" ، ظنّ الأسد و قواته أنه بات في مأمن من ضربات جيش الفتح ، ظنّ أن النهاية باتت بعيدة و أن الثوار تعبوا و وهنوا ، من سلسلة المعارك المتتالية "إدلب – جسر الشغور – القرميد – جبل الأربعين – المسطومة" ، لكن كالعادة كسر "الفتح " التوقعات ، و حدد الموعد مع موعد قطاف الكرز ليتوزع على كل إدلب المحررة .
و أريحا هي نقطة إضافة في مسيرة "الفتح" التي حدد رؤيته منذ تشكيله قبل شهرين ، إسقاط الأسد ، و التقدم صوب مراكز قوته و قواته ، فالطريق بات مفتوحاً و في كل الإتجاهات و على جميع التوقعات .
جيش الفتح مازال سر كبير ، و عاصفة لن تهداً إلا مع نهاية النظام .
اذا كانت الحال التي يظهر بها السيد حسن نصر الله تعكس حال ايران، فهذا يعني أن «الامبراطورية» ليست على ما يرام، وأن تأزّمها يراوح بها بين فقد الرزانة وفقد الأعصاب. ليس الأمين العام لـ «حزب الله» من يقول الشيء وعكسه هذه الأيام، بعدما قلبت «عاصفة الحزم» مزاجه العام، بل ان المرشد علي خامنئي نفسه يعلن رفض تفتيش المنشآت العسكرية ثم يسمح بإطلاق إشارات الى الولايات المتحدة بإمكان الموافقة عليه في إطار تنفيذ الاتفاق النووي، تماماً كما فعلت طهران حين حاولت كسر شرط تفتيش سفينة «المساعدات» الى اليمن ثم قبلته بعدما غيّرت حمولة السفينة. لا شك في أن لمرحلة ولادة الاتفاق النووي آلامها، لكن يبدو أنها ليست الآلام التي توقّعتها ايران.
مضت فترة من دون أن تتلقى طهران أخباراً طيبة من العراق وسورية واليمن، على رغم يقينها بأن «مشروعها» ماضٍ في طريقه. وإذا كانت «انتصارات» النظام السوري و «حزب الله» في جبال القلمون أشعرت علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد، بـ «الفخر» لأنها «تقوّي محور المقاومة»، كما قال، فإن نصر الله لم يشر يوماً الى حاجة هذا المحور الى تقوية بل أكد دوماً أنه ليس قوياً فحسب بل إن لديه فائض قوة. لكن الرجلين، حين جلسا لتقويم الأوضاع، وجدا أن حليفهما السوري في وضع يرثى له، وحليفهما العراقي يكاد ينسى واجبه الجهادي ولا يبدي كفاءة في ازاحة سذاجات «احترام الدستور»، وحليفهما اليمني يواصل بلاءه الحسن في الغباء واستدراج كل العداوات الداخلية له ولـ «محور المقاومة» معه.
لو أن لنصر الله صديقاً لوجب عليه نصحه بأن يكون ظهوره الاعلامي الأخير هو الأخير فعلاً. فكيف لرجل يقاتل في القلمون تنظيمين مصنّفَين ارهابييَن عالمياً أن يكون مُستَثاراً ومستَفزّاً وموتوراً الى هذا الحد في «انتصاره» عليهما، وكيف كان ليبدو لو كان «مهزوماً»، وما الذي دهاه لينخرط هو شخصياً في تهديد قطاع من طائفته وتصنيفه بأنه «شيعة السفارة» (الاميركية) اذ يرفضون مشروعه الايراني ولا يعاملون بالسمع والطاعة، بل ما يكسب من إظهار جمهوره الخاص وكأنه قطيع يخرج الى الميادين عند أول اشارة؟
واقع الأمر أن نصر الله، الذي كان يحتفل بذكرى تحرير جنوب لبنان، مدرك أن عربدات حزبه في لبنان ثم في سورية وغيرها ابتعدت به عن المقاومة الموقّرة، ورمته في دهاليز «المشروع الايراني». استغلّ الذكرى للقول إن «البعض» في هذا البلد، ويعني الشيعة في لبنان، هو مَن اختار المقاومة ولولا انتصارها لما كان هناك بلد، لكنه استغلّها أيضاً لرمي الآخرين بالتخوين وبتفضيل اسرائيل على المقاومة. فإمّا أن لديه وقائع وأدلة وأتاح له ضغط الأحداث فرصاً كثيرة لكشفها، وإمّا أنه مسكون بنظرية المؤامرة الى حدّ امتهان التلفيق والتضليل. أما الوقائع ذات الصدقية فأثبتت أن العديد من المحيطين به ضَبطوا بالتخابر مع اسرائيل، وأن حزبه تولّى التغطية على احد «العملاء» بسبب قربه من حليفه ميشال عون فكافأته المحكمة بحكم مخفّف لم يحظَ به متهمون آخرون. ثم أن أحداً ممن يعتبرهم خصوماً أو «خونة» لم يتهم بالتجسس لمصلحة العدو. وبمعزل عن اسرائيل، وفي سياق الوقائع أيضاً، ماذا يسمّى اغتيال رفيق الحريري ورفاقه وصولاً الى وسام الحسن ومحمد شطح، أهو عمل وطني، فعل مقاومة، واجب جهادي؟... إنه ببساطة انعدام ضمير. وماذا يسمّى قنص المتظاهرين السوريين في مطالع ثورتهم، وقتلهم واستباحة أرضهم، والقتال من أجل نظام مجرم، أهو دفاع عن «المقاومة»، او واجب قومي أو جهادي؟... إنه ببساطة تطوّع في الإجرام وسقوط أخلاقي تجدر محاكمة صاحبه وليس منحه الفرصة ليُحاضر في الوطنية والعزّة والكرامة.
أثبت نصر الله أنه صار أسير تنظيرة ايرانية مفادها أن «التكفيريين» اليوم هم اسرائيل الأمس، وأنه هو القائد المختار لهزمهم كما هزم اسرائيل. فمنذ عامين ونيّف وجد في «التكفيريين» ملاذاً مريحاً، يهرب اليه كلما تناهت اليه مساءلات عن قتاله في سورية. كان لا يزال لديه وازعٌ داخلي يدعوه الى التبرير، بل سمع داخل جمهوره من يطرح تساؤلات فراح يشرح ذرائعه و «اضطراريته»، مشيراً تارة الى حماية المقامات وطوراً الى حماية سكان مهدّدين، وهو يعلم أنه غير مقنع. ثم تخلّى شيئاً فشيئاً عن حصافته، فالأزمة السورية طالت ولم يحصل «النصر» الذي وعد به بل اعتبره محسوماً، وتفجّرت الأزمتان العراقية واليمنية، ولم يعد معنياً بالتبريرات. أصبح يقول أنه لا يطلب تفويضاً من اللبنانيين أو أي أحد آخر، الى أن قال أخيراً أن حزبه يقاتل حيث يشاء. لماذا؟ لأن هناك «تكفيريين» يبحث عنهم ويبحثون عنه، علماً أنه لم يقاتل «داعش» في أي موقع. حتى في القلمون يقاتل «جبهة النصرة» التي تقاتل النظام السوري ولا يقاتل «داعش». وفي القلمون حرص على «تحرير» المناطق السورية، ودفع «النصرة» الى مناطق لبنانية. أراد ان يضغط على الجيش اللبناني لتوريطه.
من الواضح أن الحدث اليمني أحدث فارقاً مؤلماً بين نصر الله ما قبل ونصر الله ما بعد. لم يهزّه «العدوان»، كما يسمّيه، ولا الضحايا والدمار، بل أغضبه أن الأولاد الذين هو بمثابة مرشدهم ضلّوا الهدف في اللحظة الأخيرة، وخسروا الرهان بعدما صار في أيديهم. كان يتطلّع الى «دولة الحوثيين» باعتبارها النموذج أو الارهاص لما يريد تطبيقه في لبنان، وقد أنجز خطوات متقدّمة على طريقه مزيلاً عوائق كثيرة. فالحكومة تركيبة هشّة كما كانت الحكومة التي أشرف الحوثيون على تأليفها في اليمن، ومجلسا النواب متشابهان بعجزهما، والجيشان مخترقان بمعرفته وبمساهمة حلفائه، والأهم أن رئيساً للجمهورية لا منتخباً ولا انتقالياً ليضطر الى حبسه أو مطاردته في مدينة أخرى، وهذه ميزة لم يحظَ بها الحوثيون. كل شيء جاهز، حتى أن لديه تحالفاً مع العماد عون يوازي تحالف الحوثي مع علي عبدالله صالح، واذا اتهم بالانقلاب فإن لديه رئيساً حاضراً هو مرشحه «الوحيد». واذا لامه أحد سيرد بأنه يردّد علناً منذ شهور أنه سيتصرّف اذا لم تتحمل الدولة مسؤولياتها، وهو يعلم أنه بسلاحه غير الشرعي كان ألغى الدولة منذ زمن، ولو نجح الحوثيون لكانوا أعطوه دفعة لإنجاز مشروعه. فلا هو ولا الحوثي معنيان بالسلطة والسيطرة لا بترهات بالاستقرار أو بالتعايش.
عندما طرح نصر الله حزبه كـ «ضمانة» للمسيحيين والسنّة في لبنان كان يبلغهم عملياً أن «داعش» في الداخل. فهو عليم بما ينويه هذا التنظيم مسبقاً. ألم يقل سابقاً (16/02/2015) أن «هدف داعش هو مكة المكرّمة وليس بيت المقدس»؟ ألم يقل في خطابه الأخير أن الموصل والرمادي لن تعودا اذا استمر الاعتماد على الولايات المتحدة؟ لا يمكن نصر الله أن يكون أكثر وضوحاً ليفهم من يهمه الأمر أن التحرر من «داعش» يكون بقيادة ايران أو لا يكون. وإذ يرى «التسهيلات» لـ «داعش» في أماكن فإنه يغض النظر عنها في أماكن اخرى، لئلا يزلّ لسانه بأي علاقة لإيران بهذا التنظيم. انصتوا الى نصر الله فهو يعرف كل ما يخطط له «داعش» كما لو أنه ينسّق مع ايران. وطالما أنه عرض ضمانته فإن أقل ما يتوقّعه، عدا الشكر والثناء، أن يُبايَع مرشداً/ ولياً فقيهاً/ ملكاً/ رئيساً!... فبعد مرور عام على شغور رئاسة الجمهورية في لبنان صار متاحاً للامين العام لـ «حزب الله» القول «أنا الدولة والدولة أنا». لكن مشكلته أن مغامرته البشعة في سورية جعلته صنواً لـ «داعش» وللنظام، وكلاهما دولتهما زائلة.
لأن هناك دعوة من المملكة العربية السعودية لاجتماع واعد، إنْ ليس لكل فلمعظم تشكيلات وقوى ورموز المعارضة السورية، المعتدلة بالطبع، فإنه ليس ضروريًا قطع الطريق على هذه الدعوة وعلى هذا الاجتماع بدعوة أخرى واجتماع آخر في القاهرة، وهو الاجتماع الذي تم الإعلان عنه قبل أيام قليلة والذي قيل على لسان أحد منظميه إن نحو 200 شخصية من المعارضين السوريين سوف يحضرونه، والواضح وهذا معلن وليس مجرد تكهنات أنَّ الهدف الرئيسي هو إيجاد بديل لـ«الائتلاف» الذي مقره في إسطنبول والمعترف به، كما هو معروف، من قبل أكثر من 100 دولة من بينها الكثير من الدول الكبرى على أنه يمثل الشعب السوري.
لم يكشف النقاب بعد عمَّن ستوجه إليهم الدعوة لحضور الاجتماع الذي دعت إليه المملكة العربية السعودية بموافقة بل بمباركةٍ قطرية وتركية لكن كل التقديرات وكل المعلومات تؤكد أنَّ التركيز سيكون على «الائتلاف» السوري وعلى الجيش الحر وعلى القوى المقاتلة الفاعلة على الأرض، إنْ المنضوية فيما سمي «جيش الفتح» في مناطق إدلب وجسر الشغور والقلمون، وإنْ المسيطرة فعلاً في الجبهة الجنوبية وفي منطقة القنيطرة في هضبة الجولان.
هذا بالنسبة لاجتماع المملكة العربية السعودية. أما بالنسبة لاجتماع القاهرة، فإن الواضح أنَّه مجرد نسخة جديدة لاجتماعات ولقاءات سابقة شهدتها العاصمة المصرية على مدى الأعوام الأربعة الماضية وإن الواضح أيضًا أنه مجرد لقاءٍ مكرر من اللقاء الأخير الذي تم في العاصمة الروسية والذي هناك إجماع من قبل المستضافين والمضيفين على أنه لم يحقق أي إنجاز وأنه كان مجرد قفزة في الهواء مثله مثل كل الاجتماعات السابقة التي تداخلت فيها الألوان التي شهدتها موسكو.
لقد كان بالإمكان أن يُفهم اجتماع القاهرة، الذي لا شك في أن الجديد فيه هو الإعلان عن تمسكه بـ«المرحلة الانتقالية» على أساس (جنيف 1)، على أنه رديف لاجتماع السعودية ومكملٌ له، لو لم يبادر «المُنظِّمون» إلى الإعلان عن بديل جديد لـ«الائتلاف السوري» تحت اسم «الحركة الوطنية السورية» ولو لم يُشِدْ أحد هؤلاء المنظمين بالجيش العربي السوري الذي يستحق مثل هذه الإشادة وأكثر لو أن انحيازه كان لشعبه، الشعب السوري العظيم، ولو أنه لم يتحول إلى «ميليشيات» طائفية ومذهبية لم تتورع عن ارتكاب مذابح ومجازر بالبراميل المتفجرة وبالغازات السامة وبالأسلحة الكيماوية، ولو أنها لم تُلحق كل هذا الدمار والخراب المرعبين بأهم وأكبر المدن السورية ومن بينها حلب وحمص وحماه ودرعا.. وأيضا العاصمة دمشق.
إنَّ المفترض أن تكون هذه المرحلة، على أساس تجارب ثورات العالم الناجحة كلها، مرحلة انتقالية تلتقي خلالها كل قوى الثورة المقاتلة وغير المقاتلة على برنامج الحد الأدنى وأن يكون هناك استبعاد لكل عوامل الافتراق وتقريب لكل عوامل الوحدة والتلاقي، إذ إن هذه المرحلة من أخطر المراحل وإذْ إن الموقف الذي يجب أن تتلاقى عنده كل هذه التشكيلات والتنظيمات الفعلية وشبه الفعلية هو تفاني الجميع في الحفاظ على الوحدة الوطنية وتفاني الجميع في الحؤول دون انهيار الدولة السورية كدولة وتفاني الجميع في ضرورة الإسراع في بناء «الجيش العربي السوري» من جديد وبعيدًا عن مراكز القوى الطائفية التي كانت آفة فعلية وأوصلت هذا الجيش العريق فعلاً إلى ما وصل إليه، حيث أصبح في السنوات الأخيرة مجرد شراذم «ميليشيات» مذهبية.
ليس تشكيكًا في اجتماع القاهرة، الذي كان خطأ فادحًا أن يبادر منظموه إلى الإعلان عن أن تنظيم «الوحدة الوطنية السورية» الذي ينوون تشكيله، سيكون بديلاً لـ«الائتلاف الوطني السوري»، ولكن ألمْ يكن من الأفضل يا ترى، بدل كل هذا الاستقطاب الشديد وبدل كل هذا التشرذم، أن تنصبَّ الجهود كلها في اتجاه إنجاح الاجتماع أو المؤتمر الذي دعت إليه المملكة العربية السعودية بدعم من تركيا وقطر، وبخاصة أن المفترض أنَّ هناك توافقًا إنْ ليس اتفاقًا على أنَّ «جنيف 1» هي المنطلق وهي الهدف وأنه لا مكان لبشار الأسد ونهائيًا في المرحلة الانتقالية المنشودة وأنه أيضًا لا مكان لـ«داعش» ولا لأي من التنظيمات المتطرفة لا في هذه المرحلة ولا في مستقبل سوريا التي يجب وبالضرورة بعد كل هذه التضحيات وكل هذه التجارب المريرة أن تكون دولة ديمقراطية ولكل أبنائها ولكل مكوناتها الاجتماعية والسياسية.
إن هذه مسألة في غاية الأهمية لكن الأهم منها هو أنْ يدرك أصحاب مؤتمر القاهرة أن طرق الحلول التي يقال إن الروس والأميركيين يحاولون التوصل إليها لن تكون آمنة وسالكة ما لم يتم التخلص أولاً من «داعش»، وثانيًا من كل التنظيمات المتطرفة. وهذا في حقيقة الأمر يتطلب التقاء كل القوى المعتدلة العسكرية وغير العسكرية على برنامج الحد الأدنى ويتطلب الحفاظ على «الائتلاف الوطني السوري» وعلى التشكيلات والهيئات المدنية والمسلحة المنبثقة عنه كالجيش الحر وكجيش الفتح.. والحكومة الوطنية فالمعركة مع هذا النظام لم تنتهِ بعد وهي من المنتظر ألا تنتهي طالما أنَّ إيران لم تتخلَ عن تطلعاتها التمددية والاستحواذية في هذه المنطقة وطالما أن روسيا مستمرة في استخدام مشكلة سوريا كورقة في لعبة الصراع في أوكرانيا بينها وبين الغرب الأوروبي والولايات المتحدة.
وهنا فإن السؤال الذي يجب أن يواجهه منظمو مؤتمر أو اجتماع القاهرة الجديد إلى أنفسهم قبل وبعد تشكيل «الحركة الوطنية السورية» هو: هل هم قادرون يا ترى بإمكانياتهم المتواضعة وببياناتهم وبرامجهم وأوراقهم على الحلول محل التشكيلات المسلحة مثل «الجيش السوري الحر» وكل التنظيمات المنضوية في إطار «جيش الفتح» ومن بينها منظمة «النصرة» التي يقال إنها ستبادر، حتى قبل الذهاب إلى المؤتمر الآنف الذكر الذي دعت إليه المملكة العربية السعودية، إلى الإعلان عن عدم وجود أي علاقات لها لا تنظيمية ولا غير تنظيمية لا بـ«القاعدة» ولا بأي من التنظيمات المتطرفة والإرهابية الأخرى.
وهكذا فإن الأفضل أن تكون «الحركة الوطنية السورية» المزمع تشكيلها في اجتماع القاهرة الجديد جزءًا من الإطار السياسي للتشكيلات العسكرية (المعتدلة) المقاتلة على الأرض التي من المفترض أن يتم البدء بتوحيدها ودمجها بعضها بالبعض الآخر ومن الآن، لتكون نواة للجيش العربي السوري الجديد الذي يجب أن يتولى الحفاظ على وحدة سوريا وعلى تآخي كل مكوناتها السياسية والطائفية ويمنع وبالقوة أي عمليات ثأرية وأي استهداف لأي من هذه المكونات وبخاصة الطائفة العلوية التي يجب أن تكون لها مكانتها ويجب أن يكون لها دورها في المرحلة الجديدة في سوريا الجديدة وعلى قدم المساواة مع المكونات الأخرى.
إنه لا شك في أن منظمي اجتماع القاهرة يعرفون، استنادًا إلى تجاربهم واطلاعهم وثقافتهم السياسية، أنَّ نظامًا كنظام بشار الأسد، ارتكب كل هذه الجرائم ولا يزال يحظى بدعم إيران وروسيا، لا يمكن إلزامه بالانصياع إلى حقائق الأمور وإلى القبول بحلِّ (جنيف 1) وبالمرحلة الانتقالية المتفق عليها إلا بالقوة وهذا ما يجعل دور التشكيلات المسلحة (المعتدلة) التي تحقق الآن انتصارات فعلية وفي كل الجبهات رئيسيًا وضروريًا الآن وفي المراحل المقبلة وإلى أن تستقر الأمور وتصبح الأوضاع مهيأة وملائمة لإجراء انتخابات حرة وديمقراطية.
إنه على منظمي اجتماع القاهرة أن يتجنبوا أي محاولات إلغائية لما هو موجود ولمن سبقهم وبخاصة «الائتلاف الوطني السوري» الذي يحظى باعتراف أكثر من 100 دولة على أنه ممثل الشعب السوري، ثم وإن عليهم أن يتذكروا أنه إن تركت الثورة الجزائرية المجيدة الساحة النضالية للقوى المدنية وللكفاءات السياسية والاجتماعية فإن المؤكد أن اجتراح الاستقلال واستعادة السيادة الوطنية ربما كانا سيتأخران إلى عقدٍ أو عقدين من السنوات على الأقل!!
كان الاستياء من السياسة الروسية واضحاً، وظل سؤال الحضور عن السبب الحقيقي وراء الموقف الروسي من المسألة السورية من دون إجابة شافية من المشاركين الروس. ولم يستطع مؤتمر "العرب وروسيا: ثوابت العلاقة وتحولاتها الراهنة" الذي نظمه، قبل أيام، في الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إقناع أصدقاء روسيا، قبل أعدائها، من العرب، أو من السوريين، بشأن سبب مساندة موسكو النظام السوري، والمشاركة في نزف الدم السوري.
وكرر أصدقاء روسيا الذين تعلموا فيها، وتزوجوا من بناتها، الأسف من موقفها، مثلما يكرره كثيرون، محللون وسياسيون، في روسيا نفسها، على ضوء العلاقات التاريخية الروسية العربية، ومحاولة روسيا العودة إلى المنطقة العربية.
لم تقنع إجابات المدافعين الخجولة أحداً، كانت متناقضة، عزاها بعضهم إلى أسباب عقائدية أو سياسية أو انتهازية، وعزاها آخرون إلى عقلية الرئيس فلاديمير بوتين والمافيا المحيطة به. ما هي حقيقة الدوافع الروسية من المسألة السورية؟ وما هي الأسباب وراء هذا الموقف المخزي؟ معرفة الدوافع تستوجب دراستها بهدوء، والدفاع عنها، أو تفنيدها الواحد تلو الآخر. ربما سنصل إلى حقيقة أن جميع المسوغات المطروحة لا أساس لها من الصحة، وتنم عن لا أخلاقية السياسة الروسية، وتعارضها مع حق الشعب السوري.
وربما ينكشف غموض الموقف الروسي من زاوية العلاقات العالمية، وأهداف موسكو في الحصول على مكاسب في قضايا أكثر أهمية لها من القضية السورية برمتها.
"هناك من يبرر الموقف الروسي بردود فعل "أوكرانية"، على أساس أن موسكو بدأت تشعر بالعزلة الدولية"
لنبدأ من أتفه التبريرات، تلك القائلة إن روسيا اتخذت هذا الموقف من أجل المحافظة على قاعدتها البحرية في طرطوس، أو المحافظة على حقوق التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية، أو الخوف من إنشاء أنبوب غاز قطري يمر بالأراضي السورية إلى البحر الأبيض المتوسط، ما يهدد المصالح الروسية، ويشكل منافسة للغاز الروسي في الأسواق الأوروبية. لا يحتاج المرء المتابع عناءً كثيراً ليجد أنه ليس لهذه التبريرات الثلاثة أساس من الواقع. أما التبرير بأن سورية سوق للسلاح الروسي، خصوصاً المتقادم الذي لا يشتريه أحد، فلا يصمد عندما نلاحظ افتقار سورية النقد الأجنبي اللازم للسلاح أو للغذاء، في ظل الاقتصاد المنهار.
يمكن الانتقال إلى أسباب أخرى، هي أن الموقف الروسي ينسجم مع أحلام إسرائيل في تحطيم سورية والقضاء عليها، دولة ومجتمعاً، وهي، في ذلك، تلتقي مع المشروع الأميركي الذي يدعم إسرائيل، ويحافظ على تفوقها الاستراتيجي. وفي السياق نفسه، سوف يستنزف ذلك إيران، ويمنعها من أن تصبح دولة قوية، خصوصاً إذا عرفنا أن روسيا تدعم إيران بالقدر الذي لا يخل بالتوازن في الشرق الأوسط الذي يحافظ على تفوق إسرائيل.
وهناك من يبرر موقف موسكو بخوفها من سقوط النظام السوري، وتنامي نفوذ تيارات الإسلام السياسي في المنطقة، وإمكانية تصديره إلى روسيا، والأقاليم الإسلامية المتاخمة، ويتسق هذا الموقف مع خوف موسكو من إضعاف القوة الشيعية، وبالتالي، فشل الاستراتيجية التي تعمل عليها، وهي مواجهة الدور التركي بدور إيراني متميز في المنطقة. يسقط هذا التبرير إذا لاحظنا أن موسكو اتخذت موقفها قبل أن تستجد معارضة إسلامية، فيطرأ تخوف من تيار إسلامي، يمكن أن يرتد إلى موسكو.
وهناك من يبرر الموقف الروسي بردود فعل "أوكرانية"، على أساس أن موسكو بدأت تشعر بالعزلة الدولية، بعد اندلاع الصراع في أوكرانيا، وبالتالي، محاولة موسكو الاحتفاظ بورقة مهمة في التفاوض مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وفي هذه الحالة، قيمة سورية بالنسبة إلى روسيا أكثر بكثير من قيمة سورية بحد ذاتها. وهذا يعيدنا إلى سعي موسكو إلى المحافظة على نفسها قوة عظمى، من دون أي اعتبارات أخلاقية أو إنسانية، لا يهم الغرق في الدماء وتشريد الملايين، إذا كان يحافظ على موقع موسكو في العالم، ويرضي غرور قادتها، خصوصاً بعد أن شعرت موسكو بالتجاهل، إثر تدخل حلف الناتو في ليبيا وإسقاطه نظام القذافي، وخسارة موسكو نفوذها وعقود تسليح ليبيا التي تتجاوز مليارات الدولارات، إنه الشعور بالإهمال وانعدام الوزن استمرت على هذا المنحى.
تريد روسيا المحافظة على نفسها قوة عظمى في السياسة والاقتصاد والإعلام، حيث انتهت إمكانية المحافظة على نفسها قوة عظمى في الحروب الكبرى، فزمن الحروب الكبرى انتهى. وفي الاقتصاد، لا يمكن لموسكو أن تكون دولة عظمى، واقتصادها على حافة الهاوية. وفي الإعلام، انتهت أيام الحرب الباردة، وانتهت أوهام القوة وأسرارها. ليس هناك من إمكانية "لدولة عظمى" إلا في السياسة، عندما يصول ويجول مندوب روسيا في الأمم المتحدة، ويشعر بوتين بالزهو، عندما يستطيع أن يعطل أي قرار لمجلس الأمن، وتتوافق حساباتها مع حسابات الولايات المتحدة في إضعاف إيران وحزب الله والمجموعات التكفيرية والإسلام السياسي، ويفاوض لافروف كيري على كل صغيرة وكبيرة في العالم.
لم يظهر وجه الجولاني خلافاً لكل التوقعات ، ولم يعلن نزع ثوب القاعدة وفق ما آلت إليه التحليلات ، و لم يطلق حرباً ضد العلويين أوالمسيحين ، ولم يهدد الغرب وأمريكا بأن يحول سوريا لنقطة انطلاق العمليات اتجاهها ، و لم يعد بأن يحكم سوريا وفق ما يشاء .
أطل الجولاني ، و لنكن دقيقين بأن ما ظهر هو صوته مع كتفه الأيمن و يديه ، بلقاء رتيب في قاعة شامية و لباس شامي ، حديث هادئ لم يحمل المفاجئات التي إستبقت اللقاء .
جدد الجولاني في لقاءه الإرتباط مع القاعدة و إلتزامه بالتعليمات المعطاة له فيما يخص بالحرب في سوريا ، و كرر أكثر من مرة أن الهدف الأسد كشخص و نظام ، و ليس كطائفة ، و أن القتال سيكون موجه نحو من يرفع السلاح .
التطمينات التي يبحث عنها موالي الأسد قد وصلت و منحهم إياها الجولاني ، و حدد شروطها بـ( التوبة و التبرئ) ، ليكون عنوان المرحلة القادمة ليس حربي بكل تفاصيله فهناك طريق آخر يتمثل بالإنصياع السلمي لكل من وقف و يقف مع الأسد مهما كانت أفعاله و جرائمه ولخصها بـ"لو كان قاتل لـ ألف منا" ، هذا العرض الذي قد يكون مستفزاً للكثيرين في هذه الوقت في التحديد ، و لكنه مدروس و بمكانه ووقته ، ليتم إنهاء الحرب بأقل الخسائر و أسرع وقت .
حاول الجولاني الظهور بمظهر الإسلامي المعتدل و تخطي كل السلبيات التي سقطت بها داعش ، و عرض نفسه كشريك جيد و فعال لكل من حوله على اختلاف إنتمائتهم و توجهاتهم و حتى عقائدهم .
قاد الجولاني عملية تسويق عالية المستوى لجبهة النصرة ، بأنها ولدت يتيمة و قويت وحدها ، و مستمرة باعتمادها على ذاتها ، و تسير دون توجيه أو رسم للطريق من أي كان باستثناء الخطوط العريضة التي تم تحديدها من أمير القاعدة أيمن الظواهري المتمثلة بـ"اسقاط نظام الإستبداد و إقامة دولة إسلامية رشيدة ترضي أهل الشام".
الجولاني الشاب الثلاثيني لم يأتي بجديد إلا السعي خلف التهدئة مع الجميع ، ومع كل الأطراف و حتى مع من يواجهون الشعب .
الجولاني انتقد الفصائل ، و عالج النقد بالقبول و متابعة المشوار جنب إلى جنب .
الجولاني حدد الهدف المرحلي الوحيد ، و لم يأتي على ذكر ما بعده ، و كأنه يقول "إذا سقط الأسد" سينتهي كل شيء .
تذهلني البيانات السياسية التي تطالب الجميع بوقف الحرب والعنف فورا، ومباشرة العملية السياسية كطريق وحيد لحل الأزمة السورية ووقف معاناة السوريين!
وكأن أصحاب تلك البيانات يقولون إن الحل السياسي متاح وفي متناول اليد وأن هناك من القوى السياسية من لا يرده.
وكأنهم يقولون إن عصابة اللصوص وقطاع الطرق التي تحكم دمشق جاهزة للحل السياسي وتقديم ما يتطلبه من تنازلات، حتى لو كانت الرحيل.
مع أن القيادة التي أصدرت بيانا من هذا النوع منذ بضعة أيام، شاركت في موسكو الأولى والثانية، واختبرت بنفسها مصداقية النظام ورغبته في الحل السياسي، على افتراض أن الأمر ما زال يحتاج إلى اختبار.
أخوتي ورفاقي... بعد أن أسجل إعجابي بحسكم الوطني والأخلاقي والإنساني الرفيع، أقول لكم ما يلي:
1- لا شك أن من يحب العنف ويحب رؤية أهله وأبناء بلده بين قتيل وسجين وجائع ومشرد.. هو من حثالة البشر، وأكثرهم جرمية وحقارة.
2- لا شك أن من يرى فرصة حل سياسي حقيقي ولا يتلقفها بيديه وأسنانه هو شخص مشكوك بعقله وإدراكه، ومشكوك بوطنيته.
3- لكن لا شك أيضا أن من لا يرى أن العنف قد فُرض أولا وأساسا، وبإصرار لا يلين، من قبل عصابة حاكمة مجرمة، لا ترى إلا الحل الأمني والنصر العسكري، ولا ترى في الحل السياسي إلا خضوع الآخرين واستسلامهم المذل... هو إما أعمى البصر والبصيرة أو منافق مزاود جبان.
4- إن مطالبة الجميع بوقف العنف على الفور والجلوس إلى طاولة المفاوضات، وتحميل الجميع نفس المقدار من المسؤولية عن العنف، هو موقف أخلاقي عام يليق بالمنظمات الدولية والمؤسسات الروحية، وليس بتنظيم سياسي سوري، ناهيك عن أنه موقف لا يسمن ولا يغني، وهو لزوم ما لا يلزم، ضمن هذا الفيض المتدفق والمسترسل من العنف والوحشية.
5- الحل السياسي هو الغاية والمقصد والمنى لكل من يدعي أنه سوري يحب سوريا، لكنه سيبقى مجرد حلم جميل، حتى تأتي الساعة التي يرى فيها النظام نهايته أمام عينيه، وعلى جميع الحريصين على الحل السياسي وإنهاء المأساة أن لا يفكروا إلا بالوصول إلى تلك الساعة، وعندها فقط سيكون الحل السياسي متاحا، ومجرد تحصيل حاصل.