نعم المسطومة محررة ، لم لا نصدق ، لا نستوعب ، الحقيقة الإسطورة أكبرمن تكسر و تصبح رماد تحت أقدام الثوار ، القصة أعقد من أن تنتهي في مخيلتنا بهذه السهولة .
المسطومة التي يتجلى فيه كل نظام الأسد و حزب البعث ، المسطومة مصدر الموت لإدلب طوال أربع سنوات ، المسطومة مصدر مفسدة للأجيال طوال أعوام ، المسطومة نبع البعث عبر "طلائعه" ، المسطومة هي الحصن الذي تكسرت على أبوابه عشرات المحاولات و في محيطه استشهد أنقى الناس ، المسطومة بعد عِسر أربع سنوات بات يسير و في متناول يد الثوار.
منذ بداية التحرير في وادي الضيف كانت العين عليه ، و انطلق "الفتح" و قنص إدلب و النظر مشدوداً إليه ، انتزعت جسر الشغور و هو في المرمى ، دُفن جبل الأربعين و من بين غباره يظهر ، كوحش جاثم على صدور الجميع .
المسطومة ، مركز إعادة التجميع ، المسطومة مركز المساندة لنشر الموت ، المسطومة مقر العمليات لإبادة الشعب ، المسطومة مكان أول مجزرة و أكثر المجازر التي اقترفت بحق إدلب ، بريفها و مدنها ، بشيبها و شبابها و حرائرها و أطفالها .
المسطومة المقر الأخير و مركز الثقل الكامل و فيها المعركة لا تعرف التراجع ، و هنا وضع النظام و أعوانه كل قوتهم و ركزوا كل قدررتها ، و كل ذلك لم يؤتِ بشيء ، فالأمر قد حُسم ، ووعد الله نافذ .
المسطومة انتهت اسطورتك أمام اسطورة جيش "الفتح" الذي أقسم رجالاته أن لا يهدؤوا إلا و أنف الأسد و كل من والاه و كل من خذلنا ممردغ بالتراب .
المسطومة حُررت بسواعد الأنقياء ، بأمر إلهي ، و كيف لا و الله ناصر الحق .
إنني هنا استجابة لدعوة مركز كارتر للدراسات, ذلك الرجل الإنساني و الذي لاأزال أتذكر وانا طالب في المرحلة الأعدادية خطابه الذي ودع فيه البيت الأبيض ليسلمه إلى خلفه ريغن وكان خطاباً إنسانياً بامتياز ومنهجاً يخدم البشرية ، ومما قاله بالحرف : “أنجزتُ معاهدة صولت 2 مع السوفييت حرصاً مني على ألا تعيش أجيالنا الإنسانية القادمة على أنقاض حضارة قضت على نفسها” .
إننا نشاركه الرأي ونحن السوريين نريد أن نكون شركاء في هذا العالم وليس متسولين فيه، نشارك في الحضارة الانسانية و نرفع مستوى التعليم و الصحة و الزراعة و الصناعة و غيرها من الانشطة في مجتمعنا كما فعل غيرنا في هون كونغ و سنغافورة و كوريا الجنوبية و في دولة الامارات الشقيقة.
في هذا الظرف الذي تمر به بلدي و أمتي لم أجد بداً من أن أقول ما يجول بخاطري بعيداً عن إرضاء أحد أو كسب أحد أو الخوف من أحد، حيث أنا آمن في المكان الذي أنا فيه، فلا أزاود بالشجاعة و البطولة و الفداء .
أقول و قد رأيت تدمير بلدي بعيني و قتل أهلي و جيراني و أبناء جلدتي و استبيح الدم حتى سال كالماء، واستبيح العرض و المال و الأهل، و عمت الفرقة و الفتنة فلا يكاد قلب سوري يتآلف تآلفاً حقيقياً مع قلب سوري، أقول أن الواقع السوري الأن بدت فيه مسلمات يجب علينا أن تذكرها كما فهمناها عسى أن ينتفع بها من هو موجود أو من سيأتي بعدنا و أقول الكلام كلام مودع بعد أن أشرف الامل على الأفول و كأني أرى تدمير بلدي بعيني و تكملة التدمير لما بقي فيها على شكل إدارة لصراع لا ينتهي ليس بين طرفين فقط و لكن بين أطراف تدار من القوى العالمية و تتبادل تدمير الحجر والشجر و الانسان و نحن لاحول ولا قوة إلا ما نستطيع من تقديمه فرادا و دعاء للناس و تضرع إلى الله بالفرج .
التحالف بين المتناقضات
التحالف المتناقض الأول:
بشار الاسد العلماني، كما يدّعي ومن معه، يتحالف مع منظمات دينية متطرفة تريد قتل أكبر عدد ممكن من السوريين و تدمير كل شيء بما فيها المساجد و المدارس و الكنائس و الحضارة بل و تدمير التاريخ القديم أيضاً و معالم الحضارة في فكر يرى أن يحاكم التاريخ و ينتقم منه و بشكل واضح و شعارات مكتوبة مرفوعة مثل شعار : ” يا لثارات الحسين ” أليس شعار انتقام؟ و السلوك بعده سيكون سلوك انتقام، و تجد من يدافع عن هذا من كتاب و مفكريين و سياسيين و أن هذه الشعارات فقط هكذا رغم أن الشعار مرفوع و التطبيق قائم على قدم و ساق بالقتل و التدمير و الانتقام، شعار يطبق ليل نهار .
التحالف المتناقض الثاني:
بين الجيش الحر و التطرف “النصرة و داعش” بينما النصرة ترفع شعار يقول إن كل من هو غير النصرة كافر أو مرتد، سواء كان من الائتلاف و الحكومة والمنظمات و الشعب، هذا شعار مرفوع مكتوب مقروء على لسان قادتها و على رأسهم الجولاني، وهذا الشعار يطبق على قدم وساق، فلا يقع معارض للفكر التكفيري إلا قتل فوراً، إلا ما يحدث من توازن قوى لا يلبث أن يختل لتتم العودة إلى تطبيق الشعار بالقتل و التدمير و استباحة المال و ربما العرض .
بينما يرفع الجيش الحر شعار أن النصرة فصيل حليف مشارك ضد النظام، ليس هناك اسخف من هذا التحالف و أكثر منه هشاشة إنه تربص و حقد و عداء، فالنصرة لا تقبل حتى بألوان علم الثورة .
التحالف المتناقض الثالث:
إن هذا التطرف يأتيه الدعم بصورة أو اخرى و يدار بطريقة منظمة تحتقر الناس و تذلهم و تقتلهم و تكسر رأس النظام أحياناً حيث يراد ذلك و تُهزم أمامه عندما يراد لها في توازن سلبي رهيب و مدروس، أقول توازن لا غالب و لا مغلوب، توازن سلبي يحصد أكبر قدر من الخسائر بين الطرفين.
وبعد ذلك ها نحن نكابر عن فهم الحقيقة: الشعارات كلها واضحة و معلنة و مطبقة “شعارات الفرقاء” و المجتمع الدولي واضح موقفه كعين الشمس، و نحن لا نريد حتى تصور هذا الواقع المأساوي ربما لأننا سوف نفقد الأمل، وبلا أمل لا نستطيع العيش، ولكن فهم الواقع و التبصر فيه ربما يشكل لنا الخطوات الأولى على الطريق الصحيح، ونتساءل كسوريين رغم أن ما تكلمت عنه ينطبق على العراق و ربما لاحقاً على المناطق بأجمعها، و لا يفهم من حديثي مقاتلة أحد أو معاداة أحد بقدر ما أتلمس الواقع عسى أن نتلمس معاً كسوريين حلاً في الأفق .
لقد طرح اسامة بن لادن فكر معاداة العالم ولكنه لم يطرح معاداة المجتمعات العربية والاسلامية ورغم ذلك أضر بأكثر من ثلاثمئة مليون مسلم أي أفغانستان وباكستان، أما ما يطرح الأن فهو إضافة لمعاداة العالم، معاداة للمجتمع الاسلامي والعربي نفسه بطريقة متناقضة وتطبيق بشكل عشوائي وفوضوي بعيداً عن عملية بناء أي شيء.
إدارة الأزمة
تأتي الحلول من وراء ادارة الازمة السورية على شكل دم أيضاً و هو قتال المنظمات المتطرفة بعد أن أصبحت قوى على الارض و بأعداد كبيرة لتتسلم التوازن السلبي أيضاً بين الشعب السوري ، أعني بالتوازن لا غالب و لا مغلوب، سلبي: قتل أكبر عدد من السوريين و تدمير بلدهم.
هذا الكابوس أضع تفاصيله بين أيديكم عسى أن نستطيع أن تقدم إلى بلدنا شيء لابد أن يكون أوله التواضع و التسامح و نزيح الحقد و الكراهية و الانتقام لنعلم أي تعليم نريده وأي زمن يحتاج، بينما تطابق أفكار داعش و النصرة شعاراً و تطبيقاً، نجد الخلاف بينهم صراع وجود يهدف كل طرف إلى إزالة الاخر و يروج كل واحد للسوريين أنه نصرتهم و منقذهم، لا يستغرب أن تنشأ فرق دينية ينقسم فيها الفكر الاسلامي إلى شعب جديده لأن المنفذين يريدون تشريعاً على قياسهم و تعديل الدين عندهم أسهل من تعديل فكرهم و سلوكهم و قد بلغ الكبر و التجبر والحقد كل مبلغ، و الغريب أننا لم نستطع أن نتواضع لبعضنا لحد الأن و ترى الكبر يقطر في كل نفس و في كل قول و في كل فعل.
الجسم الانتقالي
هذا الجسم الذي سيجمع بين كل هذا المتناقضات إن لم يكن بمشاركة مباشرة من هذه القوى فإن أفكارها اجتمعت جميعاً في ثنايا المجتمع و انتقامات الدم و الثأر، فكيف يمكن أن يعمل هذا الجسم الانتقالي و الذي يجب أن يكون بسبعة أرواح مثل القطط والعفاريت، وكل روح تفكر و تعمل بطريقة مختلفة، وعلى مستوى المنطقة بشكل عام حرص المجتمع الدولي على بقاء ايران دولة ايديولوجية رغم أن الربيع في أيران بدأ قبل الربيع العربي و ذلك لإبقاء المشاريع التنموية و مشاريع بناء الدولة معدومة، بينما تكون البدائل أمام الشعوب غاية في السوء، فإيران تريد تصدير ايديولوجية محددة إلى دول المنطقة الأخرى و المجتمع الدولي يرغب بذلك و هذا بحسب تحليلي وهو لإبقاء التوازن السلبي على مستوى المنطقة أيضاً، توازن لا غالب و لا مغلوب، سلبي يستغرق الشباب و المال و الجهد و الوقت .
لولا سياسة إدارة الأزمة في المنطقة لانهار النظام الايراني قبل الأنظمة العربية، ونجحت إيران بتصدير ثورتها إلى العراق وقدمت نموذجاً سيئاً متخلفاً بعيداً عن أي ميزان حضاري لكل شيء في الدولة، فبعد أن سيطرت إيران على العراق، وتحت انظار الولايات المتحدة وعلى مدى اثني عشر عاماً وهو زمن كبير جداً كان لتطبيق العدالة، نجد في العراق اليوم 4 ملايين برميل نفط يومياً وبغداد عاصمة بلا كهرباء، وهو نموذج سيء طرحته الولايات المتحدة يخلق ثقافة رديئة وسيئة و ثقافة كراهية.
النماذج المتوفرة والمطروحة أمام الشعب السوري
النموذج الطالباني:
نموذج مبني على معاداة العالم أجمع و ما تطرحه النصرة و داعش اليوم يزيد على عداوة العالم أجمع فإنه يعادي الأهل و الجيران و يتفلت من جلده ليعادي نفسه، نظام مبني على القتل والكراهية و خلق غطاء شرعي إسلامي له و ربما يخلق وهو لا يمت إلى الاسلام بصلة سوى إستخدام الاسلام لقهر الضعفاء و تجنيد العقول التي جنحت عن الانسانية و هي موجودة عند كل شعوب الأرض ومحيدة عن إدارة الدول و الشعوب لكنها تريد ادارة البلاد و الشعوب بسياسة أساسها القتل والتخلص من كل مخالف بالرأي و لو بكلمة .
النموذج الدولي :
وهو يطرح مشروع التعددية و الديمقراطية لكنها ليست ديمقراطية كديمقراطية الأخرين تحفظ حقوق الأنسان و تفتح له الأبداع لنقل المجتمعات إلى حال أفضل، بل هو نموذج قدمته الولايات المتحدة في العراق و يقوم على التوازن السلبي من جديد “توازن اللا غالب ولا مغلوب” يجلب المزيد من الاستنزاف و التخلف و هو نموذج يشل الدولة و يقتلها .
النموذج الياباني و الألماني:
و هو الذي كان السوريون في ثورتهم يتمنونه، ابعاد التطرف و الانسجام مع العالم و مساعدة الجميع لهذا الشعب للأخذ بيده إلى المشاركة في بناء الحضارة الانسانية بدلاً من أن تكون مسؤولية على أكتاف هذه الحضارة شركاء في هذه الحضارة و ليس متسولين عليها.
النموذج اللبناني :
طرح هذا المشروع في بداية الثورة فكان تعليقي عليه أنه يشل الدولة و لا يمكن أن تعمل مؤسسات بهذا المبدأ، و أمامنا النموذج اللبناني حيث لا يستطيع أغنياء لبنان أن يخدموا بلدهم مثل السيد (الحلو)،الذي هو رقم كبير في العالم بينما استثماره في لبنان صفر، إذ أن الاستثمار في لبنان يتطلب ميليشيا مساندة، تعيش على تحويلات المغتربين و لا تقدم أي تطوير في بلدها .
إن الانسان هو أهم ركن في عملية الانتقال هذه، إذا اردنا لعملية الانتقال هذه أن تنجح و ينتشر السلم الأهلي و يعم العدل و ينتشي الاقتصاد و ينعم الناس بالأمن و الأمان، بأن يكون فريق الانتقال فريقاً مهنياً خبيراً متسامحاً بعيداً عن كل التجاذبات يعرف ماذا يفعل و يؤمن بالعدالة الانسانية و يؤمن بحقوق الناس و يحترمهم و يعطف عليهم و يدرك مهامه و واجباته و الادوات التي يستخدمها .
هذه الصفات هي صفات القيادة التي تزرع ثقة المجتمع بهذه القيادة و الالتفاف حولها ( هذه الخبرات في تناقص كبير في سوريا بسبب الهجرة ) و في كثير من النماذج نجح هذا بشكل معقول كما حدث في ألمانيا و اليابان حيث حرصت القيادات على النزاهة والتفاني في العمل، وانتقلت البلاد إلى الوضع الطبيعي خلال فترة قياسية لا ننسى أن المجتمع الدولي أراد ذلك لهذا البلدين فساعدهم على ذلك و شد على أيديهم.
إن المجتمع و الناس بشكل عام يقبلون بهؤلاء القيادات و يقبلون الالتفاف حولها مالم يوضع في نظام الدولة معايير تخالف هذه القيم مثل التقسيم و كراسي البرلمان على أساس طائفي و عرقي أو غير ذلك فترتبك الدولة و تشل.
هناك نماذج ساعدت المعتدين و القتلة و المجرمين بل وكافأتهم، فخلقت قالباً سيئاً يسعى إليه المجرمون في كل مكان، ففي هذه النماذج تم تكريس الحرب الأهلية في تركيبة الدولة بطريقة لا يوجد مثيل لها بالعالم، حيث أصبح عدد المهاجريين ثلاثة أو أربعة أمثال المقيمين في داخل البلد، و ورث المتقاتلون أبناءهم و أحفادهم في نظام بعيد عن الدولة العصرية، و هذا ما قاله أركان النظام بداية الثورة عندما كنا نعترض على القتل وأن العواقب و خيمة، كانوا يقولون إن في لبنان رؤؤس للقتلة هم اليوم في السلطة.
والأمر ذاته في سوريا اليوم، فإذا كان هؤلاء القياديون لديهم مشكلة في النزاهة و الخبرة و فهم الادارة، فستضيع ثروة البلاد و تتوقف التنمية و يتخذ الفساد مساحته من جديد و يؤخر كل شيء، و تزداد الضغينة في النفوس، وتشل الدولة و يصبح المسؤولون و الموظفون الجيدون إن وجدوا، مجرد تغطية للسرقات و الجرائم التي يرتكبها الفاعلون الحقيقيون.
من المفترض وفق لتعليمات البغدادي أن يكون الهدف القادم لداعش هو بغداد و من ثم النجف ، هذا من جهة العراق ، و إن صدقت الأوامر فإن في سوريا هناك أمور ينتظر أن تحدث خصوصاً في حلب و الرقة ، و دائماً مع "الخليفة" إن حدث ما أمر به في دمشق فإن الكارثة ستحدث و هناك أمر جلل سيضرب الثوار هناك.
فخلال الأيام القليلة الماضية و التي تلت كلمة البغدادي شهدنا تحرك كبير لداعش داخل الأراضي السورية ، سيطرة على مصادر الطاقة في تدمر "محطتي غاز" ، تقدم في حلب و اشتباك قرب المدينة الصناعية في المدينة، و خسائر و تراجعات لداعش في الريف في هجوم للثوار ، الذي يأتي قبيل إنطلاق معركة حلب التي يتم التحضير لها.
هذا حدث بالفعل ، و لكن وفقاً للبغدادي و أوامره بـ"الكر" في دمشق ، فهنا تكمن القضية ، فمناطق الإشتباك المباشر بين داعش مع قوات الأسد هي نائمة تماماً ، لا يبدو أن هناك نية لإيقاظها ، فوفقاً للتمهيد الذي يقوده مناصروا التنظيم على مواقع التواصل الإجتماعي يبدو أن الهدف القادم سيكون ثوار دمشق ، و إن يتم التركيز على "جيش الإسلام" ، من خلال حملة تشويه و سرد روايات ، لسنا بوارد ضحدها أو الدفاع عن احد ، و لكن هذا التمهيد يحول الأنظار عن الهدف المركزي للثورة ألا و هو الأسد و قواته ، و يكون على الثوار مواجهة الأسد و داعش سويتاً في رقعة جغرافية ضيقة و خطرة و غاية في الأهمية للجميع و هي مفتاح الحل لكل آلام الشعب السوري.
"خلو بيننا و بين النصيرية" هي ما تحمله داعش كمبرر لكل ما يقول به ، و يضعه دائماً كغطاء على أفعاله و هجومه المستمر على الثوار بكافة أطيافهم و إنتمائاتهم .
اليوم أوامر البغدادي تنذر بشيء ما سلبي سيحدث ، و انتقاله لمرحلة "وتتمدد" تشعر بأن الهدف القادم سيكون إقصاء من يعول كثيرين عليه في إنهاء الألم السوري .
بعيداً عن سوريا ، ففي العراق ما يجري أمر آخر ، فأوامر البغدادي بعد الأنبار بغداد و من ثم النجف ، و لكن الهجوم على الأنبار و التوقف عندها ، و استجلاب مليشيات الحشد الشيعية و ايران إلى المناطق المحاذية للسعودية ، ينذر بخطة بأن الهدف القادم السعودية ، و وضع ايران على الحدود المباشرة معها ، فهل قصد البغدادي من تهديداته هذا الأمر أم سينفذ وعوده بالوصول إلى مراقد الشيعة في النجف ؟
يتردد منذ بداية الأزمة السورية عام 2011م الحديث عن ضرورة حل سياسي لما يجري في سوريا، وتطورت الدعوة لاحقا عقب تغول النظام وقمعه العسكري لثورة شعبية لتصبح أن لا حل عسكريا في سوريا، وأنّ الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة.
وأصبحنا نكرر العبارة دون وعي بالمعطيات على الأرض، ودون تفكير بمآلات هذا الطرح، وهذا ما يؤسف له إذ إننا –العرب- لا نتعلم من تجاربنا، فما زالت التجربتان اليمنية والمصرية ماثلتين أمامنا بنتائجهما الكارثية، فقد أدى الحل السياسي الأعرج في اليمن لتعاون الطاغية صالح مع ميليشيات مرتبطة بالخارج من أجل هدم ما تبقى من اليمن، وأدخل البلاد في صراع دموي جعل أبناء البلد يقتتلون، كل ذلك سببه تأمين خروج سياسي آمن للطاغية، ولم ندرك أنّ الطاغية الذي دمر البلاد واستنزف مقدراتها وثرواتها عقوداً وهو بالحكم أهون عليه تدميرها وهو خارجها، لأنّ الطغاة ينظرون للوطن مزرعة، وللمواطنين عبيد.
و نرى بالمقابل أول رئيس ينتخب بشكل ديمقراطي في تاريخ مصر عقب ثورة شعبية خلف القضبان، ويلف حبل المشنقة حول رقبته، ليصدر قضاء دولة مبارك العميقة حكم إعدام للثورة المصرية، وليخرج من دمروا مصر أحراراً، ومرد ذلك الحل السياسي الذي أبقى على رموز مبارك، ودولته العميقة.
وفي سوريا يبدو الحل السياسي أكثر كارثية نتيجة طبيعة النظام الدموي الحاكم، وتجذر دولته الأمنية العميقة، فضلاً عن الفاتورة الباهظة التي دفعها السوريون على مدى أعوام، وقد كان ممكناً أنْ يُخْدع السوريون بداية الأزمة بالحل السياسي أما الآن وقد قُتل مئات الآلاف وشُرد الملايين فيبدو الطرح السياسي كارثياً وعبثياً في آن لأنَّ آلة الطاغية في القتل والتدمير ما زالت مستمرة بحلها الأمني العسكري، وترفض أي حلٍّ سواه.
كان ممكناً الحل السياسي عندما كان الطاغية ممسكاً بالدولة ويسيطر على المعابر والحدود إحدى رموز السيادة أما وقد تحول لزعيم ميليشيا لا يجرؤ الظهور إلا نادراً في ترتيبات أمنية معقدة فلا يمكن الحل السياسي معه.
كان ممكناً الحل السياسي عندما كان القرار السياسي السيادي بيد الأسد، لكن بعد وقوع الأسد أسيراً بيد إيران، وتسليمه ما تبقى تحت سيطرته من سورية لقمة سائغة للاحتلال الإيراني يجعل قبول الحل السياسي مع المحتل ضرباً من الخيانة.
يُفترض بالحل السياسي أن ينهي الأزمة ويكون دائماً وإلا كان هدنة مؤقتة تنذر بتدمير شامل، إذ لابُدّ للحل السياسي الدائم الارتكاز على قيمة العدالة، فلا حل سياسي دون تطبيق العدالة الانتقالية، ولا يختلف اثنان أنَّ الأسد غير مستعد لدفع فاتورة العدالة الانتقالية.
كما يكون الحل السياسي الواقعي الحقيقي بين القوى الفاعلة على الأرض لا القوى الجالسة في الفنادق، ومعلوم أنّ المقصود بالطرح السياسي الغربي تلك القوى الفندقية التي لا تملك بندقية واحدة على الأرض كما لا تملك رصيداً شعبياً.
يجعل الحل السياسي الغرب ومعه المجتمع الدولي -إن أحسنا الظن بهما- في طرحهم أمام احتمالين:
الاحتمال الأول ويتمثل بعدم إدراكهم للواقع السوري، إذ ينظرون للصراع الدائر على أنه حرب أهلية بين طرفين، ويتجاهلون أنها ثورة شعبية ضد نظام استبدادي نهب البلاد، وأذل العباد.
الاحتمال الثاني وهو المرجح والمتمثل بإدراك حقيقة الوضع السوري، بل وقراءة السيناريوهات المستقبلية للمنطقة، فالإدارة الأمريكية والغرب يريدون حلاً سياسياً لمستقبل سورية يبقىي النظام السوري دون الأسد، ولا بأس بتطعيم النظام الجديد بشخصيات معارضة موالية للغرب، وفي هذا الإطار يفهم المناقشات الأمريكية الروسية التي سربتها صحيفة التايمز البريطانية، وهذا مطلب أمريكي، فأمريكا تؤكد أن لا دور للأسد لكنها لم تشر يوماً للنظام والدولة الأمنية العميقة، فقد حقق هذا النظام عبر عقود أمناً استراتيجياً لإسرائيل.
إنّ إصرار أمريكا على حلى سياسي يزاوج بين النظام القديم وشخصيات موالية للغرب هدفه الحيلولة دون بناء دولة عربية ديمقراطية جوار إسرائيل لأنَّ ذلك سيشكل حقيقة تهديداً لأمنها، ولأمن كثير من الأنظمة العربية، كما ترغب أمريكا اللعب بورقة الحل السياسي مع إيران من أجل الملف النووي، ومع روسيا من أجل الملف الأوكراني.
وبالمحصلة فإنَّ الاستمرار بطرح الحل السياسي كخيار وحيد يبقى طرحاً غير واقعي، فالأسد أصبح أضعف اللاعبين فتنظيم الدولة يتقدم شرق حمص والثوار حرروا إدلب وجسر الشغور، ومعركة حلب على الأبواب، والمساحات التي يسيطر عليها الأسد تتآكل، فضلاً عن تراجع قدراته العسكرية، كما أنّ الإصرار على الحل السياسي دون سواه يقدم دعماً للقوى المتطرفة على الساحة السورية، ويقدم المبررات المنطقية لوجودها، فالغرب يريد بقاء الأسد.
وينبغي على الدول العربية ولا سيما الخليجية الوقوف ضد وصفة الحل السياسي الأمريكية التي طرحها أوباما في كامب ديفيد والتي تهدف لتخريب سورية، فحل الأزمة اليمنية وكسر شوكة إيران مفتاحه سوريا بنظام جديد يجتث كل بقايا ورموز دولة الأسد العميقة، وهذا ما سيحصل ويبشر به واقع الثورة السورية، التي ستعد أنجح الثورات لأنها لن تسقط بمطب الحل السياسي الذي ترك صالح، ولن تسقط بمطب الدولة العميقة، وتخلي العرب عن سورية يؤخر نجاح الثورة، ويسهم بمزيد من الدمار لكنه لن يمنع بالنهاية نجاحها.
لم يعلق حزب الله مباشرة على الحكم المخفف الذي يحاكي البراءة بحق الوزير ميشال سماحة، واكتفى بمعزوفة أنه يحترم قرار القضاء. فالحزب يتصرف وكأنه غير معني بالفضيحة التي هزت لبنان الأسبوع الماضي. وهي فضيحة فعلا، فقد حكم القضاء العسكري بسجن سماحة 4 سنوات ونصف فقط تنتهي عمليا بعد 7 أشهر في القضية الشهيرة التي اعترف فيها سماحة بتورطه بنقل متفجرات وأسلحة من سوريا إلى لبنان لتنفيذ اغتيالات وتفجيرات..
نعم، لم يشعر حزب الله ولا قوى الممانعة بأنهم معنيون بأي توضيح حيال تورط حليفهم، بل حلفائهم، بجرائم في لبنان، وحاولوا تمويه الأمر بتضخيم دعائي لانتصارات وهمية إعلامية في جبهة القلمون السورية.
لكن الجريمة التي كان سماحة بصددها أقوى، ومصدر القوة فيديوهات مسربة تظهر بوضوح تورط سماحة المباشر في التخطيط لعمليات قتل وتفجير بتنسيق وبإشراف من الرئيس السوري بشار الأسد والمسؤول الأمني علي المملوك.
الصمت على هكذا حقائق والنفخ في صور لتلال بعيدة من منطقة القلمون السورية، حيث يقاتل حزب الله، هو فضيحة موصوفة للحزب. فهذه المرة ليست كسابقاتها، إذ جهد الحزب ومحيطه للتغطية على فيديوهات سماحة بتضخيم تقدم ما للحزب في القلمون وفي حبك قصص وسيناريوهات حول المعارك هناك، واصطحاب صحافيين وافتعال عراضات إعلامية تهلل لنصر مبين.. لكن كل الإعلام المحتفي بمعارك الحزب في القلمون بدا عاجزا عن مضاهاة فيديوهات سماحة وما كشفته.
إنه ميشال سماحة، عميد ممانعي لبنان وخطيبهم المفوه.
أن نشاهده بالصوت والصورة يكرر مرات عدة معرفة بشار الأسد وعلي المملوك بتفجيرات واغتيالات في لبنان، وأن يمر ذلك بردا وسلاما على حزب الله الذي يقاتل ويودي بشبان لبنانيين دفاعا عنه، فذلك لا يبدو شأنا يريد الحزب أن يسأل عنه فيهرب إلى فقاعات إعلامية في القلمون.
حاول إعلام حزب الله والممانعة اللبنانية التهوين من حكم القضاء العسكري اللبناني، والقول إن هناك شخصيات من الطرف السياسي الخصم تهاون القضاء العسكري في الأحكام ضدها.
غريب فعلا أن هناك من لا يزال مؤمنا ومقتنعا بأن على اللبنانيين أن يقبلوا رغم كل ما كشف بأن قادة مثل هؤلاء يجب أن يحكمونا ويبرر جرائمهم.. وميشال سماحة حين كان وزيرا في لبنان لسنوات كان ممثلا للنظام في سوريا، بل هو اعتمد مفاوضا باسم النظام مع عواصم أوروبية، وهو حين حمل المتفجرات فهو فعل ذلك باسم النظام السوري.. لكن يبدو أنه في عرف حزب الله أن تلك الاعترافات تكسب ما كان سيقدم عليه سماحة شرعية، بل إنها ممارسات مقبولة.
لبنان منتهك تماما كما أن سوريا منتهكة.
حزب الله لا يبالي بهذا الانتهاك، بل هو شريك فيه، ومقولة إنه يقاتل في سوريا ليحمي اللبنانيين سقطت عشرات المرات، لكنها حين ينظر إليها من زاوية ما ارتكب سماحة والنظام السوري تبدو على حقيقتها، أي أنها جزء من منظومة مذهبية إقليمية.. فها نحن نلمس مرة تلو الأخرى كيف أن نفوذ إيران وسوريا عبر حزب الله أو عبر شخصيات غيره عنى قتل لبنانيين آخرين وانتهاك بلدنا.
ليس هناك ما هو أوضح من جريمة ميشال سماحة والحقائق التي أعلنها بنفسه دون أن يدرك، أما انتصارات القلمون فتلك أوهام ما عادت تنطلي على أحد.
في مطلع سنة 2011؛ ومع اشتعال الثورة السورية، أخذ السوريون يكتشفون، بدهشة مشوبة بالمرارة، أن بشار الأسد الذي ورث البلاد السورية عن أبيه الديكتاتور، حافظ الأسد، لم يكن مجرد فتىً مدلل ينأى بنفسه عن السياسة لأجل التخصص بطب العيون في المملكة الاستعمارية القديمة بريطانيا؛.. بل هو شيء آخر مختلف.
انطبعتْ في مخيلة هؤلاء السوريين المندهشين مشاهدُ من ذاكرة تشبه الأفلام السينمائية القصيرة التي يجري تصويرها بسرعة، أو بطريقة الـ (Quick Motion)، تبدأ بحشد قوامُه مزيجٌ من عناصر المخابرات وأعضاء مجلس الشعب، يقفون عند مدخل البرلمان، ويهتفون: بالروح بالدم نفديك يا بشار. وكأنهم؛ بهذا الهتاف الجديد، يفتتحون عهداً ديكتاتورياً بنكهة أسدية جديدة، تليها لقطات متتالية للنائب السيد عبد الحليم خدام، وهو يوقّع قرارات ومراسيم وفرمانات أدت إلى تحويل هذا الفتى المدلل الذي لا يجيد لفظ مخارج الحروف، ولا حتى المشي المتوازن، إلى رئيس للجمهورية العربية السورية، وأمين عام لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم، وقائد للجبهة الوطنية التقدمية التي تضم أحزاباً يصل عمرُ أحدها إلى سبعين سنة. تليها لقطات لسيادة النائب خدام، وهو يختم ويوقّع، ليمنحه، خلال نصف دقيقة، ترفيعات عسكريةً تحتاج إلى عشرين سنة من الصبر والانتظار، ليعلنه، على مرأى أعين السوريين، قائداً عاماً للجيش والقوات المسلحة برتبة "فريق ركن". هذا مع أن بشار الأسد؛ كما يعرفه خدام وغيرُه، لم يكن عسكرياً بمعنى الكلمة، وإنما مسجلاً على قيود إحدى القطعات العسكرية من باب كسب الوقت، والتحسب لعاديات الزمان.
لو كان بشار، في ذلك الوقت، مجرد فتى صغير، مؤدب، متفرغ للعلم والمعلوماتية، ومداواة عيون الجماهير، كما زعم مناصروه، لما استنفر رجال الدولة الكبارُ الذين كانوا يحيطون بوالده، ليقوموا بواجبهم في قَصِّه وتركيبه وبَرْده وتلميعه، ليكون قادراً، كأبيه، متى يشاء، على إخراج مئات الألوف من السوريين إلى الشوارع، وهم يحملون لافتاتٍ كتبت عليها كلمة (منحبك)، ويهتفون، مرغمين: بالروح بالدم نفديك يا بشار.
لم يكن الديكتاتور حافظ الأسد ليسمح لأحد من رجاله ومعاونيه وموظفيه وسياسييه أن يكبر ويحوز على اسم وشهرة، إلا إذا كان يقبل بأن يكبر ويشتهر ضمن حدود تبعيته له، وإخلاصه لعرشه، وخنوعه أمامه. ولم يكتف بإيقاع الرعب في نفوسهم، وهو على قيد الحياة، بل تعدى ذلك إلى ما بعد وفاته، فقد رويت حكاية طريفة عن لحظة الاستعداد لدفن جثمانه في العاشر من يونيو/حزيران 2000، حينما بدأ أحد معاونيه يعطي أوامر لها علاقة بتوريث بشار، وفي سياق ذلك، طلب من أحد قادة الشعب الأمنية أن يفعل شيئاً ما، فتجاهل أمره، وقال له: نحن لا نأخذ أوامرنا منك. قال المعاون: إذن، ممن تأخذون أوامركم؟ فقال: من هذا. وأشار بإصبعه نحو تابوت حافظ الأسد.
لم يقصّر بشار الأسد بالكيد للرجال الذين ساهموا في عملية توريثه السلطة، وشد أزره، وإسناده، والتستر على ضعفه، وهشاشته، وضحالته، إذ سرعان ما ركن (عمو عبد الحليم) جانباً، وكأنه لم يكن من أهم صانعي نظام أبيه، وفي سبتمبر/أيلول 2005، أجبرَ غازي كنعان على الانتحار بمشطين من الرصاص. وقتلَ حامي حمى القصر الجمهوري اللواء محمد سليمان، وفي تفجير بارع لمبنى الأمن القومي تخلص من مجموعة لا يستهان بها من الذين ساهموا في صناعته، بينهم هشام بختيار وزوج أخته آصف شوكت. وبمجرد ما عاودت المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري عملَها، جاء الدور على شخصيات كبيرة أخرى، أمثال رستم غزالي وعلي مملوك.
السؤال الذي يفرض نفسه الآن: هل سيضطر بشار، أخيراً، للتخلص من شقيقه ماهر؟ وهل ستترك له الثورة السورية الوقت الكافي ليفعل ذلك بهدوء، وبسلاسةٍ، مثلما تخلص والده من عمه رفعت؟
تتصاعد الاحتجاجات ضد التعذيب في كل مكان، وتتحدث عنه المواثيق الدولية، وتندد به المنظمات الحقوقية والإنسانية، لكنه على الرغم من ذلك كله لم يتوقف، ولن يتوقف في المنطقة العربية، حيث يتخذ طابعا رسمياً، يعلم الجميع بوجوده، وترعاه سلطات رسمية، لكنه يظل حاضراً بالغياب في المشهد المعلن، ليلقي بوطأته الشديدة على كل من يفكر في الخروج على طاعة الحاكم، وإذا كانت حادثة موت خالد سعيد من أهم بواعث ثورة 25 يناير ضد النظام البوليسي الحاكم في مصر حينها، فإن الظاهرة، بحد ذاتها، ظلت تستعيد حضورها في ظل هيمنة الأنظمة السلطوية المطلقة التي تمارس حضورها القهري على الشعوب العربية، أو حتى في ظل حكم المليشيات المسلحة التي تنفذ أحكامها خارج كل رقابة أو محاسبة.
يرى ميشيل فوكو في كتابه "المراقبة والمعاقبة" أن الغاية من التعذيب تطويع الأجساد وإيجاد مجتمع انضباطي، يخضع لإرادة الحاكم، وقتل أي نزوع نحو التمرد والثورة، فالتعذيب، بوصفه ممارسة سلطوية، يقتضي نوعاً من العلنية غير الظاهرة، فهو ما يتداوله الناس همسا عن شدة السلطة وعنفوانها في قمع مناوئيها وإجبارهم على الطاعة، وفرض قانون الصمت عليهم. لذا، لم يكن غريباً أن تتوارد أخبار تعذيب المعتقلين داخل السجون العربية، وما تحمله من انتهاكات لبشرية الإنسان، فالصور المرعبة لمساجين نظام الأسد في سورية، أو ما يتعرض له مساجين الرأي في سجون الانقلاب في مصر (وجديد الضحايا فريد إسماعيل الذي توفي نتيجة الإهمال)، تكشف عن إرادة مقصودة من السلطة السياسية الحاكمة لإرسال رسالةٍ، فحواها أن الجميع يمكن أن يدفعوا ثمنا باهظا لكل محاولة للتطاول على السلطة، والمطالبة بحد أدنى من الحقوق والحرية، فالتعذيب، بصورته هذه، يمثل مؤسسة عقابية فعلية قائمة الذات خارج النظام القضائي "إنه طقس منظم من أجل وسم الضحايا وإظهار السلطة التي تعاقب"، كما يقول فوكو.
وإذا كان أحد جلادي النظام السابق في تونس قد فاجأ الرأي العام، قبل شهور، بالظهور على إحدى الشاشات، متبجحا بعمله، مبررا إياه بمنطق خدمة الدولة، فإن الحدث، في ذاته، لم يكن سوى صورة مشهدية، تستعيد جزءاً من ماضٍ قد يطل برأسه في أي لحظة، إذا فشل الشعب في حماية حرياته، وحفظ حقوقه التي نالها بعد تضحيات دامية. فإذا كان التعذيب جوهر الدولة الاستبدادية، فإن الجلاد هو رمز هذه الدولة، بل والعنصر الفعال فيها، بوصفه من يظهر قوة السلطة، ويعرضها على الأجساد، فالتعذيب، بهذا المعنى، يلعب وظيفة سياسية، ويتم ضمن احتفالية انتصارية على أعداء النظام الذين ينبغي اجتثاثهم، إن لم يكن فعلياً من خلال القتل، فعلى الأقل نفسياً ومعنوياً، حيث يخرج الضحية إلى العالم مجرد حطام جسدي، غير قادر على الفعل أو المقاومة.
"يظل التعذيب ممارسة قهرية وجريمة ضد الإنسانية، لا يمكن تبريرها بأي شكل، وتحت أي شعار، مهما كان نبيلاً أو عظيماً"
فمن خلال منطقها الاستبدادي اللامحدود، تمارس الأنظمة المستبدة التعذيب، باعتباره وصفة علاجية لما تعتبره مرضا يهدد وحدة الدولة، ويمس بهيبة النظام. إنه مبدأ الشمولية من إرادة المستبد الفريدة "جعل الموت قانونا للجميع، وكل جسم من هذه الأجسام المحطمة هو حجر في بنيان الدولة، فماذا يهم إن أصاب الموت الأبرياء؟" (فوكو). فالاستبداد يمارس نفوذه على الأجساد، ويحرص على أن يترك وسماً عليها، هو بالأحرى رسالة للشعب الذي يشاهد الصورة، أن أي محاولة للثورة والتمرد ستفضي بأصحابها الى التهلكة. وهذا التعذيب والأذى الجسدي نفسه تمارسه الجماعات المنفلتة التي تأخذ على عاتقها تنفيذ القانون كما تراه، فمهمة تطويع الناس وإخضاعهم هي الهاجس المركزي لكل منظومة سلطوية، مهما كان حجمها أو امتداد نفوذها.
الصرخات المتصاعدة من السجون العربية هي علامة على مدى الوحشية التي بلغتها الأنظمة المستبدة، وتحولها إلى مؤسسات قمعية بامتياز، تتقن فن تدجين المواطن، وتحويله إلى كائن انضباطي طيع، غير قادر على الرفض، أو المطالبة بحقوقه المجردة، غير أنه، وبقدر تضخم الآلة القمعية، فإن عنف الثورات عليها سيكون دموياً وحاداً، بالدرجة والقيمة نفسها، فما جرى في ظل النظام السوري، طيلة عقود القمع والاستبداد، أفضى، وبصورة آلية، إلى حالة التمرد الدموي الواسعة التي تشهدها البلاد، بل وأوجد جيلاً من الناس، لا يستنكف من مشاهد الموت والتعذيب والتصفيات الجماعية، وإن ما تقوم به أجهزة النظام الانقلابي في مصر، اليوم، إنما يهيئ التربة خصبة لردود فعل دموية عنيفة من جنس ما تقترفه أجهزته الأمنية على الناس.
ويظل التعذيب ممارسة قهرية وجريمة ضد الإنسانية، لا يمكن تبريرها بأي شكل، وتحت أي شعار، مهما كان نبيلاً أو عظيماً، وإن الحديث عن التعذيب وفضح مقترفيه وإدانة الأنظمة التي تتبناه يمثل جهدا أساسياً من أجل تحرير الإنسان، وتقنين وضعه الحقوقي الذي يضمن له الحد الأدنى من الحقوق والحريات.
بدأت الأمور تتجه إلى منحى خطير اتجاه اللاجئين السوريين في لبنان ، و بدأ الجيش اللبناني و و مخابرات الجيش الخاضعة لسيطرة حزب الله الإرهابي حملة شعواء ضد تجمعات السوريين في لبنان ، من خلال حملات دهم و اعتقال و اهانة و إساءة ، و التهمة جاهزة دوماً الإشتباه بـ"الإنتماء لمجموعات إرهابية".
مصطلح الإرهاب المطاط جداً لدرجة ممكن أن يشمل كل سوري قال لا للأسد ، و كل سوري هرب من قصف الأسد ، و كل سوري تظاهر على الأسد ، و كل سوري لا يؤيد الأسد ، و كل سوري لا يرغب ببقاء الأسد .
اليوم حادثة اعتقال الـ53 مواطن سوري في بر لياس في البقاع ليست الوحيدة بل سبقتها سلسلة من المداهمات التي شملت عدد من المخيمات سواء في البقاع أم في طرابلس ، إضافة لإعتقال العشرات على حواجز الجيش اللبناني و مخابراته .
وطبعاً الحملات متواصلة ضد المنشقين عن قوات الأسد ، فهم الهدف الأهم للمداهمات و للحواجز ، و لا يوضح الإعلام اللبناني تهمة توقيفهم سوى ذكر رتبته و أنه منشق عن نظام الأسد.
اللاجئون السوريين في لبنان باتوا تحت ضغط كبير بعد قرارات الحكومة اللبنانية حول منع دخول اللاجئين و اشتراط شروط تعجيزية للحصول على تصريح اقامة .
الخروقات بحق السوريين في لبنان تنزعت من قبل غالبية من يدعون حمايتهم و سيما الأمم المتحدة التي منحت الحكومة اللبنانية كافة بيانات اللاجئين التي لديها ، في خرق للقوانين التي تنص على سرية طالبي اللجوء.
و لا يمكن أن أنسى ما قاله أحدهم عندما دُعس شاب سوري ، و عندما عرفوا جنسيته بأنه سوري ، فقال الجميع : لا مشكلة لا أحد يسأل عنهم أو يطالب بحقوقهم .
اليوم مطالب الائتلاف و كل من يدعي تمثيل الشعب السوري أو تربطه صلة الصداقة مع هذا الشعب الذي عانى مالم يعانيه أحد ، أن يطالب بحماية السوريين و إبعاد الخطر الذي بدأ بالتعاظم مع بداية معركة القلمون ، و الذي سيشهد تصعيداً أكبر بعد إنتهاء المعارك في الجرود .
و أطلق الناشطون حملة مفادها :
دخل حزب الله سوريا قاتلا فدخلت لبنان لاجئاً
ناشطون يطلقون هاشتاغ #لاجئ_لا_إرهابي
لتسليط الضوء على انتهاكات #الجيش_اللبناني بحق اللاجئين
أقدمُ عاصمة في التاريخِ..عاصمةُ الأمويين..وعاصمة الياسمين وفي روايةٍ أُخرىَ.. عاصمةُ الهاون والاعتقالات.. والتقنين دمشق الهادئة والحياة الطبيعة التي تسير على قدمٍ وساق ..حسبَ ما يزعمُهُ إِعلام النظام أهل دمشق المتخاذلون والخائنين والذينَ يَعيشون عيشةً 5 نجوم دونَ الإكتراثِ لماَ يحصلُ في عمومِ البلادِ حسبَ ماَ يُروِّج إليهِ بعض إعلاميي الثورة أمّا في عيونِ أهلها و ساكنيها ..فهي عاصمتهم المحتلة فلو كان لدمشق أن تتكلم ,لشكت حالاً.. أصبحت القيود فيها تتسع لتشمل المدينة بأكملها تقيّد شوارعها ومنازلها ..حضارتها وتاريخها, فقد أصبح أبنها غريب , وحرها مقيّد ...وشريفها خلف الحديد هي العاصمة التي لا يمكنُ وصفها إلا انها معتقلٌ كبير لأكثر من ستةِ ملايين مواطن سوري بينَ ساكنٍ و مُهجر من باقيِ المحافظات , فهيَ باتت تخضع لحصارٍ عسكريٍ هائل ,تكادُ تخالَها منطقةٌ عسكرية فهيَ تغصُّ بأعدادٍ ضخمة من عساكرِ يتخذون عدةِ جنسيات وعدة مسميات كـ خدام السيدة زينب , ولواء ابو الفضل العباس , والقوات الخاصة ,الفرقة الرابعة والعديد من الاسماءِ.. .. تكادُ لا تطرف لكَ عينٍ إلا وتقع على احدِهم يرتدي زياّ مموهاً يحملُ سِلاحاً ,تراهم في الشوارعِ في الساحاتِ في الأسواقِ و في أقبيةِ الأبنية السكنية ناهيكَ عن حواجزِهم التي تُرفرف بها راياتُهم الطائفية على الحانِ الأغاني التي تعزفُ على ذاتِ اللحن الطائفي , لديهم الوقاحة الكافية ليتخذُوا إِذلال الناس للتسلية وانتهاك الأعراضَ هوايةً وسحب عدد كبير من الشباب للإحتياط أو اقتيادهم للعملِ سخرة في حفرِ الأنفاقَ على الجبهاتِ المشتعلة في أطرافِ دمشق أو أخذهم لمعتقلات الموت التي امتلئت بمئاتِ الدمشقيين حتىَ أصبح من يخرج من منزلهِ يخرج على دمهِ ليؤمن القوتَ لأهلهِ و أولادهِ ولا يَعلم إنّ كانَ سوفَ يعود او لا, لأنهُ أصبحَ في زمنٍ انطبقَ فيهِ المثل الدمشقيِّ القائل : "الطالع مفقود والراجع مولود.. " أو حتى إن لم يخرج وبقي مُحصناً بمنزلهِ, لن يسلم من شرورِهم , فحملات الدهم والأعتقالات التي يشنّوها بشكلٍ شبهُ يوميّ تلاحقه داخل المنازل بالإضافة إلى سحب الشباب للإحتياط وإذا استمرَ هذا الحال سيأتي يوماً على العاصمةِ تُعلن فيه انها خالية من أبنائِها... فهناك إيضاً طائرٌ أسود يحملُ معه الموت, يُحلّق في سماءِ العاصمة المحتلة , يتغذى على دماءِ المواطنين , ويتواجدُ بكثرةٍ في أماكنِ المدنيين والبيوت السكنية والمحال التجارية, يسمى بالهاون , فسقوط تلك القذائف أصبحَ سنّة معتادة ,حتى أصبحنا نستغرب أن يمّرَ يومٌ دون ان يُسجل سقوط عددٍ من القذائفِ ودون أن تُخلف ورائها شهداءً وتقتل أطفالاً وترمل نساءً ,وتهدم بيوتاً أصبحَت خالية من الماءِ..! لأنّ الماء على عكس الهاون, فقد تبقىَ مقطوعةُ لأسبوعٍ كامل دونَ أنّ تأتي وإنّ أتت فقد تأتي باستحياءٍ كالضيفِ الخجول متعطراً برائحةٍ كريهة كالمازوت, ثم تذهب دون أنّ تترك الفرصة لوداعِها عبرَ ملئ خزان المياه وانقطاع التيار الكهربائي زاد الأمر سوءاً بسبب عدم المقدرة على تشغيل مضخات المياه , لأن قطع الكهرباء اصبح فرض يومي , طويل الأمد فقد يبقى لأكثر من 15 ساعة وقد تبقى لعدة ايام مقطوعة لتقطع معها صوت العاصمة ونبضها وتسكت صوتها وصوت أهلها عن العالم لتصبح دمشق لا تسمع ولا تتكلم ,,فقط تُذبح وتتألم تتألم بصمت حيث يضطر البعض إلى اللامبالاة أحياناً .. لتنتصر الحياة على الظلم وعلى جميع أشكال الموت والأعتقال لأن الترقب كبير لقادم لا يعرف شكله أحد .. تتوقف الحرب يوم وتعود أسابيع ... ماذا سيحدث بعد شهر ؟ بعد اسبوع ؟ ... غداً ؟ ... بعد ساعة ؟ ... بعد قليل ؟ لا أحد يعرف ..
ما الفارق بين حافظ الأسد وبشّار الأسد؟ لماذا صار مطروحا في الأيّام الأخيرة من حكم بشّار سؤال مرتبط بالمستقبل الذي ينتظر سوريا بعد سقوط النظام الذي عاش، إلى الآن، خمسة وأربعين عاما وقد يعيش أكثر؟ قد يعيش هذا النظام أشهرا أخرى. من الصعب التكهن بموعد النهاية، على الرغم من أنّ النظام انتهى.
مرّة أخرى، الثابت أن النظام انتهى. لكن الثابت أيضا أن سوريا لن تبقى موحدة، ذلك أن ما كان يمكن أن يكون دولة ناجحة في المنطقة، تحوّل إلى دولة فاشلة بكلّ المقاييس.
ما نشهده اليوم ليس نهاية سوريا بمقدار ما أنّه نهاية للشرق الأوسط الذي عرفناه والذي كانت سوريا لاعبا أساسيا فيه. كانت لاعبا أساسيا، لكنّها كانت في الحقيقة لاعبا سلبيا نظرا إلى أن النظام فيها كان نظاما عاجزا في مجال البناء. لم يكن قادرا سوى على ممارسة لعبة الابتزاز، في غياب قدرته على الحرب أو على السلام.
في الشرق الأوسط الذي عرفناه، كانت سوريا في كلّ وقت من الأوقات الرجل المريض فيه، خصوصا أنها كانت دائما لدى المسؤولين السوريين عقدة العظمة ووهم الدور الإقليمي الذي كان يسكن العقول المريضة لزعماء سوريا، من حسني الزعيم.. إلى حافظ الأسد وصولا إلى خليفته الذي سلّم سوريا إلى إيران.
ما فعله النظام، الذي لم يدرك أنّ دوره انتهى منذ فترة طويلة، أي يوم سقوط جدار برلين في خريف العام 1989، كان العمل على خطيّن. الأوّل التمديد لنفسه عبر العثور على شريان حياة جديد، والآخر القضاء على الكيان السوري.
عرف حافظ الأسد كيف يجد شريان حياة جديد لنظامه بعد انتهاء الحرب الباردة. في المقابل، عرف بشّار الأسد كيف يجعل الكيان السوري ينتهي في اليوم الذي ينتهي فيه النظام. يقول صديق سوري إن المكان الوحيد الذي كان بشّار الأسد صادقا فيه هو عندما قال إن نهاية النظام تعني نهاية سوريا. قال عبارة “الأسد أو لا أحد”.
لكلّ من الأسد الأب والأسد الابن طريقته الخاصة في التعبير عن عبقريّته بالمعنى السلبي للكلمة. في العام 1990، استغلّ حافظ الأسد الحرب التي شنّها غريمه صدّام حسين على الكويت إلى أبعد حد. ووجد في الحرب على الكويت فرصة لا تعوّض، فانضم إلى حرب تحرير الكويت التي قادها الجنرال الأميركي شوارزكوف.
استفاد حافظ الأسد طويلا من غباء البعثي الآخر الذي كان يحكم العراق بطريقة لا تختلف في شيء عن حكم الأسد الأب لسوريا. في العراق، كان هناك نظام عائلي ـ بعثي، وفي سوريا كان هناك نظام علوي يستخدم البعث غطاء. ما لبث النظام السوري في عهد الأسد الابن أن تحوّل إلى نظام عائلي ـ بعثي على طريقة ما كان عليه نظام صدّام، وذلك عندما اختزل بشّار الأسد العلويين بثلاث عائلات هي عائلته وعائلة مخلوف وعائلة شاليش مع متفرعات عن هذه العائلات تُرك لها شيء من فتات السلطة والثروة مع بعض العائلات السنيّة التي كانت تشكل جزءا من الديكور الخارجي للنظام.
التقط حافظ الأسد فرصة الحاجة الأميركية إلى مشاركة عربية في حرب تحرير الكويت من الظلم الذي لحق بها. التحق بالتحالف الدولي الذي خاض حرب إخراج صدّام من الكويت. أعاد بذلك العلاقة مع الأميركيين الذين جدّدوا له الوصاية على لبنان في مرحلة مع بعد اتفاق الطائف الذي وقّع في خريف العام 1989. استفاد الأسد الأب أيضا من غبيّ آخر، لبناني هذه المرّة، اسمه ميشال عون كان يحتلّ قصر بعبدا. وفّر ميشال عون للأسد فرصة دخول القصر الرئاسي ووزارة الدفاع اللبنانية القريبة منه وذلك للمرّة الأولى منذ حصول لبنان على استقلاله.
عرف حافظ الأسد كيف يلعب أوراقه. عرف خصوصا كيف يكون حاجة أميركية وعربية وإسرائيلية في الوقت ذاته. لم يكن لدى اسرائيل في أيّ يوم من الأيام اعتراض على بقاء جبهة جنوب لبنان مفتوحة وجرحا دائم النزيف.
ما يجمع بين الأسد الأب والأسد الابن هو تلك الحاجة الدائمة إلى الهروب إلى الخارج السوري. استند حافظ الأسد في هروبه إلى توازنات معيّنة، من بينها علاقاته العربية التي ترافقت مع علاقة عميقة مع إيران. عرف كيف يخفي الطابع المذهبي لتلك العلاقة وتغليفها بشعارات ذات بعد عربي. أمّا بشّار الأسد، المعجب بـ”حزب الله” والجاهل لحقيقة مثل هذا النوع من الأحزاب المذهبية وطبيعة دورها، فقد غرق منذ البداية في فخّ العلاقة مع إيران. انتهى بكلّ بساطة أسير تلك العلاقة في بلد لا يمكن أن يقبل بالهيمنة الإيرانية بأيّ شكل.
بعيدا عن التوازنات الطائفية والمذهبية في سوريا، وصل النظام إلى مرحلة لم تعد فيها فائدة من لعبة الهروب إلى خارج. حاول بشّار منذ البداية ممارسة هذه اللعبة. أرسل، في مرحلة ما بعد اندلاع ثورة الشعب السوري قبل ما يزيد على أربع سنوات، لبنانيين وفلسطينيين من المساكين، إلى جنوب لبنان وإلى الجولان مهدّدا بفتح جبهة جديدة. لكنّ كلّ ذلك لم ينفع في شيء.
أراد حتّى الهروب إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل، لكنّه اكتشف في النهاية أنّ ساعة الحقيقة دقّت للنظام ولسوريا في الوقت ذاته. كان في استطاعته الخروج باكرا من السلطة، لعلّ في الإمكان إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا. اختار للأسف الشديد تجاهل الواقع. عاش في عالم خاص به. عاش داخل فقاعة عزلته عن الواقع السوري وعن الواقعين العربي والعالمي. انفجرت الفقّاعة.. انفجرت معها سوريا.
لم يعد بالإمكان في الوقت الحاضر سوى المقارنة بين الوضعين السوري والليبي. تمثّل ليبيا، حيث لم يعد بالإمكان إعادة تركيب الدولة ومؤسساتها، المستقبل السوري. عرف الأسد الأب كيف يجدد طريقة للمدّ بحياة النظام. فشل الأسد الابن في ذلك. لن يذهب قبل أن تذهب معه سوريا.. إلى حيث ذهبت ليبيا معمّر القذّافي!
انتقم القذّافي من ليبيا والليبيين. لم يترك لهم بلدا يمكن حكمه بعدما مزق المجتمع الليبي وقضى على النسيج الاجتماعي في البلد ودمّر كلّ مؤسسات الدولة بطريقة منهجية.
هل سيبقى شيء من سوريا يصلح لإعادة بناء دولة أو دويلات، أم كلّ شيء بات مهيّئا لحروب لا نهاية لها تمكّن بشار الأسد من القول إنّه انتقم من الشعب السوري الذي ذنبه الوحيد ارتكابه جريمة البحث عن بعض من كرامة.
ينتمي قرار القاضي العسكري اللبناني الحكم على ميشال سماحة بالسجن أربع سنوات ونصف السنة إلى مجموعة وقائع غرائبية يشهدها إقليمنا في الآونة الأخيرة. موت رستم غزالة، والشائعات حول علي المملوك، والمعارك الغامضة في القلمون، والغارات الإسرائيلية على مواكب مجهولة في سورية.
القرار يصعب على التفسير، ذاك أن نفوذ حزب الله أو النظام السوري في القضاء في لبنان لا يكفي لفهمه. الأرجح أن سماحة ليس قضية رابحة، وأن كلفة القرار أكبر من أهمية نتائجه. ووفق هذه المعادلة يجب أن نذهب في تفسيره إلى ما «بعد بعد» حاجة محور الممانعة إلى سماحة حراً. هذا ما زخّم عمليات التوقع، وأعاد الاعتبار لمخيلة جامحة في تفسيراتها، سبق أن استعرضت صوراً لرستم غزالة قبل موته «مفسوخاً»، وما ذهبت إليه المخيلات في قصة إماتة رستم كان أقل مما ذهبت إليه القصة الحقيقية.
«يريدون الإفراج عن ميشال سماحة لقتله خارج السجن»، هذا ما ذهبت إليه بعض التوقعات، وهذا السيناريو على جموحه ومنسوب خياليته المرتفع لا يبدو مستبعداً، ذاك أن لا جواب شافياً حتى الآن عن السؤال: ما الحكمة من تبرئة رجل شاهد اللبنانيون، والعالم، الفيديو الذي يأمر فيه عميله أكثر من 10 مرات أن يقتل وأن يُفخخ ويُفجر وأن يستهدف إفطارات ومفتين وسياسيين!
لكن هذا التوقع، أي الرغبة في قتل سماحة بعد الإفراج عنه، لا يكفي لتفسير القرار، ذاك أن فضيحة تبرئته تبقى أكبر كلفة، لا بل أوضح من الجريمة المصورة التي ارتكبها الرجل. الحبكة البوليسية مضحكة لشدة ركاكتها ووضوحها، ولا يبدو أن مقمشها يتمتع بخيال كافٍ لبث الشكوك.
علينا هنا أن نتذكر. غازي كنعان قال في اتصال مع إذاعة صوت لبنان قبل يومين من موته: «هذه المرة الأخيرة التي ستسمعون فيها صوتي». ولم يكترث قاتلوه بأن حكاية انتحاره لن يُصدقها أحد. قرار قتله نُفذ من دون أي شعور بضرورة إقناع أحد برواية أخرى. رستم غزالة مات بـ «مرض غريب»، وبالنسبة لقاتليه ليس مهماً كل الوقائع التي سبقت موته. إحراقه المصور لقصره، وقرار عزله قبل موته! لقد مات بـ «مرض غريب»، وفي اليوم التالي كان على كتبة المقالات في الصحف اللبنانية، أن لا يشككوا بذلك، ولكن أن يبدأوا مشوار تخوينه و «فضح فساده».
من غير المطلوب أن نُصدق، فقط علينا أن نُكرر الرواية التي لم نُصدقها. قرار تبرئة ميشال سماحة قرار عادل والفيديو الذي شاهدناه ليس مهماً. فلنشاهده ليلاً، ولكن في الصباح علينا أن نُكرر وراء القاضي أن ميشال سماحة بريء. والقاضي يعرف أننا لم نُصدق قراره، وهو لم يُصدر القرار بهدف أن يُصدقه أحد. القرار صدر لأن سماحة يجب أن لا يكون في السجن. الأكلاف غير مهمة، ولا قيمة من المطلوب مراعاتها أو احترامها. فقط المطلوب أن نُردد في الصباح ما يعرف القاضي أننا غير مُصدقيه.
هذا هو المضمون الفعلي لعلاقة هذه الثقافة بجمهورها. الإخضاع وليس الاقتناع، ثم يأتي بعد الإخضاع الانخراط في القطيع، وبعد ذلك في الأجهزة ثم في المهمات، إلى أن يحين موعد الفضيحة، لندخل بعدها في الموت وفي الغياب والتخوين.
والحال أن النظام في سورية وفي لبنان، يدير أزمته منذ أربع سنوات وفق هذا المنطق. لا قيمة لكل الوقائع، واللعب كان مكشوفاً إلى حدٍ مذهل. كل العالم يعرف أن بشار الأسد على استعداد لقتل ملايين السوريين. كل من صادفناهم من حلفائه قالوا لنا إن الثورة لن تنجح لأننا أمام نظام على استعداد لأن يفعل ما يفعله اليوم. قالوا ذلك من دون أن تعني قناعتهم هذه أن مَن هذه حاله يجب الابتعاد عنه. إذاً لماذا الذهول بقرار تبرئة رجل ارتكب جريمة مصورة؟
ثم إن القول بأن قرار تبرئة ميشال سماحة سيعني لأي إسلامي سني أن «القاعدة» أو «داعش» هي الخيار في مواجهة هذا الوضوح في الاستهداف، لا يعني شيئاً، فهذه المعادلة التي عمل بموجبها النظام في سورية في السنوات الأربع الأخيرة، وهي ما يعتقد أنها سبب بقائه واستمراره في ملحمة القتل اليومي.
نعم هناك مئات الإسلاميين في السجون اللبنانية أمضوا سنوات طويلة من دون محاكمة، بعضهم مرتكب وبعضهم بريء، وهؤلاء وأهلهم وأقاربهم سيضعهم قرار تبرئة سماحة أمام «القاعدة» وأخواتها وجهاً لوجه. سهولة تبرئة سماحة تدفع إلى الاعتقاد أن هذه الحقيقة أحد أهداف القرار.
إذاً أصبحنا أمام احتمالين، الأول إخراج سماحة من السجن بهدف قتله والتخلص من أثقاله، والثاني دفع البيئة التي كانت متفجرات سماحة ستستهدفها إلى مزيد من التطرف. وبما أن الخيال خصب في ما يتعلق بالنظام السوري اللبناني، يمكننا أن ندمج الاحتمالين، فنقول: الإفراج عن سماحة ثم تنظيم اغتياله عبر واحد من أولئك الذين خُصبت راديكاليتهم بحقائق من نوع الإفراج عن سماحة.
مجتمعاتنا مستجيبة لهذا النوع من الإدارة والتوجيه، وسبق أن اختبر النظام السوري ذلك عشرات المرات، ونجح في اختباراته. في نهر البارد فعل ذلك، وفي قتال الأميركيين في العراق، وفي سورية في السنوات الأربع الأخيرة، وفي اغتيال الحريري جيء بإسلامي سني لينفذ المهمة.
ثم إن تكراره وحلفاءه دورة القتل هذه لا ينطوي على عبقرية مجرم، إنما على شعوره بالتخفف من أي التزام تجاه عقول وأخلاق مؤيديه. فمعرفتنا أن وراء قرار تبرئة سماحة رغبة في إنجاز مهمة لا تتعلق بحرية الأخير إنما استدراج عنف وتطرف، لا تعني أن على القاضي أن يتردد في إصدار حكم البراءة. والذاكرة السمكية لمجتمعات الأنظمة المستبدة لن تستحضر واقعة التبرئة هذه عندما تبدأ بتفسير أسباب صعود «القاعدة» وانتصاراتها. ستتولى المذهبية مهمة امتصاص ما يمكن أن يتسرب من الذاكرة.
هذا ما جرى منذ اليوم الأول للثورة في ســورية. الجميع كان يقول إن النظام يريد خصوماً متطرفين، وأن أعداءه الفعليين هم المتظاهرون المدنيون. أنجز المهمة في سورية، أمام أعين الجميع. وها هو اليوم يُبرئ ميشال سماحة أمام أعين الجميع، والنتيجة ستكون مشابهة.
لم يفاجأ السوريون بنتائج قمة كامب ديفيد، فقد انتهت لقاءات أصحاب القوة والمال بتعهدات لا ضامن لها، ولا توقيت يحددها، ولا آمال يعول عليها.
الأسد فاقد للشرعية، وعلى إيران أن تتوقف عن زعزعة الاستقرار في المنطقة. تطمينات أمنية لدول الخليج بأن أي اتفاق أمريكي أو دولي لن يؤثر في أمنهم و سلامة اقتصادهم و سيادتهم في مناطقهم، بهذا وما شابه خرج المؤتمرون من منتجع كامب ديفيد.
بكل تأكيد لن تتهاون الإدارة الأمريكية مع أي تهديد لمصالحها في الدول العربية، التي ترتبط معها بعلاقات شراكة استراتيجية و اقتصادية، كما لن تتهاون مع كل من يحاول المس بأمن مصالحها في الخليج طالما بقي نقطة نفط على أراضيهم.
أما بالنسبة لسوريا والصراعات التي أودت بشعبها وأمنه واقتصاده وسيادته إلى الجحيم، فلم تمنح إلا بعض التصريحات الدبلوماسية التي لا تقدم و لا تؤخر في مسار الصراع ،فكل ما يرتبط بالجانب السوري لم يتعد تصريحات باهتة لـ بن رودز في مؤتمر صحفي على هامش القمة؛ بقبول الإدارة الأمريكية دراسة الخيارات المختلفة في سوريا، مع إعلان مبطن بعدم رغبة الجانب الأمريكي القبول بإنشاء منطقة حظر للطيران، كونها حسب حساباتهم لا تشكل فارقا ذا تأثير، بعد دراسة طبيعة الصراع في المنطقة.
لن نتوقف عند هذا الإعلان لـرودز كوننا ناقشنا مسبقا دوافع واشنطن لهذا الرفض، التي كان أبرزها الابتعاد عن أي تدخل أو قرار يمكن أن يفضي إلى خسائر أو التزامات مكلفة للإدارة الأمريكية، وأن هذا شأن إقليمي يجب أن تتحمل كلفته الدول المتأثرة تأثرا مباشرا بالصراع الدائر على الأراضي السورية والراغبة في الحل.
ولكن اللافت في تصريحات رودز المتعلقة بالشأن السوري تراجع واشنطن عن مخاوفها تجاه تسليح المعارضة، و يبدو ذلك واضحا من خلال حديثه عن تزويد المعارضة السورية بالسلاح الذي كان محرما حتى وقت قريب.
لم تأت هذه الليونة تجاه المعارضة المسلحة في سوريا من العدم، و إنما صدرت عن رغبة البيت الأبيض كسب ود الدول الداعمة للمقاومة الشعبية في سوريا و أهمها السعودية وقطر وتركيا، الدول التي بات رحيل الأسد أولوية في ملفاتها الخارجية. ولكن قد يتساءل البعض، لماذا -على الرغم من تأكيد الإدارة الأمريكية مرات و مرات على أهمية إزاحة الأسد، و تغيير النظام الحاكم في سوريا، و استمرارها في الإعلان عن أنه لا شرعية للأسد في سوريا- مازالت مواقفها سلبية تجاه حل الصراع بالقوة والتدخل العسكري، ومتمسكة بالحلول السياسية التي أثبتت فشلها يوما بعد يوم؟
الحقيقة إن الولايات المتحدة الأمريكية وبوضوح لا ترغب في المبادرة إلى أي موقف من شأنه أن يعرقل علاقاتها الدبلوماسية واتفاقياتها النووية مع الجانب الإيراني، بعد هذا الانفراج النوعي في العلاقات بين البلدين، ومن جهة أخرى؛ إن أي إقرار صريح من قبلها بأن الحل الوحيد والأنجع لحل الصراع في سوريا هو عبر التدخل بالقوة و الإمداد العسكري، سيفضي إلى زجها في التزامات و خسائر كانت ومازالت عبر سنوات الصراع في سوريا تتملص منها بذرائع و حجج مختلفة، منها ما كان واضحا من خلال إعلانها سابقا رفض الكونغرس زج القوات الأمريكية في أي عمل عسكري على الأراضي السورية، و ما يترتب عليه من أضرار وزيادة في التعقيدات الاقتصادية للبلاد، و منها ما هو مبطن مثل وصول الحكم في سوريا إلى جماعات و أحزاب لا تستطيع ضمان ولائها، ومخاوفها من تأثير أي نظام قد لا يسهل تطويعه لإرادتها على أمن وسلامة إسرائيل. ولكن ما شهدته الشهور الأخيرة من تجاذبات بين المثلث (السعودي- القطري- التركي) والمقاومة الشعبية على الأراضي السورية التي استطاعت كسب ثقة وود هذا المثلث، استدعى ذلك بكل تأكيد دبلوماسية أكثر حذر و حرص من الإدارة الأمريكية، التي شددت وأكدت عبر أوباما شخصيا تمسكها و حرصها على شراكتها مع دول الخليج الصديقة!
قد يتأمل أوباما - الذي حاول من خلال تصريحاته أن يكون حمامة السلام بين الخليج و إيران - أن تخفف قمة كامب ديفيد من حدة الصراع الذي يقض مضجع واشنطن، كونه وصل إلى أراض تثمن صداقتها وشراكتها، و مع أنه لم يحدد لنا ما هي الإجراءات التي يتوقع أن يضغط بوساطتها على إيران لتتحول من جارة منبوذة ومكروهة إلى جارة الرضا! ما يمكننا تأكيده أن تطمينات أوباما لدول الخليج و تعهداته التي لم تتحول بعد إلى معاهدات رسمية، لن تغير من واقع يقول: إن الاتفاق النووي مع إيران خطأ لا يمكن تفادي انعكاساته على الدول العربية مستقبلا، ولا يمكن التفاوض مع نتائجه ، وأن أي دعم لإيران سواء جاء عبر التغاضي عن جرائمها و انتهاكاتها في سوريا والعراق واليمن، أو عبر فك العقوبات الاقتصادية عنها، أو عبر السماح لها بالمتابعة في برنامجها النووي، ولو حتى ضمن إطار اتفاق محكم و مدروس من حيث تأثيراته ونتائجه، سيلقي بتأثيراته ونتائجه على واشنطن تحديدا في المستقبل القريب.