مجزرة في مدينة دوما راح ضحيتها 5 أطفال وعدد من الجرحى جراء قصف الأحياء السكنية بصاروخ أرض ارض ، مجزرة كفرعويد بريف إدلب حسب أخر إحصائية أكثر من 26 شهيدا وعشرات الجرحى بينهم حالات خطيرة جراء غارات جوية على منازل المدنيين ، ومجزرة أخرى في مدينة سراقب نفذتها طائرات الأسد الحربية حيث استهدفت المدنيين سقط جرائها 8 شهداء وعدد من الجرحى وما تزال فرق الإنقاذ تحاول انتشال الناجين من تحت الأنقاض ، بالأمس 100 شهيد في مجزرة في منبج ، عشرات الشهداء و الجرحى في قصف على المساجد في ادلب ، 22 حالة اختناق بغاز الكلور جراء استهداف ريف جسر الشغور بغاز الكلور .
عذراً إنها أخبار إعتيادية و اقل من عادية ، و لأنتقل إلى الخبر الذي هز العالم بأسره ، قض مضاجع الأمم و الدول المتحضرة ، أرعب المجتمعات المخملية المعنية بالرقي و الحضارات و تماذج التاريخ ، إنها "تدمر" و آثارها فإن زنوبيا و تاريخها في خطر .
و كيف لا فهذا هو إرث سوريا ، إرث الحضارة البشرية ، إرث للأجيال القادمة ... هذه الحجارة المرصوفة منذ آلاف السنين يجب أن تبقى لو فني الجميع ، و لو لم يبق أي وارث أو مورث ، المهم أن تبقى .
كيف لا ينتفض المجتمع المخملي على هذه الهمجية القادمة ، و تستهدف التاريخ ، تستهدف الحضارة ، أمم متحدة ، دول حضارية ، نظام (الأسد) المخملي المهذب و المثقف ، معارضة وسورية راقية ، تؤمن بالحفاظ على سوريا الحجر و لو فني البشر.
تدمر التي يتسابق الجميع من يبكي أكثر عليها ، باتت فارغة من كل ما هو ثمين و بات تحت يد نظام الأسد ، تدمر الأثرية ليست إلا أطلال ، و لكن تدمير سوريا هو الأساس ، يهدفون على الحفاظ على الحضارة الحجرية دون الإكتراث بتدمير الحضارة الحالية ، و الروح البشرية لسوريا .
عندما يتم القتل المستمر الممنهج و المستمر و المتواصل للسوريين في كل مكان ، فلا حاجة لنا بكل آثار الدنيا ، و ليست "تدمر" في عينها ، بل كل شيء لا يسوي أي قيمة أمام أطفال و نساء و شيوخ و رجال سوريا ، و لو كان أغلى مكان لأي دين أو مذهب ، ابتداءً من الكعبة و انتهاءاً بحائط المبكى .
سوريا هي الانسان الذي يقتل و يجتهد الجميع للتعامي عنه ، و الركض وراء الحجارة ، كل ما يحدث ليس له دليل و لكن أن يوجد خطر على "تدمر" فهذا شيء غير محمول يسترعي من الجميع الإنتفاض في وجهه ، أما استخدام الكلور و الأسلحة الكيميائية فإنه لا دليل على ذلك ، و إن وجد دليل فيجب أن نتباحث في شأنه .
ليس دفاعاً عن داعش و أفعالها المدانة و لا خلاف على هذا الأمر ، و إنما مهاجمة لكل متكاذب على الحضارة و متعامي عن موت شعب بأكمله .
فلتدمر تدمر و يبقى السوري الحي ... و لا شيء يجاوز أهمية دمعة طفل سوريا مهما عظم في أعين الجميع ، فإنه في أعيننا صغير أمام مستقبل أاطفال .
و أجمل ما سمعت حول الآثار و ردات الفعل أنه يجب علينا أن نصبغ شهدائنا بلون ذهبي علّنا نجد من يتباكى علينا ...!؟
منذ أن أطلت «داعش» على مشهد الثورة السورية، أثارت كل أشكال القراءات لمشروعها وتكوينها وأهدافها. منذ البداية، كان واضحًا افتراقها في الأولويات عن بقية فصائل الثورة، وتحديدًا الجيش السوري الحر الذي وصمته «داعش» بالكفر. ثم ما لبثت أن دخلت «داعش» في اشتباك عقائدي وفقهي وعسكري مع جبهة النصرة على خلفيات عدة أبرزها العلاقة بتنظيم القاعدة، بالدرجة الأولى، وتعيين «داعش» أمراء من غير جنسية الإمارة الموكلة إليهم، وهو ما اصطدم بالحساسية السورية لـ«النصرة».
ثم إن «داعش» لم تضع من سدة أولوياتها إسقاط نظام الأسد، بقدر ما حرصت على الاستحواذ والتفرد بأكبر مساحة جغرافية ممكنة، تعلن عليها الخلافة وتنطلق منها في حروب فتح وقضم جغرافي.
ولئن كانت «النصرة» أقرب في أولوياتها إلى بقية فصائل الثورة، وتحديدًا إسقاط نظام بشار الأسد، احتلت بالنسبة للنظام وحزب الله صدارة الأعداء، بينما حُيدت «داعش» التي وجدت لنفسها مساحة تفاهمات مباشرة وغير مباشرة مع الأسد، على ما تدل تجربة «داعش» في «ولاية الرقة»، حيث حظيت بدرجة تسامح عجيبة معها طوال سنتين ونيف قبل سقوط الموصل. وهذا مسار وثقته مجلة «دير شبيغل» الألمانية بتفاصيل صادمة حول مستوى التفاهمات الميدانية بين «داعش» والأسد.
رغم ذلك، فإن الدعاية السياسية لحزب الله ركزت، بشكل مغاير للواقع، على الاشتباك الهامشي مع «داعش» على الحدود اللبنانية السورية، رغم أن أغلبية المسلحين هناك من جبهة النصرة، فالحزب الذي يدرك أن الفظاعات الداعشية توفر مادة خصبة للتعبئة في بيئته، ولإحراج الخصوم في معركة الرأي العام، انتحل صفة القتال ضد «داعش»، ورعبها، بينما أغلب معاركه خيضت ضد «النصرة» والجيش السوري الحر.
وحين حلت معركة القلمون، الاستراتيجية بالنسبة لحزب الله والأسد، كون الحدود اللبنانية السورية هي آخر المعابر البرية التي يتنفس منها النظام، وجد حزب الله نفسه في خندق واحد مع «داعش»، حيث إن الاثنين يقاتلان «النصرة» والجيش الحر وبقية فصائل «جيش الفتح» المولود حديثًا!
الوقائع تفضح دعاية حزب الله، فهو بعد أن كان عرضة لهجوم استباقي شنته «النصرة» وحلفاؤها، ورفضت «داعش» الانضمام إليه، مطلع مايو (أيار)، وجد نفسه يقاتل «النصرة» يدًا بيد مع «داعش» وجيش الأسد. ولعلها من المفارقات المرعبة أن تجد «النصرة» نفسها وهي في ذروة القتال ضد حزب الله وجيش الأسد، عرضة لقطع طرق إمداداتها من قبل «داعش»، في توقيت لا يخدم إلا تقدم حزب الله في القلمون الغربي.
لا أدلة في المعركة الراهنة على تنسيق عملاني بين حزب الله و«داعش»، لكن السياق الظرفي للوقائع الميدانية يعزز الانطباع بتلاقٍ، ولو مؤقت، بين أجندتها وأجندة حزب الله. وهذا شبيه بالأدلة التي يستند إليها حزب الله في دعايته ضد «النصرة»، التي تسيطر على الحدود السورية «الهادئة» مع الجولان، وتنقل بعض مصابيها للعلاج داخل إسرائيل. فالدعاية السياسية للحزب تبتسر الوقائع بشكل تضليلي محترف، يخدم سعيها لضرب مصداقية أي فصيل من فصائل الثورة السورية، كما يخدم إحراج الخصوم في الداخل اللبناني. وهو ابتسار يريد القفز آيديولوجيًا فوق واقع أن إسرائيل جزء من الميدان السوري بحكم الموقع الجغرافي والحسابات الأمنية. وقد تنقلت إسرائيل على حدودها بين مساعدة جيش الأسد لتحرير معبر البياضة وبين القبول لاحقًا بـ«النصرة» على حدودها بعد التأكد أن أولوية التنظيم هي الأسد، أقله في المرحلة المنظورة.
وللإنصاف، فإنه بمثل ما هي «العلاقة» بين «النصرة» وإسرائيل علاقة تفاهم ضمني تمليه أولويات الطرفين، كذلك هي «العلاقة» بين حزب الله و«داعش». والحزب هو أبرز من يفهم مثل هذه العلاقات السرية والتفاهمات غير المباشرة بين أعداء. فهو تاريخيًا استفاد من شيء شبيه مع إسرائيل في حروبه ضد حركة أمل في جنوب لبنان، خلال ما يسمى حرب إقليم التفاح، حين كان يهرب الأسلحة والذخائر تحت نظر ميليشيا جيش لحد، الموالية لإسرائيل، والمشرفة مواقعُها على طرق الإمداد المستخدمة من حزب الله.
وحاضرًا، عقد الحزب نوعًا من تفاهم وقف إطلاق نار مع «النصرة» على قرى قضاء بعلبك الهرمل الموازي للقلمون الغربي، تتوقف بموجبه «النصرة» عن قصف القرى اللبنانية مقابل إمدادها بالوقود والطعام واللوازم الطبية.
لا تعكس هذه الوقائع زيف مواقف الأطراف الثلاثة؛ أي حزب الله، و«داعش»، وجبهة النصرة. فهم أعداء بلا شك، وضعتهم سخريات أقدار الحروب في مواقع تتقاطع فيها مصالحهم بشكل عبثي. ما تعكسه هذه الوقائع هو استحالة الهدف المجنون الذي يتنطح له حزب الله؛ أي حماية بقاء نظام الأسد.
هذه مهمة لا يحققها أي قتال في القلمون، وأي مكتسبات عسكرية فيه. فحزب الله يحاول القفز فوق واقع ديموغرافي يعني ببساطة أن أي انتصار له في سوريا يستلزم تهجير 19 مليون سوري سني، باتوا يكنون له عداءً مكينًا خارج أفق أي مصالحة أو تسوية.
هذه نتيجة سيصل إليها الحزب بلا شك، لكن المخيف أن يغامر، قبل ذلك، بالمزيد من العنجهية والجنون، وأن يسعى لإدخال الجيش اللبناني في معركة «تطهير» عرسال وجرودها من المسلحين الوافدين إلى لبنان بسبب معارك القلمون! مما يعني معركة تهجير 30 ألف لبناني سني من الحزام الرابط بين سوريا العلوية ولبنان.
بالمناسبة، ألم يقل حسن نصر الله إنه «دخل الحرب في سوريا كي لا يأتي التكفيريون إلى لبنان»؟
حظًا سعيدًا.
على الرغم من العمل الشاق المجهد والوقت الطويل الذي يستغرقه حفر نفق تحت سطح الأرض في منطقة جبلية قد يصل طوله لأكثر من 1000 متر وفق عمل هندسي دقيق للوصول للهدف المطلوب إلا أن " حرب الأنفاق " أثبتت فعاليتها في المعارك الدائرة في عموم سوريا عامة ومحافظة إدلب خاصة والتي كانت السباقة في اعتماد الأنفاق وسيلة لتدمير قلاع النظام الحصينة في المناطق التي تتمركز فيها بعد استعصائها على كتائب الثوار ولعل ألوية صقور الشام التابعة لحركة أحرار الشام الإسلامية مؤخراً أول من سن هذه السنة الحسنة في حرب قوات النظام فكان أول نفق أرضي يستهدف "حاجز الصحابة " ضمن معسكر وادي الضيف هزة قوية أذهلت النظام وأربكت صفوفه بعد تمكن الثوار من قتل العشرات من جنوده وتدمير نقطة حصينة على أطراف المعسكر دارت حولها عشرات المعارك دون تمكن الثوار من السيطرة عليها لتتحول لكومة ركام خلال دقائق قليلة بعد عمل مجهد على مدار أشهر.
وبعد نجاح التجربة انتقلت الفكرة لمحافظات حلب ودرعا وتمكن الثوار من تدمير عدة نقاط حصينة ثم تكررت العملية في محافظة إدلب واستهدفت تلة السوادي ومبنى القيادة داخل معسكر وادي الضيف ثم تدمير قصر السعودي الحصين في جبل الأربعين وأخرها تدمير ثكنة الفنار العسكرية في قمة جبل الأربعين منذ أيام قليلة بنفق أرضي قامت ألوية صقور الشام التابع لحركة أحرار الشام الإسلامية بحفره في منطقة جبلية عصية إلا على معاولهم وسواعد أبطالهم الذين عملوا طوال إحدى عشر شهراً بشكل متواصل لحفر نفق يصل مداه لأكثر من 700 متر ثم ليجهز بعدة اطنان من المتفجرات ومع بدء ساعة الصفر تطلق التكبيرة المعلنة بدء التفجير لتتطاير أشلاء قوات النظام مع دباباتهم لمسافة عشرات الأمتار في الهواء دون أن يميز من كتبت له النجاة من اي جهة جاءهم الموت ولا تلبث دقائق قليلة وتنجلي غمامة الغبار معلنة زوال أكبر الثكنات العسكرية ومقتل كل من كان فيها من عناصر وضباط تحت الركام.
وتعتبر " حرب الأنفاق " من أبرز الإبداعات لثوار سوريا في محاربة قوات النظام والتي حاكت بها أنفاق حركة حماس التي كانت تستخدمها في الدخول لمناطق العدو الإسرائيلي أو الحدود المصرية بغية القيام بعمليات أسر أو نقل أسلحة وذخائر لمدينة غزة المحاصرة فكانت التجربة السورية مصدر رعب وقلق يؤرق جنود النظام وضباطه ويحقق خسائر كبيرة في صفوفه من حيث أعداد القتلى والخسائر العسكرية على الأرض ليبقى الموت القادم من تحت الأرض طيفاً يلاحق عناصر النظام حتى تحرير أخر نقطة عسكرية في عموم الوطن السوري.
تقتضي الخطة الإيرانية والتي سبق و نوه عنها حسن نصر الله أمين عام حالش في خطاب الهزيمة الأخير الذي يعتبر مقدمة للانسحاب من سورية تقتضي الخطة تشكيل فكي كماشة لمحاصرة الثوار في القلمون : حالش من أمامكم وداعش من ورائكم .
داعش شقيقة حالش فكلاهما تنطيمان مسلحان تكفيريان إرهابيان متأسلمان.
ثوار القلمون على ثلاث جبهات جبهة في مواجهة حالش وأخرى في مواجهة داعش وثالثة في مواجهة النظام الذي يعتمد بشكل أساسي بمشاركته على سلاح الطيران.
ثانياً إن استدعاء طهران ودمشق لداعش للقلمون الآن دليل على فقدان القوة البشرية والعسكرية للنظام وكذلك دليل ضعف حالش عسكريا وبشريا ولوجستيا بعد حرب استنزاف مازالت مستمرة للعام الخامس على التوالي.
إن حالة الضعف والتآكل الداخلي لحزب الله في قاعدته الشعبية نتيجة الخسائر البشرية الفادحة والتي تدفعه منذ عدة أشهر لتجنيد الأطفال واليافعين من أبناء البقاع اللبناني لنشرهم على التلال والمناطق الحدودية من أعمار تتراوح بين 13 و 18 سنة دليل إفلاس الحزب.
هذه الحالة وبدء المعارك الضارية في القلمون دفعت ماهر الأسد للاتصال ب نبيه بري وإعطاءه أمر إرسال مؤازة للقلمون من ميليشيا حركة أمل الطائفية و استجاب بري للتعليمات دون تردد.
ثالثاً : إن اتساع الرقعة الجغرافية للقلمون وجرودها وهي مناطق جبلية وعرة تمتد على طول الحدود مع لبنان من جهة القلمون على طول 100 كم مما يجعل النظام وحالش وداعش وأمل في ورطة لأن أكثر المقاتلين الثوار في جبهة القلمون هم من أبناء المنطقة ويعرفون طبيعتها الجغرافية و تضاريسها تماماً.
رابعاً: تهدف إيران من استدعاء داعش للمشاركة إلى توريط الجيش اللبناني في المعارك وجره مرة جديدة لمسرحية دامية في عرسال اللبنانية فحزب الله لا يستطيع لأسباب طائفية الدخول بشكل مباشر ومعلن في مجازر في عرسال بحق الأهالي واللاجئين لكنه قادر على توريط الجيش اللبناني عبر استدراج أو استدعاء عناصر مسلحة مشبوهة من الأراضي السورية و زج مجموعات من عناصره في عرسال بملابس الجيش اللبناني وبتعاون وتواطئ ضباط من الجيش اللبناني مع حزب الله كما حدث في أحداث عرسال كما تهدف الخطة الإيرانية إلى توريط الجيش اللبناني في معارك مفتوحة مع داعش ليس على المناطق الحدودية فحسب بل جره لمعارك القلمون على الأراضي السورية.
خامساً: تقتضي الخطة السيطرة على النقاط والتلال الاستراتيجية المطلة على القلمون لحرمان الثوار السوريين من قطع طريق دمشق حمص الساحل ولأن تأمين هذا الطريق الذي يعتبر شريان حياة للنظام وحالش ضرورة من أجل حماية ظهر كوادره الأمنية والعسكرية و الإيرانيين مع إجلاءهم من سورية بعد إعطاء إشارة الانسحاب مع انهيار وشيك للنظام.
سادساً : معارك ثوار القلمون التي تدور في الجرود الجنوبية للقلمون وفي منطقة العجرم ضد داعش هي لحرمان حالش وإيران من الاستثمار السياسي والعسكري و الإعلامي من وصول داعش للحدود اللبنانية من تلك المناطق وحماية الأهالي اللبنانيين وبشكل خاص أهل عرسال واللاجئين السوريين مما تحضر حالش ضد عرسال.
سابعاً: ادعاء حزب الله بالسيطرة على تلة موسى غير صحيح فتلة موسى ترتفع 2700 متر تقريبا وهي تلة كبيرة ووعرة وفيها تحصينات كثيرة تركها النظام عند انسحابه في تشرين الماضي وما حصل هو تقدم عناصر حالش في أجزاء محدودة من تلة موسى أمام انسحاب تكتيكي متعمد من بعض النقاط من الثوار لكنه انسحاب يخفي مفاجآت .
ثامناً: يعتمد حزب الله والحرس الثوري الإيراني على بلدة الطفيل اللبنانية كموقع لبناني استراتيجي متقدم في الأراضي السورية فبلدة الطفيل تقع في لسان جغرافي لبناني يدخل في الأراضي السورية وقام حزب الله بتهجير جميع أهالي الطفيل اللبنانيون السنة وحولها لمنطقة عسكرية وللعلم فإن الدخول للطفيل يقتضي الدخول عبر سورية رغم أنها لبنانية !
أخيراً فإن قيام حزب الله بتنظيم زيارة لمجموعة من الصحفيين لم تكن لمناطق في جرود القلمون السورية كما ادعى حزب الله في بروباغندا للصحفيين وهي بهذف رفع معنويات مقاتليه وقاعدته الشعبية بل كانت زيارة الصحفيين في مناطق محددة سلفاً في جرود نحلة وبريتيل اللبنانيتين والقريبتين من الحدود مع سورية.
فهد المصري / منسق مجموعة الإنقاذ الوطني
رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية حول سورية
من خلال المتابعة لتطورات الأحداث في محافظة إدلب وسير المعارك الدائرة على عدة جبهات من جسر الشغور حتى أريحا قد يراود بعض المتابعين الأفكار التي طالما عمل البعض على ترويجها بحق فصائل الجيش السوري الحر واتهامه بالعمالة للنظام تارة وللغرب الأمريكي تارة أخرى ولا سيما بعد زوال أكبر الفصائل التابعة للجيش الحر المتمثلة في جبهة ثوار سوريا وحركة حزم من المنطقة بعد الاقتتال الأخير مع جبهة النصرة والتقدم الذي شهدته محافظة إدلب في التحرير من وادي الضيف والحامدية حتى جسر الشغور وجبل الأربعين حاليا , في محاولة منهم لإظهار جبهة النصرة كفصيل معادي للجيش الحر وإعطاء الثورة السورية صفة التشدد الديني بعد غياب الجيش السوري الحر المعتدل فعمل البعض على الترويج لدعشنة الثورة تارة و إظهار جبهة النصرة الفصيل الأقوى في المنطقة في مظهر المناصر لتصرفات تنظيم الدولة تارة أخرى وأنها جزء من مشروع الإمارة المرتقبة وأن الجيش الحر من أبناء الشعب السوري يحارب من الطرفين في أن واحد سعياً لبسط كل منهما نفوذه في منطقة.
ولكن المتابع لتطورات الأحداث عن قرب ولاسيما المعارك الأخيرة في ريف إدلب يجد مكونات الجيش السوري الحر المعتدلة حسب تسميات البعض جنباً الى جنب وفي خندق واحد مع فصائل الجبهة الإسلامية وجبهة النصرة وهذا ما ظهر جليا في معارك مدينة إدلب وأريحا وجسر الشغور التي أثبتت وجود الجيش الحر بقوة في المعركة وفعالية سلاحه ولا سيما الصواريخ المضادة للدروع التي يحصل عليها كدعم من الدول الغربية في تدمير الأليات الثقيلة من دبابات وعربات مصفحة والتي كان لها دور كبير لا يمكن لأحد أن ينكره في سير المعارك.
وتتمثل هذه الفصائل بتشكيلات عسكرية كانت متواجدة على الارض منذ بداية الحراك المسلح والتي حافظت على تواجدها ولم يحصل أي صدام بينها وبين جبهة النصرة أو أي فصيل كـ " الفرقة 13 - الفرقة 101 - الفرقة 21 - لواء فرسان الحق - فيلق الشام - لواء صقور الجبل - تجمع صقور الغاب - جبهة الشام " وعدد أخر من التشكيلات التابعة للجيش الحر التي تشارك هذه الفصائل في المعركة دون أن تظهر أعمالها على وسائل الإعلام.
وهذا ما يؤكد بطلان الادعاءات الباطلة التي تعمل بعض الجهات على ترويجها عن زوال الجيش الحر في الشمال السوري وكأن جبهة ثوار سوريا وحركة حزم هي من كان يمثل الجيش الحر دون غيرها من الفصائل العاملة على الأرض والتي لم تعطى حقها من التغطية الإعلامية بالرغم من أعمالها الكبيرة فظهرت التشكيلات الأخرى على حسابها في عدة مناطق.
كما ينفي الادعاءات الغربية عن سيطرة الفصائل الإسلامية المتشددة حسب وصفها على الأرض وممارسة التدين على الشعب السوري وفرض العناصر الاجنبية القادمة من دول إسلامية عدة سلطتهم على أبناء البلد خصوصا أن أكثر من 90 بالمئة من مكونات جبهة النصرة والفصائل الإسلامية باتت من أبناء الشعب السوري ممن وجدوا في هذه الفصائل العون والطريق في تخليص أرضهم من الإحتلال الأسدي المجرم.
ولكن الترويج الإعلامي المسيس الذي تعمل على ترويجه بعض القنوات الإعلامية المدعومة من دول عربية وأجنبية في إهمال وجود الجيش الحر جنباً الى جنب في المعارك الدائرة في الشمال السوري مع الفصائل الإسلامية وجبهة النصرة لغايات متعددة كلها تصب في خدمة مشروع أل الأسد والدول المحاربة لمشروع الدولة السورية الإسلامية بالقول والعمل لا كما يدعي النظام الذي اتخذ من الدين شعاراً لحكم الشعب وكرس كل طاقاته لمحاربته على مدار عقود طويلة.
أعاد النظام السوري، قبل أيام، في الذكرى الأولى لفك حصار حمص، وخروج المقاتلين منها، ساعة حمص الشهيرة إلى العمل، في احتفال ومهرجان يراد لهما تأكيد انتصاره، وبسط سيطرته على المدينة التي هدم قلبها القديم وبعض أطرافها، فجعل صورتها أفظع من صور خرائب المدن الألمانية، في نهاية الحرب العالمية الثانية.
الاحتفال بتشغيل الساعة المذكورة، وجعلها محور الذكرى، بما رافقه من الإخراج التلفزيوني لمشهد تغطية الساعة كلية بعلم النظام، ثم كشفه عنها مع عودة دقاتها للعمل، يُراد له، أيضاً، أن يحل صورة مشهدية قوية ولافتة، لكي تمحو مشهد يوم الاعتصام الشهير والدامي وصورة هذه الساعة التي صارت من رموز الثورة السورية وأيقوناتها. ذلك أن مدينة حمص كانت قد قامت، يوم الجمعة في الخامس والعشرين من مارس/آذار 2011، بعد تدريب أولي في يوم الجمعة السابق، لم تتجاوز فيه أول طريق حماه، فنزل جمع غفير من شبابها إلى الساحة الرئيسة وسط المدينة، وأحاطوا بالساعة الكبيرة ذات النصب الرخامي الأبيض والأسود، والتي كانت قد تبرعت بها، قبل عشرات السنين، المغتربة الكريمة كرجية حداد. ضجّت الساحة يومها بشعارات إسقاط المحافظ وإسقاط الطوارئ، وحُملت صبيةً على الأكتاف من بين من حملوا، لتشارك الهتاف والمتظاهرين، لكن النظام واجههم بكل ما عرف عنه من تصلب وانغلاق، وبدأ مسيرة الحرب والتدمير الشامل ضدهم، ولا يزال.
الساحة، والساعة، والمدينة، صارت أكبر وأكبر، فقد تعلّم ناس حمص الكثير في الأيام والأشهر اللاحقة. هكذا، خرجوا من سباتهم الطويل، لم يعودوا رعية، لا يعرفون سوى نعم، لم يعودوا فقط أصحاب فكاهة وخفة دم، و"نكتة الحمصي" التي كانت وحدها وراء ضحكات السوريين في ظل سنوات الخوف الطويلة، بل أصبحوا، أيضاً، مواطنين مشاركين ورافعي الرأس، يقولون لا بقوة ومن دون خوف.
صارت الساحة مقصد مظاهراتهم واجتماعهم، عندما يتحدرون من مختلف الأحياء والجهات، حتى تحولت أكبر الجنازات التي شيّعوا فيها ثلة من شهدائهم، يوم الاثنين في 18 أبريل/نيسان إلى اعتصام مفتوح ملأ الساحة، والتف حول الساعة التي صارت مقر اجتماع ومنبر خطابة أيضاً.
ومن يومها، لم تعد الساحة ساحة جمال عبدالناصر باسمها الرسمي، ولا ساحة التحرير باسمها الشعبي، بل صارت ساحة الساعة. ولم تعد مجرد ساحة لنصب معماري، أو ساعة توقيت، لا أحد ينتبه إلى توقيتها، صحيحاً أو معطلاً كما في أغلب الأوقات، بل قلب مدينة طالما افتقدت قلبها. وصارت أخبار الصدامات وتعبيرات التظاهر حولها الشغل الشاغل لأهل المدينة وناشطيها، لا يختلف في ذلك صغارهم عن كبارهم، فالجميع يتناقل أحداثها سواء بتفصيلات وقصص، أو بهمس واختصار، كما لو أنهم يتناقلون شريطاً عاجلاً شوهد على محطات فضائية.
وعندما مُنع الشباب من الوصول إلى الساحة فيما بعد، إذ نصّبت السلطة العاتية كل حواجزها وأرتال قواتها، فقطّعت أوصال المدينة، وأغلقت مداخل الوصول إلى وسطها وساحتها، كرر الشباب محاولات الوصول إليها، في البدء أيام الجمع، ثم في كل الأيام بمظاهراتهم الطيارة متحدين أحياناً، وأخيراً، مكرسين ساحات أحيائهم ساحات بديلة لممارسة احتفالهم بالخروج من الصمت والعبودية.
وما لبثوا أن صنعوا نموذجاً شبيها للساعة التي منعوا من الوصول إليها، ولسان حالهم يقول: ما دمتم تحرموننا منها، فسنجلبها إلينا.
هكذا، صارت بدائل الساعة تصاحب مهرجانات الثوار ومظاهراتهم. بدأ ذلك في ساحة الزاوية قلب حي باب هود، ثم في جنينة علو قلب حي الخالدية، حيث تكاملت مع منصة الخطابة ومحطة البث المباشر، إلى أن أصبحت رمزاً للمظاهرات السورية وأنصارها في أرجاء الوطن والعالم.
وحول تلك الساعة البديلة، ارتفعت أجمل هتافات الثورة، وغنى عبد الباسط الساروت. ومنها أذيعت أجمل أغانيه، وانتشرت بين جماهير المظاهرات السورية. وحولها، ارتفعت صور الشهداء والمعتقلين، واللافتات المطالبة بشعارات الثورة السلمية، وأولها: إسقاط النظام، وواحد واحد الشعب السوري واحد، ثم، صارت كل إشارة إلى الساعة إشارة إلى الثورة عموماً، وإلى الثورة في حمص خصوصاً.
"تبقى حمص مضيئة مثل جمر متوقد أبداً، ولن تنطفئ، حتى الاحتفال بها وبانتصارها، طال الزمن أم قصر"
ولم تلبث مدينة حمص التي لم تكن، يوماً، عاصمة، أن أصبحت عاصمة للثورة، وعاصمة للقلب، تعصم مواطني حمص الذين لن يكفّوا عن رفع رؤوسهم، طالبين المساواة وإلغاء كل تمييز. فووجهوا بما لم تواجهه ثورة وشعب في التاريخ، وعندما فرض على ثوارها خيار الجوع أو الركوع، بعد عامين مشهودين من التدمير والعنف، تحقق لهم خيار الخروج من الحصار إلى ساحات أخرى. وها هي أخبارهم تقول، إن بعض كتائبهم تقاتل من جديد، وتشارك في تحرير إدلب وجسر الشغور، كما أن كتائب أخرى منهم تتوحد، وتشارك في معارك ريف حمص الشمالي. أما الساعة، فالمؤكد أن صورتها باقية، تنير وجدان كل منهم، وهم يتطلعون، بكل قوة، إلى لقائها في ساحتها الحقة.
اليوم، تستطيع السلطة العاتية أن تقيم احتفالاتها، وأن تسير مؤيديها وشبيحتها، كما فعلت طوال نصف قرن مضى. لكن، كما أنها لم تستطع منع ما حدث، لن تستطيع محوه، كما حاولت مع مجزرة حماة، عندما كان الصمت مطبقاً على سورية، فكيف إذا كانت صور ساعة حمص واعتصامها ومجزرته، مشهودة لا في ذاكرة الناس وحسب، بل ومسجلة بكل التقنيات المعاصرة. وستبقى صور خروج مواطني حمص حول ساعتهم، وتعبيرهم عن إرادتهم الحرة ماثلة في الوجدان السوري. وهي مضيئة مثل جمر متوقد أبداً، ولن تنطفئ، حتى الاحتفال بها وبانتصارها، طال الزمن أم قصر.
تلك هي ساعة الحرية وحمص التي ستقوم من جديد، من بابا عمر إلى الخالدية، ومن باب السباع إلى باب هود والغوطة، ومن باب تدمر إلى الحميدية، إلى الوعر، ومن البياضة إلى الدبلان، إلى كل الأحياء. ستقول لكل الطغاة، أنتم إلى زوال، وأنا الباقية، عدية، وعصيّة حتى الحرية.
ذات خطاب لبشار الأسد، بعد أن شاعت غضبة الشعب في أرجاء سورية، وبدا نظام الفساد والاستبداد يترنح؛ تمثل الخطيب المُفوّه حال الثقة العالية بانتصار مؤزّر، وتحدث رابط الجأش، في قاعة شديدة الحراسة. كان ذاك واجبه الذي أداه بإجادة. أما الحاضرون فقد وجدوا أنفسهم، من خلال مطولته الخطابية تلك، في سياق مغاير لوقائع الوضع وتطوراته على الأرض. كثيرون منهم، بعد انتهاء الخطاب، تدافعوا إلى زاوية درجات الصعود إلى المنصة، يريدون لمس الرئيس، أو التعلق بأهدابه، قبل أن يغادر إلى "عرينه" الآمن، كأنما الحديث كله لم يكفهم لكي يطمئنوا. فلم تعد سورية كلها "عرين الأسد"، مثلما كان يُحكى أربعين سنة، عندما كانت تخرج من أقبية استخباراتها خطط الاغتيالات والفتنة والعمليات الأمنية المعقدة، وتخليق المحن والانقسامات، للشعوب والأنظمة وحركات التحرر، وقتل الرفاق القدامى الذين أفلتوا من السجن وغادروا.
تدافع رجال النخبة، الحاضرون، مثل الصبية المشجعين فريق كرة قدم، عندما يتدافعون إلى اللاعب الهدّاف الأوحد والمُنقذ الذي أصبحت مجرد ابتسامته قبساً من نور النجاة والفوز، بينما غيوم الموت تزداد تلبداً والأخطار أحدقت بالحاضرين والمتابعين في سورية.
في ذلك الخطاب المطوّل (10/1/2012) رسم الرئيس الناجي صورة وردية للمستقبل، ونصّب نفسه واثقاً من الانتصار على العالم كله. لم يقل كلمة عن مطلب واحدٍ محق للشعب السوري، وكأن لا مشكلة لسوري مع نظام وراثي مديد، أثخن شعبه بكل أنواع الجراح. كان سياق الخطاب محض شرح تفصيلي للعبارة المختصرة التي خطتها أيدي جنود النظام على جدران المدن والحارات المستعصية التي "فتحها": الأسد.. أو نحرق البلد.
المتدافعون غريزياً إلى المنصة، بعد انتهاء الخطاب، تحسسوا، تلقائياً، فداحة حريقٍ سوف يشملهم، في المكاسرة المرعبة بين فريق يرى إما الأسد أو الحريق، والآخر يرى استحالة أن يظفر السوريون بحياة آدمية، يمتلكون فيها إرادتهم، ويأمنون على أعراضهم ومقدراتهم واقتصادهم وحريتهم، مع وجود نظام الأسد.
بعد الخطاب، تداعت المآسي، وأصبح السوريون يفتشون لأنفسهم عن مواضع آمنة، يمكثون فيها ريثما ينتهي الحريق، ومن لم يستطع الوصول إلى مأمن عاش مع هواجس القصف بالبراميل المتفجرة والغازات السامة، أو سقط هو وأطفاله صرعى. وكلما ضاقت مساحة الأرض والقوة العسكرية، الخاضعتين للنظام، كان الأخير يعزز فاعليته بأدوات جديدة: القومي العربي، افتراضاً وادعاءً، يستعين بالقومي الفارسي، والعلماني يستعين بجماعات الدروشة الطائفية، ويستعين بضدها، بتدابير استخبارية يبرع فيها المستبدون، فيمهد ويستحث جماعات السلفية الجهادية، الضامنة تخريب كل شيء وتشويه كل وجه، ويدير شبكة اغتيالات لخلط الأوراق، ويرسل المتفجرات إلى المدن والأحياء، وإلى الخارج، لتفخيخ السيارات، لكي لا يكون هناك بديل لرئيس النجاة والموت. وإن عزّ عليه تأمين طرق وصول المتفجرات إلى خلاياه، لتنفيذ اغتيالاتٍ شديدة الحساسية في لبنان، كان يستعين بشخصياتٍ مهمة أو وزراء سابقين، مثلما فعل عندما أرسل عدة القتل، مع ميشيل سماحة الذي ضبطته قوى الأمن اللبنانية متلبساً. ولأن رئيس الموت لا يعترف مطلقاً أنه ارتكب هفوة، (ما بالنا بجريمة)، تراه يُحيل كل قرينة إلى عالم المؤامرة، وإن كانت القرينة صارخة وبليغة، فإنه يضحّي بمجرم من أشد انصاره وخدمه، صارخ وبليغ وضليع في القتل. يقتله في ظروف تُوصف بأنها غامضة، في محاولة طمس الحقيقة. ولمَ لا، وهو، على أهميته، ليس أكبر من البلد الموعودة بالحريق، إن لم يكن الأسد رئيسها؟
لم يقرأ الأسد التاريخ. كانت تكفيه قراءة فصل منه، لكي يتعلم. لو عرف كيف نشأ ملوك الطوائف الذين حولوا الأندلس إلى 22 دويلة، لأدرك أن أوهام كل متزعم أدار رأسه العناد والغرور انتهت إلى مآسٍ، وإلى هزيمة ماحقة. لم ينجُ واحدٌ من أولئك، حتى عندما ثابروا جميعاً على دفع الجزية للملك ألفونسو السادس، واستعانوا به بعضهم على بعض.
كان "حزب الله"، بذهابه الى القتال في سوريا، استعدى الشعب السوري، واستدعى انتقاماتٍ منه ومن لبنان واللبنانيين، رغم أنه غير معني بلبنان إلا بمقدار ما يشكّل له الساحة التي استطاع مصادرتها لممارسة وظيفته الايرانية. ليس مهماً أن يسمّي الجماعات المسلحة الناشطة على الحدود "ارهابيين" أو "تكفيريين"، فهو لم يعد مؤهلاً للمحاضرة في العفّة، اذ كان "مقاومة" محترمة ومقدّسة وأصبح شيئاً آخر، ويكفي أنه قاتلَ وقتلَ سوريين يقاومون بطش حاكم مستبد.
ها هو الذهاب الى القلمون يثير حماسة الحزب، "الباحث عن انتصار"، كما بات يقال. هذه حربه الثانية في القلمون، ومعروفٌ سلفاً أنها حربٌ لا انتصار فيها. بالكاد يمكن طرد المسلحين، أو إبعادهم، وإجبارهم على الانكفاء، تأميناً لظهر نظام الاسد في دمشق، وتأميناً لاستمرار تدفق الأسلحة عبر سوريا. فهذا شريان الحياة، ومن دونه لا حياة للحزب، ومن أجله وبسببه يمعن في العسكرة حتى للمراهقين والأطفال. بعد المرّة الأولى اقترب المسلحون وصاروا على الحدود، من يدري ماذا سيحصل بعد الثانية؟ يؤمل بأن لا نراهم داخل الحدود.
كالعادة، يذهب "حزب الله" الى هذه الحرب بمنطق ميليشيوي خالص، من دون أي اعتبار للعواقب والتداعيات.لا يبالي بقلق اللبنانيين على العسكريين المحتجزين لدى "جبهة النصرة" في جرود القلمون، فيضع مصيرهم في مهب الريح. من الواضح أن سلامتهم ليست بين هواجسه، وهي بالطبع لا تهم النظام السوري. في أي حال، ظُلم هؤلاء العسكريون منذ بداية احتجازهم والتخبط المتواصل في مساعي تأمين اطلاقهم أو مبادلتهم.
لكن هذه الحرب وغيرها لم تعد مفيدة، حتى في نظر ايران، لتأمين بقاء النظام، لأن بقاءه لم يعد كافياً لضمان مصالح طهران. أصبحت "مرحلة ما بعد الاسد" حديث الساعة في كل مكان، مع اقتراب التوصل الى اتفاق نووي. لذلك لم تحرك ايران ساكناً للرد على خسائر النظام، شمالاً وجنوباً، ولم تأمر "حزب الله" بالذهاب الى ادلب وجسر الشغور، أو الى حلب وحمص ودرعا. القلمون استثناء، نظراً الى حساسيتها، بقربها من دمشق، أو بازدياد الخطر على الحدود.
ليس مؤكداً، بل من المستبعد، أن يكون "حزب الله" مدركاً فداحة خسارته فرصة أن يكون مكوّناً طبيعياً، ومساهماً أساسياً في استقرار البلد، وفي توطيد التعايش بين فئاته. فما أضحى "طبيعياً" الآن هو أن يشابه مصير الحزب مصير الديكتاتور الذي يسفح دماء أبنائه دفاعاً عنه. وهذا ليس تمنياً حاقداً ولا مهاترة جدلية. إنه استقراء للتوقعات والوقائع. لا يمكن مسيرة بهذا الكمّ من الأخطاء والمخاتلات والتهوّرات إلا أن تفقد معايير الصواب وتضلّ طريق العودة اليه.
لا تكمن مشكلة الثورة السورية في تشرذم قوى المعارضة، السياسية والعسكرية، ولا في ضعف الإمكانيات والموارد الذاتية، ولا في غياب الدعم العربي والدولي المناسب لها في مواجهة جبروت النظام، فهي فوق كل ذلك تعاني، أيضا، من الاضطراب في تعريفها لذاتها، وفي توضيح مقاصدها.
عندما اندلعت هذه الثورة محمولة على مظاهرات الشباب، الذين كسروا الصورة النمطية عن السوري الخائف والخانع والمدجن، كان معناها غاية في الوضوح، يتمثل في الانتهاء من الفكرة المشينة عن “سوريا الأسد إلى الأبد”، واستعادة سوريا لكل السوريين، ما يضع البلد على عتبة التحول نحو دولة ديمقراطية.
بيد أن الرياح لا تجري كما تشتهي السفن، إذ أن تغول النظام ووحشيته في مواجهة السوريين، وفي قتل روح الثورة والتمرد عندهم وتشريده معظمهم، أديا إلى استنقاع الوضع السوري، ما نجم عنه الارتهان لقوى خارجية فرضت أجنداتها وأولوياتها على جماعات المعارضة السياسية والعسكرية. المهم أن كل ذلك، وضمنه ظهور جماعات محسوبة على “القاعدة”، ثم تنظيم “داعش”، أدى إلى أخذ هذه الثورة إلى غير المقاصد التي نشأت عليها. هذا لا يتعلق فقط بالدعوة إلى إقامة نظام “الخلافة”، على نحو ما تدعو إليه بعض الجماعات المحسوبة على الإسلام السياسي، فثمة جماعات أخرى ترى في الديمقراطية، وليس في العلمانية فقط، مجرد هرطقة. بمعنى أن هذه القوى لا تتحرك فقط من منطلق أيديولوجي أعمى أو جاهل، يرى العلمانية إلحادا، وإنما تنطلق أيضا، من موقف سياسي عدمي، في موقفها المعادي للديمقراطية، يروم تأبيد الاستبداد باستبدال نظام الأسد بنظام استبدادي آخر يتغطى بالدين، ما يضيع تضحيات السوريين التي بذلوها طوال الأعوام الماضية.
الآن، تستعد المعارضة السورية، السياسية والعسكرية والمدنية، لعقد اجتماع لمختلف تكويناتها في الرياض، المفترض به توحيد فصائلها وترتيب أوضاعها وتوضيح خطاباتها، وضمنه توجيه تطمينات للسوريين بمختلف أطيافهم، بشأن طبيعة سوريا المستقبل، النقيضة لسوريا الأسد، أو البديلة لنظام الاستبداد والفساد والاضطهاد.
مناسبة هذا الكلام التسريبات الجارية عن اشتراط الجماعات العسكرية المحسوبة على الإسلام السياسي، كأحرار الشام وجيش الإسلام وصقور الشام، تغيير الخطاب السياسي للائتلاف الوطني السوري، سيما المتعلق بالدولة المدنية الديمقراطية باعتبارها ذاتها الدولة العلمانية. ذلك أن الرضوخ لمثل هذه الشروط يمثل انتكاسة للثورة وحرفا لها عن مقاصدها التي ضحّى من أجلها ملايين السوريين، ناهيك عن أن هذه الجماعات تحاول احتكار تفسير الإسلام بينما هي تتماثل مع داعش والنصرة، بحيث يبدو الخلاف مع هذين على السيطرة فقط، وفي الشكل، لا في المبادئ. هذه الجماعات، وهي على هذا النحو، ستأخذ سوريا نحو أمراء الحرب، وربما نحو حروب أهلية ودينية وطائفية مستمرة. هذا مع العلم أن حركة الإخوان المسلمين في سوريا، لا ترى ما يراه هؤلاء كما ظهر في وثيقة العهد والميثاق (آذار 2013) المتضمنة قيام دولة مدنية ديمقراطية في سوريا يتساوى فيها المواطنون دون تمييز ديني ولا طائفي ولا إثني، مع أنها لا تبدو جادة في التأكيد على هذه المواقف.
من حق الجماعات العسكرية في المعارضة، بغض النظر عن محمولاتها الأيديولوجية، التمثل في هيئات الثورة السورية، وأصلا هي التي تمنّعت عن ذلك، لكن ماذا عن تمثيل أكثر من 300 ألف شهيد ومئات الألوف من الجرحى وملايين المشردين من السوريين؟
الثورة بحاجة إلى هيئة قيادية تمثل مختلف مكونات الشعب وقوى الثورة بمختلف توجهاتها، لكن دون أن يكون ذلك لحساب طرف على طرف آخر، ودون الإضرار بمقاصد الثورة، التي اندلعت من أجل إنهاء الاستبداد ومن أجل حرية السوريين وإقامة دولة المواطنين الأحرار المتساوين.
ليست هناك عاصفة حزم سورية، ومن يتخيل ذلك هو واهم، فالأمريكان لا يوزعون على الأمم أوطانا، وليس من مصلحتهم إيقاف الحرب السورية، وإذا كنا نفهمهم يهتمون بمصالحهم اولا، فعلينا ان ندرك أن هناك نخبة واسعة من قادة المعارضة، هم جزء من تصدير حالة الوهم الحالية، فعلى الجميع أن يدرك، أن الحرب في سوريا مستمرة، والحديث عن تدخل عربي قادم هو محض خيال.
بالنسبة للأمريكان، هم لم ينتهوا من استنزاف القدرات العسكرية الايرانية، وهم أيضا، لم ينتهوا من تدمير مساحات محددة من سوريا، وهي تحديدا المنطقة الجنوبية، والمناطق المحاذية للجولان المحتل، ﻷن المطلوب أن يقف الجندي اﻹسرائيلي بجانب الجولان ولا يرى في الجهة المقابلة سوى أكوام من الركام، أما المدن التي يخسرها جيش النظام مثل إدلب وجسر الشغور فالمسألة سهلة، فطائرات النظام هي التي ستقوم بتدميرها بالبراميل العشوائية، وهكذا نختصر المسألة بدوام الحرب ولكن هناك تغييرا في أولوياتها. ليس مهما في المسألة السورية ماذا تعني التبدلات على اﻷرض بالنسبة لعموم اﻷطراف التي تقاتل، وإنما ماذا تعني هذه التبدلات بالنسبة للأمريكان وإسرائيل وشركائهم من اﻷوروبيين الذين يفرضون معادلة الحرب من الخارج.
فإذا كان المطلوب استمرار النظام لأجل استمرار الحرب، فلا يهم اﻷمر في إعادة تموضع القوات على اﻷرض، فانسحاب الإيرانيين من إدلب وبقية مدن الشمال، له ترجمة مختلفة، فهو يعني أن الايرانيين بانتشارهم في جنوب دمشق وحتى درعا، هم هنا بالفعل يساعدون في اطالة عمر النظام، وليس في معادلة تحقيق النصر، وبهذا المنطق، لا تصبح مدن الشمال مهمة للإيرانيين، واﻷمر ذاته للنظام، الذي لم تعد الجغرافيا تعنيه شيئا بمقدار ما يهمه أن يبقى، حتى لو كانت هذه الدولة مجرد كرسي أسفل شجرة.
القوات العربية التي يحتمل تدخلها لن تكون ضد النظام، وهي قوات مرشح لأن ترتدي القبعات الزرقاء، وهذا ليس الان، وانما عندما تصبح قوات النظام أمام مواجهة صعبة في اللاذقية، وهنا طبعا سيتدخل العرب اصحاب القبعات الزرقاء تحت ذريعة حماية الاقليات، وليس اسقاط النظام، وبهذه المعادلة ستكون كل سنوات الحرب السورية الماضية هي مجرد المرحلة الاولى من الحرب فقط.
اشكالية الشعب السوري ان المعارضة السياسية غبية بما يكفي، وهي تفرص معادلاتها السياسية على القوى الميدانية، ولأن المعارضة السورية السياسية غير جاهزة سوى لاستماع نصائح الامريكان، فهم سينقلون شعبهم من كارثة الى كارثة. هذه المعارضات هي كاﻷنظمة، لا تسمع ولا تريد ذلك.
فعلها وليد جنبلاط. كعادته فاجأ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبنانيين، مخالفاً التوقعات التي تريده متقلباً ومهادناً. وراح، ببرودة أعصاب وتصميم لافتين، يكشف الحقائق، ويسمي الأمور بأسمائها، في إدلائه بشهادته في لاهاي أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، حول جريمة اغتيال رئيس حكومة لبنان الأسبق، رفيق الحريري.
جنبلاط ملم بوقائع ومعطيات كثيرة، وعليم بخفايا الأمور التي أحاطت بتلك المرحلة التي حملت بشار الأسد إلى السلطة في سورية خلفا لوالده حافظ الأسد، وتحديدا بين سنتي 2000 و2005، والتي كان خلالها جنبلاط على تقارب وتنسيق تام مع الحريري. وكان أيضا الشريك، لا بل المبادر منذ عام 2000 إلى خوض معركة التصدي لنظام الهيمنة السورية على لبنان، بالتنسيق مع "لقاء قرنة شهوان" المسيحي، وبمباركة ضمنية من الحريري نفسه، مطالبين بخروج الجيش السوري من لبنان بعد وصاية، قال عنها جنبلاط بالأمس مصححاً إنها كانت احتلالا، ودامت نحو ثلاثين سنة.
إلى لاهاي، رافق جنبلاط نجله تيمور الذي بدأ يحضّره لوراثته السياسية، وزوجته نورا، واثنان من أركانه، هما الوزير الحالي والمقرب جدا منه، وائل أبو فاعور، والوزير السابق، غازي العريضي. على مدى أربعة أيام، تكلم جنبلاط ورد على أسئلة المدعي العام بأجوبة واضحة ومباشرة ومختصرة، متحاشيا الدخول في أفخاخ التفاصيل. بدا كأنه أعد شهادته بإتقان، مستفيداً، على الأرجح، من المناخ السياسي الملائم، والناتج عن مجموعة عوامل وتطورات إقليمية، بدءاً من "عاصمة الحزم" في اليمن، وانتهاء بسورية التي مني جيشها بأكثر من هزيمة، وخسر أكثر من محافظة أخيراً.
وكان من المفترض أن يتوجه جنبلاط إلى الإدلاء بشهادته، قبل نحو شهرين، بالتزامن مع شهادة رئيس الحكومة السابق ورفيق درب الحريري، فؤاد السنيورة، إلا أنه طلب تأجيلها الى الأسبوع الماضي. وكان تصويبه واضحاً ومباشراً على النظام السوري، وبشار الأسد تحديداً، الذي اتهمه صراحة، وحمّله جريمة قتل الحريري. فقد بدأ من بعيد، من جريمة اغتيال والده كمال جنبلاط، التي حصلت في 16 مارس/آذار 1977، قبل 38 سنة، أي بعد أقل من سنة على التدخل العسكري لجيش حافظ الأسد في لبنان، فقد استرجع جنبلاط اللقاء العاصف والأخير الذي جمع والده برئيس النظام السوري، قبل ثلاثة أشهر من اغتياله، وما قاله والده للأسد الأب في ذلك اللقاء من أنه يرفض أن "يدخل السجن الكبير". وهو لقاء يشبه إلى حد بعيد اللقاء الأخير الذي جمع الحريري بالأسد، في 26 أغسطس/آب 2004.
أكد الزعيم الدرزي أن النظام السوري هو من ارتكب الجريمة، مقدماً وقائع وشواهد ومعلومات عن التحقيق وعن المنفذين الذي التجأوا يومها إلى سورية. وقد مُنع القاضي المكلف بملف الجريمة إصدار مطالعته وحكمه. وتكلم جنبلاط عن اغتيال شخصيات لبنانية أخرى طوال سنوات الوصاية السورية، مؤكدا أن القاتل واحد، من جنبلاط الأب الى الحريري.
وكانت المواجهة الأصعب مع محامي الدفاع الذين أظهر بعضهم صلافة غير معهودة، في طريقة طرح الأسئلة، والسعي إلى تركيب نوع من "معادلة حسابية"، تجعل من خطابات جنبلاط محرضاً على القتل، إلا أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي لم ينجر إلى هكذا استفزاز، وحافظ على برودة أعصابه، متسلحاً بـ "الاتهام السياسي" الذي هو حصيلة إمساك النظام السوري بمفاصل القرار السياسي والأمني، عبر أجهزة المخابرات السورية واللبنانية، والتعبئة والتحريض الذي كان يمارسه رأس هذا النظام وأدواته، ضد الحريري وعدد من السياسيين اللبنانيين.
لا يملك جنبلاط، بطبيعة الحال، تقديم حيثيات ووقائع عن الجريمة، وليست لديه معرفة بهوية المنفذين. لذلك، كان يكرر تأكيده أن اغتيال الحريري جريمة سياسية، كما صنفتها المحكمة الدولية نفسها. وقد استعان، أيضاً، للإجابة على أسئلة الدفاع بمسلسل "الوفيات الغامضة والمفاجئة" التي طاولت مجموعة من الضباط السوريين الكبار، كان آخرهم اللواء رستم غزالي الذي كان حاكم لبنان الفعلي في السنوات الأخيرة، وعشية اغتيال الحريري حتى انسحاب الجيش السوري في 26 إبريل/نيسان 2005. وأكد جنبلاط أنها "تصفيات سياسية"، استهدفت تحديدا الضباط الذين خدموا في لبنان، أو كانوا على علاقة بالملف اللبناني، والذين يتلقون أوامرهم من بشار الأسد، من أجل طمس معالم الجريمة وأدواتها والمتورطين فيها.
"حافظ جنبلاط على برودة أعصابه، متسلحاً بـ "الاتهام السياسي" الذي هو حصيلة إمساك النظام السوري بمفاصل القرار السياسي والأمني"
اختار جنبلاط تحويل شهادته إلى محاكمة للنظام السوري، ساعياً إلى تحييد، ما أمكن، الحليف اللبناني للنظام المذكور، حزب الله، المتهم خمسة من كوادره بتنفيذ جريمة الاغتيال. وهذا ما دأب عليه منذ 7 مايو/أيار 2008، وبعد مغادرته تحالف قوى 14 آذار في صيف 2009، إلا أنه لم يخف حنينه إلى انتفاضة 14 آذار 2005، وإلى ما تبعها من محطات، لم يتردد في وصفها أكثر من مرة، ردا على أسئلة أحد محامي الدفاع، بـ "الأوقات الجميلة".
وصف جنبلاط الأسد مرات بأنه "السخيف" و"المستشرق"، راوياً أنه راح يسأله في أول لقاء جمعهما عن الدروز وأماكن وجودهم، وعن وضع المسيحيين... كما أن سهامه المتكررة باتجاه الرئيس الأسبق، إميل لحود، ما هي إلا تأكيد على إحكام قبضة النظام السوري من خلاله على الشؤون اللبنانية الداخلية.
وإذا كان جنبلاط يعتبر أنه كان مضطراً للتعاون مع النظام السوري، وخصوصاً في عهد الأسد الأب، فلا شك في أن هذا النظام الذي وصفه بالشمولي، والأكثر ديكتاتورية في المنطقة، قد شكل عنده نوعاً من "عقدة أصلية" لازمته منذ دخوله شاباً (27 سنة) المعترك السياسي، يوم اضطر عام 1977 أن يرتدي عباءة زعامة والده السياسية والدرزية. فهو يتعايش مع هذه "العقدة" منذ 38 سنة، ويتعاطى طوال الفترة نفسها مع من يعرف أنه أمر بقتل والده. وقد توترت العلاقة مع مجيء بشار إلى السلطة. وهذه "العقدة" هي التي جعلت منه، على الأرجح، "حيواناً سياسياً" بامتياز، وهذا ما دفعه، أخيراً، إلى القول إنه "يجلس على ضفاف النهر بانتظار أن تعبر جثة عدوه".
فهل بات مقتنعاً بأن عبورها أصبح قريبا؟
أدت التطورات المتلاحقة في سورية إلى نشوء تحولات جديدة في ديناميكية الصراع، ناتجة عن تغير المعادلات الميدانية بشكل واضح، وهو ما أوجد واقعا جديدا للموضوع السوري، بالنسبة لأطراف الصراع والقوى الداعمة لها، وخصوصاً تلك التي استثمرت فيه بكثافة على مدار سنوات الأزمة، وصاغت رهاناتها عليه، ملفاً أساسياً لتعزيز مواقعها الإقليمية والدولية.
روسيا وإيران، شركاء نظام الأسد الأساسيان في إدارة الصراع في سورية وعليها، هما الآن في وضع مربك. الأوضاع الجديدة لا تتناسب مع تصوراتهما لمآلات الأزمة، حيث تشكل التطورات الحاصلة هناك خسارة وازنة في صراع يعتبر بالنسبة لهما صفرياً، ولا يملكان هامش مناورة واسعاً حياله، لارتباطه بدرجة كبيرة بمشاريعهما الإستراتيجية في المنطقة، ونظرتهما له على أنه صراع جيوإستراتيجي في المقام الأول.
دقة الموقف وحساسيته تتمثل، بدرجة كبيرة، ليس بعدم قدرتهما على تقديم الدعم اللازم لعكس الهجوم على حليفهما، وتغيير المعادلة لصالحه، فعلى الرغم من ظروف البلدين الاقتصادية الصعبة، إلا أن إنفاقهما في سورية طالما جرى اعتباره إنفاق ضرورة واستثماراً استراتيجياً. وبالتالي، خروجه من منطق حسابات الربح والخسارة. تأتي المشكلة في جانب آخر، هو تحطم البنية التي يمكنها أن تستوعب المساعدات، وتوطنها في الجسد المتهرئ، إما بسبب دمار الجزء الأكبر من البنية التحتية للدفاع والأمن أو لانحسار المدى الجغرافي الذي باتت تسيطر عليه قوات الأسد، وهذا الواقع يحوّلها إلى قوة دفاعية صرفة، ضمن نطاقات معينة، وخصوصاً مع تزايد خساراتها المزايا الإستراتيجية المتمثلة في السيطرة على التلال وطرق الإمداد اللوجستي والمعابر الحدودية، وما يستتبع ذلك من حاجتها لأنماط معينة من الأسلحة والدعم، وعدم حاجتها لأنواع أخرى، لعدم فعاليتها مع الأوضاع والتموضعات المستجدة، ولعلّ ما يزيد من حدة هذه الإشكالية حالة الصراع التي بدأت تظهر بوضوح بين مكونات النظام، وفي مستوياته المختلفة، الأمر الذي ينذر بحصول تصدعات في جسمه، ويقلص بدرجة كبيرة النواة الصلبة، ويحصرها ضمن أجهزة وشخصيات محددة.
"لدى روسيا ما تدعيه من حقوق استثمارية واتفاقات دولية تضمن لها امتيازات في الساحل السوري"
غير أن هذا الواقع، في حال تكرسه، يبقى مفتوحا على احتمالات تراجع المنظومة القتالية للأسد، أكثر من إمكانية استعادتها خسائرها. وبالتالي، يلغي أي احتمالية مستقبلية، لإمكانية عودتها قوة مسيطرة على سورية، الأمر الذي يؤهلها للتحدث كسلطة شرعية، ويجعلها بمقاس طموحات إيران وروسيا اللتين استثمرتا بحجم مشاريع كبيرة، وليس بمقاس مليشيا طائفية محصورة في مناطق محددة.
أمام هذا التغيير في ديناميكية الصراع، ولمحاولة تعطيل الديناميات المتولدة، ستجد دوائر القرار في موسكو وطهران نفسها محصورة ضمن مساحة ضئيلة من الخيارات المربكة:
الأول: أن تعيد الدولتان تقديراتهما وحساباتهما، وتقتنعا بأن سورية ساحة صراع ونفوذ لأطراف عديدة، بحكم موقعها الجغرافي وتداخلاتها الإثنية والدينية. وبالتالي، من العقلانية تشجيع مبادرات السلام والدعوة إلى إجراء حوار وطني، يحفظ حقوق جميع المكونات والأطراف، وتقتنعا أيضاً بأنه ليس بالإمكان أكثر مما كان، غير أن هذا الخيار تقف دونه معوقات كثيرة، منها أنه ليس لدى نظام الأسد تصور واضح للانخراط في عملية سلمية، كما أنه وإن كان يضمن تماسكا نسبيا في حالة الحرب التي أصبحت مصلحة لأطراف كثيرة فيها، فإنه قد يتعرض للتصدع في حال تحوّله إلى السلم، من جهة أخرى فإن إيران أكثر الأطراف تأثيرا في النظام، لا يبدو أنها في وارد التراجع في الساحة السورية في ظل انخراطها في صراع إقليمي علني وبعد الضربة التي تلقتها في اليمن وعدم ضمانها لبديل يضمن مصالحها في سورية التي لم تعد تقتصر على الموقع الاستراتيجي بل تعدته إلى استثمارات تجارية في العقارات والأملاك العامة، ثم إن روسيا أيضا لديها ما تدعيه من حقوق استثمارية واتفاقات دولية تضمن لها امتيازات في الساحل السوري.
"بالنسبة لروسيا، يمكن أن تعمل على تعزيز دفاعاتها في مناطق النظام بشكل أكبر، بذريعة مسؤوليتها في حماية الأقليات"
الخيار الثاني: النزول، بشكل مباشر، إلى أرض الميدان، ليس لوقف حجم الخسائر على الأرض وحسب، وإنما من أجل إنقاذ النظام، وضبط الصراعات المتفلتة داخله، وإدارة المعركة بما يضمن عدم الخسارة الكلية بالحد الأدنى، وعلى الرغم من أن هذا النمط من الانخراط الكلي سيكون مكلفاً، إن بحساباته الميدانية المباشرة، لاضطرار إيران وروسيا إلى خوض حرب غير متماثلة، لا تتناسب وحروب الجيوش الكلاسيكية، أو لجهة الاعتبارات السياسية، كون الأمر سيتحول إلى حالة احتلال رسمي ومعلن، وإلغاء شرعية نظام الحكم نهائياً، وتدمير المؤسسات الوطنية، بما يجعل الخسائر الناتجة عن هذا الخيار أكبر بكثير من الأرباح المتوقعة.
الخيار الثالث: التكيف مع المستجدات الحاصلة، ومحاولة إعادة بناء ما أمكن من قوة النظام، وتدعيم مفاصله الفاعلة، وإبقاء حالة الاستنزاف وقتاً أطول، بالمراهنة على عامل الزمن، بانتظار حدوث متغيرات جديدة. وتقع ضمن هذا الخيار محاولة حزب الله إشعال معركة في القلمون، من أجل تعويض بعض الخسائر وتقوية العزائم ورفع المعنويات المنهارة. ويقع ضمنها أيضا إعادة جزء من الكتائب العراقية التي غادرت سورية لقتال داعش، وترك مهمتها في العراق لقوات التحالف. وبالنسبة لروسيا، يمكن أن تعمل على تعزيز دفاعاتها في مناطق النظام بشكل أكبر، بذريعة مسؤوليتها في حماية الأقليات. وفي الوقت نفسه، دعم النظام بأنماط معينة من الأسلحة التي من شأنها إحداث تدمير أكبر في بيئة المعارضة، بما يؤدي إلى زيادة إنهاكها على المدى الطويل.
تشكل التغيرات الجديدة في سورية عكساً لحالة الهجوم الروسي الإيراني، المستمر منذ فترة، وتضعهما أول مرّة أمام خيارات صعبة، سيكون لها تداعياتها، ما يزيد من تعقيدات إدارتهما الصراع في الفترة المقبلة، والأهم أنه سيشكل إرباكاً إضافياً لحركتهما في البيئة الدولية المتعثرة أصلاً.