مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٦ مايو ٢٠١٥
تفكيك وليد جنبلاط للنظام السوري

من اليوم الأول لشهادته أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، عرّى الزعيم الدرزي كمال جنبلاط النظام السوري. فكّك النظام من خلال معرفته برجاله. كشف جنبلاط بحسّه السياسي المرهف طبيعة النظام الذي دمر سوريا، وكاد أن يدمّر لبنان لولا صمود اللبنانيين وإصرارهم على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بلدهم.

هناك نقاط عدّة يمكن التوقف عندها بعد سماع جنبلاط يدلي بشهادته في لاهاي أمام المحكمة التي تنظر في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، فضلا عن جرائم أخرى، أحيلت أو يمكن أن تحال عليها. ولكن يظلّ أهمّ ما في الشهادة كشفها الوجه الحقيقي للنظام السوري في أيّام الأب وفي أيام الابن. من الواضح أن لا فارق كبيرا بين الأب والابن، باستثناء أنّ الأوّل كان يعرف جيدا كيف يخفي الطبيعة العلوية للنظام، عبر تغطيتها بشخصيات من سنّة الريف مثل العماد حكمت الشهابي الذي كان رئيسا للأركان، أو السيّد عبدالحليم خدّام الذي كان نائبا لرئيس الجمهورية.

أوضح جنبلاط، بما لا يقبل أي شك، أن الأسد الأب ترك هامشا للمناورة لكلّ من الشهابي وخدّام اللذين كان يعتبرهما “صديقين” له. ولكن في نهاية المطاف، كشف ما يفترض أن يكتشفه كلّ سياسي يمتلك حدّا أدنى من النضج والرؤية. كشف أن العدو الأوّل للنظام السوري هو السنّي ابن المدينة الذي يمتلك علاقات عربية ودولية. وهذا ما جعل بشّار الأسد يخشى رفيق الحريري ويسعى إلى التخلّص منه. كان يخشى دائما من وجود زعيم قوي يمتلك علاقات عربية، سواء أكان ذلك في سوريا نفسها أم في لبنان.

فكّك وليد جنبلاط النظام السوري. استخدم اللواء غازي كنعان الذي كان مسؤولا حتّى العام 2002 عن لبنان. واستخدم الشهابي وخدّام والعبارات التي كانا يمرّرانها له بين حين وآخر. كذلك، استخدم دعوات الغداء، لدى اللواء محمّد ناصيف (أبو وائل) الذي كان يطغى عليها الجوّ العلوي. واستخدم حتّى رستم غزالي الذي كان عليه أن يتعامل بفظاظة مع رفيق الحريري.

فبعد اللقاء الأوّل الذي عقده الزعيم الدرزي مع بشّار الأسد، قبل أن يصبح الأخير رئيسا، خرج جنبلاط بانطباع فحواه أنّ الأسد الابن لا يعرف شيئا عن لبنان واللبنانيين، خصوصا عندما راح يطرح أسئلة تتناول المناطق التي يعيش فيها الدروز في لبنان، مشيرا إلى “أنّ له جماعة أيضا بين الدروز”. وقد دفع ذلك بغازي كنعان إلى تمرير رسالة إلى وليد جنبلاط عندما قال له “الآن صرت تعرف من هم آل الأسد”. كان يريد أن يقول له أن بشّار ليس سوى جاهل في أمور لبنان، وذلك قبل أن يتبين لاحقا أنه جاهل أيضا في أمور سوريا. لم يدرك جنبلاط مغزى الرسالة، إلا بعد “انتحار” غازي كنعان. وكان ملفتا أنّه أصرّ على تمرير عبارة أنّ غازي كنعان “أُجْبر على الانتحار”.

اتهم وليد جنبلاط حافظ الأسد، مباشرة، بقتل والده. لم يتّهم بشّار الأسد بشكل مباشر باغتيال رفيق الحريري، لكنّ الواضح أنّه استطاع رسم الأجواء التي هيّأت للجريمة التي تندرج في سياق الحرب التي يشنّها النظام السوري على أهل السنّة، خصوصا على سنّة المدن الكبيرة.

من خلال اغتيال رفيق الحريري، يمكن فهم ذلك الحقد على كلّ ما هو سنّي في لبنان. كذلك يمكن فهم تلك النقمة على كل سياسي كانت له حيثية بغض النظر عن مذهبه. لذلك، اغتيل كمال جنبلاط الذي لم يسمع نصيحة أنور السادات، فيما اضطر ريمون إده إلى تمضية بقية حياته في المنفى الباريسي.

في ضوء شهادة وليد جنبلاط، يمكن فهم لماذا كان اغتيال المفتي حسن خالد والاغتيال السياسي لصائب سلام وتقيّ الدين الصلح. كذلك، يمكن فهم لماذا لم يستطع النظام السوري أن يطيق وجود بشير الجميّل أو رينيه معوّض في رئاسة الجمهورية.

تساعد شهادة وليد جنبلاط في إعادة تركيب النظام السوري قطعة قطعة. إنّه نظام يقوم أساسا على تقارير لأجهزة المخابرات المتعددة التي يتجسس كلّ منها على الآخر. تصبّ التقارير، التي تبدو وكأنّها العمود الفقري للنظام، عند الرئيس الذي يبدو واضحا أنّه لا يثق سوى بعدد قليل من الأشخاص، هذا إذا كان يثق بأحد.

من يستمع إلى وليد جنبلاط أمام المحكمة الدولية، يدرك لماذا انتهى النظام السوري بالطريقة التي انتهى بها. إنّه نظام لا يعرف سوى التدمير، ولا شيء غير التدمير. عمل على تدمير لبنان ويعمل حاليا على تدمير سوريا. فشل في تدمير لبنان كلّيا، لكنه زرع فيه أمراضا سيكون من الصعب عليه التخلّص منها، خصوصا بعدما أقام هذا التحالف مع “حزب الله”، الذي ليس سوى ميليشيا مذهبية تعمل لمصلحة إيران ولا هدف لها سوى نشر البؤس والفقر في الوطن الصغير.

هدّد بشار الأسد رفيق الحريري بأنّه “سيكسرّ لبنان”، وذلك عندما بدا أن هناك محاولات يبذلها الرئيس الفرنسي جاك شيراك لإخراج الجيش السوري من لبنان. هذا ما نقله جنبلاط عن الحريري بعد لقاء له مع رئيس النظام السوري. انتهى الأمر بتكسير قسم لا بأس به من لبنان. لكنّ ما تكسّر في نهاية المطاف كان سوريا.

ما لم يقله جنبلاط أن النظام السوري لا يستطيع أن يبني. يستطيع أن يهدّم. هذا كلّ ما يستطيع عمله. حيثما حلّ يحلّ الدمار. حلّ في سوريا فحلّ معه الدمار. في كلّ يوم كان فيه ضيفا على لبنان، كان الدمار رفيق اللبنانيين، بدل أن يكون رفيقهم مشروع الإنماء الذي وقف خلفه رفيق الحريري.

بغض النظر عن كلّ المحاولات ذات الطابع الفولكلوري التي حاول من خلالها وليد جنبلاط التمسّك باتفاق الطائف، وعدم الربط بينه وبين القرار الرقم 1559 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي دعا إلى حلّ كل الميليشيات المسلحة في لبنان وإلى انسحاب الجيش السوري منه، يظلّ أن القرار والطائف شيء واحد. كلّ كلمة واردة في القرار، واردة أيضا في نص اتفاق الطائف.

كانت شهادة وليد جنبلاط شيّقة، خصوصا لجهة كشف حقيقة النظام السوري. تفادى الرجل، أقلّه في اليوم الأوّل، أي إشارة إلى “حزب الله” وإلى ملائكته المتهمين بتنفيذ الجريمة. هذا أمر يمكن أن تكون له انعكاساته الإيجابية على الصعيد الداخلي في لبنان.

المهمّ الآن، على صعيد المحكمة الدولية، استكمال رسم الأجواء التي ارتكبت الجريمة في إطارها، بما في ذلك التقارب المسيحي الإسلامي والدور الطليعي الذي لعبه البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير في التصدي للاحتلال السوري، وصولا إلى مرحلة يصبح من السهل فيها القول: الجريمة واضحة وأبطالها معروفون.

اقرأ المزيد
٦ مايو ٢٠١٥
الأسد انتهى وبدأ اقتسام سوريا

كل المؤشرات توحي بأن بشار الأسد انتهى وان ما يجري وراء الكواليس ليس سوى عملية مقايضة معقدة تتصل باقتسام سوريا مناطق نفوذ مرحلياً ريثما تتضح صورة المستقبل الذي لا يمكن فصله عن الشكل الإقليمي الجديد، وخصوصاً إذا تذكّرنا ان الحديث عن تقسيم العراق بات علنياً وصريحاً.

لكن هناك فرقاً في الواقع الميداني وفي التوزيع الأتني بين العراق وسوريا، ولهذا تستعمل في الحديث عن سوريا الآن كلمة اقتسام بدلاً من تقسيم. والاقتسام قد يكون مرحلياً لترتيب الحصص والمصالح بين المقتسمين. ولهذا كان من الضروري ضخّ مقدار من دخان التعمية عبر المشاورات الجانبية التي يجريها ستيفان دو ميستورا في جنيف مع بعض الأفرقاء السوريين، والتي لن تؤدي الآن الى أكثر من تحضير المنبر في إنتظار الاعلان عما يمكن ان يتوصل اليه المقتسمون وأعطائه شكلاً مشروعاً.
قبل أيام قليلة، ظهرت من طهران تحليلات غير رسمية تتحدث عن نقل العاصمة السورية دمشق الى طرطوس واللاذقية. ومع ان المقربين من النظام سارعوا الى القول ان هذا الإقتراح بعيد عن الواقع، فان لا دخان بلا نار كما يقال، فبعد ٢٤ ساعة برزت تقارير ديبلوماسية تتحدث عن مساعي اميركية مع ايران تهدف الى إجبار الأسد على التنحي!
طهران على ما تردد وضعت شروطاً محددة ثمناً لرأس الأسد، كضمان الحصول على الديون المترتبة عليه لمصلحتها وعدم الإدعاء على أي من الاطراف الايرانيين الذين قاتلوا الى جانبه، وتثبيت الملكيات العقارية التي حصلت عليها مقابل بعض الديون للنظام، والاعتراف بالهوية السورية التي أُعطيت لكثيرين من الإيرانيين الذين حاربوا مع الأسد!
كل هذا يأتي في ظل التطورات الميدانية الأخيرة التي عكست انهيارات متلاحقة لجبهات النظام، سواء في الجنوب حيث صدّ "الجيش السوري الحر" الايرانيين و"حزب الله"، وإنتقل الى الهجوم ليسيطر على بصرى الشام التي كانت مركزاً لـ"الحرس الثوري"، ثم جرى إقتحام معبر نصيب على الحدود الأردنية، أم في الشمال حيث سقطت إدلب ثم جسر الشغور وباتت اللاذقية مهددة!
المعارضة ستجتمع في انقرة ومن المرجح إعلان الشمال منطقة آمنة وبموافقة أميركية على ما يبدو، وفي الجنوب تسعى دول عربية لجعله منطقة آمنة أيضاً، وهذا ما يجعل منطقة الساحل السوري مسرحاً لتجاذب النفوذ بين ايران وروسيا، والرهان ضمناً على اصابة عصفورين بحجر واحد الخلاص من الاسد لفتح الباب واسعاً للخلاص من "داعش" والمتطرفين الإرهابيين.
من خلال كل هذا يمكن ان نفهم لماذا التركيز الكبير على المعركة من القلمون الى دمشق، ذلك ان ايران التي تخشى سيطرة روسيا على الساحل السوري تحرص على إبقاء الكوريدور الذي يربط القلمون وضواحي دمشق بلبنان!

 

اقرأ المزيد
٥ مايو ٢٠١٥
نصر الله والقلمون .. خطاب الهزيمة مقدمة للإنسحاب

حمل خطاب حسن نصر الله تهديدات وعلى عدة دفعات وباتجاهات مختلفة لكن ما يخصنا من كلامه حول معركة القلمون  لأن الهدف الأساسي من معركة القلمون التي يريد حزب الله وضع ثقله فيها بناء على تعليمات طهران تأتي في إطار التحضير والاستعداد للانسحاب من سورية مع انهيار النظام وهو سينفذ ذات الاستراتيجية للانسحاب التي نفذتها اسرائيل عام 2000 عندما انسحبت من جنوب لبنان لحماية ظهر عناصره وكوادره عند  إعطاء إشارة الانسحاب السريع

والمطلوب في حملة حزب الله الأهداف التالية:

أولا: بعد تحرير معبر نصيب وانقطاع شريان دمشق - عمان أصبحت ضرورة قصوى تأمين طريق دمشق - الساحل مرورا بحمص بعد أن تمت خلال الفترة الماضية تعزيز و تأمين طريق دمشق - بيروت لأنها ما تبقى من شرايين حياة للنظام ولأنها المنافذ البرية التي تؤدي إلى انسحاب سريع لإجلاء ماتبقى من كوادر وعناصر عسكرية وأمنية لإيران و لحزب الله مع سقوط نظام الأسد.

هناك أهمية لهذه الطرق أيضا لتأمين إجلاء من يتبقى من قيادات النظام وعائلاتهم للفرار نحو لبنان أو الساحل وكذلك اخراج الملفات والوثائق الهامة وربما بعض الأسلحة.

ثانيا: حماية وتأمين القرى الشيعية (حاضنة حزب الله الشعبية) المتاخمة للقلمون على طول الحدود السورية اللبنانية من مناطق الزبداني وصولا للقصير.

ثانيا: تعزيز وتقوية المراكز والمواقع الاستراتيجية لحزب الله في الجرد العالي في الطفيل والجبة والمعرة وعسال الورد و توسيع مناطق النفوذ وتعزيزها في طلعة موسى ومناطق من الجبل الشرقي.

ثالثا: تثبيت مواقعهم ومحاولة احتلال مناطق استراتيجية على المرتفعات المطلة على القلمون لحرمان المعارضة السورية المسلحة من السيطرة عليها لأن السيطرة عليها تعني أن المعارضة ستستطيع ببعض أنواع الأسلحة قطع طريق دمشق - الساحل عن بعد دون الحاجة إلى التدخل البري على الطريق لقطعه.

الجيش اللبناني لن يتدخل ولن يتجرأ على التدخل في القلمون وجرود القلمون من الجهة السورية وعمليات الحشد لحزب الله في مناطقه المطلة على القلمون أغلبهم يافعين و طلاب مدارس أعمارهم بين 15 و18 سنة ولا يمتلكون خبرات عسكرية والسبب أن أغلب القوة الضاربة للحزب والكوادر موجودة بالداخل السوري و هو في أقصى حالات الاستنزاف بعد الخسائر البشرية والعسكرية الكبيرة والفادحة في سورية.

جرود القلمون لن تستطيع أي قوة عسكرية من السيطرة عليها نظرا أنها مناطق جبلية وعرة تمتد على طول قد يزيد عن 100 كم .

مما لا شك فيه أن جرود المعرة وعسال الورد والجبة و رنكوس والطفيل ستكون مسرحا لمزبد من معارك عنيفة و كبيرة للغاية ستكلف حزب الله الكثير من الخسائر .

الجرود مناطق جبلية وعرة للغاية لا يمكن التنقل في أغلبها إلا للمشاة.

لا بد من الإشارة أيضا أنه لا وجود لداعش بالمطلق في كل مناطق القلمون وجرود القلمون ونؤكد أن داعش سحبت كل عناصرها نحو 600 عنصر من هذه المناطق قبل نحو ستة أسابيع باتجاه حمص و المناطق  الشمالية وبناء على اتفاق مسبق مع نظام دمشق بعد فشل كل محاولات اشعال معارك بين داعش والنصرة في القلمون وفي مرحلة سابقة ولمنع الاحتكاك في جرود القلمون بين داعش والنصرة فقد حافظت داعش على وجودها في جريجير باتجاه القصير فيما بقيت بعض وحدات النصرة والجيش الحر تسيطر من خط عدم الاحتكاك مع داعش في جريجير وصولا إلى عسال الورد.

بقلم فهد المصري: رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والامنية والعسكرية حول سورية

اقرأ المزيد
٤ مايو ٢٠١٥
السوريون أمام آفاق حل سياسي

بعد مؤتمر موسكو التشاوري الثاني حول سورية، وتردد معلومات عن انعقاد مؤتمر القاهرة الثاني أيضا، اتضح أن المؤتمرين لم يضيفا إلى الأزمة إلا مزيداً من التعثر السياسي، ووهن المعارضة السورية، على وقع بحث العاصمتين عن دور ما لهما. وها هي العجلة السياسية تدور، ويلوح أن حراكا يدخل على خط الأزمة، بعد طول ركود واستنقاع سياسي، استمرت معهما مقتلة الشعب السوري، بوجوهها المأساوية المختلفة. فقد رشح أن السعودية تسعى إلى دعوة شخصيات من بعض أطراف المعارضة، وبغض النظر عن مؤسساتها، بهدف الاجتماع مستقبلاً في الرياض، من أجل تشكيل وفد أو هيئة عليا، للتفاوض على مستقبل الوضع السوري. وذلك في وقت أعلنت فيه الأمم المتحدة عن الدعوة التي وجهها المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي مستورا، لأطراف وشخصيات سورية معارضة، عسكرية وسياسية، وأخرى من النظام السوري، لحضور لقاءات تشاورية ثنائية منفصلة في جنيف في السابع من مايو/أيار المقبل، وحتى 22 من الشهر نفسه، لإجراء عملية حوار موسع، للوقوف على آراء المعنيين، بالإضافة إلى إيران والقوى الإقليمية والدولية، في ما يتعلق بكيفية المضي نحو حل سياسي للأزمة السورية.

وبطبيعة الحال، لا يمكن فصل المسعيين، السعودي والأممي، عن وقع التطورات الميدانية الأخيرة في المنطقة، سواء في اليمن أو في سورية، وهي تطورات دفعت مراقبين إلى المقارنة والربط بينهما، أو حتى لملاحظة تبادلية في التقدم والتراجع، على المستويين، العسكري والسياسي، إلى درجة أن بعضهم توصّل إلى القول إن عاصفة الحزم تضرب في جسر الشغور، وذلك بعد تحريرها قبل أيام، وسيطرة قوات المعارضة السورية عليها، واستكمالها قطع الطريق الدولي بين حلب واللاذقية، فبينما كانت "عاصفة الحزم" تضرب معاقل الحوثيين وحلفائهم، وتقطع مصادر إمداداتهم، وتعيد حسابات التدخل الإيراني، كانت المعارضة السورية تتابع تحقيق انتصاراتها في الجنوب، مع تحرير بصرى الشام، ومعبر نصيب، ثم تستكمل تحرير إدلب في الشمال، لتلحق به تحرير أريافها، وتتوجه غرباً إلى ريف اللاذقية، وجنوباً إلى ريف حماه ووسط سورية.

وحقا، وبغض النظر عن القوى المتصارعة محليا في اليمن وسورية، فإن القوى الإقليمية والدولية المتدخلة في الصراعين، تكاد تكون متطابقة، من السعودية وتركيا إلى روسيا وإيران، وصولاً إلى باقي دول الخليج المنضوية في إطار تحالف عاصفة الحزم أو والمتضامنة معها، فيما عدا سلطنة عمان التي بقيت على الحياد، ما أهلها لدور الوسيط في التهدئة الحاصلة، وفي مشروع الحل السياسي الجاري بحثه.

لكن، إذا كان من الواضح أن أجواء تحالفات عاصفة الحزم، قد انعكست على تحسن العلاقات السعودية القطرية التركية، ما ساهم في دعم انتصارات المعارضة، وحزمها في شمالي سورية بخاصة، فإن مسارا موازيا من الحزم إلى الأمل ما زال في طي الغموض، على الرغم من التفاؤل الذي توحي به دعوة الرياض القائمة على توقع الوصول إلى مرحلة تفاوضية قادمة.

وذلك ما لا تدل عليه، من جهة أخرى، دعوة دي مستورا للحوارات المنفصلة في جنيف، والتي تأتي بعد فشل مشروعه السابق لإقامة مناطق مجمدة في الصراع السوري، نتيجة تعنت النظام في حصاره وقصفه، ولرفض الثوار فصل حلب وبعض المناطق عن كلية الوضع السوري. كما أنها تأتي في جو شاعت فيه دلائل استعداد الغرب لتقبل إعادة تأهيل النظام السوري، في إطار التحالف الدولي ضد الإرهاب، والحرب الجوية التي أعلنها ضد داعش وأشباهه، والتي توقعت لها القيادة الأميركية ثلاث سنوات من المدى الزمني على الأقل، وما برز في إطار ذلك التقبل من وفود برلمانية أوروبية زارت دمشق، أو من منابر إعلامية أوروبية، فتحت نوافذها للنظام السوري ورأسه، علما أن الأخيرة تستجيب لهاجس إضافي ملح، أصبح مهددا لمستقبل النمو الأوروبي وميزانياته، وهو ما يتعلق بأخطار الهجرة المليونية غير الشرعية التي تهدد السواحل الأوروبية، والتي صار من الشائع القول إن علاجها غير ممكن، من دون إطفاء حرائق الشرق الأوسط وإيجاد تسويات سياسية لها.
"
يمكن أن يتقدم الحل السياسي السوري، بما فتحه التقدم العسكري للثوار، وهو حل يرتبط تحسين شروطه، بمتابعة زخم الانتصارات التي كانت وحدة جيش الفتح عنوانها البارز
"

وفي كل الحراك السياسي المذكور، سواء ذلك الذي جرى في موسكو والقاهرة، أو الذي يتوقع له أن يجري في الرياض وجنيف، من الواضح أن دور المعارضة السورية تغير، بعد أن فشلت، حتى تاريخه، في توحيد قواها، بل إن شرعيتها الرمزية ضعفت أو تلاشت عمليا، إذ لم تعد تدعى كمؤسسات، ولا كهيئات، ولم تعد مؤسستها الرسمية في الائتلاف الوطني تحتكر تمثيل المعارضة، أو تحدد ممثليها، ويجري السكوت عن كل ما يتعلق بهذه المسألة، بعد أن كانت أحد شروط مشاركتها في جنيف 2، فضلا عن أن المشاركات الجديدة ستشمل قادة عسكريين من الداخل أيضا، ولم يكن بعيداً عن ذلك خروج أبرز قادة جيش الإسلام من سورية، في زيارة خاطفة إلى تركيا والسعودية، وذلك كله سيعطي طابعا مختلفا لأداء ممثلي المعارضة، في أي مفاوضات مقبلة.

هكذا، يبدو أن سورية ستشهد صيفا ساخنا، بينما يتردد الميدان السياسي بين مجال دعوتين، يبدو أن إحداها يمكن لها أن تبنى على تجميد الصراع بين المعارضة والنظام، بانتظار التوصل إلى تسويات لا يفني فيها الذئب ولا يموت الغنم. بينما يمكن للثانية أن تبني على الحزم الحاصل على الأرض دعوة للأمل بتفاوض قريب، تدخله المعارضة والنظام على وقع التطورات العسكرية الأخيرة، وقبيل ارتسام نتائج التوقيع النهائي على الاتفاق النووي الإيراني ـ الغربي، حيث يمكن أن يتقدم الحل السياسي السوري، بما فتحه التقدم العسكري للثوار، وهو حل يرتبط تحسين شروطه، بمتابعة زخم الانتصارات التي كانت وحدة جيش الفتح عنوانها البارز، وتلك مسألة لا يتحمل المقاتلون مسؤوليتها وحدهم، بل هي مسؤولية جميع السوريين المعنيين بتدارك ما بقي من الوطن.

اقرأ المزيد
٤ مايو ٢٠١٥
إرهاصات المشهد السوري

المعطيات السائدة، سوريا وإقليميا ودوليا، باتت تبشّر بإمكان استنفاذ الانفجار السوري لطاقته التدميرية، مع الاستدراك هنا بأن هذا الاستنتاج لا يعني بأية حال من الأحوال، التخفّف من التداعيات الخطيرة لترددات هذا الانفجار التي ستبقى مع السوريين، مع الأسف، لسنوات قادمة، والتي ستعتمد عند الانتهاء منها، على شكل إسقاط النظام، وطبيعة الحل، والمداخلات الدولية والإقليمية الفاعلة في المشهد السوري.

وفي الواقع لا يمكن احتساب الهزائم العسكرية التي مني بها النظام مؤخرا على امتداد الأرض السورية، لاسيما في إدلب وجسر الشغور، ودرعا وبصرى الشام وبصرى الحرير بالقرب من الحدود الأردنية، إلا في هذا الإطار، لاسيما مع توقع أن يمتد ذلك إلى حلب وربما حماه. هذا يظهر أيضاً على الصعيد المجتمعي، مع التململ المتزايد في البيئات الشعبية المتعاطفة مع النظام، خاصة في حمص والساحل، سيما مع تزايد الأخبار عن التهرب من الالتحاق بوحدات النظام العسكرية، وحتى حصول اشتباكات مع وحداته، ما يفيد بتنامي الشعور بالخوف من تبعات الارتباط بهذا النظام. وعلى الصعيد الاقتصادي، يمكن ملاحظة ذلك في الانخفاض المريع في قيمة الليرة السورية، واستنفاذ النظام لموارده، وحتى للمساعدات الخارجية التي كانت تغدق عليه من حلفائه، بعد أن باتت بمثابة عبء عليهم، ولا يخفى في هذا الإطار أن هذا حصل بسبب تقلص قدرة حلفاء النظام، خاصة روسيا وإيران، على مد يد العون له، بعد أن باتتا تدركان الكلفة السياسية والمادية والعسكرية الكبيرة، التي باتت تترتب على محاولاتهما إنقاذ النظام.

في هذا السياق نلاحظ أن هاجس نظام إيران أصبح يتركز على إيجاد توافقات مع الغرب، ولاسيما مع الولايات المتحدة، للانتهاء من مشكلة الملف النووي، وهو ما يتجلى في الجهود المضنية التي يبذلها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مع نظرائه الغربيين، بسبب التبعات السياسية والمادية لهذا الملف. كما يمكننا ملاحظة نوع من لهجة عسكرية هادئة لدى القادة العسكريين الإيرانيين، محل اللهجة “العنترية” التي كانت سائدة سابقا، ومثال ذلك إعلان قائد البحرية في الجيش الإيراني حبيب الله سياري أن السفن الحربية لبلاده “لن تدخل المياه الإقليمية لدول أخرى”.

مع ذلك فإن العلامة الأكبر لانكفاء حلفاء النظام السوري جرت مع انطلاق “عاصفة الحزم”، التي وضعت حداً لتمدد الحوثيين في اليمن، والتي بيّنت حدود قدرات إيران، وكشفت الأوهام عند دهاقنة النظام الإيراني.

ولعل هذه التطورات، الناجمة عن الانتصارات العسكرية للمعارضة السورية، وعن تداعيات “عاصفة الحزم”، وانكفاء حلفاء النظام، هي التي عززت موقف الإدارة الأميركية، التي أعادت الاعتبار لمواقفها المتعاطفة مع ثورة السوريين، والتي تتأسس على نزع شرعية نظام الأسد، على ما ظهر في استقبال جون كيري، وزير الخارجية الأميركي لرئيس الائتلاف الوطني السوري خالد خوجا في واشنطن. في هذا اللقاء بدت تصريحات كيري حاسمة بشأن أن الأسد “فقد كل شرعية ليكون جزءاً من مستقبل سوريا”. وبتشديده على “التزام الولايات المتحدة بالمساعدة على إحداث انتقال سياسي يقوم على أساس بيان جنيف ويفضي إلى تشكيل حكومة تمثيلية ومستقبل من الحرية والكرامة والأمن لجميع السوريين”.

لا ريب أن هذه التطورات تحصل على خلفية انكماش تنظيم “داعش”، إلى العراق، وتراجع دوره في سوريا، وعلى خلفية توحد الفصائل العسكرية للمعارضة السورية والتوافقات السياسية الإقليمية، وارتدادات الموقف العربي ضد السياسات الإيرانية، على ما ظهر في “عاصفة الحزم” في اليمن.

هل يقترب الانفجار السوري من نهاياته وهل اقتربت لحظة الخلاص من النظام؟ هذا ما ستجيب عنه الأشهر أو الأسابيع القادمة.

اقرأ المزيد
٤ مايو ٢٠١٥
النظام السوري يستعد لاقتحام اليرموك والجميع يتفرج!

بعد أقل من 48 ساعة من مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بوقف فوري للهجمات على مخيم اليرموك، عاود النظام في سورية قصف المخيم مستخدماً مختلف أنواع الأسلحة، مما تسبب بسقوط عدد من القتلى والجرحى المدنيين، رغم ادعاء النظام في سوريا وحلفائه من الفصائل الفلسطينية أن المخيم أضحى خالياً من قاطنيه.
قوات النظام السوري تقصف بمختلف أنواع الأسلحة مخيم اليرموك؛ منها البراميل المتفجرة وصواريخ الفيل شديدة الانفجار وقذائف الهاون من العيار الثقيل، وتتبع سياسة الأرض المحروقة، في ظل تردي الأوضاع الإنسانية، مما ينذر بكارثة كبرى لـ 13 ألف مدني ما يزالون محاصرين داخل اليرموك.
حتى الآن تم إحصاء نحو ثمانية براميل متفجرة وخمسة صواريخ أرض أرض، إضافة إلى عشرات القذائف، خلال 24 ساعة في حين يتواصل القصف الكثيف من دون توقف. وتشير مصادر مطلعة أن النظام استنفر ميليشيات ما يسمى «قوات الدفاع الوطني» على الجبهة الجنوبية على خط التضامن مخيم اليرموك، وقد تم إبلاغ العناصر أن ينتظروا ساعة الصفر، وأن هناك قراراً باقتحام المنطقتين.
تأتي هذه الضربات بعد أقل من 24 ساعة على دعوة بان كي، في بيان له، الحكومة السورية لوقف أي عملية عسكرية، بشكل فوري، من شأنها تعريض المدنيين للخطر في مخيم اليرموك، كما يجب عليها الالتزام بواجباتها حيال حماية المدنيين في منطقة القتال كما تقتضي قواعد القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان.
والحال أن هناك تخبطاً في القرارات جنوب دمشق، مما أثار الرعب بين أهالي المخيم، كتعليق يافطة على حاجز ببيلا باتجاه المخيم الأسبوع الماضي، يعطي الأهالي 48 ساعة لإخلاء المخيم، وأنه بعد انتهاء المدة سيمنع دخول أو خروج أي شخص، قبل أن يسحب الإنذار مساء اليوم ذاته، وسط استمرار المضايقات والتفتيش الدقيق للداخلين والخارجين في المخيم.
لم يعد هناك وجود لما يسمى تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) داخل المخيم، ومن يقول إن التضييق على إدخال المواد الطبية والغذائية إلى المخيم كي لا تصل إلى الإرهابيين التكفيريين هو شريك النظام في قتل أهالي المخيم، وهدفه الحقيقي مكاسب إعلامية ومادية على أنه مستضيف لأهل المخيم.
ويؤكد الناشطون من قلب مخيم اليرموك أن لا معارك حقيقية تجري مع «داعش»، وكل ما يسوق له هي أخبار بعيدة عن الواقع، ففي وقت يقول البعض إنهم قتلوا أكثر من 50 داعشياً، فإن مجموع قتلى التنظيم منذ دخولهم إلى المخيم حتى اليوم بحدود 20 مقاتلاً على الأكثر.
الفصائل المسيطرة على المخيم اليوم هي جبهة النصرة وحركة أحرار الشام الإسلامية، إضافة إلى فصائل فلسطينية صغيرة كـ(الكراعين والزعاطيط)، وهي تكنى بأسماء عائلات أو مناطق وترابط بوجه النظام، في حين تنأى بنفسها عن الصراع الداخلي، حيث تحدث بعض المناوشات وعمليات القنص المتبادلة مع فصائل غرفة نصرة أهل المخيم، في وقت استطاع النظام أن يحقق تقدماً في عدة أبنية باتجاه ساحة الريجة.
دخول «داعش» الشهر الماضي أعاد قضية مخيم اليرموك من جديد إلى المنصات الإعلامية وأصبح حديث العديد من الساسة والمنظمات الإنسانية والحقوقية، حتى مجلس الأمن تحدث عن المخيم وأعرب عن قلقه، ودعا إلى إدخال المساعدات الإنسانية.
وبينما يدعي النظام خلو المخيم من سكانه وأن عملياته العسكرية تستهدف المسلحين ومقاتلي المعارضة، يؤكد الناشطون من قلب مخيم اليرموك أنه يوجد في المخيم أكثر من 13 ألف مدني بينهم ثلاثة آلاف طفل، يعانون من وضع مزر، بسبب الحصار منذ نحو عامين ونصف، والذي أودى بحياة 2000 شهيد.
وبينما يستعد النظام وحلفاؤه من ميليشيات طائفية وعنصرية لاقتحام المخيم والتنكيل بأهله كما فعل في مناطق أخرى من سوريا، تقف منظمة التحرير الفلسطينية عاجزة عن التدخل أو التحرك لإنقاذ المخيم من مصير المخيمات الفلسطينية الأخرى في سوريا، بعد أن رفض نظام دمشق استقبال وفد المنظمة بحجة عدم ترؤس المجدلاني لذلك الوفد، فهل بات القرار الفلسطيني والمصلحة الوطنية منوطة بوجود أشخاص بعينهم لقبول التفاوض على مصير آلاف المدنيين العزل في مخيم محاصر منذ أكثر من عامين ونصف العام لم يتبق من سكانه الذين كانوا يعدون بمئات الآلاف سوى بضعة آلاف صامدين في بيوتهم وأزقة مخيمهم؟ وهل يوكل أمر من تبقى من فلسطينيي سوريا إلى نظام الأسد ليفعل بهم كما فعل بشعبه، فهل سيكون أكثر رحمة بهم من شعبه الذين تجاوز عدد شهدائهم نحو 300 الف سوري خلال أعوام الثورة السورية الأربع؟

اقرأ المزيد
٣ مايو ٢٠١٥
لا تبيعوا الوهم للسوريين من جديد

     
بعد تحقيق المعارضة السورية المسلحة لانتصارات عسكرية جديرة بالاهتمام، بعضها استراتيجي، عاد الحديث من جديد عن إمكانية تحقيق المعارضة السورية المسلحة لنصر على النظام، وراحت هذه المعارضة تبث التفاؤل إلى أبعد من الحد المتوقع، وتؤكد على أن النظام بات قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، وأعتقد أن حماسها هذا ينبغي أن يُلجم حتى لا تبيع الثوار الوهم مرة ثانية وتُضيّع انتصاراتهم الهامة.

في درعا وريفها، وإدلب وحلب وريفهما، وفي مناطق أخرى من سوريا، حققت المعارضة المسلحة انتصارات على جيش النظام وميليشياته، السورية منها والمتعددة الجنسيات، وتراجعت قوات النظام عن مواقع كثيرة كانت تسيطر عليها وتكبّدت خسائر، وامتلأت وسائل الإعلام المناوئة للنظام من خلال ما صرح به مسؤولو المعارضة السورية وكشفته توقعاتهم عن قرب سقوط النظام وانهياره، وعن انقلابات داخلية وانقسامات تنهش جسم النظام، وتسريبات عن تراجع طائفة النظام عن دعمه، وتحليلات عن قرب معركة الحسم في دمشق.

كل ذلك الصخب الإعلامي قد يكون صحيحا في ظروف أيّ ثورة تحاول تغيير قيادة سياسية تحكم البلد، لكنه ليس صحيحا في ظروف الأزمة السورية، فهي أزمة أكثر تعقيدا مما يمكن توقعه، يتداخل فيها السياسي بالطائفي، والمحلي بالإقليمي والدولي، وتحكمها ثلاث عُقد عمل النظام السوري على تشبيكها منذ عقود.

العقدة الأولى تتعلق بالنظام نفسه، فهو قد سخّر موارد وإمكانيات الدولة بكاملها لخدمة بقائه، واستخدم الجيش والأجهزة الأمنية والوزارات والمؤسسات والمدارس والمشافي والمطارات، ووضع يده على مليارات خزينة الدولة وعلى كل الطاقات الاقتصادية لسوريا في خدمة بقائه، وهو لهذا مازال يمتلك موارد لا يستهان بها، وعليه يمكن أن يستمر بالقتال حتى لو جاع كل السوريين وعاشوا بؤسا وظلما لا ينتهي.

العقدة الثانية طائفية بمعناها المصلحي، فالنظام استخدم الجيش والأمن اللذين يُقدّر عددهما قبل الأزمة بنحو 700 ألف، عمل جاهدا خلال عقود لتكون الغالبية الساحقة من قادتهما من طائفته، ومهما انشق منهم أو قُتل فالبقية كُثر، وهو لم يكتف بهؤلاء، بل جيّش جزءا كبيرا من الأقليات الدينية والطائفية لخدمة كرسيه بالإيحاء لهم أن مصيرهم مرتبط بمصيره، وفتح الباب ليتطوع عشرات الألوف من الميليشيات والشبيحة وسلحهم للدفاع عن النظام، كذلك ربط مصير جيش من الفاسدين بمصيره، فاسدون من كل الطوائف استفادوا منه طوال عقود وباتوا جزءا من تركيبته، وليس لدى النظام السوري أيّ مانع أخلاقي أن يرسلهم جميعا للمحرقة إن وُضع بالزاوية.

أما العقدة الثالثة فهي دولية، حيث باع النظام السوري قراراته بالكامل لإيران من أجل أن تدعمه، قراراته العسكرية والسياسية والاقتصادية، وبما أن إيران غير مهتمة إن دُمرت سوريا أم لم تُدمّر، فإنها ستدفع النظام لمواصلة حربه حتى آخر شبر يمكن أن يبقى فيه، وحتى آخر قطعة سلاح يمكن أن تقدمها له.

من واقع هذه العُقد، واضح أن النظام السوري لن ينتهي إلا بانتهاء موارد الدولة، وهذا يعني انهيار سوريا قبل انهياره، أو بفك ارتباطه كليا بإيران، وهذا يعني انهيار مشروع إيران الفارسي القومي الذي يأخذ غطاء طائفيا، أو إقناع الدول الداعمة للمعارضة بأن تفتح مستودعات السلاح للمعارضة السورية، وهذا يعني وجود بديل مقبول ترضى عنه.

المفارقة بالأمر، أن مقاتلي المعارضة الذين حققوا الانتصارات لم يتباهوا ولم يبيعوا السوريين الوهم بانتصار نهائي قريب، بل حذّروا بأن عملهم يجري خطوة خطوة، وهو عملية كرّ وفرّ، وأن أمامهم وقتا طويلا لتحقيق النصر الناجز، بينما المعارضة السياسية التي لم يكن لها أيّ علاقة بالانتصار العسكري ولا تملك أيّ تأثير في الميدان، هي التي راحت تعد السوريين بسقوط النظام خلال أيام وبفقدانه السيطرة وبدء انهياره، وتُضخّم قوة المقاتلين الذين يعيشون ظروف حرب شبيهة بقسوة الحرب العالمية الأولى ويناشدون كل من يقدر أن يمدهم بالسلاح والذخيرة.

لا شك أن السوريين اعتادوا على هذه المعارضة، أو ما يطلقون عليها “معارضة الفنادق”، فهم يذكرون تماما كيف كان معارضون مخضرمون بارزون كُثر يظهرون على شاشات الفضائيات في مراحل مبكرة من الثورة، ويوهمون السوريين بأنهم على قرب من أصحاب القرار الدوليين وأنهم ضمنوا بدء التدخل الخارجي خلال أيام، ووعدوا الثوار بوصول السلاح الفتاك خلال أسابيع ودون حساب، وأعلنوا أن مصادرهم من داخل النظام تؤكد بدء انهياره، وغير ذلك من الوعود والتوقعات الخلّبيّة، وهو ما أثّر سلبا على الثوار، وزاد الانخراط بالعمل المسلّح باعتباره مهمة مؤقتة قصيرة يسقط بعدها النظام، وهذا أدى إلى سقوط الكثير من الضحايا المتحمسين للحل العسكري.

الواقع الميداني على الأرض لا يشير إلى وصول أيّ أسلحة نوعية إلى ثوار جنوب سوريا، ولا دخلها “آلاف المقاتلين” الذين قِيل إن الأميركيين دربوهم طوال أشهر، ولا من أيّ مؤشر على بدء انسحاب النظام من دمشق نحو الساحل، والشيء الوحيد الحقيقي على الأرض أن النظام السوري استغلّ هذه التحليلات والتسريبات الإعلامية ليشن غارات جوية قاسية ومدمرة على قرى وبلدات حررها الثوار وقصفها طوال الأسبوع الماضي بالمدافع والطيران بشكل عنيف ومتواصل، وكأن شيئا لم يحدث.

التردد والتأخر الدولي، الغربي والعربي، في دعم المعارضة السورية بالسلاح النوعي لا يعني أن النظام السوري في موقف القوي أو أنه مسيطر على سوريا، فالرئيس الأسد مازال على رأس السلطة فقط بفضل مساعدة حلفائه مثل إيران التي تشرف على عشرات الآلاف من مقاتلي ميليشيات حزب الله اللبنانية والميليشيات الشيعية العراقية والإيرانية والأفغانية، فضلا عن استمرار روسيا بتزويده بالأسلحة والفيتو السياسي، ومع كل هذا الدعم فإنه لا يمكن له أن يحسم عسكريا، فهذا حلم بعيد المنال لأن إرادة الشعب تناقض هذه الرغبة.

عمليا، يقاتل ثوار سوريا على جبهتين، جبهة النظام وجبهة المسلحين المتطرفين والتنظيمات الإرهابية، ويحتاجون إلى مساعدة عسكرية جدّية لقلب موازين القوى بشكل حاسم لمصلحتهم، لإرساء مرحلة انتقالية إلى الديمقراطية، وهو أمر صعب التحقق إلا إذا لاحت في الأفق مساعدات عسكرية نوعية وهو أمر مازال يحتاج إلى زمن، أو أن يتعرض النظام إلى عملية انقلاب من داخله تشرّع أبواب انتقال السلطة وهو طريقة أسرع، وإذا لم يحدث هذا أو ذاك فإن الحرب ستستمر ربما لسنوات.

الممكن الآخر، هو أن يستفيد الثوار والمعارضة السياسية من الانتصارات العسكرية للمعارضة والنظر إليها كمكسب تكتيكي، يجب دعمه وزيادته لتطويق النظام وإضعافه، وحصاره سياسيا وعسكريا، وإرغامه في مرحلة ما للقبول صاغرا بالحل السياسي، أو بالمعنى الأدق القبول ببيان جنيف، الذي ستُشكل من خلاله حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات تدير شؤون البلد وتنقلها تدريجيا إلى بلد تعددي تداولي، وتُنهي النظام بصورته الحالية، أفرادا وجماعات، دون أن يُتاح لهذا النظام الفرصة لاستكمال تدمير سوريا.

بيع الوهم أمر سهل، وهو لا يحتاج إلا إلى منبر إعلامي حتى لو كان متواضعا، وعلى المعارضة السورية أن تضع نصب أعينها مآسي ملايين السوريين المساكين بعيدا عن امتيازاتها ومصالحها الشخصية وأحلامها هي الأخرى، وتقف مرة واحدة موقف رجال دولة، وتتحدث عن الواقع دون وهم، وتُخبر السوريين أنه مازال أمامهم وقت عصيب يجب أن يحتملوه، وأن النظام ليس على حافة الانهيار، وسيستمر بقتل المدنيين بالمئات يوميا بالطيران الحربي والبراميل المتفجرة والقنابل العنقودية والصواريخ، وسيواصل تجويعه للسوريين بالحصار، وأن أحدا غيرهم لن يحك جلدهم، وعليهم الصبر حتى يحققوا حلمهم بالكرامة والحرية.

 

اقرأ المزيد
٣ مايو ٢٠١٥
تحطيم المجتمع السوري

عند الاستيلاء على السلطة بفعل انقلاب عسكري، تتوجس السلطة الجديدة من كل شيء، ليس لأنها استخدمت العنف للوصول إلى السلطة فحسب، بل ولأن الوصول إلى السلطة عبر الانقلاب العسكري يأتي بفعل سلسلة من التآمر بين شركاء هذا الانقلاب أيضا. فمن يأتي إلى السلطة بانقلاب عسكري، سيبقى، طوال الوقت، يبحث عن مؤامرة تحاك ضده هنا أو هناك لإطاحته، فمن شارك في مؤامرةٍ، وأوصلته إلى الرئاسة، يعتقد، كما تآمر على الآخرين، أن هناك من يتآمر عليه طوال الوقت.

هذا ما يفسر الشخصية الارتيابية للديكتاتور الذي يأتي إلى السلطة عبر انقلاب عسكري، وهذا ما يفسر الكلام الذي قيل عن حافظ الأسد في عمله المتواصل ثماني عشرة ساعة يوميا، مهووساً بالسلطة. ماذا يفعل ديكتاتور بكل ساعات العمل هذه، وكأنه يدير دولة أهم من الولايات المتحدة الأميركية التي لا يعمل رئيسها كل هذا الوقت؟

إنه يفكك السلطة، ويعيد تركيبها، وبعد ذلك، يحاول تفكيك المجتمع وإعادة تركيبه. هذا ما كان يقوم به حافظ الأسد خلال ثلاثين عاما من القبض على السلطة في سورية. مع وصوله إلى السلطة، أخذت الإجراءات التي تُفقد الجيش أي قدرة على القيام بانقلاب عسكري في سورية طريقها إلى الجيش، وقد نجح الأسد الأب في تفكيك هرمية الجيش، وإفقاد الأركان العامة للجيش أي قدر على التحكم بالجيش، وأفقد قادة الوحدات القدرة على التحكم بوحداتهم، وربط كل ذلك بالرئاسة، وبه شخصيا عبر الأجهزة الأمنية، القادرة، كما أدرك الأسد الأب، على حماية النظام، لكنها غير قادرة على القيام بانقلاب، فالجيش هو الجهة الوحيدة القادرة على ذلك. لذلك، كان من الضروري تفكيك بنية السيطرة على الجيش من الأركان وقادة الوحدات، وزرع ضباط الأمن في كل قطعة عسكرية، من السرية حتى الفرقة. الكل يتجسس على الكل، والكل يعمل عند أجهزة المخابرات، وأجهزة المخابرات تعمل عند الديكتاتور، بوصفه ولي نعمتها. هذه الآلية التي كرسها الأسد الأب، هي التي تفسر عدم قدرة أي من الضباط السوريين الذين انشقوا عن جيش النظام في الثورة السورية، أن ينشق مع وحدته العسكرية، كل الضباط، وبصرف النظر عن رتبهم العسكرية، انشقوا من دون وحداتهم العسكرية.

ما فعله الأسد الأب في الجيش كرره في الساحة السياسية السورية، فقد صاغ تحالفات مع بعض القوى السياسية، في مقدمتها الشيوعيون التقليديون، في إطار أطلق عليه اسم "الجبهة الوطنية التقدمية" أعطاهم امتيازات في الوزارات، لكنه منعهم فعلياً من العمل السياسي في المجتمع السوري، منعهم من العمل في قطاعات اجتماعية واسعة، يتقدمها قطاعا الجنود والطلاب. صحيح أنه منحهم وزارات، واعتبرهم شركاء سياسيين في قيادة البلد والوزارات والنقابات وغيرها، لكنها كانت شراكة شكلية، وبقيت السلطة الفعلية بيد الديكتاتور دون شركاء، والآخرون مجرد ديكور يستدعيه عند الحاجة. كل من لم يقبل أن يكون غطاء سياسيا للديكتاتور، كان مصيره المعتقلات آجالاً تطول أحيانا حتى نهاية العمر. حتى على مستوى الوزارات التي لها وظيفة خدمية، كانت تدار فعليا من مكاتب متخصصة في القصر الجمهوري، والوزارات لم تكن سوى هياكل شكلية وتنفيذية لأوامر القصر الجمهوري.

اعتمد الأسد الأب الآلية نفسها في إعادة هندسة معمار المجتمع السوري، وكان حريصا أن تظهر سلطة الديكتاتور بوصفها المانح والمانع للمغانم. فهو من يستطيع أن يُعلي من شأن أي أحد، وممكن أن يخفضه كما يشاء، إنها حلولية الديكتاتور مكان الآلهة في القدرة على التأثير في حياة مواطنيه. كانت إعادة صياغة العلاقات بين الفسيفساء الطائفية السورية، أخطر ما غرس فيه سكينه، وتحت شعارات وطنية قومية كبيرة، كان يعزز النزاعات الطائفية، عند كل الطوائف السورية، خصوصاً الأقليات. وقد استثمر الأسد الأب هذا الشحن الطائفي، ليحصل على الولاء المطلق للطائفة العلوية، بتصوير الطائفة السنية الخطر الأكبر على العلويين، وهذا ما جعله يصادر الطائفة، ويستخدمها مخلب قط ضد جميع السوريين.

لم ينجح كل هذا الفك والتركيب في المجتمع السوري في إخضاعه تماما، على الرغم من أن سورية بدت في عهد الأسد الأب بوصفها "مملكة الصمت، على حد تعبير المعارض السوري، رياض الترك. وقد تعززت "مملكة الصمت" بعد الصدامات مع الإخوان المسلمين مطلع الثمانينيات، عندما شهدت مدينة حماة وجودا مسلحا فيها، لم يسحق الأسد الأب المسلحين فحسب، بل سحق المدينة بسكانها، لتكون عبرة لكل سورية. فالوجود المسلح للطليعة المقاتلة في مدينة حماة الذي قدر حينها بأقل من 200 شخص، لم يكن يستدعي كل الوحشية والدمار والقتل الذي تعرضت له المدينة، وراح ضحيتها في فبراير/ شباط من العام 1982 في أقل التقديرات 20 ألف قتيل، وفي أكثرها 40 ألف، وما زال العدد الحقيقي مجهولاً، وذلك كله من أجل تفكيك البيئة الحاضنة للإخوان المسلمين.
"الأسد أحرق البلد، وما زال قابعا على حريقها، ممسكا بسلطتها، على الأقل إلى اليوم"

كانت مجزرة حماة هي البروفا، وكانت سورية بانتظار عرض المذبحة الشامل على يد الأسد الابن، فبعد المجزرة ساد اعتقاد عند أتباع النظام أنها أسكتت سورية إلى الأبد. لذلك، كان رجال النظام يستدعونها مثلاً تهديدياً للبنانيين والفلسطينيين من نظام لا يتورع عن فعل شيء، وقد هدد نائب الرئيس السوري الأسبق، عبد الحليم خدام الفلسطينيين قائلا: "لا تعتقدوا أن مخيم اليرموك أغلى عند السيد الرئيس من حماة". منذ نجاح الأسد الأب بإسكات حماة، وإخافة البلد، باتت هذه السياسة المعتمدة من أداة القتل التي صممها الأسد الأب. وعند أول احتجاج سوري على السلطة في سورية في درعا في عهد الابن، تم استخدام الرصاص الحي، وخلال أيام، كانت الدبابات في الشوارع، على الرغم من سلمية التحركات السورية.

عمم الأسد الابن مجزرة حماة على كل الأراضي السورية، وحتى يقتلع البيئة الحاضنة للإرهاب حسب ادعائه، دمر جل المدن السورية، واقتلع السوريين من منازلهم، وحطم المجتمع السوري. إنها الآلة الوحشية التي صممها الأب وأطلقها الابن، لا لتقمعهم فحسب، بل لتدمير مدنهم وتحطم مجتمعهم. منذ الأيام الأولى للثورة السورية، كتب مجرمو النظام على الجدران السورية "الأسد أو نحرق البلد"، واليوم بعد أربع سنوات ومن سخرية القدر القاسية، أن الأسد أحرق البلد، وما زال قابعا على حريقها، ممسكا بسلطتها، على الأقل إلى اليوم.

استطاعت آلة القتل التي صممها الأسد الأب أن تفرض الصمت على المجتمع السوري، نجحت في إخراسه من جديد مطلع الثمانينيات، لكنها في العام 2011 لم تستطع إخراسه مرة أخرى، فما كان منها، إلا أن حطمت البلد والمجتمع، وما زالت مستمرة في تحطيمهما.

اقرأ المزيد
٣ مايو ٢٠١٥
ومن النفاق ما قتل

بعد غزو الفرنجة الحضارة العربية الإسلامية بسنوات قليلة، وأمام ما كان يجري من تخاذل في مواجهتهم، سافر شيخ الجامع الأموي ومفتي دمشق يومذاك إلى بغداد للقاء الخليفة. حين قابله، نزع عمامته عن رأسه، والقى بها أرضاً، وشرع يعنفه وهو يبكي ويشكوه إلى نفسه، ويذكّره بواجباته في الدفاع عن المسلمين، وبضرورة الرد على الغزاة، وطردهم من أرض الإسلام. تلك الزيارة كانت من أسباب يقظة المسلمين، وقيام الخلافة بشيء من واجبها تجاه رعاياها.

قبل أيام، دعا مفتٍ آخر بشار الأسد إلى استخدام كل ما في حوزته من سلاح لمقاتلة "غزاة" آخرين، لكنهم ليسوا أجانب، أو غرباء، اقتحموا سورية، واحتلوها كالفرنجة، بل هم مواطنوه الحلبيون. وألقى أحمد حسون عمامته أرضا أمام رئيسه، وشرع يبكي، ويحثه على إبادة مدينته وسكانها بجميع الأسلحة، بينما كان يتهم قادته وجيشه بالسلبية والتهاون في الحرب، كأن قتل نصف مليون سوري على أقل تقدير لا يرضيه ولا يروي غليله. يقول المثل "لا توصي حريصاً ". لم يكد المفتي ينهي مطالبته بقتل مواطنيه حتى سارع "الأب القائد" إلى تلبية ندائه، وها هي حلب تباد بكل صنوف الأسلحة وأساليب القتل والتدمير التي تستهدف أطفال المدارس: الجيل الأخير الـذي يقضى عليه، بعد أن أباد جيش الممانعة ثلاثة أجيال في الأعوام الأربعة الماضية، فإن تواصلت عملية القتل بالوتيرة الحالية، كان باستطاعتنا أن نقول بعد حين: هنا كان يوجد مدينة اسمها حلب، وكان يعيش فيها بشر.

بين مفتي دمشق المجاهد ومفتي سورية الحالي هوة مرعبة، حفرتها "وطاوة" الأخير، وأحقاده على السوريين ، وفتواه بشرعية قتل كل من يعارض الأسد أو يثور عليه ، فلا عجب أن يستغل الأخير فتاواه غطاء "شرعياً" يسوغ به قتل شعب"ه"، بما في ذلك المفتي المنافق نفسه الذي سيلقى حتفه على يدي سيده، عندما سينتهي مفعوله، ويتعاظم عجزه عن إفساد المشايخ وتأثيره في الرأي العام، ويفتضح كذبه ونفاقه الذي جعله مضحكة السوريين، فهو يهودي أكثر من نتنياهو، ومسيحي أكثر من يهوذا الإسخريوطي، وشيعي أكثر من خامنئي، لكنه، في جميع حالاته، عدو المسلمين، لأن النظام يكرههم، وعدو الإسلام، وقد صدرت عنه تفوهات مستهجنة ضد نبيه (ص)، كقوله: لو أمرني النبي بكره اليهود والمسيحيين لما أطعته.

أحدث حكم الأسدين انحطاطا إنسانيا وثقافياً شاملاً طاول مختلف مناحي حياتنا، من تعبيراته اختيار منافقين لمناصب دينية قيادية، كان أشهرهم ذلك الخطيب الذي جعل الأسد الأب "الراشدي الخامس"، ونصبه مجتهداً من كبار مجتهدي الإسلام. بانحطاط المنافقين المتعاظم وافتضاح أمرهم، كان من المحتم أن يبلغ النفاق دركه الأسفل مع حسون الذي قبل أحذية أهل النظام بقدر ما قتلوا الشعب، ودمروا المساجد والمواقع التي تذكر بتاريخ ما قبل الحقبة الأسدية، وكان قد بنى بعضها غزاة فتحوا المدينة، فأسرهم جمالها وأغراهم، بإضافة لمستهم التاريخية الخاصة عليها، تخليداً لذكراهم بناة دخلوها بالسيف فمدنتهم، وأضفت الرهافة والرقة عليهم. ومن يعرف حلب التي يدمرها اليوم وحوش يكرهون شعبهم بدعوة من المفتي القاتل، سيقطر قلبه دماً، وهو يرى أحياءها، وقد تحولت إلى ركامٍ، أين منه ركام المدن التي دمرت خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.

حرّض المفتي جيش النظام ضد حلب وشعبها، فهل تحرض جرائمه المخالفة للدين والأخلاق شيوخنا وعلماءنا على إصدار إعلان بخلعه من منصبه و... إلخ؟ وهل تحرض العالم على حماية ما بقي من مدينة تعتبر اليونيسكو أقساما واسعة منها تراثا إنسانياً، هو ملك للبشرية جمعاء؟

اقرأ المزيد
٣ مايو ٢٠١٥
هذا هو الحل في بلاد الربيع العربي باختصار!

ليس هناك حل عسكري في بلاد الثورات. فالحلول العسكرية تكون غالباً في الحروب بين الدول، حيث تنتصر دولة على أخرى في صراع عسكري كما حدث ويحدث على مر التاريخ، فتفرض الدول المنتصرة شروطها على الدول المهزومة كما حدث بين دول الحلفاء والمحور في الحربين الأولى والثانية، حيث تعرضت ألمانيا واليابان للهزيمة على أيدي التحالف الغربي، الذي فرض شروطه بعد الحرب على الطرف المهزوم.
وقد صمدت الاتفاقيات بعد الحرب العالمية الثانية حتى هذه اللحظة، رغم تصاعد النفوذ الياباني والألماني. وحدث الشيء نفسه في الحروب بين العرب وإسرائيل، حيث حسمت إسرائيل الحروب لصالحها، ثم عقدت معاهدات مع بعض الدول العربية على أساس نتائج الحرب، وبعض التنازلات.
أما الحسم العسكري في الصراعات الداخلية، فحتى لو نجح مرحلياً، إلا أنه يبقى وصفة سحرية لثورات وصراعات أهلية لاحقة تحرق الأخضر واليابس. فمهما طالت هيمنة فئة على أخرى داخل البلد الواحد بالحديد والنار، فسيأتي اليوم الذي ستنتفض فيه الفئات المظلومة، وستفعل الأفاعيل بالفئة المسيطرة، وستكون النتائج وخيمة على الجميع.
وقد رأينا ذلك بوضوح في بلدان الربيع العربي، حيث انتفضت الشعوب بعد عقود من الاستكانة والطغيان على جلاديها من الأقليات الحاكمة، عسكرية كانت أو أمنية أو عائلية أو طائفية أو مذهبية أو قبلية أو عشائرية أو مناطقية. وكانت النتيجة دماراً ساحقاً ماحقاً نظراً لتمسك الطواغيت بالسلطة وإصرار الثوار على تنظيف البلاد من رجس الطغيان. لهذا، يجب على الشعوب والأنظمة الجديدة أن تتعلم من الأخطاء الكارثية التي حدثت بعد الثورات، وأدت إلى تدمير أوطان بأكملها وتشريد الملايين من الشعوب في سوريا وليبيا واليمن والعراق بسبب الظلم الذي مارسته فئة على أخرى.
لا يمكن أن يكون الحل في كل بلاد الثورات إلا سياسياً، ليس لأن طرفاً لم يستطع القضاء على طرف، أو أن الحل السياسي أصبح الملاذ الأخير بالنسبة للثائرين الذين فشلوا في إسقاط هذا النظام أو ذاك. لا أبداً. بل لأن الحل السياسي القائم على عقد اجتماعي وسياسي جديد وتقاسم السلطات والثروات هو صمام الأمان لأي بلد في العالم، وليس فقط لبلاد الثورات العربية. فلو انتصر طرف على طرف في أي ثورة سنعود إلى المربع الأول الذي تسبب أصلاً في اندلاع الصراع. فما الفائدة أن يتمكن طرف من هزيمة طرف آخر، ثم يمارس بحقه لاحقاً نفس المظالم التي مورست سابقاً بحق الطرف المنتصر؟ ليس مطلوباً في سوريا والعراق ولبنان وليبيا واليمن أن ينتقم طرف من طرف، ويحل محله ليمارس نفس القذارات القديمة التي مارسها الطغاة الساقطون والمتساقطون. هذا ليس منطق دولة، بل منطق عصابات، ولا يمكن أن يبني دولاً، بل سيعيد السيناريو التدميري القديم بنكهة جديدة. طبعاً نحن هنا لا ندعو أبداً إلى إعادة تأهيل العصابات والقتلة والمجرمين الذين أوصلوا الأوضاع إلى هنا في سوريا واليمن وليبيا والعراق وغيره. لا أبداً. فهؤلاء مصيرهم مزبلة التاريخ. وأشك حتى أن تقبل بهم مزابل التاريخ، فالمزابل أقل قذارة منهم ومن أفعالهم. على الأقل المزابل لا تتسبب بتهجير الملايين وتدمير مدن بأكملها كما فعل نظام الأسد.
باختصار نحن بحاجة لبناء دول لكل مواطنيها، وليس لفئة معينة تضطهد باقي الفئات لفترة من الزمن، ثم تنقلب عليها الفئات المظلومة كما حدث في سوريا ومصر واليمن وتونس والعراق وليبيا ولبنان. علينا أن نتذكر أن الشعوب ثارت أصلاً على حكم الأقليات في تونس وليبيا وسوريا ومصر والعراق واليمن. وقد ضاقت ذرعاً بحكم العصابات الطائفية والعسكرية والقبلية والعشائرية والمحسوبيات والدوائر الضيقة. فلماذا يريد الحوثيون في اليمن أن يحكموا بنفس الطريقة التي أدت إلى ثورة الشعب اليمني على حكم عصابة صالح؟ لماذا يكرر النظام العراقي نفس الأخطاء التي أدت إلى اندلاع الثورة السورية؟ أليس ما يحدث في العراق أصلاً نتيجة حكم العصابة الطائفية؟ وفي لبنان، لا يمكن لطائفة أو حزب أن يُخضع اللبنانيين إلى ما لانهاية. هل كان لبنان على كف عفريت لولا استئثار حزب الله بالسلطة السياسية والعسكرية والأمنية والقضائية في البلاد؟ بالطبع لا. وأيضاً في ليبيا ثار الشعب على العصابة القذافية، لهذا لا يمكن لعصابة جديدة أن تحكم البلاد بنفس العقلية ونفس الطريقة. طالما هناك عصابات تحكم البلاد العربية، لن تهدأ البلاد. وستبقى مرجلاً يغلي حتى يأخذ الجميع حقوقهم، وحتى تختفي هيمنة جماعة على جماعة.

اقرأ المزيد
٣ مايو ٢٠١٥
اقتراب نهاية الأسد يدفع حزب الله لتسريع "معركة القلمون"

يعود القلمون للواجهة من جديد ، كاسم عام دون ارتباطه بمدينة أو منطقة بعينها  ، فالمعركة القادمة تحمل اسم "معركة القلمون" ، التي يُنظر لها من قبل مُدعي الهجوم على أنها أم المعارك ، و يسوق للأمر على أن الإعجاز سيتحقق هناك ، ووعود زعيم المليشليا ستكون منفذة.

مشاركة قوات حزب الله الإرهابية على الأرض السورية خف زخمها كثيراً و اختفت في عدة مناطق ، بعد الخسائر الكبيرة التي أنهكت الجسد البالي للحزب ، الذي وجد نفسه داخل منطقة تلفظه دوماً و تُعيد مقاتليه أجساداً متناثرة في توابيت أو مثخنة بالجراح .

حزب الله يقود حالياً ماكينة اعلامية كبيرة جداً و قد تكون الأكبر على مدى أربع سنوات القتل في سوريا ، فشلت معارك "مثلث الموت" في درعا ، تقهقر النظام الذي يسانده على كافة الجبهات ، و تصدعت ايران التي تدعهما و توجههما ، و بات النهاية قريبة أو وشيكة ، لذا فلابد من البحث عن نصر داخل جبال القلمون ، و تأمين خط أو طريق سحب ما تبقى من الترسانة التي يملهكا الأسد ، إلى لبنان ليضمن استمرار السيطرة على الجميع في لبنان من خلال التفوق بالسلاح .

يسوق الحزب معارك القلمون ، القريبة الإندلاع ، على انها معركة من أجل تحصين لبنان ، و إنهاء وجود المعارضة السورية و الثوار في الجبال الفاصلة بين لبنان و سوريا ، و طبعاً حضور مصطلح "التكفريين" ، و ترديد الخطر على لبنان الذي تعهد بحمايته ، هذه الخطب و الخدع التي لا تنطلي إلا على مؤيديه ، في حين يرى اللبنانيون أن أفعال الحزب ماهي إلا لمصالحه الضيقة و تنفيذ لمخططات إيران في المنطقة ، و خير رد ما قاله سمير جعع " من قال أننا نخاف من النصرة أو داعش " .

السبب الأساسي الذي دفع الحزب لسحب غالبية قواته من الأراضي السورية و إفراغ القرى الشيعية اللبنانية من الشبان و التحضير لمعركة القلمون ، ينبع من استشعاره لاقتراب سقوط الأسد ، و الحاجة لممر بين الجبال ليسحب الترسانة التي يملكها الأسد بأسرع وقت قد السقوط بات وشيكاً ، ففي المناطق القريبة من القلمون المستودعات المركزية لقوات الأسد ، في عين منين و دنحة و ..... إضافة إلى اللواء 155 الذي يحوي على الصواريخ البالستية ، و عشرات القطع العسكرية المنتشرة و الممتلئ بالعتاد و السلاح و الذخيرة.

اذا الغاية هي سحب السلاح بأسرع وقت عبر طرق آمنة يتم تأمينها من خلال حشد كل القوات  التي يملكها لتحقيق هذه الغاية ، و لكن هل معركة القلمون هي نزهة عادية !؟ أم معركة كباقي المعارك التي خاضها الحزب في المنطقة !؟

و تحديد الإجابة يستوجب العودة إلى المعركة السابقة و التي جرت العام الماضي في يبرود و رنكوس و باقي نقاط القلمون ، والتي  خاض الثوار فيها  حرب ضروس مع الحزب و كلفته حينها أكثر من 1350 قتيل و مئات الجرحى ، و لم يتمكن من تحقيق التقدم إلا من خلال الخيانات التي حدثت هنا و هناك ، إضافة لتخاذل الجميع في مساندة الثوار على الأرض .

أما معركة الجرود اليوم ، فهي مختلفة تماماً ، فالإمتداد الجغرافي لها كبير جداً و التضاريس المعقدة و الشربكات الناتجة عن تداخل الحدود و وجود الممرات السرية سيحول الجرود إلى شواهد لقبور الآلاف المتبقة من الحزب .

معركة القلمون هي أم المعارك ليس لإنتصار حزب الله ، و إنما هي أم المعارك التي ستنهي الحزب ....

و للحديث بقية ..

اقرأ المزيد
١ مايو ٢٠١٥
مع "إقتراب ساعة النهاية".. حرب على الثورة

أرهق كاهل الثورة السورية الحرب النفسية التي تخاض ضدها من كل الجهات بغية إضاعة البوصلة و تشتيت الأفكار و الجهود ، أكثر من أي نوع من أنواع الحروب التي تم توجهيها ضدها ، هذه الحرب التي استعرت أكثر مع إقتراب ساعة النهاية التي اجتهد الثوار على مختلف الجبهات المشتعلة أو التي هي تتحضر للإنطلاق ، للوصول إلى تلك اللحظة التي انتظرها السوريين على مدى أربع سنوات.

ما يمكن قوله أن الثورة السورية استطاعة في عامها الخامس كسر غالبية القيود و تحقيق ما عجزت عنه طوال سنوات ، و يكفي الشهور القليلة الأخيرة التي أدت لقلب الموازين على الأرض ، بخلاف ما كان المحللون يقولون أن "العام الخامس سيكون صعباً".

هذا التحسن الكبير على الأرض و التنسيق و التوحد و العمل المشترك ، دفع أعداء الثورة و حتى من يدعون صداقتها ، لخوض حرب غير عسكرية ، و إنما نفسية تؤدي إلى وهن الثوار و التقليل من إنجازاتهم و الحد من إنتصاراتهم لضمان إستمرار الوضع على ماهو عليه ، أو الوصول إلى الصيغة التي تناسب مصالحهم.

الحرب النفسية التي تخاض على أعلى المستويات ، ويشارك البعض فيها عن دراية أو غباء ، تتمثل بالسعي باتجاه حل سياسي ، و إستغلال الأوضاع الميدانية التي تشهد قفزات متتالية و مستمرة ، كوسيلة ضغط بغية إخراج الأسد من السلطة والحفاظ على الهيكلية العامة للنظام .

جنيف 3 أو مؤتمر القاهرة أو مؤتمر الرياض ( الذي تم إلغاءه في المرحلة الحالية ) أو مباحاثات البلد الفلاني أو بإشراف المبعوث هذا أو استخدام تلك المظلة ، كلها أسماء إلى أمور يسعى من خلالها جميع رافضي انتصار الثورة والمضي نحو الإنهاء لوجود الأسد ، إنهاءً عسكرياً كما بدأه الأسد الأسد عسكرياً ، لإيقاف هذا التقدم العودة لطاولة السياسة وتحقيق كل طرف لمصالحه الخاصة ، دون أي مراعاة لمصالح السوريين .

مضحك جدا الحديث عن اتفاقات و توافقات على أن شكل الدولة القادم في سوريا سيكون من صبغة معينة ، إضافة للحديث عن التقسيم ، أو حرب تالية لإسقاط الأسد ، و تسريبات و قراءات و استشراقات من هذا و ذاك ، و كأنهم قادرون أو يملكون شيء على الأرض ، ومع تكرار اسطوانة أن لا حل عسكري للأزمة في سوريا ، و إنما الحل سياسي ، و كيف هذا الحل الذي بقي الشعب ينتظره أربع سنوات و هو يحتمل كل أنواع الموت و التدمير .

هناك حرب تدار بين الأطراف الخارجية حول كيفية انهاء الأسد (عسكرياً – سياسياً) ، و لكن تلك الحرب لاتجد مكاناً لها على الأرض التي تتجه  إلى أنه  لن يكون هناك حل سياسي حالي ، إنما الحل سيكون عسكرياً ، فالثوار لن يتراجعوا بموجب صفقات تجعل المجرم مجرد "منفي" ، و لا حتى الأسد سيكون راضٍ عن سحب الملك منه ، و إن رحل بشخصه سيبقى حاضراً بنظامه ، و كأن الثورة لم تقم و كل ما حدث عبارة عن موت مجاني .

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)