"النظام" .. و"الدولة"
"النظام" .. و"الدولة"
● مقالات رأي ٦ مايو ٢٠١٥

"النظام" .. و"الدولة"

بعد أن فتح "نظام الأسد" قضيّة تجديد وتمديد الجوازات حتى للمخالفين قانونياً (كالمتخلفين عن الجيش) ، يبدو جليّاً أن النظام ما زال يعمل بالاستراتيجية نفسها التي تغفل عنها كل معارضتنا السياسيّة : ((أنا "الدولة" .. أنا "النظام" ..))

فقد طفت مشكلة الجوازات على السطح ، وبعد ضغوط الدول لأجل هذا الملف سارع النظام لاستلام الملف بنفسه بدلاً من إحالته للإئتلاف أو الحكومة المؤقتة ، فهو ليس فقط يحتاج للسيولة النقدية (الدولار) بل هو يحتاج لتثبيت ما لم يفقده حتى الآن على مستوى المجتمع الدولي حتى اللحظة : "الدولة" ..!

فكل دول العالم تعترف بالنظام السوري كدولة ، شرعية ، ونظام قائم ، رئيسه بشار الأسد ..

وهذا ما يقوم النظام بالعمل عليه على الأرض :

- فالمصالحات التي يقيمها يتعامل مع ملفها على أنه الدولة ، ويفتح صدره الكبير لهؤلاء المخطئين حتى يؤوبوا ..

وما إن يقع البعض في فخ المصالحة إلا ويسارع النظام بتأمين المنطقة ، وإعادة تأهليها قدر الإمكان ، وإتاحة عودة الناس لبيوتهم .. فقد عادت "الدولة" ..

- الهدنة مع المعضمية عندما وصلت لذروتها عقدتها ، بقي للنظام شرط واحد لم يتنازل عنه : رفع العلم السوري ..! فهو "الدولة" ..

- يتعامل النظام مع الموظفين على أنهم على رأس عملهم لدى "الدولة"، حيث ما يزال الكثير من الموظفين في حمص .. في إدلب .. في الغوطة حتى .. ما يزالوا يقبضون رواتبهم حتى الآن من عند النظام ..!!

ورغم أننا سعينا قدر الإمكان لوقف دوام الموظفين لتسقط الدولة (في 2012) ، لكن البعض عارض للأسف ، والموظفون خافوا على مرتباتهم، وبقي النظام قوي الأركان ، وبقيت "الدولة" ..!!

- السفارات الرسمية السورية في كلّ دول العالم هي سفارة النظام السوري .. ويبذل النظام كل جهده ألا يفقد واحدة منها ، فإذا ما حصل فإنها بالتأكيد لا تذهب إلى معارضيه (كالتي في السعودية) .. فهو فقط النظام .. وهو "الدولة" ..

- المناطق المحررة ، أو المحاصرة .. يتعامل معها النظام على أنها متمردة عن سلطة "الدولة" وهو مع ذلك يمرر شيئاً من شريان الحياة بمنطق واحد : أنا "الدولة" ..

- وبعيداً عن المعركة العسكرية إلا أنه ما يزال يصر على أن يكون أمام الناس والمواطنين على أنه "الدولة" ومؤسساته تعمل ، وعبر قنواته -الرسميّة- يتابع شؤون الناس في المناطق المحررة .. فهو "الدولة" ..

___________________________

أمثلة كثيرة تحضرني الآن عن هذا المفهوم ، ولكن أختصر وأقول :

لم تستطع المعارضة السياسية أن تثبت نفسها "كدولة" أو بديل عن النظام الحالي ..

وتستعر نار الحرب على المحاصصة فيما بينهم بين شلة السعودية وشلة فرنسا وشلة قطر .. فيما لم يفكروا بجدية بالظهور بمظهر "الدولة" ..

فكلّ طرف فيهم يعود إلى مرجعياته التي انتدبته : ماذا تأمرون لنفعل ؟؟!!

بينما الأحرى بهم أن يرتقوا إلى مستوى "النظام" و "الدولة" .. أن تكون فعلياً الحكومة المؤقتة "حكومة" .. وتحمل مواصفات "دولة" ، وقادرة على قيادة المرحلة الحالية أو الانتقالية ..

فهم لم يديروا قرية في ريف إدلب .. وتحررت المدينة ، وهم في المريخ جالسين ..!

لا يفكر أحدهم بالانتقال إلى الداخل ليعمل كدولة خوفاً أن تفوته المحاصصة السياسيّة في اسطنبول .. أو يقوم منتدبوا الطرف الآخر بالتمدد على حساب الطرف الذي انتدبه .. مما يجعلهم يفكرون باستبداله .. فكما فرضت فرنسا "ميشيل كيلو وقائمته كاملة" بالحذاء ، يفرضون غيره بنفس المنطق ..

وللإنصاف فإن ليس فقط ضعف المعارضة سبب رئيس ، فالمجتمع الدولي ما يزال حتى اللحظة يتعامل مع نظام بشار الأسد على أنه "الدولة الشرعية لسوريا" ، ومؤسساته وسفاراته ومقعده في الجامعة العربية أو مجلس الأمن وغيره مقعد شرعي رسمي وحيد ..

وتضغط كلُّ هذه الدول المعادية لثورتنا ، خصوصاً صاحبة لقب (أصدقاء سوريا) تضغط ليبقى النظام رسمياً شرعياً يُتعامل معه كنظام قائم الأركان ، وإن فقد بعض أجزائه في بعض مراحل الصراع مع هؤلاء (المسلحين المتمردين) ..

ولعل ديمستورا ذو التاريخ الشيعي العريق يفرض أيضاً النظام السوري ليس كطرف ، بل كجزء من القضية ، لحل المشكلة مع هؤلاء المعارضين الذين لا شكل لهم ولا هوية ..

وللأمانة أيضاً فإنَّ تركيا حاولت تسليم السفارة (وهو ملف خدمي بحت ذو بعد سياسي) للمعارضة إلا أنها لم تجد من يتولى هذا الشأن سوى مجموعة مافيات متصارعة فيما بينها ، تعمل بالتحكم عن بُعد ..

بينما فعلت قطر ذلك ، وسلّمت السفارة للإئتلاف ، عبر رجل تثق هي به ..

ولما أن قام سفير الائتلاف (الحراكي) بانتزاع حقّ إصدار الجوازات وتجديدها بشكل رسمي معترف فيه بأغلب دول العالم ، بادر غلمان فرنسا والسعودية بانتزاع السفير كله ، ومنعوا حصول ذلك ، وعاد الأسد وحيداً متفرداً بلقب : "الدولة" و "النظام" ...!!!

فليس تحرير منطقة هي نهاية المطاف ، وليس طرد المحتل الأسدي هي ذروة طموحنا .. فهنالك "دولة" يجب بناؤها ، والعمل عليها ، وتحقيقها ..

شؤون الناس لا تقضيها مجموعات إغاثيّة تطوعية أو جمعيات خيرية ..

والمدارس لا يمكن لمدرسين متطوعين ينتظرون المنح من الداعمين أن يقوموا بشؤونها ، وتخريج الأجيال دراسياً وإصدار الشهادات الرسمية ..

والمجالس المحلية لا تُقام بطريقة كل مجلس مستقل عن غيره يدير شرون قريته وحيداً دون منظومة تجمعهم ..

ولا يمكن أن يتحقق الانتصار الحقيقي طالما أن سقوط النظام الحالي والدولة الحالية لا يعقبه في المرحلة التالية مباشرةً : بناء "الدولة" ، واكتمال أركانها .

وإن كانت مخيمات أطمة التي تقع في المنطقة الآمنة المحظور على النظام استهدافها يزورها من السعودية وقطر والكويت أكثر مما يزورها أصحاب الائتلاف والحكومة المؤقتة .. فكيف لهؤلاء بناء "دولة" وإدارة "نظام" ؟؟؟؟

 

الكاتب: إبراهيم كوكي
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ