سؤال بريء. لو لم تحتل «ماما» ميركل، عناوين الصحف وتحتكر محبة النازحين السوريين، هل كان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يتحمل أعباء السفر الى لبنان، ومن ثمَّ الى مخيم الزعتري في الأردن لسماع بعض «القصص المؤلمة مباشرة من النازحين السوريين»؟ بالتأكيد مستحيل، لأن عمر المخيمات أربع سنوات، ولم يكلف كاميرون نفسه أعباء مثل هذه الزيارة. طبعاً ليست الغيرة وحدها وراء هذا الاندفاع من المسؤول البريطاني البارد. أكثر ما أثار كاميرون وباقي المسؤولين الأوروبيين الخوف من «اجتياح» سوري من النازحين. رغم ذلك هذه الجولة مهمة، لأن كاميرون شاهد بعينيه معنى أن يتحمل لبنان نازحين يزيد عددهم على ربع سكانه، أي كما لو نزح الى بريطانيا العظمى حوالى 14 مليون نسمة دفعة واحدة. طبعاً لن يحدث مثل هذا «التسونامي» ولا في أبشع الكوابيس، لأن بريطانيا «الانسانية« وغيرها من الدول الأوروبية تعرف كيف تتعامل بالنار مع مثل هذه الحالة الانسانية.
بعيداً عن المكاسب الاعلامية الداخلية للزيارة البريطانية وما سيتبعها من زيارات أوروبية، فإن موجات النازحين الى ألمانيا وغيرها أيقظت الأوروبيين على الحالة السورية وضرورة العمل على حلّها حتى لا تدخل مفاعيلها كل بيت من بيوتهم عاجلاً أم عاجلاً. لا شك ان أوروبا وفي مقدمها فرنسا، تريد الحل اليوم قبل الغد. لكن مشكلتها أن «العين بصيرة واليد قصيرة». مهما رغبت وأرادت وشاركت الدول الأوروبية وفي مقدمها فرنسا في التصدي لـ»داعش» وللأسد، فإنها لن تنجح في الحالتين. المشكلة في غياب القرار الأميركي. أو في أفضل الحالات رغبة واشنطن في استمرار هذا النزف الذي يستنزف جميع من هو في «المغطس» السوري، في الوقت الذي تتابع المراقبة وحساب الخسائر لدى الجميع.
الرئيس باراك أوباما، وضع هذه الاستراتيجية التي تقوم على معادلة «حارب من كيس غيرك» أي صفر خسائر مالية وبشرية. يبدو أن لكل استراتيجية نهاية. العالم كله وليس واشنطن أمام ساعة الحقيقة. استمرار الحرب في سوريا، سيؤدي الى دخول الحرب الى كل الدول. «داعش» خطر مفتوح على العالم وليس خطراً سورياً أو عربياً فقط. منسوب هذا الخطر سيستمر في الصعود بالاهمال والتساؤل عن أيهما قبل الرئيس بشار الأسد و»داعش». الإثنان يغذيان بعضها البعض. بقاء أحدهما يدعم بقاء الآخر.
ربما تكون صورة الشهيد الطفل ايلان الكردي قد أثارت الرأي العام العالمي، علماً أن آلاف الشهداء من الأطفال وصورهم خصوصاً الذين قتلوا بالسلاح الكيماوي، لم تثر العالم. لذلك يمكن التقدير أن هذا «الشحن الانساني»، ليس عفويا. تماماً مثل استيقاظ الولايات المتحدة الأميركية على مشهد وجود ست دبابات روسية تحمي مطاراً كان سورياً وأصبح روسياً. المشاركة الروسية في الحرب في سوريا ليست طارئة. بدأت مع بداية الحرب عندما شارك الخبراء الروس في «الحرب الإلكترونية» وقضوا على شباب «التنسيقيات» وهم بالمئات.
حالياً نزل «القيصر» بوتين في «المغطس» السوري. لماذا؟. الأرجح لأنه لا يمكن حالياً وضع اجابات حقيقية وواقعية عن كل الأسئلة التي طرحها هذا الانزلاق «البوتيني»، ان موسكو تعرف بأن باب المفاوضات حول الحل في سوريا قد فتح. وان القوي على طاولة المفاوضات هو أولاً القوي على الأرض ميدانياً.
الاختبار الكبير لموسكو حصل في أوكرانيا. لقد نجح بوتين في الامساك بقرار الحل، نتيجة لتطور وجوده العسكري في شرقي أوكرانيا. لذلك لا يمكن لموسكو ترك الأسد وخصوصاً إيران تقرير حصتها في الحل. موسكو تريد أن تكون الشريك الكبير في التفاوض وفي الحل وبالتالي في اقرار حصتها كاملة في سوريا حتى وان لم تعد سوريا التي يعرفها السوريون والعالم والعرب.
هذه بداية. أما الختام فإنه كما اعتاد العالم ليس اليوم وغداً. لا يوجد أحد من القوى المشاركة في الحرب في سوريا مستعد للتوقيع مع رئيس أميركي يستعد للخروج من البيت الأبيض. مهمة أوباما حتى 2017، متابعة بناء أعمدة الحل. الرئيس الأميركي المنتخب هو الذي يوقع ويأخذ الصورة وفي خلفيتها عدة مئات الآلاف من الضحايا السوريين وعدة ملايين من النازحين الذين مهما عاد منهم الى سوريا فإن التكوين السكاني والاجتماعي والثقافي لسوريا لن يكون كما كان. سوريا ستقوم من تحت الرماد، لكن بالتأكيد ستكون سوريا مشوهة مهما برع المتفاوضون في إعادة تركيبها.
فجأة استيقظت الدول الأوروبية على اللجوء السوري الذي بدأ منذ ان شن بشار الأسد حربه على شعبه ودفعت براميله الى اللجوء الى الخارج والتشرد. لبنان تحمل اكثر من مليون لاجئ. وهو عبء كبير لبلد يعاني من انقسام سياسي عميق ومن اوضاع اجتماعية واقتصادية مزرية. والأردن وتركيا تحملا ايضاً عبئاً كبيراً.
لكن كل ذلك بفعل حرب ارادها الأسد وكان بالإمكان تجنبها والتجاوب الحقيقي مع مطالب الشعب بالحرية والإصلاح. بيد ان عائلة الأسد لا تعرف معنى الحرية. فكلما تحدث سوري او لبناني عن الحرية اما اعتقلته وعذبته او اغتالته او قصفته بالبراميل القاتلة. والآن وأوروبا تتنازع حول توزيع ١٥٠ الف لاجئ سوري في دولها، يتنافس الأوروبيون لزيارة اللاجئـــين في الدول التي تستضيفهم لإطلاق الوعود بمساعدتهم ودعمهم في وقت يتدفق اللاجــئون ويـــخاطرون بحياتهم متجهين الى الغرب الذي لا يمكنه استيعابهم بهذه الكثرة.
وأصبح اللجوء السوري الى فرنسا وبريطانيا وألمانيا فجأة الموضوع الأساسي في الإعلام الغربي مع مشهد الولد ايلان الكردي السوري الملقى على الشاطئ التركي. لكن لماذا لم يتحرك هذا الرأي العام نفسه عندما قتلت قوات بشار الأسد في ٢٠١١ الطفل حمزة الخطيب في درعا عندما بدات الأحداث. فسلطات الأسد اعتقلته وقتلته قبل انتشار صوره على الشبكات الاجتماعية. ان مشهد ايلان الكردي مؤلم ومريع وغير مقبول.
لكن ينبغي التساؤل كم ايلان وقع قبله وكم حمزة بعده بسبب بشار الأسد. واللجوء بدأ منذ اربع سنوات عندما اندلعت الأحداث وتفاقمت عندما قتل الطفل حمزة الخطيب. وقال ذلك بوضوح امس رئيس الحكومة الفرنسي مانويل فالز ان داعش اتى على يد الأسد الذي اراد قتل المعارضة المعتدلة. فمسألة اللجوء اليوم تطرح نفسها في اوروبا بقوة في اوساط الرأي العام وأدت الى تأييده ضرب «داعش» الذي لن يحل مشكلة اللجوء ما دام بشار الأسد وجماعته على رأس الحكم.
جاء السيد كامرون لزيارة خاطفة مشكورة يعلن فيها عن المزيد من الدعم الى اللاجئين. ان زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ستتبع ولكنها ستكون مختلفة لأنه يريدها مفيدة للبنان وللاجئين فيبحث عن ظروف تمكنه من جعلها مفيدة على الصعيد السياسي اللبناني رغم ان رأيه العام غير مهتم الا بمسألة اللاجئين لأن الجميع ملّ من لبنان وانقساماته السياسية المستمرة. وهولاند يقول الآن انه اصبح من الضروري ان يتم ضرب «داعش» في سورية وغالبية الرأي العام تؤيد هذه الضربة ما سيشجعه على القيام بها.
ولكن ضرب «داعش» على عكس ما يعتقده بعضهم، سيزيد مأساة اللجوء لأن المدنيين الباقين سيحاولون الهروب من ضربات الائتلاف ضد «داعش» مهما كانت محددة ودقيقة لمراكزها. فدائماً في هذه الحروب يأخذ العدو المدنيين رهينة وحشيتهم. الحل ليس في ضرب داعش بل انهاء نظام الأسد. ولكن الغرب عاجز. وبعضهم في فرنسا في طليعتهم زعيمة «الجبهة الوطنية» مارين لوبن تقول انه ينبغي الاختيار والتحدث مع الأسد. وبعض النواب ايضاً من اليمين واليسار يقول الشيء نفسه. ولكنهم يغضون النظر عن ان كل المشكلة ظهرت وتراكمت من وحشية الأسد قبل «داعش».
لذا ينبغي الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعلى النظام الإيراني من اجل الحل دون الأسد قبل تفكيك سورية. ووحدها الإدارة الأميركية وربما ألمانيا بإمكانهما القيام بذلك. وحدها باريس الآن ورئيسها هولاند وفالز يؤكدان ضرورة حل من دون الأسد.
مهم جدا، تفسير كامل الظواهر الجديدة في المشهد السوري، فالأزمة السورية بدأت بالفعل بالانحسار وفق الطريقة الإسرائيلية للحل، ومهم أيضا أن نفهم أن قضية استقبال اللاجئين السوريين في أوروبا هي جزء من الرؤية الإسرائيلية للحل، وهي رؤية تقوم على قاعدة – تحريك جغرافي على الأرض- تتم بموجبه عمليات ترحيل للطوائف والأعراق والأقليات، وتجميعها باتجاهات مختلفة، وتهجير أكبر قدر ممكن من العرب السنة، أو وضعهم ضمن مربعات طائفية لكي يكونوا تحت السيطرة، والانطلاق نحو إعادة تركيب كل من سوريا ولبنان والأردن ومصر على أساس طائفي وعرقي محض، ما يجعل إسرائيل دولة الأقلية الوحيدة، هي دولة قائمة في وسط مجموعة من الأقليات العرقية والدينية وغيرها.
تساهم بالطبع في هذا الجزء إيران، التي تعي تماما تفاصيل المشهد السوري، لذلك هي تقوم بالمساعدة في جلب قبائل أفغانية وباكستانية لسوريا وتتم أيضا من خلال عمليات التغيير الديموغرافي، والتي بدأت عمليا تتضح علنا، من خلال التفاوض الإيراني على خطوات عمليات تبادل قرية الفوعة بسكان الزبداني، وهو ما كانت صورته أوضح من خلال طرد مئات العائلات من أحياء بساتين المزة من قلب دمشق، تمهيدا لمشاريع توطين على شاكلة المستوطنات التي أنشأها الأسد الأب في محيط المدن السورية فيما كانت تسمى مساكن الضباط وغيرها، وهي عمليا نسخة عن المستوطنات الإسرائيلية، التي كانت تقوم إسرائيل ببنائها لسلب الفلسطينيين أرضهم ببطء، كما حدث عندما قام النظام سابقا بمصادرة 10 ألاف دونم، من أراضي المعظمية في الغوطة الغربية، لقصد إقامة مستوطنات للقادمين الجدد من الساحل السوري.
الشعب السوري يعيش مسألة ترحيل من أرضه منذ أربعين عاما، وهي تماما المعادلة التي بدأ إكمال فصولها في موجة الترحيل الأخيرة صوب أوربا. ولهذا لا تريد أمريكا إقامة أي منطقة آمنة لحماية السوريين، في الشمال، وأما الخطة الحقيقية فهي فرض منطقة أمنة في الجولان، وهذه المنطقة تريدها إسرائيل، التي تريد ترحيل الدروز من السويداء على القاعدة ذاتها، التي تريد تحريك الطوائف، وهدف إسرائيل القادم هو فرض منطقة على شاكلة جنوب لبنان في أيام سعد حداد وانطوان لحد، لذلك بدأت في السويداء خطوة التخلص من القادة الذين يريدون بقاء المدينة بعيدة عن الصراعات، ولهذا تمت تصفية المناضلين من أمثال الشيخ البلعوس.
في هذه المعادلة أيضا هناك الشعب الفلسطيني الذي غادر مخيمات عديدة في سوريا، ولن يسمح النظام بعودته إليها، فخيارات الفلسطينيين هي بالرحيل عن سوريا، أو تصفيتهم، وبما أن الخطة التصفوية لم تصبح علنا بعد على طريقة البوسنة والهرسك، فالنظام معني ببقاء رموز ومكاتب فلسطينية في دمشق، لكن هذا الوجود مؤقت، وعندما يأتي الفصل الأخير من المشهد السوري، سيكون الوجود الفلسطيني في دمشق، شبيه بظروف البوسنة لحظة بدء المجازر، أي تحت النار المباشر.
وأما في عموم مدن الشمال، فكثيرون لا يعلمون طبيعة الإصرار على تدميرها، وبالذات مدينة حلب، فهذه المدينة الرائعة وقفت مطلع الثمانينيات لكي تفك الحصار الاقتصادي عن سوريا، وكان يومها حافظ الأسد لا يجرؤ على المساس بحلب، فقامت هذه المدينة بصناعة كل ما يلزم للسوريين، بما فيها أغلب قطع السيارات الحديثة، ولأن الأسد الأب كان يعيش آخر أيام حماة، لذلك سكت عليهم، ثم أطلق عليهم برامجه المعاكسة، وفرض جيشا من ضباط المخابرات ليكونوا شركاء رأس المال في حلب، وتم ضرب القطاع الاقتصادي هناك من خلال تخريب الجودة، وانهى الأسد هذه الظاهرة بإغراق حلب في صناعات ثانوية لا قيمة اقتصادية لها، وهكذا انتهت حلب، من مدينة تنافس فرنسا وإنجلترا في الصناعات النسيجية، إلى مدينة تبحث عن مشترين لبضاعتها على الأرصفة.
الطريقة الإسرائيلية للحل هي تدمير سوريا وتشتيت شعبها، وإنهاء الشتات الفلسطيني في سوريا ولبنان، لذلك علينا أن ندرك من الآن، ماذا يريدون صباح اليوم التالي.
تفشل روسيا بعد تخليها عن النظام السوفييتي في تشكيل دولة معاصرة، تتبنى نمطاً اقتصادياً وسياسياً وأخلاقياً متحضراً. وعلى الرغم من الرتوش الديمقراطية، والشكل الخارجي الذي يعتمد على الشعارات الغربية نفسها، فإن السياسة الروسية ما تزال ذات أسلوب "باطني"، على نمط المذاهب التي تنشأ على تخوم الديانات الكبرى، فتتمسح بشعاراتها وسلوكياتها وعقائدها، وتمارس طقساً سرياً خاصاً بأهدافٍ ومرامٍ مغايرة، وقد تكون مناقضة. المظهر الأول والأساسي لدجل السياسة الروسية هو فشل نظامها، على مدى خمسة عشر عاماً من محاولات تركيز معظم السلطات بيد فلاديمير بوتين، في إنتاج رئيس جديد للبلاد. فباستثناء ستالين وبريجينيف من بين رؤساء الاتحاد السوفييتي؛ لم نجد رئيساً روسياً تفوق على بوتين، من حيث عدد السنين التي أمضاها في السلطة. والمظهر الآخر حالة النوستالجيا العميقة لكل ما كان يمت للاتحاد السوفييتي السابق بصلة، مثل علاقات روسيا بالشرق الأوسط التي تحولت إلى نوع من الكآبة المفرطة، خصوصاً عند مراقبة موقع سورية الجغرافي الذي يكاد ينزلق، بالقدم الروسية، إلى مهاوٍ خطيرة.
تشمِّر روسيا عن ساعديها وساقيها بطريقة تُظهر على الجسد الروسي الملامح السوفييتية الواضحة، والهدف اليوم مساعدة النظام في "مواجهة الإرهاب". يقصد الروس بالإرهاب تنظيم الدولة والنصرة والفصائل المتشددة التي أثخنت كبد النظام، واستنزفته أو كادت؛ وروسيا الآن تنقل عتاداً ثقيلاً وخفيفاً، ومن أوزان متعددة، إلى السواحل السورية، ولا تخفي أنها بدأت نقل قوات برية، قوامها جنود وضباط وخبراء، تحت شعار مكافحة الإرهاب نفسه الذي يُثمل رؤوس الدول الغربية، وفي مقدمتها أميركا، فمحتواه السيميولوجي متعدد، ويمكن أن يتم تأويله على مذهب فقهاء "ردي ميد" بطريقة مريحة، إذ يكتفي مَنْ لا يريد أن يوافق علناً بالقلق بشكل بونكيموني، فيؤدي واجبه الدبلوماسي والإعلامي، ولا يعترض على الطريقة الروسية ذات الجوهر السوفييتي، لأن الوضع لا يعنيه، ولا يرى من مأساة اللاجئين غير "الزق" الذي وضعته المصورة المجرية لأحدهم في أثناء هربه من شرطة بلادها.
سورية التي تتعامل معها روسيا الآن، وتعتمدها جغرافياً بوصفها كياناً راهناً ومفيداً، هي الشريط الساحلي ودمشق، أو ما تبقى منها، مع رابط أسفلتي باتجاهين يربط هذه الجغرافيا. في هذه البقعة، يتم إنزال المعدات العسكرية و"الإنسانية" الروسية. وعلى هذه البقعة، سيتم بناء استراتيجية مكافحة الإرهاب، بإنشاء خطوط دفاعية متعددة، وقوية صعبة الاختراق، وستكون الاستماتة في الدفاع عنها بإبقاء ما هو خارجها خارجاً، والاعتماد بشكل كبير على الممر المائي للبحر المتوسط، لتلقي الدعم بكل أنواعه وامتلاك الأجواء بشكل مطلق، حتى مسافات كافية تغطي احتياجات سورية "الجديدة" دفاعياً، مع حرمان الطرف المقابل من أي ميزة جوية، دفاعية كانت أو هجومية. جوهر هذا التحرك هو الحفاظ على الأسد، بموروثه وثقافته المنسوجة على قياس الروس، من دون نسيان إيران "الجديدة"، المتحررة من قيود النووي، والموسومة ببراءة ذمة، حصلت عليها من أميركا، تخولها لعب دور مساعد ومساند لما تقوم به روسيا؛ وبالنغمة السوفييتية القديمة نفسها.
سورية "المجدية" هي الجغرافيا التي تقع تحت يد النظام حالياً، وهي ما تريد روسيا الحفاظ عليه، بقيادة أسدية تقليدية، تحت شعار مكافحة الإرهاب، الملاذ الدافئ للسياسة الروسية الذي اعتمدته منذ بداية الثورة السورية لسهولة تسويقه عبر مندوب علاقات خارجية بليد، كوزير الخارجية الروسي الذي لم يجد غضاضة في استخدام الفيتو مرتين، قبل أن يوجد على أرض سورية "الطبيعية" إرهابي واحد.
تعترف روسيا بالتدخل الصريح، ولا تستبعد تدخلاً أوسع، ولا علاقة لحجمه بعمق الشريط الذي تجاهد للحفاظ عليه، فهي تريده بما يكفي لمنع الداخل السوري من الشواطئ، وتعتقد وتسوق وتعمل على إقامة شاطئ وعاصمة خاليين من تنظيمات إرهابية بالمقياس الغربي، والحفاظ على الإرهاب المتمثل بالقيادة الحالية، لأن هذا الجزء هو سورية المجدية بالنسبة لروسيا، أما ما بقي منها، فلتحرقه طائرات التحالف