مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٧ سبتمبر ٢٠١٥
جرعة وهم

في الانطباع الأول الذي أحدثه دخول روسيا العسكري إلى سورية، تبدو الأمور وكأن هزيمةً ساحقة نزلت بثورتها، بمجرد أن وطأ أول جندي روسي ترابها. هذا الانطباع عزّزه النظام عبر تصريحات مسؤوليه، وخصوصا المشهورين منهم بالتشبيح الكلامي، مثل وليد المعلم الذي اعترف بعكس ما قاله دوماً سيده بشار الأسد، وهو أن النظام سيقلب توازنات القوى لصالحه بفضل التدخل الروسي، بينما كان فشار يؤكد أن النصر لم يعد غير مسألة أيام أو أسابيع، وربما ساعات.
ليس دخول الروس إلى بلادنا أمراً قليل الأهمية والخطورة، لكنه ليس في المقابل حكم إعدام على ثورة شعبنا التي ليست فعلاً عابراً، يمنحه مواطنونا تأييداً محدوداً. وليست "هوجة"، قام بها عصاة خارجون على القانون، أو إرهابيون يناهضون الإنسان وقيمه التي تضفي السمو والنبل على حياته، بل هي انقلاب تاريخي، عميق الجذور إنسانياً وسياسياً، تؤكد مجرياته أنه من أعظم الثورات التاريخية، سواء من حيث اتساعه ومطالبه وصموده، والانتصار الذي ينتظره. ومن يتابع مساره، وما أحاط بها من تحديات ومصاعب، سيدهشه نجاحه في تخطيها جميعها، وسيعجب من صموده في وجه آلة قتل منظمة، تضم مليون مسلح، ينضوون في جيش النظام وأجهزة قمعه، تمسك بهم يد من حديد تمقت شعب سورية، وتديرهم بطرقٍ لا تسمح لأحد منهم بالإفلات مما يرسمه له "قادة" تخلو قلوبهم من الرحمة والتعاطف الإنساني، ينفذ "عبيدهم" في الجيش والأمن أوامرهم، بما في ذلك هدم بيوتهم على رؤوس أطفالهم وذويهم. من المعلوم أن الثورة بدأت في ظل تفوق عنفي ساحق لآلة القمع والقتل التي يسمونها النظام السوري، وها هو كيس الكذب الذي يلقبونه "المعلك" في سورية يعلن سعادته، لأن ميزان القوى سينقلب لصالح نظامه بعد التدخل الروسي، متناسياً أنه يقر اليوم بما سبق له أن أنكره دوماً، وهو أن ميزان القوى كان لصالح الثورة ، وأن الشعب السوري حقق، بمقاومته، انقلاباً استراتيجياً طاول علاقات القوة بينه وبين سلطةٍ، تعتبر نفسها استعماراً داخلياً، تقتصر روابطها مع "شعبها" على إبقائه خاضعاً ومستسلماً، من خلال اضطهاده وقتله، لأنها ترى فيه عدواً لا ينفع معه لين، ولا يجوز أن تكون في قاموس إذلاله كلمة واحدة عن الحرية.
هذا الانقلاب هو اليوم أيضا سمة الوضع السوري الذي أنتجته مقاومة وطنية/ مجتمعية واسعة جداً، ولن يلغيه مئات أو آلاف الجنود الروس الذين سيرتطمون بسلاحٍ، يدفع أغلبية السوريين إلى معركة المصير الوطني، هو روحهم الثورية المجبولة بالحرية التي مكّنتهم من كسر شوكة مئات آلاف القتلة والمرتزقة المحليين والمستجلبين، المزودين بأفتك أنواع السلاح الروسي، وتحقيق انتصاراتٍ أدهشت العالم أربعة أعوام ونصف العام، على الرغم مما كابدوه من آلام، وتعرّضوا له من خسائر، وعانوه من تجاهل دول كبيرة ومؤثرة لهم، ومن تواطئها ضدهم، مع النظام وشركائه الإرهابيين.
أكرر: ليس دخول الروس العسكري إلى بلادنا حدثاً عابراً أو قليل المخاطر. لكنه ليس أيضاً حكماً قطعياً بالفشل، أو بالإعدام على ثورتنا وحريتنا. إنه تحد آخر يُضاف إلى تحدياتٍ من كل صنف ولون، تخطاها شعبنا. ولن يمر وقت طويل، قبل أن تتكيف الثورة مع التحدّي الروسي وتتخطاه.
استهلك النظام كل ما قدم له من جرعات وهم، بدأت إيرانية وتصير اليوم روسية. وفي الحروب والثورات، لا يقترب من يتجرّع الأوهام من النصر، بل يكون مصيره الهزيمة.

اقرأ المزيد
٢٧ سبتمبر ٢٠١٥
هل "هدنة" الفوعة.. أقرب إلى الـ "فتنة" من حل "جزئي"

أحدثت التسريبات التي خرجت حول الإتفاق الذي توصل إليه جيش الفتح و المفاوض الإيراني ، حول قريتي الفوعة و كفريا وما يقابلها في الزبداني ، حالة من عدم التوازن و الاختلاف بالتعاطي مع نتائجها ، فالبعض رحب و ووجد بوادر "إنتصار" ، والبعض الآخر هاجم واعتبر أنها عبارة عن لعبة او مؤامرة ، فتحولت الهدنة المرتقبة لما يشبه الفتنة في إدلب .

المؤيدون و المهللون للهدنة التي ستكون لستة اشهر مبدئية ، يجدون فيها انتصاراً للثوار ، وتثبت قدرتهم على ارغام ايران الجلوس على طاولة المفاوضات لعدة مرات ، و اخذ تنازلات كالمعتقلين ، و اخراج المصابين ، و زرع الهدوء في منطقة كانت آيلة للسقوط .

في حين يجد المعارضين لها انها تعتبر بداية غير مبشرة كخطوة سياسية لجيش الفتح ، الذي دخل في تفاوض مع ايران التي يعتبرونها العدو الاول و الاساسي للسوريين ، سبب مركزي في مأسآتهم ، و يمضي المنتقدين لبنود الإتفاق ، للحديث و بصوت أعلى و لهجة أشد ، حول المناطق التي اتفق عليها لتكون خارج مهام طيران الأسد ، وإبقاء مناطق أخرى تحت رحمة القصف و الموت اليومي .

خرق الهدنة بالأمس هلل له الكثر و اعتبروه مشيئة إلهية لإنهاء اتفاق يذكر بمشهد "ثوار حمص" قبل عامين ، في حين يمكن تحليله بأنه رفض من النظام لما تم الإتفاق عليه من قبل المفاوض الإيراني ، الذي رد عليه طيران الأسد بقرار من قيادات داخل النظام لها مشكلات مع التحكم الإيراني المطلق بالقرار في كافة مفاصل الحكم في سوريا الأسد .

وفي كل الحالات ، الوصول إلى اتفاق يرضي الجميع هو شيء ضرب الخيال ، و مستحيل الحدوث في الحالة السورية ، لكن مشكلة عدم القبول تكون أشد وطئة و صعوبة ، عندما تواجه رفضاً شعبياً على الأرض ، وماحدث بالأمس من قطع الاستراد في ادلب و مظاهرات في كفرنبل ، وتبادل الإتهامات بين المناطق المشمولة بالحماية ، و المناطق التي بقيت خارجة عن الحماية ، تنبئ بأن تطبيق الهدنة على الأرض قريب من الفتنة أكثر من الحل ولو كان جزئي أو وقتي .

 

اقرأ المزيد
٢٦ سبتمبر ٢٠١٥
المساعدات الإنسانية تباع في ريف إدلب وبأسعار منخفضة بدلا من أن توزع على المتضررين

تحولت المساعدات الإنسانية، التي من المفترض أن تصل للمتضررين، إلى سلع تباع في ريف إدلب و بأسعار منخفضة، لتغدو فيما بعد الهدف الأول لكل من يقصد أسواق المواد الغذائية، وتتربع في صدارة قائمة المشتريات.

ليست للبيع

يتوجه النازحون إلى تجار معروفين لبيع مواد الإغاثة التي تصلهم، وغالبا ما تُباع بأسعار زهيدة، تبلغ 30 في المائة فقط من قيمتها الفعلية، وتعمل بعض مجالس القرى على بيع هذه المواد.

ويهاجم الناشط السياسي «مصطفى العريان» من مدينة سلقين شمال إدلب التجار الذين يبيعون المعونات التي تأتي لمساعدة الشعب السوري معبرا عن سخطه من هذا «الفعل الشنيع»، على حد وصفه .

ويضيف «العريان»: لا يمكننا أن نلوم التجار فقط، بل يقع اللوم أيضا على بعض المجالس المحلية التي تقوم ببيع المعونات القادمة للشعب المتضرر، وأن نوجه عتبنا لبعض النازحين والفقراء على بيعهم لمعوناتهم التي حصلوا عليها.

أطراف من المعارضة والنظام يتاجرون بها

تقول «أم فارس» وهي ربة منزل من ريف إدلب المقيمة في تركيا: «في الماضي، كنا نشتري من المؤسسة العسكرية مواد غذائية كان يفترض توزيعها مجانا، رغم ذلك، لم يكن هناك من يموت جوعا على الأقل، أما اليوم فالناس تكاد تموت فيما تُباع مواد إغاثتهم في الأسواق التركية والسورية».

وتابعت «توجهت إلى محل لبيع المواد الغذائية في مدينة أنطاكيا التركية، أمسكت علبة فول وقد كتب عليها (غير مخصصة للبيع – المفوضية العليا للاجئين)، ولدى مواجهة البائع، أنكر معرفته بالأمر، إلا أنني لم أعد أرى مثلها على رفوف محله»، وأضافت: «المعارضة والنظام يبيعان مواد الإغاثة التي يفترض أن تذهب إلى الناس».

العاملون جزء من المشكلة

بشكل غير بعيد عن الانتهاكات التي يرتكبها تجار الأزمة، تحول معظم العاملون من المجال الإغاثي إلى تجارة السلل الغذائية، وقال عامل في مجال الإغاثة في منطقة حارم شمال إدلب «م ع»: «إن معظم الناشطين تحولوا إلى تجار سلل غذائية، من خلال استغلالهم لعدم قدرة المنظمات الإنسانية التي تتعامل معهم عن التقصي عن نزاهتهم في ظل الأوضاع».

ويتابع: إن كثير من العاملين يقومون بتقديم لوائح وبيانات بأسماء وهمية لعائلات محتاجة، ليتاجروا بحصة هذه العائلات المحتاجة، -غير الموجودة أساسا- وبلأخص المجالس المحلية والعاملين بها.

أسعار مخفضة

من جهة أخرى، يلجأ المستفيدون من السلال الغذائية إلى بيع محتوياتها بمفردهم على الأرصفة والبسطات، ليتمكنوا من جني أرباح أكبر بعيدا عن التعامل مع التجار.

وقال ناشط في مجال توزيع المعونات الإنسانية، في ريف إدلب، أبو محمد: «إن معظم الذين يحصلون على المساعدات يعمدون لبيع محتوياتها كل منها على حدة، حيث يبيعون كيلو الرز الطويل بـ40 ليرة، بينما يبلغ سعره الحقيقي 100 ليرة، والقصير بـ80 وسعره 140 ليرة، أما ليتر الزيت النباتي فيباع بـ140 في حين يصل سعره في الأسواق إلى 250 ليرة، وتباع علبة الفول المدمس بـ45 بينما يتجاوز سعرها 80 ليرة».

وأردف أبومحمد: «فتحت هذه الإجراءات، الباب أمام سوق مشترك للمعونات، تتوحد فيه أسعار السلع، شأنه شأن الأسواق العادية».

انتشرت في الأسواق مؤخرا، شبكات ضخمة من التجار تقوم بشطب كلمات «الأونروا، توزع مجانا، غير مخصص للبيع»، من السلع بعد جمعها ممن يرغبون ببيعها، ليتم طرحها في الأسواق بوقت لاحق وأن هذه الإجراءات امتدت لمعظم المحافظات السورية، وحتى في المناطق الساخنة التي تشهد جنونا في أسعار المواد الغذائية.

التاجر لا يرفض

كعاداتهم، يعرف العديد من التجار الاستفادة من الحروب لجمع المال. لا يكترثون للناس الذين قد يموتون جوعا في سورية، يحدث الأمر فعلا وليس مستغربا أن يباع بعض المواد الغذائية المخصصة لمساعدة السوريين في الداخل إلى دول الجوار، أو ترى عِبارات على بعض السلع من قبيل:»غير مخصصة للبيع»، أو «مساعدات لإغاثة الشعب السوري».

وشن «علي السيد» أحد التجار في ريف إدلب، هجوما على أصحاب السلال، حيث قال: «تتوافد إلى دكاني يوميا عشرات العائلات التي حصلت على سلال غذائية لبيعها، وأنا أشتريها لأنهم بكل الأحوال سوف يبيعونها».

ويضيف: «إن النازحين يضطرون لبيع حصصهم من أجل شراء السكر والأدوية، والماء، ووقود التدفئة في الشتاء، لافتا إلى أن المواد الإغاثية التي نشتريها منهم تصل في النهاية للمنظمات التي تعبئها وتوزعها مجددا على النازحين وأن بعض الأهالي الذين لا يستفيدون من الحصص الإغاثية يفضلون شراء تلك المواد بسبب انخفاض ثمنها مقارنة مع أسعار المحلات التجارية».

احتيال

أما «طاهر» الذي يعمل مع «الجمعيات الإغاثية»، فلفت إلى أن «تجار الحروب والأزمات يستثمرون في المواد الإغاثية»، وقال: «كنت في سورية مؤخرا بهدف توزيع بعض المواد الغذائية، ولدى تفريغ الحاوية عُرض علي مبلغ 11 ألف دولار في مقابل ترك الحمولة في مكانها».

وأوضح أن «الجهـات المسؤولة عن مخالفات مماثلة متنوعة، قد تكون تجارا أو منظـمات، تعـمل بالتنسـيق مع رجال أعمال أتراك، وبالطبع، فإن وجود سوريين أمر مهم جـدا لأنه لا يمكن تفريغ الحمولة في الأراضي التركية بأي حال من الأحوال».

وعن سبب رواج تجارة المواد الغذائية بصورة خاصة، لفت «طاهر» إلى أن «الأمر أكثر سهولة، على سبيل المثال، فالأرباح التي تدرها تجارة المواد الطبية تفوق الغذائية بأشواط، لكن يمنع تداول الأدوية السورية في تركيا خارج نطاق المؤسسات الطبية المرخصة للمعارضة». 

اقرأ المزيد
٢٥ سبتمبر ٢٠١٥
العالم يحكم الطوق على سوريا .. العجز يستفحل في المعارضة السياسية

ساعات و تنطلق إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العادية التي تحمل الرقم 70 ، وتكاد سوريا هي الملف الأكثر تصريحاً حوله ، والأهم في المداولات العلنية قبيل الإنطلاق ، و سيكون المركزي في أروقتها السرية ، و اللقاءات المعقودة خلف الأبواب الموصدة.

التصريحات و الأحاديث التي تنطلق عن الأطراف الغائرة في الملف و المتحكمة به ، تشي إلى وجود إتفاق شبه نهائي ، حول إنهاء الصراعات العبثية ، بدأ مرحلة الحسم و اقتسام الكعكة ، بين المتخاصمين على سوريا جغرافياً و مصالحياً ، و ليس بشرياً أو إنسانياً حتماً .

و المتنقل بين الوكالات و المتابع لما ينطق به معظم الحاضرين ، والذين سيجتمعون لاحقاً ثنائاً أو جماعياً ، يتأكد من أن الخلاف الحالي هو كيفية التنسيق فيما بين القوى التي حظيت بنصيبها من الكعكة السورية ، أن الخلافات عبارة أمور لوجستية أو تكتيكية بحته ، يصلحها الفنيون ، وليس لاعبي السياسية أو راسمي الخطط ، و الذين (أي الأخيرين) قد دخلوا في مرحلة الإستراحة بعد إنهاء المهمة .

واللقاء الأبرز ،والذي سيكون بيانه وفق المراقيبن هو النهائي بشأن سوريا ، سيجمع الرئيسين الروسي و الأمريكي ، و من المنتظر أن يكون حتى الفنيون قد أنهوا الترتيبات ليكون التوقيع على التنفيذ قد دخل مرحلة الجد الفعلية ، و يقضي الإتفاق أن تتكفل روسيا بحماية ما تبقى من سوريا بيد الأسد بكل قوتها من الثوار ، فيما ستتابع أمريكا حربها على "داعش" بروية و هدوء ، و يستمر الوضع على ماهو عليه حتى وقت غير محدد ، لتكون سوريا هي نموذج جديد و محدث بشكل أسوء من أي شبيه على مراحل التاريخ ، سواء أفغانستان أم الصومال أو ... .

السيناريو المطروح و الذي يسير في مراحل التنفيذ دفع حتى بالمعارضين للحيرة و الدخول في صمت سياسي ، أو الكلام بحديث سياسي عبثي تارةً ، أو التضرع لله و التواكل عليه تارةً أخرى ، و ماغرد به رئيس الائتلاف السوري خالد خوجة اليوم على صفحة على مواقع التواصل الإجتماعي "توتير" يدل على أن الأمور القادمة غير مبشرة ، وأن العجز قد استفحل ، حيث قال ( بحرفية النص ) :" من عوامل تأخر النصر:الإقرار بأن "لا غير لنا إلا الله" دون الاعتصام بحبله ثم الاعتماد على قدرة الأغيار بشروطها "قل هو من عند أنفسكم" #سوريا".

اقرأ المزيد
٢٤ سبتمبر ٢٠١٥
في سوريا لا عيد فـ "الحج" فيها يومي

تنطلق الحناجر في شتى أصقاع الأرض صارخة بتلبية الله ، وتتوجه الأنظار إلى الكعبة الشريفة ، في موسم الحج ، الباحثون عن النقاء "الشعائري" كثر ، لكن في سوريا الباحثين عن هذا الأمر اكثر جدية و إصرار ، و بطريقة فعلية.

في عيد الأضحى او موسم الحج ، يحج المسلمون بمختلف طوائفهم و مذاهبهم طمعاً بالعودة كما "ولدته أمه" ، بلا ذنب أو دنس ، ليعود يتابع حياته الدنيوية من جديد ، و لكن في سوريا الناس يتابعون حياتهم بخليط بين دنيا و آخرة تتلاصقان في ذات المكان و الزمان و الإنسان .

السوريون في كل يوم يحجون إلى الله ، أفواجاً ، وفرادا ، عائلات ، ، يلجون السماء برتبة "الشهداء" ، تاركين المظاهر و التظاهر بالإسلام بعيداً ، ممارسين الدين بشكلٍ فعلي و حقيقي ، لا مُرائة فيها و لا تصنع .

نقلب الصور في صباح هذا اليوم ، نجوب معها في مقابر الشهداء لنسمع همهمات الأمهات و شكوى اليتامى ، ألم الأرامل ، لننتقل إلى زيارة بقايا البيوت و الأحياء ، لنرى من يبحث عن بقايا ذكريات هنا و هناك ، يبحث عن شيء يمكن أن يساعده على استعادة مافقده ، فيما نتجول في المخيمات لنرى البؤس و الحزن ، الضحكة المدموعة ، من التشرد و الحرمان ، الحنين.

في هذا العيد و مثلياته العشر الماضية ، لم يكن عيد كان مجرد عادة ، تأتي في ذات التوقيت ، لكن لا أثر لها على تخفيف وجع ..... .

اقرأ المزيد
٢٢ سبتمبر ٢٠١٥
روسيا والتحالف الكوني ضد الدولة الإسلامية

لم يعد أحد في العالم يرغب بإسقاط الأسد، كما أن المسألة السورية باتت ثانوية، فتنظيم الدولة الإسلامية هو السؤال والمسألة، وإذا كان العالم قد احتفظ حتى وقت قريب ببعض الخلافات والاجتهادات في تدبير شؤون العالم العربي عقب ربيع ثوري قصير أجهض عبر المحطة السورية، فقد أصبح موحدا ضد الدولة الإسلامية التي تبسط سيطرتها على مساحات واسعة في العراق وسوريا بعد أن تمكنت من خلق فضاء جيوسياسي جديد على مخلفات الدولة المابعد كولينيالية مع اقتراب تداعي منظومة الدولة الوطنية في المنطقة التي لم تعد قادرة على الصمود بسبب مشاكلها البنيوية العميقة في عصر العولمة.

بخصوص العالم العربي المرتعب من تمدد تنظيم الدولة الإسلامية، أصبحت الثورة السورية كارثة محققة تتطلب التخلي عن كافة المطالب العادلة للثورات العربية عموما والثورة السورية خصوصا، وأصبحت برانويا الدولة الإسلامية متلازمة تتطلب البحث عن علاجات غير تقليدية، الأمر الذي ينطبق على كافة أطراف الكون المرعوب، فعلى صعيد الإقليم عانقت إيران الشيطان الأكبر، وتخلت تركيا عن يوتوبيا العدالة والحرية، أما اليابان فقد عدّلت دستورها ليسمح بمشاركة قواتها خارجيا، ونسقت إسرائيل مع كافة الفرقاء لاستثمار خبراتها، وأخبرا دخلت روسيا على خط حرب الدولة الإسلامية، والجميع يعمل على الحفاظ على نظام الأسد باعتباره مدخلا سياسيا وقانونيا لا غنى عنه للتدخل.

لا جدال بأن الحرب التي تقودها الولايات المتحدة وحلفائها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا متعثرة وخائبة، الأمر الذي دفع واشنطن إلى إبداء استعدادها للتعاون مع روسيا في سوريا ضد الدولة الإسلامية، وفي هذا السياق، أعلن البيت الأبيض أن واشنطن ستسعى في مباحثات مرتقبة إلى أن تطلب من روسيا تركيز جهودها على مواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية"، لافتا إلى أن "الإجراءات العسكرية الروسية داخل سوريا، اذا ما استخدمت لدعم نظام الأسد، من شأنها أن تزعزع الاستقرار وتأتي بنتائج عكسية"، إلا أن الولايات المتحدة تدرك تماما فشل حملتها مع حلفائها ضد الدولة الإسلامية، فهي على الرغم من بدء ضرباتها في سوريا  في 19 أيلول/ سبتمبر  2014، لم تتمكن من وقف تمدد التنظيم، الأمر الذي يتكرر في العراق منذ تنفيذ الضربات في 8 آب/ أغسطس 2014.

لقد حسمت كافة الأطراف موقفها بالوقوف إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد الدولة الإسلامية، حيث توالت البيعات للبيت الأبيض وفق إدراك مختلف الأطراف لطبيعة خطر الدولة الإسلامية، تأخر بعضها وسارع بعضها الآخر، ولا تختلف روسيا عن غيرها في هذا السياق، فالتدخل الروسي لا يأتي حرصا على نظام الأسد ولا خوفا على مصالحه في سوريا بصورة أساسية، ولكنه نابع من مخاوف الروس من صعود الدولة الإسلامية أساسا، فقد تمكن تنظيم الدولة الإسلامية من الحصول على بيعات في منطقة القوقاز، حيث تم تأسيس ولايات القوقاز والتي تضم كل من: داغستان والشيشان وأنغوشيا وكابيكا، وجاء في شريط صوتي في 21 حزيران/ يونيو 2015، باللغتين العربية والروسية بعنوان "بيان من مجاهدي ولاية القوقاز ببيعة خليفة المسلمين أبي بكر البغدادي وانضمامهم إلى الدولة الإسلامية"، أنه "طاعة لأمر الله .. نعلن مبايعة الخليفة إبراهيم بن عواد بن إبراهيم القريشي الحسيني على السمع والطاعة"، وتابع البيان "نحن مجاهدو القوقاز في ولايات الشيشان وداغستان وإنغوشيا وكابيكا، نشهد بأننا كلنا متفقون على هذا الرأي، ولا يوجد أي اختلاف بيننا في هذا الموضوع".

وقد أعلن أبو محمد العدناني الناطق باسم تنظيم الدولة الإسلامية عن قبول البغدادي للبيعة وتأسيس ولاية القوقاز وتعيين أبو محمد القدري واليا، في كلمة صوتية بعنوان "يا قومنا أجيبوا داعي الله" في  23 حزيران/ يونيو 2015، جاء فيها  أن "الخليفة قبل بيعة أسود الدولة في القوقاز"، وعيّن "الشيخ الفاضل أبا محمد القَدَري والياً" هناك.

 لقد بدأت روسيا تتعامل مع خطر تنامي نفوذ الدولة الإسلامية على محمل الجد، بعد أن كانت تنظر إليه كتهديد محدود يمكن السيطرة عليه تستثمره الولايات المتحدة في فرض هيمنها وسيطرتها، فقد تبدلت الرؤية الروسية، فهيئة الأمن الروسية أعلنت أن نحو 2400 من مواطني روسيا يحاربون في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما أكده الجنرال سيرغي سميرنوف النائب الأول لمدير هيئة الأمن الفيدرالية الروسية عقب اجتماع عقدته الهيئة الإقليمية لمكافحة الإرهاب التابعة لمنظمة شنغهاي للتعاون في طشقند الجمعة 18 أيلول/ سبتمبر، وقد عزز تنظيم الدولة الإسلامية ترويجه الإعلامي في دول الاتحاد السوفيتي سابقًا بإطلاق جناح إعلامي ناطق بالروسية في 18 حزيران/ يونيو 2015،  حيث أسس منصة إعلامية باسم "فرات ميديا"، تشتمل على مجموعة حسابات على مواقع  التواصل الاجتماعي.

في هذا السياق تخلت موسكو عن نظرتها المتعلقة بسوريا، والتي كانت أكدت مرارا رفضها المشاركة في أي جهود خارج القانون الدولي، ومن دون تفويض من مجلس الأمن، وقد وصف وزير خارجيتها سيرغي لافروف في وقت سابق التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة بأنه لم يقم على قواعد سليمة، مشددا على عدم جواز محاربة الشر بأساليب غير شرعية، وعبر انتهاك سيادة بلد مستقل وتجاهل حكومته، لكن روسيا تدرك اليوم أنه لم تعد هناك بلد اسمه سورية فضلا عن جود حكومة، فالمنطقة الجغرافية التي كانت تدعى سورية يسبطر على أكثر من نصفها تنظيم الدولة الإسلامية، ولا يسيطر النظام الإيراني وحلفائه على أكثر من خمس مساحة سورية، ويسيطر على ما تبقى خليط من الجماعات والحركات الوطنية والمعولمة كجبهة النصرة.

التدخل الروسي جاء على وقع برانويا الدولة الإسلامية، التي بدأت تتماهى مع رهاب الولايات المتحدة، التي فشلت في البحث عن معتدلين في إطار "القوة السورية الجديدة"، إذ لم يجدوا على الأرض ممن قاموا بتدريبهم وتسليحهم من المعارضة السورية "المعتدلة" إلا 4 أشخاص، ولذلك اقترح الجنرال ديفيد بترايوس مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق ومهندس استرتيجية مكافحة التمرد  على بلاده ضم مقاتلين من "جبهة النصرة" المرتبطة بتنظيم "القاعدة" إلى التحالف الذي تقوده لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا.

لا يبدو أن روسيا تتوافر على أوهام كبيرة بخصوص تدخلها في سورية، وتدرك تماما أن دعمها لنظام الأسد لن يفضي لتحولات جذرية على أرض الواقع، فسورية التي كانت حليفة لروسيا لم تعد موجودة، وهي تستند إلى استراتيجية صد واحتواء بعد أن فشلت استراتيجية لا تتدخل، لا تلحق أضرار،   فالسؤال الأبرز في روسيا اليوم: هل  بالإمكان منع وصول الدولة الإسلامية إلى دمشق؟، وخصوصا بعد أن شن التنظيم هجوما تكتيكيا اختباريا على العاصمة قبل فترة قريبة، الأمر الذي دفع إلى إجراء اتصالات ديبلوماسية مكثّفة في الصيف الماضي حيث تقاطر إلى موسكو عدد من حكام ومسؤولي المنطقة، وغاية الجميع في إطار التحالف الكوني هو الحفاظ على الوضع الراهن والحيلولة دون حدوث انهيار دراماتيكي لا أكثر ولا أقل، فالدولة الإسلامية باتت حقيقة موضوعية مدركة.

اقرأ المزيد
٢٢ سبتمبر ٢٠١٥
أمريكا وروسيا.. وهم اللعبة الثنائية "النظيفة"

في العادة يتجنّب "بان كي مون" أي قول يمكن أن يُؤخذ على وسطيته، خصوصا بين الدول الكبرى، لكن تعليقه على الشحنات اليومية من السلاح الروسي إلى سوريا كان لافتا، إذ قال إن "هذا يمكن أن يفاقم الوضع.. ولا حلّ عسكريا".

فالأمين العام للأمم المتحدة اعتبر أن المزيد من الأسلحة لمصلحة النظام السوري يعني أن النشاط الروسي موجّه أولا ضد معارضي النظام، وهذا يتناقض مع الوساطة الروسية من أجل "حل سياسي" للصراع، فيما دأب المسؤولون الروس على تأكيد أن وجهتهم الرئيسية هي محاربة تنظيم "داعش"، لكن من خارج "التحالف الدولي" الذي كان استبعدهم أساسا لسببين:

أولا: وقوفهم إلى جانب النظام المتهم باجتذاب "داعش". وثانيا: وقوفهم إلى جانب المتمرّدين في شرق أوكرانيا وإدارتهم حربا أهلية هدفها تقسيم هذا البلد.

الولايات المتحدة أُربكت بالتحرك الروسي، وإذا كانت فوجئت به فعلا فهذا يقترح أن ثمة تقصيرا استخباريا لديها، وإذا كانت علمت به ولم تثره فهي قد تأخرت الآن.

المفارقة أن الدور الروسي الجديد لم يبدأ الأسبوع الماضي، مع ذيوع الأنباء الأولى عنه، بل إنه بلغ مرحلة متقدمة جدا. ما يعني أنه عندما اجتمع وزيرا الخارجية مرارا في الفترة الأخيرة للتفاهم مجددا على إطار لـ"الحل السياسي"، كان الروس ينجزون نقلتهم المريبة على شطرنج الأزمة السورية في غفلة من الأمريكيين.

والواقع أن المراقبين مضطرون للأخذ بفرضية "المباغتة" التي أوحت بها واشنطن، وذلك لسببين على الأقل:

أولا: بدء تسريب المعلومات عن النشاط الروسي مع الإعلان عن اتصال جون كيري بنظيره سيرجي لافروف للاستفهام عما يجري وعن الأهداف.

وثانيا: أن العناصر الأولية التي نقلها الجانب الأمريكي عن الروسي كانت بدائية ومضللة من قبيل أن الأمر يتعلق فقط بشحنات عسكرية اعتادت موسكو تقديمها لنظام دمشق بناء على اتفاقات "بين الحكومتين".

لكن سيل التسريبات لم يتوقف، وإذا به خلال أيام يرسم صورة مناقضة تماما للإيحاءات الأولى، وأصبح العالم يعرف أن روسيا طوّرت "قاعدة جوية" في اللاذقية، وتعمل على تطوير قاعدتها البحرية في طرطوس، وتبني مواطئ قدم في أكثر من منطقة، وتنقل طائرات ومروحيات وأسلحة نوعية، وقدّمت مئات الطلبات للتحليق في الدول الواقعة على خط طائراتها نحو سوريا، قبل أن تكتفي باستخدام أجواء إيران والعراق..

أي أن المعادلة على الأرض تغيّرت كليا، والأرجح أنها ستقود إلى تغييرات في المعادلات الخارجية، مع تموضع روسي مفتوح على الهدفين معا: ضرب المعارضة لتحصين النظام، وضرب "داعش" لإعادة تأهيل النظام.

هذا يؤثر استطرادا في "الحل السياسي"، إذا كان لا يزال مزمعا حقا. وفي نهاية المطاف، هذا يغيّر قواعد اللعبة كما أدارتها الولايات المتحدة طوال الأعوام الخمسة الماضية.

كررت واشنطن أن التحرك الروسي قد يؤدي إلى تصعيد النزاع، وترجمة ذلك عادة أنها ستضطر بدورها إلى تغيير سياستها. فالوضع هنا يشبه إلى حد كبير معظم المواجهات التي حصلت خلال الحرب الباردة، وهذه ليست المرّة الأولى التي يحرجها فيها فلاديمير بوتين بنهجه المستوحى من تلك الحقبة، لكن المستفيد جدا من تردد الإدارة الأمريكية ومن الثغرات والغوامض الكثيرة في سياستها، مكررا ما فعله في أوكرانيا مع فارق أن الصراع السوري يبدو مريحا أكثر لروسيا، كونها تعمل بطلب من "حكومة شرعية" لمساعدتها على التصدّي للإرهاب الذي تشكّل "تحالف دولي" بقيادة أمريكا لمحاربته مع استبعاد روسيا ونظام دمشق وإيران.

هناك تحليلات كثيرة لا يصدّق أصحابها، أن باراك أوباما يمكن أن يذهب إلى مواجهة مع روسيا خلال سنته الأخيرة في البيت الأبيض. لا شك أنه في صدد الرضوخ للأمر الواقع الروسي في سوريا، ما سيعرّضه لانتقادات قاسية داخل أمريكا، وسينعكس سلبا على مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسيات المقبلة.

والأهم أن مجمل التصوّر الاستراتيجي لأوباما يبدو معطوبا حاليا، لأن الدور الروسي في سوريا لا يطرح تحديا لأمريكا في الحرب على الإرهاب، بل يدعوها إلى التنسيق العسكري، وإلا فإنه مقبل على تغيير مسار هذه الحرب بتشكيل تحالف آخر (روسيا وإيران وسوريا النظام).

كانت إدارة أوباما فرضت قيودا على خيارات مجموعة "أصدقاء سوريا" يوم لم يكن هناك تدخل روسي مباشر، وأملت في لعبة ثنائية "نظيفة" مع روسيا، لكن هذه الأخيرة خذلتها المرّة تلو الأخرى.

اقرأ المزيد
٢٢ سبتمبر ٢٠١٥
الدكتاتور الضاحك

من معرفتي ببعض الذين يعرفون الدكتاتور بشار الأسد، أستطيع أن أتخيّل ضحكته البلهاء، وهو يرى كلّ "الأطراف" الدولية حائرة بشأنه. ويمكن تخيّله وهو يضحك الضحكة البلهاء نفسها، وهو ينظر إلى جموع الشعب السوري تهبُّ على الغرب بحثاً عن ملجأ آمن. في الحالتين، سيفكر أن العالم أخطأ بحقه، وشرائح كبيرة من الشعب السوري في مقدمة هؤلاء. انظروا، سيقول، ألم يكن أفضل لكم لو صدّقتم، من البداية، أن مصيري من مصير هذه البلاد؟ إنْ بقيتُ تبقى، وإن ذهبتُ تصبح قاعاً صفصفاً. صدق الدكتاتور. هو الوحيد الذي طلع يعرف كل الحكاية، وهو الوحيد الذي لم يقدّم تنازلاً لأحد، منذ شعارات أطفال درعا إلى نزول عسكر القيصر الروسي على شاطئ دويلته الاحتياط.

لم يصدّق الناس أنَّ شعار الشبيحة القائل: الأسد أو نحرق البلد، كان حقيقةً لا مجاز فيها. لم يكن، مثل أقوال "أصدقاء سورية"، كلاماً في كلام. طلعت كل كلمة في هذا الشعار صحيحة. كلّ كلمة فيه أبيدت مقابلها ثلاث محافظات، وشُرِّد مليون، وقتل وجرح واختفى مئات الآلاف. حتى وهو في حضيضه العسكري، عندما كان على وشك الفرار من مخبئه الدمشقي إلى الساحل، لم يقدّم الدكتاتور تنازلاً إلى دُعاة جنيف ورُعاتها. لا جنيف الأولى ولا الثانية، فهو ينتظر جنيف الثالثة أو الرابعة، ليكون على رأس طاولتها غير المستديرة، ويضحك أمام الكاميرات ضحكته منبَتّة الجذور مع شعبه، وآلامه، ويقول أنا السوري المنتخب بشار الأسد، أقصى ما أقدمه لكم (لمعارضيه) أن تعملوا معي. ضمن سقفي وشروطي.

الآن، أكثر من أي وقت مضى، تأكّد للدكتاتور الضاحك ببلاهة أنه رقم صعب في المعادلة الدولية. شيء يذكّرنا بالمرحوم أبو عمار الذي كان دائم الحديث عن الرقم الفلسطيني الصعب الذي حوَّله ورثته إلى أسهل رقم في العالم.

الآن، بعد كل جولات الاسترضاء العربية للقيصر الروسي، ومحاولة سحب البساط، قليلاً، من تحت قدمي بشار الأسد، يؤكد الروس لنا وللعالم أحد أمرين: إما أنهم كانوا يضحكون على زوّارهم العرب، رفيعي المستوى، أو أن هناك، حسب الفيلم الأميركي الشهير، شيئاً ضائعاً في الترجمة. فكيف ننتقل من كلام الزوار العرب، رفيعي المستوى، وكلام قادة "الائتلاف الوطني" الذي يشير إلى عدم تمسّك الروس ببشار الأسد، إلى إنزال قوات ومعدات ثقيلة في معقل الأسد العائلي؟

هذه نقلة لا تعقب فهماً وقناعات كالتي خرج بها زوار موسكو العرب، قبل أقل من شهر. أقصد أن هناك خطأً في الأمر، خطأ في الفهم، خطأ في التقدير؟ لا أدري. وبصرف النظر عن هذا كلّه، نحن اليوم في واقع مختلف تماماً من عمر المأساة السورية.

لا نعرف، نحن الذين نقرأ الصحف ونشاهد التلفزات، ما يجري وراء الأكمة، إن كان هناك شيءٌ وراء الأكمة غير الأكمة نفسها. فثمة من يقول إن ردَّ الفعل الأميركي الضعيف على التورّط الروسي المباشر في سورية ليس بريئاً. لا أقصد متواطئاً مع الروس، ولكنه قد يكون مشجِّعاً، من دون أن يبدو كذلك، على مزيد من تورّطهم. استدراج لوضع يشبه أفغانستان ثانية، تنهي هذا الطور المتنفِّج للقيصرية الروسية الجديدة. هناك من يقول إن الروس رؤوسهم حامية، وسرعان ما يقعون في الفخّ. ولكن، حتى لو صحَّ هذا، فهو خبر سيئ لنا. إنه يعني المزيد من الحرب. المزيد من الدمار. المزيد من التشريد السوري الذي بزَّ أي تشريد بشري معاصر.

أما إن كان الروس أصحى، اليوم، من تكرار ورطة أفغانستان، فليس أقل سوءاً من الأول، لأن على من يريد حلاً سياسياً لسورية أن يجلس مع بشار الأسد، على تلال من الجماجم تسمّى حواراً.

والحال، ماذا سيقول "حلفاء" الشعب السوري وأشقاؤه، الذين دفعوا ثورته إلى السلاح، لمَن ماتوا وهُجِّروا ودُمِّرت بيوتهم؟ من الذي يستطيع أن يقول لهم: عفى الله عمّا مضى؟

اقرأ المزيد
٢٢ سبتمبر ٢٠١٥
عن هجرة العراقيين والسوريين


يتدفق آلاف المهاجرين اللاجئين، من السوريين والعراقيين إلى دول عديدة في أوروبا، طلباً للأمان والسلام، وضمانا مرحليا لحياة كريمة لهم ولأبنائهم، وقد تعاطف العالم، كل العالم، مع موجات البشر المنكوب والمحبط القادمة عبر رحلة معقدة، صعبة، محفوفة بالمخاطر ورائحة الموت، مع الكثير من القهر والإهانة التي مارستها بعض الدول بحقهم، وخصوصاً جمهورية المجر.
كل العالم انشغل بقضية السوريين والعراقيين الراحلين إلى أوروبا لاجئين، متشبثين بفرص جديدة، قد تمنحها لهم هذه القارة، ومراهنين على مبادئ حقوق الإنسان التي تزخر بها مجتمعات عريقة، كالمجتمع الألماني والنمساوي والسويدي والفنلندي وغيرها، ولأنها باتت قضية رأي عام، فإن موضوعها أيضا بات قضية سياسية، تدان بها الحكومات، أو يثنى عليها. ولعل نموذج الضغط والانتقاد العلني الذي تعرضت له الحكومة المجرية، بسبب تعاملها المنافي لقواعد حقوق الإنسان وقوانين الهجرة واللجوء في أوروبا خير دليل على ذلك.
ومن الغريب أن تلتزم حكومتا دمشق وبغداد اللتان تسببتا في تهجير شعبيهما هجرة جماعية، بسبب سوء إدارتهما، وبسبب عمليات القتل التي مارستهما وضياع الأمن وتعميم الإرهاب، هاتان الحكومتان لم تطلقا تعليقاً واحداً حول موضوع اللاجئين، ولم يستفيدا حتى من هذه الصورة المهينة التي تعرض لها أبناء شعبيهما في بعض دول رحلة اللجوء! كان بالإمكان رمي كل أسباب الهجرة، مثلاً، في ذمة الإرهاب وداعش والتكفيريين، وغير ذلك من المسميات التي صنعت بدقة، لتفضي بالمنطقة إلى ما أفضت إليه من حالة أمنية واجتماعية وسياسية مزرية.
الغريب أيضا أن يكون هناك 11 ألف كردي عراقي ضمن أرتال المهاجرين صوب أوروبا، معظمهم من الشباب، وأسباب هجرتهم كما ذكروا لدوائر الهجرة الأوروبية هي فقدان الاستقرار، وعدم وجود فرص للعمل، وعدم وجود عدالة اجتماعية وسياسية في إقليم كردستان العراق، وفقدان الأمل بالمستقبل .. إلخ، هذه الأسباب تساق، فيما إقليم كردستان العراق كان، إلى فترة قريبة جداً، ينعم بالرخاء والازدهار الاقتصادي والاستقرار الأمني.
ويقدّر عدد طالبي اللجوء في أوروبا من السوريين، بحسب تقارير أممية منذ اندلاع الثورة السورية بحدود 300 ألف لاجئ، أما العراقيون فقد بلغ عدد طالبي اللجوء منهم في أوروبا تحديداً أكثر من 180 ألفاً، وهما، أي السوريون والعراقيون، في حالة إقبال متزايد على الهجرة شمالاً نحو أوروبا، فما هي تداعيات هذه الهجرة الجمعية على مستقبل العراق وسورية، على المديين، القريب والمتوسط؟
من خلال طريقة استقبال الدول المهمة في أوروبا اللاجئين السوريين والعراقيين، وجلهم من فئة الشباب والأطفال، فإن التوقعات تشير إلى استمرار الأوضاع المتردية في البلدين، (سورية والعراق)، لسنوات مقبلة قدرت بين 5 – 10 سنوات، ما يعني هجرة المزيد، وبالتالي، إحداث انهيار كامل في البنى الاجتماعية والتركيبة السكانية والديمغرافية في كل من البلدين، وخصوصاً في فئة الشباب الحالية، والتي ستكون بعمر الشباب في هذه السنين.
كما ستؤثر أعداد المهاجرين التي ستتحول إلى أرقام مليونية على التركيبين، الطبقي والمهني، للشعبين، السوري والعراقي، وسيخسر البلدان طبقات من العمالة والفنيين والفلاحين من أبناء الطبقة الوسطى، بالغة الأهمية في عمليات البناء وتطوير اقتصاديات أي بلد. يضاف إلى ذلك، ستفضي حالة الانسياح نحو أوروبا إلى خلل في عمليات الترابط الأسري، وتشتت الولاءات.
العنصر الأهم أن هذه العملية، وإن كانت بالنسبة للمهاجرين شراً لابد منه، ستكون سيفاً ذا حد واحد تجاه الوطن الأم؛ ذاك عندما تنشأ أجيال في أوروبا لها جذور سورية أو عراقية، فيما قلوبهم وعقولهم مع من نشأوا في ظل تعليمه ومساعداته وأمنه وتأمينه الصحي وآلته الإعلامية، هؤلاء سيكونون أدوات الغرب المقبلة التي ستجعل من قيادات العراق وسورية بعد عقدين أو ثلاثة كلهم من مدارس أوروبا الفكرية والسياسية.

اقرأ المزيد
٢١ سبتمبر ٢٠١٥
سورية بين العم سام والدب الروسي

تلاشى الضباب الدبلوماسي الكثيف عن انعدام رؤية لأيّ أفق سياسي جديد في سورية، بعد أن ارتفع سقف التوقعات في الأشهر السابقة، بوجود تفاهمات أولية دولية وإقليمية حول الخطوط العامة للحل السياسي، ما ترافق مع كسر حواجز ملحوظة في هذا السياق، تمثّلت بتنشيط قناة الحوار السعودية- الروسية، وزيارة رئيس المخابرات السوري السابق، علي مملوك، السرية إلى السعودية.
لا يهدف الدعم الروسي العسكري الجديد المكثّف لبشار الأسد إلى تعزيز الجهود الدبلوماسية، بل يعكس فشلها، وفي الوقت نفسه، عملية جراحية سريعة لإنقاذ نظامه الذي بدأ يتهاوى عسكرياً بصورة متسارعة، وغير مسبوقة، وخسر في الأشهر القليلة الماضية وجوده في مساحات شاسعة، وتّوج ذلك بالهزائم المتتالية في محافظة إدلب، ووضع قواته المتبقية المحاصرة المهزوزة في كل من دير الزور ودرعا، فضلاً عن القلق الكبير اليوم على وضع دمشق.
إذاً الروس يسعون إلى الإبقاء على حليفهم، حتى لا يفقدوا أوراقهم كاملة في اللعبة السورية، وهم لذلك يخططون لإبقائه لاعباً في الساحة السورية، حتى لو على مساحة محدودة، وممثلاً لطوائف محدودة من الشعب، أو ما بات يطلق عليه في أوصاف النظام "سورية المفيدة" التي تربط بين دمشق وحمص ومساحة من غرب سورية، وصولاً إلى اللاذقية وطرطوس.
اليوم أكثر المتفائلين والمؤيدين للنظام السوري لم يعودوا يتوقعون، أو يأملون، الحسم العسكري لصالحه. لكن، في الوقت نفسه، تتمثل الرسالة الروسية السافرة الجديدة في أنّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لن يسمح بحسم عسكري للطرف الآخر، حتى لو أدى إلى ذلك إلى تورط عسكري روسي مباشر وكبير لدعم الأسد.
في المقابل، ماذا عن الموقف الأميركي؟ من الطريف أنّ تصريحات الجنرال الأميركي، لويد أوستن، أكبر المسؤولين العسكريين في الشرق الأوسط، أمام الكونغرس، جاءت متزامنة مع
"الجنرال الأمريكي لويد أوستن اعترف بأن من تبقى ممن دربتهم بلاده كمعارضة معتدلة، خمسة أو ستة فقط"
التطور النوعي في الموقف الروسي، إذ اعترف أمام لجنة في الكونغرس بأنّ عدد من تبقى مما تسمى قوات المعارضة المعتدلة الذين دربهم الأميركيون، هم فقط خمسة أو ستة، بعدما قضت جبهة النصرة على الوجبة الأولى، 54 شخصاً، ولم يتبق إلاّ هذا العدد المحدود. وقد بدت تصريحات أوستن أشبه بالنكتة التي تعكس حجم التناقض في الموقف الأميركي، وغياب الاستراتيجية الفاعلة التي كان من الممكن أن تكون حاسمة في إنهاء نظام الأسد مبكّراً، لكنّها اليوم حاسمة في بقاء الأسد وحالة الفوضى الراهنة.
أبعد من ذلك، فإنّ أوباما، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، هو شريك حقيقي للروس وحلفاء الأسد، ويجمعهم هاجسان رئيسان كفيلان بإيجاد الأرضية المشتركة للتعاون التي يتحدث عنها الروس حالياً. الأول يتمثّل بسؤال اليوم التالي لسقوط نظام الأسد، الذي أصبح فزاعة يرفعها المسؤولون الغربيون والأميركيون دوماً في وجه المعارضة والدول العربية المعادية له. ويتمثل الهاجس الثاني في صعود الحركات الإسلامية السنية، وفي مقدمتها تنظيم داعش الذي تعتبر واشنطن قتاله أولوية لها اليوم، وضمنياً يمثّل العدو رقم 1 قبل الأسد.
على الرغم من ذلك، ما زال الرئيس أوباما وإدارته يتمسكان بالموقف المسبق المعلن بعدم قبول الأسد شريكاً في الحرب على الإرهاب، بوصفه السبب الأول والمباشر لصعود تنظيم داعش. لكن، عند هذا التقاطع تحديداً يبدو حجم التناقض في الاستراتيجية الأميركية تجاه سورية بدرجة أولى، والعراق بدرجة ثانية، إذ إنّ الإدارة الأميركية قبلت بالشراكة مع النظام السوري في الحرب على الإرهاب، عبر غياب الدعم الأميركي عن المعارضة المسلحة، وفشل الأميركيين في المشروعات المعلنة لتأطير معارضة معتدلة على مقاس الأجندة الأميركية، ومن ثم الاشتراك مع حلفاء الأسد في توجيه الضربات لتنظيم داعش، ومعه جبهة النصرة التي تنتمي إلى القاعدة، ورفض التعاون مع فصائل أخرى كبيرة، مثل أحرار الشام.
دفعت هذه الأجندة الأميركية المعقّدة في سورية محللين أميركيين إلى الاعتراف (بعد اعتراف الجنرال الأميركي أوستن، وزيادة الدور الروسي) بأنّ المسؤولين في واشنطن أنفسهم لا يدركون ما هي الاستراتيجية الأميركية في سورية، الأمر الذي سيزداد تعقيداً ومفارقاتٍ مع دفع الروس الإدارة الأميركية إلى ضرورة التنسيق معهم في سورية، على الأقل فنياً، لتفادي أي صدام بين القوتين الدوليتين هناك، خصوصاً في الغارات الجوية، في حال قرر الروس المشاركة فيها.
هل ثمّة فشل أميركي، إذاً، في سورية مقابل نجاح روسي؟.. من الصعب الحسم بهذه النتيجة، ذلك أنّ النتيجة الراهنة من تلاشي الحل الدبلوماسي ومزيد من الانخراط في الصراع المسلّح، قد ينظر إليه الأميركيون بأنّه مأزق نجوا منه، ولم يقعوا فيه، بينما يتورط الروس عسكرياً من غير أن يكونوا قادرين على الحسم العسكري، وهو التورط الذي يبدو حالياً محدوداً ومؤطراً، إلاّ أنّه قد يتطور، لاحقاً، ليجد الدب الروسي نفسه في وحلٍ شبيه بالوحل الأفغاني. لكن، في النهاية من الواضح أن السوريين من سيدفعون ثمن هذه المضاربات الدولية.

اقرأ المزيد
٢٠ سبتمبر ٢٠١٥
تصعيد خطير

كلما لاحت في الأفق بوادر توحي باقتراب المعضلة السورية من نهايةٍ ما، يحدث ما يدفع بها من جديد إلى عالم المجاهيل والغوامض التي أحاطت بها منذ بداياتها إلى اليوم، ونقلتها من تعقيد إلى آخر، وتكفلت بإدامتها، مع ما ترتب عليها دوماً من قتل وتشريد وتهجير وتعذيب، ومعاناة إنسانية يصعب وصفها.
تكرر هذا الأمر قبل الغزو الروسي لبلادنا، فقد سبقته مؤتمرات صنعت كيانات سياسية جديدة، أريد لها أن تقبل حلاً وسطاً مع النظام، يتم بإشراف روسي أو مصري، قيل أكثر من مرة، أن الوصول إليه صار ممكناً، بسبب ما يتم من تفاهمات دولية بين الأميركيين والروس الذين اقتنعوا أخيراً بحتمية وقف الحرب المجنونة التي يشنها النظام ضد الشعب، لإسهامها الرئيس في بروز الظاهرة الإرهابية، وما تمثله من أخطار داهمة على أمن العالم وسلامه، وتحتمه من تدخل دولي لإطفاء جذوتها المستعرة، ومنع انتشار شررها إلى بقية بلدان العالم، خصوصا أنها تتوطد بسرعة، وتستقطب مقاتلين "دوليين" من جميع الجنسيات، الأمر الذي يفرض تدويل الحرب ضدها، وإقامة تعاون استراتيجي أميركي/ روسي يتجاوز عدم كفاية التدخل الأميركي، والتحالف الذي أسسته واشنطن، لمواجهتها.
لا يعرف أحد بعد إن كانت هذه الاحتمالات ستتحول إلى وقائع ميدانية. وهناك ما يشير إلى توجهين متناقضين في الموقف الأميركي من التدخل العسكري الروسي في سورية، ومن التغير الذي أصاب موقف موسكو، وجعلها تقرر إرسال جيشها إلى بلادنا، حيث كانت تزعم، طوال أعوام، أنها لن تتدخل فيها، وترى أن لا يتدخل غيرها أيضاً، وها هي تعلن، اليوم، عزمها على توسيع حضورها العسكري فيها، وخوض الحرب لكسر شوكة "الدولة الإسلامية"، ورد أذاها عن روسيا.
... ونعرف جميعاً أن التدخل الروسي سيعقد مشكلاتنا، وسيخلق بيئه سياسية، وربما استراتيجية ذات أبعاد دولية، يرجح أن تطيل أمد الصراع عندنا، وتشحنه بمضامين مضادة لاهتماماتنا ومصالحنا الوطنية، من شأنها قتل مزيد من مواطنينا، ليس فقط لأنها لن تعزز فرص الحل السياسي، بل لأنها ستنقلنا كذلك إلى مرحلة من الحرب جديدة، لا نريدها، فنحن لسنا طرفاً في الصراع بين واشنطن وموسكو، لكننا صرنا طرفاً تحول بخططهما ودوريهما إلى أداة يستخدمها كل جانب منهما ضد الآخر، مع ما يترتب على ذلك من تكلفة بشرية وإنسانية رهيبة بالنسبة لنا، لا طاقة لنا على تحملها.
بالتزام روسيا الثابت بالنظام، يستبعد أن تتجنب مقاتلة الجيش الحر والفصائل المعادية لـ"داعش"، لأنها هي التي أحرزت أكبر الانتصارات عليه، وأخرجته من المواقع الاستراتيجية في بلادنا، وتهدد وجوده. كما أن تقوية الموقف الروسي في مواجهة إيران، وتقوية النظام ضد الثورة، يحتمان القتال ضد فصائل هذا الجيش الحر ودحرها. وتؤكد تصريحات وليد المعلم حول العلاقة بين الروس وجيش الأسد أنهم لم يغزوا سورية إلا للشروع في مقاتلة الفصائل الحرة، وسيحجمون عن مقاتلة "داعش"، قبل تغيير ميزان القوى بين النظام وبينها. هذا الاحتمال ترجحه حقيقة أن "داعش" ضعيفة في مناطق قوة النظام، وقوية في مناطق الجيش الحر، القوي بدوره في مناطق السيطرة الأسدية، حيث يتركز وجود الغزاة الروس.
قبل غزو بوتين بلادنا، كان يبدو وكأن هناك بحث عن عناصر ترجح الحل السياسي على العسكري. بعد الغزو، تغيرت الصورة، ولم يبق لنا، نحن السوريين، غير التصدي للغزاة، وإخراجهم من وطننا.

اقرأ المزيد
٢٠ سبتمبر ٢٠١٥
شعوب تحت الطلب

لماذا لا نسمع عن احترام إرادة الشعوب في أوروبا والبلاد المتقدمة؟ ولماذا لا يطنطن بها الزعماء في الغرب، كما يحدث في العالم العربي، ليمنوا على شعوبهم بأنهم طوع أمرهم، وإن إرادتهم ستنفذ عندما يشيرون؟ تقفز هذه الأسئلة إلى الذهن، عندما تستمع إلى الرئيس السوري بشار الأسد، وهو يقول إنه مستعد للتخلي عن السلطة في بلاده، عندما لا يحظى بتأييد الشعب، وعندما لا يمثل المصالح والقيم السورية، كما أردف قائلاً إن الرئيس يأتي إلى السلطة بموافقة الشعب عبر الانتخابات، ويتركها إذا طالب الشعب بذلك، وليس بسبب قرار من الولايات المتحدة أو مجلس الأمن الدولي أو مؤتمر جنيف.
كما تستدعي الدبلوماسية الروسية الشعب أيضاً عند الحاجة، للحفاظ على أحد الأوراق التي كادت تحرق، أو على وشك ذلك، فقد صرّح دميتري بيسكوف الناطق الصحافي باسم الرئيس الروسي، يوم 16 سبتمبر/أيلول الجاري، "منذ بداية الأزمة السورية، كررت روسيا على مختلف المستويات أن الشعب السوري وحده يمكن أن يقرر مستقبله عبر إجراءات ديمقراطية". فالشعب السوري وحده من يقرر، هكذا يزعمون. ولكن، أين هذا الشعب؟ هل تستطلعون إرادته في وسط الأمواج التي تغرقه في وسط البحر، أم ترون نظرات الرضى في عينيه، وهو واقف على أبواب أوروبا يستجدي الولوج إلى منجى من الموت.
ومن الواضح أن فكرة التغني بإرادة الشعوب سلاح كل طاغية أو دكتاتور. وفي مصر، مثلاً، وقبيل مسرحية الانتخابات الرئاسية عام 2014 لترسيم زعيم الانقلاب رئيساً، وإضفاء شرعية مزيفة على الانقلاب العسكري، وفي رده على سؤال عمّا إذا كان يتوقع أن يخلعه الجيش إذا طالب المصريون بذلك، كما حدث مع حسني مبارك، قال عبد الفتاح السيسي: "سأجيب إجابة حاسمة: لن أنتظر حتى نزول الجيش. إذا رفضني الناس، سأقول: أنا تحت أمركم". وهكذا، فالطاغية تحت أمر الشعب. ولكن، من أصدق تعبيراً عن الشعب سوى الطاغية نفسه، فهو يرى ما لا يرون، وهو الذي يحدد متى يعبرون، وكيف يعبرون عمّا يجول بخاطرهم. لذا، يحتاج التظاهر لموافقة الدكتاتور.
أكد السيسي ذلك في مارس/آذار 2015 في حواره مع صحيفة وول ستريت جورنال

" من الرائع أن لدى كل دكتاتور القرار والمرجعية، فهو الذي يحدد متى يتنحى، وهو يحدد شروط تفهمه إرادة الشعب، فالقول النهائي والفصل لديه"


الأميركية، حيث قال إنه بمجرد الحفاظ على أمن مصر، سيترك الشعب يتظاهر ليلاً نهاراً، فهو الذي يتركهم يتظاهرون، عندما يرى في ذلك مصلحة مصر، والتي تختزل في مصلحة فرد.
ومن الرائع أن لدى كل دكتاتور القرار والمرجعية، فهو الذي يحدد متى يتنحى، وما شروط ذلك، فهو يحدد شروط تفهمه إرادة الشعب، فالقول النهائي والفصل لديه، كما أن الحديث عن إرادة الشعوب لا تظهر إلا عندما تنعدم وسائل التعبير عنها، فإذا وجدت الوسيلة لا تجد من يتحدث عن الاستجابة لرغبة الشعب، لأن الاستجابة تصبح حتمية وليست برغبة الحاكم. لذا، لن تسمع عبارات الرضوخ لرأي الشعب في الدول الديمقراطية، لأنها تتم بصورة بدهية، مسلمة منطقية غير قابلة للجدل.
وعندما ضاعت إرادة الشعوب في انتخاباتٍ لا تعدو أكثر من ديكور، أو أدوات تجميل، صدع الشعب بقوله الشعب يريد، لأن إرادته ضاعت في الصناديق معلومة النتائج، وهذا ما رأيناه في ثورات دول الربيع العربي.
الشعوب التي تسرق إرادتها قد تصرخ في صمت، بالعزوف عن المشاركة في ديكورات الديكتاتوريات المسماة الانتخابات. لذا، رأينا في مصر لجان الانتخابات الرئاسية في عهد الانقلاب خالية بلا مشاركين، في حين وقف الشعب نفسه، عام 2012، في طوابير طويلة، من الصباح إلى الليل، ليدلي بصوته، وهو لا يعلم النتيجة مسبقاً قبل فتح باب الترشيح، فقد استرد الشعب المصري إرادته ثلاثين شهراً، ثم سلبت منه مرة أخرى.
لا يرى الدكتاتور إرادة الشعب، إلا من خلال رغباته وطموحاته، فبشار سورية لا يرى ضياع أكثر من ثلثي بلده، ولا يرى ملايين اللاجئين والمشردين، وما زال ينتظر رؤية إرادة الشعب التي تنادي بخلعه، وسيظل السيسي في مصر لا يرى آلاف الشهداء والمعتقلين والشباب الذين يخرجون في مظاهرات تنادي بخلعه ومحاكمته، وبصورة يومية، مدة فاقت العامين بلا كلل، فمتى تسترد الشعوب إرادتها؟

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٣ يونيو ٢٠٢٥
موقع سوريا في مواجهة إقليمية محتملة بين إسرائيل وإيران: حسابات دمشق الجديدة
فريق العمل
● مقالات رأي
١٢ يونيو ٢٠٢٥
النقد البنّاء لا يعني انهياراً.. بل نضجاً لم يدركه أيتام الأسد
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٦ يونيو ٢٠٢٥
النائب العام بين المساءلة السياسية والاستقلال المهني
فضل عبد الغني مدير ومؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٥ يونيو ٢٠٢٥
قراءة في التدخل الإسرائيلي في سوريا ما بعد الأسد ومسؤولية الحكومة الانتقالية
فضل عبد الغني مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٢١ مايو ٢٠٢٥
بعد سقوط الطاغية: قوى تتربص لتفكيك سوريا بمطالب متضاربة ودموع الأمهات لم تجف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٠ مايو ٢٠٢٥
هكذا سيُحاسب المجرمون السابقون في سوريا و3 تغييرات فورية يجب أن تقوم بها الإدارة السورية
فضل عبد الغني" مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان