على توقيت الغوطة الشرقية تستعد موسكو إلى ضبط عقارب الساعة على توقيتها، فقرار حصر الزمن السوري كاملاً بيدها يحتاج إلى استخدام القوة الحاسمة القادرة على تحقيق الانتصار قبل اعتراض العالم على المجزرة، ففي الوقت الذي كان مضمون القرار الأممي المقدم من الكويت والسويد يخضع لإعادة الصياغة الروسية التي أفرغت بنوده الأساسية من محتواها، وحولته إلى مناشدة غير واضحة الآليات لوقف الحرب على الغوطة، كان مجلس الأمن القومي الروسي يضع اللمسات الأخيرة على خطته لاحتلالها، فالحاجة الروسية - الإيرانية المشتركة إلى الانتهاء من معضلة الغوطة، باتت ملحة من أجل إعادة صياغة التوازنات السياسية والميدانية على الساحة السورية، بعد أن ثبتت واشنطن سيطرتها على مناطق شرق الفرات الغنية بالثروات، ووضعت يدها على سوريا المفيدة اقتصادياً، واستخدمت القوة المفرطة بوجه كل من يحاول عبور نهر الفرات، فأصبح الرد الإيراني - الروسي المشترك على الحضور الأميركي في المشهد السوري يتطلب تأمين توازن جيو - استراتيجي مع واشنطن، يستدعي تحقيق نقلة ميدانية بالوصول إلى سوريا المفيدة جغرافياً، التي تمتد من سواحل البحر المتوسط إلى الحدود اللبنانية والأردنية والفلسطينية، تتيح للقائمين على هذا الحيز الجغرافي التحكم في استقرار بيروت وبغداد ومناكفة عمّان وابتزاز تل أبيب. فسوريا المفيدة جغرافياً ستعيد عقارب الساعة الروسية في سوريا إلى التوقيت الإيراني، الذي يسمح لطهران باستعادة زمنها السوري الذي خسرته جرّاء التدخل الروسي المباشر في الصراع على سوريا خريف 2015، والذي اعتبر نهاية لاستفراد طهران بقرار دمشق، بعدما انتقلت المعادلة إلى ما يمكن وصفه بـ«إيران الروسية في سوريا»، لكن طهران التي على دراية كبيرة بالوضع السوري تدرك أهمية الإبقاء على ما تبقى من سوريا ضمن دائرة الاهتمام الدولي، الذي يؤمّن لها التواصل مع عواصم القرار الدولي وعدم تجاهلها على طاولة المفاوضات، وذلك عبر دفع روسيا إلى خيار المواجهة المباشرة الذي يعيد صياغة التوازنات من جديد على قاعدة «روسيا الإيرانية في سوريا». ففي الوقت الذي كان فيه مجلس الأمن يناقش استجداء موسكو من أجل إدخال مساعدات إنسانية، كان مجلس الأمن القومي الروسي يلوح بتكرار سيناريو حلب من جديد، لذلك فقرار الدخول إلى الغوطة لا رجعة عنه، فهو يعني تجريد المعارضة مما تبقى لها من أوراق القوة، وإنهاء تهديدها العاصمة، وبمثابة فرصة للنظام لكي يعلن انتصاره وينسحب من كل أنواع المفاوضات، لذلك تبنت موسكو تفسيراً خاصاً لقرار مجلس الأمن رقم «2401» تستغله من أجل تصفية فصائل المعارضة كافة، حيث عدّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن «قرار مجلس الأمن لم يشمل (جيش الإسلام) و(أحرار الشام) بوصفهما من التنظيمات الإرهابية»، إضافة إلى قرار وزارة الدفاع سحب الاعتراف ببعض الفصائل العسكرية المشاركة في «آستانة».
وعليه، فإن «روسيا الإيرانية في سوريا»، هي التي ستتحمل العبء الأكبر في المواجهة المقبلة ضد الغوطة، ومن أجل ذلك أرسلت موسكو أحدث طائراتها التي برزت عيوبها الكبيرة والخطيرة، وأفضل ما عندها من دبابات، واستقدمت مقاتلين تابعين لميليشيات الأسد تقودهم أسماء عسكرية سورية تعمل موسكو على إبرازها وتلميعها، بدلاً من ميليشيات إيرانية لا تخضع لسلطتها. إلا أن الحضور الروسي المكثف في معركة الغوطة، يجعل موسكو، أكثر من أي وقت مضى، أقرب إلى القراءة الإيرانية للحل السوري القائم على التمسك بالخيار العسكري بوصفه الرد الأنسب لموسكو بعد إفشال خططها السياسية للحل؛ من آستانة الكازاخية إلى سوتشي الروسية.
في الغوطة يسقط نهائياً الرهان على فصل موسكو عن طهران، وتتلاشى فكرة الفصل بين زمنين؛ واحد روسي، والآخر إيراني، وهو ما ينعكس على رأس النظام وتركيبة الحكم التي بشر بها الصحافي البريطاني روبرت فيسك، السوريين، وهي أن التفكير بغير آل الأسد جريمة تعاقب عليها تقاطعات المصالح الدولية، وتتعارض مع القواسم المشتركة الروسية - الإيرانية - الإسرائيلية التي تؤمن للأسد البقاء في قصر «المهاجرين»، كما يشكل استمرارها طمأنة للغرب المطالب شكلياً لموسكو بتقليص نفوذ إيران في الوقت الذي أصبحت فيه موسكو أكثر عناية بهذا النفوذ.
على المستوى الإقليمي؛ من بيروت إلى بغداد وصولاً إلى اليمن، حيث استخدمت موسكو حق الفيتو في مجلس الأمن ضد مشروع قرار بريطاني دعمته واشنطن وباريس ينتقد تصرفات إيران في اليمن، مما لا شك فيه أن توقيت استخدام هذا الفيتو في اليمن، وقرار دعم إسقاط الغوطة، يشيران إلى بوادر مواجهة مقبلة في المنطقة ترتسم بملامح إيرانية.
لم تنجح الأمم المتحدة في تقديم معالجة للمسألة السورية طوال سبعة أعوام، وبقيت طوال هذه الفترة تتأرجح بين الفشل والأكثر فشلا، وتحولت إلى ساحة للمرافعات الدبلوماسية واستعراض القوة، الأمر الذي انعكس في صورة كبيرة على سمعتها ورصيدها ودورها الذي قامت من أجله، وخصوصا تقديم المساعدة للمدنيين في ظروف الحرب.
لم تنته المأساة السورية بعد، حتى نجري عملية تقييم شاملة للآثار التي تركها غياب مؤسسات الأمم المتحدة خلال مجريات واحدةٍ من أعقد الأزمات، وأكثرها حدة في تاريخ المنظمة الدولية منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أن الحصيلة حتى الآن تكفي للحكم على مصداقية الأمم المتحدة على نحو سلبي، ووضعها أمام حكم تاريخي قاس، لم يسبق لها أن وجدت نفسها حياله.
سبعة أعوام والأمم المتحدة في حالة تراجع دائم، كأنها قرّرت أن تتقدم نحو الوراء. وبدلا من أن تولي القضية اهتماما يرتقي إلى مستوى خطورتها، فإنها اكتفت بإدارة الأزمة وتصريفها. وقبل الخوض في أسباب هذه الوضعية المزرية التي قبلت أن تتعايش معها، وتتقنها حتى الرمق الأخير، يستدعي السياق سرد ملاحظتين مهمتين. الأولى أن الأمم المتحدة لم تكن في موقع المبادر طوال الأزمة السورية، وعلى الرغم من أنه صدر عنها قرارات وتوصيات كثيرة، إلا أنها لم تكن منطلقة من تقدير دقيق للموقف، والبناء عليه من أجل إيجاد مخرجٍ من الطريق الذي كان يضيق في كل يوم.
الملاحظة الثانية أن الأمم المتحدة انتدبت شخصياتٍ لا تتمتع بكفاءات قيادية، قادرة على تحمل المسؤولية حتى النهاية، فالأمين العام السابق، بان كي مون، كان شخصية ضعيفة جدا، وتصرّف كأنه موظف لدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وكانت غاية طموحه إرضاء هذه الدول مجتمعة. وقد انسحب هذا الوضع المائع على أسلوب التعامل مع القضية السورية، وأسهم في تحديد نوعية الرجال الذين تولوا مهماتٍ ذات طابع مفصلي في فريق الأمين العام. وينطبق هذا الأمر على المبعوثين الدائمين إلى سورية، من كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي وحتى ستيفان دي ميستورا الذي يشكل نموذجا فاضحا عن هزال الأمم المتحدة ومحدودية دورها وحضورها، ويصلح هذا الرجل للعب دور تصفية نزاعات، وليس حل نزاعات، ويكفيه أنه استمر في موقعه منذ منتصف عام 2014، ولم ينجح حتى في إدخال شحنة حليب ودواء إلى منطقة محاصرة، ومع ذلك يستمر في تنظيم استعراضات بهلوانية مفتوحة، أدت إلى تمديد الوقت أمام عملية القتل.
تتحمل روسيا والولايات المتحدة المسؤولية الرئيسية في منع الأمم المتحدة من لعب دورها في معالجة الأزمة السورية، وبالتالي تدمير مصداقية المنظمة الدولية. وفي حين يتسم الموقف الروسي على مسرح الأمم المتحدة بأنه هجومي، فقد كان نظيره الأميركي انهزاميا في لحظات ذات طابع مفصلي، مثل الموقف من عملية قصف الغوطة بالسلاح الكيميائي في أغسطس/ آب 2013، حيث شكل التخاذل الأميركي عن محاسبة النظام السوري، بسبب ارتكابه جريمة ضد الإنسانية، مدخلا لإفلات هذا النظام من العقاب من منظور الأمم المتحدة، الأمر الذي أعطى روسيا سلاحا قويا تناور به، منذ ذلك الحين، إلى حد اختطافها مجلس الأمن الذي استخدمت فيه الفيتو 12 مرة لمنع إدانة النظام السوري، ووقف جرائمه.
لو كانت الأمم المتحدة جادّة لكانت أولت المسألة السورية اهتماما مختلفا، شبيها بأزماتٍ أخرى، مثل رواندا، وفي هذه الحالة فاتها أن تدرس جديا إرسال قوات دولية لوقف قتل المدنيين.
وهناك ملاحظة أخيرة، هي أن تهاون الأمم المتحدة في سورية شجع روسيا على الاستهتار بها، وتعطيل قراراتها في أماكن أخرى، ليس في أوكرانيا فحسب، بل حتى في اليمن وليبيا.
لا تستطيع روسيا احتمال الفشل في سوريا. ألقت بكل أوراق هيبتها هناك. الفشل يعني فشل مشروع الثأر الكبير الذي حمله فلاديمير بوتين إلى الكرملين وأخفاه في البداية تحت ابتسامته بانتظار التوقيت الملائم للتنفيذ. الثأر من القوى التي دفعت الاتحاد السوفياتي إلى متاحف التاريخ. ومن عالم القوة العظمى الوحيدة. ومن تحريك حلف الأطلسي بيادقه قرب حدود الاتحاد الروسي. ومن الثورات الملونة. والمجتمع المدني. وكل أشكال القوة الناعمة التي لا تحتاج إذناً لعبور الحدود.
لا تستطيع روسيا احتمال الهزيمة على الملعب السوري. الأمر يتعلق بموقعها. وهيبة جيشها. وقدرة دبلوماسيتها. وصورتها كحليف موثوق يمكن الاتكال عليه في الشدائد. الفشل يعني انهيار حلم استعادة الموقع وإرغام أميركا على التعامل بندية مع البلاد التي خرجت مجروحة من الركام السوفياتي.
والنجاح في سوريا يعني بالنسبة إلى روسيا فرض حل سياسي وفق تصورها. وهذه المسألة ليست سهلة أو بسيطة. وكلما تعثرت محاولات موسكو فرض الحل الذي يلائمها تضاعفت رغبتها في الذهاب أبعد بحثاً عن انتصار يحسم المعركة في الميدان. والحسم الكامل يصطدم بصعوبات كثيرة فضلاً عن أنه مكلف. وتضاعف قلق موسكو بعدما ظهر في الأشهر الأخيرة أن واشنطن غادرت سياسة مبايعة الحل الروسي لتعود إلى سياسة الإمساك بأوراق على الساحة السورية نفسها.
ربما هذا ما يفسر موقف روسيا خلال المفاوضات المضنية التي سبقت صدور قرار مجلس الأمن الأخير حول سوريا. تشعر موسكو أن الوقت الذي عمل في السابق لمصلحتها بات يلعب ضدها. رسالة وزير الخارجية سيرغي لافروف كانت صريحة. لم يستبعد تكرار سيناريو حلب في الغوطة الشرقية. إنه يضع القوى المعارضة للنظام السوري أمام خيار وحيد: الاستسلام والتوجه إلى سوتشي.
هذا لا يعني أبداً أن روسيا لم تحقق مكاسب كبرى عبر الساحة السورية. ثمة من يعتقد أن الطباخ الروسي استخدم النار السورية لفرض تغييرات أساسية على المشهد الدولي نفسه. أظهرت فصول المأساة السورية أن عالم القوة العظمى الوحيدة لم يعمر طويلاً. نفذت روسيا تهديدها بأنها لن تسمح بأن تتكرر على المسرح الدولي مشاهد شبيهة بتلك التي أدت إلى اقتلاع نظام صدام حسين ولاحقاً نظام معمر القذافي. نفذت أيضاً تهديدها بأنها لن تسمح للغرب بالإفادة من التباس متعمد في قرارات مجلس الأمن لاستخدام القوة ضد نظام يدرج في خانة أعداء الغرب كما حصل في ليبيا.
في بدايات الفصول الدامية في سوريا استقبل بوتين زائراً عربياً. قال للزائر إن كثيرين يخطئون إذ يعتقدون أننا ندافع في سوريا عن رجل أو أسرة. قال أيضاً إن طول الإقامة في السلطة يؤدي إلى تراكم الأخطاء. لكنه شدّد على أن مسألة من يحكم سوريا يجب أن يحسمها الشعب السوري نفسه لا أن تُحسم من الخارج سواء بالقوة الفظة أو القوة الناعمة. ويمكن القول إن بوتين نفذ تهديداته في هذا المجال أيضاً.
أظهر بوتين خلال الأزمة أنه لا يتعرض لأي ضغوط جدية من الداخل. فقبل أن ينطلق إلى الخارج لتنفيذ برنامجه كان أحكم السيطرة على الداخل. أعاد ترميم الجيش الأحمر وروحه وأسلحته. أحكم قبضته على عالم الأعمال وأحكم قبضته أيضاً على الإعلام. ليس لديه رأي عام يقلقه. وضعه يختلف تماماً عن الزعماء الغربيين. الصور المأسوية الوافدة من سوريا لم تحرجه. يسارع إعلامه إلى تصوير المستشفيات المدمرة ضحية للإرهابيين حتى ولو تهدمت بفعل قذائف روسية أو سورية.
استثمر بوتين إلى أقصى حد ما لحق بصورة أميركا بعد قصة الخط الأحمر الشهيرة. كان موقف أوباما بداية انحسار الدور الأميركي في سوريا. اليوم تراهن موسكو على معركة تبدو قريبة. واضح أن إيران تضاعف ضغوطها على حيدر العبادي ليطالب بخروج الأميركيين الكامل من العراق. خروجهم من هناك سيعجل أيضاً بخروجهم من سوريا المرتبط أصلاً بوجودهم في العراق لمحاربة «داعش».
نجح بوتين أيضاً في إظهار محدودية دور حلف الأطلسي. لا رغبة لدى الحلف في الانخراط في الحريق السوري. ثم إن الجيش الثاني في الحلف لناحية الحجم هو الجيش التركي الذي تشارك قيادته السياسية في رعاية عملية سوتشي. الجيش التركي يقاتل في عفرين بعد الحصول على ضوء أخضر روسي وتركيا الأطلسية ستحمي أجواءها بصواريخ وافدة من الترسانة الروسية.
أنهك بوتين أيضاً مجلس الأمن نفسه. ممثله هناك يحمل سيف الفيتو ويتربّص بأي قرار يمكن أن يعرقل البرنامج الروسي في سوريا. لا يسمح المندوب الروسي بمرور قرار إلا بعد استنزاف مضمونه وتضمينه عبارات تبقي للقوة الروسية والسورية حق التحرك عسكرياً «ضد الإرهابيين». لا شك في استمرار وجود مجموعات إرهابية على الأرض السورية لكن روسيا التي تسعى إلى ضرب هؤلاء تسعى في الوقت نفسه إلى تطويع ما تبقى من المعارضة السورية لإرغامها على السير في الحل الروسي الذي يحرص حتى الساعة على عدم الانفصال عن البرنامج الإيراني في سوريا مكتفياً بتفهم قلق إسرائيل على «مصالحها».
يذهب دبلوماسي عريق إلى أبعد من ذلك. يرى أن ما يجري على أرض سوريا هو أكبر من سوريا. وأن مجريات المأساة المتمادية تحمل في طياتها تشكل ملامح نظام دولي جديد يعيد للقوة مكانها البارز في العلاقات الدولية. ويقدم مصلحة الاستقرار على حسابات التغيير والديمقراطية وحقوق الإنسان وتطلعات المجتمع المدني. يلاحظ الدبلوماسي تراجع منظومة الأمم المتحدة وتراجع القيادة الغربية للعالم وتراجع دور مجموعات الضغط الشعبية وتأثير المظاهرات والإعلام. يعتقد أن سوريا قد تكون منطلقاً لتبلور نظام إقليمي جديد. ويعتبر أن المأساة هي أن هذه الملامح ترسم بدم المدنيين السوريين. ملامح جديدة تكتب بالحبر السوري الأحمر.
تقول الأخبار الواردة من الغوطة الشرقية في ريف دمشق إن خمسة محاور هي مرتكزات هجوم جيش النظام السوري عليها، هذه المحاور هي مدن وقرى كانت قبل سنين مرادفة للربيع والخضرة والمنتجات الحقلية الصيفية، وأصبحت اليوم مرجعاً لنشرات الأخبار التي تذيع أنباء الحصار والقتل والدمار.. يمهد النظام لهجومه على الغوطة بقصف عنيف بالطيران والبراميل المتفجرة.
قد يكون قرار مجلس الأمن الذي فرض وقفاً للعمليات الحربية في سورية مدة شهر جزءاً من التمهيد المدفعي والغارات الجوية التقليدية التي تسبق الهجوم البري، فلم تمضِ ساعات على القرار، حتى كانت الوحدات البرية ومدرعات النظام تهاجم الخاصرة الدمشقية التي تسمى الغوطة الشرقية، وتختار المناطق البعيدة نسبياً عن دوما عاصمة هذا القطاع، هناك حيث بلدتا النشابية وحزرما. يحاول النظام اقتطاع جزء من الغوطة، قبل أن يبدأ بقضم الجزء التالي وفق تقليد عسكري مكرّر يستخدمه جنراله المفضل سهيل الحسن. وبالإضافة إلى هذا الجهد العسكري الذي تُستعمل فيه كل صنوف الأسلحة، هناك الجانب السياسي والإنساني وظروف الحصار التى تساهم في سقوط المناطق.
استقرت المعارضة المسلحة في الجيب الواسع شرق دمشق، وسيطر جيش الإسلام على مدينة دوما والقرى القريبة منها. ومن هناك، توسعت المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها وزاد عدد قواته، حتى بات يقيم استعراضاتٍ عسكرية حاشدة. أما القسم الجنوبي، فوقع تحت إدارة فيلق الرحمن. لا يتمتع هذان الفصيلان بحسن جوار مع بعضهما، على الرغم من صغر الرقعة الجغرافية التي يرتكزان فوقها، فلطالما نشبت المعارك بينهما، إلى جانب محاولة كل منهما استقطاب الجماعات الصغيرة المسلحة الموجودة في المنطقة. أما حرستا فتستقر فيها حركة أحرار الشام التي تشكل هدفاً مفضلاً للنظام في المرحلة الأولى، وهي تمثل أحد المحاور الخمسة التي باشر النظام بالهجوم عليها، فهناك وجودٌ صغير لجبهة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وهو فصيل يعتبره الجميع إرهابياً، ما قد يشكل حجةً يستفيد منها النظام عند تنفيذ هجومه، لأن القرار الدولي بوقف النار يستثني التنظيمات الإرهابية.
تطوّق قوات النظام الغوطةَ الشرقية بشكل شبه محكم منذ مدة طويلة، ما يفرض على الموجودين في الداخل إرهاقاً وجوعاً، سواء كانوا من المقاتلين أو المدنيين، وتعرّضت المنطقة بأسرها إلى هجومٍ منتقى بعناية يلتقط النقاط الموجعة التي تحوي المستشفيات ونقاط التجمع والأسواق، فتهطل عليها القذائف والبراميل بشكل منتظم، بقصد رفع عدد الضحايا المدنيين، وإشغال الموجودين هناك بأعمال الإغاثة، ما يعني خروج العدد الأكبر من المقاتلين عن القدرة على خوض المعركة، ثم سيعمد النظام إلى حرب القضم، فيعزل المناطق الصغيرة، ويبدأ بالأحزاب أو التجمعات التي تعد إرهابية، فيسرح ويمرح هناك، وعينه على مدينة دوما، وخلال الطريق إليها لن يكترث بشيء، وسيغمض المجتمع الدولي عينيه، عما يُهرس من الضحايا والأبرياء.
الغوطة الشرقية محطة حربية جديدة، تأتي بعد عدة محطات حزينة ودامية، وذات طبيعة تطهيرية أيضاً، بدءاً بالقصير إلى داريا، ثم حلب وباقي المدن والبلدات، ولن يكون مصير الغوطة شاذّاً عما أصبح مألوفاً، فقد تنتهي الأمور بمصالحة ورحيل، أو بتشديد الخناق، ومزيد من الضحايا الأبرياء، وربما مزيد من القرارات الدولية التي تشاكل قرار وقف إطلاق النار الأخير. وفي نهاية المطاف، لا بد من مشهد نزوح جديد إلى وجهةٍ باتت معروفة. يحقق جيش النظام النصر على بنى خالية ونصفها مهدّم، ويزيد عداد انتصاراته على مهيضي الجناح، والمقهورين في مناطقهم، ويمضي المطرودون إلى الشمال، وفي قلوبهم حرقة تكفي لإشعال بركان، لا يخطط النظام حتى الآن لاتقاء ارتداداته التي لن ينفع في منعها ما يجري من تمثيلياتٍ سياسيةٍ في جنيف وأستانة، وأخيراً في سوتشي.
ليس هناك ما هو أشد خطرا على العاملين في الشأن العام من الثقة بغيرهم. في السياسة، الثقة بالغير مصيدة يقع فيها الذين يجهلون قيمة المبادئ، باعتبارها مسائل تحتمل الشك، كما تحتمل اليقين، فإن رأينا فيها اليقين وحده سقطنا في بلاهة الغفلة، وافتقرنا إلى مناعة الشك التي يجب أن تعين حجم ثقتنا بالآخرين وجدواها، وخصوصا الذين نحبهم منهم، لأنهم بثقتنا بهم يكونون أقدر الناس على خداعنا وخيانتنا.
تنتقل القضية السورية اليوم من طورٍ تم فيه تجاهل القرارات الدولية، من خلال تفاهمات جرت في اجتماعات أستانة، وأنتجت اتفاقيات خفض التوتر بضمانات روسية/ إيرانية/ تركية، إلى طور جديد من تفاهمات جديدة، تبطل القرارات الدولية وعملية السلام نهائيا ومن أساسها، وتدور حول:
ـ تفاهم روسيا وإيران وتركيا: الدول المتخوفة من سياسة الانخراط الأميركية التي أعلنت عنها "لا ورقة تيلرسون"، وزير خارجية الولايات المتحدة، على حل نهائي، في صورة تقاسم وظيفي في سورية، يتم تحت إشراف روسي، بحيث تكون هناك منطقة تركية، تدار بالتفاهم مع الكرملين، ومنطقة روسية تدار عسكريا وسياسيا بالتفاهم مع إيران، بينما تترك منطقة شرق الفرات لأميركا التي يعتقد صغار العقول أنها تتوضع فيها من أجل ثرواتها، ولا يرون أنها بديل العراق الاستراتيجي الذي لن يتخلى عسكر واشنطن عنه في أمد قريب، بسبب موقعه المتحكّم بتركيا وإيران والخليج وشرق المتوسط الذي يتيح لهم الانتقال الفاعل إلى معركةٍ ضد إيران، في حال قرّروا خوضها، ويعطيهم القدرة على التلاعب بالأوضاع الداخلية لإيران وتركيا وسورية والعراق، بواسطة الورقة الكردية التي لا يعرف أحد إلى اليوم مآلها النهائي، وكيف ستستخدم، علما أن تمرير المخطط الروسي/ الإيراني/ التركي لن يزعج البيت الأبيض، إذا كان لن يأخذ صورة تحالفٍ يلزم الدولتين بالوقوف إلى جانب طهران، لمنع إخراجها من المشرق العربي.
ـ فهم الروس درس المؤتمر السوري الذي عقدوه في سوتشي، وأيقنوا أن حلهم المنفرد مستحيل، لافتقارهم إلى أوراقه، وتعارضه مع القرارات الدولية، بما في ذلك قرار مجلس الأمن 2254: قراءتهم التي زوروا من خلالها وثيقة جنيف وقرار مجلس الأمن 2118، واستخدموه طوال العام الماضي، لقطع الصلة بين ما ينفذونه على الأرض والوثيقة والقرار اللذين يعترفان، بكل وضوح وصراحة، بحق الشعب السوري في التخلص من بشار الأسد ونظامه، والانتقال إلى النظام الديمقراطي. قررت موسكو تطبيق حل مضاد للقرارات الدولية، يتم تحت إشرافها، على أن تورّط تركيا فيه، وتتعاون مع طهران في بلورة دور جديد لها، يبقى على وظيفته العسكرية/ الأمنية بالقدر الذي ستحتاج موسكو إليه، يضع حرسها الثوري وجموع مرتزقتها تحت تصرفها، ويجنبها المصير الأفغاني عن طريق تقييد تكلفة حربها البشرية.
سيريح هذا الحل روسيا من حمل العبء الأكبر من المسألة السورية بمفردها، وسيقنع أقوى دولتين إقليميتين في الشرق الأوسط بالتحالف معها، والدفاع عن مصالحها ومواقفها، وسيضاعف التحدّي الذي ستواجهه واشنطن، في حال قرّرت إيجاد حل يطبق وثيقة جنيف وقراري مجلس الأمن 2118 و2254، وسيخيّرها بين متاعب الارتطام المكلف بالقوى الثلاث وتركها تنعم بشمس الجزيرة وموقعها الاستراتيجي الذي لن ينازعها عليه أحد، ما دام وجود عسكرها فيها يتكامل مع وجود عسكر روسيا في غيرها من مناطق سورية، ويجعل منها المنطقة الثالثة من مناطق التقاسم الوظيفي الذي ستخضع سورية له، بعد القضاء على الفصائل، عدا الموجودة في المنطقة التركية التي ستستخدم قوات رديفة لجيش أنقرة، ولم يعد دورها الرئيس القتال من أجل الثورة أو في إطارها. في هذا الوضع، سيكون الأسد جحش الفداء الذي سيقدّم ترضية للسوريين، وسيمكن التخلي عنه ورميه، بينما سيقبل ما سيبقى من نظامه هذا الحل، على الرغم من أنه سينقله من تحت إبط بوتين إلى تحت حذائه.
ـ سيضع الحل الروسي حدا للقرارات الدولية وللحقوق التي تكفلها للسوريين، وسينهي نهائيا الحاجة إلى مفاوضات سلام، كانت روسيا وإيران قد عطلتها ستة أعوام، غزت روسيا وإيران خلالها بلادنا، وفتكتا بشعبها أشد الفتك؛ ودمرتا عمرانها. هل ستقاوم واشنطن إلغاء القرارات الدولية، والحل الروسي/ الإيراني/ التركي؟ أعتقد أنها لن تفعل، في حال تعاونت موسكو، كما هو منتظر ومؤكد، في حماية أمن إسرائيل، وحصرت دورها في سورية بالعلاقات العادية التي تقوم عادة بين دول مستقلة، وأنهت دورها العسكري/ الأمني، في ما لا يحتاج الكرملين إليه منه، وآثرت البقاء على الحياد، حيال سياسات واشنطن من طهران. إلى هذا، لا يحول الحل الروسي دون تحسين العلاقات الأميركية/ التركية، إن أراد البيت الأبيض ذلك، ولا يحول دون استخدامه الورقة الكردية للضغط على أنقرة، ومن دون أن تضر ضغوطها بموقع موسكو في سورية، أو تثير مشكلة بينها وبين واشنطن، حتى في حال رغبت الأخيرة في تقليص علاقات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، لأنها ستستهدف الأول، لا الأخير.
ـ تقف اليوم في مواجهة هذا الحل غوطة دمشق الشرقية، وجزء من ريف دمشق الجنوبي، وريف حمص الشمالي، ومحافظات الجنوب. هذه المناطق خاضعة جميعها لضمانات روسية/ إيرانية، وتاليا لغدر روسي/ إيراني، نراه في التحضيرات للهجوم الحاسم على الغوطة، والإنذار الذي وجهه ضباط روس كبار إلى ريف حمص الشمالي وحوران، ونصه باختصار: قبول استبدال اتفاقيات خفض التصعيد بمصالحات وطنية مع الأسد، أو الحرب الشاملة والإبادية. يعني هذا أن الهجوم على الغوطة جزء من حرب التصفية النهائية للفصائل خارج المنطقة التركية التي سيعيد القضاء عليها إلى السيطرة الروسية والإيرانية، بالشروط التي ذكرتها، أي أن معركة الغوطة لن تكون آخر المعارك، ومشاركة المناطق المهدّدة في الدفاع عنها هو، في العمق، دفاع عن نفسها وعن مواطنيها، والمحافظة على الغوطة الشرقية ستكون صعبة ومكلفة جدا، إلا أنها ستعني فشل المخطط الروسي، وبداية انتصار الثورة وخروج سورية من محنتها. بكلمات أخرى: لا مفر من فتح النار بأسلحة جميع مقاتلي المناطق التي تتفرج اليوم على ذبح الغوطة، وستذبح غدا بالسكين التي تستخدمها روسيا وإيران في الغوطة اليوم، فلا عذر لمن يقف جانبا، من أقصى شمال وطننا إلى أقصى جنوبه، ومن شرقه إلى مغربه، ولتهب جميع القوى إلى القيام بواجبها من دون تردّد أو إبطاء، ولتخض معركة إنقاذ الثورة اليوم، كي لا تخوض معارك هزيمتها غدا، بعد الغوطة، وليدرك أصحاب القرار في الفصائل أن فشل روسيا وإيران في كسر شوكة الغوطة لن يجنّبهم المصير الأسود الذي ينتظرهم، ما دام فشلهم أمام أبطال الغوطة سيدفعهم إلى تغطيته بانتصاراتٍ يحققونها خارجها، في الأمكنة التي ما تزال بيد الفصائل، فالغوطة لا تدافع عن نفسها اليوم، بل هي تستميت في الدفاع عنهم، وعن الشعب السوري في كل مكان داخل الوطن وخارجه. وليكن معلوما أن منع المعتدي الروسي من استهداف بقية مناطق الثورة وقواها سيتوقف على حجم الهزيمة التي ستنزلها به قوى الفصائل المقاتلة، بتآزرها في المعركة الفاصلة الدائرة اليوم في الغوطة، وبانتقالها من التبعثر والتشتت إلى وضعٍ جديد ونوعي، من الإجرام بمكان أن تنفك أو تتراخى عراها بعده، ما دمنا في معركةٍ سيتوقف مصير وطننا وشعبنا، ومصير كل فرد منا، عليها. ولا خيار لنا غير الانتصار فيها، إن كنا نريد ألّا نباد ونذل عقودا كثيرة مقبلة.
ـ لم يعد لدينا اليوم من نعتمد عليه غير أنفسنا. هذا ما كان واضحا بعد أشهر الثورة الأولى، وما دفعنا ثمنا فادحا لتجاهله، فهل نتصرّف، أخيرا، بوحي من هذه الحقيقة التي تفقأ العين، وكلفنا ابتعادنا عنها مئات آلاف الشهداء ودمار معظم وطننا، أم نواصل الرضوخ للغفلة التي قوّضت تماما ثقة قطاعات واسعة من شعبنا بعدالة مطالبه، ونتخلص من أي طرفٍ يغذي انقساماتنا أو يغدر بنا مثل "داعش" وجبهة النصرة: الاحتياطي الميداني للذين يهاجمون الغوطة اليوم، ويتجاهلون، في المقابل، دواعش الحجر الأسود والمخيم، ويقصفون ضاحية دمشق الجنوبية وحوران، لحمايتهم من الثوار، والإبقاء على شرورهم.
ـ يطالب وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الدول، وخصوصا منها تركيا، بإقامة علاقات وإجراء مفاوضات مع الأسد، ويتحدث وكأن قرار الكرملين بالحسم قد نفذ، أو كأن الثورة هزمت، وانتهى أمرها. يتحدث لافروف وكأننا دخلنا زمن ما بعد ثورة الحرية، ليكن جوابنا: بل إننا في الطريق إلى زمن ما بعد النظام والاحتلالين، الروسي والإيراني، زمن الشعب الذي قرّرتم إبادته، وقرّر مواصلة سيره إلى حريته وكرامته، على جثة أوهامكم.
منذ تدخل روسيا في سورية لحماية بشار الأسد وقصف الشعب السوري، هرول العالم إلى فلاديمير بوتين للتحدث معه بعدما فرض نفوذه في منطقة الشرق الأوسط عبر القتل والقصف تحت عنوان مكافحة الإرهاب. ما يجري في الغوطة يشبه ما جرى في حلب وغيرها من المدن السورية، هو إبادة جماعية لمدنيين من أطفال وعائلات بأسرها وأطباء إضافة إلى تدمير المستشفيات وإعاقة نقل الجرحى.
وزار أمس وزير الخارجية الفرنسي جان أيف لودريان روسيا لكن لا يُنتظر ظهور أي أمل بنتائج هذه الزيارة. ذلك لأن القيادة الروسية أثبتت أنها غير صادقة في ما تقوله لجميع المسوؤلين الذين يأتون إليها. فقد وافقت روسيا على قرار مجلس الأمن الذي يطالب بوقف القتال مدة ٣٠ يوماً لإتاحة دخول المساعدات الإنسانية. ثم «تكرّم» بوتين وقال عندما لم يتوقف القتال إنه سيوقفه لمدة خمس ساعات في اليوم لإخراج المدنيين. ولكن ليس لإدخال المساعدات الإنسانية من دون قيد وشرط. لماذا ٥ ساعات؟ لا أحد يعرف.
وروسيا المتحالفة مع إيران في سورية لحماية الأسد، قررت أيضاً حماية حليفتها إيران من الإدانة في مجلس الأمن لتزويدها الحوثيين في اليمن صواريخ باليستية. روسيا تحارب الشعب السوري من الجو فهي تقصف وتساعد طيران الأسد على إبادة شعبه ومشاهد الأطفال الجرحى والقتلى مروعة. في حين أن الأسد لا يساعدها حتى في مساعي حل روسي مثلما تبين في سوتشي. بينما تحارب إيران على الأرض السورية عبر حزب الله وغيره من اللبنانيين وعبر كوادرها العسكرية التي يقودها قاسم سليماني. والمنطق يقول إن ليس من مصلحة روسيا أن تتحالف مع إيران لأن التنافس بين قوة في الجو وقوة على الأرض سيكون لمصلحة القوة على الأرض عاجلاً أم آجلاً خصوصاً أن القوات الإيرانية تعتمد على شباب الشيعة اللبنانيين الذين يعرفون الأرض السورية الذين دربتهم حكومتها وأسست مع إيران حزبهم اللبناني الذي يدعي المقاومة في الثمانينات في عهد الأسد الأب.
إن هيمنة روسيا على بلد مدمر ومنقسم أفرغت مدنه من سكانها الأصليين قد تحول موقع روسيا إلى قوة احتلال أجنبية لا تعرف ماذا تفعل ببلد يصعب إيجاد من يعيد إعماره مع نظام ورئيس خربه وهجر الملايين منه وملأ الدول المجاورة بلاجئيه. والتحدي الآخر لروسيا هو أن الوجود الإيراني عبر حزب الله فيه، أكثر تأثيراً من الاحتلال الروسي. صحيح أن انخراط القوات الروسية في الحرب السورية أتاح لبوتين أن يفرض نفسه كلاعب أساسي في وجه القوة العظمى الأميركية التي منذ أوباما حتى اليوم لم تهتم لا بما يجري داخل سورية ولا بمصير الملايين السوريين الذين غادروا بلدهم، ولكن على المدى المتوسط والطويل ستجد روسيا نفسها في الفخ السوري بين نظام إيراني يريد الهيمنة وحده ونظام أسد يعاني من الاهتراء لكثرة الدمار والبؤس والقتل والمجازر والتعذيب. فبوتين يخطئ التقدير في مصالحه في سورية بسبب نشوة انتصاره التي هي فقط نتيجة التقصيرين الأميركي والغربي عموماً.
واليوم بات البعض في الإدارة الأميركية على قناعة أن الحل في سورية لا يمكن إلا أن يكون نتيجة حوار مع روسيا ما يعني تنازلاً كلياً لما يريده بوتين المفتقر إلى الصدقية. فكم هي المرات التي أعلن بوتين رسمياً أن القوات الروسية تغادر سورية مع احتفالات لتأكيد هذه الحيلة الكبرى؟ إن اللغة الدبلوماسية مع بوتين غير مفيدة. فقد حاولها أوباما عندما عقد الصفقة الشهيرة معه حول السلاح الكيماوي السوري وزعم بوتين أن النظام سيتخلص من السلاح الكيماوي. والآن كثر الكلام عن استخدام النظام السوري هذا السلاح والجميع يتحدث عن خطوط حمر لو تأكد ذلك.
لكن القتل بالكيماوي وبقصف الطيران والمجازر متساو. والحرب السورية فضيحة العالم الحر المستسلم لأنظمة مجرمة تحت مظلة القيصر الروسي الذي سيجد أن غطرسة الهيمنة قد تنقلب عليه عاجلاً أم آجلاً وأن أصدقاءه من الأسد إلى النظام الإيراني سيصبحون أعباء عليه إذا استمر في هذا النهج.
تماما كذلك المشهد في فيلم "ماتريكس"، الذي تهبط فيه الكاميرا من أعلى لترى ممثلين جالسين على مقعدين وسط خرائب وأنقاض على مدى البصر هي كل ما تبقى من مدينة نيويورك في القرن الثاني والعشرين.
هكذا بدت لي الغوطة وأنا اأشاهد بعض الصور الملتقطة بعد الغارات الجوية التي تشنها الطائرات الروسية وطائرات نظام بشار.
خرائب على مدى البصر، وبشر معفرون بالتراب، وبقايا منازل، وأصوات طنين تنبعث من الصور، وصرخات ألم وصياح، وعربات إطفاء وعبارات سريعة غير مفهومة يطلقها رجال الدفاع المدني في حركتهم السريعة المتوترة.
رضيعتان وُضع جثماناهما جنبا إلى جنب، يحمل كفن كل واحدة منهما تاريخ يوم استشهادهما.
مجموعة من الأكفان المتراصة فيما تبقى من بناية ما وطفل يقف صارخا في آلة تصوير تحمل صرخاته التي لا تسمعها بكاء ومرارة على من رحلوا.
وأم تقتاد صغارها فوق أنقاض ما وحولها بشر يسيرون يعلو ملابسهم الغبار ذاته. وتلك البيوت المهدمة. وبقايا صواريخ ضخمة تقبع على الأرض وقد تمزقت جدرانها المعدنية، وسلمت حمولتها القاتلة.
وتلك الأيدي التي تمتد إلى تلك الأيدي لتلتقط تلك الأجساد الصغيرة التي نجت بأعجوبة ما من قصف ما.
ودائما ما ترى في الصور تلك الصرخات. لا تسمعها ولكنها تراها واضحة. وتلك القباب من النار التي تخرج منها ألسنة لهب غير منتظمة لتبتلع جزءا من مبنى ما بينما ترتفع فوق أنقاض المباني التي غادرتها طائرات روسيا للتو. وتلك السحب من الدخان والحجار المتهدمة والغبار الذي يعلو كل شيء. المدينة كلها مدمرة والحياة فيها تئن.
ومع كل ذلك الخراب الذي تراه في الغوطة، يبدو أن روسيا تخوض معركة إرادات. روسيا ومن بعدها بشار وما تبقى من نظامه يخوضان معركة إرادات مباشرة مع كل فرد من سكان الغوطة.
هذه مباراة شخصية بينهما وبين كل طفل وامرأة وشيخ وشاب في الغوطة. مباراة تقتنص فيها قنابل الطائرات أسماء جديدة تضمهم إلى سجل الشهداء، معركة لم تبق فيها روسيا ولا نظام بشار للسوريين شيئا، ولكن روسيا وبشار لا ينتصران.
وهما لا يفعلان شيئا سوى إرسال طائراتهم لتسقط قنابلها ولا شيء بعدها. فقط يقتلون الأهالي، وهما يتبادلان الضحكات الشريرة. والقتل هنا ليس لمجرد القتل، بل هو قتل لكسر الإرادة.
رغم كل هذا القتل، إلا أنك ترى إرادة عجيبة في تلك المدينة. هناك ذلك الرجل المغطى بالغبار الذي يصلي في مكان ما منعزل بالغوطة، ومن خلفه خرائب لا تميز منها شيئا سوى بضعة حجارة تبقت من بناية متهدمة ما، وتلك السكينة البادية على ملامحه، وهو يرفع أصبع التشهد ناظرا إلى موضع سجوده.
هذا المشهد الذي يجعلك توقن أن كل هذا القتل لم ينل من عزيمة أهل الغوطة. والحقيقة أنني أنظر إلى هذه المشاهد، وأتسائل هل يدرك الذين فرحوا بقصف روسيا للأحياء المدنية في سوريا الآثام التي يتحملونها مع كل روح تزهقها الطائرات الروسية؟
مازلت أدعو الله أن يفك أسر الرئيس مرسي كلما تذكرت كلماته في مؤتمر نصرة سوريا، ولا ريب أن كلماته كانت رسالة أمل لأهلنا في سوريا، ولا ريب أن فرض التغيير على العسكر في مصر وانتخاب رئيس إسلامي قد كبل يد نظام بشار عن القتل ولو بدافع السياسة وخشية التوازنات الإقليمية، خصوصا مع الموقف الواضح للرئيس مرسي من الثورة السورية، ولا شك أن الجميع يتذكرون أن مجزرة الكيماوي الأولى في سوريا لم تقع إلا بعد مجزرة رابعة بأيام.
يصف مارتن شولوف، مراسل الغارديان، ما يجري في الغوطة الشرقية، بأنه «مذبحة لا يمكن تصورها»، بينما يقول ريتشارد سبنسر في «التايمز»، إن «الأسد بقسوته يحوّل الغوطة الشرقية إلى جهنم على الأرض».
ليس هذا هو ما يصف المذبحة التي تجري في الغوطة الشرقية، وتصاعدت خلال الأيام الأخيرة، فأودت بحياة المئات؛ أكثرهم من الأطفال، وأضعافهم من الجرحى، ولا حال الجوع ونقص الأدوية. فقد قرر الطاغية أن يدمّر كل شيء، وأن يقتل بلا حساب كي يصفّي آخر معاقل الثورة في محيط دمشق.
مذبحة تتم أمام نظر العالم أجمع، فلا الذين كانوا يساندون الثورة باتوا يفعلون ذلك بسبب خلل الأولويات وبؤس النظرة السياسية، ولا العالم يأبه لما يجري ما دام بقاء النظام موضع اتفاق بين الجميع، وفي المقدمة الكيان الصهيوني الذي لا يعنيه سوى الوجود الإيراني قرب الحدود؛ في وقت يأمن للوجود الروسي، ولخيارات النظام تبعا لذلك.
هذه ثورة تواطأت عليها كل القوى الكبرى بلا استثناء، وفي المقدمة أمريكا التي ضغطت على الجميع لمنع السلاح النوعي، ولكي يُستنزف الجميع، من دون أن يسقط النظام. وهذه مجرزة تتم أمام بصر العالم أيضا، بينما يغرق العالم في عار الصمت .
من أفضل ما قرأنا خلال الأيام الماضية، كان مقالا للمعلق البريطاني سايمون تيسدال في «الغارديان» يشبّه فيه ما يجري في الغوطة الشرقية بما جرى في مدينة سربرنتشا البوسنية قبل 23 عاما.
يقارن تيسدال بين مصير مسلمي البلدة البوسنية الذين صمت العالم على قتلهم على يد مليشيا العقارب وقوات صرب البوسنة والجنرال راتكو ميلاديتش، وبين مصير الغوطة الشرقية.
يقول: «مع كل طفل يموت، ومع كل عمل وحشي يمضي بلا عقاب تبدو الغوطة الشرقية مثل الجريمة التي وصفها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، بأنها أسوأ جريمة ارتكبت على الأراضي الأوروبية منذ عام 1945».
ويضيف تيسدال أن «سربرنيتشا مثل الغوطة، لم تكن تبعد سوى قليلا عن سراييفو، وتعرضت للحصار مثل الغوطة، التي فرض عليها النظام الحصار منذ بداية الحرب عام 2011».
ويشير الكاتب إلى أن «الغوطة مثل سربرنيتشا، حيث منع النظام وصول المواد الغذائية والطبية عنها، وفي عام 1993 اعتبرتها الأمم المتحدة (منطقة آمنة)، تماما كما تم اعتبار الغوطة العام الماضي منطقة (خفض توتر)».
ويضيف: «كما حدث في سربرنيتشا، فإنه تم ذبح وقتل حوالي 8 آلاف مسلم، رجلا وطفلا وعلى مدى أيام قليلة، وتعرض ما بين 25 ألفا إلى 30 ألفا من النساء والأطفال والرجال العجزة البوسنيين للانتهاك والتشريد، واعتبرت المحكمة الجنائية ليوغسلافيا السابقة أن هذه العمليات تشكل جرائم إبادة».
ويقول تيسدال إن «العالم يعلم بمعاناة الغوطة الشرقية، حيث كانت مسرحا للحادث سيء السمعة عام 2013، عندما استخدم النظام غاز السارين ضد سكانه، وقتل أكثر من ألف رجل وطفل وامرأة، ومرة أخرى ترفض الدول الغربية، التي نشرت قواتها في البلد التدخل، فيما تبدو الأمم المتحدة عاجزة، ولم يعد مجلس الأمن مهما بسبب الفيتو الروسي».
ويرى تيسدال أن «الرئيس الأسد يبدو في الوقت الحالي مثل ميلاديتش عام 1995، غير مهتم بالمنطقة، أو الضغط من الخارج، فالأدلة التي تدينه بجرائم حرب كثيرة، ولم يتم حتى الآن توجيه أي إدانة له».
ويخلص الكاتب إلى القول، «إن الغوطة الشرقية اليوم مثل سربرنيتشا عام 1995، ترتكب فيها جرائم فظيعة، وتمثل إبادة جماعية. في تشرين الثاني/ نوفمبر حكما أخيرا على ميلاديتش بجريمة الإبادة في لاهاي، واستغرق ذلك 22 عاما، فكم عدد الأطفال الذين سيُقتلون قبل تحقيق العدالة في سوريا؟».
والحال أن وضع سوريا والغوطة يبدو أسوأ من سربرنيتشا، فما يحظى به طاغية دمشق من دعم هذه الأيام، يفوق ما حصل عليه «ميلاديتش»، لأن روسيا اليوم في وضع أفضل بكثير مما كانت عليه في السابق، كما أن سوريا ليست البوسنة، فهنا يوجد الكيان الصهيوني، وحساباته تحدد مواقف الدول الغربية أكثر من أي شيء آخر.
سوريا مجرزة القرن الجديد التي تولى كبرها خامنئي حين قرر مواجهة شعب طلب الحرية والكرامة، عبر سيل من الشعارات الكاذبة، لكن معركتها لم تضع أوزارها بعد، فهنا والآن، ينزف الجميع، وما خلفته الحرب من موت ودماء ودمار لن يهدأ، ولو سيطر القتلة على كل التراب السوري، فضلا عن أن تتوزعه قوىً كثيرة، ها هي تتصارع فيما بينها بلا توقف.
في 31 كانون الثاني (يناير) 2011 قال الرئيس السوري بشار الأسد في إجابة على أحد الأسئلة إن سورية تختلف عن تونس وعن مصر، وإنها بالتالي بمنأى عما يحصل لهذين البلدين. قال ذلك في سياق حديث مطول مع صحيفة الـ «وول ستريت جورنال» الأميركية. حينها كان الربيع العربي في بدايته. في ذلك التاريخ كان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي هرب. الرئيس المصري حسني مبارك كان على بعد 11 يوماً من التنحي. أما بشار الأسد فكان وهو يتحدث للصحيفة الأميركية على بعد شهر ونصف الشهر تقريباً قبل أن تدق موجة الثورة أبواب الشام. استغرب البعض كيف أن هذا الربيع بطموحاته وأهدافه بدأ في تونس وليس في سورية. والأرجح أن الرئيس السوري نفسه كان لا يقل دهشة وفي الوقت ذاته أكثر خوفاً من ذلك. ومع أن الشام كانت آخر محطات موجة الربيع إلا أن خوف الأسد تغلب على دهشته. والخوف أحد مصادر التوحش.
كان الأسد محقاً في ما قاله عن اختلاف سورية، لكن بمعنى لم يصرح به في إجابته. كان في حديثه يبعث برسالة مبطنة إلى السوريين بعدم الانجرار وراء إغراءات الموجة. وكشفت الأحداث هذا المعنى المبطن بأن سورية لم تختلف عن مصر وتونس. ما اختلف لم يكن المجتمع، ولا الناس، وإنما النظام السياسي السوري برئيسه الوريث، وبجيشه وأجهزته الأمنية المتسربلة بعقائدية جعلتها في مواجهة مع الناس منذ 1970. على مدى سبع سنوات من القتل والتدمير الممنهج تبين أن النظام كان يتربص بالشعب، ويتسلح خوفاً من الشعب.
السؤال الذي يثير حيرة المراقبين: كيف لنظام يمارس في حق شعبه هذه البشاعة ويمعن فيها كنهج ثابت، وبدم بارد؟ هناك سؤال ثان لا يقل أهمية: كيف يمكن تفسير الموقف الأميركي مما يحدث لسورية تحديداً؟ لماذا واشنطن مهتمة بالعراق، وليس بسورية وما يحدث لشعبها من مذابح؟ لا حاجة للسؤال عن الموقفين الروسي والإيراني. فالإجابة معروفة على رغم اختلاف هدف كل منهما من وراء الولوغ في الدم السوري.
نبدأ بالسؤال الأول. عندما تقارن نهج النظام السوري في التعامل مع الشعب السوري، حتى قبل أن يولد بشار الأسد، مع النهج الإسرائيلي في التعامل مع الشعب الفلسطيني، ستجد تماثلاً كبيراً بينهما. هو نهج شرس يتسم بالقسوة والدموية لوأد واستئصال أي معارضة لسياسة النظام. في إسرائيل النظام في حال صراع وجودي مع الفلسطينيين على الأرض. في سورية النظام يعتبر نفسه في حال صراع وجودي مع الشعب ليس على الأرض، وإنما على الحقوق في السياسة والحكم. المشترك بين النظامين السوري والإسرائيلي هو شعور متمكن بالخوف من أقلية قد تستغل أية ثغرة، في أية لحظة، لتنقض من خلالها. وناتج ذلك حساسية أمنية مفرطة لأقلية تمسك بالحكم أمام غالبية كاسحة تشكل في نظر الأقلية مصدر خطر دائم. الإسرائيليون، حكومة وشعباً، يجدون أنفسهم أقلية صغيرة أمام شعب تحت الاحتلال. لكن لهذا الشعب امتدادات قومية ودينية على طول العالم العربي وعرضه. في سورية تحول الحكم بعد 1970 إلى حكم وراثي داخل عائلة علوية، أي تنتمي لأقلية صغيرة. وتبدت ذهنية الأقلية الحاكمة وعلاقتها بالغالبية في أجلى صورها في النموذجين الإسرائيلي والسوري. الأب الروحي لليكود الإسرائيلي زئيف جابوتنسكي أعطى اسماً لهذه الذهنية هو «الجدار الحديدي». يقول في مقالة له عام 1923: «يمكن للاستيطان أن ينمو تحت حماية قوة لا تعتمد على السكان المحليين، بل خلف جدار حديدي هؤلاء السكان أعجز من أن يسقطوه». (انظر The Iron Wall Avi Shlaim, 2000, 13-16) وهو يعنى بالجدار الحديدي قوة الحديد والنار. المفارقة هنا أن علاقة القوة هذه في الحال الإسرائيلية هي علاقة مستوطنين بشعب محتل، وفي الحال السورية هي علاقة نظام حاكم بشعبه، أو ما يفترض أنه كذلك. في هذا الإطار إذا كان الإسرائيليون ينظرون للسياسة الخارجية من زاوية أمنية قبل أي شيء آخر، فإن النظام السوري ينظر للسياسة الداخلية (وليس الخارجية) من الزاوية ذاتها قبل أي شيء آخر.
ماذا عن حكاية المقاومة التي يرددها النظام السوري؟ أمام هذا السؤال ضع نصب عينيك الملاحظات التالية: أن النظام المقاوم لا يعتمد على علاقة قوة مع شعبه كالمشار إليها، ولا يمكن أن يستعين بقوات وميليشيات أجنبية ضد شعبه. فهذه الاستعانة تعني أنه يفتقد قاعدة شعبيه تغنيه عنها، وأنه يتعامل مع شعبه على أنهم أعداء وليسوا مواطنين. ثم كيف لنظام مقاوم أن يطبق في حق شعبه وهو في حال حرب مع العدو مبدأ «إما أن أحكمكم أو أقتلكم»؟ هذا مبدأ سافر للجريمة وليس للمقاومة. والجريمة والمقاومة لا تجتمعان في عقل نظام واحد. وإذا كانت المقاومة هي من أجل الحرية، فالنظام السوري لا يعترف أصلاً بحق للسوريين في الحرية أو في الأمن. والشاهد على ذلك مجازره منذ حماة عام 1982، وفي المعتقلات، وصولاً إلى المجازر المتنقلة بعد الثورة يقترفها بتعمد وإصرار، وآخرها ما يحدث لغوطة دمشق هذه الأيام. في هذا السياق ستلاحظ أن عدد من قتلهم النظام السوري من السوريين حتى قبل الثورة يفوق من استشهد منهم أمام الإسرائيليين. أما بعد الثورة فإن ضحايا النظام من السوريين فقط خلال سبع سنوات (فقط) يفوق بمرات ضحايا الجيش الإسرائيلي من كل العرب خلال 70 سنة من الصراع والحروب.
عندما نأتي للموقف الأميركي سيكون علينا ملاحظة عامل الموقع الجيو- استراتيجي قبل غيره لكل من العراق وسورية. وليس غريباً أن يتكامل هذا الموقف في عدم مبالاته بمصلحة السوريين مع موقف النظام. كانت سورية ولا تزال تحتل موقعاً أقل أهمية من العراق بالنسبة لواشنطن. فالعراق بالنسبة للأخيرة فضلاً عن أنه أغنى وأكثر قوة من سورية، يقع بين إيران، وجنوب شرقي آسيا، وامتداد روسيا شرقاً، وبين الخليج والجزيرة العربية غرباً. وهذا موقع مهم للولايات المتحدة، خصوصاً بعد تصاعد النمو في آسيا الباسيفيكية، لا سيما تنامي قوة الصين في شكل متسارع، إضافة إلى عودة روسيا للمنطقة وطموحات إيران النووية. في المقابل تقع سورية بين إسرائيل وتركيا. وكل منهما قوة عسكرية ضاربة، وحليف لواشنطن، وبالتالي تشكلان معاً حاجز مراقبة دائمة على سورية يخفف من أعباء الدور الأميركي في المنطقة. يضاف إلى ذلك أن سورية يحدها من الشرق العراق، ومن الجنوب الأردن تليه السعودية ومصر، وكلها بلدان صديقة لواشنطن. هذا ما يفسر إلى حد كبير تسليم أميركا الملف السوري لروسيا وانكفائها حتى الآن عن الدخول عسكرياً في شكل كبير في الصراع الدائر هناك. المربك في السياسة الأميركية عدم تبلور موقفها استراتيجياً وبدرجة واضحة من إيران وميليشياتها في سورية والعراق معاً.
تبدو سورية مختلفة بالفعل. لكنه اختلاف النظام بطبيعته العقائدية وتركيبته السياسية التي جعلته في حال صدام دائم مع المجتمع يتدانى أمامه الصدام مع الخارج، خصوصاً إسرائيل. يبدو أن حافظ الأسد كان مدركاً لهذه المفارقة القاتلة. لذلك حاول التخفيف منها بالاحتفاظ بغطاء عربي، إلى جانب التحالف مع إيران. انقلب الموقف مع بشار الذي دفعه التوريث للتضحية بالغطاء العربي لمصلحة التحالف مع إيران. وعندما جاءت الثورة أرغمه هذا التحالف على إعادة سورية إلى ساحة صراع غير مسبوق بين قوى إقليمية ودولية فقد معه سيطرته على القرار. سورية مختلفة، ولذلك تدفع ثمناً قاسياً لنظام مختلف بعقيدته وأهدافه وتحالفاته.
تعيش الغوطة الشرقية اليوم أسوأ أيامها، وحين نقول “أسوأ”، فلمتتبع أخبارها أن يخمن معنى ما تواجهه من إبادة، فالتوصيف الدقيق، لما يجري في الغوطة الشرقية اليوم، لا يمكن لمفردة غير “إبادة” أن تصفه، ولندع جانبًا كل ما كُتب سابقًا عن إمكانية الوصول إلى هذا الواقع، نتيجة حالة التشرذم والاقتتال الداخليين، ولنكتفِ بالحالة الإنسانية هناك، حيث فصول إجرام الأسد والروس تزداد قبحًا وهمجية، وليس من اللائق أمام الكوارث الإنسانية أن تتم مراجعة سلوكيات، ساهمت في إيصال حال المدنيين في الغوطة إلى ما هم عليه اليوم.
نقرأ إحصاءات الشهداء يوميًا، كما نقرأ إحصاءات وأخبارًا أخرى: القتلى، الجرحى، أطفالًا ونساءً، عدد النقاط الطبية التي أصبحت خارج الخدمة، استهداف ممنهج للأفران ومقار الدفاع المدني وغيرها. نتأثر، نُصاب بالحنق، نلعن ونشتم، ثم تتحرر ذاكرتنا هروبًا من عجزنا المطبق، الغوطة الشرقية محاصرة أيضًا! نعم، وهناك أسلحة جديدة أشد فتكًا بدأ الأسد باستخدامها، العملية التعليمية متوقفة بسبب القصف والحصار. فنتوقف دقيقة لنجمع كل هذه الذاكرة؛ فبهذا يمسي المشهد أكثر وضوحًا وأكثر ألمًا.
“الطيران الروسي وطيران الأسد يستهدفان الغوطة الشرقية بعدة صواريخ موجهة، وارتقاء عشرة شهداء وجرح ثلاثين، بينهم عشرة أطفال وثمانية نساء”. انتهى الخبر، ولكن هناك أشياء لم تُذكر، وأشياء لمّا تنتهِ بعد؛ ففي مكان الاستهداف هناك عوائل عانت -وما تزال- الجوع، منذ أشهر عديدة، وهناك أطفال يخجلون من التذمر أو الشكوى لجوع أصابهم، فآبائهم وأمهاتهم -إن وجدوا- عاجزون عن تأمين بضع لقيمات لهم. أليس لهذا السبب خرج رجل من دوما إلى الشارع، بعد أن اكتظت سماؤها بالطائرات الحربية والمروحيات المحملة بالبراميل المتفجرة؟ بلى، لقد خرج إلى الشارع وصاح وبكى مخاطبًا الطيارين: “اقصفوني! لن أتحرك، سأبقى في مكاني كي تكون إصابتكم محققة”. هل قرأتم هذا في الخبر!
عشرات العوائل انحشرت في قبوٍ لا يتسع إلا لرُبعهم، هم يسمعون هدير الصاروخ وانفجاره، وهذا ما لا يُذكر في الخبر. يسمعونه رغم أصوات القصف الأخرى وضجيج مئات الأصوات داخل “القبو”، صادرة عن ملايين الأسباب! فبينهم طفل مصاب وجائع، يُجرون له في “القبو” بعض الإسعافات، فلا يمكن الخروج به تحت أمطار القذائف، وإلى أين سيأخذونه؟ إلى نقطة طبية لم تعد تمتلك حتى “الشاش”! والطبيب الوحيد هناك استشهد في مكان إصابة الطفل ذاته، وليعلن بعد ساعات قليلة: “خروج النقطة الطبية عن الخدمة”، فالطيار الروسي ماهرٌ باستهدافها، نعم، ربط تسلسل الأخبار يغيب عنا، حين نقرأ أخبارًا متفرقة!
يتخلل هذا المشهد أخبار استشهاد فلان وعائلته، والحي الفلاني تجاوزت فيه الإصابات ثلاثمئة شخص. وعلينا أن نعلم أن مَن في “القبو” هم هناك منذ أيام، ولم يستطع أحد الوصول إليهم نتيجة أمطار القذائف، هذا الحال لا يتوقف بين قراءتنا لخبر وزمن قراءتنا لخبر آخر مشابه!
في المكان ذاته الذي استهدفه طيران الأسد والروس في الغوطة الشرقية، علقت عائلة كاملة تحت الأنقاض، ورغم أمطار القذائف يتوجه رجال الدفاع المدني إلى هناك، فيسعفون من هذه العائلة الأم وطفلين، ويبقى البقية تحت الركام، إما ميتون أو أنهم سيموتون خلال دقائق، هي دقائق لقارئ الخبر، أما بالنسبة إليهم، فتحت الركام الدقيقة بألفٍ مما تعدّون، أحد أطفال الأم المُسعفة إصابته خطرة، بل بالغة الخطورة، فقطعة من رأسه ليست في مكانها، كما أن نصف قدمه اليسرى يتأرجح، رغم عدم وجود مفصلٍ في مكان التأرجح، يبكى وينوح، وينزف، وينظر إلى من هم حوله: ماذا تستطيعون عمله لي؟ هذا السؤال لا يظهر في الخبر! كما لا يظهر فيه طلب الأم المُسعفة من أحد المسعفين أن يقتل طفلها، فآلامه أصعب عليها من موته!
هناك أشياء لم تُذكر، وأشياء لمّا تنتهِ بعد حتى في هذا المقال، ليس ضعفًا في إمكانية التوصيف، بل لأنها خارج إمكانيته، هي أشياء لا توصَّف، هي أشياء لا مفردات لها في اللغة، لأنها لم تحدث من قبل.
إطلاق موسكو مفاوضات الهدنة حول الغوطة الشرقية في مجلس الأمن، تسليح واشنطن لقوات سورية الديموقراطية وقصفها لما يقل عن مئة من المرتزقة الروس في الشرق السوري، وثم موافقتها على بيع أسلحة متطورة لأوكرانيا كلها مؤشرات على عودة الحرب الباردة إنما بعيار أقوى بين أميركا وروسيا.
وإذا كانت الحرب الباردة التي انتهت في ١٩٩١ أحاطها تنافس أيديولوجي وفكري حول نهج الحكم بين الليبرالية الديموقراطية والعقيدة الشيوعية، فإن مواجهة اليوم لا ترتقي إلى مستوى التنافس الأيديولوجي وهي في شكلها وأدواتها أشرس وأوسع، وتدور حول تقاسم النفوذ وخوض حروب استخباراتية وعمليات تجسس، وأخرى بالوكالة بأدوات وفرق مختلفة على الأرض.
وهذا الشهر، هناك اسم واحد يلخص هذه المواجهة وهو رجل الأعمال الروسي والأوليغارك المقرب من فلاديمير بوتين يفجيني بريغوزين. بريغوزين ووفق «واشنطن بوست» كان الوسيط بين الكرملين ونظام الأسد في تخطيط هجوم 7 شباط (فبراير) الفاشل ضد قوات سورية الديموقراطية ومعهم جنود أميركيين في شرق سورية، والذي ردت واشنطن عليه بالدفاع عن قواتها وإسقاط مئتي ضحية وفق رويترز من شركة «فاغنر» الروسية التي يشرف عليها بريغوزين.
مخطط بريغوزين في شرق الفرات لضرب الوجود الأميركي تم تنسيقه مع وزير الشؤون الرئاسية السوري منصور فضل الله عزام، وفيه بحسب تقارير استخباراتية على الأرجح أميركية تجسست على اتصالاته وعد الأوليغارك الروسي نظام الأسد بـ «بمفاجأة جيدة بين 6 و9 شباط (فبراير)» وأكد له عزام أنه «سيحصل على مستحقاته». المفاجأة انهارت أمام الطائرات الأميركية، ووجد بريغوزين نفسه بعد الاعتداء منزوع الغطاء من الكرملين الذي أبقى مسافة من الاعتداء، وأكد فقط مقتل خمسة أشخاص.
إلا أن اسم بريغوزين تكرر مرة أخرى في التحقيق في تدخل روسيا وإدانته من المحقق الأميركي الخاص روبرت مولر الأسبوع الفائت، بتمويل والإشراف على حملة دعائية روسية داخل الولايات المتحدة روجت لدونالد ترامب وبيرني ساندرز وجيل ستاين وهاجمت هيلاري كلينتون. وما من شك أن الكرملين سينفي وقد يستخدم بريغوزين ككبش محرقة، إلا أن دوره يعكس حجم المواجهة وتعدد أدواتها بين الطرفين.
روسيا تحاول منافسة واشنطن في عقود النفط والغاز من جزيرة القرم وإلى الدول الخليجية وحتى تركيا، وحديثاً في لبنان حيث استحوذت شركة نوفاتيك على أحد العقود الثلاثة للتنقيب عن النفط والغاز. وهي تستخدم الورقة الكردية في سورية للمناورة مع أنقرة بفتح الأجواء حيناً والتشدد حيناً آخر.
هذه الرقصة الروسية تقلق الأميركيين خصوصا النخبة الاستخباراتية والخارجية والدفاعية. فعمليات القرصنة والتدخل في انتخابات 2016 كانت بحجم غير مسبوق من موسكو في الولايات المتحدة، كذلك محاولاتها أثارة الانقسام بين أميركا وحلفائها بينهم تركيا، ومواجهة الوجود الأميركي العسكري مباشرة في سورية. وفي حين كان الرد الأميركي دفاعياً حازماً وقاسياً، فإن الرد السياسي والاستخباراتي أصعب.
وحاول وزير الخارجية ريكس تيلرسون في زيارته طمأنة أنقرة والبحث بحلول تستجيب لمطالب الجانبين، وفي بيروت الدخول على مفاوضات النفط والغاز وإيجاد حل مع إسرائيل حول «البلوك9».
ما هو مؤكد أن الاشتباكات الروسية - الأميركية لم تعد تحت الطاولة، والمواجهة دخلت مرحلة شرسة ومفتوحة في عدة ملفات وتطال علاقات جيواستراتيجية للطرفين. وفي حين تجاهلت الإدارة الأميركية المتعاقبة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، الخطر الروسي ورفضت التعامل مع بوتين بداية كتهديد استراتيجي، لا تمتلك إدارة دونالد ترامب سوى خيار المواجهة الذكية. وهي رغم العلاقة التجارية التي كانت لترامب مع الروس، ستنصاع لرأي المؤسسات الاستخباراتية والدفاعية، والتي ترى وتقدم أدلة للرئيس حول الإندفاعة الروسية الساخنة من شرق الفرات والى جزيرة القرم وحتى باستهداف الماكينات الانتخابية الأميركية.
وحشية النظام السوري وداعميه الروسي والإيراني، ومن يدور في فلكهم، ليست أمراً جديداً، ونحن نراها اليوم واقعاً، مرة أخرى في الغوطة الشرقية في ريف دمشق، والتي تتعرّض لقصف همجي قتل وجرح مئات من أبنائها، وذلك بعد حصار لئيم استمر سنواتٍ عجاف. أيضاً، ليس النفاق الدولي في سورية أمراً جديداً منذ انطلقت ثورة شعبها عام 2011، لا لشيء إلا كي يحيا حراً كريماً، فكانت النتيجة أن سُحق بالطائرات والصواريخ والمدفعيات، بل حتى بالغاز السام، في حين يكتفي العالم بالتنديد بـ"جرائم ضد الإنسانية" من دون فعل حقيقي لوقفها. وإذا ما أخذنا بالتجارب السابقة التي خبرها الشعب السوري في السنوات السبع الأخيرة، فإن موجة التنديد الدولية، وفي مقدمتها الأميركية والغربية، بما يجري للغوطة الشرقية وقاطنيها الثلاثمائة وخمسين ألف نسمة، لن تفضي إلى وقفها، بقدر ما أنه سيتم الالتفاف عليها، عبر اتفاقات غبن تقوم على إخراج المعارضة المسلحة منها، وإجلاء نسبةٍ كبيرةٍ من سكانها، تماماً كما جرى في حلب أواخر عام 2016، وكما يتم الإعداد له في إدلب اليوم. هذا هو حصاد الوحشية والنفاق الغربي والروسي والإيراني، دع العربيَّ جانباً الآن. فما العرب إلا بيدق يتبعون قوى كبرى أخرى توجه بوصلتهم.
المفارقة أن نفاق الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة، وروسيا وإيران، يتجاوز الممارسة إلى المزاودة على بعضهم بعضاً، أيهم أكثر نفاقاً وكذباً، بل وقل إجراماً. إلى اليوم، لم نسمع موقفاً أميركياً أو غربياً حازماً، ولو من باب ذرِّ الرماد في العيون، مما يجري من مذابح في الغوطة الشرقية. الولايات المتحدة مشغولة بتثبيت نفوذها عند حقول النفط والغاز السورية في ديرالزور والرقة والحسكة. وهي، قبل أسابيع قليلة، قصفت قوات موالية لبشار الأسد، كان فيها مرتزقة روس، تقدموا نحو دير الزور، وهاجمت، كما قالت واشنطن، حلفاءها في قيادة قوات سورية الديمقراطية التي يسيطر عليها الأكراد. النكتة الأكثر سماجةً أن يتهم وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، قبل أيام قليلة، الولايات المتحدة بأنها قوة احتلال في سورية، في حين يدافع عن وجود قوات بلاده، وطبعاً القوات الروسية في سورية، على أساس أن النظام السوري "الشرعي" هو من استدعاها! أي نفاق هذا! هو لم يستدعها لدفع عدوانٍ أجنبيٍّ على سورية، وإنما لإعانة نظامه الهمجي على قتل شعبه الذي ثار عليه.
قبل أيام من تصريحات ظريف، طالب وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، من عمّان، إيران بسحب جنودها والمليشيات التي تدعمها من الأراضي السورية. وفي سبتمبر/ أيلول 2016 اتهمت الولايات المتحدة روسيا بأنها تقوم بأعمال "وحشية" في سورية، وبأنها تحتمي وراء حق النقض الذي تمتلكه في مجلس الأمن الدولي، وكأن الولايات المتحدة لا تفعل الأمر نفسه، وما غزوها العراق وتدميره إلا نقطة صغيرة في بحر سوء أفعالها. ولكن لعبة الباب الدَّوارِ لا تتوقف عند حدٍّ، فروسيا تعرف أيضاً كيف ترد. ها هو وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، يحذّر قبل أيام أميركا من اللعب بالنار، ويتهمها بمحاولة تقسيم سورية، عبر دعمها المقاتلين الأكراد في الشمال. المفارقة الثانية، في هذا السياق، أن يدعو لافروف واشنطن إلى الالتزام باتفاق خفض التصعيد جنوبي سورية. وحسب تعريفه، فإن الالتزام بالاتفاق يكون بتسليم الجنوب لقوات النظام. يبدو أن هذا هو تماماً الفهم الذي يحرّك روسيا وإيران ونظام الأسد في الغوطة الشرقية.
لقد تحولت سورية إلى كعكةٍ تتنافس الأيادي على تقاسمها، والظفر بأحسن ما فيها. أيضاً، تحولت سورية إلى ساحة حرب إقليمية ودولية، وهي كذلك ساحة حرب بالوكالة. لم يعد القرار قرار النظام، ولا هو قرار المعارضة. كلهم مرتهنون لمصالح وأجندات خارجية. سورية اليوم ممزقة إلى مناطق نفوذٍ روسية وأميركية وإيرانية وتركية وإسرائيلية. وحدهم السوريون أصبحوا غرباء في وطنهم. إنها لعبة شطرنج، إقليمية ودولية، على الجثة السورية، يكسب الكل فيها شيئاً إلا أبناؤها وأهلها. هذا ما جناه نظام الأسد على سورية والسوريين.
كنت أتمنّى أن أختم هذه المقالة برسالة أمل، بالحديث عن ضوء في نهاية النفق، لكن الوقائع تكذب ذلك. لقد انتهى الحال بكثيرين منَّا أن يفرح حين تضرب إسرائيل قوات النظام أو إيران أو مليشياتهما في سورية. ويفرح آخرون حين تُسقط دفاعات النظام الجوية طائرة إسرائيلية معتدية، دمرت بعض قواعد النظام وإيران التي تمارس القتل في حق السوريين. وطرف ثالث يؤيد دخول تركيا إلى الشمال السوري، ورابع يفرح بأي خسائر تلحق بها هناك. وخامس يتمنى صراعاً أميركياً - روسياً على الأرض السورية. وهكذا دواليك. ولكن، ومن أسفٍ، ما عاد أحد يتحدّث عن انتصار إرادة الشعب السوري، أو حتى عن إحلال السلام في سورية، فذلك أمرٌ مؤجل، ولا يعلم متى يأتي إلا رَبُّ العزة جَلَّ وعلا.