مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٤ يناير ٢٠١٦
المصيبة في العرب لا في سايكس – بيكو

مع بداية السنة 2016، يكون مرّ قرن كامل على اتفاق سايكس ـ بيكو الذي رسم، سرّا، خارطة الشرق الأوسط مع بدء انهيار الدولة العثمانية وتحوّلها إلى “الرجل المريض” في المنطقة.

كان سايكس ـ بيكو اتفاقا بريطانيا ـ فرنسيا، علما أنّه كان في البداية بريطانيا ـ فرنسيا ـ روسيا. لكنّ الجانب الروسي لم يعد جزءا من الاتفاق بعدما اندلاع الثورة البلشفية في العام 1917 وانتقال أهل الثورة، على رأسهم لينين، إلى الاهتمام بالشأن الداخلي الروسي وتثبيت السلطة الجديدة التي أقامت “ديكتاتورية البروليتاريا”.

هل كان سايكس ـ بيكو في أساس المصائب والهزائم العربية على كلّ المستويات العربية والتي يتوّجها اليوم التفتيت الممنهج لسوريا ككيان لم يرض يوما بحدوده، بل شكا دائما من أنّ ظلما كبيرا لحق به بسبب سايكس ـ بيكو؟

لم يكن سايكس ـ بيكو في أساس المصائب والهزائم بمقدار ما أنّه كان شمّاعة، علّق عليها عرب كثيرون مشاكلهم وعجزهم لتبرير تقصيرهم وتخلّفهم في آن. كانت المصيبة في قسم من العرب لم يقدّروا قيمة سايكس ـ بيكو، بل استخدموه في عملية هرب مستمرّة إلى الأمام.

بعد مئة عام على سايكس ـ بيكو، تبدو المنطقة في حاجة إلى سايكس ـ بيكو جديد، خصوصا بعدما تبيّن أن العراق الذي عرفناه انتهى، وأن سوريا التي اعتدنا عليها صارت جزءا من الماضي، اللّهم إلّا إذا حصلت أعجوبة تنتزعها من براثن إيران وروسيا و”داعش” وتعيدها إلى أهلها. لا يمكن إنقاذ سوريا، ككيان، إلّا بعيدا عن النظام العلوي القائم الذي يسعى حاليا إلى إنقاذ نفسه عبر إقامة كيان خاص به مرتبط بممّر مع المنطقة الخاضعة لنفوذ “حزب الله”، أي لإيران، في البقاع اللبناني.

ما جعل سايكس ـ بيكو يفشل، علما أنّه كان في الإمكان تحويله إلى قصة نجاح، الابتعاد العربي عن كلّ ما هو منطقي وواقعي، بدءا بالعجز عن استيعاب أن المطلوب منذ البداية الحدّ من أضرار المشروع الصهيوني وليس عمل كلّ شيء من أجل خدمته.

نسي معظم العرب أنّ وعد بلفور الذي “ينظر بعين العطف إلى إقامة وطن لليهود في فلسطين” كان في العام 1917، أي أنّه مرتبط، إلى حدّ كبير، باتفاق سايكس ـ بيكو الذي توصلّت إليه بريطانيا وفرنسا في السنة 1916.

لم يستطع العرب، عموما، فهم معنى التعاطي مع موازين القوى ببرودة وبشكل علمي. كلّ من تعاطى مع موازين القوى بعقل مستنير ذهب ضحيّة العنف والإرهاب. هناك مثلا مهمان على ذلك. اغتيل الملك عبدالله الأول (الأردني) في القدس، واغتيل رئيس وزراء لبنان رياض الصلح في عمّان، على يد عناصر من حزب فاشي، مكوّن من مجموعة أقلّيات، كان ولا يزال يعمل في خدمة كلّ ما من شأنه إنجاح عملية التدمير المستمرّة للمجتمعات العربية. كان ذنب عبدالله الأوّل ورياض الصلح أنهما حاولا إدخال بعض العقلانية إلى الرؤوس العربية الحامية والمريضة في الوقت ذاته.

اعتقد معظم العرب أنّ الشعارات كافية لإيصالهم إلى ما يطمحون إلى تحقيقه. لم يفرّقوا يوما بين الحقيقة والخيال. لذلك لم يتعاطوا مع سايكس ـ بيكو كحقيقة وواقع. لم يعملوا على تطويره. حاولوا تجاوزه، وذلك من أجل تدمير ما بقي من كيانات سياسية كان للاتفاق البريطاني – الفرنسي الفضل في قيامها.

من قرار التقسيم في 1947 الذي رفضه العرب، إلى الانقلاب العسكري في سوريا عام 1949، إلى الانقلاب العسكري في مصر في 1952، إلى حرب السويس في 1956، التي كانت كارثة مصرية بكلّ معنى الكلمة، وصولا إلى التخلص من النظام الملكي في العراق صيف 1958، مرورا بالوحدة المصرية – السورية التي أسست لنظام الأجهزة الأمنية في سوريا و”الإشتراكية” التي تُفقّر المواطن، استمرّ مسلسل المآسي. توّج هذا المسلسل باستيلاء البعث، بكلّ تخلّفه، على السلطة في سوريا والعراق وتكريس لاجتياح الريف للمدينة والقضاء على كلّ ما هو حضاري فيها.

لم يكن هناك عقل عربي يمنع كارثة حرب 1967، التي لا تزال المنطقة تعاني من نتائجها إلى يومنا هذا. لم يكن هناك عقل عربي يمنع سقوط لبنان ويتحسّب لمعنى هذا السقوط ولنتائجه في المدى الطويل. عندما شجّع العرب، على رأسهم النظام الأقلّوي في سوريا، على إغراق لبنان بالمسلّحين الفلسطينيين والسلاح المرسل إلى الميليشيات الطائفية ثمّ المذهبية، كانوا يزرعون بذور المآسي التي نعاني منها اليوم، على رأسها المأساة السورية. لم يعد مستبعدا أن تأتي السنة 2016 بالخطوط العريضة لسايكس – بيكو جديد بمشاركة روسية علنية هذه المرّة، في حين سيحلّ الأميركي والإسرائيلي، وربّما الإيراني أيضا، مكان البريطاني والفرنسي، أي مكان السيّديْن ماركس سايكس وفرنسوا جورج بيكو.

لم يمتلك لبنان ما يكفي من المناعة الداخلية لمواجهة العقل التخريبي للأنظمة العربية التي تآمرت من أجل حصر الصراع مع اسرائيل بأرضه وبأهل الجنوب المظلومين تحديدا. شاء هذا العقل العربي التخريبي المتخلّف معاقبة لبنان على اتخاذه قرارا صائبا وحكيما يقضي بعدم مشاركته في حرب 1967 بغية المحافظة على أرضه. فُرض على لبنان اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969 عقابا له على اعتماده الحكمة والتروّي.

لا يزال البلد يعاني من نتائج هذا الاتفاق، خصوصا بعدما حلّت ميليشيا “حزب الله” مكان الميليشيات الفلسطينية وذلك من أجل تكريس لبنان “ساحة” استخدمها النظام السوري طويلا، وتستخدمها إيران اليوم بالشكل الذي يخدم مصالحها التي لا تبدو بعيدة بأي شكل عن المصالح الإسرائيلية.

كان سايكس ـ بيكو نعمة، لم يستطع أي نظام عربي المحافظة عليها والتكيف معها والعمل على تطويرها بما يخدم أهل المنطقة ومستقبل أبنائهم. على العكس من ذلك، استُخدم سايكس ـ بيكو عذرا ليقمع كلّ نظام شعبه باسم فلسطين أحيانا، وباسم الوحدة العربية ومواجهة الاستعمار والإمبريالية العالمية في أحيان أخرى.

لم يكن العرب من أهل المشرق، يستحقون سايكس ـ بيكو. هل سيستحقون ما سيخلف سايكس – بيكو في ظلّ “داعش” والمشروع التوسّعي الإيراني الذي ألغى الحدود المعترف بها بين الدول العربية لمصلحة الرابط المذهبي؟

هل ستكون المشاركة الروسية في سايكس ـ بيكو الجديد مساهمة إيجابية في مجال رسم خريطة جديدة أكثر استقرارا للشرق الأوسط؟ الأكيد أن الجواب هو لا وألف لا، خصوصا أن روسيا – فلاديمير بوتين دولة مريضة من كلّ النواحي، فيما المشروع التوسّعي الإيراني لا يمكن أن يكون له أيّ مستقبل لسبب في غاية البساطة. يعود هذا السبب إلى أنّ ليس لدى إيران الحالية أيّ نموذج سياسي أو اقتصادي أو حضاري تقدّمه، باستثناء استثارة الغرائز المذهبية والبناء على ما يتبع ذلك. إنّه مشروع قائم على التدمير من أجل التدمير ليس إلا.

كم سيترحّم العرب على سايكس – بيكو في ذكرى مرور مئة عام عليه. كان هدية من السماء لم يتمكّنوا من المحافظة عليها، لا لشيء سوى لأنّهم لم يدركوا منذ البداية معنى أن تكون لديهم دول وأنظمة سياسية قادرة على تطوير نفسها بنفسها، بدل اللجوء إلى الأنظمة العسكرية والأجهزة الأمنية التي وُلدت من رحمها الميليشيات المذهبية، من “داعش”، التنظيم السنّي اسما، إلى “الدواعش” الشيعية بتسمياتها المختلفة.

اقرأ المزيد
٤ يناير ٢٠١٦
تقسيم التقسيم

 كثيرة هي الكتابات الغربية التي تتحدّث، اليوم، عمَّا ستسفر عنه حروب المشرق العربي الدائرة رحاها على أرض سايكس بيكو، من تقسيم جديد للمنطقة. معاهد أبحاث وصحف ومجلات رصينة، ليبرالية ويمينية على السواء، تتناول المآلات التي تبدو في نظرها "حتمية" للحروب الدائرة اليوم في سورية والعراق. بدأ موضوع التقسيم في العراق باكراً، وكان نتيجة حرب أيضاً. فقد أسفرت قرارات الحظر الجوي، في أعقاب الحرب الأميركية الأولى على العراق (1991)، عن وجود منطقتين، كادتا تخرجان من الجغرافيا العراقية التي كان يحكمها نظام صدام حسين: الجنوب والشمال. سُمح لصدّام بقمع الجنوب وإعادته إلى كيان الدولة العراقية، فيما لم يُسمح له بالتحرك متراً في مناطق الشمال الكردي (اللهم إلا لقمع تحرك جلال طالباني، حليف الإيرانيين، لمصلحة البرزاني حليف الغرب). أي حديث، الآن، عن وحدة للتراب العراقي تشمل الشمال الخاضع للسيطرة الكردية هو هراء. العكس صحيح، فقد تكون أولى ثمرات ما يجري في العراق قيام دولة كردية ستحظى، بلا إبطاء، باعتراف أوروبي وأميركي.

سايكس بيكو ليستا كلمتين عابرتين في الحياة العربية. إنهما الأساس القانوني الذي قامت عليه "الدولة الوطنية" المشرقية، وما أنتجته من هوياتٍ تبدو اليوم في مهبِّ الريح، لصالح تفتيتٍ أكثر وهويات أصغر. لكن الاتفاقية التي مهرت باسمي المفاوضيْن، البريطاني مارك سايكس والفرنسي فرانسوا جورج بيكو، بمعرفة القيصرية الروسية عام 1916، وظلت سريِّة إلى أن قامت الثورة البلشفية الروسية، وفضحتها بعد ذلك بعام، لم تكن سوى بداية "الخيانات" الغربية لوعود قطعت للعرب لم تتحقق قط.

هناك اتجاه "بحثي" و"صحافي" أميركي يقول إن الدول الأوروبية ارتكبت خطأ استراتيجياً بـ"تنازلها" لكمال أتاتورك في اتفاقية لوزان (1922) عمّا أقرَّته اتفاقية سيفر، قبل ذلك بعامين، بموافقة ممثل السلطان العثماني، ففي تلك الاتفاقية التي وقعت في مصنع للخزف في هذه الضاحية الباريسية، كانت هناك نواة دولة كردية. كان هناك "تجانس عرقي" أكثر لصالح غير المتكلمين بالتركية التي اعتبرت معياراً، في حينها، للقومية. هذا يعني شيئاً واحداً واضحاً: الإقرار بحق الأكراد في كيان خاص بهم. ولكن أين؟ في العراق هم فعلياً دولة، لكنهم ليسوا كذلك على المستوى الرسمي. فهل تنتهي الحرب بقيام دولةٍ كردية تتجاوز، مع تداخل الحدود والمعارك التي تمحي الحدود الآن، العراق، لتصل إلى تركيا وسورية، وربما إيران لاحقاً؟ لا أحد يعرف. المؤكد أن القوى السياسية الكردية صارت أفضل حليف غربي في المنطقة. الحاجة بين الغرب والأكراد متبادلة. الغرب يريد حليفاً، غير قابل للاختراق الإسلاموي في المنطقة، والأكراد يريدون قوة دولية تأخذ بيدهم إلى الاستقلال.

قضية الأكراد مفهومة، مزمنة، ومؤسفة في خيانة القوى السياسية العالمية والإقليمية لهم. لكن، كيف نفهم الحديث الغربي عن التقسيم في إطار "المكوِّن" العربي نفسه؟ إما أن الغرب الذي يدّعي فهم المنطقة لا يفهمها، أو أنه يلعب، كالعادة، على أوتار قد تجد رنيناً لدى بعضهم.. أو ربما الكثرة في هذه الآونة المريضة. فنحن لا نتحدث عن تقسيم "عرقي"، بل طائفي، وربما مناطقي في داخل "الإثنية" الواحدة التي تتفاخر، وتتنابز، في انتسابها إلى عدنان وقحطان. لاحظوا معي الخارطة السورية التي نشرت، قبل أيام، مع مقال لكاتب بريطاني يتحدث فيه عن صراعات الشرق الأوسط المحتمل أن تؤدي إلى التقسيم. الخارطة من وضع معهد واشنطن (!). ما هي مفاتيح تلك الخارطة؟ إنها التالية: سني، تركماني، كردي، بدوي، مسيحي، شيعي، إسماعيلي، علوي، دروز.

تخلط هذه الخارطة البائسة بين الإثنية الحقيقية (أكراد، تركمان) والطائفية: سني، شيعي، علوي إلخ.. وحسب علمي، لم يصنف العلويون والدروز والإسماعيليون أنفسهم في خانة إثنية خاصة بهم. ولا يشكل السنة إثنية قائمة بذاتها، بيد أن الأغرب، والأكثر مدعاة للسخرية، هو اللون الخاص بالبدو على الخارطة. في خارطةٍ كهذه، إن وجدت سبيلاً للتقسيم، سنكون أمام قومية بدوية، وقومية سنية، وقومية شيعية، وقومية علوية إلخ..

أهذا غباء في معرفة المنطقة فعلاً، أم خبثٌ مبين؟ أرجِّح الاثنين معاً.

اقرأ المزيد
٣ يناير ٢٠١٦
ايران تعربد و السعودية تصفع .. وفي سوريا الفيصل

شهدت حركة المملكة العربية السعودية على مختلف الأصعدة السياسية و العسكرية ، تطوراً كبيراً خلال الفترة الأخيرة و التي بدأت مع وصول الملك سلمان بن عبد العزيز ، و دفع بها لمقدمة الدول العربية و الاسلامية ، و استطاعت في فترة وجيزة من اسعادة مكانتها ، و حققت قفزات مكنتها من الوصول لموقع القادر على توجيه الضربات الفعلية لخصومها ، دون اللجوء إلى الكلام السياسي الخالي من الفعل.

و سلسلة من الأمور قامت بها السعودية و التي كان أحدثها ، و ليس آخرها فيما يبدو ،  قطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران ، على خلفية الاعتداء على سفارتها و قنصليتها في ايران ، هذه الخطوة التي يبدو أنها استكمالاً لخطوات سابقة ، و من المنتظر أن يتبعها خطوات أخرى ستؤثر حتماً على الوضع في سوريا ، التي تشكل الساحة الأنسب للجميع لتصفية حروبهم العسكرية فيها .

وحملت تصريحات عادل الجبير وزير الخارجية السعودي ، الذي استبقها بصمت في مواجهة "العربدة" الايرانية ، تصريحات حملت لهجة التحدي ، لاسيما مع تأكيده خسارة ايران في اليمن و انحسار دورها في أفريقيا ، و أخيراً أتى على سوريا ، التي أكد في شأنها أن ايران لن تستطع انقاذ الأسد ، و هي رسالة تحمل في طياتها أن الساحة القادمة ستكون سوريا ، و الغالب فيها سيكون المنتصر.

المتابع لايران و تصريحاتها السياسية الصادرة عن مختلف المستويات ابتداءً من "مندوب الله " على الأرض على الخامنئي إلى الناطق باسم الخارجية ، يتيقن أن "العربدة" الفارغة هي الاسلوب الذي تقوم عليه ايران في كافة مفاصلها ، و ماهي إلا مارد من ورق ذو جوف فارغ ، و لعل ذلك ظهر جلياً في الحرب على الحوثيين في اليمن و قتل زعيم الشيعة في أفريقيا و أخيراً ، و لن يكون الأخير طبعاً ، اعدام نمر النمر الذي هدد بشأنه هذه المرة خامنئي بـ"عقوبة الهية" ، فهذه العقوبة تدل على العجز الصريح ، المغلف بالتظاهر بمدى وصول المندوب الإلهي على الأرض.

خطوة قطع العلاقات بين السعودية و ايران ، تمهيد لمواجهة فعلية على الأرض السورية ، الذي اتخذت منحى بالتحالف الاسلامي ضد الإرهاب ، و السعي لوضع المليشيات الشيعية التي تقاتل إلى جانب الأسد و في مقدمتها الحرس الثوري الايراني و حزب الله اللبناني و عشرات المليشيات العراقية و الأفغانية و الباكستانية ، وخطوة قطع العلاقات ستكون التمهيد النهائي أمام المواجهة الفعلية على الأرض ، التي ستكون السعودية كداعم جوي لها ، و لاعب مساند على الأرض ، بمساعدة تركية جدية هذه المرة .

 و لعل الافراط في التفاؤل مرده إلى التسلسل الذي سارت عليه الأمور ، والذي تم رسمه وفق هندسة مدروسة ، لكن يبقى التوقع شيء و الواقع شيء آخر ، فعلمتنا الثورة السورية عدم تصديق أي شيء مالم نجده واقعاً و ملموساً.

اقرأ المزيد
٣ يناير ٢٠١٦
مقاومة الجواسيس

لا بد لأي متابع لتاريخ سورية ولبنان المعاصر من الاعتراف بأن بين كل جاسوسين إسرائيليين كبيرين داخل حزب الله والمخابرات السورية جاسوس ثالث أكبر منهما. ولا يظلم الحزب والنظام الأسدي من يقول إن معظم جواسيس إسرائيل ينتمون إلى جهازهما الأمني، المكلف بمكافحة جواسيس إسرائيل وحفظ أمن قادة الحزب والنظام الطائفيين.
لولا الجواسيس الذين يعج حزب ونظام الممانعة والتحرير بهم، لما أمكن قتل عماد مغنية، رجل أمن الحزب الذي لم تعل سلطة فيه على سلطته. ولولا الاختراقات، لما عمل مسؤول الأمن الخارجي في الحزب جاسوساً لإسرائيل، واعتقد كثيرون أنه أعلمها بأمكنة اختباء حسن نصر الله التي لم يخرج منها بعد "نصره الإلهي" عام 2006. ولولا اختراقات عميقة ترصد بدقة، ولحظة بلحظة، حركات كبار قادة الحزب وسكناتهم، لما أمكن رصد سمير القنطار ومتابعته وقتله، وهو الذي توهم أنه آمن في دمشق، ونسي أن عماد مغنية قُتل على بعد أمتار من مكتب العماد آصف شوكت، رئيس المخابرات العسكرية السورية، وفقد رأسه بعبوة زُرعت في مسند رأس مقعده الخلفي، ولو كانت زُرعت حين كان عند أصدقائه في الزبداني، لقتل على الطريق إلى مقر المخابرات العسكرية، وليس داخل حرمها.
ونسي القنطار أن الجاسوس إيلي كوهين كان رفيق سكن حافظ الأسد سبعة أشهر، وأن الأخير زار لندن عام 1963، واختفى من الوفد الرسمي الذي زارها، ثم تبين أنه التحق ببيت ريفي تملكه وزارة المستعمرات البريطانية، أمضى أياماً ثلاثة فيه، بقي ما تم خلالها سرياً، مع أن الأسد كان مجرد رائد في الجيش، وأن هذه الواقعة المعروفة جعلت جورج صدقني، أحد قادة حزب البعث التاريخيين، يقول، بعد انقلاب الأسد عام 1970، إن عميل المخابرات البريطانية استولى على السلطة.
كان القنطار يخال نفسه آمناً، ونسي، أو تناسى، مقتل أحد كبار قادة حركة حماس في مخيم اليرموك بطريقةٍ تماثل التي قتل هو نفسه بها، كما أنه جهل، أو تجاهل، أن حملة اعتقالات طاولت ثمانيةً من 11 ضابطاً في قسم مكافحة التجسس في المخابرات العسكرية السورية، اتهموا بالعمالة للمخابرات الإسرائيلية. صدّق القنطار ما سمعته أذناه من أكاذيب عن الممانعة والمقاومة، وكذّب ما تراه عيناه من صداقة مع "العدو"، فقتل في دمشق، المخترقة من رأسها إلى أخمص قدميها، بوشاية من مرافقيه، أو من ضابط مخابرات سوري، أو جاسوس في حزب الله، وانتهى بالأسلوب الذي سبقه إليه كثيرون، تحت أنقاض بنايةٍ، وتسبب في موت سكان أبرياء فيها، فسقط ضحية غباءٍ منعه من رؤية الحقيقة، وهي أن رهطاً من الممانعين والمقاومين المزعومين اعتادوا بيع أنفسهم "للعدو"، وتغطية عمالتهم له بجعجعةٍ كلاميةٍ عن تصميمهم على طرده من مزارع شبعا وتلال كفار شوبا والقرى السبع، بينما يمارس من أسماهم نصر الله "أشرف وأطهر الناس" عمليات تجسس، يتساقط ضحاياها قتلى يوماً بعد يوم.
كنا نتساءل دوماً إن كان الحزب الذي يمثل نصف طائفة يستطيع تحريرنا من الاحتلال، والتصدّي الناجع لأعداء أمةٍ، يشارك بفاعلية في قهرها وإخراجها من المعركة ضدهم. واليوم، نتساءل إن كان حزب يعج بالجواسيس يستطيع غزو سورية، من دون غض نظر (أو موافقة) جهات توهم القنطار أنه يحاربها، بينما كان في قبضتها، وأنه يقاتلها، مع أنها كانت قادرة على قتله في أي وقت، بمساعدة جواسيسها المقاومين/ الممانعين من أعضاء حزب الله والنظام الأسدي الذين يلازمونه في حله وترحاله، ولم يتردّدوا في تحضيره للقتل، وقتلوه في غمضة عين، حين جاء موعد رحيله.
هل يصدّق أي عاقل أن قوات الاحتلال الروسي في سورية لم تكشف، بما لديها من أجهزة فائقة التقدم، وجهة طيران إسرائيل وهدفه، وأن رادارات صواريخها التي تغطي معظم المجال الجوي لفلسطين المحتلة وسورية لم تلتقطه، وهو يقصف جرمانا؟ ولماذا لم تتخذ روسيا أي قرار حيال تعاونها الاستراتيجي مع الأركان العامة الإسرائيلية، إن كانت ضد مقتل القنطار؟ وهل خدم قتله إيران وحزب الله، أم كان خطوة على طريق إضعافهما وإحكام قبضة روسيا على النظام ومؤسساته، وسط مؤشراتٍ كثيرةٍ تؤكد أن موسكو تدير ظهرها أكثر فأكثر للشراكة مع طهران، في كل ما يتعلق بإدارة الأوضاع السورية، وتقرير أدوار المنخرطين فيها؟

اقرأ المزيد
٢ يناير ٢٠١٦
مضايا في "MBC" تحرّك العرب و تبكيهم !؟

انتشر ، أمس و اليوم و سيستمر لأيام ،  بشكل كبير مقطع من الموسم الجديد لأحد برامج الهواة المسمى بـ"ذا فويس كيدز" الذي تبثه قناة ان بي سي ، تظهر فيه فتاة سورية تغني "عطونا الطفولة" و التي تفاعل معها الجمهور العربي وبكى و تأثر و كما يقال "اندمل" قلبه .

لاشك أن الذوق العربي المقلوب و الغبي ، يبكي من دموع طفلة على مسرح ، تلبس ما يجعلها فاتنة ، وتحيط بها الانارة من كل جهة ، ويقف خلف الجدار أهلها يبتهلون كي تنجح ، مشهد درامي جميل و يدفع للسرور ، الافتخار ، من الممكن الغبطة أيضاً أن الفنانين تهافتوا عليها و حضنوها ، و لملموا دموعها ، و ندبوا معها و نددوا من منع عنها "الطفولة" و طالبوا معها بـ"أعطونا الطفولة"... انتهى المشهد و اسدل الستار ، و انتشر المقطع آلاف المرات و المرات ، وكان كالنار التي تشب في محصول قمح لفحته الشمس حتى بات أصفراً كامدا.

لكن لحظة صغيرة بعد الاغلاق ، هل تابع هذا الجمهور  أنين وبكاء المتألمين ، لن أقول ألماً من جرح أو فقد طرف ، أم الدخول في قائمة اليتامى ، و إنما جوعاً .. نعم جوعاً و عوزاً و برداً ، في جو مظلم أمام بقايا أرض ، يتابعه المئات من المجرمين السفاحين ، معدومي الصفات البشرية ، و عندما يقترب من نهاية صراع الموت ، يرميه برصاصة النهاية ، لتكون جائزة الترضية لعدم السماح لهم بالحصول على عُشيبات  تبعد الموت سنتيمترات عن الأجساد الهزيلة.

في الوقت الذي ترنح الجمهور العربي أمام دموع فتاة أصيبت برهبة المسرح أو غصة منفى و ربما فرحة غامرة ما ، هناك العشرات يغيبون عن الوعي بسبب خواء الأمعاء ، و فقر الدم للمغذيات ، و تهالكت أعضائه حزناً على الأعشاب التي غطاها الثلج ، الضيف البليد على أرض تعرف موته جيداً.

في التلفاز هناك من بكى مع أطفال السوريين المبدعين ، وفي الواقع يبكي أطفال سوريين أبدعوا في صبرهم و جلدهم في مواجهة ما يعجز عالم بأسره عن تحمل لحظة واحدة ، وعاجز عن ادخال حبة رز ، و لكن جاهز و حاضر لنقل المئات و تهجيرهم من أرضهم و استبدالهم بغيرهم ، و لكن المهم أن لا يبقوا في الأرض التي نبتوا بها و صمدوا فيها .

اقرأ المزيد
١ يناير ٢٠١٦
في ضيافة جبهة النصرة

بعد ان التقيت بمقاتلي جبهة النصرة في مطلع عام ٢٠١٢ في حلب ومن ثم في صيف ٢٠١٥ في جبال القلمون، استضافتني جبهة النصرة في ادلب خلال زيارتي الاخيرة في فترة عيد الميلاد من هذا العام.

كان الهدف من الزيارة توثيق عودة عائلة النقيب السوري المنشق ثائر المشكاف من عرسال الى ادلب. كنت قد توليت مساعدة العائلة على الخروج من عرسال بعد ان تعرض النقيب المشكاف، المعروف بأبو يزن، للخطف والتعذيب من قبل مجموعة في عرسال تدعي انها مناصرة للدولة الاسلامية. وهددت المجموعة نفسها عائلة ابو يزن بالقتل بعد ان اتهمته بالارتداد عن الدين والعمل مع فصائل الجيش السوري الحر الكافر في نظرهم. قمنا بإخراج العائلة من عرسال وبعدما تم استحضار جوازات السفر السورية ذهبنا برفقتهم الى ادلب عبر تركيا لنوثق اول لقاء للعائلة بعد ٥ سنوات من اندلاع الثورة السورية. لحظات مؤثرة عشناها برفقة العائلة عند وصولهم الى قرية الجانودية في ريف ادلب، مسقط رأس النقيب المشكاف. ولكن لم تكتمل الفرحة لان ابو يزن ما زال في عرسال ينتظر العودة الى تراب الوطن وزيارة قبر والده الذي توفي في غيابه.

بعد زيارة العائلة في الجانودية توجهت بحماية احرار الشام الى مدينة كفرنبل للقاء الأصدقاء في 'اتحاد مكاتب الثورة' لتوثيق ما تم انجازه خلال خمس سنوات من قبل مجموعة مسالمة تعمل ليلا نهارا منذ اندلاع الثورة مع الشباب والنساء والأطفال على مشاريع إنمائية، تنموية، إنسانية واعلامية. فمن منا لا يعرف اللافتات المشهورة والكاريكاتير التي اشتهرت بها هذه القرية الصغيرة في ريف ادلب الجنوبي؟

خلال زيارتي الى كفرنبل علمت بأن هناك من يشكك في وجودي ويحاول ان يشوه سبب زيارتي بنشر الإشاعات بأنني عميلة للنظام والأميركان. لهذا السبب تم التواصل مع المكتب الإعلامي لجبهة النصرة وكانوا على علم بموضوع زيارتي واكدوا انهم يرحبون بأي صحافي في ادلب على شرط ان ينقل الحقيقة كما هي.

قامت جبهة النصرة باستضافتي لمدة ثلاث ايام. أدخلوني بيوتهم. تعرفت على نسائهم ولعبت مع أطفالهم. امضيت ساعات برفقة النساء نتحاور بمواضيع الجهاد ودور المرأة وخياراتها. منهم سوريات ومنهم مهاجرات.التقيت بعدد من الأمهات اللواتي قمنا بدفع اولادهن الى الشهادة. فبالنسبة لهم الشهادة هي الطريق الى الجنة.

التقيت ام عبده، ام لشهيدين مراهقين. عندما تكلمنا عن الموضوع تفاجأت بقناعتها ورباطة جأشها. ولكن عندما تقربت منها وقرأت لي قصيدة كتبتها لاحد ابنائها بعد استشهاده، شعرت بألمها.

أدخلوني والكاميرا لأول مرة الى مراكز دعم النساء والى المشافي الميدانية في عدة مناطق تخضع لسيطرتهم. تفاجئت بأن جبهة النصرة ليست منظمة كما كنت أظن فهي لا تملك هيكلية لإدارة الشؤون المدنية. فمعظم المراكز هي مبادرات خاصة يشرف عليها أعضاء مدنيين من نساء ورجال مقربين من الجبهة. ملتزمون نعم. يدعون النساء الى لباس الخمار والصلاة والعبادة. لا يؤمنون بالديمقراطية ولا بالحريات المطلقة. يدعون لعدم الاختلاط بين النساء والرجال. ملتزمون بتعاليم الاسلام الملتزم. يؤمنون بالجهاد المسلح في سبيل الله للدفاع عن المسلمين ورفع الظلم عنهم كما يقولون.

لم أكن اتخيل يوماً انني سأكتب هذا المقال. انا الفتاة اللبنانية من عائلة مسيحية محافظة أحل ضيفة على مجموعة من الجهاديين الإسلاميين مرتبطة بإحدى اكبر المجموعات المصنفة ارهابية في العالم. لم اكن اتخيل انهم سيتقبلونني كما انا. عندما أخبرت صديق لي ملم بهذه الأمور ان جبهة النصرة ستستضيفني قال لي طبعا سيفرضون عليك النقاب ولكنه اخطاء. لم أكن أتوقع يوماً انني سأدخل عمق التفكير الجهادي بهذه الطريقة. فبعدما امضيت ثلاثة ايام في استضافتهم وفهمت عمق التزامهم بقضيتهم وحجم التضحيات التي يبذلونها لنصرة أهل السنة عن قناعة تامة، أتفاجأ انهم اعدوا لي هدايا تذكارية عربون شكر وصداقة مع التمنى عليي باعتناق الدين الاسلامي لكي نتلاقى يوماً في الجنة.

اقرأ المزيد
١ يناير ٢٠١٦
رفع وتيرة الحرب قبل فيينا

الروس، منذ بداية أكتوبر (تشرين الأول)، صاروا رأس حربة في معارك سوريا ومحيطها، بعد أن كانوا يلعبون دورًا خلفيًا، بالتمويل والمعلومات والعمليات المحدودة. النتيجة أن قوات النظام السوري مع القوات الإيرانية، التي تقود ميليشيات متعددة الجنسيات، تشعر لأول مرة بانفراج في عدد من مناطق القتال. وبات من الواضح نوايا التصعيد هذه، إلا لوزير الخارجية الأميركي المصر على قناعته بنوايا الروس الحسنة التي شكلها بناء على حواراته المتعددة معهم في أوروبا وموسكو. والمشكلة لم تعد في فك شفرة النوايا الروسية لأن فعلهم أوضح من أقوالهم، بل المشكلة في فهم نوايا الوزير جون كيري؛ هل هو أيضًا يريد التخلص من المعارضة المسلحة السورية المعتدلة، أي التي ليست «داعش» ولا «النصرة»؟ وهل يبيت النية للقبول أخيرًا باستمرار نظام بشار الأسد؟

حاليًا، في سوريا تشن حربان؛ واحدة من جانب التحالف الأميركي تستهدف التنظيمات الإرهابية: «داعش» و«النصرة»، والأخرى من الجانب الروسي تقوم بقصف التنظيمات المعارضة الوطنية. النتيجة، أن الأسد والإيرانيين يقومون برفع الأعلام على المناطق «المحررة» أميركيًا وروسيًا!

وفي نفس الوقت يشجع الروس والإيرانيون التنظيمات التركية الكردية المسلحة لضرب تركيا، وبالتالي تجويع المعارضة السورية وعزلها.
وصار الجانبان، الأميركي والروسي، يقاتلان في صف نظام الأسد وحليفه الإيراني، إضافة إلى تعزيز وضع القوى الموالية لإيران في العراق بشن الحرب نيابة عنهم، وتحرير المناطق التي استولى عليها تنظيم داعش.

تكون السياسة الأميركية منطقية ومقبولة، لو أن هناك حلاً سياسيا مؤكدًا يوازي العملية العسكرية، لكنها الآن تقوم بعكس ذلك، بإضعاف الحل السياسي بتنظيفها المناطق لصالح الإيرانيين والروس، فهل يستطيع أحد أن يشرح لنا، أين المنطق هنا؟

منطق واشنطن في البداية كان مفهومًا ومقبولاً. إرسال القوات الأميركية بهدف محاربة تنظيمين إرهابيين: «داعش» و«النصرة»، إثر تنامي خطرهما في سوريا والعراق، بعد عمليات التهجير الواسعة للإيزيديين في العراق، والاستيلاء على مدينة الموصل، واستهداف إقليم كردستان، ومشاهد الذبح والحرق المروعة. ووجد تجاوبًا واسعًا من معظم القوى السياسية الدولية، بما فيها الإقليمية التي شاركت في دعمه.

إنما هذا الهدف يستحق، الآن، أن يعاد النظر فيه نتيجة استغلال الروس والإيرانيين للوضع، وتغييرهم قواعد اللعبة، ومحاولتهم فرض نتائج مختلفة. فالسياسات الطائفية أصلاً هي سبب الفوضى، فممارسات حكومة نوري المالكي السابقة في العراق ضد المعتدلين السنة جلبت «داعش» الذي استولى على ثلث العراق. وفي سوريا تسببت عمليات القتل المستمرة من قبل قوات النظام وحليفها الإيراني، التي فاضت بثلث مليون قتيل، في جلب «الجهاديين» من أنحاء العالم.

نحن نفهم لماذا تفعلها إيران، فهي تسعى لفرض أنظمة حليفة للسيطرة على البلدين، لكن من غير المفهوم أن تختصر السياسة الأميركية الأزمة المتعددة في موضوع واحد؛ الجماعات الإرهابية. وحتى لو نجحت القوات الأميركية في هزيمة آلاف الإرهابيين، كيف ستستطيع بعد ذلك حراسة الأرض المحروقة حتى لا يعودوا؟ وكيف ستمنع الإرهابيين من عمليات التجنيد اللاحقة بين ملايين السنة الذين يتم تشريدهم على أيدي قوات النظام السورية، والقوات الإيرانية، والروسية؟

التطور الجديد أنه لم يعد للحل السياسي مكان في مفاوضات فيينا المقبلة، فالروس والإيرانيون يريدونها جلسة استسلام، بقتل ومحاصرة المعارضة السورية المعتدلة، وتهديد الدول المؤيدة لها.

وطالما أن المشروع الروسي يقوم على فرض حل سياسي بالقوة، بتنصيب الأسد وتسليم إيران المنطقة، فإن واجب دول المنطقة على الجانب الآخر تغيير مفهوم دعمها للمعارضة، برفع مستوى تسليحها، الذي ظل دائمًا محدودًا نتيجة الاشتراطات الدولية، وعلى أمل التوصل إلى حل سياسي يجمع كل الفئات السورية في مشروع حكم واحد. رفع دعم المعارضة قد يكون الطريق الوحيد لتحقيق التوازن على طاولة التفاوض. دون ذلك من الأفضل توفير الوقت، بتسليم الإيرانيين المهمة، ونقل المفاوضات إلى طهران، وتكليف جماعتها بحكم سوريا. وفي نفس الوقت على دول المنطقة، وأوروبا، نتيجة لذلك استقبال المزيد من ملايين الهاربين من سوريا والعراق، لأن المنطقة لن تستقر.

اقرأ المزيد
١ يناير ٢٠١٦
روسيا أكثر ميلاً إلى حلّ عسكري يطوّع السياسي

لم تستخدم روسيا حق النقض ضد القرار 2254، لأنها، بعد أربعة أعوام على «الفيتو» الأول، حصلت على النص الذي يريحها، خصوصاً بعدما أصبحت معنيّة مباشرة بالأزمة وليس فقط ببيع الأسلحة الى النظام السوري. وكانت بدأت عملياتها العسكرية قبل صدور القرار بإجماع مجلس الأمن، فارضة «فيتوات» في أكثر من اتجاه، تحديداً ضد المعارضة المسلّحة، وفي طليعتها «الجيش السوري الحرّ»، ثم ضد تركيا ودورها متذرّعةً بإسقاط الـ «سوخوي 24».

وبعد صدور القرار، ما لبثت أن باشرت عمليات الشطب من المعادلة: ضد «جيش الإسلام» باغتيال قائده، ضد «أحرار الشام»، ضد «جيش الفتح»، ضد المعارضة التي انبثقت من مؤتمر الرياض، وضد وفد المعارضة الى المفاوضات ما لم يضمّ ممثلين لما تسمّى «معارضة موسكو». وترغب روسيا عملياً في شطب شيء اسمه «بيان جنيف 1»، أو «عملية انتقالية» تطمح الى تحديد «مصير بشار الأسد». وبالتالي، فهي تتظاهر بانتظار «قائمة التنظيمات الإرهابية»، مع أنها تتبنّى تصنيفَ النظام لكلّ مَن يقاتله على أنه «إرهابي». أي أنها تسعى استطراداً الى حل عسكري للصراع تطويعاً للمفاوضات المزمعة وللحل السياسي المرسوم لديها مسبقاً.

أبسط ما يمكن قوله أن القرار 2254 الذي وُصف بأنه إنجاز دولي «توافقي»، وأنه وضع «خريطة طريق» الى حلٍّ سياسي للأزمة قوامه التفاوض بين المعارضة والنظام، أصبح غداة إقراره سلاحاً أضافته موسكو الى ترسانتها العسكرية للمضي في إضعاف المعارضة والسعي الى تصفيتها، فلا يحلّ الموعد المحدّد للمفاوضات إلا وتكون معالم الصراع قد تغيّرت ولا يعود هناك ما يمكن التفاوض عليه، أو يكون الضغط على المعارضة بلغ حدّ ابتزازها للقبــــول بتنازلات لا تستطيعها، وابتزاز الدول الداعمة لها، بحيث تطالب بمعاودة لقاءات فيينا للتداول حول «خريطة طريق» معدّلة والذهاب مجدّداً الى مجلس الأمن. لا تفسير آخــر للتصعيد العسكري وفقاً لسياسة الأرض المحروقة التي اختطّها الـــروس، متابعةً واستكمالاً لنهج نظام الأسد. صحيح أن ليس هناك أي ترتيب لوقف إطلاق النار أو لهدنة، لكن المتداول عن «لقاءات فيينا» أن الدول المعنية لم تتّفق على أي تصفية للمعارضة ما دام التفاوض هو الهدف والوسيلة، بل لعلّها قبلت ولو بشيء من الغموض - كالعادة - تفاهماً ضمنياً على تجميد الوضع الميداني والعمليات القتالية لتمكين المعارضة المقاتلة من تكييف نفسها مع واقع المفاوضات.

هنا يُطرح السؤال، تكراراً، عن حقيقة النسخة الأحدث من «تفاهمات» الأميركيين والروس. ذاك أن الهدف، أي التفاوض، يتآكل سريعاً بفعل ما هو حاصل على الأرض. وعلى المدى القصير، يصعب الحفاظ على ضوابط لطرف على حساب الآخر، ولا يجوز أن تكون واشنطن أمضت الأعوام الأخيرة في استدراج بطيء لـ «أصدقاء سورية» الى الرضوخ لسياسة روسيا السورية، بعدما عبّرت مراراً عن ضيقها منها وتمنّت إعلامياً أن «تتحرّك» أو «تتغيّر». ولعل في تسريبات واشنطن الى «وول ستريت جورنال» وسيمور هيرش، ما يكشف الوجه الآخر الأكثر واقعية للموقف الأميركي. فإذا كان جنرالات البنتاغون يجدون أنفسهم أقرب الى آراء نظرائهم الروس والألمان والإسرائيليين، منهم الى آراء رئيسهم باراك أوباما وإدارته، تكون موسكو أكثر واقعية إذ تتواطأ مع «القناة الخلفية» لتلك الإدارة. لكن إذا كان استحقاق التفاوض قائماً فعلاً، فإن لحظة المكاشفات بين أميركا وحلفائها قد حانت، لأن النظام أوضح أنه مستعد للذهاب الى مفاوضات على «حكومة وحدة وطنية» (يتبنّاها الروس والإيرانيون والأسد، وفقاً لبياني فيينا وعبارات غموض غير بنّاء في القرار 2254)، وليس الى مفاوضات على «هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة» (يُفترض أن أميركا وحلفاءها والمعارضة يؤيّدونها وفقاً لبيان «جنيف 1» والقرارين 2118 و2254).

لا شك في أن الخلاف البيّن على منطلق المفاوضات وجوهرها، وعلى تركيبة وفد المعارضة، وعلى تصنيف الجماعات المقاتلة، وعلى التناقض بين «جنيف» و «فيينا»، يفيد بأحد أمرين: إمّا أن تفاهمات كيري - لافروف تتجاوز القرار الدولي، وإمّا أن توافقات فيينا بنيت أساساً على تكاذب فرضه ميزان القوى الذي حسمه الوجود الروسي لمصلحة النظام. في الحالين، هناك تلغيم دولي للمفاوضات قبل انطلاقها، ومن حق المعارضة أن تعتقد أن اميركا تخدعها أو بالأحرى تواصل خداعها، وبالتالي ثمة حاجة ملحّة الى جلاء حقيقة التوافقات الدولية. فالمفاوضات لن تحصل في ظل استمرار تصعيد عسكري استئصالي الأهداف، لأن المعارضة المقاتلة ستسحب عندئذ موافقتها على الحل السياسي لتتفرّغ لمحاربة «الاحتلال الروسي»، كما أن المعارضة السياسية لن تتمكّن من الذهاب الى مفاوضات فيما يتعمّد الروس قتل المدنيين وتدمير بيوتهم، وقد تسببوا حتى الآن بتهجير ما يقارب نصف مليون سوري.

لا يجهل الأميركيون والروس أن الظروف لم تنضج للتفاوض، ما يرجّح تفاهمهما غير المعلن على فرضه بقوة الأمر الواقع: الضغط على الدول الداعمة كي تقطع مساعداتها للمعارضة المقاتلة، وتركها فريسة لضربات الدب الروسي. وفي هذه الحال، لن تكون مفاوضات بين النظام والمعارضة الحقيقية (المعترف بها - بغموضٍ أيضاً - في القرار 2254) بشقّيها السياسي والعسكري، بل إن التصعيد العسكري سيبدو مجرد تغطية لمفاوضات تلفيقية بين النظام و «المعارضة الموالية له» وفق توليفات ستيفان دي ميستورا. وهذه لن تأتي بأي حل سياسي مرشح لإنهاء الصراع، بل ستفتح الأبواب لتبرير حرب «جهادية» أخرى على النمط الأفغاني حين كانت موجّهة لطرد المحتلّين السوفيات، وتدلّ أشرطة يوتيوبية كثيرة على أن مقاتلي المعارضة دخلوا منذ فترة هذا المزاج المعادي لروسيا، وتدفعهم شدّة الضربات الى التجذّر فيه.

كيف تبخّرت الأفكار الروسية عن إعادة تأهيل الجيش ليكون سورياً وليس أسدياً، ولماذا تخلّت موسكو عن خيار اجتذاب «الجيش الحرّ»، وهل أن حاجتها الى النظام ودعمها له ينطويان على اعتناق لخياراته، ومنها إجهاض البحث عن حل سياسي لمصلحة السعي الى حل عسكري، وهل بلغ إعجاب الروس بالسيناريو الإيراني في العراق حدّ تكراره في سورية باستدعاء الإرهاب استدعاءً تحت مظلّة مفاوضات زائفة، وهل أن «تفاهمات» أميركا وروسيا تسمح لطرفيها بالتعايش على رغم خلافاتهما فحسب، ولا تتيح لهما إدارة حل منصف لسورية وشعبها، وماذا عن «الحرب على داعش» اذ يتعذّر تزامنها مع انطلاق حل من دون الأسد؟.. أسئلة مشروعة في ظل اهتزاز الثقة بمصداقية كل «عملية فيينا» والقرار 2254 الذي أنتجته.

الواضح أن عناصر «الصفقة» الدولية في شأن سورية لم تتضح معالمها بعد، لكن تكفي مراقبة حركة لاتصالات بين دول لقاءت فيينا للقول إن المساوات بدأت، خصوصاً في ما يتعلّق بالمجموعات «الإرهابية» التي سيتمّ إقصاؤها عن أي «عملية سياسية، ما يعني أيضاً إضعاف تأثير الدول المشتبه بها بتمويلها. وقد يكون أحد عناصر «الصفقة» ما يُلمس من تراجع ظاهري للدور الإيراني. إذ إن تثبيت نفوذ إيران وتمكينها من صيانة أوراقها للمساومة، لن يستقيما مع استبعاد تركيا من المعادلة وعدم أخذ المصالح العربية في الاعتبار، بل ينذران بصراعات إقليمية دائمة بين المستفيدين والمتضرّرين، ما قد يتطلّب وجوداً روسياً دائماً تفرضه التطورات والضرورات حتى لو لم تكن موسكو راغبة فيه. لكن هذا الوجود الروسي نفسه آخذ بالتحوّل أكثر محوراً للتأزيم منه حافزاً على التهدئة.

اقرأ المزيد
٣١ ديسمبر ٢٠١٥
لا فراغ بعد الأسد والبديل هو المعارضة الوطنية

مع أنه من الصعب تصور أو تخيُّل صحة ما تحدث عنه الصحافي الأميركي، الشهير بـ«خبطاته» المعلوماتية، سيمور هيرش في مجلة: «لندن ريفيو أوف بوك» إذ إنه مستغرب جدًا أنْ تتحايل المؤسسة العسكرية الأميركية ممثلة بهيئة الأركان المشتركة على السياسات المعلنة التي يتبعها الرئيس باراك أوباما إزاء الأزمة السورية وتقوم بتعزيز بقاء بشار الأسد في الحكم وبتمرير معلومات استخبارية للجيش السوري بطرق غير مباشرة و«تتآمر» على المعارضة المعتدلة بحجة أنه لا وجود لها وتسعى إلى الحد من تسليح التنظيمات الوطنية التي اعتبرتها متشددة بل وفي بعض الأحيان «إرهابية»..

إنه لو صحت ولو بعض المعلومات التي ضمنها سيمور هيرش تقريره المطول الذي نشرته مجلة «لندن ريفيو أوف بوك»، فإنَّ هذا يعني أن هناك «لعبة أمم جديدة»، وأنَّ هناك «مؤامرة قذرة» فعلاً قد تعرضت لها سوريا وتعرض لها الشعب السوري خلال نحو خمسة أعوام ماضية، وأن هذه المؤامرة لا تزال متواصلة ومستمرة حتى الآن وإلا ما معنى أن تغيب أميركا كل هذا الغياب المريب وتترك لروسيا الحبل على الغارب ولتفعل كل ما تريده عسكريًا وسياسيًا في بلد عربي يحتل موقعًا استراتيجيًا في الشرق الأوسط وله مكانته العالمية والدولية؟!

والسؤال هنا هو: ألا تستدعي هذه المعلومات الخطيرة جدًا، التي من بينها أن هيئة الأركان الأميركية المشتركة كانت تعمل بين عامي 2012 و2014 بالنسبة للأزمة السورية خلافًا لتوجهات إدارة باراك أوباما، وأنها لجأت في خريف عام 2013 إلى خطوات ضد «متشددي» المعارضة من دون المرور عبر القنوات السياسية في واشنطن، أن يسارع الرئيس الأميركي، حتى قبل أن يذهب إلى هاواي لقضاء عطلة أعياد الميلاد وبداية السنة الجديدة، إلى تشكيل لجان تحقيق جدية في هذه الأمور الخطيرة، أمْ أنَّ كل هذا الذي جرى قد جرى بعلمه، وأن سيمور هيرش قد ذهب به الخيال بعيدًا فغلَّب الحبكة «الدرامية» على الواقع والحقيقة؟!

ثم هل من الممكن يا ترى تصور أو تصديق أنَّ هيئة الأركان في جيش كالجيش الأميركي وفي دولة كالولايات المتحدة يحكمها نظام صارم أن تعمل من وراء ظهر الرئيس وظهر إدارته وظهر الكونغرس وتقوم بتمرير معلومات استخبارية إلى جيوش أخرى، هي الجيش الروسي والجيش الإسرائيلي والجيش الألماني لتقوم بدورها بتمريرها إلى الجيش السوري ليستخدمها ضد «العدو المشترك» الذي هو جبهة النصرة وما يسمى «الدولة الإسلامية»؟!

إنه لا يمكن لا تصور ولا تصديق أنَّ الرئيس باراك أوباما لم يكن على علم بما كانت تقوم به هيئة الأركان الأميركية المشتركة، كما قال سيمور هيرش وأنه «مع بدء تدفق المعلومات من قبل استخبارات الولايات المتحدة قامت ألمانيا ومعها إسرائيل وروسيا بتمرير هذه المعلومات عن (الجهاديين) ومواقعهم وخططهم إلى الجيش السوري»، وبالطبع فإن هيرش هذا لم يفته أن يشدد على أنه لم يكن هناك أي اتصال مباشر بين الجيش الأميركي والجيش السوري، ولكنه نقل عما سماه «المستشار العسكري» قوله: «إنَّ هذه المعلومات كانت تعبيرًا عن تعاون بين مؤسسات عسكرية وليست خطة شريرة للتحايل على أوباما ودعم الأسد من وراء ظهره (...)»!!

وهنا فإن أخطر ما جاء في هذا التقرير هو الحجة التي لا يزال الروس يستخدمونها ضد المقاومة السورية (المعتدلة) والقائلة، إن سقوط نظام بشار الأسد سيؤدي إلى الفوضى وربما إلى سيطرة المتشددين على سوريا.. كما حصل في ليبيا، وحقيقة فإن هذه الحجة حجة واهية، وأنه تقف خلفها مؤامرة حقيرة بالفعل وذلك لأن بديل الرئيس السوري هو المعارضة التي التقت مؤخرًا في الرياض وهو الهيئة السياسية «الكاملة الصلاحيات» التي تم الاتفاق عليها في «جنيف1» وهو المرحلة الانتقالية التي ستديرها وتشرف عليها هذه الهيئة التي تقرر أن يشارك فيها من لمْ «تتلطخ» أيديهم بدماء السوريين من أركان هذا النظام السوري وبالطبع ودون أي استثناء للطائفة العلوية.

إن هذا مجمل ما جاء في تقرير سيمور هيرش الذي جرى تناوله على أساس أنه جاء كإثبات على أنَّ باراك أوباما كان بالنسبة للأزمة السورية كالزوج المخدوع الذي هو آخر من يعلم أو الذي لا يعلم شيئًا، وعلى أساس أنَّ الأميركيين «متآمرون»، وأنهم يظهرون للسوريين وللعرب وجهًا جميلاً في حين أنهم في السر يعملون بوجه آخر وأنهم، إذا كان هذا الذي قاله هيرش صحيحًا أو فيه بعض الصحة، فهم المسؤولون عن كل هذه المآسي التي حصلت في سوريا خلال الأعوام الخمسة الماضية وبما في ذلك هذا التدخل الروسي في هذه الدولة العربية.

والآن وفي حين أننا قبل الاطلاع على محتوى هذا التقرير، الذي يسود اعتقاد بأن مضمونه العام قد يكون فيه بعض الصحة حتى دون الحاجة إلى المصادر التي أشار إليها سيمور هيرش، كنا نعتقد أن المشكلة تكمن في «تساهل» الرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري وإدارته السياسية عمومًا تجاه نظام بشار الأسد وتجاه الروس والإيرانيين وأن هيئة الأركان المشتركة وكبار جنرالات الجيش الأميركي هم المتشددون، وهم كانوا، لولا قوى الشدِّ العكسي في هذه الإدارة، سيساندون الجيش السوري الحر والمعارضة السورية المعتدلة المساندة الفعلية الكفيلة بالتخلص من هذا النظام السوري الاستبدادي منذ البدايات.. أي منذ عام 2013 على الأقل.

والمهم هنا، وسواءً كان تقرير سيمور هيرش هذا صحيحًا كله أو بعضه أم أنه مجرد «شطحات» صحافية خيالية، هو إلى أين هي ذاهبة الأمور بعدما اتضحت حقيقة التدخل الروسي في هذا البلد العربي واتضحت دوافع هذا الاحتلال وأن الهدف هو القضاء على المعارضة (المعتدلة) التي هي المعارضة الفعلية وتفريغ «جنيف1» من مضمونه وكذلك «فيينا1» و«فيينا2» ومؤتمر نيويورك وأيضًا قرارات مجلس الأمن الدولي الأخير ليصبح بالإمكان إعادة صياغة هذا النظام وتسويقه مجددًا لولاية ثالثة.. ورابعة.. وألف!!

الآن يضغط الروس على المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، بينما هُمْ يواصلون حربهم الظالمة، ومعهم حراس الثورة الإيرانية وحزب الله وكل الميليشيات المذهبية، على الشعب السوري وقواه الوطنية المعتدلة لتشكيل وفد المعارضة الذي من المفترض أن يتفاوض مع ممثلي النظام في الخامس والعشرين من الشهر المقبل، وكأن دي ميستورا هذا أصبح ولي أمر شعب سوريا العريق، وأصبح هو الآمر الناهي بالنسبة لقضية أصبحت على كل هذا المستوى من التعقيد، والسبب الرئيسي هو التدخل الروسي غير المبرر إطلاقًا ومنذ البدايات وحتى الآن.

لقد رحل رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي الذي حمَّله تقرير سيمور هيرش مسؤولية ازدواجية الموقف الأميركي تجاه الأزمة السورية وأصبح في عالم النسيان والسؤال هنا هو أيضًا: هل يا ترى ستبادر إدارة الرئيس باراك أوباما في باقي ما تبقى لها من وقت لتدارك الأمور واتخاذ الموقف الصحيح المفترض لوضع حدٍّ لكل هذه العنجهية الروسية وإعادة الأمور إلى مسارها السابق الذي هو مسار «جنيف1»، والمفترض أنَّ البداية هي التصدي الفعلي للحرب المسعورة التي يشنها الجيش الروسي ضد الشعب السوري وقواه الوطنية المعتدلة وفتح الطريق مجددًا أمام المرحلة الانتقالية وأمام ضرورة تنحي بشار الأسد بمجرد تشكيل الهيئة الحاكمة على أساس «جنيف1» هذه الآنفة الذكر.

ثم وإلى جانب هذا فإن المتوقع أن تبادر المعارضة الوطنية السورية، بكل قواها الفاعلة التي لا علاقة لها لا بـ«داعش» ولا بالإرهاب بكل عناوينه وأسمائه ومسمياته، إلى توحيد صفوفها وتنظيم قواها العسكرية لتستطيع مواجهة هذه الهجمة الروسية – الإيرانية المسعورة ولتضمن لشعبها الانتصار الذي إن استطاع هؤلاء القتلة الانتصار عليه وهم لن يستطيعوا فإن التاريخ سيعود إلى الوراء لأكثر من ثلاثة وثلاثين عامًا عندما ارتكب حافظ الأسد مذبحة حماه الشهيرة عام 1982 التي أطال بارتكابها عمر نظامه حتى الآن.. حتى هذه اللحظة!

اقرأ المزيد
٣١ ديسمبر ٢٠١٥
٢٠١٥ عام التناقضات و النهاية التائهة بالدم

نطوي عام 2015 خلال هذه الساعات و نطوي معه اعقد عام من اعوام الثورة و اكثرها تخبطاً و توهاناً في البوصلة ، و التقلبات بين لذة التوحد و الانتصارات ، مروراً بقساوة الغرق و ألم الهجرة و النزوح ، مع تجرع مستمر لسم المجازر و الفقد .

شهدت العام عودة لروح الثورة بجيش فتح و تحرير ادلب ، انتفاضة في الجنوب و تحطيم مخطط مثلث الموت ، فهدوء و ركون ، تبعه جثة طفل وجدت على شاطئ اختفت سوريا خلف هذه الجثة وتحولت القضية من ثورة حرية ، للبحث عن مكان يضم اللاجئيين.

30|٩|٢٠١٥ هو اليوم الأشد قتامة في تاريخ سوريا ، في هذا اليوم أعلنت روسيا عن تدخلها الرسمي و العلني الى جانب الأسد بدعوى مكافحة الارهاب ،لكن في الحقيقة كان لمكافحة الثورة فمنذ ذلك التاريخ ، تحولت الأرض لجحيم ، فالسماء ملئت بطائرات الموت ، و على الارض جيوش و جحافل استقدمت من ايران وبدعم منها .

طائرة أسقطت في شرم الشيخ و تفجير وجد في باريس ليكتمل المشهد بانضمام مزيداً من الطائرات في الأجواء ، و التي باتت تضم قرابة المئة علم ، و لكنها جميعها لم توجه و لو "وردة" على السفاح الأكبر و المسبب الأول و الدائم لكل ما يحدث.

عام 2015 كان الاقسى في سوريا و شهد شهره الأخير امورا عقدت الوضع كثيرا، قرار تاريخي من مجلس الامن بمصطلحات فضفاضة منحت القاتل فرصة تمتد للعام ونصف ،و تحكم روسي غريب ومنفرد بملف سوريا ، وسط صمت دولي مريب .

الميدان مشتعل و الأوراق مبعثرة ، و المفاوضات بلا أفق و لا حدود .

عام رمادي دموي بامتياز ، انتهى بنهاية تائهة .

 

اقرأ المزيد
٣١ ديسمبر ٢٠١٥
ريف حلب الشمالي وسيناريوهات الحرب الباردة قبل المعركة الكبرى

من خلال الغوص في التطورات الحاصلة في عموم سوريا والمناطق الشمالية على وجه الخصوص من عفرين غرباً حتى تل أبيض شرقاً بات واضحاً السيناريو القادم للمنطقة الشمالية وحجم الكارثة التي ستحل بالمنطقة في حال بدأت المعركة الكبرى التي يحضر لها في أروقة القاعات السرية بدعم غربي سياسياً وعسكرياً بعد أن وقع الجانب التركي الرفض لكل مشاريع الدويلة الكردية في فخ إسقاط الطائرة الروسية والضغوطات الدولية التي تبعتها في مختلف النواحي.


هذا السيناريو يتمثل بإقامة الدويلة الكردية التي طالما نادى بها المكون الكردي في الجزيرة وعفرين ومنطقة عين العرب والتي ظهرت جلياً الأن أولى تشكيلها بعد وصل الحسكة بعين العرب وتراجع التنظيم في تل أبيض دون قتال، ثم تهجير الألاف من العائلات العربية في المنطقة والقيود المفروضة عليهم حتى في دخول تل أبيض مدينتهم العربية .أيضا الدعم الجوي الذي تقدمه طائرات التحالف للأكراد وحدهم دون سواهم في محاربة تنظيم الدولة في منطقة جنوب كوباني ووصولهم لسد تشرين والسيطرة عليه لتوسيع دائرة السيطرة حول عين العرب وحصار منبج وتراجع التنظيم المفاجئ وغياب مفخخاته وانتحارييه عن الساحة الميدانية بل تعدى ذلك لتهديد عشرات القرى العربية بالغرق وأن منسوب المياه في سد تشرين يرتفع لإجبارها على ترك مناطقها والهرب الى خارج الحدود.


واليوم بات ريف حلب الشمالي هو العائق الأكبر أمام تشكيل هذه الدويلة الكردية ليتم لهم السيطرة على كامل المناطق الحدودية مع تركيا من عفرين غرباً حتى الحسكة شرقاً وتعلن الدولة وترفع الرايات بمباركة غربية ودعم منقطع النظير وسعي من وحدة التنسيق لضم المكون الكردي لصفوفها بعد الزيارة التي قام بها مؤخراً ممثل هيئة التنسيق حسن عبد العظيم الى منطقة الجزيرة.


أما عن المعركة الحاسمة والتي يحضر لها فستكون في ريف حلب الشمالي حيث تعمل الوحدات الكردية ومعها وحدات حماية المرأة وجيش الثوار على خوض مناوشات على جبهات عفرين والمالكية في حين تنظيم الدولة يستميت بعناصره ومفخخاته للتقدم من جهة الشرق تاركاً خلفه قوات سوريا الديمقراطية تتوسع في ريف عين العرب وتل أبيض والغاية من هذه المناوشات من كلا الجانبين هو أنهاك الفصائل المرابطة في المنطقة على طول خط الجبهات بحرب باردة تشتت طاقتها ، بالتزامن مع الدعم الروسي وطائراته التي باتت تقصف بشكل يومي بلدات الريف الشمالي وسط غياب طيران التحالف الغربي والذي كان لا يفارق أجواء المنطقة قبل دخول الطرف الروسي.


هذه المناوشات بين شرق وغرب تتزامن مع تحركات عسكرية كبيرة في عفرين وتحضيرات لخوض المعركة الفاصلة والسيطرة على ريف حلب الشمالي ووصل عين العرب بعفرين حيث تتوارد الأنباء بشكل يومي عن هبوط مروحيات في المنطقة وإفراغها كميات كبيرة من الأسلحة ربما تكون تابعة للتحالف الغربي أو نظام الأسد ، هذا بالإضافة لكميات الأسلحة الكبيرة التي دخلت لحي الشيخ مقصود من طرف نظام الأسد لدعم المقاتلين الأكراد في الحي والذي يسيطر على طريق الكاستيلوا المنفذ الوحيد لمدينة حلب.


كل هذه التطورات هي تحليلات واقعية باتت ظاهرة للعلن ولم تعد خافية على أحد والحل في مواجهتها يقتضي من فصائل حلب عامة دون تمييز بين راياتها أن تترك كل خلافاتها جانباً وتعلن إندماجها بكيان وقيادة واحدة قبل أن تبدأ المعركة الكبرى وتخسر بلدات الريف الشمالي لا قدر الله وبالتالي تحاصر حلب المدينة ويفك الحصار عن نبل والزهراء وتغدو الثورة في حلب شيئاً من الماضي بعد كل التضحيات التي قدمتها. فاليوم اليوم بات لزاماً على كل قيادات فصائل الثورة في حلب الوقوف وقفة رجل واحد قبل الكارثة فالحرب لن تبقي أي راية مرفوعة وسيذكر التاريخ كل متخاذل.

اقرأ المزيد
٢٩ ديسمبر ٢٠١٥
درعا .. هل تستفيق قبل فوات الوقت ..!؟

قد يبدو الكلام في موضوع الثوار في درعا شيء في غاية التعقيد ، نتيجة الاختلاط الحاصل هناك ، و التشتت و التنوع ، و الأهم بسبب التدخل العميق لمن هو خارج الحدود و يأخذ مناصب مدوية من حيث الاسم ، وكبيرة من حيث الهيكلية ، ومعدومة الفاعلية أو ضيئلة الأثر على الأرض.

اليوم مع اقتحام مدينة شيخ مسكين ، و خسارة اللواء ٨٢ أو دخوله في معارك كر و فر لا يعرف مداها و أو حجم الخسائر التي ستخلفها ، بشرية كانت أم مادية ، هذا الدخول فتح الجرح من جديد .

درعا التي دخلت في سبات من النوع الثقيل والثقيل جداً ، و ألقت التهمة على داعش في كثير من الأحيان ، وبنفس القدر ألقى من يتقن قراءة الأرض على "الموك" سبب في كل هذا .

بالأمس سمعنا من البيانات ما يكفي للزحف إلى قلب دمشق ، و شاهدنا من الأرتال ما يكفي لضرب القصر الجمهوري ، و لكن على الأرض كان الحضور هشاً ، بشكل خسر الثوار معسكراً تم أخذه في قمة النشوة في درعا ، و الآن خسرته في أعمق مراحل الغفوة .

لاشك أن ابتعاد القادة عن فصائلها له أثره ، و انزوائها في الأردن خوفاً من فيروس الاغتيالات الذي بات وباء في درعا ، يخافه القادة دون أن يسعوا لمعالجته ، ولانعرف هل هو حب للحياة أم بسبب معرفة مصدره و تبعياته ، فلذا فضلوا الركون بانتظار انتهاء دورته .

درعا ، مصدر شرارة الثورة ، نقطة القوة للثورة على مدى السنوات الخمس الماضية ، وكانت بيضة القبان عندما يميل لصالح النظام و أعوانه ، باتت اليوم نقطة الضعف و الخاصرة الرخوة ، الغير قادرة حتى على حماية نفسها ، فكيف بأن تساعد غيرها من المناطق التي تواجه العالم بأسره ، وخصوصاً في حلب و ريفها و ريف اللاذقية ،الذين يتحملون ضغط النظام و روسيا و ايران و جميع المليشيات و كذلك داعش و أطماع الأكراد وحدهم ، دون أن يجدوا و لو معركة إشغاليه في الجنوب القريب من مصادر قوة النظام .

لامبرر يمكن الخوض به للتخفيف أو ايجاد المنفذ لقيادات درعا ، وكذلك لامبرر للانفلات الأمني الغريب الذي أودى بأهم وأفضل وجه درعا ، وسط حالة من الترهل و التركيز على البيانات و البيانات المضادة ، وكأن الثورة توقفت و باتت عبارة عن حالة نعيشها ويجب أن نتعايش معها .

 و طبعا الكلام يقتصر على قيادات الصف الأول ، أما جهة المقاتلين و الثوار فنحن ننحني أمامهم ، فهذه درعا التي ولدت آلاف الثوار ، وواجهت النظام بصدور عارية و تسلحت ببنادق مهترئة و استطاعت كسر غالبية ألوية و كتائب النظام في رقعة جغرافية تعرف بأنها مركز قوات الأسد ، هي من أحيتنا في معارك مثلث الموت ، و أماتت كل من اقترب منها بانتفاضة غيرت مخططات كانت تشكل الغاية من دخول ايران و حزب الله لسوريا .

ولانعرف ما الذي يجعل درعا تستيقظ

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٣ مايو ٢٠٢٥
"الترقيع السياسي": من خياطة الثياب إلى تطريز المواقف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)