سياسة الهدن من المستفيد منها؟؟
سياسة الهدن من المستفيد منها؟؟
● مقالات رأي ١٣ يناير ٢٠١٦

سياسة الهدن من المستفيد منها؟؟

لم يكن العالم في انتظار مئات الصور القادمة من مدينة مضايا السورية ليدرك حجم الكارثة الانسانية التي اودت الى الآن بحياة 28 شخصا في واحدة من مآسي هذا العصر بحسب منظمة اطباء بلا حدود.

فحتى اضطرار السكان الى اكل الاعشاب في تلك الربوع السورية لم يحل دون تحول اجسادهم الى هياكل عظمية مثيرة للفزع من هول ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.

كان يعتقد للوهلة الأولى ان صور المجاعات باتت من الماضي وانها ليست من شيم القرن الحادي والعشرين ولكن ما يحصل في سوريا قلب كل المقاييس واطاح بكل المسلمات وحقوق البشر والانسان.

فأمام هول هذه المشاهد وتراكم الدمار والسوداوية التي تغلف المشهد السوري  تغيب كل المعاني .

اذ يبدو ان هذه الصور لم تعد تحرك سواكن البعض وخاصة اولئك الممسكين بزمام الازمة السورية والمتحكمين في ايقاعها فتجويع المدنيين وحصار الاطفال باتا ورقة اخرى بيد فرقاء الصراع من اجل ربح هذه المعركة العدمية.

وافق أخيراً النظام السوري وحليفه (حزب الله) على دخول قافلة مساعدات إلى مدينة مضايا السورية المحاصرة من قبلهما منذ أكثر من 200 يوم  بعد الصور المروعة للمجاعة التي يعيشها أكثر من 40 ألف نسمة محاصرين داخلها من أطفال ونساء وشيوخ وبعد أن أحست منظمة الأمم المتحدة التي يراقب منتسبوها أحوال الشعب السوري  أنها شريكة في ما يحدث لأهل مضايا وهو ما وضع المنظمة في حرج شديد كان مطلوباً أن يرفعه عنها من تتعاون معهم في عقد الهدن وترحيل السكان وتحقيق ما يتطلعون إليه من تطهير طائفي يستهدف إخلاء جميع المناطق المحاذية للحدود اللبنانية السورية من سكانها السوريين السنة لرسم حدود الدولة العلوية – الشيعية في الشام.

 وبكل تأكيد كان مطلوباً من الأمم المتحدة أن تعلن عبر مؤسساتها وخاصة الجمعية العامة ومجلس الأمن عن حالة كارثة إنسانية في سورية ولكنها لم تفعل ولولا الصور المأساوية التي تسربت عما يحدث من تجويع في مضايا وغيرها من المدن السورية من نظام الأسد وحزب الله لم يمارسه سوى المغول في غزواتهم البربرية والنازيين في حربهم العالمية لما درى عنهم العالم وطبعا فإن شريكي الدم والمجازر (الأسد – حزب الله) سيبادران للتخفيف من وطأة الحرج عن الأمم المتحدة وكذلك الزخم الإعلامي عن مضايا حتى يقع حدث كبير في مكان آخر مثل قيام إرهابي مجنون بعملية في أوروبا وخلافه فيستديرا إلى مضايا مرة أخرى ليكملا جرائمهما وعمليات الترحيل والتطهير الطائفي وهو ما حدث في مخيم اليرموك داخل دمشق فعندما كان العالم مشغولاً بجريمة “داعش” بحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة كان النظام السوري وحلفاؤه يقومون بأكبر عملية إبادة وتجويع وترحيل لسكان المخيم.

 ولا تقوم الأمم المتحدة التي ترعى الهدن ونقل السكان السوريين أبداً بعملية تسجيل وتوثيق لأسماء وممتلكات من يتم اقتلاعهم من أرضهم في سورية حتى لا يتمكنوا أبداً من العودة وتسهل عملية إحلال سكان آخرين من طوائف أخرى في أرضهم وهو الأسلوب نفسه الذي استخدم مع الفلسطينيين الذين اقتلعوا من أرضهم .

 وفي حين يتحرك حزب الله وميليشياته بكل حرية لفعل الأفاعيل في الشعب السوري، فإن أي محاولة من سني لبناني لنقل كيلوغرام واحد من القمح إلى الزبداني أو مضايا سيواجه بالنار من الجيش اللبناني المغطى والمدعوم من الولايات المتحدة والأوروبيين والأمم المتحدة والممول من دول الخليج العربي ليلعب هذا الدور لأن خلق دولة علوية – شيعية ودويلات سنية ودرزية وكردية هو أغلى أماني إسرائيل التي ستضمن وجودها الأبدي إذا تم ذلك بينما ستحافظ موسكو على وجودها الوحيد على البحر المتوسط عبر حماية ممارسات الطائفة العلوية لما قامت به من تدمير لسورية وإيغال في دماء أغلبيتها من السنة.

على الرغم من معرفة أنصار الهدن للمعوقات التي تواجه تطبيقها في سوريا إلا أن البعض منهم قد يجادل بأن الخطة السيئة تبقى أفضل من لاشيء وعليه فإذا استطاعت محاولات الهدن أن تساعد شخص واحد على الأقل فهي أفضل من لا شيء هذه الحجة صحيحة من حيث المبدأ غير أنها تتناقض مع مبدأ أساسي هام ألا وهو مبدأ عدم الإيذاء قد يكون من المتوقع للقتال أن يشتد مع بدء المحادثات التحضيرية للمفاوضات وهو ثمن الناس على استعداد لدفعه عادة لتحقيق السلام ولو مؤقتا غير أن ما حدث ويحدث في سوريا هو أن الناس يدفعون الثمن الدموي للهدن دون تحقيق أي شيء في المقابل فالهدن بشكل عام أدت إلى مزيد من القتل حيث يشتد القتال قبل المفاوضات و يشتد مرة أخرى بعد المفاوضات حيث يحاول كل طرف إعادة الطرف الآخر الى طاولة المفاوضات مع المزيد من التنازلات ولذلك من في بعض الأحيان الخطة السيئة هي أسوء من عدم وجود أي خطة خاصةَ إذا كانت الخطة السيئة تؤدي إلى مزيد من القتل و يمكن استخدامها كعذر لعدم البحث عن خطط بديلة خاصةَ في ظل غياب أي رغبة حقيقية للقيام بذلك.

الكاتب: عبد الغني العريان
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ