
"فورين بوليسي": استراتيجية نتنياهو الجديدة تدفع إسرائيل من حفظ التوازن إلى إعادة رسم الشرق الأوسط عبر القوة العسكرية
أشارت مجلة "فورين بوليسي" في تقرير، إلى أن إسرائيل، بقيادة بنيامين نتنياهو، لم تعد تكتفي بدور اللاعب المحافظ على توازن القوى في الشرق الأوسط، بل باتت تتحرك وفق استراتيجية هجومية تستهدف تغيير الواقع القائم وإعادة رسم خريطة الإقليم.
واعتبر التقرير أن هذه التحولات برزت بوضوح من خلال التصعيد العسكري في محافظة السويداء جنوبي سوريا، ثم الضربات الجوية المكثفة على العاصمة دمشق، حيث تراجعت عقيدة "جز العشب" التقليدية لصالح مفهوم "الانتصار الشامل" وفرض أمر واقع جديد.
التدخل العسكري في السويداء وتصعيد الضربات على دمشق
أوضح التقرير أن إسرائيل شنت في 16 تموز 2025 أكثر من 160 غارة جوية خلال 24 ساعة على مواقع في السويداء، دعماً للدروز في خضم مواجهات مع البدو وقوات الحكومة السورية، تلاها قصف مبان حكومية في دمشق.
ونقل التقرير عن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قوله عبر منصة "إكس": "بدأت الضربات العنيفة"، في إشارة إلى استمرار التصعيد. وبرر نتنياهو هذا التدخل بأنه جاء "لحماية إخوتنا الدروز"، في حين لقي تصريحه انتقادات واسعة بالنظر إلى أن الحرب في سوريا أوقعت مئات آلاف القتلى، بينهم مئات وربما آلاف من الدروز، من دون أن تقدم إسرائيل سابقاً على تدخل بهذا الحجم.
من حفظ الوضع القائم إلى تغييره بالقوة
أكدت المجلة أن أفضل طريقة لفهم التحرك الإسرائيلي تكمن في النظر إلى انتقالها من قوة تسعى للحفاظ على الوضع الراهن إلى قوة تعمل على تغييره، إذ كانت تل أبيب قبل هجوم حماس في 7 تشرين الأول 2023 تعتبر الحرب السورية شأناً داخلياً ولا تتدخل إلا لقطع الطريق على إيران وحزب الله، ملتزمةً بسياسة "جز العشب" التي تستهدف إضعاف الخصم لا إسقاطه. لكن بعد هجوم حماس، تخلى نتنياهو عن هذه السياسة، وبدأ يسعى لتحقيق انتصار شامل على خصومه، سواء في غزة أو على جبهات أخرى، حتى لو كان ذلك يعني الانخراط في "حروب أبدية".
السلام عبر الفوضى.. رؤية نتنياهو للشرق الأوسط الجديد
أشار التقرير إلى أن نتنياهو لم يحدد ملامح اليوم التالي لغزة، لكنه أبدى بوضوح رؤيته لمنطقة "شرق أوسط جديد"، قوامها تعطيل ما يسمى بمحور المقاومة وإقناع الدول العربية "المعتدلة" بالتطبيع مع إسرائيل بعد التخلص من النفوذ الإيراني.
ووفق هذه الرؤية، فإن الفوضى الإقليمية يمكن أن تكون مدخلاً لتحقيق السلام، بما يمنح إسرائيل السيطرة على أجزاء من غزة والضفة الغربية، مع إقامة علاقات سلام مع جيرانها.
التطورات في سوريا.. بين التصعيد ومحاولات التطبيع
كشف التقرير أنه بعد سقوط نظام الأسد البائد في كانون الأول 2024، شنت إسرائيل غارات مكثفة على العتاد والمقرات العسكرية السورية، واحتلت قواتها البرية نحو 200 كيلومتر مربع من الأراضي السورية، قبل أن تنخرط في محادثات مباشرة مع سوريا بوساطة تركية وخليجية.
لكن هذه المساعي الدبلوماسية لم تكتمل، إذ سرعان ما تراجع الزخم بعد غارات إسرائيلية جديدة على السويداء ودمشق، وهو ما أضعف فرص التطبيع وأثار موجة غضب شعبي عربي ضد أي مسار للتقارب.
قلق الحلفاء وتآكل فرص التسوية
لفت التقرير إلى أن إدارة ترامب، التي كانت تسعى لإنهاء الحرب في غزة وتحقيق تسوية بين إسرائيل وسوريا وتركيا، اصطدمت برؤية نتنياهو الذي استغل هجوم حماس كفرصة لإعادة صياغة الدور الإسرائيلي في المنطقة. ونقل عن مسؤولين أميركيين وصفهم لنتنياهو بـ"المجنون الذي يقصف أي شيء في أي وقت"، معتبرين أن تحركاته تقوض فرص الحلول السياسية وتكرس حالة الصراع المفتوح.
نتائج عكسية وتوسع دائرة الرفض العربي
أشار التقرير إلى أن هذه الاستراتيجية القائمة على تغيير الوضع الراهن بالقوة تؤدي إلى نتائج عكسية، أبرزها تنامي الرفض الشعبي العربي للتطبيع، وتزايد خشية دول المنطقة من أن يؤدي النهج الإسرائيلي إلى فوضى تمنع أي نجاح استراتيجي مستدام.
وخلص إلى أن "الشرق الأوسط الجديد" الذي يطرحه نتنياهو قد لا يختلف كثيراً عن القديم، إذ سيظل بلا وقف إطلاق نار في غزة، وبلا سلام مع الجوار العربي، مع استمرار حالة النفور الإقليمي من إسرائيل.