مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٥ فبراير ٢٠١٦
عيون واذان (سورية ومن "يدعمها": أسمع كلامك يعجبني...)

لرئيس باراك اوباما اتصل بالرئيس فلاديمير بوتين هاتفياً واتفقا على مضاعفة الجهود الديبلوماسية والتعاون العسكري لتنفيذ وقف لإطلاق النار والسير نحو حل للأزمة السورية. في مؤتمر «المجموعة الدولية لدعم سورية» في ميونيخ الأسبوع الماضي اتفق 17 وزيراً على تقديم مساعدات إنسانية للمناطق المحاصرة ووقف «العمليات العدائية» خلال أسبوع، للوصول إلى وقف إطلاق النار.

أقول لهم ما سمعنا من أهل مصر «أسمع كلامك يعجبني، أشوف عمايلك أستعجب».

لو أن الكلام يحقق شيئاً لكنت وحدي حررت فلسطين، إلا أن المهم الأفعال، وهو ما قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري في ميونيخ، ثم نسيه مع مَنْ نسي.

«العمليات العدائية» زادت بدل أن تنقص، والرئيس السوري بشار الأسد قال لوكالة «فرانس برس» أنه يريد استعادة السيطرة على بلاده بالكامل، ثم اعترف بأن ذلك قد يستغرق وقتاً طويلاً. والنظام يتعامل مع السوريين على أساس قاعدة «مَنْ ليس معنا فهو ضدنا».

رئيس وزراء روسيا ديمتري مدفيديف تحدث عن «حرب باردة جديدة» نحن ضحاياها، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال إن نسبة نجاح وقف إطلاق النار أقل من 49 في المئة، ثم أتبع كلامه بالدليل فَسِرْبٌ من 20 قاذفة روسية شن ضربات مكثفة على مناطق في ريف حلب أوقعت إصابات عالية بين المدنيين. وقرأت أن روسيا أرسلت الطرّاد «زليوني دول» المجهز بصواريخ متطورة من نوع «كاليبر» الى البحر الأبيض المتوسط من البحر الأسود ليُرابط قبالة الساحل السوري.

أيضاً وأيضاً، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن بشار الأسد واهمٌ إذا كان يعتقد أن هناك حلاً عسكرياً، وحضَّ الوزير كيري روسيا على الاكتفاء بقصف «داعش» وتجنب المعارضة والمدنيين.

في المقابل، قال قادة في المعارضة السورية في ريف حلب أنهم تسلموا صواريخ أرض - أرض جديدة.

تركيا بدأت قصف حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في ريف حلب حيث تدور «حرب عالمية» مصغرة، ثم طلب وزير خارجيتها مولود اوغلو من روسيا «وقف قصف المدنيين السوريين فوراً». وبين هذا وذاك وصلت طائرات مقاتلة سعودية الى قاعدة انجرليك في جنوب تركيا للمشاركة في القتال ضد «داعش» والإرهابيين الآخرين.

رغم كل ما سبق، دخلت قوافل المساعدات الإنسانية الى دوما المحاصَرة الى الشرق من دمشق. وهذا أعتبره إنجازاً، رغم إدراكي أن ملايين السوريين محاصرون في بلادهم، أو يأكلهم السمك في البحر، أو هم في معسكرات اعتقال اوروبية شبه نازية لمنعهم من دخول هذا البلد أو ذاك.

مرة أخرى، لو كان الكلام هو المطلوب لكان السوريون ينعمون بأمن وأمان، إلا أن «الحكي ما عليه جمرك» كما يقول السوريون واللبنانيون، والكرملين وعد بعد المخابرة الهاتفية بقصر الغارات على «الإرهابيين»، ولم يفعل.

مَنْ هم هؤلاء «الإرهابيون» في نظر الحكومة الروسية؟ هم كل مَنْ يعارض النظام، يستوي في ذلك «داعش» و «النصرة» وكل إرهاب آخر والمعارضة الوطنية التي لا تزال حبراً على ورق أكثر منها فعلاً على الأرض.

ليست عندي حلول قصر عنها أساطين السياسة في الشرق والغرب، فأتهمهم جميعاً بالكذب والتقصير، وربما التآمر على الشعب السوري، فهو ضحية العصر، وكم كنت أتمنى لو أنني عشت في زمن آخر فلا أرى مأساة مستمرة متفاقمة ضحيتها أهلنا.

اقرأ المزيد
١٥ فبراير ٢٠١٦
تل رفعت تغتصب وتغتصب وتغتصب ورجالاتها سيعيدون كرامتها من أيدي الغزاة

كانت ومازالت رمزاً للكرامة والرجولة والتضحية ،عروس شمالي حلب الأبية التي لبت نداء الفزعة برجالها وشبابها وشيوخها ونسائها وأطفالها تنادي لنجدة درعا وحمص وحماة وإدلب .

ضحت بالغالي والنفيس وقدمت خيرة رجالها وشبابها في سبيل نيل الحرية المنشودة والذود عن الأعراض ةعن بلدات ريف حلب بشمالها وجنوبها إذ واجهت قوات الأسد والأمن السوري وغطرستهم وحررت نفسها من رجسهم لتغتصبها جحافل عناصر تنظيم الدولة وتقتل وتعتقل وتسلب كما تشاء في مدينة طهر ترابها بدماء أبطالها ممن رفضو الضيم والذل والمهانة ليعيدوا ثورتهم على تنظيم الغدر ويعيدو الكرة ويحررون بلدتهم الصامدة من كل مامس عفتها.

دافعت تل رفعت عن بلدات ريف حلب الشمالي وتلقت الضربات والمجازر بكل صمود فكانت عروس الشمال الحلبي صبرت وصمدت في وجه كل المجازر التي ارتكبتها طائرات الأسد بحق ابنائها قبل ان تبدأ مرحلة القصف الروسي وتغدو تل رفعت محطاً لرحال قذائف غدرها وصارويخها البالستية والتي دمرت كل مافيها من حياة وأجبرت الألاف من أهلها للنزوح بعيداً عنها.

واليوم من جديد تغتصب تل رفعت على يد قوات سوريا الديمقراطية وجيش الثوار ممن عبروا اليها على جثث أبنائها وشبابها يستظلون بظل الطيران الروسي الغادر الذي قدم كل مايملك من دعم بمئات الغارات الجوية ليتيح لحزب البككة الكردي وجيش الثوار الغادر ليدنسوا عفتها من جديد بحجج واهية دنيئة على مراى ومسمع العالم أجمع ووأولهم من ادعوا أنهم دولاً صديقة جعلوا لأنفسهم خطوطاً حمراء وصفراء وخضراء فاغتصبت تل رفعت أمام أنظارهم دون أن يحركوا ساكناً.

تل رفعت لن تبكي وثوارها لن يبعدو كثيراً عنها فهاهم أبطالها يترقبون فجر ذلك اليوم القريب للعودة لدارهم وأرضهم ومدينتهم الصابرة ليحرروها من جديد ويقدموا الدماء التي طالما كانت رخيصة لأجلها فيمحون عنها دنس الغزاة ويحررون أرضها من رجسهم لتعود طاهرة نقية تغتسل بدمءا الشرفاء الأطهار من أبنائها .

اليوم ظهر لكل العالم مدى العمالة والتعاون الوثيق بين من يسمون أنفسهم ثواراً وبين الطيران الروسي وقوات الأسد وكلها اجتمعت بيد واحدة مع تنظيم الدولة لتحرق الريف الشمالي لحلب وتنهي ثورة أبطال قدموا كل مايملكون للصمود إلا أن التاريخ لن يرحم كل من تخاذل من قادة الثورة وخذل تل رفعت وكل من سولت نفسه أن يتأمر على دماء أبطالها ويخون العهد والدماء ويقدم نفسه رخيصة لأجل حفنة من الدولارات.

تل رفعت لن تنادي ولن تصرخ هذه المرة فأبطالها يشعرون بألمها يعتلج في صدورهم ويتربصون الساعة للزود والدفاع عنها وعن أعراضهم وأعراض المسلمين أجمع بعد كل هذا التخاذل والتواطىء مع ثورة شعب بات يدافع بجسده عن دين الله في الأرض وحكام أمتنا الإسلامية يرتعون في قصورهم يأكلون ويشربون من أجساد أطفالنا ودماء أمهاتنا.

تل رفعت لن تسامح كل من تخاذل لنصرتها وتأخر عن ذلك وستنهض يوماً لتحاسب كل خائن وتقول للعالم إن ثورة شعب قامت على الحق لن تركع إلا لرب العرش فهو كفيل بحفها ونصرتها وتسخير من يدافع عن حرماتها في وجه الطغاة الغازين.

اقرأ المزيد
١٥ فبراير ٢٠١٦
مصر أكبر من أن تطعن السوريين في الظهر

في تصريح طال انتظاره لمعرفة موقف مصر ودورها في الصراع الدموي الدائر حول سورية، ومن ورائها السيطرة على المشرق بأكمله، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن الحل العسكري في سورية أثبت خلال السنوات الماضية عدم جدواه، وأن الحلول السلمية هي المثلى.
لا يختلف اثنان على هذا الكلام الجميل الذي تكرره الدول والاحزاب والشخصيات منذ خمس سنوات، وصيغت في سبيل تجسيده أكثر من مبادرة مع بقاء العملية السياسية معطلة. وأكثر من مرة ألقى مبعوثو الامم المتحدة للسلام المسؤولية على نظام الأسد في تعطيل المفاوضات وآخرها تصريح دي ميستورا نفسه بعد إفشال محادثات جنيف٣.
وكان الأحرى بالوزير المصري الذي يعبر عن موقف دولة يكن لها العرب جميعا كل الاحترام ويراهنون عليها كأكبر قوة عربية في حماية أمنهم وصد الغزوات الخارجية عنهم أن يوجه مثل هذا الكلام إلى النظام السوري وطهران وموسكو الذين لا يزالون يراهنون بشكل مكشوف على سحق المعارضة وإخراجها من الصراع، أي على الحسم العسكري الذي يقف شكري ضده، لا على المعارضة التي تطالب بوضع حد للحرب التي يشنها النظام مع حماته الأجانب للاحتفاظ بالحكم وردع الشعب السوري عن المطالبة بحقوقه.
في هذا الظرف بالذات، حيث تهدد موسكو وطهران بالقضاء على المعارضة وتزج العاصمتان بكل قواهما إلى جانب نظام دمر بلده وشرد شعبه للبقاء أشهر إضافية في السلطة، ليس لكلام وزير الشقيقية مصر سوى معنى واحد: تشجيع الروس على الاستمرار في القتل ومباركة حملتهم الصليبية على السوريين والتنصل بالمناسبة من مسؤوليات مصر القومية والانسانية في الوقت نفسه والوقوف مع المعتدين على بلد كان دائما الظهير للشعب المصري في كل مواجهاته التاريخية.
بمثل هذه السياسية لا يمكن بناء عالم عربي متعاون ومتضامن ولا بناء أمن عربي. وبتخلي الدول الاكبر في المنطقة عن مسؤولياتها والتزاماتها، لا يمكن أيضا بناء أي نظام للأمن الإقليمي.
سامح شكري لا يساهم بتصريحاته هذه في إطفاء حرائق الحرب المتمددة ولكنه بالعكس يصب الزيت على النار بمقدار ما يشجع المعتدي على الاستمرار في اعتدائه. مصر تستحق دورا أفضل من هذا ويستحق شعبها احتراما أكبر لمشاعره وعواطفه ومصالحه الحقيقية من قبل حاكميه.

اقرأ المزيد
١٥ فبراير ٢٠١٦
هل نحن في مرحلة "الامتصاص" أم "التفكك" جراء الهجمة العالمية علينا !؟

أجد نفسي في مرحلة التخبط الحالية التي تمر بها الثورة السورية جراء الهجمة العالمية عليها بشكل غير مباشر و العدوان الروسي الذي اتخذ الشكل العلني و المباشر ، بين مشهدين أحدهما خيالي مصطنع و الآخر عبارة عن أمر جرى و عاصرته قبل عامين في ظروف مشابهة تقريباً .

و لايفارق المخيلة المشهد من فيلم "باتيروت " عندما قاد "والس" (ميل غيبسون) ثورة ضد البريطانيين و في أهم المعارك طلب من الجنود الهدوء و الثبات في الوقت الذي كانت الخيول تتجه صوبهم لتسحقهم ، و باللحظة المناسبة أشهروا الرماح و قتلت الخيل و خياليها ، وكانت بداية الانتصار ، و انتقلوا من مدافعين إلى مهاجمين .

ذلك المشهد الخيالي كان ، في حين يعصف في رأسي المشهد الذي لمسته في معارك القلمون عموماً و التي اشتهرت باسم معركة "يبرود" ومن ثم "رنكوس" حيث كانت الفصائل حينها مترددة بالمهاجمة لفترة طويلة رغم اليقين بالتحضيرات ضدها و رغم ذلك لم تهاجم ولم تتحضر حتى ، و عندما بدأت الحملة ( المشابهة تقريباً لحملة ريف حلب الحالية) ظهر التشتت و التهرب من المسؤوليات و التحصن في المناطق الخاصة بكل فصيل و لم يقاتل إلا من رحم ربي وسط تقطير بالذخيرة و السلاح ، حينها سقططت المدن بشكل متتالي حتى انتقلت الفصائل للجبال و من ثم تبخرت و لم يعد لها مكان .

وسط هذان المشهدان تدور حالياً الملحمة في شمال سوريا ، التي تتعرض للابادة و الفناء بايدي الروس و صمت العالم بأسره الذي أقسى ماخرج به هو تنديدات و مطالبات بالتوقف ، و تسريب بضع صواريخ "غراد" التي لاتغني و لاتسمن من جوع ، في حين يواجه من على الأرض أعتى الطائرات و أقذر الصواريخ .

ليس وحده العالم من خاننا ، و انما عزوف الكثير من الفصائل عن القتال و الاكتفاء بأهل الدار بالحماية و الدفاع حتى الموت ، هو من يوغل في الصدور ، و لايمكن التبرير بقلة السلاح و الذخيرة و نحن على يقين تام بتوافرها في منطقة حررت منذ سنوات ، و تكدس السلاح فيها لتوقف شبه تام للمعارك هناك اللهم بعض الاستنزافات مع داعش تارة و مع الوحدات الكردية تارة أخرى ، ومساعى في بداية الحملة الأخيرة التي قادتها ايران براً و روسيا جواً .

لا يمكن لأحد أن يجد تفسيراً لما يحدث في ريف حلب ، و كذلك من غير المستطاع ترجيح أي مشهد من المشهدين (الامتصاص) أم (التفكك)، فاليوم عندما لاتدافع عن منطقة القريبة منك فإنك بالغد ستهرب من منطقتك و ستجد نفسك أمام خيارين إما الهروب إلى الجبال أو الانصهار مع داعش أو الاكراد .

اليوم حلب و ريف اللاذقية و بعدهما ريف حماه و ادلب ، لا أحد مستثنى أو بعيد عن متناول يد العدو الذي يجد من تقهقرنا "الكيفي" مجالاً رحباً لمزيد من التقدم و التقدم إلى ما لانهاية .

اقرأ المزيد
١٤ فبراير ٢٠١٦
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ضد الشعب!

قبل إجراء أول انتخابات رئاسية في مصر بعد الثورة، دار بيني وبين إعلامي مصري مخضرم من جماعة حسني مبارك حديث حول الانتخابات ومن سيفوز فيها، أحمد شفيق رئيس وزراء مبارك السابق أم محمد مرسي مرشح الثورة. وكان الرجل صريحاً، فقد قال لي حرفياً: "يجب ألا يحلم لا محمد مرسي ولا أي مرشح آخر محسوب على الثورة أن يقود مصر في قادم الأيام. وحتى لو فاز مرشح الثورة في الانتخابات، فلن يبقى طويلاً في منصبه، لأنه مرفوض داخلياً وخارجياً". فقلت له: ماذا تعني بـ"داخلياً" و"خارجياً"، فأجاب: "على الصعيد الداخلي، لن يقبل الجيش المصري، وهو أقوى مؤسسة في البلاد، أن يسلم مقاليد الحكم لأحد، حتى لو فاز بتسعة وتسعين بالمائة من الأصوات، وحتى لو كان مدعوماً من مائة ثورة شعبية. أما خارجياً، فلن يقبل أولاد عمنا الإسرائيليون بحاكم يختاره الشعب، خاصة إذا كان ذا صبغة إسلامية". طبعاً في عز المد الثوري آنذاك اعتبرت كلام الإعلامي المصري نوعاً من الهراء والعنتريات الفارغة على اعتبار أن الثورة في مصر لن تسمح لا للجيش ولا لإسرائيل ولا لأي قوة في العالم أن تخطفها. لكن يجب أن أعترف أنني كنت مغفلاً، ولم أعرف بعد أن التحالف الحاكم في العديد من الدول العربية المحيطة بإسرائيل يقوم على عامودين: الجيش العربي والعامل الإسرائيلي. بعبارة أخرى، فإن المؤسسات العسكرية الحاكمة في بلادنا ليست عدواً لإسرائيل، كما أوهمونا على مدى عقود، بل هي متورطة في تحالف وثيق مع إسرائيل، بحيث تؤمّن إسرائيل للمؤسسات العسكرية والأمنية العربية الوصول إلى السلطة والتشبث بها، بينما تقوم تلك المؤسسات بحماية إسرائيل من الشعوب العربية وإبقاء البلدان المجاورة التي يحكمها الجنرالات في حالة تخلف سياسي واجتماعي واقتصادي وصناعي.
على ضوء ما أفرزته الثورات العربية، وخاصة في المنطقة المحيطة بإسرائيل كسوريا مثلاً، لم يعد هناك مجال للشك بأن إسرائيل لن تسمح أبداً بسقوط الديكتاتوريات العسكرية والأمنية التي تكتم أنفاس الشعوب بكل أنواع الوحشية والفاشية والهمجية، كما يفعل النظام العسكري العميل في دمشق. ليس من مصلحة إسرائيل أبداً أن تصل أنظمة ديمقراطية إلى السلطة لا في سوريا ولا في أي بلد عربي محيط بإسرائيل. فقد جربت إسرائيل حكم الجنرالات في سوريا مثلاً على مدى نصف قرن، ووجدته مضموناً وآمناً وكلباً مطيعاً على صعيد تأمين الحدود الإسرائيلية وحمايتها من أي خطر شعبي، وعلى صعيد كبت أنفاس الشعوب في البلدان المجاورة بحجة التصدي لإسرائيل. لم يجد الإسرائيليون أفضل من الحكم العسكري الديكتاتوري كي يدوس الشعوب العربية، ويعرقل التنمية، ويُبقي البلدان التي يحكمها في حالة تخلف وتقهقر كي تنام إسرائيل قريرة العين، وكي تبقى الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وواحة الازدهار الاقتصادي والتكنولوجي والصناعي الأولى في عموم الشرق الأوسط العربي.
ماذا تريد إسرائيل أفضل من الأنظمة العسكرية لسحق الشعوب المجاورة ومنعها من التفكير في النهوض، أو تحرير الأراضي المحتلة؟ لاحظوا أن النظام الأسدي لم يسمح للطيور باختراق الحدود مع إسرائيل على مدى أربعة عقود، فما بالك أن يسمح لجندي سوري بإطلاق رصاصة واحدة باتجاه ما كان يسميه، ضحكاً على الذقون، بـ"العدو الصهيوني". لا عجب أبداً أن تكون إسرائيل وأمريكا أكثر دولتين في العالم تعارضان تفكيك الجيش السوري والمؤسسة الأمنية السورية. لاحظوا كيف دمرت أمريكا الجيش العراقي، وفككته لأنها كانت تجد فيه خطراً حقيقياً على إسرائيل، بينما ترفض رفضاً قاطعاً تفكيك الجيش السوري. لاحظوا أيضا كيف تحالفت إسرائيل فوراً مع روسيا التي جاءت إلى سوريا بدعم إسرائيلي واضح للحفاظ على النظام الديكتاتوري العسكري بشهادة الروس أنفسهم. ولو كان هذا النظام العسكري يشكل فعلاً خطراً على إسرائيل، لكان مصيره كمصير نظام صدام حسين الذي أطلق صواريخ سكود على إسرائيل، علماً أنه ليس على حدودها، بينما عمل الجيش السوري (جار إسرائيل) على إبقاء الحدود مع إسرائيل في حالة سكون قاتل على مدى نحو نصف قرن.
لا شك أن إسرائيل وحاميتها أمريكا تعلم جيداً أن نشوء أنظمة ديمقراطية حقيقية في البلدان العربية المجاورة لإسرائيل ستخلص شعوب المنطقة من التخلف السياسي والاجتماعي والاقتصادي والصناعي، وستجعلها منافساً قوياً لإسرائيل، لا بل خطراً كبيراً عليها. ولو تحررت شعوب المنطقة من ربقة الطغيان العسكري والمخابراتي الحاكم فهذا يعني بشكل أوتوماتيكي تحرير فلسطين. وقد قال المفكر الإسلامي الكبير محمد الغزالي ذات يوم: "إن زوال إسرائيل قد يسبقه زوال أنظمة عربية عاشت تضحك على شعوبها، ودمرت مجتمعاتها، وفرضت عليها الوهم والوهن، وشلت قدرتها على المقاومة، وأفسدت النفوس والأوضاع، فضاعت العدالة، واختلت موازين الاقتصاد، وانقسم الشعب إلى طوائف". انظروا إلى سوريا واحكموا.
لاحظوا عندما أدركت إسرائيل أن عميلها في دمشق لم يعد قادراً على حمايتها، جردته من أسلحته الاستراتيجية خشية وقوعها في أيدي نظام جديد لا يواليها. كما أنها أطلقت يد النظام بشهادة بشار الأسد نفسه ضد معارضيه ليفعل بهم وبالشعب السوري ما يريد. هذا ما قاله بشار للمثل السوري جمال سليمان في الشهور الأولى من الثورة، حيث أخبره بأن إسرائيل لن تقبل أبداً بإسقاط نظامه، وأنها أعطته الضوء الأخضر ليفعل ما يشاء. والهدف الإسرائيلي من وراء ذلك إنهاك سوريا وشعبها، بحيث لا تقوم له قائمة لعقود وعقود، فيما لو سقط حاميها في دمشق. بعبارة أخرى، إما أن تقبل الشعوب المحيطة بإسرائيل بأنظمة عسكرية ديكتاتورية كنظام الأسد، أو أن إسرائيل ستعمل على تخريب البلدان المحيطة بها، وتهجير شعوبها، وإعادتها عقودا إلى الوراء طبعاً بأيدي عملائها من العسكر والجنرالات العرب.
لاحظوا أن أكبر داعمي النظام السوري سياسياً وعسكرياً هو النظام المصري الذي، بدوره، عاد إلى السلطة بوجوه جديدة برغبة إسرائيلية أمريكية أولاً وأخيراً، كما أخبرنا الإعلامي المخضرم أعلاه. الطيور على أشكالها تقع. لا تقارنوا سوريا ومصر بتونس، فتونس ليست جارة لإسرائيل.
صدعوا رؤوسنا بشعار: "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة مع إسرائيل"، فاكتشفنا متأخرين أن المعركة لم تكن يوماً مع إسرائيل، بل مع الشعوب العربية التي تهدد إسرائيل. انظروا فقط: كم قتل نظام الأسد من الإسرائيليين، وكم قتل من السوريين!

اقرأ المزيد
١٢ فبراير ٢٠١٦
الأحادية الروسية بعد فشل الأميركية

يكشف الفصل الجديد من فصول الحرب - المحرقة في سورية عن وجه لروسيا لم يسبق أن بلغ درجة القباحة، حتى أيام الستالينية في الاتحاد السوفياتي، بسبب رعاية موسكو التطهير العرقي والإثني والطائفي لمناطق واسعة في سورية، تحت ستار محاربة الإرهاب تارة، وبحجة استعادة الدور الروسي على المسرح الدولي مع حنين إلى شعارات محاربة الإمبريالية العالمية كما يقول مسؤولون روس، تارة أخرى.
فمشهد النازحين السوريين بعشرات الآلاف على الحدود السورية - التركية شمالاً، هرباً من القصف الروسي، ومن الفتك الإيراني بقرى ومناطق يدل على أن القيادة الروسية تتعطش لإثبات قوتها متوسلة قتل المزيد من المدنيين وتهجير من يسلم منهم على يد حلفائها من ميليشيات إيرانية وحليفة لطهران في شمال سورية، تعيث في الأرض فساداً وتطرد السكان من بيوتهم، لدفعهم إلى تركيا، تمهيداً لتعميق مشكلة اللاجئين في أوروبا التي تهدد كياناتها واقتصاداتها. كانت الحجة الروسية في الدفاع عن نظام بشار الأسد، في وجه المطالبة الغربية والعربية برحيله ضمن آلية قيام حكم انتقالي كامل الصلاحية وفق وثيقة جنيف 2012، أن من سيملأ الفراغ بذهابه هم المتطرفون و «داعش»، لذلك وجب القضاء على الإرهابيين قبل ذلك. إلا أن التدخل العسكري الروسي والإيراني في سورية كانت وجهته المعارضة المعتدلة التي كان يمكن الحل السياسي أن يشكل منها فريقاً مع بقايا النظام والمؤسسات بديلاً لنظام العائلة التي أنهكت سورية خلال أكثر من 4 عقود. وظهر جلياً أن ما قام به تحرك قوات النظام (القليلة العدد) بالاعتماد على الوجود الإيراني الميليشيوي الذي يشكل أساس القوات المدافعة عن الأسد، تحت غطاء الطيران الروسي هو تجنب الصدام مع «داعش»، والقضاء على الفصائل المقاتلة واجتياح المناطق التي توجد فيها. حتى أن هذه الميليشيات كانت تمر في طريقها إلى ريف حلب أمام أعين «داعش»، من دون الاشتباك مع الأخير.
لم تقتصر المفارقات في الخديعة الروسية على تلك الحجة الممجوجة حول من يحل مكان الأسد في حال رحيله. فموسكو تدعو منذ عام 2011 إلى حل سياسي لا بديل منه، ثم تمارس الحل العسكري. رفضت تدخل أي دولة عسكرياً على الأرض السورية حتى لو كان لفرض منطقة آمنة للنازحين، إذا لم تكن تحت مظلة الشرعية الدولية، لكنها أباحت لنفسها التدخل وبناء القواعد العسكرية من دون قرار دولي بزعم الاتفاق مع الحكومة السورية، وأخذت تهجّر السوريين من أرضهم، أصرت على أن مفاوضات الحل السياسي يجب أن تتم بحوار سوري - سوري من دون تدخل خارجي، وحين شكلت المعارضة وفداً موحداً إلى جنيف أخذت تتدخل في طبيعة الوفد لتملي من يشارك ومن لا يشارك. ادعت الحرص على وحدة سورية وحفظ مؤسساتها، لا سيما الجيش، لكنها ساندت لتقاطع مصالحها مع أميركا، القوات الكردية في الشمال، كي يقتطع الأكراد منطقة نفوذ، موازية لمنطقة نفوذ «داعش»، واستبدلت بمؤسسة الجيش جحافل الميليشيات الآتية من الفضاء الإيراني، وتولى الضباط والخبراء الروس قيادة هؤلاء في الجنوب والشمال، لاستعادة مناطق من الفصائل المقاتلة غير المصنفة إرهابية...
وحين أعلنت المملكة العربية السعودية استعدادها لإرسال قوات ضمن التحالف الدولي لمقاتلة «داعش» على الأرض السورية، من أجل أخذ العرب دورهم في القضاء على الإرهاب، بدلاً من استخدام هذه الحجة لبقاء الإيرانيين وأذرعتهم في بلاد الشام، لم يجد سيرغي لافروف حجة لإجهاض الفكرة سوى اتهام «بعض الدول بأنها تنطلق من كراهية شخصية للرئيس بشار الأسد». وهو يتكل بذلك على فقدان الذاكرة لدى مستمعيه، بأنه سبق له ولفلاديمير بوتين أن روّجا بأن بلادهما لا تدافع عن شخص الأسد وأنها لا تتمسك به. ذهب الاستعلاء به إلى الحديث عن 3 سيناريوات: حل وسطي عبر مفاوضات جنيف (يقصد به استسلام المعارضة لميزان القوى على الأرض)، أن ينتصر النظام عسكرياً، أو اندلاع حرب كبيرة يشارك عدد من الدول الأجنبية فيها، وهو يدرك أن ما من دولة في المنطقة تريدها باستثناء روسيا وإيران.
تطمح القيادة الروسية من وراء الخدع والتناقضات في سلوكها إلى «أحادية» سيطرتها على سورية، تحت ستار التمسك بالقانون الدولي، في زمن تراجع الأحادية الأميركية، ولو كان ذلك على حساب تدمير سورية. فإذا كانت الأخيرة فشلت بعد حرب العراق كيف يمكن أن تنجح الأحادية الروسية إذا كانت ستغرق في مستنقع يستولد الحروب على مراحل؟

اقرأ المزيد
١٢ فبراير ٢٠١٦
روسيا تبحث عن مكان لـ"الأكراد" على الآرض لفرضهم في السياسة .. فهل نجد "مناع+مسلم"في جنيف أم في ..!؟

لاشك أن التقدم الذي تقوم به وحدات حماية الشعب الكردية ممتطي "جيش الثوار" أثار من التساؤلات الكثير حول مبررات هذا الهجوم ، سواء على منغ و الاستحواذ عليها و الاتجاه صوب اعزاز ، في مخالفة "فادحة" لمهمتهم الأساسية المعلن عنها ألا وهي محاربة "داعش" وفق الاتفاق مع التحالف الدولي عموماً و أمريكا على وجه الخصوص ، والذي تم التسليح و الدعم على أساسه .

التقدم المفاجئ و المتسارع و المدعوم بلا هوادة من قبل روسيا هذه المرة ، هو الطريق الذي لجأت إليه روسيا لفرض هذه القوات كعنصر من المعارضة عسكرياً ، بعد أن فشلت سياسياً في ذلك ، نظراً للمعارضة الشديدة من قبل تركيا و المعارضة التي التئمت في الرياض ، و بالطبع ليس الحب ما يجمع روسيا ووحدات حماية الشعب الكردية ، إنما عبارة عن أداة لتشتيت المعارضة وايجاد خرق في صفوفها من تنظيم من الممكن أن يلبس كل الوجه المتوافرة إلا الوجه الوطني ، و أن يتحول لمطية الجميع والمهم أن لا يتوافق مع المستقبل الطبيعي للشعب الذي يدعى تمثيله .

الخليط الذي أوجدته روسيا و من قبلها الولايات المتحدة الأمريكية ماهو إلا لعبة اعتادوا على ممارستها طوال سني العبث في الشعوب و الدول ، و الغريب هو نجاحها الدائم في التطبيق وعثورها على لاعبين أعمت على أبصارهم بعض البنادق و قليل من القذائف مع بعض المداعبة لاحلام أبعد ما تكون حتى عن "المعجزات".

اليوم كل قطعة تقضم من الثوار لصالح القوات التي أطلقت على نفسها "العلمانية الديمقراطية" هي رصيد اضافي للضغط السياسي ، والوصول إلى حل نسبي بين طرفي الصراع المتوضح للعلن أنه بين روسيا و تركيا و الفعلي هو بين روسيا و أمريكا ، و مجرد حدوثه ستلفظ هذه القوات و ترمى إلى حيث أتت ، اذ من غير الممكن أن يتم السماح بحدوث أمر كهذا و لو وصلت الأمور إلى حد حرب وصفتها روسيا بـ"عالمية".

أقسى طموحات المعارض الذي كان يدعي السلمية "هيثم مناع" و صديقه الفاعل في التلون "صالح مسلم" الجلوس على مقعد في جنيف أو في أي مكان ، فهذا الكرسي يمثل له انتصار و شعور بالنجاح ، شعورٌ مؤقت سينتهي مع ظهور أول بوادر اتفاق عالمي على تقاسم المصالح و تصفيتها ، ليضيع "المركبون" كـ "فرق عملة" بين الصرافة .

لايعول كثيراً على التصريحات و لا الكلام الظاهر للعلن ، وفق منطق لعب الدول ،و لكن التصريحات تعكس بشكل أو بآخر نوعاً من التوجه ، و الألم التركي من التقدم للقوات الكردية قد وصل حد لم يعد للصبر مكان كما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، ولايوجد عبارة "أغبياء" على جبينهم كما أعلن أمس ،ولكن لاتعني إلا حرب عسكرية أو تصعيد سياسي ، فمن الممكن أن يتحول إلى مهادنة معاكسة و مفاجئة مع روسيا ، وهذه الحركة الالتفافية ستكون كافية لضرب الأسس التي بنت عليه القوات الكردية و تطيح بها نحن مجاهل لايعرف آخرها سيما مع سعيها الدؤوب و المستمر لاستعداء كل محيطها و عمقها الشعبي .

إلى الآن تبدو الخطط تسير كما هو متوقع بالنسبة لروسيا و لاعبها المتلون "وحدات حماية الشعب الكردية" ، لكن صفة محاربي "داعش" و المتطرفين ستجد طريقها للزوال مع الاعلان و الاستعداد و يبدو أنه الجدي بامكانية ادخال قوات برية أي كانت و لكنها ستنهي مهمة القوات الكردية و تحولها لخصم كداعش و غيرها ، فهل يعي ذلك بعض مفكري "قوات ديمقراطية سوريا " أم أن ممثلية موسكو و الخريطة لـ"روج آفا" قد أنهت أي عقل لديهم.

اقرأ المزيد
١١ فبراير ٢٠١٦
إقامة دولة تلائم الأسد

التصريح الأخير للمبعوث الأممي الخاص، ستيفان دي ميستورا، بتحميل نظام بشار الأسد مسؤولية تعطيل المفاوضات، لا يرتقي إلى مستوى الجرائم والأحداث الخطيرة في سوريا التي ازدادت هذه الأيام. وما نسمعه منه أقل مما هو متوقع من الأمم المتحدة ومبعوثها، ومن الحكومات الكبرى، وكذلك الحكومات العربية المعنية حيال ما يحدث من تطهير طائفي متعمد، وتغيير ديموغرافي صريح، وعمليات قتل وتشريد تستهدف مئات الآلاف من المدنيين في مناطق مكتظة سكانيًا.

تصريحه أيضًا لن يلطف من هول الصدمة حول محاولة الإبقاء على الأسد إلى أكثر من عامين مقبلين، وتوقيت الحل السياسي تفاوضيًا، ليتلاءم مع مسرحية نهاية فترة رئاسة الأسد في ربيع 2018. فافتراض بقاء الأسد حاكمًا يلغي الحاجة إلى التفاوض. الأسد، شخص يفترض أن يحاكم بتهمة ارتكاب جرائم حرب من أبشع ما عرفناه في التاريخ الحديث، لا أن يكافأ بالإبقاء عليه تحت علم الأمم المتحدة!

سلسلة وعود كاذبة انخرط فيها الوسطاء منذ البداية، ففي عام 2013 قيل للسوريين انتظروا عامًا حتى موعد نهاية الأسد حتى يكمل فترة رئاسته، ويكون التغيير دستوريًا من أجل حفظ ماء وجه الأسد. وعندما جاء الموعد أجرى الأسد انتخابات مزورة، ونصب نفسه رئيسًا من جديد، واستمر في القتل والتشريد. الآن، مشروع المفاوضات يجعل الأسد يستمر حتى ربيع عام 2018، أي يتم توقيتها لتستمر إلى موعد الانتخابات.

طبعًا، لا أحد يتذكر تلك الكذبة الأولى الآن، لأن الأكاذيب صارت كثيرة. مثلاً قيل للمعارضة، اقبلوا بمفهوم «المحافظة على النظام» حتى يمكن تبني مشروع إقصاء الأسد، وبذلك نتجنب انهيار ما تبقى من الدولة، وحتى لا تتكرر غلطة الأميركيين في العراق الذين اعتقلوا كل القيادات وسرحوا كل الجيش والأمن. المعارضة قبلت بالعرض، وأعلنت استعدادها للمشاركة في حكومة مع عدوها النظام، لكن من دون الأسد.

ثم قيل لها لا بد أن تتواصلوا وتتفاوضوا مع الروس، لأنهم طرف فاعل، ومن خلالهم يمكن الانتقال إلى مرحلة تفاوضية تنهي الأزمة. المعارضة ذهبت إلى موسكو ولم يسمعوا هناك سوى التهديدات. وكان تعليق أحد المشاركين، ماذا بقي في سوريا حتى نخشى عليه من التهديد؟

وعندما أعلنت الحكومة الأميركية مشروعها محاربة تنظيم داعش، طالبت المعارضة بمشاركتها في قتال التنظيم باعتباره شرطًا للتعاون معها عسكريًا وسياسيًا، قبلت المعارضة. الأميركيون هادنوا التدخل العسكري الروسي وحربهم في الجو والإيراني على الأرض ضد المعارضة المعتدلة. كان ما يقلق الحلفين المتنافسين هو كيفية تنظيم العمليات العسكرية في سماء سوريا حتى لا تقع حوادث بينهما. كل ما حصل عليه السوريون من العمليات ضد «داعش» هجوم الروس على المناطق المدنية، وزيادة في الإغاثة الغربية من البطانيات والأغذية للاجئين.

سلسلة الوعود الكاذبة واللامبالاة هذه ستنجح في تحقيق أمرين خطيرين، الأول زيادة المأساة الإنسانية بمضاعفاتها المتعددة، والثاني انتشار الإرهاب الذي ينمو سريعًا نتيجة الفراغ والفوضى والغضب.

ويخطئ السياسيون عندما يتعاطون مع الأزمة السورية على أنها مجرد قضية متفرعة من تشابكات العلاقات المتوترة في منطقة الشرق الأوسط. الحرب في سوريا في الأصل قضية قائمة بذاتها وليست جزءًا من الصراع العربي الإيراني، أو السني الشيعي، أو الروسي الأميركي. وهذا لا ينفي أن سوريا أصبحت ساحة لصراعات متعددة. أزمة سوريا جذورها محلية، وهذا تاريخها بإيجاز. ولد نظام الأسد من منتجات الحرب الباردة ومحسوب على المعسكر السوفياتي، وبعد سقوط السوفيات لم يستطع أن يتغير أو يتطور. ثم صار وضعه أصعب بعد موت مهندس النظام، وضابط إيقاعه، أي مؤسسه حافظ الأسد عام 2000. تولى بعده ابنه بشار، الذي درس سنة واحدة في طب العيون، وفشل في إدارة الدولة. وفي عام 2011 واجه انتفاضة شعبية، مع بقية الأنظمة العسكرية الأمنية في المنطقة مثل مبارك مصر، وزين العابدين في تونس، والقذافي في ليبيا، وصالح في اليمن.

وبالتالي فإن قراءة الأزمة السورية على أنها نتاج صراع عربي مع إيران، أو نزاع مذهبي غير دقيقة، هي مضاعفات مباشرة لانهيار النظام وليست سبب الانتفاضة عليه. وبالتالي سيكون من المستحيل الإبقاء على الأسد إلا في حال إعادة مبارك للحكم في مصر أو ابن القذافي إلى ليبيا.

من أجل الإبقاء على الأسد في دمشق قام الروس والإيرانيون بذبح ثلث مليون إنسان، وتشريد اثني عشر مليونًا آخرين، وتدمير عشرات المدن. وهم الآن يحاولون طرد نصف الشعب السوري من مناطقهم لبناء دولة مكوناتها الإثنية تلائم قدرة الأسد الذي ينتمي إلى طائفة نسبتها من السكان عشرة في المائة فقط. فأي جنون هذا؟ وكيف تقبل حكومات المنطقة السكوت عن هذه المهزلة والمأساة الخطيرة؟!

اقرأ المزيد
١١ فبراير ٢٠١٦
مأزق "دي ميستورا" وقلة حيلته!

ياله من مأزق كبير يواجه المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في مهمة لا يقدر عليها، ولا يرغب في التخلي عنها. وتبدو محاولته المتعثرة لجمع وفدين يمثلان نظام الأسد وقوى المعارضة الأساسية هي التجسيد الأكثر وضوحاً حتى الآن لمأزقه في ظل عجز المنظمة الدولية عن تنفيذ القرارات التي يصدرها مجلس الأمن. يبدو المبعوث الأممي كمن يحاول دون جدوى السير على حبل مشدود في غياب أي دور للمنظمة التي سمَّته مبعوثاً لها، وأمينها العام الذي سيدخل التاريخ من باب واحد هو عدد المرات التي أبدى فيها قلقه إزاء اعتداءات أو هجمات أو مذابح ثم لاذ بالصمت.

ويثير موقف دي ميستورا مزيجاً من الأسى والإشفاق، فالضغط الروسي المكثف عليه يعرقل سيره على الحبل المشدود، فيتعثر ويلجأ إلى كل ما تسعفه به تجربته الدبلوماسية من أساليب المناورة.

وانعكس ذلك حتى في التعبيرات التي يستخدمها، والألفاظ التي يضطر للتلاعب بها. فهو يتحدث تارة عن مفاوضات، وتارة أخرى عن مشاورات، ويستخدم أحياناً كلمة محادثات، رغم ما بين هذه المصطلحات من اختلاف. كما أن ما سعى لإجرائه في جنيف ليس واضحاً. فهل يُعد امتداداً لجولتي جنيف السابقتين، فنكون إزاء «جنيف 3»، أم أنه يؤسس لمسار جديد مختلف يقترن ببياني فيينا، ولا تربطه ببيان «جنيف 1» غير صلة شكلية.

وليس هذا مجرد ارتباك أو تخبط، بل تعبير دقيق عن أزمة المنظمة الدولية بعد أن بلغت مبلغاً ربما يفوق معظم الأزمات التي تضرب العالم. والحال أنه كلما تفاقمت إحدى هذه الأزمات، كما في الأزمة السورية الآن، ازداد انكشاف الأمم المتحدة وتجلى عجزها.

لذلك ليست مصادفة أن يكون الفشل قاسماً مشتركاً بين مبعوثيها لحل الأزمات التي يتوقف عليها مصير ثلاثة من بلاد المنطقة. ولم يعد غريباً، والحال هكذا، أن تفقد قرارات مجلس الأمن بشأن هذه الأزمات، وكثير غيرها، قيمتها حتى ما صدر عنها تحت الفصل السابع، مثل القرار الخاص بالأزمة اليمنية 2216. فمازال الانقلابيون يتلاعبون بهذا القرار في غياب أي استعداد من جانب مجلس الأمن لاحترامه رغم أن ميثاق الأمم المتحدة يُجيز استخدام القوة لتنفيذه.

ويحدث مثل ذلك بشأن القرار 2254 الصادر في 18 ديسمبر الماضي، لكن ليس تحت الفصل السابع، وكان المفترض أن يذهب الذاهبون إلى جنيف على أساسه، أي بعد تنفيذ ما ألزم أطراف الصراع في سوريا به، فقد نص هذا القرار على رفع الحصار عن المناطق المحاصرة، وفتح الممرات الإنسانية لإيصال المساعدات إليها وتيسير عمليات الإغاثة فيها، فضلاً عن إطلاق سراح المعتقلين، ووقف الهجمات ضد المدنيين، والعودة الآمنة للنازحين إلى المناطق التي هُجروا منها. وهذا كله موجود في بيان «جنيف»، الذي طالب مجلس الأمن مرات عدة بتنفيذه، قبل أن يجعله هامشاً على متن القرار 2245.

ومع ذلك، فقد رأى دي ميستورا أن تنفيذ ما قرره مجلس الأمن يدخل في إطار «الشروط المسبقة» التي عبّر عن امتعاضه منها، ولم يلتفت إلى إعلان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، في آخر يناير الماضي، أن الحصار والتجويع في سوريا الآن قد يرقيان إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية. وظل متمسكاً بموقفه ضد ما أسماه «شروطاً مسبقة». ولا يعود هذا الموقف إلى «فلسفة» معينة في تفسير القرار 2254، بل إلى عجز الأمم المتحدة عن تنفيذ قراراتها. فيعرف دي ميستورا بخبرته أن أي مفاوضات، أو حتى مشاورات جادة، تتطلب تمهيداً، والتمهيد البديهي في حالة سوريا هو وقف إطلاق النار وإنقاذ المحاصرين في 18 منطقة منكوبة، وإذا كان دي ميستورا بدأ حقاً في إدراك ذلك، كما يبدو في حديثه المتأخر عن ضرورة وقف إطلاق النار بعيد إعلانه تعليق «محادثات» جنيف ثلاثة أسابيع، فهذا يعني وضع المنظمة الدولية في اختبار صعب جدا. لكنه اختبار له هو أيضاً، ولكيفية تصرفه في ظل عجز سكرتارية الأمم المتحدة التي عيَّنته مبعوثاً لها، وتركته من دون أي عون، فلجأ للمناورة بطرق لا نعرف علاقة كثير منها بالقواعد المعروفة للوساطة في العلاقات الدولية.

اقرأ المزيد
١١ فبراير ٢٠١٦
السعودية والاستعداد للتدخّل البري في سوريا

يشكل كشف المملكة العربية السعودية مؤخرا عن استعدادها لتدخل بري في سوريا، ضمن صفوف «التحالف الدولي لمكافحة الارهاب« الذي شاركت في تأسيسه قبل اكثر من عام، خطوة جديدة تندرج في اطار اتباع سياسة اكثر حزماً تعتمد درء الخطر قبل استفحاله جسدتها منذ اطلاقها «عاصفة الحزم» في اليمن لمواجهة التغوّل الايراني في دول المنطقة.

فقد بحث وزير خارجيتها عادل الجبير مع نظيره الاميركي جون كيري الذي تقود بلاده حملات التحالف في تفاصيل هذه الخطوة بما يؤشر الى جديتها وفق ديبلوماسي لبناني سابق خصوصا وان الحديث عن امكانها يتزامن مع انطلاق مناورات «رعد الشمال» غير المسبوقة في حفر الباطن شمال المملكة والتي تحمل في طياتها رسائل متعددة ابرزها ان السعودية لن تتأخر كما فعلت في اليمن عندما لم تعلن «عاصفة الحزم» إلا بعد سقوط عدن. فـ«رعد الشمال» اول خطوة عملية لـ«التحالف العسكري الاسلامي» الذي تقوده السعودية والتي سبق للجبير ان اعلن انه قد يصل الى تشكيل «قوة ضاربة» للتعامل مع احداث ارهابية لا يقتصر تنفيذها على «داعش».

ومن المؤشرات أيضاً الى جدّية هذا الاستعداد، حملة التهديدات التي اطلقها على الفور النظام السوري بلسان وزير خارجيته وليد المعلم بالعودة في «صناديق خشبية«، في حين اطلقتها ايران بأصوات متعددة. فمن توعد قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري «بالهزيمة اذا اقدمت» الى تحذير نائبه حسين سلامي «من مغبة التدخل» مهددا من دون اعطاء تفاصيل بأن المنطقة ستشهد حينها «احداثاً مفجعة ومؤلمة»، وصولاً الى تلويح القائد السابق للحرس الثوري وأمين مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي ان هذه الخطوة «ستؤدي الى اشعال المنطقة كلها ومنها السعودية». اما روسيا فقللت من اهميتها عندما تساءلت عبر احد مسؤوليها عما اذا كانت الحرب قد انتهت في اليمن، في حين وضع وزير خارجيتها سيرغي لافروف، الذي تنحو بلاده بوضوح باتجاه فرض حلّ عسكري، الرهان على هذا النوع من الحلول في خانة السعودية، وإن لم يسمِّها، عندما قال «هذا السيناريو اصبح واقعياً بسبب تصريحات عن خطط لإرسال قوات برية».

وقد اعقب الاعلان السعودي فشل «جنيف 3» بسبب تصعيد الغارات الروسية الى حدّ غير مسبوق سمح باختراقات ميدانية اذ وصلت قوات النظام الى مشارف تل رفعت التي تبعد حوالي 25 كلم عن الحدود التركية وهو اكبر تقدم منذ عسكرة الثورة. فيما باتت مدينة حلب بين كماشة النظام ومقاتلي الاكراد اضافة الى «داعش» بما يهدد بإفراغها من اهلها وبما يمس بالامن القومي التركي وهو ما سيسمح حكماً بالتنسيق بين الدولتين في حال تنفيذ خطوة تدخل بري وفق المصدر نفسه.

وطالبت المعارضة في حلب، وفق معلومات صحفية، السعودية بالتدخل في صرخة «انجدونا وإلا انهزمنا» كما سبق لكيري ان توقع ان تؤدي ثلاثة اشهر من القصف الى «فنائها».

ويبقى السؤال هل تشهد «المجموعة الدولية لدعم سوريا» التي تلتئم اليوم في ميونخ، وفق الوعود الاميركية، مساعي متجددة لوقف اطلاق النار وايصال المساعدات للمدنين تطبيقاً للقرار الدولي 2254 الذي ربط بدء المفاوضات بهذه الشروط، بما يعني حكماً تراجع الهجمة الروسية علّ ذلك ينقذ العملية السياسية التي دخلت في موت سريري بعد تعثر «جنيف 3»؟.

ويتساءل المصدر «هل ستدفع روسيا هذه المرة في اتجاه وقف لاطلاق النار حفاظاً على مكاسب التقدم الميداني، خصوصاً وان الهدف المرجح للتدخل العسكري السعودي، الذي في حال تنفيذه سيستهدف بالفعل «داعش» لا الفصائل المعتدلة كما يفعل الروس، هو العودة بالجميع الى طاولة التفاوض؟».

اقرأ المزيد
١٠ فبراير ٢٠١٦
الخداع الروسي للجميع: السوريون إلى الجدار الأخير

كان لا بد من إجرام روسي فوق إجرام النظامين السوري والايراني ليأخذ الصراع في سورية وعليها مساراً آخر لم يرده الشعب السوري. بعد خمسة أعوام من القتل والتدمير والتهجير، كتبت موسكو وطهران لنظام بشار الأسد عمراً جديداً، بمزيد من القتل والتدمير والتهجير، وتعدّانه للسيطرة مجدّداً، كما خطّط وتمنى. لكن، السيطرة على ماذا ومن أجل ماذا، على ركام بلد بلا سكان ولا أهل، ولوضع سورية على موائد المساومات. عشرات الآلاف هجّوا الى أقرب ما ظنّوها ملاذات، لكن طائرات فلاديمير بوتين تلاحقهم من ملاذ الى آخر، فالرئيس الروسي لا يريدهم أيضاً في مدنهم وبلداتهم، يريحه أن يكونوا خارج الحدود، ولا يزعجه أن تكون ميليشيات الملالي الايرانيين من يقتلعهم من مساكنهم.

منتهى الوحشية هو ما تنهجه روسيا بوتين ضد السوريين، متقصّدة المدنيين، لأن النظام - حليفها، منذ كان، داوم على اعتبارهم أعداءه الأولين، ومنذ كان، ظل يقلق من صمتهم ويخشى خوفهم منه حتى وهو يقمعهم ويذيقهم أمرّ التعذيب. منتهى الانحطاط هو ما تنهجه ايران ولي الفقيه ضد السوريين، متضامنة مع حليفيها في التجرّد من أي اخلاقية، فمن يتعامل بهذا الاحتقار مع شعب سورية لا يمكن أن يكنّ لشعبه شيئاً آخر غير هذا الاحتقار. استطاع بوتين وخامنئي والأسد أن يثبتوا للعالم أنه لم يتعرّف بعد الى قاع الوحشية، فقد تكتلوا، ولا ينقصهم سوى كيم يونغ اون، ليصنعوا أحدث مآسي الانسانية على أنقاض احدى أقدم الحضارات البشرية والعمرانية. نجحوا في أن يكونوا الورثة الطبيعيين للنازية والفاشية والصهيونية، والأبطال المتماهين مع ارهاب «داعش» وما بعده.

لا يستطيع الآخرون، في الولايات المتحدة ودول اوروبا وحتى دول العرب، أن ينكروا أنهم شهود سلبيون على هذه المأساة، التي تحوّلت في اللحظة نفسها من قضية شعب يريد تقرير مصيره في جنيف الى قضية لاجئين هائمين في أرضهم باحثين عن خيمة تؤويهم. أصبح واضحاً الآن أن جنيف وفيينا ومجلس الأمن وقراراته مجرد ديكورات لفصول مسرحية الخداع الروسي، الذي لم يذهل إلا باستعداد ادارة اميركية للإنخداع وللعب الدور كما لو أنه من تأليفها. تفانى باراك اوباما في التفاوض النووي مع ايران، مكتفياً بالتفرّج على جرائمها في العراق وسورية واليمن، ثم على جرائم روسيا، ظناً منه أن الاتفاق النووي سيكون «الإرث» الرفيع لعهده في البيت الأبيض فإذا به يورّث العالم نظاماً دولياً يهيمن عليه واحد من أسوأ «محاور الشرّ» في التاريخ. وفيما واظبت اميركا - اوباما على «التفاهم» مع روسيا - بوتين، وإيهام العالم بأنها دولة مسؤولة ترغب في «حل سياسي» يحافظ على الدولة في سورية، وبدل أن تستوحي موسكو، في سعيها الى هذا الحل، القرار 2254 الذي صيغ بعنايتها، إذا بها تسترشد بكتاب «ادارة التوحّش» لـ «القاعدي» «ابي بكر ناجي».

أسوأ أنواع «الاستكبار» وأقبحها أن لا يكتفي المجرمون والشهود العيان بارتكاب هذه المأساة في حق الشعب السوري بل يزيدون اليها الإهانة عندما يبررونها بظهور تنظيم «داعش»، وكأن هذا الشعب مصدر هذا الارهاب الذي غزا أرضه ليجد أن الأسد والايرانيين قد فتحوا له الأبواب. «داعش» صنيعة هذين النظامين وذريعتهم، وما لبث بعد انتشاره أن صار وسيلة لكثيرين يتنافسون على محاربته، وبالأخص على استخدامه للتضحية بسورية وشعبها معاً. مذهلٌ كمّ المعلومات المتداولة بين المجرمين ولدى شهودهم عن ارتباط «داعش» بإيران، وعن التوجيهات التي يتلقاها للهجوم هنا والانسحاب هناك، والوجهات التي يُطلب منه تصدير مقاتليه اليها، وتعليماته لخلاياه في الخارج بوقف نقل المجندين الى سورية والتحرك في اماكن وجودها، وعن مهماته المقبلة... كل ذلك تعرفه الأجهزة والحكومات ووثّقته من خلال عشرات المخبرين من جنسيات مختلفة داخل «داعش»، لكنها تتكتّم عليه لأسباب ودوافع يصعب تفسيرها، سواء للحفاظ على مصادرها وعلى الكذبة الشائعة أو لأن «داعش» يوفّر للدول الكبرى فرصاً شتّى لاستخدامه. ثم أن كشف حقيقة دور ايران يستوجب محاسبتها، فكيف تقدم الدول الكبرى على ذلك فيما هي متهافتة على ايران لانتزاع العقود والصفقات.

الكل يعرف أنه سيُقضى على «داعش»، وبسرعة، متى تنتهي صلاحيته ووظيفته، فقد وفّر لروسيا ونظام الاسد وايران إمكان «شيطنة» المعارضة السورية لتبرير «سحقها» و «إهلاكها»، وفقاً للتعبيرات استخدمها جون كيري أمام نشطاء مدنيين سوريين في غرفة مجاورة لقاعة «مؤتمر المانحين» في لندن حيث اعتلى المنبر ليتفوّه بكلام مغاير. لم يعد هناك فارق بين كيري وسيرغي لافروف، على أن الثاني يفعل ما يقوله، أما الأول فلا يزال يرطن علناً بموقف اميركي أصبح كذبه كارثياً فيما يستغلّ الكواليس لتسويق توجيهات زميله الروسي. وفي السياق قدّم «داعش» أكبر الخدمات للسياسة الطائفية الايرانية، فصعوده وانتشاره وأشرطة قطع الرؤوس دعمت «شيطنة» السنّة عالمياً، أما هجماته واعداماته كتراجعاته وهزائمه فحققت لطهران أحلاماً استراتيجية تاريخية بتدمير كل الحواضر الاسلامية وشواهدها الأثرية ومقوّماتها الاقتصادية وميراثها الثقافي. ولا يبدي الشهود الدوليون استهجاناً ازاء الادارة الايرانية لهذا التوحّش، لكنهم كانوا يريدونها بعيداً من شوارعهم ومن دون موجات اللاجئين وأعبائها وازعاجاتها. لن يستطيعوا القول مستقبلاً أن جريمة العصر في سورية والعراق حصلت من دون علمهم وموافقتهم. شاؤوا أم أبوا، انهم شركاء فيها.

لا يقتصر الخداع الروسي على لعب الحل العسكري ضد الحل السياسي، أو على التلاعب بالمبادئ التي بني عليها القرار 2254 وأهمها وحدة سورية شعباً وأرضاً، بل ان دورَي روسيا و «داعش» يبدوان متزاملين ومتلازمين في تسهيل تسريب فكرة التفكيك الجغرافي لخريطتَي سورية والعراق الى النقاش السياسي حول استئناف التفاوض بعدما دُمّرت مقوّماته. فالاستحالة والتعجيز اللذان وضعت المعارضة أمامهما جعلتا موسكو تهدد بتنظيم تفاوض بين النظام بعد استعادته السيطرة و «معارضتها» المستعدة للقبول بصيغة حكومية غير انتقالية لطي صفحة الأزمة، بما فيها الاكراد الانفصاليون الذين باتوا يشكلون الحركة الأولى المعلنة في تفسّخ وحدة الأرض السورية ويحظى «اقليمهم» باعتراف روسي مبكر وبحماية وتسليح اميركيَين.

في السياق نفسه يدعو رئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني العالم الى الاعتراف بإخفاق معاهدة سايكس - بيكو (1916) للشروع في ترسيم جديد للحدود تمهيداً لإقامة دولة كردية، مشيراً الى أن المجتمع الدولي بدأ يتقبّل أن سورية والعراق لم يعد توحيدهما ممكناً. ومردّ ذلك في نظره الى «اجتياحات داعش». هذا يعيدنا الى «داعش» الذريعة والوسيلة، أي الى جانب جزئي من الحقيقة التي يتشكل جانبها الأكبر والأخطر من نتائج الغزو والاحتلال الاميركيين للعراق ثم الهيمنة الايرانية عليه، ومن التدخل/ الاحتلال الايراني ثم التدخل/ الاحتلال الروسي لسورية وما رافقهما من تطهير مذهبي وإثني. ولم يفعل الروس أكثر من إكمال ما بدأه الايرانيون من توجيه مصير سورية نحو التفكك. من هنا التساؤل الذي أطلقه وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند عن حقيقة التزام روسيا عملية سلام أم أنها «تستخدمها لتقديم نصرٍ عسكريٍ ما للأسد يتمثل في إقامة دويلة علوية في شمال غرب سورية»؟

الحل العسكري لا مفاوضات الحل السياسي هو ما تسعى اليه روسيا من أجل حليفها أحد أسوأ الأنظمة في تاريخ البشرية، وهو ما تحبذه الولايات المتحدة فهي لم تتوقف عن احباط المعارضة ودفع الشعب السوري الى الجدار الأخير ليقبل بأي «حل سياسي»، حتى لو كان تقسيماً و «دويلة علوية». روسيا تقود حلفاءها الى نصر لا معنى مستقبلياً له، وأميركا تخصصت في ادارة هزائم مَن يعتقدون أنهم حلفاؤها و «أصدقاؤها».

اقرأ المزيد
١٠ فبراير ٢٠١٦
روسيا وإيران تتقدمان في سورية ...وكيري يهددهما بـ «الخطة ب»

تبدو الصورة قاتمة للغاية في حلب ومنطقتها حيث يستخدم طيران ومدفعية روسيا والنظام السوري كثافة نارية هائلة في تدمير ممنهج لمناطق تمركز المعارضة، تستغله الميليشيات الإيرانية من «الحرس الثوري» و «حزب الله» والهزارة و «الألوية الشيعية» العراقية في التقدم بهدف محاصرة المدينة وقطع خطوط الإمداد إليها، في وقت تتولى واشنطن لجم أنقرة ومنعها من أي تدخل، إذا كانت تفكر في ذلك أصلاً، بعدما أقفل الروس المجال الجوي السوري أمام طيرانها، من دون أي رد فعل من الأميركيين وحلف شمال الأطلسي.

ويعني هذا أن المعارضة السورية التي أبدت ممانعة في الذهاب إلى «جنيف 3» لأنه من دون أولويات ومرجعية واضحة، ثم قررت بعد ذهابها عدم التفاوض في ظل استمرار العمليات العسكرية الروسية، وخصوصاً قصف المناطق المدنية، تخضع حالياً لعملية «تأديب» مشتركة بين أميركا وروسيا كي تستجيب الشروط التي صاغتها الدولتان الكبريان في قرار مجلس الأمن 2254، وأصرتا عليها في إبداء وزيري خارجيتيهما الاستياء من تأجيل المفاوضات، ما يحول في رأيهما دون نجاح الحرب على «داعش».

أما تركيا التي لا يهمها فعلياً سوى «العامل الكردي» المساعد في الهجوم على المعارضة وفي تغطية العمليات الروسية، فتكتفي بالإعراب عن قلقها من حصار حلب واحتمال سقوطها، وتهرب إلى الانشغال بقضية اللاجئين الجدد الذين أقفلت حدودها في وجههم، لتغطية عجزها عن القيام بما يمكنه التخفيف من الاندفاعة الروسية التي تهدد نفوذ أنقرة في المنطقة المعروفة بروابطها التاريخية معها.

وفي وقت يتجنب الأميركيون أي صياغة سلبية في تصريحاتهم عن الوضع في الشمال السوري، يواصلون مواقفهم الخطابية بدعوة الروس إلى القبول بوقف إطلاق النار من دون ضغط فعلي لجعل ذلك ممكناً. ويكتفي جون كيري بالحديث عن «الخطة ب» في حال لم يتمكن من التوصل إلى اتفاق على وقف القتال اليوم في ميونيخ. وهو ما قابلته موسكو بازدراء لأنها تعرف أن مصير هذا التهديد لن يكون أفضل من مصير التهديد الذي لوح به أوباما عندما استخدم جيش بشار الأسد السلاح الكيماوي في غوطة دمشق العام 2013 وانتهك «الخط الأحمر» الأميركي.

وفي المقابل، تسترضي موسكو واشنطن بمواقف مجانية في المنطقة الآسيوية التي تركز اهتمامها عليها، على غرار إدانة إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً خلال مداولات مجلس الأمن، على رغم أن المعلومات تشير إلى أن بيونغيانغ حصلت على مكونات رئيسية في الصاروخ من الروس أنفسهم.

لم تترك إيران مجموعة تابعة لها في العالم لم تشركها في القتال في سورية، مكذبة كل التوقعات والادعاءات الأميركية بأنها ستصبح بعد الاتفاق النووي «أكثر اعتدالاً ومرونة» في التعاطي مع الوضع الإقليمي، وأنها ستلتفت إلى مصالحها الاقتصادية المستجدة مع العالم. لكن ما حصل هو أن العالم كله تهافت على مصالحه معها من دون أي مبالاة أخلاقية أو إنسانية بنتائج الهجمة التي تشنها على أكثر من جبهة عربية.

أما المدنيون السوريون الذين يواجهون منذ خمس سنوات أشرس حرب إبادة تعرض لها شعب على الإطلاق، فلا خيار أمامهم سوى المزيد من التشرد، في ظل انشغال دول العالم بتصنيف من يصلح منهم للحصول على اللجوء، بينما لا يملك مقاتلو المعارضة غير مواصلة معركتهم، مستندين إلى القلة من الدول العربية التي تدعمهم، ولكنها لا تملك للأسف حرية تخطي الحدود التي رسمتها واشنطن لتسليحهم.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٣ مايو ٢٠٢٥
"الترقيع السياسي": من خياطة الثياب إلى تطريز المواقف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)