مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٠ فبراير ٢٠١٦
دعوه يشنق نفسه في سوريا

بعد إعلان مؤتمر الأمن في ميونيخ عن الاتفاق على «وقف الأعمال العدائية» في سوريا، واصلت المقاتلات الروسية قصفها العنيف عند تخوم مدينة حلب وصولا إلى مشارف مدينة أعزاز، في ما بدا أنها محاولة لإقفال الشمال التركي بالنار قبل العودة المقررة إلى جنيف في 25 فبراير (شباط) الحالي.

تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ومن بعده بشار الأسد بأنه «لا وقف للنار قبل القضاء على المجموعات الإرهابية»، لا تعني بالضرورة «داعش» و«النصرة»؛ بل كل أطياف المعارضة السورية، التي سبق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن وضعها كلها في سلة الإرهاب.

لكن ما يجري على الأرض من محيط حلب إلى مداخل أعزاز، يعكس توجها قد يفضي في النهاية إلى قيام منطقة حكم ذاتي كردية مترامية في شمال سوريا، لأن أعزاز تشكّل مفصلا حيويا بين شرق نهر الفرات وغربه، وهي حلقة وصل ضرورية واستراتيجية بين كوباني والجزيرة شرقا ومناطق عفرين على التخوم الغربية لمنطقة حلب، وعلى هذه الخلفية الحساسة والدقيقة تثور الهواجس التركية من أن تتحول السيطرة الكردية على منطقة أعزاز مفتاحا للتلاعب بالخريطة السورية، ثم بالخريطة العراقية، فالتركية!

وهكذا دخلت المدفعية التركية عمليا ميدان القصف المدفعي هناك، في وقت ارتفع فيه الحديث عن تفعيل «التحالف الإسلامي ضد الإرهاب» الذي أعلنته المملكة العربية السعودية في 25 من الشهر الماضي، الذي يضم 25 دولة بينها السعودية ودول الخليج وتركيا ومصر والأردن والسودان وباكستان.. وغيرها، ومهماته «محاربة الإرهاب بكل أشكاله ومظاهره أيّا تكن تسميته ومذهبه».

دي ميستورا الذي وصل الثلاثاء إلى دمشق في محاولة لاستنقاذ مؤتمر جنيف الذي يفترض أن يعقد يوم الخميس المقبل، يدرك تماما أن أحابيل النظام في الحديث عن الموافقة على إدخال المساعدات الإنسانية، لن تعني شيئا مغايرا لأكاذيب الماضي، خصوصا عندما يكرر الأسد ما أعلنه لافروف من أن المفاوضات لا تعني وقف النار ضد الإرهابيين.

المعنى العملي لكل هذا أن المساعدات الإنسانية ستصل إلى مؤيدي النظام، وأن مؤتمر جنيف في محطته الجديدة، إذا عقد، سيراكم الفشل بسبب عدم التزام الروس والنظام السوري والإيرانيين وجماعاتهم، بإعلان وقف الأعمال العدائية، فعلى العكس تضاعفت وحشية القصف وحدته إلى درجة لم توفّر المدارس والمستشفيات، ولهذا لم تتردد الأمم المتحدة بداية الأسبوع في إصدار بيان يدين بقوة إطلاق صواريخ قتلت نحو خمسين مدنيا بينهم أطفال، وأوقعت عددا من الجرحى في خمس مستشفيات ومؤسسات طبية، بينها على الأقل واحدة تتلقى دعما من منظمة «أطباء بلا حدود»، إضافة إلى مدرستين في حلب وإدلب!

طبعا لا معنى لبيانات التنديد هذه، ولو كانت وزارة الخارجية الأمريكية كانت أكثر حدة من بان كي مون في إدانة هذا القصف وفي توجيه الاتهام إلى «وحشية نظام الأسد، وإلى عدم رغبة موسكو في المساعدة على وقفه، وهو ما يثير استياء واشنطن الشديد»!

استياء واشنطن؟

لكن باراك أوباما لا يبدو مستاء، حتى بعدما رد النظام السوري على إدانة قصف المستشفيات بالقول إن منظمة «أطباء بلا حدود» هي فرع للاستخبارات الفرنسية، وإنها هي التي تتحمل المسؤولية، وحتى بعدما قال بشار الجعفري في الأمم المتحدة إن «التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة هو الذي قصف المستشفيات»!

باراك أوباما ليس مجرد محلل أو مراقب ليبلغنا رغم كل هذا أن «تدخّل روسيا في سوريا هو دليل ضعف الحكومة السورية، وأنه سيكون من الكياسة (الكياسة هكذا بالحرف) أن يساعد الرئيس فلاديمير بوتين في عملية انتقال سياسي في سوريا»، ولم يتوانَ في إسداء النصح لبوتين: «إنكم ترسلون جيشكم بينما الحصان الذي تدعمونه غير فعّال، صحيح ربما حققتم تقدما مبدئيا على الأرض، لكن ثلاثة أرباع سوريا خارج السيطرة»!

لا معنى للحديث عن استياء أمريكي، فقبل 24 ساعة من قصف المستشفيات والمدارس كان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يعلن أنه تحدث مع نظيره الروسي سيرغي لافروف هاتفيً، ووعده بضرورة مناقشة وقف النار، لكن المواقف الأمريكية حيال التطورات الفاجعة في سوريا بدت منذ البداية تشي بأنه كأن أوباما قرر ترك الروس يغرقون في الوحول السورية، وما سترتبه عليهم تاليا من الأثقال والمتاعب مع عالم سني يترامى إلى داخل حدود روسيا!

أضف إلى ذلك، أن حسابات أوباما منذ الدخول العسكري الروسي إلى سوريا في الماضي، باتت تنطوي على كثير من الخبث، كما يشرح تقرير دبلوماسي غربي مهم يرى أن أوباما يجلس متفرجا على:

انخراط بوتين المتزايد في سوريا بما سيُنهك وضع روسيا الاقتصادي، المتهالك أصلا بسبب العقوبات وتدني أسعار النفط.

المراهنة الواضحة على عدم قدرة بوتين والأسد على استعادة السيطرة على كل سوريا، إلا إذا قرر الدخول بعيون مفتوحة في أفغانستان سورية خاسرة حتما.

مواجهة الهزيمة أو الذهاب إلى استحقاق لا مفر منه، وهو إقامة دولة الساحل العلوية، التي تشكّل جائزة ترضية له، وهنا عليه أن يتحمل مسؤولية مباشرة عن التقسيم، الذي تريده أمريكا، وتصفق له إسرائيل، ولا يضير إيران، ويناسب الأسد الذي لا يريد خسارة كل شيء.

السير نحو اشتباك حتمي بينه وبين شركائه الإيرانيين الذين يقاتلون في سوريا قبله ويعدونها ولاية إيرانية تخضع لإرادتهم، ولن يقبلوا ضرّة روسية مضاربة تنغّص عليهم حتى في العراق.

الوقوع في حال من العداء من العالم السني المترامي، فأنت لا تستطيع محالفة الشيعة والعلويين ومحاربة المعارضة السورية، المدعومة إقليميا بذريعة الادعاء أنها كلها من الإرهابيين الذين لا تقصفهم كما تقصف المعارضة!

إذا لماذا تتورط أمريكا في سوريا عشية الانتخابات الرئاسية، فدعوا بوتين يشنق نفسه بحبال الأسد!
عطفا على هذا التقرير، من الضروري أن نتذكّر تصريحات التهويل التي أدلى بها رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف في ميونيخ تارة عن الانزلاق إلى «الحرب الباردة»، وأخرى عن أن التدخل البري في سوريا قد يتسبب في وقوع «حرب عالمية»!

هكذا بالحرف «حرب عالمية» وذلك لمجرد بدء عملية «رعد الشمال» وهي أكبر مناورات في تاريخ المنطقة، يقوم بها «التحالف الإسلامي ضد الإرهاب» في منطقة «حفر الباطن» السعودية، ورافقتها أحاديث وتحليلات عن إمكان التدخل عبر تركيا لضرب «داعش» في الرقة داخل سوريا، رغم الحرص السعودي والتركي على التوضيح أن أي عملية يجب أن تتم بالتنسيق مع الحلفاء الأمريكيين.

لكن أوباما يستلقي مراقبا سياسة الاشتباك على طريقة الجودو.. ينفذها ببراعة متعهّد التدمير والتقتيل وربما التقسيم.. الرفيق فلاديمير بوتين.

اقرأ المزيد
٢٠ فبراير ٢٠١٦
إيران نظرة من الداخل (٢ - ٤ ) .. "الولي الفقيه" فكرة التأليه و الحكم المطلق

لا شك أن الدخول في إيران سواء كدولة بمؤسساتها و هيآتها ،و يحتاج لبعض التعريج على التاريخ الذي بتراكمه ، نرى إيران الحالية ، ومن الممكن أن نستطلع المستقبل ، وهذا ما دأبت عليه في الجزء الأول .

بعد بدء تمترس الشكل الشيعي في إيران ، باتت بحاجة لاستخدام الأدوات حولها لتكون دولة قوية ، و هذا غير ممكن في إطار العزلة الكيفية التي اتخذتها لتأسيس الإمبراطورية "الفارسية الشيعية" ، فبدأت عبر شاهاتها الانتقال للعب دور "كلب المنطقة" ، و لكنه يخدم مقابل الحصول على الثأر التاريخي ، و جاهز لوضع كل إمكانياته الهائلة ( الطبيعية – الجغرافية – البشرية ....) بغية تدمير الطرف الآخر (العرب) ، و هذا الدور الأبرز الذي كان لمرحلة ما ، سرعان ما تحول إلى هدف ثانوي مع تمرد الشاهات على هذا الطريق و السعي وراء ملذات الحياة و بزخها .

الانحراف الشاهي ، دفع بالأمور للبحث عن بديل صالح و جاهز لأن يلعب الدور المطلوب منه في المنطقة ، التي تعتبر الكنز الأبرز للعالم بأسره ( نفط و غاز و سوق و الأهم توسط الكرة الأرضية و كذلك فيها بعثت الأديان وإليها ستبقى الأنظار معلقة) ، فكان تحضير روح الله بن مصطفي الموسوي ، الذي أُحسن صنعه ، تنقيله بين البلدان المحيطة بإيران تركيا فالعراق ، و أخيراً حط الرحال في فرنسا في مرحلة التحضير النهائي ، والتي منها إلى إيران عاد كرجل "الله" على الأرض ، و نسي اسمه و نسبه لأبيه ، بات "خميني" نسبة لخمين إحدى المدن وسط إيران .

في إيران و ضمن المذهب الشيعي ، هناك تدرجات للمرجعية ، من شيخ لأخوند لحجة الإسلام وصولاً لآية الله التي تملك درجتين إحداهما صغرى و الأخرى كبرى ، ولا يهم كثيراً الغوص في كل رتبة دينية و ما تؤهل حاملها من صلاحيات ، فهي أشبه لتنظيم إداري مقيت في مؤسسة لا رأي فيها لأحد إلا "للولي الفقيه" الحاكم الآمر ، الناهي ، البات بكل شيء يتحرك أو ينزل من السماء ، بدءاً من أول صرخة لطفل حتى الزفير الأخير من جسد كهل ، وقد يصل إلى البت في أمور الآخرة ، و التوقع المستقبلي ، فأنت في نظام إلهه موجود ، و ينبض بالحياة ، روحه تنتقل من ولي لآخر بكل يسر و سهولة .

يعمّق الفرس الشيعة من سلطات الولي الفقيه أكثر فأكثر ، و ينسجون حوله الأساطير و الإعجاز ، و من الممكن أن يكون أفضل من بعض الأنبياء ، و قد تعلو مرتبته الملائكة ، ومن الممكن أحياناً أن يخرج معجزات بمدد من المانح "المغيب" لتلك الصلاحيات ، ألا وهو "المهدي" الذي لايعرف عنه شيء ، اللهم غيبته الأولى والتي تعرف بـ"الصغرى" منذ ٢٦٠ هجري و انتهت ٣٢٩ هجري بموت آخر سفير له ، ليدخل بعدها منذ ذلك الحين بالغيبة الكبرى التي قُرر أن يكون "المعممين" مندوبين عنه بانتظار علامات الساعة و اقتحام القدس و تطهيرها بـ"جيش محمد".

ثمان سنوات من الحرب الضروس مع العراق ، فيما يعرف بحرب الخليج الأولى ، أنهكت الطرفين ، وجعلت إيران تغوص في غياهب العقوبات أكثر وهي تلملم جراح قرابة مليوني مصاب و يقاربهم من القتلى ، و لكن كان ذراعها في العالم ظاهراً ، الأسد الأب ، الذي لم يرفض الحرب فقط ، و إنما أمد ايران بالمساعدات ، تارة لوجستية و تارة مخابراتياً ، فحافظ الأسد لديه هدفين ، الأول مذهبي كونه يتفق مع الشيعة على "علي كرم الله وجهه" ، و رغبة في إنهاء صدام حسين شريك "البعثية" و المنافس على الزعامة فيه .

انتهى الجزء الثاني ... للحديث بقية.......

اقرأ المزيد
١٩ فبراير ٢٠١٦
لماذا التدخل البري في سورية؟

لم يتوقف وزير الخارجية السعودي عادل جبير، منذ أشهر، عن تكرار ما بات لازمة في الموقف السعودي من الشأن السوري: لا مستقبل للأسد في سورية المستقبل، والرياض مع أي حلّ ديبلوماسي يضمن رحيله، فإن لم يرحلْ بالحوار فالخيار العسكري جاهز لإجباره على ذلك.

ما بين الموقف السعودي والموقف الأميركي مشتركٌ لفظي قد لا يعبّر بالضرورة عن استراتيجية مشتركة. تمعن واشنطن في النأي بنفسها عن أي تدخل عسكري أميركي مباشر في الصراع السوري، على رغم الانخراط الكامل والمباشر الذي تمارسه روسيا في الميدان السوري. فيما تعتبر السعودية أن المعركة السورية جزءٌ لا يتجزأ من المعركة اليمنية في ردّها للتقدم الإيراني في المنطقة، وفي دفاعها عن أمن المملكة الإستراتيجي، بما يفسّر حيويتها في كل محاور الصراع السوري ومواكبتها لتطوراته.

في انسجام الأوبامية مع نفسها في الشأن السوري، تبدو الديبلوماسية الأميركية تعمل في خدمة الورشة الروسية في سورية. تراجعت واشنطن عن «جنيف» لمصلحة «فيينا» الذي انتج القرار الأممي 2254 المناسب لرؤى موسكو. تولّت الضغوط الأميركية سوق «معارضة الرياض» نحو المفاوضات، فيما تبرّع وزير الخارجية الأميركي، لمصلحة موسكو، بإنذار المعارضة وتهديدها ووعدها بأشهر صعبة إذا ما عاندت مسار المفاوضات في جنيف. لم تعاند الرياض «تواطؤ» الجباريْن، بل واكبته بحنكة وصبر وأناة، وهي مدركة أن لا نجاح للمفاوضات وأن لا طائل من تعطيل ما لا أمل في إنعاشه.

يخاطب الرئيس السوري العالم في مقابلته الأخيرة متأثراً بالإنجازات التي حققها نظامه براً تحت الغطاء الروسي جواً. لكن العارفين في شأن سورية يدركون أن منجزات النظام عرضية موقتة لا يمكن التأسيس عليها، طالما أنها معتمدة على تفوّق جوي سببه الأساسي غضّ طرف دولي وإقليمي يتيح له التفوّق. فالخبراء العسكريون مجمعون على التزام كافة دول المنطقة، حتى الآن، بالمحظورات الأميركية التي تمنع تزويد قوى المعارضة السورية بصواريخ مضادة للطائرات (لا سيما تلك من طراز ستينغر الشهير)، وأن احتمالات اختراق المحظور واردة في أية لحظة، بما قد يجرّد الغطاء الجوي الروسي من تفوّقه.

يبدو الإعلان السعودي التركي عن خطط التدخل البري تجاوزاً لرتابة في تشكيلة القوى الفاعلة في سورية وعلامة من علامات تجاوز المحظورات. يرسل البلدان ما يفيد بأنهما قد يصبحان بحلٍّ من التفاهمات الأميركية-الروسية، وأنهما بصدد تشييد تفاهمات إقليمية ستكون رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه في ما يُرسم لسورية. تتصرف الرياض وأنقرة بمهنية عالية المستوى لا تحتمل تأويلاً ولا تشوهها انفعالية هواة. يأتي خطاب الدولتين متوائماً مع الجهد الدولي المعلن لمحاربة «داعش»، بحيث تكتمل الاستعدادات للتدخل البري، ويمهد لها بـ «رعد الشمال»، على أن لا تنتقل إلى حقبة الفعل إلا وفق خطط التحالف الدولي، أي بقيادة الولايات المتحدة. وبالانتقال مما هو تهويل نظري إلى ما هو سلوك عملي تنتقل طائرات سعودية (وخليحية) إلى قاعدة أنجرليك التركية، فيما تنهال نيران تركية على مواقع كردية شمال سورية، بما يشكّل انذاراً تركياً جدياً بالتحرك الميداني لمنع العبث بالخرائط على حدودها الجنوبية.

تنشر «الغارديان» البريطانية مقالاً يحذّر من خطر فلاديمير بوتين على الاتحاد الأوروبي. تعتبر الجريدة اللندنية التي تعبّر عن رأي نخب أوروبية، أن طوفان اللاجئين الذي تسببه الحملة الروسية في سورية هدفه إغراق البلدان الأوروبية بما يدفعها للتفكك ويجعل خروجها من أقسى الأزمات منذ الحرب العالمية الثانية أمراً عسيراً. قبل مقال «الغارديان» كان جون كيري قد عبّر عن قلق بلاده من أزمة المهاجرين كخطر شبه «وجودي» على أوروبا، بما يعكس توجساً حقيقياً من سياسات الكرملين وتداعياتها على العالم الغربي. في تلك البيئة تطلّ أعراض حرب باردة مع موسكو، على ما يجعل من تركيا حاجةً ملحة لا يمكن تجاهلها في قلب الحلف الأطلسي.

ضمن ذلك المنظور يأتي الكلام عن التدخل البري، ليس بصفته تمرداً إقليمياً على الزمن الروسي في المنطقة فقط، بل بما يوفّره من أوراق ضغط جديدة تملكها واشنطن وأوروبا في مقاربة موسكو، سواء لعبت، في الشكل، دوراً توفيقياً أو مباركاً لمسعى الرياض وأنقرة (أوباما دعم استعداد الرياض للتدخل البري ودعا الدول الأخرى لذلك).

اللافت أن موسكو (مدفيديف) التي تنذر باندلاع حرب عالمية ثالثة جراء الميول التدخلية الشائعة، تعتبر أن الأمر سيكون خطيراً في ما لو جرى من دون التنسيق معها. على أن الحراك السعودي لم يوح لحظة أن الاستعداد للتدخل البري يأتي معادياً لروسيا، لا بل استمر التواصل الديبلوماسي بين البلدين وأعلن الكرملين عن زيارة سيقوم بها الملك سلمان إلى موسكو منتصف الشهر المقبل. وشكّلت زيارة ملك البحرين حمد بن عيسى إلى موسكو، وما أدلى به من تصريحات هناك، ما يفصح عن توافق في رؤى روسيا والمحصلة الخليجية، أو امكانية التوصل إلى تفاهمات في شأن سورية. وقد يجوز اعتبار أن السيف «الدمشقي» الذي أهداه الملك البحريني لسيّد الكرملين مؤشر إلى احتمالات ذلك.

واللافت أيضاً أن مسألة التدخل البري على ما أعلنت الرياض باتت أمراً واقعاً في الحسابات الإيرانية. تفصح تهديدات طهران عن احتمالاته من جهة، وتفصح دعوة وزير الخارجية الإيراني في ميونيخ للتعاون مع «الأشقاء» في السعودية لحلّ المسألة السورية عن ميول لمجاراته. يبقى أن التدخل البري قد بدأ فعلاً منذ الإعلان عنه، بحيث بات عملة للصرف في سوق التبادل السياسي والديبلوماسي.

اقرأ المزيد
١٩ فبراير ٢٠١٦
ماذا بعد قتل الشعب السوري وتهجيره؟!

اختلف الحاضرون لمؤتمر ميونيخ بشأن وقف إطلاق النار الذي اتفق عليه كيري ولافروف. فقد كان هناك من قال - وفي طليعتهم الأوروبيون - إنه خطوةٌ في الطريق الصحيح، وهو يُحدث انفراجات في الملفّ الإنساني، وقد يمهِّدُ لمؤتمر «جنيف 3» الذي يمكن أن يحقّق شيئًا أو أشياء في مجال الحلّ السياسي. وبالطبع فإنّ الأتراك ما قبضوا شيئًا من ذلك، وظلُّوا يستغيثون بالأوروبيين ويهددونهم بأنّ ملف الهجرة شديد الخطورة عليهم وعلى الأوروبيين. قالوا لهم إن ما بين ستمائة ألف ومليون ونصف المليون سوري خلال أسبوعين يمكن أن يتجمعوا على الحدود التركية مع سوريا إن استمر القصف الروسي على حلب وريفها الشرقي. وبعد الأتراك تصاعدت شكاوى المعارضة السورية السياسية من الروس أولاً ومن الأميركيين ثانيًا. لكنْ في حين كانت تركيا تمتلك التهديد بانفجار ملفّ اللجوء في وجهها ووجه أوروبا والعالم، ما كان عند المعارضة السورية ما تُهدِّد به غير عدم حضور مؤتمر «جنيف 3»!
اثنان فقط من المعلِّقين على نتائج ميونيخ قالا منذ البداية إنّ الاتفاق لا شيء، أو أنه استسلامٌ من جانب الأميركيين للروس؛ الأول هو الزعيم اللبناني وليد جنبلاط، الذي شبّه اتفاق ميونيخ بشأن سوريا عام 2016 باتفاق تشمبرلين عام 1938 مع هتلر الذي كان يتجه لابتلاع تشيكوسلوفاكيا وبولندا. وقتها ذهب إلى هتلر بميونيخ رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشمبرلين واتفق معه ضمنًا على تجنب الحرب الشاملة إذا اكتفى بابتلاع تشيكوسلوفاكيا والتوقف عند هذا الحد. وبالطبع تنبه هتلر إلى أن الأوروبيين الكبار (بريطانيا وفرنسا) لا يريدون الحرب لأنهم ما استعدُّوا لها، أو لأنهم يخشون جبروت الجيش الألماني، فزاد حرصه على دفعهم إلى الحرب لإنزال الهزيمة بهم، وفرض السيطرة على القارة الأوروبية. ولذلك فقد أجرى اتفاقًا مع ستالين لتقسيم بولندا بينهما، وهجم على الدولتين معًا: تشيكوسلوفاكيا، وغرب بولندا.. فاضطر الفرنسيون والبريطانيون لإعلان الحرب على ألمانيا عام 1939.
أما الرجل الثاني الذي تشاءم باتفاق ميونيخ، فهو السيناتور الأميركي الجمهوري جون ماكين، وهو جنرالٌ في الأصل من أيام حرب فيتنام. ماكين خشي من وراء عدم إنفاذ الاتفاق خلال أسبوع أو أقلّ أن تسقط هيبة الولايات المتحدة، وهيبة حلف الأطلسي. ووجهة نظره أنّ بوتين يريد إذلال تركيا، وإسقاط الاتحاد الأوروبي إضافةً للأطلسي، فتعود سياسة القطبين السابقة في الحرب الباردة ولا شيء غير ذلك. وفي وكْد بوتين أن سياسات أوباما انسحابية تمامًا، ولذلك فإنّ الحصول على تنازلات في الشرق الأوسط سهل، وهو يقول إنه يريد الوصول إلى تنسيق مع الولايات المتحدة ضد الإرهاب من موقعه على الأرض السورية وليس من روسيا الاتحادية، بل وهو يرجو أن تتخلَّى الولايات المتحدة عن أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا بسببها، فينفرد بالأوروبيين الضعفاء من دون الولايات المتحدة، وقوة الأطلسي.
انتهى مؤتمر ميونيخ يوم الجمعة في 2/12. وباستثناء محادثة قيل إنها تمت بين أوباما وبوتين يوم الأحد في 2/14، ما ظهر بوتين في الإعلام، وترك التصريح لرئيس الوزراء ميدفيديف ووزير الخارجية لافروف والجنرالات في الخدمة أو متقاعدين. وهؤلاء يصرّحون منذ 2/12 أنهم سيظلون يكافحون الإرهاب في شمال سوريا، ويريدون الاستيلاء على حلب، وسدَّ الحدود مع تركيا ومع الأردن. وقد أضاف ميدفيديف وأحد الجنرالات أنّ الحرب البرية التي تقول بها السعودية ضد «داعش»، تعني حربًا عالمية! وخلال ذلك ركّز أوباما في حديثه مع بوتين على وقف القصف، بينما ركّز بوتين على ضرورة التعاون العسكري بين روسيا وأميركا ضد الإرهاب!
والمشكلة أنّ التنسيق غير ممكن لأنّ الأهداف متعارضة. فالجنرالات الأميركيون والأطلسيون يقولون إنّ الروس لا يقصفون غير المعارضة، ولا يكادون يتعرضون لـ«داعش». بيد أنّ الأميركيين شديدو الضعف في مقاربتهم للأزمة السورية منذ ثلاث سنوات وأكثر. ولذا لا يخشى الروس منهم شيئًا إنْ لم ينفذوا ما اتفقوا معهم عليه. بل والأكثر من ذلك أن القوات الكردية التي يدعمها الأميركيون (وزارهم جنرال أميركي قبل عشرة أيام) تتحرك الآن خارج المناطق الكردية التي سيطرت عليها من «داعش» بغطاء جوي روسي للسيطرة على مساحات شاسعة من الأرض على الحدود التركية مع سوريا، ليس فيها «داعش»، وليس فيها كردي واحد. وهذا فضلا عن مشاركة الروس والإيرانيين (الذين حشدوا قوات ضخمة) وقوات النظام في القتال بداخل حلب ضد المدنيين زيادةً في دفعهم باتجاه الحدود التركية! وقد اكتفى الأميركيون والفرنسيون بنهي الأتراك عن قصف القوات الكردية المتقدمة من داخل حدودهم، لكنهم ما طلبوا من الأكراد التوقف عن مهاجمة المناطق في غرب الفرات إلى جانب الميليشيات الإيرانية والنظامية!
إلى أين من هنا؟ السعودية والإمارات قالتا بالتدخل البري بقوات عربية ضد «داعش». لكنهم اشترطوا أن يكون ذلك تحت المظلة الجوية لقوات التحالف. والأميركيون يتفاوضون منذ أكثر من أسبوع في التفاصيل التي عرضها عليهم في اجتماع الأطلسي ولي ولي العهد السعودي. والروس عارضوا وهددوا على لسان ميدفيديف رئيس وزراء روسيا بأنّ التدخل البري يعني الحرب الشاملة. وهم يوجِّهون هذا الكلام إلى أميركا بالطبع، ويعرفون بالتجربة أنّ أوباما لا يهدّد حتى، بل عوَّدهم على التراجُع في كل مكان. وهم يعتقدون أنه خلال أسبوعين أو ثلاثة على الأكثر فإنّ جبهات الثوار ستنهار في كل مكان، وسيتجمع مليون أو أكثر على الحدود التركية، وتنعزل إدلب وأرياف حماه وحمص. أما في الجنوب فقد انكسر ظهر الثوار بأخذ مدينة الشيخ مسكين، التي يقود قوات النظام والميليشيات فيها ضابط روسي. وعندها ستقول الولايات المتحدة لحلفائها والمستغيثين بها إنه لا فائدة من التدخل في سوريا، ولننسِّق مع روسيا ضد «داعش»! ولن يكون الأوروبيون بعيدين عن قبول ذلك، خوفًا من موجات الهجرة واللجوء عبر تركيا. وقد سمعتُ يوم الاثنين 2/15 المستشارة الألمانية تدعو إلى ملاذٍ آمِنٍ للاجئين في الشمال السوري، وهي التي كانت تنذر إردوغان قبل أربعة أشهر - بدفعٍ من الروس - أنّ الملاذ الآمِنَ غير ممكن، خوفًا من تصادم الطيرانين الروسي والأميركي!
لا يستطيع العرب والمسلمون الصمت على تدمير سوريا وتهجير شعبها من جانب روسيا وإيران والميليشيات التابعة لهما. ولذا، ومضيًا مع المبادرة السعودية، لا بد من دعوة الجامعة العربية، ومجلس التعاون الإسلامي، بعد مجلس الأمن، إلى اجتماعاتٍ عاجلةٍ تبحث الغزو الروسي والإيراني والكردي، وتدعو لدخول قوات سلامٍ عربية وإسلامية لإيقاف الدمار الذي حلَّ بالإنسان والعمران في سوريا العربية. وهذا أمرٌ كان ينبغي أن يحدث قبل سنتين على الأقل. ويا للعرب!

اقرأ المزيد
١٩ فبراير ٢٠١٦
إيران نظرة من الداخل (١ - ٤ ) ... كيف بدأت "الفارسية الشيعية"

إيران الشاه و إيران الولي الفقيه ... و إيران اليوم بين الصراع الجيوسياسي و الصراع الداخلي ، إضافة لخلط أوراق إقليمية بيدها و عقلها أو كأداة لما هو أكبر منه ، يجعل من قراءة المشهد الإيراني معقداً كتعقيدات السياسية و الحرب التي تدور في فلك رقعة جغرافية بدأت بها البشرية ، و يبدو أنها ستشهد نهايتها أو على الأقل أقسى مرحلها عنفاً و دموية ، و لن تنتهي إلا بوجود طرف واحد ، طرفٌ منتصر بشكل تام على حساب إبادة الطرف الآخر بشكل تام أيضاً.

في القرن الماضي عندما كان القرار لذلك الفتى التوجه لإيران ، كان في رأسه أنه سيذهب إلى مسجد كبير ، و يقتصر تواجده هناك على الدين و التحضير للآخرة ، فلا مكان في ذلك البلد البعيد عن سوريا ، و المغيب عن العالم بأسره لقرابة عشرين عاماً ، إلا رؤيتين الأولى "راعية المقاومة" و الثانية لأنه إسلامي ( وفق الرواية التي نقلت إليه و للسوريين أجمع).

الطائرة ملأى ، لا مكان فيها للسافرات ، فالمضيفات المحجبات يوزعن التشادو ( اللباس الإسلامي وفق المنظور الإيراني – كامل السواد يغطي كامل الجسد و فضفاض لحد اتساعه لعدة نساء) ، من نافذة تلك الطائرة كانت النظرات باتجاه ذلك الجامع الكبير (وفق المخيلة) ، النور الشاسع لعاصمة كبيرة كـ"طهران" ، و بين المشهدين هنا شغف لكسر السواد و الظلام المحيط بهذه الرقعة ، التي تحولت لأسطورة ، تضخمت بفعل ذراعها في دمشق الذي جعل منه المارد الذي يخيف الأعداء ، سيما أن أحداث التهديدات التركية لسوريا بشأن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان ، ماكنت لتنتهي لولا تهديدات الوحش الإيراني ، الذي يحظى بالحب "البعثي" و طبعا لرعايا البعث أياً كانت انتماءاتهم السياسية أو الإيدلوجية ، و لكنهم بالنهاية بعثيون فهم "حزبيون حزبيون و من مولدهم بعثيون".

إيران تمتلك مساحة شاسعة لا يمكن التجوال فيها أو إدارك أطرافها ، ملايين البشر المتناثرين في كافة الأرجاء ، و"طهران" عبارة عن إيران مصغرة ، يمكن أن تكتشف غالبية إيران من خلال امتزاجك بها .

من الجيد أن تجد عندما تدخل إيران أحرفاً عربية ، و لكنها مرسومة بشكل ما تجعلك تخلط بينها و بين الكتابة الشيطانية ، فهي عربية الشكل غريبة الرسم و غير مفهومة المعنى .

وهذا الامتهان اللغوي ، أول ما يثيرك اتجاه هذه البلد ، المريب فعلاً و حقاً ، سيما مع الولوج إليها أكثر فأكثر ، و الدخول في حناياها التاريخية ، لتجد نفسك أمام كتلة من التناقضات غير معروفة الآلية التي مزجتها ، و لكنها قائمة على نار مشتعلة كما كان سكانها من الأزل "عباداً للنار" ، تشهد هدوءا متصاعد القوة .

اختار اسماعيل الصفوي ، شاه إيران المذهب الشيعي ، كمذهب "شكلاً" و لكنه دين بالفعل ، لكي ينسلخ عن العرب ، يعزز الفارسية في إمبراطورية انهارت أركانها ، على يد العرب المسلمين ، الذين كانوا بالنسبة للفرس عبارة عن ( آكلي الجراد) ، وفق رؤيتهم .

الصفويون وجدوا في الشيعة الخلاص ، فهم لم يتمكنوا من استخدام الإسماعلية كونها دين غير "دعوي" و كذلك الدرزية المنطوية على ذاتها ، و كان من الصعب التوجه لدين آخر بعيد عن عباءة الإسلام ، فإيران وقتها لازالت مسلمة و على نهج "السنّة" ، فهم بحاجة لأحد شُعب الإسلام للتمسك بها ، و لكن بشروط تجعلها شبه خاصة ، و تؤمن لهم السلطة المطلقة ، و كذلك العداء المطلق و الدموي مع العرب ، فوجدوا ببقايا الشيعة المندثرة من هذا و ذاك ، بدؤوا بالنفخ في رمادها ليوقدوا نار "الفارسية" بغطاء الدين .

الصفويون نجحوا بتأسيس مدارس لتخريج "العمائم" للتعمية على أبصار السنة بالدعوة ، و في حال الفشل كان السيف حاضراً لقطع رأس كل من يرفض إدخال هذا الفكر .

رُسمت "الشيعة الصفوية" بشكل مدروس ، و يحقق المآرب ، تأليه الأشخاص باعتبارهم مندوبي" المهدي" المختبئ بانتظار علائم الساعة ، و بالتالي مندوبي الله على الأرض ، اختلاق الثأر لدماء أشخاص لا يمكن الشك بهم و بمظلوميتهم "الحسين" على رأسهم ، إضافة لنظام مالي معين يجعل مقدرات البلاد تعود للحاكم بشكل طوعي تحت سيف "الله" .

عشرات السنين و الخطة تسير وفق ماهو مدروس ، والسيف و اللسان يسيران سوية، إن فشل الأخير يسرع الأول للإتمام ، و لم ينج في ذلك من تلك الألسن و السيوف إلا قلة ، بقوا بعيدين عن الحياة في غياهب الجبال و المناطق الخالية من سبل العيش و إمكانية الرخاء .

 التتمة قادمة ...

 

اقرأ المزيد
١٩ فبراير ٢٠١٦
توحدهم البيانات والمعارك و تفرقهم الأسماء .. #اتحدوا_أو_انصرفوا

أرقب بيانات الشجب أو التنديد أو حتى الاحتجاج و كذلك التوعد ، لاجد أكثر من ٣٠ تشكيل عسكري موقعين عليه بصيغة تشي للاتفاق الفكري الكبير بينهم و التوحد في الهدف و الوسيلة ، و لكن هذا الاتفاق لايعني أن الاسماء العديدة و الكثير ة تصل لمسمى واحد ، تنصهر أجساد مقاتلينهم مع بعض في ذات المكان و تجتمع الدماء في ذات الأرض ، و يختلف القادة على الرئاسة و القيادة و تتوه الآراء الهامشية لتبتعد عن اللب .


في مسيرة الثورة السورية الطويلة و التي تم مواجهتها بأعتى الأسلحة الدموية و أقذر التكتيكات السياسية ، افتقدنا لروح الاتفاق و التوحد الذي دفعنا ثمنه غالياً ، هذا الغلاء لا يقدر بثمن ملموس فكل ملموس معوض ، في حين تم الدفع بأثمان لاتعوض .


اليوم حركة التوحد الخجولة الملفوفة بأفكار الانتقام من هذا أو ذلك ، أو الدخول في صراعات جانبية تشغلنا عم الأهداف المركزية ، و حتى الأهداف المركزية باتت مثال خلاف ، و البوصلة ضاعت بين الجميع ، و لكن الصراع على الزعامة وحده الذي بقي حاضراً و مسيطراً ، يكاد يكون الهاجس الأهم حتى من الانتصار على النظام وايلام مسانديه و افشال مخططات الموت التي تستهدف الجميع .


لامكان اليوم للعيدان المنفردة أو الجهود المشتتة و نحن نشهد حالة من الخسارات الكبيرة على مختلف الجبهات ، و نسقط في ذات المطب الذي نحن فيه منذ سنوات ، وننتظر أن يهاجمنا النظام و مسانديه لنصده بأسلحتنا البسيطة ، أي في كل ماخسارناه كانت المعركة ليست باختيارنا أو بتحديد مننا و إنما بتحديد العدو في المكان والزمان المناسبان له ، من ريف حلب الشمالي إلى الجنوبي و الساحل و الجنوب ، لم نختر المعركة على الأقل زمانياً بل كنا منتظرين أن يطلقها العدو .


السؤال الذي يطرح بشكل متواصل من قبل الشعب المكلوم : مالذي يمنع من التوحد أو على الاتفاق على الانداماج الوقتي ؟
سؤال قد يبدو ساذجاً و لكن الاجابة عليه في غاية التعقيد ، سيما مع وجود عدد من الرؤوس التي ملئتها حب السلطة و السطوة ، واكتفت بالقدر الذي حصلت عليه من توحد أو صهد الجهود في مرحلة ما و لم يعد يعنيها شيء آخر .


اليوم لم يعد خافياً ما يخطط و ما يحدث و أين تتجه الأمور ، و رغم ذلك الجميع يصم الآذان و يواصل سعيه في تكبير الأنا الخاصة به ، و يدعو من منطق متعال بأن "لدينا جاهزية للتوحد .. فمن يرغب فليأتي" ومستعد أن يحارب بأقسى مايملك ليواجه تشكيل اعتدى أو فكر الاقتراب من عرينه ، عرين لايملك فيه الحق بالأصل .


لابأس فليحافظ كل منهم على بضع الطلقات التي يملك ، وليحضر نفسه للدفاع عن منطقته ، لاداعٍ للتفكير في تغير وجهة المعركة أو ضرب العدو في مكان من اختياركم أو على الأقل بتوقيتكم .

ولكن يبدو أن شعار ما أتينا إلا نصرة للدين و المظلومين كذلك الشعار الذي رددناه لخمسين عاماً و ذبحنا به خلالها و لازلنا نذبح و لكن بتغير بعض المصطلحات .

هذا الحال لايشمل القطاع المسلح ، و إنما يشمل كل شيء حتي الشيوخ يختلفون و يتقاذفون و حتى السياسيين و المعنيين بالشأن الانساني و الاعلاميين ، ويبدو أن الحل الوحيد أن يرحل الجميع فالرحيل هو الأقرب من التوحد في ظل الشرذمة التي لايمكن لدين أو عقل أو وضع أن يجد تفسيراً لها.

اقرأ المزيد
١٨ فبراير ٢٠١٦
موسكو للعرب: إيران أول حلفائنا

سينعقد المنتدى العربي – الروسي على المستوى الوزاري في موسكو الأسبوع المقبل، في خضّم المعركة على سورية، وسط ارتفاع وتيرة التوتر الروسي – التركي وتضارب الحديث عن قوات برية سعودية وخليجية جاهزة لدخول الساحة السورية. وزير الخارجية الروسي سيكون واضحاً تماماً في رسم الأطر الاستراتيجية للسياسة الروسية في الشرق الأوسط وسيصرّ على جدول أعمال قد لا يرتأي الوزراء العرب أنه يتناسق مع الأولويات العربية.

فسيرغي لافروف لن يلطّف خطابه السياسي لمجرد أنه يستضيف المنتدى، ذلك لأن الخطوط العريضة للسياسة الروسية نحو منطقة الشرق الأوسط، كما وضعها الرئيس فلاديمير بوتين، غير قابلة للأخذ والعطاء من وجهة نظر موسكو. فإذا كان في ذهن الوزراء العرب إحداث تغيير جذري في السياسات الروسية، فسيجدون أمامهم حائظ الممانعة وربما الاستنكار لأن الأمر يتعلق بالمصالح القومية الروسية. المزاج الروسي يتّسم هذه الأيام بالعناد والتصلّب، انما في الديبلوماسية الروسية من يعتقد أن هناك مداخل لتليين العلاقات مع الدول الخليجية بالرغم من تصدّع العلاقات في شأن سورية. ويرى هؤلاء أن بناء علاقات مميزة مع مصر استثمار ضروري للديبلوماسية الروسية وبات جزءاً من أهدافها في الشرق الأوسط. وفي ذهنها أيضاً تركيا. وتصر على مركزية الفوز في معركة حلب مهما كان الثمن. وتستخف بما يسمى «التحالف الدولي» ضد «داعش» في سورية وتكاد تتشدَّق بما تصفه «باللافاعلية». وتنبّه كل من يريد أن يفهمها ويفهم سياستها لمنطقة الشرق الأوسط إلى أن علاقاتها مع إيران لن يشوبها ضرر مهما قيل ومهما حدث.

أمام هذا الوضوح، بمَ يذهب وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي إلى موسكو؟ وهل هناك من أجندة عربية واحدة في المنتدى العربي – الروسي، أم أن الوزراء العرب سيحملون خلافاتهم الى العاصمة الروسية ويغادرونها بلا أي انجاز؟ لعله من المفيد قبيل المنتدى أن يوفق الوزراء العرب بإدراك ما يجول في ذهن الديبلوماسية الروسية أمنياً واستراتيجياً.

سورية تشكل نقطة خلاف أساسية، عسكرياً بالذات، في ضوء الإصرار الروسي على حسم معركة حلب لمصلحتها ولمصلحة النظام في دمشق. فوفق المصادر الروسية الوثيقة الاطلاع، لا توقف عن الغارات ولا تردد في أية إجراءات عسكرية برية بالشراكة مع النظام وحلفائه من ميليشيات، الى حين تأمين الفوز بحلب وقطع الطريق على التواصل مع تركيا. هذه الاستراتيجية عسكرية لا تراجع عنها تحت أي ظرف كان، بل ان موسكو ازدادت تمسكاً بها نتيجة رفع تركيا التوقعات بهجوم بري، ما لبثت أن خفضتها بعد أيام.

موسكو ترى أن قطع التواصل بين سورية وتركيا يقطع الإمدادات التي تتهم أنقرة بأنها تمدّها الى التنظيمات الإرهابية التي تتعدى «داعش» و «جبهة النصرة» وفق المفهوم والتعريف الروسيين. وترى أن إعادة سيطرة النظام السوري على حلب ترفع معنوياته وتمكّنه من خوض بقية المعركة الروسية ضد التنظيمات الإسلامية التي تصنّفها ارهابية. إذاً، حلب محطة حيوية في الاستراتيجية الروسية ولن تتوقف عن قصفها، لا من أجل «عملية فيينا» السياسية التي ولّدتها روسيا، ولا خوفاً من ردود الفعل الأوروبية أو الأميركية.

التباين واضح بين ردود الفعل الأوروبية الأكثر حدة من الأميركية، أقلّه لأن أوروبا تخشى على نفسها من السياسة الروسية وإفرازاتها بتدفق اللاجئين إليها.

الديبلوماسية الروسية تشير الى ما تسميه بالتوافق الروسي – الأميركي على «خطة طريق» في سورية، تغض النظر عن علاقات «الحرب الباردة» بين البلدين في أكثر من محطة، بما فيها الشرق الأوسط.

«عملية فيينا» للبرنامج السياسي والزمني لوقف النار والانتخابات تشكل جزءاً من خريطة الطريق كما تراها موسكو. أما عندما يتعلق الأمر بالحرب على «داعش» و «النصرة» وغيرها، فإن لدى الديبلوماسية الروسية مآخذ وأجندا مختلفة.

فأولاً، إن المعركة على تعريف من هو إرهابي ومَن هو معارضة سورية مسلحة ليست سوى مسألة ألفاظ. وجهة النظر الروسية الحقيقية هي أن النظام القائم في دمشق برئاسة بشار الأسد هو النظام الشرعي وأن المعارضة المسلحة ليست شرعية لأنها تتحدى النظام الشرعي. وبالتالي، مَن هو إرهابي ومَن هو معارضة ليس سوى جزء من المطاطية الديبلوماسية الضرورية، وليس أمراً جدّياً. ليس جدّياً لأن موسكو ترى كيف تتعامل واشنطن مع المعارضة السورية المسلحة التي تشكك فيها تارة، وتعد بتسليحها تارة، تتشبث بها يوماً وتتملص منها في اليوم التالي.

ثانياً، تنظر الديبلوماسية الروسية الى التعهدات الأميركية بسحق «داعش» في سورية بأنها خالية من الجدية والفاعلية لأن تحقيق ذلك، في اعتقاد موسكو، ليس ممكناً سوى عبر النظام في دمشق وحلفائه على الأرض. وبالتالي، إن الخلاف بين المفهوم الأميركي والمفهوم الروسي لمتطلبات سحق «داعش» مختلفان جذرياً – أحدهما يراه ممكناً عبر التخلص من بشار الأسد لأنه يمثل عقبة أمام الحشد السنّي الضروري لسحق «داعش»، والآخر يراه ممكناً فقط عبر بشار الأسد والميليشيات الداعمة له بغطاء القصف الجوي الروسي.

لهذا السبب لا ترحب موسكو بالقوات العربية البرية حتى ولو أتت لسحق «داعش» في الساحة السورية، تحت لواء القيادة الأميركية للتحالف الدولي. إنها متمسكة حتى النهاية بنظام الأسد ولن تقبل بدخول قوات عربية الى سورية في حرب ضد «داعش» لأنها تخشى على مصير الأسد. موسكو لا تأبه باتهامها بأنها تقصف المعارضة وليس «داعش». لا تأبه بالانطباع بأنها لا ترحب بالمعونة العربية في الحرب على «الإرهاب السنّي» المتمثّل في «داعش» وغيره خوفاً من أن يؤدي ذلك الى إسقاط النظام أو إضعاف الأسد.

هناك رأيان حول الانخراط العربي الميداني في سورية، السعودي والإماراتي والمتعدد الجنسية العربية والإسلامية: رأي يقول ان لا مناص من توفير القوات البرية العربية – الإسلامية لتكون «الأقدام على الأرض» التي لن تتقدم بها الولايات المتحدة، وإلا، فإن روسيا وإيران والنظام في دمشق سيربحون المعركة على سورية كلياً وستنقرض المعارضة السورية. الرأي الآخر يقول، ان هذا فخ توريط لا ضرورة للسعودية أو الإمارات أو غيرها أن تقع فيه لأن واشنطن ستورّط وتهجر في منتصف الطريق، كعادتها، ولأنه فات الأوان على أي تغيير في المعادلة السورية بعدما تدخلت روسيا ميدانياً وقررت حسم الموازين العسكرية لمصلحة النظام.

ثم هناك العنصر التركي والعنصر الكردي. واشنطن تؤيد الأكراد وتسلحهم في العراق بصفتهم «الأقدام على الأرض» للتحالف ضد «داعش»، تتعاطف مع الطموحات الكردية انما ليس لدرجة إنشاء دولة كردية مستقلة تجمع كرد العراق وسورية وإيران وتركيا... أقله ليس الآن. وأنقرة تعتبر تحقيق هذا الحلم خطّاً أحمر لأنه يقضم أجزاء كبيرة من تركيا، والرئيس رجب طيب أردوغان عازم على مواجهة التنظيمات الكردية السورية إذ يعتبر بعضها إرهابياً والآخر حليفاً لنظام الأسد في سورية. وروسيا سعيدة بمساهمات الكرد العسكرية لمصلحة النظام في دمشق ولمصلحة استراتيجيتها في سورية، وهي تراهن على أن واشنطن ستضغط على أنقرة لتخفف حدة تهديداتها بالتدخل البري في سورية ملاحقة للأكراد. تراهن على أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) لن ينجرّ ولن يتورط بالرغم من أن تركيا عضو فيه وهناك التزامات بموجب ميثاقه. تراهن على الفتور الأميركي في انتقاد سياساتها في سورية كعامل مؤثر في تخفيف وطأة تصاعد الاحتجاج الأوروبي ضد الدور الروسي والقصف الروسي وسياسات التهجير الى أوروبا والتي يعتقد البعض أن موسكو تتعمدها قصداً وليست مجرد إفرازات طبيعية للعمليات العسكرية.

في كل هذا، تنظر الديبلوماسية الروسية الى الخريطة ذات العلاقة بتركيا في سورية بنظارات العداء المتبادل بين بوتين وأردوغان اللذين يوصفان بالقيصر والسلطان. كما ينظر كل منهما الى نفسه والى طموحاته الشخصية والقومية. انما هناك، بالتأكيد، عناصر تتعدى طبيعة الرجلين وتدخل في خانة التوجهات الأيديولوجية والدينية لكل منهما، إذ يرى بوتين أن صعود الإسلام السياسي السنّي بالذات يشكل خطراً على روسيا، وهو يجد في أردوغان محطة توليد للإسلام السياسي معتدلاً كان أو في غاية التطرف. أما أردوغان، فإنه تصوّر نفسه سلطان الإسلام السياسي لإعادة بسط النفوذ العثماني في كامل المنطقة العربية. استثمر غالياً في سورية وتصرّف بعنجهية، فساهم جذرياً بما آلت اليه الأوضاع من كارثة على سورية وأصبح اليوم في مواجهة مع عنجهية التدخل العسكري الروسي والذي هو عنصر حاسم أيضاً في المأساة السورية.

الفارق أن روسيا تعتبر نفسها منتصرة في المعركة السورية وتعتمد الخطوط الحمر لإنذار تركيا وتحذيرها من المواجهة معها في الأراضي السورية. أما تركيا فإنها تبدو متعثرة واعتباطية وخاسرة أمام روسيا في سورية. تركيا تبدو أيضاً خاسرة في مصر التي جعلت منها أولى محطات توليد صعود الإسلام السياسي الى السلطة عبر «الإخوان المسلمين». فلقد لاقى مشروع «الإخوان المسلمين» حتفه بأسرع مما كان متوقعاً وحل مكانهم في مصر حكم معادٍ كلياً لأحلام أردوغان بإحياء العثمانية. فتلقى فلاديمير بوتين هذه الخسارة ليجعل من مصر موقعاً حيوياً في الاستراتيجية الروسية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

مصر، وفق المصادر الديبلوماسية الروسية نفسها، تشكل حالياً إحدى أهم الركائز في السياسة الخارجية الروسية تلي في مراتب الأهمية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، انما تسبق الدول الخليجية العربية.

فموسكو تعتبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية مركزية لها في إطار التحالفات الإقليمية – الدولية، ووفق الديبلوماسية الروسية إن العلاقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية علاقة استراتيجية بعيدة المدى. نقطة على السطر. أي، بغض النظر عما إذا تحكّم الملالي المعتدلون بإيران أو الملالي المتشددون و»الحرس الثوري»، فموسكو تعتبر طهران أهم علاقة ثنائية لها في كامل الشرق الأوسط، أعجب ذلك عرب الخليج أو أغضبهم، تعايشوا معه أو عارضوه.

ما في ذهن الديبلوماسية الروسية يشمل – الى جانب الأولوية الحاسمة لطهران يليها علاقة استراتيجية مع مصر – تطوير الحوار مع السعودية والإمارات ودول خليجية أخرى على أساس مفهومين أساسيين هما: أولاً، إن العلاقة الروسية – الإيرانية ثابتة واستراتيجية وتحالفية، انما ذلك لا يمنع من إقامة علاقات قابلة للتطوير بين روسيا والدول الخليجية العربية بغض النظر عن اختلافاتهم في شأن سورية. ثانياً، إن العلاقة الأميركية – الخليجية الآخذة في التراجع وانعدام الثقة تمثل نافذة على علاقات نوعية جديدة بين موسكو ودول خليجية.

بكلام آخر، إن في ذهن الديبلوماسية الروسية إحداث نقلة في العلاقات عبر بوابة تسليح الدول الخليجية. فموسكو تجد فائدة مشتركة في سوق السلاح، إذ انها قاعدة اقتصادية واستراتيجية لها وتشكل، من وجهة نظرها، وسيلة للدول الخليجية المستاءة من واشنطن لتقول لها أن لديها خياراً آخر.

إضافة الى ذلك، إن ما يريده الرئيس فلاديمير بوتين لروسيا يتعدى الفوز بسورية والذي هو بحد ذاته ذو منافع استراتيجية واقتصادية وسياسية له، ولعلاقاته التحالفية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولتعهده بالقضاء على الإرهاب السنّي بعيداً عن المدن الروسية. ما يريده بوتين هو تثبيت روسيا في خريطة الشرق الأوسط لاسيما أن الفرصة سانحة اليوم مع انحسار الاهتمام الأميركي بالمنطقة في عهد الرئيس باراك أوباما. فالديبلوماسية الروسية، كما يراها الرئيس بوتين، تنظر الى واشنطن باستمرار من منظور الحرب الباردة بغض النظر إن كانت العلاقات معها اليوم علاقات شراكة فعلية في سورية.

الديبلوماسية الروسية لا ترى في سياساتها أية مغامرة أو أي إحراج، مهما تعاظمت الكلفة الإنسانية في سورية أو تزايد الكلام عن تورط في مستنقع أو في استنزاف في معركة طويلة الأمد مع «داعش» و «القاعدة» وأمثالهما. أكثر ما ستقدمه لدول مجلس التعاون الخليجي هو غض النظر عما يحدث في اليمن بلا تدخل مباشر لمصلحة الموقف الإيراني هناك. أما سورية، فإن الخطوط العسكرية والسياسية واضحة وستبلغها الديبلوماسية الروسية الى الديبلوماسية العربية في المنتدى في موسكو. فعسى أن يتوجه الوزراء العرب الى اللقاء بالوضوح والصراحة، بغض النظر إن كان خيارهم المواجهة الجدية أو التأقلم مع ما فرضته روسيا عبر تدخلها عسكرياً في الساحة السورية كأمر واقع استراتيجي أهدافه بعيدة المدى بأولويات إيرانية.

اقرأ المزيد
١٨ فبراير ٢٠١٦
لماذا التدخل البري في سورية؟

لم يتوقف وزير الخارجية السعودي عادل جبير، منذ أشهر، عن تكرار ما بات لازمة في الموقف السعودي من الشأن السوري: لا مستقبل للأسد في سورية المستقبل، والرياض مع أي حلّ ديبلوماسي يضمن رحيله، فإن لم يرحلْ بالحوار فالخيار العسكري جاهز لإجباره على ذلك.

ما بين الموقف السعودي والموقف الأميركي مشتركٌ لفظي قد لا يعبّر بالضرورة عن استراتيجية مشتركة. تمعن واشنطن في النأي بنفسها عن أي تدخل عسكري أميركي مباشر في الصراع السوري، على رغم الانخراط الكامل والمباشر الذي تمارسه روسيا في الميدان السوري. فيما تعتبر السعودية أن المعركة السورية جزءٌ لا يتجزأ من المعركة اليمنية في ردّها للتقدم الإيراني في المنطقة، وفي دفاعها عن أمن المملكة الإستراتيجي، بما يفسّر حيويتها في كل محاور الصراع السوري ومواكبتها لتطوراته.

في انسجام الأوبامية مع نفسها في الشأن السوري، تبدو الديبلوماسية الأميركية تعمل في خدمة الورشة الروسية في سورية. تراجعت واشنطن عن «جنيف» لمصلحة «فيينا» الذي انتج القرار الأممي 2254 المناسب لرؤى موسكو. تولّت الضغوط الأميركية سوق «معارضة الرياض» نحو المفاوضات، فيما تبرّع وزير الخارجية الأميركي، لمصلحة موسكو، بإنذار المعارضة وتهديدها ووعدها بأشهر صعبة إذا ما عاندت مسار المفاوضات في جنيف. لم تعاند الرياض «تواطؤ» الجباريْن، بل واكبته بحنكة وصبر وأناة، وهي مدركة أن لا نجاح للمفاوضات وأن لا طائل من تعطيل ما لا أمل في إنعاشه.

يخاطب الرئيس السوري العالم في مقابلته الأخيرة متأثراً بالإنجازات التي حققها نظامه براً تحت الغطاء الروسي جواً. لكن العارفين في شأن سورية يدركون أن منجزات النظام عرضية موقتة لا يمكن التأسيس عليها، طالما أنها معتمدة على تفوّق جوي سببه الأساسي غضّ طرف دولي وإقليمي يتيح له التفوّق. فالخبراء العسكريون مجمعون على التزام كافة دول المنطقة، حتى الآن، بالمحظورات الأميركية التي تمنع تزويد قوى المعارضة السورية بصواريخ مضادة للطائرات (لا سيما تلك من طراز ستينغر الشهير)، وأن احتمالات اختراق المحظور واردة في أية لحظة، بما قد يجرّد الغطاء الجوي الروسي من تفوّقه.

يبدو الإعلان السعودي التركي عن خطط التدخل البري تجاوزاً لرتابة في تشكيلة القوى الفاعلة في سورية وعلامة من علامات تجاوز المحظورات. يرسل البلدان ما يفيد بأنهما قد يصبحان بحلٍّ من التفاهمات الأميركية-الروسية، وأنهما بصدد تشييد تفاهمات إقليمية ستكون رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه في ما يُرسم لسورية. تتصرف الرياض وأنقرة بمهنية عالية المستوى لا تحتمل تأويلاً ولا تشوهها انفعالية هواة. يأتي خطاب الدولتين متوائماً مع الجهد الدولي المعلن لمحاربة «داعش»، بحيث تكتمل الاستعدادات للتدخل البري، ويمهد لها بـ «رعد الشمال»، على أن لا تنتقل إلى حقبة الفعل إلا وفق خطط التحالف الدولي، أي بقيادة الولايات المتحدة. وبالانتقال مما هو تهويل نظري إلى ما هو سلوك عملي تنتقل طائرات سعودية (وخليحية) إلى قاعدة أنجرليك التركية، فيما تنهال نيران تركية على مواقع كردية شمال سورية، بما يشكّل انذاراً تركياً جدياً بالتحرك الميداني لمنع العبث بالخرائط على حدودها الجنوبية.

تنشر «الغارديان» البريطانية مقالاً يحذّر من خطر فلاديمير بوتين على الاتحاد الأوروبي. تعتبر الجريدة اللندنية التي تعبّر عن رأي نخب أوروبية، أن طوفان اللاجئين الذي تسببه الحملة الروسية في سورية هدفه إغراق البلدان الأوروبية بما يدفعها للتفكك ويجعل خروجها من أقسى الأزمات منذ الحرب العالمية الثانية أمراً عسيراً. قبل مقال «الغارديان» كان جون كيري قد عبّر عن قلق بلاده من أزمة المهاجرين كخطر شبه «وجودي» على أوروبا، بما يعكس توجساً حقيقياً من سياسات الكرملين وتداعياتها على العالم الغربي. في تلك البيئة تطلّ أعراض حرب باردة مع موسكو، على ما يجعل من تركيا حاجةً ملحة لا يمكن تجاهلها في قلب الحلف الأطلسي.

ضمن ذلك المنظور يأتي الكلام عن التدخل البري، ليس بصفته تمرداً إقليمياً على الزمن الروسي في المنطقة فقط، بل بما يوفّره من أوراق ضغط جديدة تملكها واشنطن وأوروبا في مقاربة موسكو، سواء لعبت، في الشكل، دوراً توفيقياً أو مباركاً لمسعى الرياض وأنقرة (أوباما دعم استعداد الرياض للتدخل البري ودعا الدول الأخرى لذلك).

اللافت أن موسكو (مدفيديف) التي تنذر باندلاع حرب عالمية ثالثة جراء الميول التدخلية الشائعة، تعتبر أن الأمر سيكون خطيراً في ما لو جرى من دون التنسيق معها. على أن الحراك السعودي لم يوح لحظة أن الاستعداد للتدخل البري يأتي معادياً لروسيا، لا بل استمر التواصل الديبلوماسي بين البلدين وأعلن الكرملين عن زيارة سيقوم بها الملك سلمان إلى موسكو منتصف الشهر المقبل. وشكّلت زيارة ملك البحرين حمد بن عيسى إلى موسكو، وما أدلى به من تصريحات هناك، ما يفصح عن توافق في رؤى روسيا والمحصلة الخليجية، أو امكانية التوصل إلى تفاهمات في شأن سورية. وقد يجوز اعتبار أن السيف «الدمشقي» الذي أهداه الملك البحريني لسيّد الكرملين مؤشر إلى احتمالات ذلك.

واللافت أيضاً أن مسألة التدخل البري على ما أعلنت الرياض باتت أمراً واقعاً في الحسابات الإيرانية. تفصح تهديدات طهران عن احتمالاته من جهة، وتفصح دعوة وزير الخارجية الإيراني في ميونيخ للتعاون مع «الأشقاء» في السعودية لحلّ المسألة السورية عن ميول لمجاراته. يبقى أن التدخل البري قد بدأ فعلاً منذ الإعلان عنه، بحيث بات عملة للصرف في سوق التبادل السياسي والديبلوماسي.

اقرأ المزيد
١٨ فبراير ٢٠١٦
توتر إيران إزاء أي مبادرة عربية

تعيب طهران وحلفاؤها على المملكة العربية السعودية، ان إعلانها الاستعداد لإرسال قوات برية لمحاربة «داعش» في سورية، في إطار التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الإرهاب، وتعتبر أن هدف الإعلان السعودي أن «يكون لها موطئ قدم في سورية»، كما قال الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه قبل 4 أيام.

لا حرج لدى القيادة الإيرانية في أن تهدد الرياض رداً على مبادرتها هذه آخذة عليها السعي الى دور في بلاد الشام، سواء في قتال «داعش»، أم في الحل السياسي للأزمة السورية، فيما هي، الجهة غير العربية، تصادر حق التدخل وتصعيد الحرب وانتهاك سيادة دول عربية والسعي الى قلب موازين قوى داخلية وتنصيب أتباع وتقويض مقومات الدولة ومؤسساتها في هذه الدول، تحت شعار «المقاومة»، وبحجة محاربة الإرهاب. ولا حرج أيضاً لدى طهران في ادعائها محاربة «داعش»، فيما المعارك التي تخوضها، وفق مواقفها المعلنة، تهدف الى حماية بشار الأسد من السقوط أمام الفصائل المعارضة المسلحة المتحاربة هي الأخرى مع «داعش»، من ريف دمشق ومحيطها، الى درعا جنوباً وريف حلب شمالاً، تاركة مع الميليشيات التي استقدمتها، مناطق سيطرة «داعش» لحالها حيث يعبث التنظيم المتوحش بحياة السوريين مثلما تفعل هذه الميليشيات في سائر المناطق التي تدخلت فيها. تحت ستار احتكار محاربة مزعومة لـ «داعش»، يكمل التدخل الإيراني مصادرة قرار الشعب السوري بالانعتاق من نظام مستبد، تحكّم برقابه لعقود، ويساهم في تحويل الصراع الدائر الى حرب أهلية طاحنة تدمّر الدولة والنسيج الاجتماعي والديموغرافي لمصلحة دور طهران الإقليمي. فالنفوذ الذي يتغنى به الرئيس الإيراني حسن روحاني حين قال أثناء جولته الأوروبية الأخيرة إن «أميركا لا تستطيع تسوية أي مشكلة في المنطقة من دون نفوذ إيران أو كلمتها»، بلغ حد مصادرة قرار النظام السوري نفسه، هو هذا «النفوذ» الذي استدعى التدخل الروسي الصيف الماضي بالنيابة عن بشار الأسد، حين كادت المعارضة (غير الداعشية) تسيطر على مناطق عدة تزيل ورقة التين التي تتستر بها طهران للإبقاء على وجودها المباشر في بلاد الشام. وهو النفوذ نفسه الذي صعّد الكراهية بين السوريين ورفع درجة الاستنفار المذهبي، وأدى الى المزيد من الدمار والتهجير وقتل المدنيين بلا رحمة، بمساعدة فلاديمير بوتين. أليس هذا النفوذ، هو الذي صنع «داعش» في العراق واستقدمها الى سورية فبات عنوان مقاتلتها غطاء للفتك بالشعب السوري؟

تزداد طهران وحلفاؤها توتراً كلما فاجأتها السياسة السعودية الجديدة بالانخراط في الصراع على النفوذ والأدوار في المنطقة، بخطوات أو مبادرات جديدة. هكذا ارتفعت لهجة التهديدات للرياض من الجانب الإيراني إثر القرار السعودي مواجهة ذراعهما الحوثية في اليمن، بعدما كان السيد نصرالله وجه انتقادات شديدة للخليجيين، وبعدما عاب عليهم أنهم هم الذين «تركوا الساحة فملأت إيران الفراغ»... فالجموح الإيراني ما زال يتكل على مرحلة العقود السابقة من الانكفاء العربي حيال سعي طهران إلى الامتداد في الإقليم. وأصحاب الجموح هذا قامت حساباتهم على هذا الانكفاء، وما زالوا يرفضون التسليم بتحوله الى انخراط فعلي واستعداد لدفع أثمان المشاركة في الحروب والقتال مع ما تتطلبه من تضحيات بدل الاستغراق في حال الرخاء وتفادي الانغماس في التحديات.

الذروة الجديدة للتوتر الإيراني مع الاستعداد السعودي للمشاركة في قوات على الأرض لمحاربة «داعش»، مع أنها مشروطة بموافقة التحالف الدولي، وأمامها صعوبات يقع على عاتق الرياض تذليلها بالاشتراك مع واشنطن وتركيا، تعود الى تصدّر الدولة «السنية» الأبرز محاربة التطرف السنّي الذي أخذ يمس الاستقرار داخل المملكة. وهو تطور يأتي في سياق الاستعاضة عن التلكؤ الأميركي في خوض غمار هذه الحرب على الأرض، ويسقط حجة واشنطن بأن على الدول السنية أن تأخذ دورها في هذه الحرب. ولم يجد السيد نصرالله للتعمية على هذا التطور الجوهري، سوى السعي الى لصق تهمة «قبول الصداقة مع إسرائيل» ببعض السنة، لمجرد أن مسؤولاً إسرائيلياً سابقاً تحدث عن آماله في هذا المجال.

حققت طهران طموحات وتقدماً على الأرض في سورية، في الآونة الأخيرة لكنها في كل مرة تعمل على قطف ثمارها السياسية تجد ما يعاكس النفوذ الذي تحدث عنه روحاني، وما بشر به نصرالله من «انتصارات» قريبة في اليمن وسورية (منذ 2011) وكل مكان، من دون نتيجة. وهو لذلك يتوعد بأنه سيستمر في الحروب «في العقود الآتية وحتى القرون الآتية»، كما قال، «لتحقيق الانتصارات».

اقرأ المزيد
١٧ فبراير ٢٠١٦
أميركا إذ تسـلَّم سورية للروس والإيرانيين

جاء يوم، خلال الأسبوع الماضي، كان الوضع الميداني في مناطق ريف حلب الشمالي كالآتي: الطائرات الروسية تقصف مواقع المعارضة على مدار الساعة، متجنِّبة مواقع مجاورة لتنظيم «داعش»، فيما كان هذا الأخير يهاجم أيضاً المعارضة بالتزامن مع هجمات من قوات «وحدات حماية الشعب» الكردية ترفدها أعداد من مقاتلي ما تسمّى «قوات سورية الديموقراطية»، ومن جانب آخر كانت بعثة رمزية تابعة للنظام تواكب ضباطاً وجنوداً من «الحرس الثوري» الإيراني ومقاتلين من ميليشيا «حزب الله» اللبناني وميليشيات عراقية وأفغانية في هجوم ضخم ضد فصائل المعارضة...

سبعة أطراف، بما فيها روسيا و «داعش»، تلتقي ضد هدف واحد: تصفية المعارضة وإنهاء ثورتها على نظام بشار الأسد. ولا يحرّكها التقاء المصالح فحسب، بل ارتباطها جميعاً بمحرّك أرضي واحد: إيران. لكن ما جعل هجماتها وتقدّمها ممكنين، هو عنصر حاسم واحد: طائرات روسيا. وقد تمتّعت هذه الطائرات وتلك الهجمات بغطاء ديبلوماسي قوامه القبول الأميركي بـ «سحق» المعارضة عسكرياً كي يمكن سحقها سياسياً. فباراك أوباما، مثل فلاديمير بوتين، لم يقتنع يوماً بأن هناك شعباً ثار للتخلّص من الظلم والاستبداد، بل انشغلا معاً في إدارة الصراع واستكشاف إمكانات استغلاله، أوباما لتسهيل التوصل الى اتفاق نووي وقد حصل عليه، وبوتين للبحث عن مساومة يخرج منها رابحاً في... أوكرانيا ولم يحصل عليها بعد.

وفي هذه المساومة يعرض بوتين رأس الأسد لكنه يطالب بثمنه، مدفوعاً مسبقاً. «ثمن الأسد» ليس في سورية بل خارجها، ووفقاً لمسؤول أوروبي بارز فإن لبوتين أربعة مطالب: الاعتراف بضمّ شبه جزيرة القرم الى روسيا، تسوية غربية - روسية لتقاسم أوكرانيا، اتفاق حصري على تزوّد أوروبا بالغاز الروسي، ورفع العقوبات الأميركية والأوروبية. ويمكن إضافة مطلب خامس يتعلّق باستجابة شروط روسيا على مشروع «الناتو» نشر درع صاروخية في أوروبا... لم تستجب أميركا وأوروبا لمطالب بوتين، ولو كانت الحرب متاحة في أوروبا لكان سارع إليها بلا تردد، بالنظر الى أهمية أوكرانيا استراتيجياً لروسيا.

قبل أن تصبح العقوبات أكثر إيلاماً، رأى بوتين الالتفاف على مأزقه بالذهاب الى حرب في سورية واستخدامها للضغط والتصعيد استدراجاً للمساومة. لكنه لمس أن ليس لدى الغربيين في سورية ما يقايضون به في أوكرانيا، حتى أنهم وافقوا على بقاء الأسد، بل لم يهتموا لتهديده بالإجهاز على المعارضة. قال للروس أنه ذاهب الى ضربة استباقية لإرهاب «داعش» قبل استفحاله ووصوله الى موسكو، لكنه استهدف المعارضة، ثم راح يستفز تركيا ليتحرّش بـ «الناتو»، ارتكب جرائم تطهير عرقي، ضاعف أعداد اللاجئين لإقلاق الأوروبيين، نسف مفاوضات جنيف ومزّق القرار 2254، مؤكّداً توجّهه الى حل عسكري، ثم أرسل وزيره الى ميونيخ حاملاً عرضاً لـ «وقف إطلاق النار» علَّه يسمع من نظيره الأميركي ولو تلميحاً بصفقة ما في شأن أوكرانيا والعقوبات. وبعد تفاوض ماراتوني، ظهر جون كيري وسيرغي لافروف ليلاً ليقولا أن لديهما «اتفاقاً»، وليعاودا الظهور نهاراً فيقولا أنه «اتفاق» غير قابل للتطبيق.

على رغم هول المأساة الإنسانية، والقتل العلني المباشر والدمار غير المسبوق، ليست هناك اليوم أي مرجعية دولية يمكن أن تُستحثّ للنظر في جرائم الاحتلال الروسي لسورية. أصبح بوتين شريك الأسد في جرائمه بل تجاوزه. وكما سكتت واشنطن على جرائم النظام وإيران، فإنها لا تضيق الآن بارتكابات روسيا. هكذا كان منطق/ لا منطق النظام الدولي دائماً، ولطالما اعتبرت روسيا خلال الأعوام الخمسة الماضية أنها في صدد «إصلاح» هذا النظام، وأسهبت في انتقاد السياسات الأميركية وتجريمها، إلا أنها في تجربتها السورية بدأت من أسفل المستنقع الأميركي.

هذه مرحلة تفجّر التناقضات والمصالح والأكاذيب في أكثر لحظات المحنة السورية خطورةً، فالأوراق والأدوار اختلطت الى حدّ تساوي نظامين مارقين في سورية وإيران مع دولتين كبريين في دفع الأزمة الى الفوضى والانسداد... بل الى أجواء «حرب عالمية» أو «حرب باردة جديدة». وإذ تبقى المسؤولية أولاً على عاتق واشنطن وموسكو، فإن الوضع السوري بات صادماً في إظهار تواطؤهما أو «تفاهمهما» على الأهداف، ثم في توظيف هذا التواطؤ لمصلحة نظامَي الأسد والملالي، لتكون المحصلة استعداداً لتفكيك سورية ولقتل شعبها وتبديد قضيته. هذه ليست مجرد لعبة مصالح، بل هي جريمة العصر بتوقيع دولتين عُظميين لم تتعلّما شيئاً من تبعات أخطائهما في أفغانستان، ولا من دروس العراق وليبيا والصومال. والمؤكّد أن الأخطاء التي ترتكبانها، في ما تسمّيانه بحثاً عن نهاية للصراع في سورية، تمهّد لتصدير الصراع الى مجمل الإقليم، في انقياد أعمى وراء «التحالف الشيطاني» بين الشحن المذهبي الإيراني والإرهاب «الداعشي».

لم يعد سرّاً أن الأميركيين سلّموا بفكرة استبقاء بشار الأسد، تأسيساً على أن تدخّل الروس جاء لحسم الموقف الميداني لمصلحته، والحجة المعلنة من الجانبين هي الحفاظ على الدولة ومؤسسات الجيش والأمن. لكن هذه كانت الكذبة التي استند إليها الروس والأسد والإيرانيون، وقد غذّتها أميركا ولمّعتها لتعترف في نهاية المطاف، وبسذاجة مصطنعة، بأن الخيار ضاق جداً: فإمّا الأسد وإمّا «أبو بكر البغدادي». لم تسأل مَن صنع «البغدادي» لأنها تعرف، ولا مصلحة لها في كشف الحقيقة. كانت تقول وتكرّر أن الاسد هو الإرهابي الأول، ثم تبنّت النتيجة التي قالها الأسد وكرّرها: هذا شعب من الإرهابيين. وهكذا سلّمت أميركا أيضاً بضرب المعارضة، معتدلة أو غير معتدلة، مدنية أو مقاتلة، على أيدي الروس أو سواهم. غضّت النظر عن وجود إيرانيين وعراقيين ولبنانيين وأفغان وباكستانيين، ولم تستسغ وجود مقاتلين سوريين على أرضهم في «جيش الإسلام» أو «أحرار الشام». اتّضح الآن أن أوباما وإدارته وجنرالاته لم ينزعجوا من جرائم الأسد وشبّيحته، ولا من مجازره وبراميله واستخدامه السلاح الكيماوي، ولا من اقتلاع السكان وإفراغ المدن والبلدات، ولا من تدخلات إيران وميليشياتها... بل كان شعب سورية مصدر الإزعاج الوحيد لهم.

عملياً، كانت واشنطن حسمت أمرها بتسليم سورية الى نظامَي روسيا وإيران، المشابهَين لنظام الأسد، وتوقّعت من حلفائها، لا سيما السعودية وتركيا، أن يستسلموا لهذا الواقع، وأن يتفرّجوا على الأسد والإيرانيين وهم يحاربون «داعش» بعدما صنعوه واستخدموه الى أن انتهت صلاحيته، بل توقّعت أن يقبل حلفاؤها بإخراجهم من المعادلة السورية. لم تلتفت أميركا الى التداعيات السيئة لخيارها، لم تعِ أنها تساعد إيران على تصدير الاضطراب الى عموم المنطقة. فسلوكها في ما سمّته حرباً على الإرهاب، أو على «داعش»، يُظهر أنها كانت تقيّد حلفاءها الإقليميين وتضلّلهم، الى أن ينجح الروس في إيصال قوات النظام والميليشيات الإيرانية لمؤازرة أكراد «وحدات الحماية» ومقاتلي «قوات سورية الديموقراطية» في دخول الرقّة. وعلى رغم استعداد السعودية والإمارات وتركيا لإرسال قوات برّية لمقاتلة «داعش»، واصلت واشنطن التلكؤ في دعم هذه المبادرة، فهي لا تمانع في سورية ما تستبعده في العراق، حيث رفضت دخول ميليشيات «الحشد الشعبي» الشيعية الى مناطق السنّة.

يخفي صمت واشنطن فيما التوتر الإقليمي يتصاعد على نحو خطير، أن التواطؤ مع روسيا وإيران بلغ حدّاً من التهوّر يتخطّى تجاهل مصالح السعودية وتركيا الى التآمر الفجّ على هذين الحليفين ودورَيهما. أكثر من ذلك، هناك مبالغة فادحة في السعي الى إلغاء الشعب السوري، خصوصاً بعد انكشاف أن القوة البرّية (الأكراد والملتحقين بهم) التي سلّحتها واشنطن وعوّلت عليها ضد «داعش» إنما هي نقطة التقاء الأميركيين والروس والأسد والإيرانيين. فاللافت في أحداث الأيام الأخيرة، أن هذه القوّة تركت الجبهة مع «داعش» لتدعم الهجوم الروسي - الأسدي - الإيراني على فصائل المعارضة.

اقرأ المزيد
١٦ فبراير ٢٠١٦
الأكراد.. الخاسر الأكبر في الحرب السورية

نراقب ما تقوم به الفصائل الكردية من تمدد على الحدود جنوبي تركيا، حيث نقضت الاتفاقات الموقعة مع المعارضة السورية، وقاتلت إلى جانب نظام الأسد في حربه ضد الشعب السوري.

الغريب في الموضوع هو أنه، وللسنة الخامسة، يحاول هذا النظام إنهاء الثورة مدعوما بعشرات آلاف المقاتلين من لبنان والعراق وأفغانستان وإيران وغيرها، ومدعوما بالسلاح من روسيا وإيران ودولة الإمارات ومصر، فماذا تعني إضافة بضعة آلاف من المقاتلين الأكراد على هذه المعادلة، وهل تعني أنها ستحسم هذه المعركة لصالح النظام وحلفائه؟

بالمنطق الاستراتيجي، الانتصار الذي يحققه نظام الأسد في الشمال هو مؤقت، وقد يحدث تراجع آخر للمعارضة في جنوبي وغربي دمشق، ولكن لن تدوم سيطرة النظام حتى أيلول/ سبتمبر القادم، ثم سيتراجع النظام، فهذا الهجوم هو عملية إعداد للمقاتلين من قبل إيران وروسيا استمرت لمدة عام كامل، حيث تم جلب آلاف المقاتلين، وتم تحضير معدات عسكرية كبيرة سببت حالة من الصدمة للمعارضة، وهي في العلم العسكري صدمة مؤقتة.

فمسألة حصار المعارضة في الشمال ستفرض عليها خيارا واحدا وهو القتال، وهذا يعني أن المعارضة ستجد نفسها موحدة في مواجهة هذه القوى جميعا التي ستدخل قسريا في لعبة الاستنزاف المباشر.

الأحزاب الكردية التي زجت بنفسها في الصراع إلى جانب النظام السوري في عموم شمال سوريا، يمكنها أن تخدع بسطاء الناس، وتوهمهم بأن الدولة الكردية أصبحت أمرا واقعا. وبأبسط قواعد المنطق، من سيقيم هذه الدولة؟ ومن سيقبل بوجودها على المستوى المحلي أو الدولي؟ وماذا تملك الفصائل الكردية في مواجهة العرب من جانب، وتركيا القوة الإقليمية من جانب آخر؟ وكم سنة ستقاتل الفصائل الكردية؟ وما هي الإمكانات التي تملكها حتى تتمكن من هزيمة دولة بحجم تركيا، إضافة إلى الثورة السورية؟ وسنضيف إلى القائمة تنظيم الدولة الإسلامية، الذي تريده أمريكا أن يبقى موجودا، وليس صحيحا أن هناك إرادة أمريكية للتخلص منه.

باختصار: تنظيم الدولة تريده أمريكا أن يبقى موجودا لاستمرار استنزاف إيران، وهو بالنسبة للأمريكان أهم من الأكراد الذين انتهى دورهم السياسي؛ ولذلك أرسلتهم إلى محرقة الحرب.

الأكراد تتعامل أمريكا معهم كمرتزقة رخيصة الثمن؛ لأن كلفة نقل المرتزقة من الدول الأخرى باهظة جدا، كما كانت تفعل أثناء احتلالها للعراق. وفي نهاية الحرب المفترضة خلال السنوات القليلة القادمة، سيكون الأكراد لوحدهم بلا نصير، فالجميع سيتعامل مع هذه الفصائل بأنها مارست الخيانة ضد سوريا وضد تركيا معا.

أنا أعلم أن تركيا قادرة على احتلال نصف سوريا في أسابيع، ولكن السياسة التركية سياسة عاقلة، وهي عندما تتريث، هي تريد أن يشعر السوريون بضرورة الاتحاد في مواجهة أعدائهم، وتريد من الأكراد أن يستعيدوا مكانتهم بأنهم جزء من الأمة، وأن وقوفهم إلى جانب أعداء الأمة التاريخيين لا يحقق لهم شيئا، وتريد من روسيا وإيران أن تدركا أن تغيير الجغرافيا هذا أمر كان يحدث في القرون الوسطى، ولن يحدث الآن، وتريد من أوروبا أن تدرك أن تركيا نقطة أساسية في استقرار العالم أجمع، وهذا ما يدركه الأوربيون الآن، والذين بتقديري هم في أقرب أوقاتهم من تركيا، وأيضا تريد تركيا من خلال صبرها أن تبلغ أمريكا رسالة واضحة، أن أمريكا تغادر المنطقة، وأن العرب والأتراك سيفتحون شرق أوسط جديدا، وبتقديري سيكون ذلك من خلال تعاون نشط مع دول أوروبية عديدة.

هنا أسأل.. أين هي هذه الأحزاب الكردية في المعادلة؟

اقرأ المزيد
١٦ فبراير ٢٠١٦
الوعود والتوعد لا توقف صورايخ روسيا وغدر الغادرين

وعود تليها وعود ووعود باتت هذه الوعود كحبات مسكن لألام الشعب السوري وأوجاعه طيلة السنوات الفائتة من عمر الثورة السورية المباركة بعد تخاذل العالم أجمع عن نصرة الشعب السوري الثائر للحفاظ على نظام تلطخت يداه بدماء أطفال ونساء وشيوخ وشباب قتل واعتقل منهم الألاف وشرد الملايين في مخيمات النزوح وبلاد الجوار يعانون مايعانون من تشرد وجوع وبرد.

كل هذه الأم والشعب السوري صامد في وجه كل الخطوب فبعد اقتراب نظام الأسد من الانهيار جاءت القوات الإيرانية والحرس الثوري وحزب الله لتغير المعادلة العسكرية على الأرض لصالح نظام الأسد فما قدمت إلا ألاف القتلى من جنود الأسد وميليشياتها وصلت زمراً لطهران وضاحية بيروت فاستنجد الأسد بالروس وبدأت طائراتهم بقصف المدنيين وتدمير كل حياة في المناطق المحررة.

استهدفت الطائرات الروسية كل مؤسسات الثورة والمرافق العامة من أفران ومشافي طبية ومدارس ومعامل ومستوصفات حتى شاحنات الإغاثة والوقود والمواد التموينية لم تسلم من قصف الطيران الروسي لتزيد المعاناة وتشتت الشعب وتشرد الألاف فعاد النزوح من جديد حتى قاطني المخيمات نزحوا عنها في ريف حلب واللاذقية.

كل هذه الأحداث ومازالت الدول الصديقة للشعب السوري والتي ساندت بمواقفها ثورته منذ البدايات وأعلنتها بشكل رسمي وقوفها الى جانب قضية الشعب السوري وتوعدت بالدعم له ولمقاتليه في مايقابل دعم حلفاء الأسد له ولكن كل هذه الوعود حتى اليوم ماهي إلا كحبات المسكن تعطى للشعب السوري ليعيش على أمل تحقيقها ثم سرعان ماتتلاشى وتبدأ الوعود من جديد وهكذا تواليت والشعب السوري يقارع كل ميليشيبات الشيعة وطيران الأسد والروس ويناضل رغم كل الظروف مستعينا بالله وبعزيمة شبابه الأبطال ممن قدمو أرواحهم رخيصة في سبيل الذود عن الأعراض والأنفس والأرض.

ومع التغيرات الأخيرية في الساحة التي تزامنت مع مؤتمر جنيف 3 وتقدم الميليشيات الشيعية بدعم الغطاء الجوي الروسي في ريف حلب الشمالي وريف اللاذقية ودخول الوحدات الشعبية في عفرين وجيش " الثوار" على خط المواجهة ضد فصائل الثوار بريف حلب واستغلالهم للمعارك الدائرة مع الميليشيات الشيعية ليتقدموا ويسيطروا على عدة بلدات بريف حلب اخرها مدينة تل رفعت وتحت غطاء جوي روسي على مرأى دول الجوار والأصدقاء جاءت الوعود بتدخل عربي ووصلت الطائرات السعودية لمواقعها في مطارات تركيا فاستبشر الشعب السوري خيراً إلا أن هذه القوات لم تبدي اي تحرك حتى اللحظة والطيران الروسي يواصل استهدافه للمناطق المحررة  ليتيح لجيش الثوار السيطرة على ماتبقى من بلدات ريف حلب الشمالي في مارع وإعزاز واقتصرت مساعدة الأصدقاء على بضع صواريخ من نوع غراد وعشرات القذائف المدفعية التي استهدفت مواقع جيش الثوار في مطار منغ والتي لم تغني ولم تثمر أي تغيير في الوضع العسكري بل زادت من سخط الروس وحلفائهم وزاد القتل والدمار والتشرد .

كل هذه التطورات أوصلت الشعب السوري ليقين بأن الله وحده هو القادر على تغيير المعادلة على الأرض وأن الاوان بات للتمسك بالوحدة والعودة الى الله دون الإتكال على أي مساعدة من اي دولة صديقة أو شقيقة والتاريخ يسجل تلك البطولات التي سطرها السوريين بدمائهم في حين تخاذل عن نصرتهم من يدعون أنهم ناصري الإسلام والمستضعفين.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٣ مايو ٢٠٢٥
"الترقيع السياسي": من خياطة الثياب إلى تطريز المواقف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)