مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٤ مارس ٢٠١٦
اتفاق الهدنة في سورية باقٍ ولكن لا يتمدّد

أثبت وقف الأعمال العدائية الذي دخل حيّز التنفيذ في سورية أنه أكثر نجاحاً مما كان متوقعاً. انخفضت الأعداد اليومية للضحايا، ووصلت المساعدات الإنسانية إلى بعض التجمّعات السكانية المحاصرة في المناطق التي يسيطر عليها النظام والمعارضة. وعليه فقد تفاءل مبعوث الأمم المتحدة الخاص ستيفان دي مستورا بفرصة وقف الأعمال العدائية ليعلن أن محادثات سلام جديدة سوف تبدأ بين الحكومة والمعارضة بحلول 9 الشهر الجاري. ولكن في حين أن توسيع وقف الأعمال القتالية لتتحوّل إلى حل سياسي أمر مرغوب، فإن ذلك يعني في هذه المرحلة إنهاء الصراع بشروط أقرب بكثير إلى تلك التي طالما دعت إليها روسيا مما قد تتحمّله الولايات المتحدة أو المعارضة السورية ومؤيدوها الإقليميون. وبذلك يصبح وقف القتال إلى أجل غير مسمى وبصورة غير مكتملة وعلى مضض أكثر احتمالاً.

في الجانب الإيجابي، هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الاتفاق على وقف عام للقتال في سورية، وينطبق على جميع مقاتلي النظام والمعارضة (باستثناء «داعش» و»جبهة النصرة»). في السابق، كانت حتى الهدنات الهامة نسبياً مثل تلك المتعلقة بحمص في أيار (مايو) 2014 وكانون الأول (ديسمبر) 2015 وفي الزبداني في أيلول (سبتمبر) 2015 محلية. وبالقدر نفسه من الأهمية، تحركت الولايات المتحدة وروسيا للمرة الأولى على نحو يتجاوز الاتفاق على الأطر الديبلوماسية العامة لإنجاز خطة تنفيذية لوقف العنف في سورية. وسيكون نجاحها جزئياً اختباراً لتأثير الدولتين على المقاتلين المحليين الذين تدعمانهم وعلى اللاعبين الإقليميين الآخرين.

من الواضح أيضاً أن وقف الأعمال العدائية يواجه عقبات كبرى. إذ ستجد المعارضة المسلحة أن من الصعب أن تقف موقف المتفرّج بينما تواصل روسيا غاراتها الجوية ضد «جبهة النصرة»، وبخاصة في محافظة إدلب حيث تتداخل مواقعهم إلى حدّ بعيد، ولكن أيضاً في حلب وحولها. وجرى تبادل الاتهامات بين نظام الأسد والمعارضة، ورددتها القوى الخارجية، مع تحذيرات من انهيار وشيك لوقف القتال. كان هذا متوقعاً تماماً، على رغم أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري ذكر أنه اتفق ونظيره الروسي سيرغي لافروف على عدم «المقاضاة علانية»، وأكد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أنه «لم تحدث خروقات كبيرة» إلى درجة تحول دون استمرار وقف الأعمال العدائية.

وحتى في خضم الاتهامات المتبادلة حدث تغيّر لافت. من الواضح أن الأطراف المتقاتلة أوقفت الأعمال العدائية لأسباب ذاتية في الغالب: فالمعارضة لا تتحمّل تحميلها المسؤولية عن استئنافها، في حين قد يسعى النظام، بتواطؤ روسي، لخداع الولايات المتحدة كي تقبله كشريك ضد «داعش». ولكن بمجرّد مراعاة وقف الأعمال العدائية لأي فترة من الزمن، أظهر كلا الطرفين أن لديهما القدرة على فرض الامتثال في صفوفهما.

هذا الاستعراض للسياسة الواقعية والانضباط الذاتي (النسبي) ينبغي أن يبشّر بالخير لإجراء محادثات سلام، بيد أن التفاؤل سابق لأوانه. فلو صمد وقف الأعمال العدائية، فإنه سيضع نظام الأسد في وضع حرج سياسياً. وقد يزداد الضغط لاغتنام الفرصة لإنهاء الصراع من خلال المفاوضات بين مؤيديه وفي أوساط قاعدته الاجتماعية، ما يجعل من الصعب عليه تبرير عدم القيام بذلك.

يبدو أن النظام يعمل لاستباق مثل هذه المشاكل السياسية، كما يتبين من المرسوم الذي أصدره الرئيس بشار الأسد في 22 شباط (فبراير) وحدّد موعد الانتخابات البرلمانية بعد سبعة أسابيع فقط، في 13 نيسان (أبريل). هذه المحاولة لإثبات دعواه بتمثيل واحترام الإرادة الشعبية جاءت بعد فترة وجيزة من مرسوم سابق بالعفو عن الفارّين من الجيش. فقد صدرت عدة مراسيم مماثلة بالسابق، ولكن من المرجح أنه جرى توقيت صدور المرسوم الأخير لتعزيز صورة الرشد والشهامة.

كما يصب إعلان الأسد عن إمكانية العفو عن جميع مقاتلي المعارضة الذين يلقون السلاح، خلال مقابلة أجرتها معه شبكة تلفزيونية ألمانية في الاتجاه نفسه. في الوقت نفسه، تلمّح مصادر النظام مرة أخرى إلى أن الجيش والميليشيات المرتبطة به تستعد لاستعادة الرقة من «داعش»، وقد صدرت تلميحات مشابهة بعد المكاسب التي تحققت حول حلب في أواخر العام 2014، غير أنها تبدّلت في أعقاب خسائر النظام في محافظة إدلب. وهذا التلميح المتبجِّح يشكّل مبالغة خطيرة بقدرات النظام في هذه المرحلة، غير أن من المحتمل أن يكون محاولة أخرى لتلميع صورته لدى جمهوره ولدى الإدارة الأميركية الحريصة على تركيز كل الجهود على هزيمة «داعش».

التموضع قبل محادثات السلام المحتملة أمر متوقع من جميع الأطراف. ولكن نظام الأسد لا يرغب بالدخول في مفاوضات جدّية حول مرحلة انتقالية، ناهيك عن تقاسم حقيقي للسلطة، حتى وفق الشروط التي تحسنت كثيراً بفضل التدخّل العسكري الروسي. وهذا يكشف عن مفارقتين.

الأولى أن لروسيا مصلحة في أن تنهي تدخّلها العسكري بتحقيق نجاح سياسي، ولذلك فهي ستضغط على الأرجح على نظام الأسد لوقف الأعمال العدائية ما دام هذا لمصلحتهما السياسية والعسكرية المشتركة. غير أن وقف الأعمال العدائية لا يشكّل بمفرده مكسباً سياسياً كافياً. وربما تسعى روسيا لتعزيزه بتسوية ديبلوماسية على أساس مقترحاتها الثابتة لعملية الانتقال في سورية. ومن شأن هذه المقترحات أن تسمح للأسد بالبقاء في منصبه لحين إجراء انتخابات رئاسية في غضون عامين، وبخوض الانتخابات بعد ذلك كمرشح مرة أخرى، وتبقي السلطات الرئيسة في يديه أو في أيدي الوزراء والقادة الموالين له، وتعرقل إجراء إصلاحات أساسية لمؤسّسات الدولة بحجة ضرورة الحفاظ على سلامتها حتى اكتمال العملية الانتقالية.

هذه المقترحات غير مقبولة من المعارضة، ومن الولايات المتحدة كذلك. بيد أن هذا يشير إلى المفارقة الثانية. فإذا كانت الولايات المتحدة عازمة على حل النزاع السوري من خلال عملية ديبلوماسية، فإن من شبه المؤكّد أن تستند الصفقة الوحيدة الممكنة في ظل الظروف الحالية داخل سورية، إلى المقترحات الروسية. وتواصل الولايات المتحدة التأكيد أنها لن تقبل أن يبقى الأسد رئيساً إلى أجل غير مسمى، وأن أي اتفاق يجب أن يتضمّن رحيله في مرحلة ما، بيد أن الولايات المتحدة فشلت حتى الآن في تفعيل الوسائل التي قد تجبر روسيا على قبول هذا الرأي.

ربما لا يزال من الممكن إقناع روسيا بقبول صيغة تضمن رحيل الأسد بحلول نهاية فترة انتقالية، في مقابل أن تقبل الولايات المتحدة والمعارضة بقية مقترحاتها. بيد أنه لا يكفي أن يكون هناك تفاهم خاص أو ضمني: فقد كشفت قدرة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح على استغلال اتفاق السلام الذي رعاه مجلس التعاون الخليجي للاحتفاظ بقدر كبير من نفوذه بعد رحيله رسمياً من منصبه عن الأخطار المترتبة على اتباع هذا النهج. بالتالي يجب أن تكون أي صيغة للحل رسمية، وأن يقبلها الأسد صراحة. وهذا الأمر ليس مستبعداً جداً وحسب، بل ربما لا يصل نفوذ روسيا عليه إلى هذا الحدّ.

تشير هذه الصعوبات إلى أن الحل السياسي لا يزال بعيداً. كما أنها قد تفتح الطريق لتقديم مقترحات جديدة تهدف في الظاهر إلى كسر الجمود، مثل الفيديرالية، وهو ما قال الأسد ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف في أوقات مختلفة إنهما لا يستبعدانه كخيار. ويخشى كثير من السوريين أيضاً أن تتفق الولايات المتحدة وروسيا على تقسيم سورية رسمياً، والذي تعارضه غالبية ساحقة منهم وفقاً لدراسة حديثة، غير أن هذا يتعارض مع كل الشواهد حول التفكير الروسي والأميركي الحالي في خصوص سورية.

بدلاً من ذلك، من المرجح أن يتحول «الجمود الموجع» الطويل في سورية من المجال العسكري إلى المجال السياسي، على الأقلّ لبضعة أشهر. وإذا ما صمد وقف الأعمال العدائية، فهذا يعني تخفيفاً يبعث على الارتياح في معاناة الشعب السوري، بيد أن الظروف قد لا تكون نضجت بعد ليؤدّي ذلك إلى حلّ سياسي.

اقرأ المزيد
٤ مارس ٢٠١٦
سنعيد روحها الأولى .. الثورة تنبض في النفوس و ستبقى مابقي هناك حيّ منا

كنا خلال الأيام القليلة الماضية نعمل على اعادة الذاكرة إلى بدايات الثورة و مظاهراتها و نقلب في الكم الهائل من التسجيلات و الصور و نستمع للاناشيد و الأغنيات ، تحضيراً لحملة الذكرى السادسة للثورة السورية ، و لم يكن في خلد أياً منا أن تعود هذه المشاهد من جديد بعد طغيان الدم و ايغال المحتلين مخابهم في الجسد السوري الذي تمزق لحد عدم القدرة على الوقوف مجدداً .

اليأس الذي استحكم في مفاصل تفكيرنا و عقرب بوصلة أملنا ، كان عبارة عن حالة "غبية" ، فالعودة للماضي لاستجلابه، لم تعد مهمة أو ذات مغزى ، فالمشهد تكرر بعنفوان أكبر و نبض أقوى ، و عزيمة و اصرار تفوق الماضي ، فكل هذه السنين لم تضني شعبنا ، و كل هذا القهر لم يثنى عزيمته ، و كل هذا الدمار لم يحول دون الصعود إلى الهواء من جديد و الصراخ بأعلى صوت بأننا سـ"نبدأ من جديد" ، و سنعيدها كرة ثانية و ثالثة و عاشرة حتى تتحقق المطالب باسقاط النظام و الحرية و العدالة .

سنوات تهنا في غياهب المؤامرات و الخذلان و عشنا لحظات فخر و عنفوان و تملكنا مقاليد بعض الأماكن ، غُيبنا في أخرى ، تشردنا في جميع بقاط الأرض ، و افترشنا كل رقعة من تراب سوريا نازحين و هاربين ، نقلنا جرحانا على الظهور من نقطة طبية لاخرى بحثاً عن ما يوقف النزيف و لو لم يحقق العلاج ، نعم و ضعنا في الايدولوجيات و اختلاف ألوان الرايات و تشعبات الانتماء ، لنتحول إلى ذرة رمل في خضم اعصار جارف .

كل هذا لم يكن إلا ذوبعة في فنجان شعب أبي ، قاتل و دافع و لازال و سيبقى ، و كعادته ليس لنفسه و إنما لأمة بأثرها ، وخير ماقيل عنه أن "الشعب السوري يقاتل بالنيابة عن ٤٠٠ مليون " و أقسى ما وصف به بأنه "حفنة لن يستطع المجابهة " و بين هذا و ذاك نبتت الشجرة من جديد و عاد الربيع للنفوس .

من الحراك ونوى و بصرى الشام و اليادودة و نصيب إلى دوما و عين ترما و يلدا و دير العصافير و عين ترما و جوبر و داريا إلى حمص و تلبيسة و الرستن فجرجناز و تفتناز و سراقب و معرة النعمان و حلب القديمة و عينجارة والأتارب واعزاز و العديد من المناطق الأخرى ، التي أعادتنا إلى الحكاية منذ البداية ، لنبحث عن المظاهرات و نوثقها وننقلها، ويعود معها الحياة لقلوبنا و العمل كخلية نحل لنتبادل أسماء الأماكن التي خرجت و ماذا قالوا .

و من الاجحاف الحديث عن أن الثورة تعود من جديد ، إذ أنها كانت و بقيت و لازالت موجودة و لم يتغير مسماها ليوم واحد ، بل بقيت ثورة و ثورة حياة و عز و اباء مضرجة بدماء مئات الآلاف .

إنها الثورة التي تصنع التاريخ الحقيقي لكلمة "ثورة" و مستقبلها .

اقرأ المزيد
٣ مارس ٢٠١٦
مؤامرة... في وضح النهار!

لأن الحديث عن تحوُّل سورية إلى دولة اتحادية "فدرالية"، وأيضاً عن تقسيمها وتجزئتها، فإن هذا الموضوع يجب أن يؤخذ بمنتهى الجدية، لأن خياراً كهذا إن تم بالنسبة لهذه الدولة العربية فإن عدواه ستنتقل بالتأكيد إلى دول أخرى، حيث إن تمزيق هذه المنطقة إلى دويلات طائفية وعرقية طُرح في وقت مبكر، في بدايات القرن الماضي، وقد طرحه قادة الحركة الصهيونية بعد إنشاء دولة إسرائيل في قلب الوطن العربي، كمحصلة لمؤامرة كونية يبدو أنها بقيت مستمرة ومتواصلة حتى الآن.

والغريب أنه قد تم العزف على الوتر نفسه، وهذا لا يمكن أن يكون مجرد مصادفة، من قبل وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي قال: "من الصعب الإبقاء على سورية موحدة إذا استمر فيها القتال المحتدم الآن"، ومن قبل متحدث باسم الخارجية الروسية الذي قال بدوره: "إن سورية قد تصبح دولة اتحادية فدرالية"، ما يعني، وبعيداً عن سذاجة أصحاب النوايا الحسنة، أن هذه المسألة الخطيرة فعلاً جرى بحثها والتطرق إليها بين الأميركيين والروس وبصورة فعلية وجدية!

ولعل ما تجب العودة إليه، ونحن بصدد التطرق إلى هذه المسألة، هو تلك التصريحات التي كان أطلقها بشار الأسد، قبل الغزو الروسي لهذا البلد العربي، وقال فيها إنه لا جدوى من استمرار قتال قواته في غالبية الأراضي السورية، وإنه "سيسحبها" للدفاع عما اعتبره: "سوريا المفيدة"، أي هذا الجزء الممتد من دمشق إلى اللاذقية وإلى جبال النصيريين مروراً بسهل الغاب وحمص وحماة وإدلب وصولاً إلى حلب، والمعروف أن سكان هذه المدن وهذه المناطق يشكلون الغالبية الراجحة من أبناء الشعب السوري وكلهم من العرب السنة.

وهنا وللتذكير أيضاً فإن ما تجب الإشارة إليه هو أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كان قد اتهم الروس، وكرر هذا الاتهام مراراً، بأنهم قد غزوا سورية واحتلوها من أجل إنشاء كيان انفصالي مركزه منطقة اللاذقية، حيث أقامت روسيا بعد غزوها الاحتلالي لهذه الدولة العربية قاعدة "حميميم"، التي تعتبر أهم قاعدة عسكرية لها على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، بل في الشرق الأوسط كله، إضافة إلى قاعدة طرطوس القديمة التي كانت موسكو أقامتها في زمن الاتحاد السوفياتي الذي كان يشكل الكتلة المواجهة للولايات المتحدة وحلف شمالي الأطلسي، من خلال حلف "وارسو" الذي انهار مع انهيار كل دول أوروبا الشرقية الشيوعية.

ويقيناً إن هذا الحديث الذي جاء على لسان كيري وعلى لسان ناطق باسم الخارجية الروسية لا يمكن أن يكون من قبيل لغو الكلام، لكن ما يجب أن يفهمه هؤلاء ومن يتناغم معهم أن هذه المنطقة، التي أعطيت لوناً معيناً على الخريطة السورية، غالبية سكانها من العرب السنة، وأن "العلويين" أو "النصيريين"، لا فرق، لا يشكلون وفي أحسن الأحوال إلا نسبة لا تزيد على 15 في المئة من سكان هذه المنطقة التي يشكل سكانها أكثر من 80 في المئة من سكان سورية.

وهذا يعني أن ما يفكر فيه الروس والأميركيون لا يمكن تطبيقه لا بالتفاهم ولا بالقوة فـ"سورية المفيدة" هي من بدأ هذه الثورة، المنتصرة بالتأكيد، وهي لا يمكن أن تخضع لنظام بشار الأسد وتلتحق بالدولة المذهبية التي يسعى لإقامتها ثم، وهذا يجب أن يقال، فإن ما لا يعرفه كثيرون هو أن غالبية "العلويين" لا يمكن أن تقبل بهذه الخطوة التآمرية، وأنهم بالتأكيد سيقاومونها وبقوة السلاح مثلهم مثل إخوانهم من العرب السنة ومن العرب المسيحيين والعرب الدروز وباقي مكونات الشعب السوري في هذه المنطقة "المفيدة"!... إنها مؤامرة في وضح النهار!

اقرأ المزيد
٣ مارس ٢٠١٦
الإجراءات الخليجية تؤلم نصرالله

مع تزايد عدد قتلاه في سورية، وما يسربه الأميركيون عن تبدل ولو طفيف في الأولويات الإيرانية، تزداد الضغوط على «حزب الله» في بيئته الحاضنة خصوصاً، ولبنان عموماً، لإنهاء تورطه العسكري هناك، مهما حاول إخفاء تأفف الناس والسيطرة على غضبهم عبر حملة التجييش المستمرة وأساليب الترويع الهادفة إلى منع الصوت المعارض، وإلى التخفيف من وطأة النعوش المتقاطرة عبر الحدود، وإلى وقف الانتقادات لمسؤوليته عن تدهور علاقات لبنان العربية.

فالانخراط العسكري والأمني المستمر في سورية، في وقت يقول جون كيري إن طهران تقلص وحداتها من «الحرس الثوري» هناك، وإصرار الحزب على انه يخوض «معركة وجود» لن تنتهي قريباً على رغم الإمساك المتزايد لموسكو بالورقة السورية، والتصعيد المتعمد للمواجهة مع السعودية وسائر دول الخليج العربية، تعكس جميعها استفراداً سياسياً وأمنياً بلبنان لا يمتلك الحزب مبررات مقنعة لجعل اللبنانيين يقبلون تبعاته على أوضاعهم داخل الوطن وخارجه.

ولهذا سعى أمينه العام السيد حسن نصرالله أول من أمس، الى تطويق النقمة المتصاعدة باعتماد المزيد من التخويف تحت غطاء «تطمين» اللبنانيين الى استقرار بلدهم، مذكراً إياهم بأنه يملك وحده قرار استمرار هذا الاستقرار من عدمه، وأن أمنهم منّة منه، وأيضاً عبر محاولة زجّهم في المواجهة التي يخوضها مع دول مجلس التعاون في أكثر من «ساحة»، بتصويره أن القرارات الخليجية هدفها «معاقبة اللبنانيين جميعاً» وليس الحزب.

لكن من الواضح أن إجراءات دول الخليج في حق الحزب، وخصوصاً إلغاء السعودية منحة الأربعة بلايين دولار للجيش والمؤسسة الأمنية مخافة أن تنتقل الأسلحة إلى يده بسبب تسلطه على الجيش، وتصنيف مجلس التعاون الحزب «منظمة إرهابية» وتوعّد أعضائه باتخاذ تدابير لاحقة تنسجم مع هذا التصنيف، يضاف إليها الإشاعات الكثيرة المتداولة عن «لوائح الإبعاد»، آلمت الحزب ووضعته في مواجهة مع سائر اللبنانيين، بمن في ذلك الشيعة أنفسهم، الذين بدأوا يعانون من حصر تمثيلهم به وحشرهم تحت رايته.

وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، جرت نقاشات حادة ومتشعبة بين اللبنانيين، عبر وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، تضمنت تساؤلات جدية عن «لبنانية» الحزب وقراراته وعن ولاءاته وأهدافه، وعن مبررات خروجه المتواصل على الإجماع اللبناني، وجدوى دفعه لبنان إلى الخروج على الإجماع العربي، وأسباب اختلال التوازن بين مكونات البلد السياسية والاجتماعية، وعما إذا كانت سياسته الخارجية مرتبطة بالأشخاص وبالحزب وحلفائه أم بالمصلحة الوطنية العامة. لكن هذا النقاش سرعان ما جلب على المنتقدين سباباً وشتائم وتعابير طائفية مقيتة اشتكى منها نصرالله نفسه بعدما شعر بأن «جماعته» بالغوا في استخدامها.

وفي كلمته، «نأى» الأمين العام للحزب بنفسه عن نزول جمهوره إلى الشارع وقطع الطرقات وأعمال التخريب التي رافقته بسبب برنامج تلفزيوني قلده، لكن اللبنانيين يعرفون أن مثل هذا «التبرؤ» يعني أن باستطاعة من أشعلوا الإطارات المطاطية في الشوارع أن يفعلوا ما يريدون لاحقاً، طالما أنه تنصل من العلاقة بهم. إذ سبق لنصرالله أن ناشد أنصاره في الماضي عدم إطلاق النار والقذائف الصاروخية في كل مرة يلقي خطاباً، لكن ذلك لم يمنعهم من مضاعفة فعلتهم في المرات التالية.

يحصر نصرالله استقرار لبنان بالأمن، في استعادة لمفهوم النظام الأمني الذي رعته سورية الأسد، ولا يرى ضرراً في استمرار الشغور الرئاسي طالما لم يُحسم مصير الحرب أو المفاوضات في سورية لمصلحة إيران، ويلجأ في الوقت نفسه إلى تكبيل الحكومة ومنعها من البت في ما يطاول حياة اللبنانيين اليومية، مثل أزمة النفايات المتعمدة، لإغراقهم في التفاصيل وصرفهم عن التفكير في احتكاره مستقبل بلدهم... ثم يحدثهم عن «الاستقرار» وهم مشغولون بالبحث عن بلد يهاجرون إليه.

اقرأ المزيد
٣ مارس ٢٠١٦
عندما يتخطى "حزب الله" حلفاءه

قرار مجلس التعاون الخليجي اعتبار «حزب الله» منظمة إرهابية لن يقتصر على دول المجلس، فمن المتوقّع انضمام دول أخرى عربية وغير عربية إلى القرار أو اتخاذها قرارات مماثلة. الأمر جدي ومستمر، على رغم محاولة الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله التخفيف مسبقاً من سطوة القرار، على طريقته، إذ شهدنا له قبل ساعات من صدور القرار، خطاباً تلفزيونياً يحاول فيه الفصل بين السلم الأهلي اللبناني ومواجهة حزبه السعودية ودولاً أخرى بالسياسة وبالحرب، مع تأكيده التدخُّل في اليمن. وهي فكرة غريبة أن يندرج حزب لبناني متعسكر في السلم الأهلي مع سائر المواطنين، وينشط في الوقت نفسه سياسياً وعسكرياً في مواجهة دول عربية شقيقة وصديقة لها حضورها العميق في لبنان، وتحظى بتأييد الغالبية، لكون العلاقة معها عابرة المناطق والطوائف.

لا يستطيع «حزب الله» النأي بلبنان عن معاركه ضد دول عربية مهمة، فالوطن الصغير لا يتحمّل هذه الفكرة غير المسبوقة وغير المعقولة. واستحالة النأي ستؤدي إلى زج لبنان في حرب مع الداخل العربي لا يرتضيها مواطنوه، ولم يسبق أن واجهوا مثل هذا الموقف الذي سيؤدي بالضرورة إلى نزاعات أهلية لا نزاع أهلي واحد.

وإذا كان قائد «حزب الله» أعفى حلفاءه المحليين من تأييد موقفه طالباً حصر المعركة بحزبه من دون سائر اللبنانيين، فإن هؤلاء سيعتبرون كلامه غير واقعي، لأنه وأعضاء حزبه لا يسكنون جزيرة معزولة.

والقرار الخليجي الذي يصبغ بالإرهاب «ميليشيات حزب الله، بكافة قادتها وفصائلها والتنظيمات التابعة لها والمنبثقة عنها»، سيجرى تنفيذه في سياق القوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب المطبّقة في دول المجلس والمماثلة لها في دول العالم. ومثل الأمواج المتلاحقة سيلمس اللبنانيون تباعاً نتائج هذا القرار الذي يطبّق في التعاملات بين الدول وبين الشركات وبين الأفراد، مع الخضوع لرقابة مشددة لتأكيد خلوّها ممّا وممّن له علاقة بـ «حزب الله».

عندما انسحبت إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة في 25 أيار (مايو) 2000، أهدى نصرالله التحرير إلى اللبنانيين كلهم، كما حظي التحرير بفرح العرب كلهم. كان ذلك التاريخ مفترقاً، إذ اقترح كثيرون على «حزب الله» ضم مقاتليه إلى الجيش اللبناني أو في إطار عسكري يخضع لإمرة قيادة الجيش، فلم يقبل ومضى في نشوة النصر إلى مداها الأوسع، فرشّح عناصر منه في الانتخابات ليصبحوا نواباً لهم كتلة في البرلمان، مبقياً عسكرييه في إطارهم السرّي المنفصل عن القوى الأمنية الشرعية، ليصل به الأمر إلى القتال في سورية وأبعد منها، حتى اليمن. وبذلك أرهق «حزب الله» اللبنانيين وحمّل مجتمعهم المتنوّع عبئاً تعجز عن تحمُّله مجتمعات الإمبراطوريات المتماسكة.

ما يعانيه لبنان من طغيان الميليشيا على الدولة ظاهرة عربية وإسلامية وليس حالة خاصة بالوطن الصغير، ونشهد اجتماعاً للاقتصاد المافيوي والفساد والحركات السياسية المتعسكرة كعناصر بنيوية قيد النشأة، وهي، مع الانهيارات في مجتمعاتنا، ستصبح بديلة من الدولة الحديثة، ولكن، في صيرورة تدميرية تُخرج بلادنا من العالم المتحضّر. ويلاحظ كثيرون، في مقدمهم عزيز العظمة، انتشاراً لنظرية الاستثناء الإسلامي وإخراج المسلمين من السياقات العالمية. ويجري دمغ المسلمين بعلامة ثابتة: إن مستقبلهم لا يمكن أن يكون إلا استعادة لماضيهم، وإن تاريخهم الحديث بما فيه دولهم (بمؤسساتها الدستورية وحياة المواطنة فيها) مجرد زيف وخداع للذات.

هذه الفكرة المتسرّعة التي اعتمدها باراك أوباما بمباركته أحزاب الإسلام السياسي في بلادنا، تصطدم بحقائق اليوم الدموية: صدام ميليشيات إسلامية بميليشيات إسلامية أخرى، والفارق خليفة ومرشد، أو سنّة وشيعة.

اقرأ المزيد
٣ مارس ٢٠١٦
إعلام أعمى

وكما يمارس النظام أبشع جرائم القتل والتعذيب ، بحق الشعب المسحوق المنكوب الخائف من العالم حوله .


يقع الكثير من الإعلاميين ، ضحية الترويج له ولغيره، كمن يعمل له و يساعده في عمليات التهجير، بعد إلحاق الهزيمة النفسية بالشعب المسكين المنهك من الحرب المشتعلة على كل الجبهات .
هذه الهزيمة النفسية !

التي تدفع الناس ، لترك بلادهم وأوطانهم وأملاكهم، ويهيموا على وجوههم بما خف من لباسهم في البراري وعلى الحدود، يستعطفون الدول ليحصلوا على مأوى ترتاح به نفوسهم.


لا شك أن التهجير عمل ممنهج ، يساعد على التقسيم ، فيندفع الناس تلقائيا باتجاه أكثر المناطق التي يأمن بها على نفسه وأهله.


فيصطف الجميع وفق قناعاته السابقة ، التي رسمها الإعلام بخفة واحترافية في عقله الباطن عن غول العدو، ومن الصديق الحميم الرحيم.
ليس هذا فحسب ....

بل تدفع تلك القناعات فئة ليست قليلة من الشباب ومن يستطيع حمل السلاح حتى بعض النساء ليدافع عن قناعاته بروحه و بدمه.


ولدى شعوره بالحصار ترفع جاهزيته إلى أقصى الحد ود ، وتحوله إلى مكنة قادرة على ارتكاب أكبر الجرائم واستئصال أي خصم، ليحافظ على نفسه من أن يقع ضحية أحد مشاهد التعذيب كأي مقطع فيديو منتشر على وسائل التواصل
إنه دافع حب البقاء المغروز في أغلب النفوس
والتي عرف كيف ينتهزها من له مصلحة في التقسيم ليصل إلى مبتغاه بأسرع الطرق وأقل التكاليف، ويحرس الحدود المرسومة أبناء المنطقة طوعاً أو كرهاً ،دون حاجة لأصحاب القبعات الزرق أو جيوش حفظ السلام.

فيستمر الجميع بالتقدم إلى نهاية النفق المظلم، لأن الوقوف أو العودة تعني الانتحار للجميع
فترسم الحدود في النفوس قبل الخرائط ،
وتقسم النفوس قبل المناطق .

ويدعم جميع أطراف النزاع ، بلا اسثناء ليستمر بالبقاء ، دون أن يلحق الهزيمة النهائية (الضربة القاضية) بخصمه .

ومن تطاول أو تعدى حدوده، فوسائل قمعه موجودة وعنصر المباغتة يفقده صوابه
وتضيع القضية
وتتعقد أكثر خيوط الجريمة .

فالكل عند خصمه جاني وعند أهله مجني عليه ، والكل عند خصمه مغتصب وعند أهله ضحية.
ويغيب المجرم الأول ،ويطمس الإعلام حكايته بحكاية الآلاف ممن أتى بعده ،
بمعية الإعلام ومن يملكه ومن يقف خلفه.

اقرأ المزيد
٣ مارس ٢٠١٦
آلْآن حزب إيران إرهابي بعد مليون قتيل سوري

صُدم السوريون يوم أمس بسماعهم لخبر هام مفاجئ له دلالات خطيرة عظيمة فقد  "قررت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية اعتبار ميليشيات جماعة "حزب الله" اللبنانية منظمة إرهابية، حسبما أعلنت الأمانة العامة للمجلس في بيان على موقعها الرسمي"

هذا الإعلان كان مفاجئا حقا للجميع وأظن حتى من كان يظن نفسه متابعا محترفا ولا تفوته فائتة ذُهل وقال غير معقول ..لابد أن هناك خطأ ما...هل يُعقل أن يكون الخليجيون لم يدرجوا الحزب في قوائمهم للإرهاب إلى الآن وقد أدرجوا غيره كثيرين وبعض الذين أدرجوهم أصلا لا يميز بين المدفع وبوري الصوبية.

وأسرع المتابعون المحترفون إلى الأرشيف ليتأكدوا فوجدوا فعلا أن مجلس التعاون الخليجي لم يعلن قبل اليوم حزب الله اللبناني حزبا إرهابيا وكان أقصى ما صدر هو بيان صدر بعد سنتين وثلاثة أشهر من بداية الثورة السورية في 10 حزيران 2013 ونص البيان باتخاذ إجراءات ضد منتسبي حزب الله العاملين في دول مجلس التعاون الخليجي تتعلق " بإقاماتهم أو معاملاتهم المالية والتجارية ولم ينص البيان صراحةً على طردهم أو منع دخولهم إلى دول مجلس التعاون الخليجي....

فعلا الآن فقط وبعد خمس سنوات من تدخل حزب الله في سورية صدر إعلان مجلس التعاون الخليجي ليعلن إرهابية حزب الله وجاء في البيان:" ممارسات ميليشيات حزب الله في دول المجلس، والأعمال الاٍرهابية والتحريضية التي تقوم بها في كل من سوريا واليمن والعراق تتنافى مع القيم والمبادئ الأخلاقية والانسانية والقوانين الدولية، وتشكل تهديداً للأمن القومي العربي"

وصاح ذوو الشهداء السوريين : آلْآن وقد شارك هذا الحزب في قتل وتشريد أكثر من ثلاثة ملايين سوري ....آلْآن وقد قتل وشرد السوريين في حمص والقصير وفي القلمون والزبداني وفي حلب وريقها وفي جبال الساحل وفي كل بلدات ريف دمشق ,آلآن وقد ثبت تدخل الحزب وإرهابه منذ الشهر الأول في درعا يوم لم يكن هناك من يحمل عصا من المتظاهرين.

وتابع السوريون المكلومون تصريح الأمين العام لمجلس التعاون عبداللطيف بن راشد الزياني الذي قال :"إن دول المجلس اتخذت هذا القرار جراء استمرار الأعمال العدائية التي يقوم بها عناصر تلك الميلشيات لتجنيد شباب دول المجلس للقيام بالأعمال الإرهابية، وتهريب الأسلحة والمتفجرات، وإثارة الفتن، والتحريض على الفوضى والعنف في انتهاك صارخ لسيادتها وأمنها واستقرارها."

ويتساءل السوريون متعجبين :لماذا انتظرتم حتى وصل الخطر الأكيد إلى داخل بلادكم ولماذا حرمة دم مئات آلاف السوريين لم تُخرج منكم بيانا مثل هذا من قبل... السوريون يتساءلون: أين كنتم يا خليجيين لمّا هدد قياديون في ميليشيا هذا الحزب ومنذ سنوات مرارا بالوصول إلى الكعبة المشرفة وتحريرها من آل سعود... ألم تسمعوا بعد احتلالهم للقصير كيف تعهدوا بالوصول إلى قبور الصحابة في البقيع لتدنيسها ألم تسمعوا صرخاتهم الطائفية ضدكم, ألم تسمعوا هتافاتهم وهم يتوعدون باجتياح بلادكم بلدا تلو آخر ألم تعلموا أن هناك في إيران من يدير عملية شحن وتحريض بشكل ممنهج وباستمرار باستخدام أساطير تاريخية مؤسسة أصلا للسياسة الإيرانية المعاصرة... والتحريض  يشير إليكم وإلى أجدادكم وعشائركم بكل وضوح وبأسمائكم...

ألم يأن للخليجيين أن يدركوا أن تصريحات الميليشيات الطائفية ليست بعبث أو فلتات لسان, إنما هي قول وفعل ...فعل قد يكون مؤجلا ولكنه في النيّة والبال مهما طال زمن الانتظار.

والبيان صدر في الموقع الرسمي للأمانة العامة لدول مجلس التعاون وكان الأولى والأجدى أن يكون بيانا من قادة مجلس التعاون في مؤتمر لهم عاجل عبر مؤتمر صحفي حافل حتى يكون للبيان أثره وقوته.

والبيان يذكر أن قوانين مكافحة الإرهاب ستطبق على هذا الحزب وكان الأولى والأجدى بل الحل الوحيد أن يفوض القادة الخليجيون الثوار السوريين وأن يقدموا لهم كل أشكال الدعم و بلا حدود ولكل فصائلهم ليعاقبوا هذا الحزب و يقصقصوا أجنحته لينكفئ إلى قفصه ولا يطير إلى أي اتجاه والثوار السوريون عازمون معاهدون فعلا على ذلك لأن هذا الحزب تطاول على الشعب السوري المنتفض العظيم وعلى أرض الشام المباركة.

 

اقرأ المزيد
٢ مارس ٢٠١٦
«تقسيم سورية» كبديل من فشل الهدنة والمفاوضات

لم يعد السؤال «ماذا يريد السوريون» مطروحاً، ولا معبراً عن شعب موجود مصمّم على العيش في سورية واحدة. بل أصبح السؤال: «ماذا يريد الأميركيون والروس والإيرانيون» لسورية وشعبها؟ نعم، هناك نظام ممتلئ الآن بمشاعر انتصار قيد الإنجاز لكن مصيره ليس محسوماً بعد على النحو الذي يتمنّاه، وهناك شعب يناوئ هذا النظام وأصبح معظم أفراده خارج الحدود فيما يعيش الآخرون في ظروف طاردة. ونعم، هناك دول عربية واقليمية تدخّلت متأخرةً ومُكرَهة بالصراع وكانت تفضّل ألّا يحصل، وهي تبدو الآن كما لو أنها خارج الصورة أو مستبعدة لأنها ترفض بالأساس ما يدور في اتصالات اللاعبين الدوليين والاقليميين عن تحويل الأمر الواقع الحالي الى واقع تقسيمي. فهكذا انزلقت أحاديث الكواليس من الانشغال بـ «وقف إطلاق النار» الى ما بعده، سواء نجح تثبيته أو فشل.

لا شك في أن خرائط القتال المتغيّرة على مدى خمسة أعوام، كذلك خرائط المجازر واقتلاع السكان، فعلت فعلها في رسم الحدود بين المناطق وفقاً لهوياتها الطائفية. ولا شك في أن المعارضة لا تزال معنيّة بشمولية قضية سورية شعباً وأرضاً ودولةً، وبإعادة طرح أسئلة الأزمة وتحليلها منذ بدايتها، لكنها باتت وحيدة. فالنظام (شريكها/ عدوّها في التفاوض) لم يتعامل بمسؤولية مع سورية وإلا لما استدرج المواجهة مع الشعب الى العسكرة والاحتكام للسلاح ولما تآمر على البلد وتاريخه وهويته للحفاظ على نفسه، ولن يفلح في ذلك أياً تكن صيغ التقسيم. أما القوى الخارجية فتريد تجاوز كل الوقائع لتتعاطى فقط مع نتائج الاقتتال بغية إنهاء الصراع، ولا ترى فائدة من أي جدل حول مخرجات نظام مستبد بانت حقيقته، ولا تزمع معاقبته في أي حال، رغم إمعانه في الإجرام.

عشية الهدنة الموقتة في سورية، أدارت واشنطن حملة تشكيك مركّزة على نيات روسيا، ليس فقط لانتزاع التزامها «وقف العمليات العدائية» بل أيضاً للتأكد من ضمانها التزام ايران ونظام بشار الأسد. ردّت موسكو بإرسال وزير دفاعها الى طهران وبجولة هاتفية لفلاديمير بوتين. كان الروس والإيرانيون والأسديون صعّدوا العمليات العسكرية فأجهضوا أوائل شباط (فبراير) محاولة لإطلاق المفاوضات السياسية في جنيف، وكانت الحجة أن لا اتفاق بين الأطراف على وقفٍ لإطلاق النار، بل توافق «ضمني» على أن تمضي المفاوضات والمعارك في آن، وهو ما رفضته المعارضة التي حدّدت شروطاً للبدء بالتفاوض - وقف القصف العشوائي (الروسي)، إنهاء الحصارات وإيصال المساعدات الإنسانية، وإطلاق المعتقلين. لم يكن هذا التصعيد على الأرض مبرمجاً فحسب، بل أوحت ردود الفعل الأميركية بأنه حصل خلافاً لـ «التفاهمات» مع روسيا ويكاد يُخرج الوضع عن السيطرة. فإدارة باراك اوباما لا تمانع الضغط على المعارضة كي تقبل بـ «الحل السياسي» المرسوم، إلا أنها تعارض شطبها عسكرياً، ليس فقط لأنه يحبط أي حل بل خصوصاً لأنه سيمدّ «داعش» بآلاف المقاتلين وسيكون بالتأكيد الخطوة التمهيدية لإرهاب «ما بعد داعش».

أدركت موسكو أنها ارتكبت خطأً تكتيكياً لكنها لم تعترف به، بل جاء سيرغي لافروف الى ميونيخ للبحث مع جون كيري في وقف إطلاق النار، وخرج الاثنان لإعلان اتفاق، لكن أيضاً لإبداء تشكيك كل منهما في الآخر، مع فارق أن الروسي أكثر تحكّماً بخططه، ولا يهمّه أن يُتّهم بالخروج عن «التفاهمات» أو عن نص القرار 2254. وقد استهلك الإعداد للهدنة ثلاثة أسابيع، بما فيها من ضحايا ومصابين ومهجّرين ودمار واستهداف منهجي للمستشفيات والمدارس. في الأثناء، استطاع الروس وحلفاؤهم فرض مزيد من التغيير في خريطة السيطرة والانتشار لمصلحة النظام. ولو لم يبلغ التوتر على حدود تركيا نقطة اشتعال مواجهة اقليمية لما اضطر الأميركيون للتفكير في مبادرات (وهذا نادر في نهج اوباما)، منها الضغط على موسكو كي توضح استراتيجيتها:

فإذا كان هدف روسيا تمكين الأسد من السيطرة الكاملة، فإنها تعي جيداً أن نظامه لم يعد قادراً على إدارة المناطق المستعادة بسبب ما هو عليه من ضعف ووهن، لذلك فإنه سيعتمد على الإيرانيين وميليشياتهم، وهذا سيكلّف روسيا صراعاً أطول وسيفتح الباب لتعقيدات جديدة لأن القوى الداعمة للمعارضة ستقدم على رفع مستوى تسليحها بضوء أخضر اميركي أو من دونه.

أما إذا كانت روسيا تجد مصلحة في ترجيح «تسوية سياسية» فعليها أن تغيّر مقاربتها كليّاً، أولاً بإعادة الأزمة السورية الى اطار فيينا والقرار 2254 المتفق عليهما، وثانياً بالتخلّي عن مناورتها بالملف السوري لانتزاع مكاسب في الملف الاوكراني، وثالثاً بوضع حدٍّ لاستفزازها المفتعل ضد تركيا وإلا فإنها ستشوّش على خطط محاربة إرهاب «داعش» وتفسدها.

لكن إدارة اوباما اعتادت على أن لا تتوقع من بوتين سوى عكس ما يعلن وعكس ما يُتفق عليه، فيما اعتادت موسكو على تنازلات اميركية متدرّجة، من قبول التدخّل الايراني الى التكيّف مع التدخل الروسي، ومن القبول ببقاء الأسد الى الرضوخ لحل قوامه حكومة تحت سلطته، ومن استبعاد عملية انتقال سياسي الى غضّ النظر عن تصفية المعارضة... ولم ينتهِ المسلسل بعد، فكلما ضغط الروس وجدوا اوباما ملبّياً. ويبدو أن جون كيري، بصفته المحاور الوحيد للروس، هو الوحيد العارف ما يريده رئيسه، أي لا تدخّل ولا تورّط ولا حسابات خاصة لمصالح الحلفاء والأصدقاء.

ما فات اوباما أن النتائج الكارثية لتدخّل سلفه جورح بوش الابن في العراق تكرّرت على نحو أفظع في سورية في عهده رغم/ أو بسبب عدم تدخّله. لا بد أن كيري يدرك هذه الحقيقة فيما يتولّى عملية الإخراج الجيد لسياسة يعلم أنها سيئة، ثم أن الروس لا يسهّلون له مهمته، لذلك استبق «وقف العمليات العدائية» بجملة مواقف راهن فيها على «الالتزام الروسي» بإنجاح الهدنة كي يمكن تفعيل الجهود الديبلوماسية، وإلّا فإن الفشل سيعني أن سورية «قد تدمّر بالكامل» و «أننا قد نتخذ مواقف أكثر حدّة بما فيها تقسيم سورية» و «وربما يفوت الأوان على إبقاء سورية موحّدة اذا انتظرنا فترة أطول»!... ثم كشف أن رهانه الآخر على الإيرانيين وما إذا كانوا سيعملون «بنية حسنة» لتحقيق «الانتقال السياسي»، فضلاً عن رهانه على الأسد و «اتخاذه بعض القرارات الحقيقية في شأن تشكيل عملية حكم انتقالي حقيقية».

كان كيري وهو يعرض رهاناته الثلاثة هذه كمن يتحدث عن ثغرات خطيرة يعرف مسبقاً أنها ستفسد الهدنة. أما إشارته الى الخطة «ب» فالهدف منها تخدير الحلفاء أو تضليلهم، لأن رئيسه يرفض أي تحدٍّ لروسيا وايران. لكن ما يستوقف هو قفزه المفاجئ الى «التقسيم»، وإذ صاغه بلهجة التحذير للروس والايرانيين والأسد فقد بدا كمن يدعوهم لمباشرة المساومة التي ينتظرونها، طالما أنهم لا يريدون هدنةً ولا انتقالاً سياسياً ولا إنهاءً للصراع، بل بدا كأنه يشير الى ما يُتدَاول فعلاً في الكواليس. بالتزامن، يظهر فجأة مدير سابق لـ «سي آي إي»، مايكل هايدن» ليتحدّث عن «تغييرات اقليمية كبيرة» و «انهيار حدود سايكس - بيكو». وإذا بلافروف يحذّر من أن الارهاب يهدّد بـ «تفكيك الشرق الأوسط». وها هو أحمد داود اوغلو يصرّح بأن تركيا «لن تسمح بتقسيم المنطقة مجدّداً على نهج سايكس - بيكو» وستتصدّى لمحاولات «تقسيم تركيا الى أجزاء صغيرة»...

شهران أو ثلاثة هي المهلة التي حدّدها كيري للاختبارين: جدّية الهدنة، وجدّية مفاوضات الانتقال السياسي. لا أحد يعتقد أن الهدنة ستصمد أو أن المفاوضات ستحقق اختراقاً جوهرياً، إذ يصعب على دعاة «حل عسكري» يرونه ممكناً أن يقدموا التنازلات الضرورية لـ «حل سياسي» يرون الالتفاف عليه ممكناً. أما إذا شاءت واشنطن الانتقال الى الخطوة التالية فقد تُفاجأ عندئذ بأن محبذي التقسيم سيكونون أشدّ الرافضين لضرب «داعش» وبالأخص لأي صيغة لإعادة اللاجئين من دول الجوار أو من ملاذات أخرى.

اقرأ المزيد
٢ مارس ٢٠١٦
شركة اسمها حزب الله
حتى نفهم لماذا توسع «حزب الله» خارج حدوده في لبنان ووصل إلى سوريا واليمن، بل حتى نفهمه بشكل أفضل، علينا أن ننظر إليه كـ«شركة حزب الله المحدودة»، التي تقدم خدماتها لمالكها، النظام في إيران، والسياسيون دأبوا على وصف الحزب بـ«البروكسي الإيراني».
 
والثمن ليس رخيصًا، فالتقارير الدولية التي ترصد أموال إيران، من خلال التحويل، والإنفاق على ميليشيات الحزب ومؤسساته الاجتماعية، تقدر أنه يتلقى من طهران سنويًا تسعمائة مليون دولار. لا أدري لماذا هي تسعمائة مليون وليست ألفًا، قد تكون المائة مليون دولار المتبقية تدفعها إيران لقوى أخرى في لبنان تعمل أيضًا لصالحها.
 
مقابل هذا الثمن الكبير يؤدي «حزب الله» وظائف متعددة لإيران. يخدمها كقوة مقاتلة، تعفيها من التورط مباشرة في الحروب، لهذا كانت إسرائيل تهاجم لبنان، ولا تهاجم سوريا أو إيران، رغم أنها تعلم علم اليقين أن الحزب مجرد أداة، وأن الشعب اللبناني لا حول له ولا قوة. وحرص إيران على مواجهة إسرائيل أمر لا علاقة له باحتلالها فلسطين، بل ضمن لعبة المواجهات الإقليمية. لإيران مطالب تريد فرضها على الغرب وإسرائيل، كالسماح لها بمشروعها النووي، ومد نفوذها على دول الخليج العربية، والعراق أيضًا. وهذا ما جناه الإيرانيون أخيرًا، جزئيًا بفضل ذراعهم «حزب الله»، وبفضل قوى أخرى اشتغلت مع إيران ولا تزال، مثل «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وهو ليس موضوع النقاش اليوم.
 
وكانت «شركة حزب الله» قد افتتحت نشاطاتها في أوائل الثمانينات لصالح طهران، بخطف غربيين، من صحافيين ودبلوماسيين وأساتذة، وخطف طائرات، وتآمرت لتنفيذ اغتيالات وتفجيرات في الكويت والسعودية والبحرين.
 
وقد وسع الإيرانيون خدمات شركة «حزب الله»، فكلفوها بجمع الأموال وغسلها، من وراء تهريب المخدرات وبيعها؛ الهيروين من أفغانستان الذي ينقل عبر إيران، والكوكايين من أميركا الجنوبية، بل وحتى تهريب السجائر في الولايات المتحدة دون دفع ضرائب. وهناك كم من المعلومات عنها على مواقع وزارة الخزانة وهيئة مكافحة المخدرات الأميركيتين. وقد تجرأ «حزب الله» حديثًا على استخدام بعض البنوك اللبنانية التي وقعت تحت طائلة العقوبات الأميركية، وتسبب في وضع كل الجهاز المصرفي اللبناني اليوم تحت رقابة دولية مشددة. وهذه الأعمال الدولية يقوم النظام الإيراني بالتخطيط لها ويستخدم في تنفيذها «شركاته» مثل الحزب.

ومن المؤكد أنه عندما يأتي اليوم الذي يقرر فيه نظام الملالي في طهران وقف التمويل سيتقلص الحزب عددًا ونشاطًا كأي شركة تجارية أخرى، بخلاف ما يتم تصويره كحزب ديني مقدس. ولا ننسى أن «حزب الله»، الذي كان البعض يظن أنه من الإتقان والالتزام الآيديولوجي العميق بدرجة لا تتسرب إليه المياه، مُني بفضائح مالية خلال السنوات القليلة الماضية. اتضح أن قيادات بارزة فيه نهبت من أمواله لأغراضها الشخصية في وقت كان أبناء الطائفة يموتون دونهم باسم العقيدة. كما اعترف الحزب عن كشفه عدة مرات اختراقات خطيرة لجهاز الموساد الإسرائيلي الذي نجح في تجنيد عدد من قيادييه وأفراده.
فهل يمكن لشركة «حزب الله» هذه أن تفلس، وتغلق أبوابها، ككل الشركات عندما تبور بضاعتها؟
 
نتيجة لتوقيع إيران اتفاق البرنامج النووي مع الغرب، هناك احتمال في المستقبل القريب أن تنتهي وظيفة «حزب الله» الرئيسية، وهي مواجهة إسرائيل. ولا بد أن «حزب الله» يدرك هذه الاحتمالية، إن لم يكن قد بُلغ بها بعد. ولهذا نراه الآن يحاول أن يعيد اختراع نفسه كشركة بخدمات أخرى جديدة، يوسع دائرة أفراده كمرتزقة، حيث يقاتلون خارج لبنان خدمة لمصالح إيران في سوريا والعراق واليمن. هنا نفهم أهمية اليمن للحزب اللبناني، فميليشياته وصلت منذ سنوات قليلة إلى شمال اليمن، تقوم ببناء وتدريب ميليشيا الحوثيين التي أطلقت عليها إيران اسمًا مشابهًا، «أنصار الله». وفي الآونة الأخيرة، وبعد أن مني الحوثيون مع حليفتهم قوات الرئيس المعزول علي صالح، بهزائم جسيمة، وفقدوا السيطرة على معظم محافظات اليمن، كثف «حزب الله» من وجوده يحاول أن يفتح جبهة ضد السعودية على حدودها الجنوبية في محافظة صعدة، معقل الحوثيين. وهناك أنباء تؤكد وجود مقاتلي الحزب في مناطق نزاعات بعيدة أخرى، يقاتلون هناك كمرتزقة.
 
ويبدو أن الشركة الحزب تستحدث خدمات جديدة بديلة عن مواجهة إسرائيل مع تبدل حاجات إيران، بقتال السوريين، وربما الأتراك لاحقًا. وتقوم بتدريب ميليشيات شيعية متعددة الجنسيات لتكوين جيش من المرتزقة يتبع فيلق القدس، في الحرس الثوري الإيراني. «حزب الله» قام بتدريب «حزب الله العراق» و«عصائب الحق» وغيرها من الميليشيات الشيعية المتطرفة، التي تحارب بالنيابة عن طهران في سوريا والعراق اليوم، وتوسيع دائرة القتال في اليمن، وغيرها.
اقرأ المزيد
١ مارس ٢٠١٦
المجتمع الدولي والإباحية السياسية في دول الربيع العربي

لم أعثر على تعبير يفي ما يمارسه ما يُسمى بـ"المجتمع الدولي" إلا هذا التعبير، فلذلك المعذرة من القراء الكرام، فأنّى تلفتّ منذ اندلاع ثورة الشام المباركة وحتى الآن تجد رقصة الستربتيز تتواصل حتى لم يبق شيء على جسد هذا المجتمع الدولي المتعرّي تمامًا أمام الشعوب، حينها بدأ بممارسة الإباحية السياسية وعلى المكشوف ودون خجل أو مواربة. لا أدري من أين أبدأ بممارساتهم الإباحية، فهي متعددة على امتداد دول الربيع العربي، لكن الخيط والحبل السُري الذي يجمعها كلها هو الوقوف كالجدار الفولاذي بوجه الربيع العربي وأشواق الشعوب إلى الحرية والتخلص من الران الاستبدادي الذي حكمها لعقود.
لنبدأ من آخر تقليعات منظمة الصحة العالمية التي عجزت عبقريتها الصحية المتراكمة لعقود أن تجد من يُقيّم التأثيرات النفسية على اللاجئين السوريين إلاّ زوجة الشبيح نائب وزير خارجية العصابة الطائفية الحاكمة في دمشق فيصل مقداد، وكأن منظمة الصحة العالمية تعيش على كوكب آخر لا علاقة له بإبادة الشام التي تضم أعرق مدن التاريخ، وكأن المنظمة لا تعرف أن زوج موظفتها المصون ليس شريكًا في هذه الإبادة الجماعية، فقد كنّا نسمع عن الخصم والحكم، فبتنا نسمع عن القاتل ومُقيّمك فيما إذا تضررت نفسيًا من جرائمه أم لا؟
ومن قبل مارست، ما تُسمى زورًا وبهتانًا بـ"الأمم المتحدة"، الإباحية السياسية في سنوات الثورة الشامية فأشرفت على اقتلاع شعب بأكمله من مدن عريقة كحمص والزبداني، وعجزت عن إدخال حبة دواء أو علبة حليب بدون استئذان من طاغية الشام، وصمتت صمت القبور عن مشاركة كل الميليشيات الطائفية من باكستان وأفغانستان إلى لبنان والعراق وإيران، وأشغلت نفسها بداعش، بينما تلك العصابات تقتل المدنيين وتفتك بالبلد على مدى سنوات دون أن يرفّ جفن للمنظمة العتيدة.
وعلى امتداد سنوات الجمر السوري كانت المنظمة تُغيّر مبعوثيها إلى طاغية الشام كما نقوم نحن بتغيير ثيابنا، لرفضه التعامل مع هذا المبعوث أو ذاك حتى وقع الاختيار على دي ميستورا، فكان خير مستشار وناصح لطاغية الشام ولا يزال، ولم تحرك المنظمة ساكنًا وهي ترى عشرات الآلاف من صور التعذيب النازي الطائفي، تمامًا كما لم تحرك ساكنًا وهي ترى استخدام كل ما صنفته بأسلحة محرمة دوليًا في أجساد السوريين، والأنكى من ذلك كله تزويرها تقارير عن واقع المأساة السورية بطلب من عملاء العصابة الطائفية، وإرسالها مواد غذائية للمناطق المحاصرة حين سمحت العصابة الطائفية، ولكن كانت مواد فاسدة حيث فضحهم الناشطون في تلك المدن المحاصرة.
نذهب إلى مصر فنرى التآمر الكوني على ثورة شعب عريق ليفرضوا قزما عسكريا على شعب حضاري، ومع كل ساعة وليس يوما نسمع عن أعاجيب السيسي وعصابته، ونسمع عن سخرياته التي فاقت البلهاء والأغبياء و..و.. فساعة يطالب بتبرع بجنيه مصري، وساعة يتمنى أن يُباع ويفتتح بذلك سوق نخاسة، وأخرى يريد التعاون مع دول الرز، وحين ثبت متلبسا بكذبه ومراوغته، رأيته يتجه إلى طهران وحزب الله، فلا دين يحكمهم ولا عقل ولا منطق، وهذا ينطبق على حزب الله كما ينطبق على السيسي، فبالأمس كانت مصر رمز الخيانة وكامب ديفيد، واليوم أصبحت وجهة من أجل مكافحة الإرهاب السني المتمرد على كذبهم وأساطيرهم.
بالطريق نُعرج على اليمن فنجد الكذب العالمي بتعاونه ودعمه عصابة حوثية عفاشية انقلبت على خيار الشعب، ولا يخجل المبعوث الأممي من أن يواصل مهمته بعد أن أوصل الحوثيين إلى صنعاء، والأنكى من ذلك، يخرقون قرارات أممية ويضربون بها عرض الحائط ولا مساءلة، ولو فعلها غيرهم لقامت حرب عالمية ثالثة ورابعة وخامسة.
في ليبيا وما أدراك ما ليبيا، صورة الإباحية السياسية مقززة، فبعد أن دفعت دول مجرمة الانقلابي حفتر لينقلب على ثورة الشعب الليبي وينقلب معها على خياره الانتخابي على الرغم من أنه لم يفز فيها الإسلاميون، وصمتوا وصبروا وقبلوا بنتائج الانتخابات، ولما فشل في فرض إرادته وإرادة أسياده على الشعب الليبي المظلوم، انبرت فرنسا وأوربا من أجل إنقاذه، والذريعة جاهزة: مكافحة داعش، التي أتتهم من السماء على طبق من ذهب.
في العراق المجتمع الدولي متآمر حتى النخاع الشوكي ضد شعب العراق، وبعد أن أسقط صدام حسين سلّم البلد بكل أريحية وفرح وسرور للعصابات الطائفية والصفويين، ولم يكتف بذلك، بل وواصل تثبيتهم في العراق، فأمريكا تقصف من الجو، وسليماني يتقدم من البر، ومن يرفع عقيرته يُتهم بأنه داعشي أو زرقاوي أو صدامي أو تكفيري، والسليم من انضم لحلفهم الطائفي وشاركهم إباحيتهم السياسية.
لكن مع كل هذا الليل المظلم ثمة أضواء باهرة، فإصرار الشعوب على انتزاع حقوقها مهما كلف الثمن وتآمر الشرق والغرب يعكس حجم المؤامرة، تمامًا كما يعكس عظم الشعوب المنتفضة، وتأتي أضواء التحرك السعودي والخليجي والتركي في مواجهة هذا الصلف والإباحية الدولية، ليزيد من جرعة الأمل.

اقرأ المزيد
٢٨ فبراير ٢٠١٦
تسوية بوتين «الصعبة» تحاصر الأسد وخصومه

الهدنة التي توافقت عليها واشنطن وموسكو آخر علاج للأزمة السورية. فإما أن تجدد المواجهات وإما أن تدفع نحو تسوية سياسية شاقة وطويلة. وهي امتحان للرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين وقدرتهما على فرض وقف النار، وإطلاق المفاوضات المقررة في السابع من الشهر المقبل. للمرة الأولى ستكون القوى الكبرى، أو القوتان الرئيسيتان أمام تحد لفرض إرادتهما على جميع اللاعبين الآخرين، كما كان يحدث أيام الحرب الباردة. فهما اتفقتا وحدهما وقررتا وقف النار وهندستاه وحيدتين. ولن يكون مصير هذا الاتفاق مسؤولية روسيا والنظام السوري وحلفائه فقط. إنه مسؤولية الإدارة الأميركية أيضاً. سيكون عليها أن تثبت ولو لمرة وحيدة في هذه الأزمة أنها تلتزم كلمتها. عليها أن تنتقل إلى الخطة باء إذا انهارت الهدنة. هذا ما لوح به وزير الخارجية فيها جون كيري وأثار حفيظة نظيره سيرغي لافروف الذي لا يستسيغ التهديدات وإن أتت من الدولة العظمى!

لم تكن واشنطن وموسكو في حاجة إلى تدخل أحد في هذا الاتفاق، وحتى الدول الكبرى الأخرى في مجلس الأمن فكيف بالقوى الأخرى إقليمية أو محلية! عليهم جميعاً أن يمهروا تواقيعهم. «الائتلاف الوطني» المعارض نابت عنه الهيئة العليا للمفاوضات. هي العنوان الرئيس، في هذه المرحلة، لغالبية القوى السياسية ومجموعة كبيرة من الفصائل المقاتلة. وبات واضحاً أن دور «الائتلاف» يتلاشى تدريجاً، لئلا يقال أن مهمته انتهت فعلاً بفعل حجم التطورات التي شهدتها وتشهدها الأزمة السورية بعد التدخل الروسي الكبير وما خلف من تداعيات عسكرية وسياسية. حتى اجتماعه الذي كان مقرراً في إسطنبول لانتخاب رئيس وهيئات جديدة أرجئ إلى أجل مفتوح بلا موعد جديد! وليس النظام أفضل حالاً. فالرئيس بشار الأسد الذي كان يهدد بأن لا تسوية قبل استعادة السيطرة على أراضي البلاد كاملة، اتصل بالكرملين مبدياً التزامه الهدنة. وكان سمع ردوداً قاسية من موسكو على مواقفه. ولن يكون أمامه قريباً، إذا انطلق قطار المفاوضات في جنيف، سوى إلغاء الانتخابات النيابية التي دعا إليها في 13 نيسان (أبريل) المقبل... وإن كانت «حقاً دستورياً» كما عبرت المستشارة الرئاسية بثينة شعبان! الانتخابات بند في خريطة طريق نص عليها القرار 2254 وكانت موسكو سوقتها في لقاءي فيينا. وقد لا يبدي الأسد ارتياحاً كبيراً لإمساك القوات الروسية بغرفة العمليات وإمرة القيادة والتعامل المباشر مع القادة الكبار وإعادتها الاعتبار إلى بعض الجنرالات الذين قد يساهمون يوماً بالتسوية على طريقتهم!

التحكم بمسار الأزمة ومآلاتها لم يعد ملك اللاعبين المحليين. حتى اللاعبون الإقليميون الكبار يشعرون بضيق الخيارات أمام ضغوط واشنطن وموسكو. وعندما تتدخل الآلة العسكرية الروسية لإنقاذ النظام بعد عجزه وحلفائه، تكون الإمرة والقرار لصاحب الآلة. وبالتأكيد يشعر الرئيس بوتين بالنشوة عندما يتحدث إليه نظيره الأميركي للتوافق على الهدنة. يرمي إلى أبعد من ذلك. هدفه أن تنخرط القوتان الكبيرتان مجدداً لتسوية أزمات كثيرة. قد لا يكون في حاجة إلى اعتراف بشرعية ضمه شبه جزيرة القرم، بقدر حاجته إلى رفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا. هذا الحصار لا يؤلمه اقتصادياً فحسب، إنه يجرح كبرياء بلاده. فهي ليست بلداً صغيراً من بلدان العالم الثالث لترضخ للعقاب. رأى إلى العقوبات نوعاً من الحرب، ولم يكن أمامه سوى رفع التحدي. استعجل ملء الفراغ الذي خلفه انكفاء أميركا عن المنطقة عموماً ومحاذرتها التدخل في سورية. وهو يدرك أن المتضررين من تمدد إيران في الإقليم لا يضيرهم في نهاية المطاف أن تحل موسكو محل طهران. فهذه يصعب التفاوض والمساومة معها، بخلاف تلك التي تملك ما يمكن أن تقايض به هنا وهناك. أفاد من تخلي الأميركيين عن ربط قضايا المنطقة وعلى رأسها تدخلات الجمهورية الإسلامية في المفاوضات النووية. كان على واشنطن أن تضغط لوضع التدخلات بنداً على طاولة التفاوض لإبرام تسوية للبرنامج النووي. لكنها لن تفعل. لذلك، خسرت مرتين. مرة أمام إيران التي تواصل حروبها في الإقليم، ومرة أمام روسيا التي عادت لاعباً رئيسياً في المنطقة. وكل ذلك على حساب المصالح الأميركية.

لا يرغب الرئيس بوتين في حرب طويلة في سورية. همه إعادة بناء المؤسسة العسكرية. ويعرف أن ما حقق لها حتى الآن من إنجازات على الأرض بالكاد يمكنها الحفاظ عليه. لذلك، وضع ثقله وراء الهدنة. حتى استفزازه تركيا وضع له سقفاً. لم يرد إحراجها وإحراج شركائها العرب لإخراجهم. لم يبالغ في إغضابهم. جمد تسليم إيران صواريخ «إس 300». وقف في منتصف الطريق، بخلاف رغبة دمشق وطهران. لم يواصل حملته لإقفال الحدود مع تركيا. ولم يكمل الحصار على حلب. ولم يغب عن ذهنه ربما احتمال لجوء واشنطن إلى «الخطة باء». مثلما لا يغيب عن باله وجوب إدارة الأزمة بالتوافق مع الغرب فلا يضطر إلى التعامل مع إدارة جديدة مطلع السنة المقبلة قد لا تتيح له ما كان في عهد الرئيس أوباما. لذلك، لم يرق لوزير خارجيته أن يلوّح نظيره الأميركي بخطة بديلة عن الهدنة. ولا تحتاج موسكو إلى التحري عن هذه الخطة. لا حرب بين الكبار بالتأكيد. لكن الولايات المتحدة يمكنها رفع الحظر عن بعض الأسلحة الفعالة لفصائل في المعارضة السورية يمكنها أن تعيد نوعاً من التوازن على الأرض. وأن تغض الطرف عن مد قوى إقليمية أخرى هذه الفصائل بأسلحة لمواجهة الآلة الجوية. مثلما يمكن واشنطن أو حلف «الناتو» توفير غطاء لعمليات برية تشنها قوات خاصة تركية وسعودية شرق سورية وشمالها تحت راية التحالف لمحاربة الإرهابيين. في مثل هذه الحال، وتحت هاتين «الرايتين»، الأطلسية والتحالف، لا يمكن روسيا أن تبادر إلى المواجهة. فلا شيء يوحي بأن أميركا تراجعت عن رفضها إقامة منطقة آمنة أو منطقة حظر للطيران.

الهدنة الموقتة تضع صدقية الرئيسين الأميركي والروسي على المحك. أوباما لا يرى نهاية لدولة «داعش» إلا بالقضاء على الفوضى في سورية. وبوتين يعرف أن التسوية السلمية لهذه الفوضى ستكون صعبة، ولكن لا حل سواها. والمهم في الأيام المقبلة أن تصمد الهدنة وتصبح وقفاً دائماً للنار لإطلاق عملية تفاوض جدية وشاقة. سيكون على جميع المعنيين تقديم تنازلات مؤلمة. وهذه مهمة الرئيسين لإظهار مدى قدرتهما على فرض الحل. والمسؤولية الكبرى تقع على عاتق موسكو التي باتت اللاعب الأكبر على الأرض. سيحتم عليها ضربها بعض فصائل المعارضة، والتزام بعضها الآخر شروط التسوية مهمة حل الميليشيات الداخلية وترحيل الخارجية التي تؤازر النظام، إذ لا معنى في أن تنصرف إلى إعادة تأهيل المؤسسات العسكرية والأمنية، وترميم علاقاتها بدول عربية فاعلة، فيما تشكل الميليشيات جيشاً رديفاً يبقي بلاد الشام في فلك الجمهورية الإسلامية. ولا يمكنها أيضاً، كما الولايات المتحدة وأوروبا، أن تتنصل من المسؤولية الأخلاقية عما يدور من مآس ومجازر وتهجير وتدمير في سورية.

تسوية بوتين «الصعبة» تحاصر المعارضة وتهددها بمزيد من الغارات، مثلما تحاصر الأسد وحلفاءه. فالميليشيات التي تؤازر النظام ستغادر الميدان السوري إذا انطلق قطار التسوية. وإذا كانت عودة بعضها العراقي والأفغاني لا تشكل هماً لإيران، فإن عودة «حزب الله» إلى أرضه بعد إخلاء الساحة السورية لروسيا قد تفاقم الوضع الداخلي في لبنان. ستحرص طهران على تعويض ما قد تخسره في دمشق. ستزداد وطأة يدها على بيروت التي تعاني اليوم من أزمتين مصيريتين. قد يكون من باب المصادفة أن تهب في وجه حلفاء إيران في بيروت أكثر من عاصفة. فليس قليلاً أن يعيش لبنان على وقع أزمة غير مسبوقة في علاقاته مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج عموماً، بسبب سياسة خرقاء لحكومة يقبض «حزب الله» على عنقها. أزمة تهدد آلاف العائلات بلقمة العيش وتفاقم الأزمة الاقتصادية. مثلما تهدد الإجراءات الأميركية لمحاصرة الحزب مالياً بضرب القطاع المصرفي. الصدمتان الأخيرتان هزتا الساحة السياسية الراكدة والمستسلمة، واستنفرتا أنصار إيران التي لن ترضخ بتسليم كل أوراقها. لذلك، على اللبنانيين ألا يعلقوا آمالاً كبيرة على حل أزماتهم على وقع مسيرة التسوية في سورية. لن يكونوا بمنأى عن «الصعوبات» والجراحات لرتق الخريطة السورية، خصوصاً مع شعور «حزب الله» بأن معركة حصاره قد بدأت... وقد تتفاقم إذا بدلت نتائج الانتخابات الإيرانية المشهد السياسي ومنحت الرئيس حسن روحاني حرية أكبر لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع الغرب ودول الجوار. وهي صفحة لها شروط وموجبات أولها احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

اقرأ المزيد
٢٦ فبراير ٢٠١٦
هدنة في سورية مجهولة الأهداف!

في اليوم الثالث من غزو العراق (آذار/ مارس 2003)، صدرت عن نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، ملاحظات استفزازية خلاصتها أن القيادة كانت عازمة على تصويب صواريخها باتجاه سورية.

ثم تبعه وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد، بإطلاق تهديدات مماثلة تؤكد استعداد القوات البرية لغزو سورية بالسهولة ذاتها التي تمت فيها عملية إسقاط نظام صدام حسين.

ومع أن المغامرة التي ألمح إليها كلّ من تشيني ورامسفيلد لم تُنجَز، إلا أن أصداءها الخطرة تركت لدى النظام السوري هاجساً مقلقاً يصعب تجاهله. ولمحو هذا الهاجس الأمني، قرر الرئيس بشار الأسد، توريط القوات الأميركية في العراق بحرب داخلية تمنعها من التمدّد باتجاه بلاده. لذلك، أمر بإنشاء مكاتب خاصة في دمشق وحلب، يتم بواسطتها تدريب المتطوعين المحليين والعرب الذين جاؤوا من اليمن وتونس وليبيا ودول أخرى، بهدف الانتقال الى العراق لمقاومة الأميركيين الغزاة.

وقد اقتصر عمل تلك المكاتب، في حينه، على استقبال المتطوعين وتغيير أسمائهم، وتزوير هوياتهم، ثم إرسالهم الى بغداد والموصل والكاظمية، حيث يكون في انتظارهم عدد من الأنصار في طليعتهم أبو مصعب الزرقاوي.

بعد مرور ثلاث سنوات تقريباً، ظهرت أسماء جديدة في سورية تولّت عمليات التدريب والتثقيف الأيديولوجي، كان أبرزها «أبو القعقاع». وتدل سيرته على أنه كان شخصاً مغموراً، وغير معروف لدى المتدينين في مدينة حلب. لكنه برز كداعية عقب الاحتلال الأميركي للعراق، فكان يخطب في جامع العلاء بن الحضرمي في حي الصاخور. وقد تميزت خطبه بالدعوة الى الجهاد في العراق لدحر الغرباء وأنصارهم.

ولإثبات الأدلة الدامغة، أرسلت إحدى الدول العربية ثلاثة من أفراد تابعين لقسم الاستخبارات، بغرض استكشاف حقيقة الدور الذي تقوم به سورية.

وكان من الطبيعي أن يمروا بمختلف المراحل التي يمر بها المجاهدون في مركز الخدمات. وبعد أن تسللوا الى العراق بأوراق مزوّرة، والتحقوا بالتنظيمات المعدّة لمقاومة الأميركيين، عادوا أدراجهم الى بلادهم من موقع حدودي بعيد من المراقبة. ثم أبلغوا بالتفاصيل عن الدور المزدوج الذي يقوم به النظام السوري داخل العراق.

ولما عُمِّمَت أخبار هذه الحادثة على الصحف الأميركية، توقفت سورية لفترة طويلة عن لعب هذا الدور، خصوصاً بعد تجديد التهديدات الأميركية.

وتردّد في حينه، أن الأجهزة الأمنية السورية تولّت عملية تصفية المشرفين على تدريب المتطوعين، خوفاً من افتضاح هذا الأمر، وتعريض النظام للمساءلة والانتقام. وكان خطيب جامع الإمام محمد أغاسي، الملقب بأبي القعقاع، أول ضحايا التصفيات حيث اغتيل في حلب سنة 2007. ثم تكررت عمليات الاغتيال في دمشق وحلب، وتوقفت عن العمل كل الأجهزة التي تولّت تلك المهمة السرية.

لكن، الى أين لجأ أكثر من خمسة آلاف مقاتل توزعوا على المحافظات العراقية، وتواروا عن الأنظار؟

مع ظهور «داعش»، التحق الفريق السنّي منهم بهذا التنظيم، وراح يقاتل الدولة التي ساهمت في صنعه مع عدد كبير من ضباط صدام حسين، الذين فصلهم الحاكم العسكري الأميركي بول بريمر من الخدمة.

على كل حال، بعد انقضاء خمس سنوات على الحرب السورية المشتعلة ضد ما وصفه بشار الأسد بـ «مقاومة الإرهاب»، صدر بيان مشترك أميركي - روسي يدعو الى وقف النار بدءاً من يوم الجمعة، أي أمس.

وشملت الهدنة المطلوبة مختلف الجماعات الجهادية، باستثناء «تنظيم الدولة الإسلامية» و «جبهة النصرة». وقد استفاد «داعش» من الاتفاق الموقت لوقف إطلاق النار، حيث قامت عناصره بتفجيرات في منطقة السيدة زينب، جنوب دمشق، أودت بحياة 120 شخصاً.

في هذه المرحلة الحرجة، استغلّ الأسد انتصارات بوتين في حلب ليؤكد لإحدى وكالات الأنباء، إصراره على استرجاع كل الأراضي السورية من العصابات المسلّحة. وكان من اللافت، استقبال تصريح بشار الأسد بالاستهجان من جانب موسكو، التي أعلنت أن تفكير الأسد يتناقض وسياستنا الرسمية. كذلك، انتقدته الصحف الروسية، مدعية أن هذا النهج يعرقل تحويل المكاسب الحربية الى مكاسب سياسية، إضافة الى تسعير العلاقات مع الغرب والدول العربية. ويرى المحللون أن روسيا مستعدة لمساعدة الأسد في جبهات محدودة، مع الاحتفاظ لنفسها بقدرة السيطرة على كل الدولة السورية مع النظام أيضاً.

قبل سنة تقريباً، كان الأسد يعتمد على إيران من أجل تمرير مشروعه العسكري. لكن دخول روسيا على خطوط المعركة، منحها مكانة متفوقة على إيران، كونها قادرة على استخدام طيرانها الحربي، وجاهزة للتفاوض مع الولايات المتحدة حول مستقبل سورية.

يُجمع المراقبون على القول إن أزمة الشرق الأوسط قد خرجت عن المألوف لتصبح مشكلة إقليمية بكوابح دولية. وهذا يعني أن أبعادها السياسية قد تجاوزت قدرات الدول الكبرى، بسبب تشابك المصالح وتضارب الأهداف.

وتعتبر الأمم المتحدة أن تركيا هي الدولة الأكثر تضرراً بين القوى المتخاصمة. وقد رأى الرئيس رجب طيب أردوغان، في افتتاح ممثلية كردية لحزب «الاتحاد الديموقراطي» في موسكو، خطوة استفزاز تبعد التعاون بين الطرفين. وهو يعرف أن التحديات قائمة مع وجود المسلّحين الأكراد في منطقة سنجار. أي في المثلث الذي يصل بين حدود تركيا والعراق وسورية.

والطريف في الأمر، أن الإدارة الأميركية تعترف علناً بأن الكردستاني هو شخص إرهابي ينتمي الى حزب عبدالله أوجلان. لكن نظرتها الى هذا الشخص تختلف في حال انتمائه الى «وحدات الحماية الكردية». ويرى كثر، مثل رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، أن قصف أطراف مدينة «أعزاز» لم يكن أكثر من رسالة سياسية فهمها جيداً نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، أثناء زيارته تركيا. وكانت تلك الرسالة تضم محاذير واضحة، بينها الانسحاب الكردي من «أعزاز» ومن مطار «منغ». وعندما قصف الأتراك «تل رفعت» لمنع الأكراد من احتلاله، تدخلت القوات السورية وقصفت الأتراك بقسوة. وهذا دليل واضح على التنسيق والتعاون بين الأكراد والنظام السوري.

ومثل هذه العلاقة توطدت سابقاً بواسطة عبدالله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني. وقد عُرِف بتطرفه الماركسي الذي أثار حفيظة العسكريين الأتراك. ولما اشتدت حملات المطاردة ضد اوجلان، لجأ الى سورية حيث احتضنه الرئيس حافظ الأسد، وسمح لعناصره بالتدرب على القتال في منطقة البقاع اللبنانية.

ولما ازدادت نشاطات جماعته داخل اسطنبول وأنقرة سنة 1984، حذرت الحكومة التركية دمشق من عواقب دعم «حزب العمال الكردستاني».

وفي سنة 1998، حشدت تركيا قواتها على الحدود السورية، وهدّدت بالاجتياح ما لم يطرد حافظ الأسد أوجلان من سورية ولبنان.

عندها، طلبت دمشق من أوجلان مغادرة سورية. لكن نوافذ الرحيل سُدَّت في وجهه. لذلك هرب الى روسيا، ومنها الى إيطاليا، ومنها الى كينيا حيث لجأ الى السفارة اليونانية. لكنه أخرِجَ منها بواسطة الشرطة الكينية. وفي 16 شباط (فبراير) 1999، تم نقله الى تركيا حيث يقبع في جزيرة نائية بانتظار محاكمته، أو التفاوض على إطلاق سراحه.

المهم، أن هذا الحزب خرج من دائرة الضوء ليحل محله حزب آخر، لا يقل عنه تعاوناً مع النظام السوري. وقد أشار الى هذا التحول وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، الذي أعلن في مجلس العموم عن انزعاج أوروبا حيال التنسيق القائم بين قوات كردية والقوات الروسية وقوات بشار الأسد.

وفي تصريح آخر يتعلق بهذا الشأن، أكدت مسؤولة الأمن الخارجي في الاتحاد الأوروبي أن هذه الدول تعارض حركات الانفصال التي يقوم بها الأكراد في تركيا وسورية والعراق. علماً أن الولايات المتحدة هي التي شجعت هذا المنحى عقب إسقاط نظام صدام حسين.

ويبدو أن تركيا هي التي أحدثت هذا التحول داخل الاتحاد الأوروبي، بعدما هددت بإطلاق موجة اللاجئين التي تؤرق الدول الأوروبية.

تتخوف الأمم المتحدة من هشاشة الهدنة المطلوبة، ومن احتمال فشل اتفاق وقف الأعمال العدائية في سورية. هذا كله لأن الميليشيات الصغيرة لم تُستَشَر، ولأن سلطتها محدودة وضعيفة، وفق معايير واشنطن وموسكو. إضافة الى هذا العامل المؤثر، فإن هناك مجموعات شيعية عراقية موالية للنظام، ووحدات من «حزب الله»، وقوات إيرانية، وقوات سورية نظامية وغير نظامية، وقوات الوحدات الخاصة والاستخبارات.

هذه الأطراف كلها مستعدة لخرق الهدنة، على رغم جهود الدول الكبرى التي ترى في عملية تسليم المساعدات الإنسانية مدخلاً لإبرام اتفاق واسع يشمل كل القوى المحلية والخارجية.

لذلك، من العسير بلوغ أبرز أهداف الولايات المتحدة وروسيا، أي إضعاف «داعش» وإسقاطه قبل أن تتفكّك سورية، وتنسحب روسيا من أوحال المنطقة!

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٣ مايو ٢٠٢٥
"الترقيع السياسي": من خياطة الثياب إلى تطريز المواقف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)