يتساءل البعض لو أن الراحل حافظ الأسد كان رئيس سورية عندما اندلعت أول شرارة للثورة في درعا في 15 آذار (مارس) 2011، هل كان سينتهي به الأمر إلى المأزق الذي انتهى إليه ابنه بشار الآن؟ سؤال صعب لأن الإجابة عنه تستدعي افتراضات واشتراطات كثيرة. لكنه يبقى سؤالاً سيظل يفرض نفسه ليس أقل من أنه يتعلق بمسار سياسي متصل بدأ مع الأسد الأب في تشرين الثاني (نوفمبر) 1970، ووصل ذروة ارتباكه في شباط (فبراير) عام 2005، لينتهي إلى ذروة مأزقه الآن. وهو مسار ليس مبتوراً تماماً عما سبقه، لكنه مثّل انحرافاً واضحاً نحو هدف سياسي مضمر وغير قابل للإعلان عنه في شكل مباشر. وهو في ذلك ليس أكثر من تجسيد شاذ في تطرفه لإشكالية الحكم في التاريخ السياسي العربي. انطلاقاً من ذلك يمكن القول إن بذور المأزق في هذا المسار مدفونة في حقيقة أنه كان يراد له أن يقود إلى تأسيس سلالة حكم في الشام في إطار سياسي جمهوري، وتحت ظلال حزب البعث بنزعته «القومية»، وبقيادة عائلة صغيرة (الأسد) جعلت من انتمائها المذهبي (العلوي) الصغير أول وأهم حصونها أمام المجتمع السوري بأغلبيته السنّية. بذور الشقاق وما ستنتهي إليه من مآزق كثيرة في هذا المسار عدة أهمها وأخطرها تصادم الجمهوري مع السلالي، والقومي مع المذهبي، والأقلية مع الأكثرية. وهذه تصادمات فرضت، بحكم تضافر ضرورات طبيعة النظام أحياناً والحماقة أحياناً أخرى، تبني سياسات متطرفة تجمع التكاذب مع القمع والعنف كسياج يراد له أن يكبت هذه التناقضات إلى الأبد.
شاءت المصادفة التاريخية أن يواجه هذا النظام امتحانه القاتل مع موجة ثورات الربيع العربي في عهد الأسد الابن. وهو الأمر الذي ضاعف من المأزق. فالثورة السورية عندما بدأت لم تكن حدثاً معزولاً كما كانت حال التمرد في حماة عام 1982. هي تتمتع بزخم شعبي إقليمي، صاحبه انبهار دولي. المدهش أن الرئيس بشار الأسد تجاهل، أو لم يدرك أهمية هذا الفارق الواضح، وأنه تصرف على العكس مما يقتضيه. لم يدرك الأسباب الحقيقية الداخلية للتمرد في درعا، ولقابليته للانتشار إلى مدن أخرى. من هنا طبّق أسلوب العنف المفرط نفسه الذي تعامل به والده مع حماة، أملاً بأن يؤدي ذلك إلى وأد التمرد ودفنه داخل درعا قبل أن ينتشر إلى خارجها. لم يدرك الأسد الابن أيضاً أن وضعه الإقليمي بات مختلفاً عما كان عليه قبل وراثته للحكم. كان والده إبان تمرد حماة في ذروة هيمنته على السلطة. وإلى جانب أن هذا التمرد كان معزولاً، كانت المنطقة منشغلة بحرب كبيرة تدور رحاها بين العراق وإيران. في هذا الإطار كان الأسد الأب يتمتع بعلاقات إقليمية قوية ومتوازنة، فضلاً عن أن تمرد حماة لم تكن له امتدادات إقليمية. وبالتالي تمكن من عزل المدينة وإخضاعها لعملية تدمير قاسية أريد لها أن تكون رادعاً أمام انتقال تأثيرات التمرد إلى مدن أخرى. ونجح في ذلك نجاحاً واضحاً. لكن الآثار النفسية والاجتماعية لمذبحة هذه المدينة بقيت ندوباً مريرة في الذاكرة الجمعية ليس فقط لمدينة حماة، بل للمجتمع السوري.
كانت صورة المشهد مختلفة تماماً عندما بدأت الثورة ضد الأسد الابن في درعا، وبدا ذلك في أمور ثلاثة لافتة، الأول أنها ثورة ريف ضد أهل المدن، وليس تمرد مدينة بمفردها. والثاني أنها في بدايتها كانت ثورة ضد النظام بما يمثله وينطوي عليه وليس ضد الرئيس تحديداً (هكذا كانت شعارات التظاهرات في البداية. لكن كيف يمكن الفصل بين الاثنين؟). ثالثاً أنها جزء من موجة إقليمية عاتية، وبالتالي يصعب عزلها خصوصاً في ضوء أن ثورة الاتصالات والفضائيات، والتواصل الاجتماعي في ذروتها. وزاد من اختلاف الصورة أن العلاقات الإقليمية للأسد الابن حينها كانت مرتبكة مع الأردن ولبنان ومصر والعراق والسعودية. كل ذلك كان يفرض على النظام التعامل مع الحدث بطريقة مختلفة، استيعابية وليست تصادمية. لكن طبيعة النظام العنيفة ومرتكزاته المذهبية لا تتسع لمثل هذه السياسة ومتطلباتها. الأهم من ذلك كما يبدو أن عملية التوريث التي وصل من خلالها بشار إلى الحكم أضعفت مؤسسة الحكم، خصوصاً الرئيس نفسه. وبالتالي صار أكثر قابلية لأن تستبد به هواجس اقتلاعه أمام تظاهرات كبيرة أخذت تنتشر عدواها، بعدما حصل للرئيسين التونسي والمصري، خصوصاً ما حصل للعقيد معمر القذافي في ليبيا.
وهذا إضافة إلى أن علاقة الأسد مع إيران وصلت إلى درجة التبعية، لم تكن لتسمح بالتعامل السياسي أيضاً. الأمر الذي ضاعف من ارتباك النظام أمام الأحداث، وأدخل نفسه في حلقة مفرغة أمام الثورة، فكلما زاد عنف النظام انتشر نطاق الثورة. كان الأسد يأمل بأن تحالفه مع إيران سيمكنه من القضاء على الثورة. فتح باب سورية أمام الميليشيات التي تمولها وتسلحها إيران. لكن هذا لم يسعفه إلا في إطالة أمد الثورة، وليس القضاء عليها. أنقذه الإيرانيون من السقوط مبكراً. وساعدهم في ذلك انكفاء إدارة باراك أوباما الأميركية. لكن تبين للأسد في صيف العام الماضي أن وضعه يزداد سوءاً، وأنه لم يتبقّ أمامه إلا المحافظة على المناطق التي تحت سيطرة قواته، والتضحية في سبيل ذلك بالمناطق الأخرى التي تسيطر عليها مختلف فصائل المعارضة. تدخل الروس في أيلول (سبتمبر) الماضي لإنقاذه ومساعدته في استعادة بعض ما خسره. لكنه تدخل لم يضع حداً نهائياً لارتباك الأسد ونظامه. فمع أن الروس مع بقاء النظام، إلا أن موقفهم من بقاء الأسد نفسه ليس واضحاً تماماً. وضاعف من هذا الغموض أنه بعد ستة أشهر من التدخل الروسي أعلن بوتين سحب معظم قواته. تزامن هذا مع بداية مفاوضات جنيف 3، واستمرار النظام في تفادي الاقتراب من أي حل سياسي يطاول مستقبل الأسد، يعني أن الانسحاب ورقة ضغط على الأسد ونظامه.
هذا يعيدنا الى السؤال الأول: هل كان الأسد الأب سيتصرف بطريقة مختلفة؟ الأكيد أنه كان أكثر نضجاً وحنكة من ابنه في موضوع السياسة الخارجية والتوازنات الإقليمية. حافظ على علاقته مع السعودية ومصر على رغم اختلاف السياسات الإقليمية معهما. تحالف مع إيران لكنه لم يسمح لها بمنافسته في لبنان أو استتباعه كما حصل مع ابنه لاحقاً. أذعن لتهديد تركيا في أواخر ثمانينات القرن الماضي وعملياً سلم المعارض التركي عبدالله أوجلان لها. وبما أن نضجه في السياسة الخارجية انعكاس لهواجسه في الداخل، ربما أنه كان سيتصرف، لو امتد به العمر، مع الانتفاضة بطريقة أكثر نضجاً وأقل تصادمية. ربما قيل إن الطبيعة الهشة للنظام لا تحتمل في كل الأحوال أي تحدٍ داخلي. وهذا صحيح. لكن ينبغي الانتباه إلى أن فشل الأسد الابن على المستويين المحلي والإقليمي فرض استتباعه إيرانياً، ما ضاعف بالتالي من هشاشة حكمه ورعونة ردود أفعاله داخلياً وخارجياً.
هنا يتبدى المأزق القاتل للأسد الابن. بدلاً من وأد الثورة، ها هي تحتفل بالذكرى الخامسة لانطلاقتها. لم يعد يمسك بالورقة السورية. أصبحت في أيدٍ كثيرة. هو نفسه بات ورقة تفاوضية في أيدي الروس والإيرانيين. وباتت سورية تقاوم فرض التقسيم عليها. قتل مئات الآلاف، وجرح وهجر عشرات الملايين، ودمرت المدن، والأسد لا يزال يصر على البقاء في الحكم الذي ورثه. يقاوم الاعتراف بأنه لا حل سياسياً من دون رحيله كمن يقاوم مقصلة الإعدام.
ربما لا يوجد أكثر دقة عند تحليل القرارات السياسية من التفاعلات الاقتصادية؛ فما إن أعلنت موسكو عن عزمها الانسحاب من سوريا، حتى تهاوت الليرة السورية منخفضة 20 في المائة، وهو ما يفسر بشكل واضح أكثر المتضررين من القرار الروسي. لا يهم لماذا قررت موسكو ذلك فجأة، وهي التي وصفت تدخلها قبل أشهر بـ«الحرب المقدسة»، لا يهم إن كان انسحابًا حقيقيًا أم تكتيكيًا، المهم جدًا أن موسكو وجهت ضربة غير مسبوقة لنظام الأسد لم تفعل مثلها منذ قررت المغامرة والتحالف مع النظام ضد شعبه، أما فعالية هذه الضربة وتأثيرها وتبعاتها فستظهر جليًا عندما تدور رحى مفاوضات جنيف. صحيح أن الروس دعموا حليفهم الأسد كما لم يدعمه أحد، وصحيح أيضًا أنهم شركاء في كل ما اقترفه من جرائم، وصحيح أنهم زعموا محاربة الإرهاب لنفاجأ أن الهدف هو المعارضة المعتدلة بينما الإرهابيون الحقيقيون يسرحون ويمرحون، إلا أن موسكو لن تثقل كاهلها بتعقيدات أزمة مرت خمس سنوات عليها، ويمكن أن تستمر خمس سنوات أخرى، فالروس في نهاية الأمر يرغبون أن يكون هناك حل ينهي هذه القضية الشائكة، وحتى لو كانت رؤيتهم للحل تختلف عن رؤية المعارضة السورية، فإنها في نفس الوقت تختلف عن رؤية النظام، خاصة بعد أن نسي الأخير أنه لا يملك من قراره شيئًا، وتصرف كأنه دولة حقيقية وليست كرتونية لا تحكم في واقع الأمر إلا ربع الدولة السورية، وذلك في تصريحات وليد المعلم الأخيرة عن العملية السياسية، حيث صعق فيها صديقه الدب الروسي أكثر من خصومه.
الخبر الجيد هنا أن موسكو بدأت تصحيح خطأ كارثي ارتكبته قبل ستة أشهر بتدخلها غير المبرر في الأزمة السورية، فالوقائع على الأرض تقول إن التدخل الروسي لم يحقق أي نتائج حقيقية ملموسة، حتى يمكن القول إن الانسحاب تم بعد تحقيقها أو على الأقل جزء منها. وبحسب الأرقام، فإن موسكو قد تحتاج إلى 30 عامًا حتى تنجح في إبقاء نظام الأسد على قيد الحياة إذا استمرت العمليات بوتيرتها الحالية، فعندما تدخلت موسكو كانت تتوقع، وهي توجه ضرباتها إلى مقاتلي المعارضة المعتدلة لا الجماعات الإرهابية، أنها ستقلب الموازين على الأرض، غير أنها فشلت تمامًا في ذلك وخيب الميدان ظن الرئيس فلاديمير بوتين، الذي كان قد صرح في وقت سابق بأن الهدف من التدخل هو هزيمة تنظيم داعش. غني عن القول إن هذا الهدف لم يتحقق ولا بنسبة واحد في المائة، في حين أن الأسد وزمرته قرأوا التدخل العسكري الروسي بشكل خاطئ كليًا، باعتباره مسلمًا به وسيستمر إلى ما لا نهاية وسيغير من قواعد اللعبة سريعًا ودون أن تكون له كلفة يجب أن يدفعها النظام، وغاب عنهم أن هناك اعتبارات اقتصادية وجيوسياسية تمنع موسكو من القيام بالمهمة بدلاً من نظام بلغ منه الغرور عتيًا إلى حد إلغاء العملية السياسية برمتها وكأنه يتحكم بزمام الأمور، وهو ما لم تفكر حتى موسكو في القيام به.
الأكيد أن الأنظار ستكون موجهة لمفاوضات جنيف، طبعًا لن تكون باتجاه وفد المعارضة، الذي غالبًا ما كان يتصدر المشهد، فالحال انقلب جذريًا، وتمكنت المعارضة من ضبط إيقاع التفاوض لصالحها وإحراج النظام مرة تلو الأخرى. العالم سيراقب وفد النظام لمعرفة تفسيرات الخطوة الروسية المذهلة أخيرًا. القرار صدر في روسيا وتفسيراته بدقة ستترجم في جنيف. من يدري ربما يكون وزير الخارجية الأميركي جون كيري محقًا، أخيرًا، في وصف المرحلة الحالية بأنها أفضل فرصة منذ سنوات لتحقيق السلام في سوريا.
إعجاب فلاديمير بوتين بالعروض المسرحية وحرصه على إذهال «المشاهدين» لا يحولان دون واقعيته عندما يتعلق الأمر بمصالح «الروسيا» العليا. فالدخول الاستعراضي الى الحرب السورية والخروج المماثل منها، وإحاطة القرارين بالكثير من التشويق والغموض، لم تخف جميعها أن الغرض منهما كان روسياً، وروسياً فقط، وأن بشار الأسد كان مضطراً، لضعفه، ان ينصاع مرتين: عندما جاء الجيش الروسي ليوقفه على رجليه، ثم عندما تركه لا يستطيع السير من دون عكازين صنعهما له.
جاء قرار موسكو بالتدخل ليحقق مجموعة أهداف بينها استعادة دور ما على الساحة الدولية بعد عزلة تسبب بها التدخل في أوكرانيا وجورجيا واقتطاع جزء من دولتين أوروبيتين، ولو من «الدرجة الثانية». وجاء ايضاً بعدما تأكدت موسكو من أن الجيش النظامي السوري الذي دربته وسلحته ويواليها كبار ضباطه بات على وشك الانهيار او تغيير الخيارات، ما يهدد نفوذها في سورية. وكذلك لأنها اعتبرت أن الفرصة سانحة لإجراء مقايضة في الملفات مع الأوروبيين المرتبكين والأميركيين المنسحبين من المنطقة.
وكان الإخراج في المرتين مسيئاً جداً الى هيبة الأسد، إذ استدعي وحده الى موسكو ليلاً وأبلغ بقرار التدخل الذي اتخذ ولم يعد أمامه سوى الانصياع. وبدا من نشر الكرملين نص الاتفاق من جانب واحد، أن موسكو تتقصد إظهار تحكمها بالتفاصيل كأنها تقول إن من يريد التفاوض حول سورية فليأتِ إليّ. ولم يستطع ادعاء الأسد انه هو من طلب التدخل الروسي تغيير هذا الانطباع.
ثم جاء إعلان بوتين قراره سحب الجزء الأكبر من قواته الجوية بعدما استنتج أن العملية في سورية «حققت أهدافها»، وقول الكرملين إن الأسد أُبلغ بالقرار ليوضح أن موسكو اتخذته وحدها. ومرة ثانية لم ينجح ادعاء دمشق أنها طلبت من الروس «تقليل نشاطهم الجوي» في تأكيد أي مشاركة لها في صنعه. فالروس يحاورون الأميركيين والأوروبيين، ويحمون مصالحهم معهم، وليس على الأسد سوى تقبل النتائج طالما أن وضعه على الأرض لا يسمح له بأكثر من ذلك.
لكن لماذا الانسحاب وما المصلحة الروسية التي أملته؟ من الواضح أن بوتين رأى أن من الأفضل سحب قواته وهو في قمة الاستفادة من تدخلها قبل أن يبدأ الثمن الذي يدفعه في الارتفاع، بعدما تبين أن ورقتي الضغط اللتين أتاحهما وجوده المباشر في سورية استنفدتا غرضيهما: الأولى كانت ورقة المهاجرين ضد اوروبا والثانية ورقة الأكراد ضد تركيا.
فبعد الاتفاق بين أوروبا وتركيا على تولي أنقرة «حراسة» حدود الاتحاد في مقابل بدل مالي، لم تعد بروكسيل في حاجة الى تخفيف عقوبات فرضتها على موسكو بعد أزمة أوكرانيا كي توقف ضرباتها الجوية في سورية، والتي تسببت في دفق جديد للاجئين هدد الوحدة الأوروبية. ولم تلمس موسكو أي مؤشرات الى إمكان تغيّر وشيك في الموقف الأوروبي.
أما الضغط على تركيا والمعارضة السورية عبر محاولة وصل الجيبين الكرديين في شمال سورية لإقامة «منطقة عازلة» بين حدود الدولتين تضعف المعارضة وتقطع طرق إمدادها، فلم تفلح بسبب التهديد السعودي والتركي، ولتفضيل الأكراد العلاقة المستجدة مع الأميركيين الذين نصحوهم بانتظار انتهاء الحرب على «داعش» قبل نيل أي «مكافأة» فعلية. ويعرف أكراد سورية أن الأميركيين وحدهم يستطيعون مساعدتهم في تثبيت وتوسيع الحكم الذاتي الذي اقاموه بعدما دعموا بنجاح قبلهم أكراد العراق.
حاول نظام الأسد خلال الفترة الفاصلة بين التدخل والانسحاب الروسيين أن يدعي لنفسه القدرة على فرض شروطه، فتحدث عن «تحرير» كل سورية وعن رفض أي تفاوض حول انتخابات رئاسية او حكومة انتقالية بصلاحيات واسعة، لكن قرار بوتين جاء ليؤكد أنه ليس على استعداد لمواصلة دفع كلفة حرب غير مضمونة النتائج، وأن اتفاقه مع واشنطن على إيجاد تسوية قد تقود الى الفيديرالية أهم بالنسبة اليه من رغبات الأسد الذي عليه الامتثال. أما مصلحة سورية فليست عند أي منهما.
قراءة في موقع القرار الروسي على خارطة "الجريمة المنظمة" أو الإسم الجديد للشرق الأوسط الذي أطلقه الرئيس باراك أوباما:
تدخل الحرب السورية مع القرار الروسي بسحب "الجزء الأكبر" من التواجد العسكري في سوريا مرحلة جديدة في مسار طويل جدا لا زلنا في بدايته وربما استغرق عقدا، من محاولة إيجاد حل سياسي. هذه هي "البيئة السلمية للحرب" بعدما كانت قبل الاتفاق الأميركي الإيراني ومنذ العام 2011 بيئةً حربية للحرب. لكن في الحالتين الحرب مستمرة.
استحصل قرار الرئيس بوتين هذا على إعجاب شامل في العالم المعني بالحرب السورية. حركة شطرنجية من الانسحاب الذي هو أقرب إلى الهجوم:
- كسر نظرية التورّط الروسي والتشبيه بالتجربة السوفياتية في أفغانستان. هذه الثرثرة لن تكون متيسرة بسهولة بعد الآن. كذلك يلغي القرار أي تشبيه مع تجربة بوتين في تشيشنيا التي دخلها الجيش الروسي ولم يخرج حتى قضى نهائيا على الانفصاليين بكلفة عالية جدا.
- تعويم البعد السياسي على العسكري مع استمرار جهود جنيف.
- إضعاف بل إقفال أي مجال للضغط الداخلي الروسي الشعبي يعتبر سياسة بوتين تبديدا للثروات الروسية في مغامرات عسكرية في وقت تظهر فيه مؤشرات الاقتصاد الروسي غي مطمئنة.
- إعطاء الفرصة للرئيس رجب أردوغان بتغيير سياساته المتطرفة دون إهانته. بل اعتبار القرار الروسي إنجازا له يسمح بتغطية تراجعه عبر الانضمام إلى جهود التهدئة السياسية.
ولذلك علينا أن ننتظر ماذا ستكون الخطوة التركية الكبيرة المقبلة إذا كان هذا القرار البوتيني، عكس الرائج، جزءاً من اتفاق ما كبير غير معلن، لا سيما مع واشنطن، يتضمن عددا من "التراجعات" للدول الأساسية في الصراع. إذ يجب أن لا ننسى أن "عسكرة" الثورة السورية أواخر عام 2011، القرار الذي جعلها حربا لا ثورة، هي بكل بساطةٍ وتبسيطٍ فتحُ الحدود عسكريا مع سوريا بقرار غربي إقليمي. كما يجب أن لاننسى أن الدخول العسكري القتالي الجوي الروسي إلى سوريا قبل أشهر لا زال يحمل شبهة التفاهم مع واشنطن في أجواء ما بعد الاتفاق النووي السداسي.
قوة هذا القرار البوتيني الشطرنجية أنه يربح الكثير ولا يخسر شيئا.
لم يترك الرئيس فلاديمير بوتين سوريا. القرار يعني في الميدان ترك منطقة إدلب لتركيا ومعظم الحدود التركية السورية للأكراد عدا بعض المناطق الضيقة لتركيا أقصى شمال حلب وتوسيع رقعة نفوذ النظام في جنوب دمشق مع ترك مناطق معينة لإسرائيل والأردن وعبره السعودية. هذا اعتراف روسي بمناطق نفوذ وإن كان لا يكفي حتى اليوم لاعتماده أساسا واقعيا للفدرالية الآتية لا محالة إلى سوريا الجديدة والتي ثبت عبر التجربة العراقية أنها "ناجحة" في قيام تقسيم أمر واقع داخل دولة واحدة. وقد تكرّست منطقة الساحل السوري وجبالها بكاملها مع امتداداتها إلى دمشق منطقة تحت الحماية الروسية. فالرئيس الروسي يسحب "الجزءالأكبر" وهو يعرف والجميع يعرف أن بقاء طائرة روسية واحدة شمال اللاذقية جاثمة على أرض القاعدة العسكرية الروسية هناك يكفي لتأمين الحماية السياسية لتلك المنطقة حتى دمشق وجعل وجودها رادعا.
المحللون الغربيون عموما أكثر تحفظا منا نحن العرب في الاسترسال بتوقعات جازمة. لكن ما يلفت النظر هواتفاق كارهي النظام السوري ومحبِّيه على القول أن هدف إعلان انسحاب "الجزء الأكبر" من القوات الروسية هو عملية ضغط على هذا النظام وسحب الذرائع من أمام معارضيه الداخليين والخارجيين في آنٍ معاً. يعني الضغط على كل الأطراف.
أظن هذه عملية ترويج إيجابية وإن تكن مبالغا بها من جهة تأويلها على العلاقة الروسية مع الرئيس بشار الأسد. فمثلما قيل مراراً ولأسباب تعبوية أن الروس سيفاوضون على أوراق أخرى وعندما يحصلون عليها سيتخلّون عن سوريا، وظهر خلال هذه السنوات أن سوريا موقع ثابت وهام في الاستراتيجية الروسية لا تراجع عنه، الآن ستصم آذانَنا وعيونَنا موجةُ تحليلات وتوقعات عن تخلّي بوتين عن الأسد والسعي للمساومة على رأسه. هذا لا يعني أن أي حل نهائي بعد سنوات لن يلحظ بالنتيجة إنهاء دور الأسد أو تخلِّيه طوعاً عن دوره ضمن سلة تحفظ موقع الطائفة العلوية وتحالفاتها في الصيغة الداخلية السورية. لكن لا زلنا بعيدين جدا عن تسوية من هذا النوع حتى لو انطلق الآن طبخ بيئة التسوية بين دول لا ننسى أنها هي التي اتخذت قرار العسكرة.
ولنراقب: هل يعيد هذا القرارُ- الجِسرُ الروسي الممدودُ الوجهَ البراغماتي لرجب طيِّب أردوغان ، الوجه الذي فقده في السنوات الأخيرة وآخر مظاهره المتطرفة وصفه لكل صحافي وأكاديمي وسياسي تركي بأنه إرهابي إذا دعا إلى موقف مختلف حيال المسألة الكردية.
على أي حال وبسرعة سيظهر البعد التوافقي لا الصدامي في هذا القرار الروسي عند معظم اللاعبين. القرار - الجسر مع أن السنوات الآتية من الحرب- الهدنة- المطبخ السوري سيمد ويفجِّر الجسور نفسها وغيرها ويعيد وصلها. الرواية طويلة في هذه "الجريمة المنظمة" الاسم الجديد للشرق الأوسط حسب وصفٍ "خلاق" للرئيس باراك أوباما في مقالة جيفري غولدبرغ معه وعنه في "ذي أتلانتك"!
عبر قراره الأخير، لا "يتفادى" الرئيس الروسي "الشرق الأوسط" كما دعا إلى ذلك الرئيس أوباما في المقالة المشار إليها، أي إلى تفادي منطقتنا. بالعكس لأن روسيا على حدود هذه المنطقة وجزءٌ من تفاعلاتها الدينية والجيوسياسية. فلاديمير بوتين ينظّم حضوره فيها.
والحرب - الهدنة- الحرب السورية طويلة.
«ستخسر، وستدمر دمشق»، قالها الأخضر الإبراهيمى، مبعوث الأمم المتحدة الخاص، للرئيس السورى، محذرا إياه خلال لقاء جمعهما. «دمشق ستدمر، ولكن المعارضة هى التى ستخسر»، أجابه بشار الأسد. لأولئك الذين لايزال لديهم شك، يحمل هذا الحوار مغزى كبيرا حول العلاقة التى تربط الأسد ببلده، الذى يدعى أنه يمثله، بينما هو يحيله رمادا. فهذا النظام المافياوى الوراثى هو الذى انتفض ضده السوريون انتفاضتهم السلمية فى مارس 2011.
عشية الذكرى الخامسة لهذه الحركة السلمية، لم يعد ممكنا أن نكتفى بالأمنيات، وننتظر أن تحل الأزمة السورية نفسها بنفسها، وأن يقال لنترك الساحة لروسيا وبطلها «الذى لم يعد سوى قطعة شطرنج» فى دمشق، سيكون ذلك بمثابة الإصرار الغاشم على السير فى طريق السيناريو الكارثى للجميع، بدءا بالسوريين أنفسهم؛ ولن تنجو منه أوروبا الهشة أمام أزمة اللاجئين التى لم تستطع إدارتها، وأمام شبح الإرهاب الذى لن تستطيع حماية نفسها منه تماما.
***
وإذا كانت الهدنة التى توصلت إليها الولايات المتحدة وروسيا فى ميونخ قد أهدت، فى مجملها، استراحة للمدنيين، لطالما تاقوا إليها، فذلك الهدوء قد لا يدوم طويلا نظرا للمخاطر والتساؤلات التى تحيط بهذا الاتفاق.
فالاتفاق، أعطى أولا الضوء الأخضر لروسيا والنظام السورى، لاستبعاد أى جماعة قد تضر بمصالحهما، من وقف الأعمال العدائية، فيما يشبه ستار الدخان الذى يتيح لهما متابعة التقدم على حساب قوات المعارضة، تلك التى تقاتل النظام والجماعات المتطرفة معا. وبالتالى، فقد يوشك غياب أى آلية للمراقبة أن يفضى إلى الانهيار الكامل للاتفاق، والعودة المستعرة للأعمال العدائية.
ومع ذلك، يجب بذل كل الجهود الممكنة لضمان استمرار الهدنة التى دخلت فى الأسبوع الثالث، والتزمت جميع قوى المعارضة بها وهذا ما فاجأ الجميع التحدى الأكبر الآن هو أن تكتسب المفاوضات التى بدأت فى جنيف فى 15 مارس، تحت رعاية الأمم المتحدة، المصداقية. وأن تفتح المساومات الدبلوماسية المجال للتوصل إلى حل سياسى للنزاع ينقذ سوريا دولة وشعبا. وهو ما يستلزم أقصى درجة من الوعى والمسئولية. ذلك أن بشار الأسد وحلفاءه الروس، بدلا من أن يتعاملوا مع القضية الرئيسية المتمثلة فى عملية الانتقال السياسى للخروج من الأزمة، يسعون لجعل إيصال المساعدات الإنسانية موضوعا للتفاوض واستغلاله للحصول على تنازلات من المعارضة السورية.
إن القانون الدولى الإنسانى يعرف الحصار على أنه جريمة حرب وقرار مجلس الأمن الأخير رقم 2254 يجعل من القضية الإنسانية التزاما لا يخضع للتفاوض. نظام الأسد مسئول عن الغالبية العظمى من حالات الحصار التى تواصل حرمان قرابة المليون مدنى، حسب مرصد الحصار الذى يحظى باحترام واسع «سيج واتش» ــ من الغذاء، والمياه، والأدوية.
فى هذه الشروط يبقى الدافع للهجرة حاضرا بقوة لدى عشرات الآلاف من السوريين الذين لم تضمن لهم هذه الهدنة الهشة حتى الآن لا اجتياحاتهم الحيوية ولا الحماية المأمولة.
لقد تحول المدنيون منذ بداية النزاع، إلى أهداف للهجمات بشكل ممنهج. فهم ليسوا ضحايا «أضرار جانبية» كما يتم الزعم. بل كل شىء يدل على أن استهدافهم يقع فى قلب استراتيجية موسكو ودمشق من أجل إحداث المزيد من التهجير وزعزعة الاستقرار فى أوروبا ودول الجوار السورى بسبب تدفق اللاجئين. هذا ما ذكره الجنرال فيليب بريدلوف، قائد قوات حلف شمال الأطلنطى فى أوروبا الذى اتهم روسيا باستخدام التهجير كسلاح ضد أوروبا. وبالفعل فإن كل المؤشرات تدل على أن وتيرة النزوح الجماعى ستتسارع.
***
وبنظرة أكثر قربا فى السياق العربى، أين الدول العربية من المأساة السورية؟ يبدو أن العديد من الدول العربية تقف فى مواقع متناقضة فى تعاملها مع الوضع فى سوريا. لذا يتعين عليهم أكثر من أى وقت مضى، أن تتطلع لدور قيادى لمعالجة الأسباب الجذرية لأسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم العربى.
وهو ما يتطلب بالضرورة تحول سياسى حقيقى فى سوريا، بوصفه الحل المجدى الوحيد لإنهاء النزاع. وقد علمتنا التجارب أن المفاوضات لا تفضى إلى مثل هذا الاتفاق إلا إذا جلست الأطراف على مائدة التفاوض وتعاملت بصدق مع المسار السياسى. لذا تحتاج سوريا إلى حشد كل الجهود العربية والدولية لدعم تحول سياسى حقيقى.
فى اللحظة التى تنبئ فيها روسيا بإمكانية تقسيم سوريا، يجب ألا ننسى أن السوريين بدأوا ثورتهم فى 2011 وهم مصرون على وحدتهم بكل طوائفهم، وبعد خمس سنوات من المعاناة غادوا ليتظاهروا سلميا ولا يأملون اليوم إلا فى إمكانية التوحد من جديد لإعادة بناء وطنهم، والتخلص من المجموعات الإجرامية التى تروم التحكم فى مصائرهم، فى دمشق كما فى الرقة. لقد اعتبر بشار الأسد توحد الشعب تهديدا له شخصيا، فزرع الرعب فى قلوب بنى وطنه والفوضى بين صفوف معارضيه. وما زال بشار يمثل حتى الآن العقبة الرئيسية فى إعادة الاستقرار والأمن إلى سوريا. فهل يساوى مصير رجل واحد المخاطرة بمستقبل شعب بأسره؟
لا بد أن نوضح مجموعة حقائق للقارئ الكريم والشعب المعذب الذي تاه في بحر التنظيمات الغريبة العجيبة التي تبدأ من الفنادق والباحثة فقط عن مصادر الرزق على حساب قضيته التي دفع ما دفع من أجلها ، وعانى ما عانى من أجساد التمثيل الكاذب والانتهازي والتي أوصلت قضيته للقبول بتوصيات فيينا وخوض حوار مع وفد النظام لتشكيل حكومة وحدة وطنية معه ... ووو وصولا للترحيب بالغزو الروسي البائد ومشاركة تيارات انفصالية حملت السلاح لجانب النظام .
ولا بد من تبديد الوهم الذي أحاط اطلاق التيار والذي تعمد الإيهام بوجود مشروع وبرنامج دولي اعتمد هذا التيار وتبناه ، ... من مشاركة عربيةلأن حقيقة هذا الاجتماع هو السعي للحصول على مصادر تمويل وتقاسمها ، فكل ما يفيد في إظهار القوة سيفيد في رفع مبالغ الدعم المتوقع ، وفي حصة كل مشارك في هكذا مشاريع ليس لها هدف آخر غير الأهداف الشخصية والمصالح الضيقة بغض النظر عن انعدام مؤهلات وامكانيات وشرعية مطلقيها، وكان من الطبيعي أن يجابه هذا الاعلان برفض عفوي شعبي غير منظم من ناشطين وسياسين من مختلف الفئات نظرا لمعرفة الشعب السوري بسيرة وسلوك هذه الشخصيات وتجربته معهم في الثورة وطريقة صعودهم وفسادهم المالي والاداري عندما كانوا في أعلى قياداتها الافتراضية.
وفي خضم الحالة الشعبية السورية المستنكرة لإعلان ماسمي بتيار الغد السوري لصاحبه رئيس الإئتلاف الوطني الأسبق أحمد الجربا، ظهرت بضعة أصوات لبنانية تحاول التسويق لتلميع هذا التيار وتبييض صفحة رئيسه كان من أغربها مقال لصحفي لبناني أطلق ولسبب مجهول على نفسه رمز ( ف خ ) ونشره أحد المواقع اللبنانية، وترافق هذا المقال مع تغريدات لحسابات لبنانية معظمها وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي كان ظاهراً جهلها الكامل بخصوصية هذا الموضوع، وحاولت بشكل يائس وسافر وفج إقناع السوريين بأن هذا التيار ورئيسه هو أملهم الوحيد بالديمقراطية والحريّة تحت رمز #حقيقة_تيار _الجربا بطريقة هزلية مستخفة بعقول السوريين وكأن الشعب السوري لم يعرفه حتى الآن ، وكأن كوادر وطاقات الشعب السوري قد نضبت ولم يعد هناك أمل لهم الا هو كقائد ملهم مخلص. لكي يجرب المجرب ويعيد تدوير الفضلات السياسية في تيارات جديدة تتزعمه وتقوده نحو التهلكة ...
أغرب ما ورد في المقال المذكور والذي أعتقد أن صاحبه الصحفي اللبناني فارس خشّان والذي كان حاضراً لإجتماع التيار في القاهرة تبنيه لنظرية المؤامرة حول كل العاصفة العفوية التي أثارها اعلان هذا التيار نتيجة لمعرفة السوريين الكبيرة بشخص رئيسه وتاريخه وعدم أهليته، والأغرب هو الضرب بعرض الحائط بالمعارضين السوريين ومكانتهم لدى السوريين باتهامهم بتنفيذ أمر عمليات مدار من قبل جهات مفترضة ، في سابقة تذكرنا تماماً بخطاب نظام بشار الأسد التخويني ونظرياته السخيفة حول المجسمات والمظاهرات المأجورة والمفبركة والدور القطري الاخواني والمؤامرات الكونية، وتناسى الكاتب ف خ أن من هؤلاء المعارضين الذين انتقدوا التيار الافتراضي بشكل علني أسماء مثل الدكتور فيصل القاسم والاعلامي هادي العبدالله والمعارض برهان غليون والصحفي صبحي الحديدي والعقيد رياض الأسعد والعميد أحمد رحال والسيدة رنا قباني ناهيك عن المئات من الناشطين والناشطات السوريين من مختلف المشارب السياسية والفكرية والذين لم يتخفوا خلف أسماء وهمية، ومن غير المقبول أن تصل الجرأة بمن يكتب هذا المقال باتهامهم بالتآمر إرضاءً لمن يحاول تلميعه.
وفي تطابق غريب أيضاً مع آلية عمل إعلام النظام من حيث حقيقة من يحاول تبييض صورته وطريقة التلميع الهزلية حاول كاتب المقال والحسابات الافتراضية اللبنانية التي أطلقت هذه الحملة الفاشلة تسويق الجربا على أنه رمز الاعتدال في الثورة السورية ولا أحد سواه متناسين أن شعباً وثورةً وتضحيةً بهذا الحجم بالتأكيد تمتلك طاقات جبارة وقادرة على إيصال قيادات حقيقية تعبر بسوريا (التي لم يكن يوماً شعبها بأكمله الا شعباً معتدلاً) إلى بر الآمان والسلام عبر اسقاط نظام الأسد المجرم وكل الطحالب والطفيليات السياسية والعسكرية التي ظهرت طول فترة المأساة السورية التي طالت بسببهم .
وبالعودة لموضوع التيار ورئيسه وبغض النظر عن ماورد في كلمته وحضور مؤتمره الذي غاب عن تشكيلته أو حتى الحضور البروتوكولي أي معارض سوري معروف، فالسوريون أيها السادة ليسوا بحاجة إلى أوصياء ليعرفوهم على أشخاص خبروهم وخبروا تصرفاتهم خلال خمس سنوات من عمر الثورة، خاصة بعد كل ماشاب تاريخها من فسادٍ وإفساد وتزوير ، بدءا من كذبة الاعتقال السياسي التي لم يعرف بها أو به أحد من آلاف المعتقلين السياسيين ، ووصولاً حتى إلى شهاداته الدراسية، مرورا بحساباته البنكية وثرواته التي تراكمت في أكثر من بنك ومكان ... وليسوا بحاجة بكل تأكيد إلى أي شرح عن مشاريع هؤلاء ومدى استعدادهم لتبديل المواقف والتنازل مقابل مكتسبات شخصية ، حتى ولو كانت على حساب وحدة الأراضي السورية وتحالفات ومديح بقوى معادية لتطلعات الشعب السوري ، لا بل مشاركة في الحرب عليه كالحكومة الروسية والميليشيات الانفصالية، ولايحتاج السوريون الاستماع لخطاب فلان أو قراءة بيان علتان ، بل يكفيهم العودة الى ذاكرتهم القريبة ليتذكروا أفعال هذا الشخص أثناء رئاسته للائتلاف وماسبقها وتلاها أو البحث في أرشيف رئيس هذا التيار ليجدوا عشرات التصريحات والموجودة بالصوت والصورة على الشبكة العنكبوتية والتي يوضح بها موقفه من النظام الروسي ومحاولاته ركوب موجة المشاريع الانفصالية وخصوصاً بعد رفع المملكة العربية السعودية الغطاء عن رئيس هذا التيار بشكل واضح ومباشر خلال مؤتمر الرياض ، والذي أوهم به الناس طويلا .
وختاماً نقول للكاتب المتحفي ف خ ولأصحاب الحسابات الالكترونية الشقيقة التي تدخلت وبشكل سافر في هذا الشأن السوري الصرف والتي نعتقد أنها أكملت ما كان ينقص رئيس هذا التيار من مشاعر سلبية لدى السوريين من خلال توصيفه على أنه الأمل والقائد الملهم ورمز الديمقراطية والتقدم الأوحد في بلادنا، لأنه من حق السوريين أن يبدوا رأيهم دون أن يخونهم أحد ، وخصوصاً بشخص خبروا ثقافته الثقافية وطلته البهية وشفافيته المالية وخبراته العلمية والعملية والإدارية لسنوات، ومن حقهم أن يرفضوا أشخاصاً يسعون لفرض دورً لهم في مستقبل وطنهم بأساليب ملتوية وبمشاريع شخصية يعتريها كل أنواع الفساد دون أن تفرضوا أنفسكم أوصياء عليهم، ومن حقكم أيضاً أن يكون لكم غايات شخصية من محاولات الرياء والتلميع لأي كان ومهما كان سيئاً ، فهذا هو سوق النصب والارتزاق السياسي العربي ... لكن وبالحد الأدنى تحلوا ببعض اللباقة والاحترام لحقوق غيركم في إبداء رأيه في قضايا وطنه ، التي يدفع ثمنها من دماء خيرة شبابه ، أي غد تعدوننا به إذا كان هذا هو أمسكم ... لا أمس من عمر الزمان ، ولا غد ... فمعبودكم وغايتكم معروف للجميع ، وكل ما تبقى هي بضاعة للتجارة .
الآن و بعد هدأت العاصفة العاطفية التي خلفها قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المتعلق بسحب الجزء الأساسي من قواته التي اعتدت على الشعب السوري ،لابد أن لاننجرف و نعتبر أن ذلك بمثابة صك براءة لما فعلته طوال الشهور الخمسة الماضية ، و في نفس الوقت أن لا نستسلم لعواطفنا و ننجر بعيداً ْن كونه أشبه بمناورة جديدة من روسيا لمزيد من الابتزاز و تحقيق مصالح اضافية من قبل دولة اعتاشت على دماء البلدان و الشعوب .
مرت الساعات الـ ٤٨ الماضية مليئة بالتحليلات حول ايجابية الانسحاب و رسائله في حللت عقد الملف السوري و ايصال السفينة إلى بر الآمان ، مع بعض الاستهزاءات و التشفي بنظام الأسد و موالوه ، التركيز على الجانب المضيئ من القرار المتخذ من دولة لاتعرف العهد و الوعد ، بل هي منبع النكص و الخداع .
و فات الجميع أمر في غاية الأهمية ،والمتمثل بأن الانسحاب الروسي ،حتى لو تم بشكل فعلي ، هو صك براءة لها مما اقترفته في سوريا من جرائم تفوق جرائم الحرب التي شهدها التاريخ ، أم هو وسام جديد سيوضع على صدر السفاح الروسي ، على اعتبار أنه ماكان ليلتزم الجميع في الجلوس على طاولة المفاوضات لولا تدخله بهذا الشكل ، ونكتفي بوضع ما ارتكبه من فظائع في خانة بشار الأسد الذي منح المجرم الروسي "حصانة" و رفع مسؤولية بناء على اتفاقية العدوان .
التباهي الروسي بالتدخل و كذلك بالانسحاب المتزامن دوماً مع نكران أي جريمة ارتكبها ، يدفع السوريين الذي فقدوا عوائلهم و شردوا في على الحدود و لم يعد هناك لهم أمل بالعودة من جديد بعد أن سويت بيوتهم و دمرت أسس الحياة فيها بفعل العدوان الروسي المتوازي مع تقدم جحافل الاحتلال الايراني على الأرض .
و أصدق ماقيل فيما يتعلق بالوضع الراهن هو " عليكم إبادتنا نحن السـوريين ، قلوبنا مثخنة بالجراح واطفالنا،سوف تنتقم لجراحها لهذا، عليكم إبادتنا والا لاتلومونا" ، وهو ما يتطابق مع ذهبت إليه منظمة هيومن رايتس ووتش ، يوم أمس في تقريرها بالذكرى الخامسة للثورة السورية ، بأن المفاوضات و المرحلة القادمة يجب أن لاتتضمن أي عفو أو حصانة لأي مجرم حتى يشعر الضحايا أنهم أخذوا حقوقهم .
و بعيداً عن هذا كله لابد من الحديث المعمق عن الانسحاب الروسي المتعلق بعدة ملفات منها ضغط تركيا مع دول وسط اسيا.. ملف وخط الغاز مع اذربيجان وتركيا العابر لاوروبا .. وملف البترول وتخفيض اسعاره من السعودية .. والرشوه الاخير للروس .. وادراكهم لهمجية حلفائهم ايران وسوريا .. واعتزال الصين هي المعركة حفاظا على اقتصادها .. اجبر روسيا بشكل كبير على هذه القرارات زائد الاتفاق مع امريكا الاخير وتهديد الامريكان للروس بالتصعيد .. وبالنهايه هذا كله يثبت ان روسيا كانت تؤدي دور وظيفي وانتهى الان ، و نهاية هذا الدور لايعني نهاية ملف جرائمها فألفي شهيد و مئات آلاف المشردين و عشرات القرى و المدن المدمرة لايمكن أن يكون بلا ثمن الذي يجب أن يدفع .
أعلن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا استئناف أعمال مؤتمر «جنيف3» لحل
القضية السورية في هذا اليوم، مؤكدًا عدم حدوث أي تغيير على الدعوات التي
كانت وجهت في الجولة السابقة، واقتصار الحضور على وفد يمثل النظام وآخر
يمثل المعارضة التي تقودها الهيئة العليا للمفاوضات، آملاً مشاركة طرفي
الصراع السوري الفاعلة من أجل إحراز تقدم في العملية السياسية.
ولا يرتبط ما جاء في إعلان المبعوث الدولي بحدوث تطورات مهمة بالبيئة
المحيطة بالقضية السورية، حيث ما زالت الأسس، التي تمت الدعوة إلى «جنيف3»
ذاتها، وهي القرار الدولي 2254 ومحادثات فيينا، والإشارة الخجولة إلى بيان
«جنيف1»، التي أكدت المسارات العملية في الجولة الأولى، وتصريحات دي
ميستورا ومسؤولين دوليين آخرين، تجاوز بيان «جنيف1» وقرارات مجلس الأمن حول
القضية السورية ولا سيما القرار 2118 القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي بكامل
الصلاحيات التنفيذية بما فيها السلطة على الجيش والأمن، والاستعاضة عنها
بتشكيل حكومة انتقالية تحافظ على النظام، وتقوم بعمليات تجميل فيه، بدل
إقامة نظام جديد، وبديل لنظام الأسد، كما هي النتائج المرتقبة لهيئة الحكم
الانتقالي.
التبدل الوحيد، الذي حدث في الفترة ما بين توقف محادثات «جنيف3» في الماضي
واستئنافها أواسط الشهر الحالي، كان الهدنة السورية، والتي جاءت نتيجة
التوافق الأميركي - الروسي. غير أن هذه الهدنة جاءت ملغومة، وحملت متغيرات
ميدانية، بدلت توازنات القوة على الأرض وفي السياسة. فعززت موقع نظام
الأسد، وحلفائه من الروس والإيرانيين والميليشيات التابعة لهم بما فيها حزب
الله اللبناني، وأضعفت المعارضة السورية بجناحيها العسكري والسياسي،
وحلفاءها الأقرب، وخصوصًا تركيا.
وكان الأهم فيما صاحب الهدنة الملغومة، تواصل عمليات القصف الروسي، التي
وإنْ انخفض عددها، فقد تكثفت أهدافها ومساراتها وتعاونها مع قوات النظام في
المناطق الحرجة، وأدت إلى حدوث مجازر في كثير من الأماكن وتغييرات ميدانية،
ولا سيما في إدلب وريف حلب الشمالي وفي محيط دمشق من أجل تحقيق هدفين؛
أولهما زيادة مساحات سيطرة النظام في ريف دمشق، والقوى المعادية للمعارضة
في حلب مثل قوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي
الكردي، والثاني فرض الحصار على حلب، وقطع طرق تواصلها وريفها مع تركيا،
التي تمثل عمقًا سياسيًا وعسكريًا للمعارضة في الشمال السوري.
والنقطة الثانية، فيما رافق الهدنة السورية، كان موضوع المساعدات، وقد
صاحبته التباسات كثيرة، لعل الأبرز فيها، أنها كانت محدودة من الناحيتين
الكمية والنوعية، فلم يتم إدخال كميات تناسب احتياجات المناطق المحاصرة،
مما يعني أن الحاجة مستمرة للمساعدات الغذائية والطبية، كما جرى منع مرور
حليب الأطفال وأغذيتهم، وبعض أنواع الأدوية لاحتياجات مرضية معينة، إضافة
لمنع نقل المرضى المحتاجين لعناية خاصة إلى المستشفيات من المناطق
المحاصرة، والأهم مما سبق كله، أنه تم استثناء بعض المناطق المحاصرة مثل
داريا من المساعدات الطبية والغذائية، بينما كانت الهجمات تتوالى عليها.
وحسب التطورات التي رافقت الهدنة، فإنه يمكن القول، إن بيئة الحل السياسي،
ساءت أكثر مما كانت عليه عشية إطلاق مؤتمر «جنيف3»، ولم يتحقق أي من
الخطوات، التي أشار إلى ضرورة القيام بها، ومنها قرار مجلس الأمن الدولي
2254، لتحسين بيئة الحل السياسي، وهي وقف العمليات العسكرية، ورفع الحصار
عن المناطق المحاصرة، وإطلاق المعتقلين، الأمر الذي يجعل من استئناف
«جنيف3» بلا جدوى، رغم كل الآمال، التي يعلقها على ذلك المبعوث الدولي دي
ميستورا والراعيان الرئيسيان روسيا والولايات المتحدة، وهو السبب الذي جعل
الهيئة العليا للمفاوضات، تعلن أنها ستذهب إلى جنيف للتفاوض حول هيئة الحكم
الانتقالي، وليس لأي هدف آخر.
وسط تلك الوقائع، وما لم تحدث تطورات خارج السياق المتوقع، فإن محادثات
جنيف المقبلة محكومة بالفشل المؤكد قبل أن تبدأ، ولن يتمخض عنها أي تقدم أو
تطور إيجابي، يدفع عملية الحل السياسي إلى الأمام، مما يعني، أن على
السوريين والمعنيين الإقليميين والدوليين بالقضية السورية الاستعداد لمرحلة
ما بعد «جنيف3»، والتي ستشمل استمرار الصراعات العسكرية من جهة، والمزيد من
التحركات والمشاورات الدبلوماسية من جهة أخرى.
إن إقلاع قطار الحل السياسي في سوريا، يتطلب وكما كان الحال منذ وقت طويل،
تغييرًا في مواقف الدول المعنية بالحل والقادرة عليه، كما يتطلب توفير إرادة
وجدية منهم في هذا الإطار، وما لم يتم الأمران، فسوف تظل الجهود المبذولة
هنا وهناك، تراوح في المكان بلا فائدة ولا نتيجة عملية.
أدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعراضه المعتاد باخراج قرارات معاكسة للتيار و بشكل مفاجئ ، مع اعلانه عن سحب قواته الرئيسية من سوريا ، والمحافظة على قواعده و تكويناتها وفقاً للحالة التي كانت عليها قبل بدء العدوان في ٣٠ أيلول العام الماضي ، معتبراً أن المهمة تم تنفيذها وحان الوقت للدخول في الجانب السياسي الذي لم يكن ليحدث لولا تدخله .
الحقيقة القراءة في القرار الروسي ، الذي كان صادماً ، لاتخرج عن تنفيذ البند المتعلق في روسيا و المتمثل بارغام الأسد على أن دوره قد انتهى ، وأن القافلة ستسير وفق قرار مجلس الأمن دونه ، وما ممكن أن يجبر على سلوك هذا الخيار إلا من خلال نزع المخالب الصناعية التي مكنته من استعادة جزء من سلطته الميدانية و ايقاف التمدد الذي حققه الثوار الأرض ، فمساوات الكفتين كانت الخطة الأمريكية – الروسية التي انتهجت و سارت بهدوء على أنهار الدم السوري.
و مناورة سحب القوات الروسية ، التي بدأت بشكل تدريجي قبل ثلاثة أيام ، ستكون لها نتائج حتمية على جميع الأطراف و المستويات و ملفات عدة ، أبرزها انهاء أي فكر تركي للتمدد في سوريا بوضع الحاجز الكردي الذي من الممكن تكبير دوره و تصغيره تبعاً لمطلبات الأمور ، وقف التوغل الايراني بمنع المساندة الجوية ، التي كانت مفصلية بتحقيق أهداف آنية ، و بالتالي باتت قواتها التي نشرت مكشوفة و معرضة للابادة نظراً للكم الهائل من الحقد الذي يحيط بها بعد الفظائع التي ارتكبتها ، و كذلك تقديم مكافئة للدول الخليجية على حسن السلوك خلال الجنون الروسي ، ببتر يد ايران ، ومنعها من تحقيق مزيداً من التقدم و اكمال الطوق حول تلك الدول بعد سيطرة ايران على العراق و لبنان و كانت بحاجة لكل من سوريا و اليمن ليكون دول الخليج داخل دائرة النار الايرانية .
تسوية على هذا المستوى لايمكن أن تستثنى ملفات أخرى أرّقت روسيا و جعلتها معاقبة من الدول الأوربية ، ألا وهي "أوكرانيا" ، فهذا الملف يبدو أنه قد تم تضمينه في الصفقة و حظي بقبول الدول الأوربية بعد أن التقاها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري .
في مايتعلق بسوريا فقد تأكد لكل من روسيا و أمريكا إن حرب كبرى ستندلع لأجل شخص لايستحق ، و بالتالي كانت الموافقة الروسية على استبدال شخص "بشار الأسد" ، ضمن عملية سياسية شكلية و لكن بشرط المحافظة على شكل النظام و هيكليته ، ونزع الرأس منه باحضار بديل قد يكون امراءة كما حلم المبعوث الأممي إلى سوريا استيفان دي مستورا اليوم .
ربح الجميع و حصدوا ما زرعوه ، ويبدو أننا خرجنا خاسرين إذ المقدمات لاتشي بذلك المستقبل المرسوم في العقول و المخبئ داخل القلوب ، فالقرار قرار خارجي و ما علينا سوى الانتظار ومتابعة انتهاء مصالح الجميع ، لأخذ البقايا علّها تكفي للملمة جراحنا .
أفضل مثل ينطبق على روسا المثل الشعبي الشهير: "طبيب يداوي الناس وهو عليل"، ففي أحسن الأحوال، لن تقدم روسيا العليلة ديمقراطياً للسوريين أكثر من نموذجها الديموخراطي الكوميدي الذي أصبح مثاراً للسخرية والتهكم عالمياً. فربما يغيب عن أذهان الكثيرين أن كل ثورات أوروبا الشرقية نجحت، واستطاعت بعدها الشعوب أن تنتقل فعلياً من حقبة الطغيان الشيوعي إلى حقبة الديمقراطية الرأسمالية. لكن روسيا كانت الاستثناء الوحيد الذي عارض حركة التاريخ. صحيح أن رومانيا تأخرت قليلاً عن ركب جاراتها في الانتقال الديمقراطي، حيث ظل شبح تشاوسيسكو جاثماً على البلاد حوالي عشر سنوات بعد نفوق الطاغية، لكن رومانيا نجحت فيما بعد في التخلص من تركة تشاوسيسكو ونائبه الذي استمر في الحكم بعد الثورة لعقد من الزمان. وبعد أن أيقنت أوروبا الغربية أن شقيقاتها الشرقية قد تخلصت فعلاً من الإرث الشيوعي الطغياني استقبلتها في الاتحاد الأوربي لتصبح أعضاء كاملة الأوصاف. لكن وكر الشيوعية الأصلي الذي كان يتمثل بالاتحاد السوفيتي لم يفارق عهد الطغيان إلا شكلياً.
على عكس كل الدول الأوربية الشرقية التي كانت تدور في الفلك الروسي، انتقلت روسيا بعد ثورتها، أو لنقل بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، انتقلت من الديكتاتورية الشيوعية إلى عصر المافيا، حيث حكمت المافيا هناك لفترة من الزمن ريثما يتشكل نظام جديد يحكم البلاد بعد سقوط النظام الشيوعي. وبعد طول انتظار، لم يحظ الشعب الروسي بحكم ديمقراطي على غرار بقية دول أوروبا الشرقية التي انتقلت فعلياً إلى النظام الديمقراطي الحقيقي. لا شك أن النظام الروسي الجديد راح ينافس الرأسمالية المتوحشة اقتصادياً، حيث تحولت موسكو إلى واحدة من أغلى العواصم في العالم، لكن النظام السياسي الجديد ظل نظاماً سوفيتياً بواجهة ديمقراطية زائفة. صحيح أن الدولة الروسية الجديدة تظاهرت باتباع النظام الديمقراطي والانتخابات والتعددية الحزبية وغيرها من مظاهر الديمقراطية، إلا أنها في الواقع كانت وما زالت بعيدة عن الديمقراطية الحقيقية بعد الأرض عن الشمس.
انظروا فقط إلى لعبة التداول على السلطة المزعومة في روسيا منذ سنوات طوال. لقد تحولت روسيا إلى لعبة في أيدي الثنائي الشهير ميدفيديف-بوتين. مرة يكون ميدفيديف رئيساً للجمهورية وبوتين رئيساً للوزراء، ومرة يكون العكس، مع الانتباه طبعاً إلى أن الحاكم الحقيقي الوحيد في روسيا هو بوتين، بينما يلعب مدفيديف دور الكومبارس الديمقراطي. ولسنا بحاجة أبداً لأي برهان كي نرى كيف أصبحت روسيا العظمى كلها مرتبطة باسم بوتين، بينما ينظر حتى الروس أنفسهم إلى ميدفيديف شريك بوتين في السلطة على أنه مجرد ديكور ديمقراطي، بينما السلطة الحقيقية للقيصر بوتين، وهو الاسم الذي تطلقه عليه وسائل الإعلام الغربية، لأنه الحاكم بأمره بقوة الجيش وأجهزة الأمن الروسية الشهيرة التي ورثت أساليب الكي جي بي من ألفها إلى يائها.
وبما أن روسيا أصبحت صاحبة الكلمة العليا في سوريا بعد احتلالها المباشر للبلاد بغطاء شرعي زائف اسمه بشار الأسد، فهي لا شك ستنقل للسوريين تجربتها "الديموخراطية" الكوميدية، بحيث ستعمل على إجراء انتخابات يفوز فيها عميلها في دمشق سواء كان بشار أو عميلا آخر من نفس الطينة. ويجب أن ننوه هنا إلى أن روسيا تغلغلت عميقاً داخل المؤسستين العسكرية والأمنية السورية، وتعرف أيضاً كيف تتلاعب بأتباعها داخل المؤسستين. وبالتالي، فيما لو حصل تغيير في سوريا، فلا شك أنه سيكون على الطريقة الروسية، بحيث سيبقى الأمن والعسكر مسيطرين على البلاد بنفس الطريقة التي يدير بها بوتين روسيا "الجديدة". بعبارة أخرى، فإن الثورة السورية ستفرز واقعاً مشابهاً للواقع الذي أفرزته الثورة الروسية المسكينة التي انتقلت ظاهرياً من العهد السوفيتي الشيوعي إلى العهد الديمقراطي الزائف، بينما ظلت اليد العليا فيها عملياً للجيش والاستخبارات. ولا ننسى طبعاً أن الرئيس الروسي بوتين نفسه هو أحد رجالات المخابرات الروسية "الأشاوس". وهذا يؤكد أن روسيا شذت عن باقي ثورات أوروبا الشرقية.
وفي أحسن الأحوال، إذا ظلت روسيا ممسكة، بزمام الأمور في سوريا، فلن يحصل السوريون إلا على نسخة مشوهة من "الديموخراطية" الروسية، بحيث سيكون لدينا رئيس من فصيلة المخابرات والعسكر حاكم بأمره يتناوب على السلطة مع شخصية أخرى من وزن "الطرطور" كي يقنع العالم بأن سوريا تغيرت وأصبحت ديمقراطية، بينما هي في الواقع انتقلت من سييء إلى أسوأ. ولا شك أن "الديموخراطية" السورية ذات النكهة الروسية ستكون مناسبة جداً لإسرائيل، لأنها تطمئنها بأن الشعب السوري سيبقى تحت ربقة العسكر والمخابرات الذين حموا إسرائيل من الشعب السوري على مدى نصف قرن من الزمان. فهل سيقبل السوريون بأن تذهب تضحياتهم الهائلة أدراج الرياح مقابل الحصول على نظام عسكري مخابراتي برداء ديموخراطي زائف من طراز بوتين-ميدفيديف، أو ميديفيديف-بوتين؟
اليوم نستطيع أن نرتاح و نُرّيح الضمير بعد أن تم إنهاء الفتنة و ضرب الغداّر و المتعامل مع الغرب ، فالفرقة ١٣ باتت صديق ، و انضمت إلى قائمة الازالة دون ضجيج أو اعتراض من أحد كما جرت العادة، وكيف يعترضون والفرقة "بغت" و أخطأ أفرادها و ارتكبوا الموبقات و أكملوها بالخروج في المظاهرات و رفع الرايات التي تعارض و تقتل "الشهداء" مرة أخرى ،الذي أتوا "نصرة" للشعب و دعماً له ، لا لـ"حكمه" ، و لعن الله موقظ "الفتن" ، نقطة تم طي الملف و حان وقت التحضير للملف الثاني ( الفرقة الوسطى – جيش النصر – فيلق الشام ) و القادم غير ببعيد "أحرار الشام" .
من الممكن أن يكون الكلام السابق عبارة عن ملخص بسيط جداً للرؤية التي سيقت لانهاء الفرقة 13 ، وطردها من مقرتها و الاستيلاء على أسلحتها ، و هي أيضاً رواية تعجب الصامتين و الجالسين على كراسي الانتظار ريثما يأتي "الجزار" لإنهاءه فلا مكان للمقاومة ، فالمتفرقون لايملكون من الحول والقوة إلا ميزة "الانتظار".
بالأمس كتبت عن "النصرة الجريحة" و شبهتها بأنها "نمر" جريح بعد أن بقيت وحدها دون وقف اطلاق للنار ، وأن الخيارات أمامها محصورة بين فتح الحرب علي الجميع من الخارج و الداخل ، أو الانصهار من جديد مع داعش و عودة الفرع إلى الأصل ، و يبدو أن النصرة قد قررت الاثنين معاً و بدأت بالحرب و تدمير المحيطين و من ثم تنتقل لمرحلة الانصهار ، وفق تخطيط مدروس و حجج حاضرة ، فهنا الفرقة ١٣ اقتحمت بيوت المجاهدين و اعتدت على الحرمات ، و تحقق الشرطان الموجبان للقتل ( الدين - العرض ) .
عاشت بالأمس مدينة معرة النعمان ليلة دموية وكانت الأرتال التي سيرت من قبل المختلفين بالقيادات و المتفقين بالمنهج كافية لمحاربة فيلق ايران وملحقاته الرابضين بمحيط الجميع ،و لكن يبدو أن مقاتلي معرة النعمان أشد خطراً من أؤلائك ، و من الممكن أن يكون أصحاب العَلم أكثر خبثاً و يملكون أجندة أكبر شراً من الكفرة أنفسهم .
من المفروض أن نناقش الأمور بروية و موضوعية ، و لكن هذا النقاش يتطلب أن يكون السلاح جانباً ، و يكون هناك تكافئ بين المتواجهيين ، و لكن في ظل هذا الوضع لايبقى لأي منطق مكان إلا في عقول المبررين ، الذين وجدوا أن ماحدث عبارة "فتنة" أثارها الخبثاء و أطفئها العقلاء ، في تكرار حقيقي و فعلي لفتنة الثورة التي انطلقت قبل خمس سنوات ، ولازال شيوخ السلطان يكرروها إنها فتنة "فاجتنبوها".
لايمكن توقع ماذا سيحدث أو ماهي اتجاهات الامور بعد أحداِث الأمس ، و لكن السؤال هل ستحمي النصرة و أصدقائها السكان من القصف و الغارات ،وماهو موقف الصامتون عندما تقترب السكين من رقابهم في القريب غير البعيد ، ليس تحريضاً على القتال أو الاقتتال ، إنما دعوة لردع المعتدي و الباغي وتطبيق حد "القاتل يقتل" أم أن الرأي قد استقر على "لو بعد حين".
نحن ..! أصحاب السوابق
ولا فخر !.
ينحدر بعضنا إلى قبيلة قيس أو كنانة، الذين اشعلوا حرب الفجار،
وينحدر أخرون إلى اﻷوس أو الخزرج، الذين بدأوا حروبهم بحرب سمير ،وتوالت حروبهم /140/ عاما" ، لتنتهي بحرب بعاث،
وينحدر غيرنا إلى عبس وزبيان، الذين أشعلوا داحس والغبراء.
كيف لنا أن ننسى أجدادنا أبناء تغلب و بني شيبان وحربهم البسوس الضروس .
نعم ..
ولا فخر !
نحن أحفاد هؤلاء العرب ، الذين أشعلوا حروبا" لعقود ، من أجل طلاق إمرأة أو مرعى ناقة .
حروب تفني الشباب وتحرق الممتلكات وتهجر النساء والأطفال ، وتنهك العرب و تقلل من هيبتهم ومكنت خصومهم منهم .
و للأسف ...
ما أشبه اليوم بالأمس، وقد بدأت حربنا الباردة، ليس من أجل الإنسان أو الحيوان أو المال .
الخلاف اليوم من أجل خرقة.
تلك الراية التي ترفع كرمز تعبيري، ويفتخر بها حاملها لمجاهرته بانتماءه، تتحول في نظر الجميع لخرقة بالية مثيرة للفتنة، تجلب الويلات لأصحابها
... ومع من ؟
مع رفقاء الدرب شركاء الأسى الذين أنهكتهم الحرب .
الحكاية........ باختصار تبدأ
عندما نفقد الوعي، ونتحول جميعاً لجسور تمر من فوقنا المشاريع ، وتتقاسمنا المعسكرات . فنضيع بين المصالح الغربية و الشمالية ، أو بين المصالح الشرقية و القبلية ، وننفذ أجندتها بحذافيرها .
لا بل بسناريو أسرع و أشد دموية مما توقعه المخرج ، وبأخف كلفة مما أعده لنا المنتج ،
ثم نشعل من أجل (الخرق) حروباً فيما بيننا كحرب البسوس و بعاث .
نصبغها باسم الحرية أو الإسلام و باسم الفتح أو النصر لافرق
فكلنا الحق وغيرنا الباطل .
نحن لم نتجاوز بعد، جاهليتنا الأولى الضاربة في عمق تاريخنا الدموي .
فليس ..!
صدفة في رسالة الإسلام ، أن لا تجد وصفا دقيقا لراية واحدة، اعتمدها النبي الذي نقلت عنه أدق التفاصيل من داخل حجراته بينه وبين أزواجه، إلى كبرى مراسلاته بينه وبين أعظم ملوك الأرض آنذاك .
ولا تكاد تجد راية معتمدة مجمع عليها في كتب السيرة .
لأن الشريعة أوسع بكثير من نفوس حملتها،
ولا تهتم بالشكليات عندما تكون الوجهة صحيحة ، والقبلة واحدة وتصل الأتباع بالهدف المنشود .
أما عند الخلاف فتعتمد على الدعوة و التنوير، لتوجيه الأخ الحبيب لا الخصم المنازع للطريق الصحيح .
فكيف يسمح للمسلم أن يخسر أخاه من أجل خرقة بالية ؟.
ولا ننكر الحقيقة
فتعدد الرايات تدل على تعدد المشاريع القادمة من الخارج، التي تحاول الهيمنة على ماتبقى من الشعب،
وتلونه بصبغتها.
لا يهمنا كثيرا" أعرف أصحابها أم لا ؟
ولا حاجة للبحث عن خلفياتهم أو نواياهم .
لأننا لانعرف من هم أصلا"، ولا حتى مكان إقامتهم إلا من خلال تسريبات الإعلام المتهم ، وصاحب السوابق المتكررة في تشويه الحقائق، والترويج لمشاريع استعمارية كبيرة باسم الإسلام .
لا حاجة لمعرفة البعيد الغائب .
إن كان الأتباع على الأرض يمثلون المنهج بحذافيره ، وينفذون قرارات القادة ، فنستدل على الغائب بأفعال الحاضر ، إلا أن يصدر الغائب بيان استنكار و براءة من تلك الأفعال . فنعلم حينها حقيقة المنهج وأي نوع من النصوص التي سيعتمدها في سلوكه القادم .
وكذلك نقرأ السياسة التي سيتبعها الخصم في تعامله مع الأمر الواقع .
وما الخطة المعدة بعد هذه الحرب الباردة
هل تأخذ مسار تصعيدي، أو باتجاه التهدئة ، و تفهم القلق وامتصاص الغضب .
فهل صراع الخرق، هو صراع المناهج أم موجة عابرة، إثر نازلة حديثة غير متوقعة، أحدثت خلافا عابرا" بين العناصر ،
و سيرسم بعدها خطة طريق توافقية، تضع نصب عينيها العدو المتربص -بشار الأسد-المنتظر لينقض على الثور الأخير المنهك ،
ولن ينفع بعدها الندم