إيران نظرة من الداخل ( ٣- ٤) .. ٣٨ عاماً من الخناق والاستبداد تجعل الانفجار قادم لامحال
إيران نظرة من الداخل ( ٣- ٤) .. ٣٨ عاماً من الخناق والاستبداد تجعل الانفجار قادم لامحال
● مقالات رأي ٢١ فبراير ٢٠١٦

إيران نظرة من الداخل ( ٣- ٤) .. ٣٨ عاماً من الخناق والاستبداد تجعل الانفجار قادم لامحال

جزأين قد يكونا معقدين ، مملين نسبياً و لكنهما واجبي الحضور في طرح ما يأتي ، و من الممكن أن تكون رحلة الجزء الثالث تتشابه مع سابقتيها ، و لكني مضطر لولوجها ، فهي الشيء الوحيد من الداخل .

صديقنا الداخل إلى إيران في تسعينيات القرن الماضي ، واصل ظنه أن ايران هي "المسجد" الإسلامي الكبير ، و كيف لا ، و هي تضع كلمة "الله" في وسط علمها ، و لا تذكر اسمها قبل ديباجة "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" .

وفق الصديق فإيران عبارة عن كتلة بشرية و دينية و إيدلوجية في غاية التعقيد ، ففي إيران فرس و أفغان و باكستانيون ، عرب و أتراك و كرد ، أذريون و طاجيك ، قوميات متضاربة تمتلك عمقاً إقليميا مع المحيط ، و لكن في بعضهم الغالب خاضعون للسيطرة "الشيعية" و لـ"ولاية الفقيه" ، الولاية التي يخضع لها وفق إحصائيات إيران أكثر من ٩٠ ٪ من الشعب المتواجد في الأرض الإيرانية ، وما تبقى عبارة عن أقليات هامشية من سنّة و مسيحيين ، يهود و عبّاد نار "ذراتشت" ، و بهائيون و زيديون و الكثير الكثير من المذاهب و الأديان التي لاوجود لها أي صولة أو جولة ، فهم أقليات مندثرة تحت أقدام "الولي الفقيه" ، و كذلك القلة "المزعجة" من عرب و كرد ، و القلة "المقرفة " الأفغان و الترك و الأذريون "، فلا مكان لهم في جيش أو سلطة  أو حتى وظيفة فالسقف قد يكونوا معلمين في مدارس نائية ، وفي الغالب ينشطون في رعي المواشي أو فلاحين في البساتين و الأراضي الزراعية التي تغص بها إيران ، و التي يمكن وصفها بأنها بلاد الفصول الأربعة لتموضع أراضيها من بحر قزوين إلى الخليج العربي .

هذه الكتل لم تكن لتحكم لولا النظام الحديدي المسلط على الرقاب ، الأجهزة المتنوعة والمنتشرة في كل مكان ، حرس ثوي ، بسيج ، أمر بالمعروف و نهي عن المنكر ، جيش ، شرطة ، مخابرات بكل الأصناف و فئات الشعب ، فكل شيء تحت الرقابة .

في إيران و في تسعينيات القرن الماضي ، لا يمكن أن تجري مكالمة إلا من خلال مكان يدعى "مخابرات" ، ويعني بالفارسية الاتصالات ، و كل اتصال محدد بثلاث دقائق يقطع و تعاود من جديد إذا ما أردت الاسترسال في حديثك الذي يوجد الكثير من الآذان تتنصت و تفك شيفراته ، و لا يمكن خارج هذا المكان أن تجري مكالمة فأعداء "الإسلام" متربصون بدولة الإسلام التي تدعى "إيران".

تقسم موارد إيران الوافرة من ذهب و نفط و غاز و يورانيوم و ... و.... ، وسجاد عجمي و كافيار و .... ، إلى خمسة أخماس ، أولها لـ"الولي الفقيه" و ثانيها للإمام "رضا" ، ثامن الأئمة في مسيرة الشيعة من ١٢ آخرهم المهدي الغائب والذي له مقام في مدينة "مشهد" ، وخمس آخر للمستضعفين في الأرض جرحى ومعوقي الحرب الإيرانية في الثمانينيات ، و ما تبقى يكون للسبعين مليوناً أو الثمانين كما هو الحال اليوم .

في أواخر التسعينيات بدأت القلاقل تظهر في إيران ، و بدأ الجيل الجديد الذي لم يشاهد الشاه أو يعرفه ، بالتمرد على "الولاية" باطناً ، و على أسلوب الحكم ظاهراً ، و خرجت ما تعرف بثورة جامعات طهران ، التي وئدت بسرعة و بإيغال كبير في الدم ، وبات مطلوبا استنساخ شكل جديد من النظام ، و إطلاق "الإصلاحيين" في مواجهة "المحافظين" فجاء علي خاتمي ، ببشاشته ليهدأ من روع "رفسنجاني" و تسلطه ، ولكن الأمر سيان بالنسبة للطرفين ، وفي النهاية سيجلسون بين يدي "الولي الفقيه" و يحاولون أن يعملوا وفق ما تصدره أنفاسه من أوامر .

فكرة الإصلاحيين و المحافظين ، فكرة كانت جيدة لفترة من الزمن ، لامتصاص فورة جيل الثمانينيات ، الذي تلاه جيل التسعينيات الذي تزود جزء منه بالمعرفة ، و جزء آخر لازال ينهل العلم التقني ، و يلفظ الديني ، هذا اللفظ الذي يخيف إيران عموماً و "الولي الفقيه" على وجه الخصوص.

خميني الذي لم يمض إلا ثمان سنوات في حكم إيران ، و جميعها كانت في حرب مع العراق ، لم يستطع جعل إيران كما يشتهي أو كما خُطط لها ، وكان لابد من بديل متمكن و متفرد في ذلك ، و بالفعل تم إنهاء جميع علماء "مجلس تشخيص مصلحة النظام" ، من خلال تفجير قيل أن "إرهابيا" استهدف اجتماعهم لتحديد البديل عن خميني ، و لم ينج منه إلا "خامنئي" الذي كان مريضاً في المشفى و رفسنجاني الذي كان يعوده ، لتنتهي قصة المراجع الـ ٥٧ الذين قتلوا ، و يخلدون باسم نوع من علب السجائر "بنج و هافت" ، وهي نوع من السجائر الصغيرة إيرانية المنشأ ، رديئة الطعم ، و لكنها رخيصة ، و مخصصة لعامة الشعب ، وقد تكون الغاية منها هي مواصلة زرع الفكر "الفارسي الشيعي" في قالب تأليه "المعمم" حتى في دخان السجائر.

وبالمناسبة "مجلس تشخيص مصلحة النظام " هو الحاكم و الآمر بكل شيء و طبعا تحت إمرة الولي الفقيه ، ويمكن تقريبه لواقعنا بالقيادة القطرية لحزب البعث الحاكمة في سوريا تحت إمرة الأمين العام حافظ الأسد و من بعده بشار الأسد ، و دورها الفعال و الحاسم في كل شيء و ما الحكومة و رئيسها ووزرائها و كافة مفاصل الدولة إلا منفذين لقرارات القطرية ، التي هي بالأساس لا تملك شيئا بدون توجيهات "القائد الملهم" الذي فوّض أجهزته الأمنية بالبت بكل شيء ، وهم بدورهم تابعين لأناس آخرين ضمن "الكهنوت" العلوي.

في طهران العاصمة يوجد كل شيء ماء و جبال ، شوارع واسعة ، ميترو أنفاق ، طرق مخصصة لوسائل النقل ، مدينة ضخمة و مرعبة و الأهم ملوثة بشكل لا يمكن السير دون شيء على أنفك ينظف الهواء الداخل لرئتيك .

في تلك الـ "طهران" يوجد مناطق متنوعة ، جنوبية ملأى باللاجئين الأفغان و العراقيين و موبوءة بالمخدرات ، بشكل أن السائر فيها سيستمع كثيراً لكلمة "دارو ... دارو" ، وتعني الكلمة حرفيا "دواء" و مصطلحياً "المخدرات" ، ففي إيران المخدرات هي الأكثر شيوعاً و انتشاراً ، والأكثر استخداماً و من الجميع وقلما الاستثناء له مكان ، في الجامعات و المدارس و العمل و حتى المنازل .

ففي جنوب طهران يوجد الفقر و الجهل ، و تنتشر "البيكان" ، وهو نوع سيارات تصنعه إيران ، والأهم أن التشدد و المحافظين يملكون اليد الطولى ، فالتشادور ( اللباس الإسلامي وفق المنظور الإيراني – كامل السواد يغطي كامل الجسد و فضفاض لحد اتساعه لعدة نساء) طاغي ، و رائحة العرق تزكم الأنوف ، و الشعر الظاهر على النساء اللاتي يملكن شارب كما الرجال .

وفي شمال طهران حيث مقرات السفارات ، وعُلية القوم من التجار و الأثرياء و كذلك المتنفذين في القرارات و رجالات الدين الشكليين و المافيات الفعلين ، هناك تغيب "البايكان" حتى تظن أن إيران لا تصنعها ، و يغيب معها التشادور لتظهر القمصان القصيرة حتى الركبة و الحجاب المعقود على العنق الظاهر و خصلات الشعر تهرب منه ، دون أن تجد من مالكته حرج أو سعي للإخفاء ، فهو شكل مفروض و غير مرغوب .

و ما يجمع طهران شمالها و جنوبها ، هو "الفجور" ، فشعب يملك من الرغبة بالمتعة الكثير ، ففي صلب مذهبهم زواج المتعة لتيسير العملية ، وقيل أن رفسنجاني لو بقي فترة حكم إضافية ، لجعل مكاتب زواج المتعة كالمكاتب العقارية منتشرة في كل حي و في كل نقطة ، و قد يكون هناك عروض على مرتاديها .

الاختلاف بين الطهرانين ( الشمال و الجنوب) هو الاختلاف الحاصل تماماً في إيران ، بين إيران الثورة ١٩٧٩ و ٢٠١٦ ، فالأوائل محافظون بالشكل مليئ بالفساد و المخدرات ، و التاليين متفلتين من كل شيء ، والأهم يرفضون وجود المحافظين .

هذا الخلاف هو ما يجعل إيران على أبواب صراع تتوقعه هي أكثر من الجميع ، مع انفكاك العقوبات عليها من قبل الغرب بموجب الاتفاق النووي .، وهو ما سيكون موضوع الجزء القادم .

........

المصدر: شبكة شام الاخبارية الكاتب: زين مصطفى
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ