
إيران نظرة من الداخل (١ - ٤ ) ... كيف بدأت "الفارسية الشيعية"
إيران الشاه و إيران الولي الفقيه ... و إيران اليوم بين الصراع الجيوسياسي و الصراع الداخلي ، إضافة لخلط أوراق إقليمية بيدها و عقلها أو كأداة لما هو أكبر منه ، يجعل من قراءة المشهد الإيراني معقداً كتعقيدات السياسية و الحرب التي تدور في فلك رقعة جغرافية بدأت بها البشرية ، و يبدو أنها ستشهد نهايتها أو على الأقل أقسى مرحلها عنفاً و دموية ، و لن تنتهي إلا بوجود طرف واحد ، طرفٌ منتصر بشكل تام على حساب إبادة الطرف الآخر بشكل تام أيضاً.
في القرن الماضي عندما كان القرار لذلك الفتى التوجه لإيران ، كان في رأسه أنه سيذهب إلى مسجد كبير ، و يقتصر تواجده هناك على الدين و التحضير للآخرة ، فلا مكان في ذلك البلد البعيد عن سوريا ، و المغيب عن العالم بأسره لقرابة عشرين عاماً ، إلا رؤيتين الأولى "راعية المقاومة" و الثانية لأنه إسلامي ( وفق الرواية التي نقلت إليه و للسوريين أجمع).
الطائرة ملأى ، لا مكان فيها للسافرات ، فالمضيفات المحجبات يوزعن التشادو ( اللباس الإسلامي وفق المنظور الإيراني – كامل السواد يغطي كامل الجسد و فضفاض لحد اتساعه لعدة نساء) ، من نافذة تلك الطائرة كانت النظرات باتجاه ذلك الجامع الكبير (وفق المخيلة) ، النور الشاسع لعاصمة كبيرة كـ"طهران" ، و بين المشهدين هنا شغف لكسر السواد و الظلام المحيط بهذه الرقعة ، التي تحولت لأسطورة ، تضخمت بفعل ذراعها في دمشق الذي جعل منه المارد الذي يخيف الأعداء ، سيما أن أحداث التهديدات التركية لسوريا بشأن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان ، ماكنت لتنتهي لولا تهديدات الوحش الإيراني ، الذي يحظى بالحب "البعثي" و طبعا لرعايا البعث أياً كانت انتماءاتهم السياسية أو الإيدلوجية ، و لكنهم بالنهاية بعثيون فهم "حزبيون حزبيون و من مولدهم بعثيون".
إيران تمتلك مساحة شاسعة لا يمكن التجوال فيها أو إدارك أطرافها ، ملايين البشر المتناثرين في كافة الأرجاء ، و"طهران" عبارة عن إيران مصغرة ، يمكن أن تكتشف غالبية إيران من خلال امتزاجك بها .
من الجيد أن تجد عندما تدخل إيران أحرفاً عربية ، و لكنها مرسومة بشكل ما تجعلك تخلط بينها و بين الكتابة الشيطانية ، فهي عربية الشكل غريبة الرسم و غير مفهومة المعنى .
وهذا الامتهان اللغوي ، أول ما يثيرك اتجاه هذه البلد ، المريب فعلاً و حقاً ، سيما مع الولوج إليها أكثر فأكثر ، و الدخول في حناياها التاريخية ، لتجد نفسك أمام كتلة من التناقضات غير معروفة الآلية التي مزجتها ، و لكنها قائمة على نار مشتعلة كما كان سكانها من الأزل "عباداً للنار" ، تشهد هدوءا متصاعد القوة .
اختار اسماعيل الصفوي ، شاه إيران المذهب الشيعي ، كمذهب "شكلاً" و لكنه دين بالفعل ، لكي ينسلخ عن العرب ، يعزز الفارسية في إمبراطورية انهارت أركانها ، على يد العرب المسلمين ، الذين كانوا بالنسبة للفرس عبارة عن ( آكلي الجراد) ، وفق رؤيتهم .
الصفويون وجدوا في الشيعة الخلاص ، فهم لم يتمكنوا من استخدام الإسماعلية كونها دين غير "دعوي" و كذلك الدرزية المنطوية على ذاتها ، و كان من الصعب التوجه لدين آخر بعيد عن عباءة الإسلام ، فإيران وقتها لازالت مسلمة و على نهج "السنّة" ، فهم بحاجة لأحد شُعب الإسلام للتمسك بها ، و لكن بشروط تجعلها شبه خاصة ، و تؤمن لهم السلطة المطلقة ، و كذلك العداء المطلق و الدموي مع العرب ، فوجدوا ببقايا الشيعة المندثرة من هذا و ذاك ، بدؤوا بالنفخ في رمادها ليوقدوا نار "الفارسية" بغطاء الدين .
الصفويون نجحوا بتأسيس مدارس لتخريج "العمائم" للتعمية على أبصار السنة بالدعوة ، و في حال الفشل كان السيف حاضراً لقطع رأس كل من يرفض إدخال هذا الفكر .
رُسمت "الشيعة الصفوية" بشكل مدروس ، و يحقق المآرب ، تأليه الأشخاص باعتبارهم مندوبي" المهدي" المختبئ بانتظار علائم الساعة ، و بالتالي مندوبي الله على الأرض ، اختلاق الثأر لدماء أشخاص لا يمكن الشك بهم و بمظلوميتهم "الحسين" على رأسهم ، إضافة لنظام مالي معين يجعل مقدرات البلاد تعود للحاكم بشكل طوعي تحت سيف "الله" .
عشرات السنين و الخطة تسير وفق ماهو مدروس ، والسيف و اللسان يسيران سوية، إن فشل الأخير يسرع الأول للإتمام ، و لم ينج في ذلك من تلك الألسن و السيوف إلا قلة ، بقوا بعيدين عن الحياة في غياهب الجبال و المناطق الخالية من سبل العيش و إمكانية الرخاء .
التتمة قادمة ...