مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١ فبراير ٢٠١٦
«جنيف 3» فرصة أمام المعارضة لتطوير سياستها

لم يكن أمام المعارضة السورية خيار غير الذهاب إلى جنيف. كانت ستضع نفسها في مواجهة المجتمع الدولي. وفي مواجهة رأي عام دولي واسع تتفاقم مخاوفه من تنامي الإرهاب وانتشاره. توسعت الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسورية. أكثر من نصف دول العالم يشارك في المواجهة. ولكن في المقابل لا يفتأ التنظيم يوسع دائرة عملياته وانتشارها عبر القارات، سواء تلك التي تنفذ بأوامر وتخطيط من قيادته في الرقة، أو تلك التي تشنها «ذئاب منفردة». وانعدام التوافق على استراتيجية واحدة بين كل المشاركين في الحرب على «دولة الخلافة»، وانعدام الرؤية الواحدة لما بعد القضاء عليها، ليسا السببين الوحيدين اللذين يمدان بعمر «داعش» ومثيلاته. ثمة عوامل وظروف كثيرة تعزز التنظيم وترفده بمؤيدين جدد أبرزها تعثر التسويات في المنطقة العربية، خصوصاً في العراق وسورية. من هنا إصرار الدول الكبرى، والتفاهم الروسي - الأميركي على وجوب الحل السياسي وإن بالقوة. تعب العالم من الحرب وتداعياتها التي راحت تغير في وجه أوروبا وترفع سواعد يمينها المتشدد، وتكاد تقوض بعض قوانينها الواحدة التي عملت لها طويلاً. وتفرض عليها أعباء اقتصادية لا طاقة لها على تحملها في ظل الأزمة الدولية الراهنة. فضلاً عما خلفته موجات المهاجرين واللاجئين من تحديات.
من المستحيل إذاً أن يسمح العالم باستمرار الأزمة بعدما تحولت ولادة متاعب ومصدر أخطار كبيرة. لذلك، لم تجد المعارضة مفراً من التوجه إلى جنيف لئلا تبدو الطرف الرافض الحل السياسي. علماً أنها كانت بين مطرقتين قاسيتين من الضغوط. من جهة ضغوط الإدارة الأميركية التي لم تفعل شيئاً طوال نحو خمس سنوات من عمر الأزمة. فالرئيس باراك أوباما لا يريد أن يفاوض غريمه فلاديمير بوتين أو يقايضه لرفع العقوبات بسبب أزمة أوكرانيا. وترك الصراع وحله على عاتق القوى الإقليمية. كما أنه يسعى إلى تمضية سنته الأخيرة في البيت الأبيض على وقع عملية ديبلوماسية تعفي قواته من توسيع انخراطها في الحرب على الإرهاب في سورية والعراق. مثلما يسعى إلى تبريد الصراع مع روسيا وتقطيع الوقت من دون أي تنازلات بانتظار خلفه. من هنا هذا الغضب الواسع لشركائه التقليديين في المنطقة على سياسته التهادنية حيال روسيا وإيران. فهما وحدهما المستفيدتان من غياب دوره الفاعل والحاسم، ومن انكفائه وعزوفه عن المواجهة، أقله في المدى المنظور، إذ لا يغيب عن حساب الدوائر الأميركية رهانها على عامل الوقت الكفيل بجر الدولتين إلى مستنقع يفاقم أزمتهما الاقتصادية ومتاعبهما السياسية الداخلية.
وتواجه المعارضة من جهة أخرى ضغوط قاعدتها الشعبية والفصائل العسكرية التي ارتضت الوقوف معها في صف سياسي واحد للمرة الأولى في مؤتمر الرياض. ويصر هؤلاء على وجوب معالجة القضايا الإنسانية قبل أي بند آخر وإلا لا معنى للتفاوض. يصرون على وقف ضرب المدنيين، ورفع الحصار وسياسة التجويع، وإطلاق المعتقلين، خصوصاً النساء والأطفال... مثل هذه الإجراءات لا يمكن اعتباره شروطاً مسبقة، بل هي واجبات على الأطراف المتصارعة وعلى رأسها النظام نصت عليها القرارات الدولية، منذ بدء الأزمة وحتى القرار الأخير 2254، وهي مسؤولية مجلس الأمن. لكنّ ما يخفف من هذه الضغوط على «الائتلاف الوطني» وشركائه في المرحلة الأولى أن اجتماعات جنيف لا تشمل جلوس وفدهم بمواجهة وفد النظام. سيقتصر الأمر على محادثات مع المبعوث الدولي ستيفن دي ميستورا والفريق الدولي. ولكن إذا تعثرت مهمة الأمم المتحدة في فرض إجراءات ملموسة في الملف الإنساني، وإذا غاب التوافق على أجندة التفاوض ومآلاته، وإذا لم تتوحد القراءات المتناقضة للمرحلة المقبلة وصيغة الحكومة أو الهيئة الحاكمة وصلاحياتها ودور الرئيس بشار الأسد... فيخشى أن تنتهي جولة هذين الأسبوعين إلى فشل مدوٍّ، كما كانت الحال في اللقاءين الأول والثاني في جنيف. في أي حال لا تتوقع المعارضة الشيء الكثير من هذه الجولة، ما دام أن النظام ازداد إصراراً على الحل العسكري. إنه يشعر اليوم على وقع ما حقق له تدخل القوات الروسية بأنه يتقدم في جبهات عدة، ويمكنه أن يستعيد زمام المبادرة ويفرض على خصومه رؤيته للحل. إذا كان التوافق الدولي غائباً ومثله التفاهم الإقليمي فلماذا يتوقع المتفائلون توافقاً بين المتصارعين المحليين بعد أنهر الدم وتدمير المدن والدساكر وتهجير الملايين؟
يبقى أن التمهيد لمفاوضات غير مباشرة بين وفدين، بينهما مثل هذا الكم من العداء، هو أفضل السبل والمقدمات لتبريد الأجواء. لكن ذلك لا يعفي المعارضة عاجلاً أم آجلاً من اتخاذ موقف مقبول إقليمياً ودولياً لفضح النظام وأعوانه أولاً وأخيراً، إذ لا بد من تسوية في نهاية المطاف مهما عاند هذا النظام وأعوانه، أو زايد بعض القوى المتشددة في صفوف خصومه عموماً. عليها الاستماع إلى مناصريها في المجتمع الدولي والعمل لدفعهم إلى رفع مستوى انخراطهم وضغوطهم. فكثيرون منهم يتوقون إلى تغيير النظام، مهما كانت حدود هذا التغيير، نظراً إلى الظروف الحاضرة وتعقيداتها وتضارب المصالح بين اللاعبين الكبار. وسواء اقترب هدفهم مما يريده «الائتلاف» أم ابتعد، فالمساعي لتسوية سياسية لن تتوقف إذا انهارت الجولة الحالية في جنيف، وهي في الواقع تحمل بذور فشلها سلفاً لأن عناصر الحل لم تنضج بعد مع إصرار دمشق وحلفائها على كسر إرادة السوريين. ولن تخلو الأشهر الستة المقررة لها من مفاجآت قريبة وبعيدة. كما أن صورة سورية التي تريدها المعارضة قد لا تكون مطابقة لمرئيات القوى الدولية وتصورها. بالتأكيد لن تعود سورية القديمة. الأزمة المستمرة رسخت وترسخ واقعاً جديداً لا يمكن القفز فوقه أو تجاهله. لن يعود النظام وأركانه إلى ما كانوا عليه قبل اندلاع الأزمة. سورية والعراق ولبنان أيضاً، ستذهب إلى أوضاع مختلفة. ولن يكون حظ بلاد الشام أفضل من حظ جارها الشرقي الذي يتجه بخطى سريعة وثابتة لترجمة ما نص عليه دستوره. لتقوم ثلاثة أقاليم حلاً لا بديل منه مع انسداد الأفق أمام أي صيغة، في ظل تعثر برنامج حكومة حيدر العبادي لإرضاء المحافظات السنّية التي ترفع الصوت اليوم كما كانت تفعل أيام الحكومة السابقة، مستنجدة بالمجتمع الدولي لحمايتها من عبث ميليشيات «الحشد الشعبي». كل ذلك وبلاد الرافدين على أبواب انهيار اقتصادي سيضاعف المشاكل والتعقيدات ويؤجج الصراعات المذهبية والإتنية... وأهل كردستان يعدون العدة لاستفتاء يأملون بأن يقودهم إلى الاستقلال. خطوة ستعزز الميل نحو مزيد من تقسيم ما قسمه السيدان سايكس وبيكو!
حضور المعارضة إلى جنيف خطوة لحشر النظام وتقديمه الطرف الرافض أي حل أو تغيير. لكن ذلك قد لا يكون كافياً. تتطلب المرحلة اعتماد مقاربات جديدة، بل استراتيجية مختلفة. لا بد من تصويب الكثير مما أعاق مسيرتها في السنوات الماضية. وسواء تواصلت المفاوضات أم انهارت، يجب أن تعزز وحدتها وتستدرج مزيداً من القوى إليها. ولا يكفي أن تعول على الدعم المادي والعسكري والتسليحي الذي تقدمه قوى إقليمية معروفة. عليها أن تترجم ملاقاة أهل الإقليم والمجتمع الدولي في هواجسه ومخاوفه من تنامي الإرهاب، إذ يخشى أن تستدرج «دولة الخلافة»، في ظل هذا الاستعصاء السياسي وانسداد الأفق، أعداداً من اليائسين الذين كفروا بالدعم الخارجي وشح المساعدات العسكرية الوازنة. يعرف «الائتلاف الوطني» أن ما تحقق له في مؤتمر الرياض من توسيع المشاركة السياسية والعسكرية قد يتبدد على وقع المساعي الروسية وغيرها لشق صفوفه بعدما كسب تأييداً واسعاً وبات طرفاً لا يمكن تجاوزه. فماذا مثلاً لو تقدمت «هيئة التنسيق» أو أطراف أخرى نحو الدور الروسي؟ وماذا لو أغرت القوات الروسية بعض الفصائل المقاتلة بالتنسيق وبدور في المرحلة المقبلة؟ من الأجدى أن يسعى «الائتلاف» إلى توسيع دائرة الواقفين إلى جانبه. فلماذا يترك مصر مثلاً، على رغم أثقالها الأمنية في مواجهة الإرهاب في الداخل؟ لماذا يدعها تحصر تعاملها مع فئة بعينها من المعارضة ليس لها وزنها الفعلي على الأرض؟ لماذا لا ينخرط معها في حوار، مهما كان صعباً، لتوازن على الأقل علاقاتها بين المعارضة ودمشق؟ لا تزال القاهرة تمثل ثقلاً سياسياً بمواجهة إيران وغيرها في موازين الإقليم، مثلما تمثل بعلاقاتها مع الكبار، خصوصاً موسكو، عاملاً مساعداً. أبعد من ذلك، لماذا لا يشن «الائتلاف» حملة تبدد بعض مخاوف روسيا المتكررة من التجربة الليبية؟ وإذا كان يرى إلى تدخلها احتلالاً وعدواناً ويعبر عن خيبة أمله من موقف الولايات المتحدة وفريق كبير من «الأصدقاء» الغربيين، فلماذا لا يسعى إلى مراكمة علاقاته الخارجية مهما ضعفت؟ العلاقات مع الخارج تكاد تكون العنصر الأساس في أي ميزان للقوى. وتعزيزها يساعده على رفض ما لا يرتأيه في مصلحة بلاده ومستقبلها، وفرض التغيير المطلوب والمقبول، بدل أن يظل ضحية صراع الكبار وتفاهماتهم. أليس مفيداً تخلي بعض قواه عن خطابات التهديد والوعيد بـ «ذبح» كل المعتدين والمحتلين، أقله من أجل طمأنة الرأي العام الغربي الذي يرتعد من صور «الذبح الداعشي»؟
ألا يدرك «الائتلاف الوطني» اليوم أنه تأخر في إيجاد حد أدنى من التفاهم مع «حزب الاتحاد الديموقراطي». كان دفعه ربما إلى الابتعاد وإن قليلاً عن النظام على أن يترك مستقبل المنطقة الكردية إلى مرحلة لاحقة، حتى وإن أدى ذلك إلى منحهم ما يشبه الإقليم في إطار فيديرالية تبدو الحل الوحيد المتاح، ما دام العراق يتجه إلى ثلاثة أقاليم. فلا يعقل اليوم ألا يشارك صالح مسلم زعيم الحزب في المفاوضات الجارية في جنيف، أياً كانت مواقفه.

اقرأ المزيد
٣١ يناير ٢٠١٦
الانقلاب وغطاء جنيف

المأساة السورية غير مسبوقة. بضحاياها. وأشكال القتل فيها. وأمواج اللاجئين والمهجرين. وعدد المنخرطين فيها على جانبي الصراع. وتباين حساباتهم ولغاتهم. ومن يدري فقد تكشف الأيام أن المأساة السورية أشد هولاً وأهمية من المأساة التي عاشها العراق بدءاً من الغزو ووصولاً إلى اليوم. أشد أهمية في نتائجها الإقليمية والدولية معاً.

يمكن الحديث عن صفحة جديدة في هذه المأساة فتحها الانقلاب الروسي المتمثل بالتدخل العسكري على الأرض السورية. يساعد التدخل هذا على فهم سلوك موسكو منذ اندلاع الحريق السوري بما في ذلك الاستخدام المتكرر لحق النقض في مجلس الأمن.

خدع فلاديمير بوتين من التقاهم على مدى سنوات وبحث معهم التطورات في سورية. خدعهم بجمل قصيرة غامضة وملتبسة وتتسع لتأويلات عدة. لم يخطر في بالهم أنه ينتظر ساعته ليسدد الضربة الكبرى. كان تصاعد الأخطار الوافدة من سورية فرصته السانحة. وكان وجود رئيس من قماشة باراك أوباما فرصته الذهبية. وفي اللحظة المناسبة اتخذ قرار التدخل في سورية.

لا مبالغة في القول أن قرار روسيا التدخل عسكرياً في سورية هو من قماشة القرارات الكبرى والخطيرة التي تشمل أيضاً قرار جورج بوش بغزو العراق. جاء بوش متذرعاً بخطر النظام ومستنداً إلى معارضة يئست من قدرتها على إطاحته. وجاء بوتين متذرعاً بخطورة المعارضة ومستنداً إلى موافقة نظام لم يعد قادراً على حماية معاقله الأخيرة. جاء بوش لإسقاط نظام ورئيس وتغليب المعارضة وجاء بوتين لإسقاط المعارضة وإنقاذ نظام ورئيس.

استغل بوتين أهوال «داعش» والميول الانسحابية لأوباما لإطلاق انقلاب ذي أبعاد استراتيجية. وجه إلى المعارضة السورية ضربة مروعة. حرمها ليس فقط من أي رهان على إسقاط النظام بل أيضاً من الرهان على أي تفاوض معه من موقع قوة أو موقع مكافئ. ولم يرف جفن القيصر حين كشفت الصور أن طائراته تقصف المعتدلين أكثر مما تقصف «داعش» وأن لائحة القتلى المدنيين بفعل غاراتها تتزايد يومياً.

لم يأت بوتين لخوض حرب طويلة مفتوحة. لا يريد أفغانستان جديدة ولا الفوز بلقب «الشيطان الأكبر» في العالم السني. وعليه أن يتذكر دائماً أن الروبل مريض وهو أضعف جنرالاته. لذلك كان لا بد من حماية الانقلاب وتنظيم عملية استثمار نتائجه. كان لا بد من غطاء من قماشة «جنيف 3». وهو غطاء صمم أزياءه الخصم الأول للمعارضة السورية و»داعش» سيرغي لافروف وتبنى الأزياء مساعده الساذج جون كيري وأوكلت إلى ستيفان دي ميستورا مهمة توفير ما يلزم للجنازة من طاولات وأزهار.

يحتاج بوتين إلى الإيحاء بأنه ليس مجرد طائرة «سوخوي» تستكمل تدمير سورية. يحتاج إلى تقديم نفسه صانعاً للحلول. ولأن الحلول صعبة وبعيدة يحتاج على الأقل إلى غطاء لاستكمال مهمته. الغطاء نفسه يحتاجه أوباما الذي هرب من الشرق الأوسط قبل أن يحين موعد هروبه من البيت الأبيض. يحتاج أوباما إلى غطاء في هذه السنة الأخيرة عله ينسي الناس العبارات التي أوقعت المحتجين السوريين في الأمل حين راح يتحدث عن «ضرورة تنحي الرئيس الذي فقد شرعيته». سيدعي لاحقاً أنه رفض الخوض في المستنقع السوري وأنه قبل مغادرته شارك في وضع المأساة على سكة الحل.

واضح أن شروط التقدم نحو الحل ليست متاحة الآن وربما تحتاج إلى نهر جديد من الدم. لكن الغطاء حاجة ماسة. يكفي إطلاق العملية ولو تعذرت النتائج. إطلاق العملية في ظل موازين القوى الإقليمية يريح لاعبين إقليميين كطهران والميليشيات التابعة لها ما دام بقاء النظام مضموناً ولا بحث في مصير الرئيس. مجرد الجلوس تحت عباءة جنيف يعطي انطباعاً أن النظام مستعد للبحث عن حل ويُنسي العالم الصور الوافدة من مضايا وقوارب الموت.

أخطر ما يمكن أن يحدث هو أن يتكرر ما شهدته المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية على مدى سنوات وسنوات. أي الجلوس حول الطاولة والتقاط الصور فيما تستمر المأساة وعمليات فرض الأمر الواقع. العملية من أجل العملية ليست مفيدة في المقابل للدول التي تكتوي بأعباء اللاجئين كتركيا والأردن ولبنان. ليست مواتية أيضاً لدول دعمت فعلياً المعارضة السورية كالسعودية وقطر.

في «جنيف 2» شرب النظام السوري السم وذهب إلى اللقاء مع قرار بعدم تقديم أي تنازل. في «جنيف 3» شربت المعارضة السورية السم وذهبت لاحتفال طويل مؤلم لا يتخطى عملية توفير غطاء للانقلاب الروسي على «جنيف 1» و»هيئة الحكم الانتقالي الكاملة الصلاحية» ومرجعية المفاوضات. إننا أمام مجرد محطة في رحلة طويلة مؤلمة.

اقرأ المزيد
٣٠ يناير ٢٠١٦
هل آن موعد ذهاب دي ميستورا؟

لا يمكن إغفال حقيقة أن مجيء السيد ستيفان دي ميستورا إلى منصبه الحالي مبعوثًا دوليًا إلى سوريا كان مقترنًا بحقيقة فشل مهمة سابقيه السيدين كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي اللذين سبقاه إلى هذه المسؤولية، وعملا كل جهدهما للنجاح في معالجتها أملاً في إنهاء معاناة السوريين، وإيجاد حل لدموية النظام في مواجهة ثورة السوريين، لكنهما فشلا فشلاً ذريعًا، فأنهى الأول مهمته بعد صدور بيان «جنيف1» في عام 2012، ووضع الثاني نهاية لمهمته بعد الفشل الذي أصاب مؤتمر «جنيف2»، فاتحًا الباب أمام دي ميستورا للمجيء إلى مهمته الحالية.

ولأن دي ميستورا عاين فشل سابقيه، قرر الذهاب إلى مهمته وفق معطيات مختلفة، كان الأهمَّ فيها أمران؛ أولهما تغيير قاعدة حركته في التعامل مع معطيات القضية السورية في الانتقال من جوهر القضية في حل شامل للصراع في سوريا والوصول إلى تغيير جوهري في طبيعة النظام، وخلق أطر لسوريا جديدة إلى معالجات جزئية وحلول فرعية، تؤدي كما كان يقول دي ميستورا إلى خلق وقائع تساعد في حل سوري شامل.

والأمر الثاني الذي تبناه دي ميستورا هو تعزيز علاقاته مع الطرفين اللذين يعتقد بأهمية دورهما في القضية السورية، روسيا ونظام الأسد وكل من يدور في فلك موقفهما أو بالقرب منهما، فعزز علاقاته مع الحلقة التي تضم إيران وجماعات وشخصيات تتقارب أو تتوافق مع مواقف النظام وروسيا وإيران، مما جعله في المسافة الأبعد من الأطراف الأهم في المعارضة السورية، والدول الأقرب للأخيرة.

لقد جسد سلوك دي ميستورا في خطته وقف إطلاق النار في حلب عقب مجيئه إلى منصبه جوهر نهجه في التعامل مع القضية السورية. وفشلت الخطة رغم الحجم الكبير من الاتصالات والمشاورات، التي تمت مع مختلف الأطراف، وسبب فشلها طبيعتها الجزئية، وافتقارها إلى عمود فقري واضح، وعدم ارتباطها مباشرة بحل شامل للقضية السورية، وهو ما يمانعه نظام الأسد الذي طالما أكد استمراره في الحل العسكري – الأمني.

ورغم فشل خطة دي ميستورا في حلب، فقد كرر الرجل تجربة مماثلة في إقامة حوار سوري – سوري في مجموعات عمل، يشترك فيها النظام والمعارضة حول موضوعات، يعتقد أنها تفتح الباب أمام تسوية وحل سياسي للقضية السورية من خلال خلق وقائع وتفاهمات بين الطرفين، وأجرى مع فريقه مئات الاتصالات، وعقد عشرات الاجتماعات مع تنظيمات وشخصيات من المعارضة والتشكيلات المسلحة والجماعات المدنية، لم تتمخض عن أية نتائج، ولم تعقد بنتيجتها أي مباحثات أو اجتماعات، كما كان يخطط دي ميستورا، مما أكد فشل كل جهوده في مهمة عجز أن يحقق فيها أي تقدم ملموس.

غير أن التطورات المحيطة بالقضية السورية في الأشهر الأخيرة، وخصوصًا بعد التدخل الروسي الواسع في سوريا، وتمدد نشاط إرهاب «داعش» إلى أوروبا، وتصاعد حركة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، دفعت إلى تحرك دولي – إقليمي في الموضوع السوري، تم بنتيجته عقد اجتماعي فيينا، وإصدار قرار مجلس الأمن الدولي 2254 لحل القضية السورية، مما جدد أمل دي ميستورا للبقاء في منصبه بعد أن كان أمام خيار الاستقالة أو إنهاء مهمته.

وإذ وجد دي ميستورا فرصته في تجديد دوره في القضية السورية مع التطورات الأخيرة، فقد سعى إلى تعزيز علاقاته مع الروس الذين حازوا تفويضًا أميركيًا لدورهم في سوريا، وأخذ فرصة حضور مؤثر في جهود المجموعة الدولية باعتباره مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا. ورغم فشله في الحصول على تفويض من مجلس الأمن الدولي، ليكون مقررًا في الحل السوري، فإنه جعل من نفسه في هذه المكانة طبقًا لما تضمنته دعوته لشخصيات في المعارضة السورية للمشاركة في «جنيف 3»، فأرسل دعواته مركّزًا على حضور أصدقاء الروس والنظام، وخرج بالاجتماعات من طاولة مفاوضات إلى لقاءات ومشاورات ومباحثات، وعلق بيان «جنيف 1» باعتباره مرجعية الحل السوري، ليركز على أوراق فيينا، وكلها أكدت إصراره على المضي في الطريق ذاته والذي أثبت فشله في مرتين سابقتين.

لعل الأبرز في دلالة فشل دي ميستورا في القسم الثالث من تجربته ثلاثة مؤشرات؛ أولها موقف الكتلة الصلبة من المعارضة السورية الحذر في المجيء إلى جنيف وفق مخطط دي ميستورا، والثاني ممانعة أو امتناع حضور أغلب من دعاهم من أصدقاء الروس والنظام إلى جنيف وكل لأسبابه، والثالث انطلاق موقف إقليمي ودولي أبرز دوله السعودية وتركيا معترض على مخطط دي ميستورا الذي بدا أنه يتجاوز دوره كوسيط إلى متصرف في الموضوع السوري.

دي ميستورا اليوم يواجه تحدي فشله للمرة الثالثة، الأمر الذي يضعه أمام خيار الاستقالة أو إنهاء مهمته، وهو تحدٍّ لن تنفع معه كل الروابط التي نسجها مع الروس والنظام، وكل مساهماته التي أعطت مزيدًا من الوقت للنظام والروس في إطالة أمد الحرب في سوريا، وإيقاع مزيد من الضحايا والدمار.

اقرأ المزيد
٣٠ يناير ٢٠١٦
لماذا طرد النظام السوري القنوات الإخبارية -وعلى رأسها الجزيرة- من سوريا أول الثورة ؟

حرص النظام في بداية الثورة على استعداء القنوات الفضائية الاخبارية وطردها من مناطق سيطرته ، كان ذلك دافعاً كبيراً لانحيازها للثورة، وتغطيتها للأحداث عند الطرف المقابل للنظام ، ونقل وجهة نظرهم ، والأحداث التي تقع لديهم ..

كان نتيجة ذلك الاستعلاء والاستعداء للوهلة الأولى أن خسر النظام ورقة هامة وهي "الإعلام" ، واقتصرت تغطيته في مناطقه على إعلام هزيل رسمي وشبه رسمي يحمل اسم قناة الدنيا والإخبارية ، إضافة للمنار ، والميادين ، وروسيا اليوم ..

بينما خسر أوراقاً كبيرة في منظور الإعلام (كالجزيرة والعربية وسكاي نيوز) وما شابهها من قنوات مستقلة إخبارية عدا عن القنوات الثورية السورية كأورينت وسوريا الشعب وشدا وغيرها..

اتجهت المؤسسات الإخبارية المستقلة –موضوع حديثنا- لمناطق الثوار المحررة، وقامت بتغطيتها ، واعتمدت على مراسلين ميدانيين محليين ، أمدتهم بالمعدات ودربتهم ورفعت من سويّتهم ، وأدخلت لبعض المناطق مراسليها الرسميين كمناطق الشمال ، ولعل أحمد زيدان كان من أوائل مراسلي قناة الجزيرة الذين يدخلون المناطق السورية المحررة ويغطون معارك الجيش الحر ، فيما وصل الإعلامي محمود الزيبق إلى قلب الغوطة أيام حصارها ، وقام بتغطية شاملة هناك ..

فضلاً عن عشرات الصحفيين المستقلين أو التابعين للقنوات الاخبارية باللغات المختلفة ، كما رأينا من مراسلي فرنسا وأمريكا وحتى اليابان والصين ..

كسبت الثورة في ذلك داعماً قوياً ، رغم أنّه –هذا الداعم- كان يغطّي الانتصارات والهزائم على حدٍّ سواء ، وما يرفع أويحطّم المعنويّات على حدٍّ سواء ..

كل ذلك ومناطق النظام لا تغني خارج السرب فحسب ، بل وكأنها تعيش في كوكب مختلف ، حيث الإعلام الوحيد المسموح له بالتغطية ، ليس فقط بالكاد يغطي معارك النظام ، بل حتى تغطيته لا ترقى للحرفية المهنية، التي تغطيته فيها جزئية وضعيفة ..

لماذا خسر النظام -في مقتبل عمر الثورة- ورقة الإعلام بهذه الطريقة الفجة، ولماذا خسرت ساحته كل أنواع الإعلام ، عدا بضع قنوات بالكاد تغطي ..؟

كنت قد حضرت قبيل الثورة خلافاً مالياً كبيراً بين مجموعة من التجار ، وكان (شيخ الكار) أحد أهم الأطراف بين التجار المتخاصمين ..

وفي ساعة من نهار التقى به أحد أطراف المشكلة ، أساء معه الأدب ، تشاجر معه ، أمعن في استعدائه ، وبالغ في صنع عداوة مفاجئة معه ، حتى لما حصل اللقاء التالي لبحث الخلافات، لم يحضر الرجل المهم (شيخ الكار) وبعث برسالة مفادها :

١-      حلوا مشاكلكم بين بعضكم ، أنا أعتذر عن التدخل ..!

فخلا الجو للتاجر بعيداً عن تدخل ووصاية ومشورة أحد في هذا الخلاف ..

هذا بالضبط ما فعله النظام حين استعدى بشكل غير مبرر القنوات الفضائية وطردها ..

كان يستطيع أن يفتح الباب –كما يفعل الصهاينة مثلاً- ويسمح بحرية تنقل المراسلين طالما أنه لا يستحي أصلاً من جرائمه ، ويثق أن أحداً في العالم لن يحاسبه عليها ، وأنه مهما فعل ، فإن تغطية الحدث ونقله للعالم (كجريمة) لن يقدم ولا يؤخر في المعركة .

ولكنه بالمقابل حرصاً على بيته الداخلي ، وسريّة حركة جيشه ، وحرصاً على أن يكون هو المصدر الوحيد للمعلومات من داخل أرضه ، عسكرياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً  طرد كلّ أحد ، وأبقى على إعلامه الخاص المحدود بالعمل ، المنضبط بالحركة ، الشريك في المعركة .. فكانت كلّ حركة ومعركة وتصريح وحتى صورة ، لا تخرج إلا بضوابط حقيقية لبلد يخوض حرباً عسكريّة وجوديّة ..

هذا فيما المناطق المحرَّرة ، مناطق الثوار –المعادية له- يسرح ويمرح فيها الإعلاميّون ، لا تكاد تجد حيّاً ولا شارعاً إلا وفيه الإعلاميّون ، والمراسلون ، والمصوّرون ، من قلب الحدث وبعدساتهم وأقلامهم وتسجيلاتهم ..

ولا تكاد تتابع معركة إلا وتجد أخبارها في طرف النظام قليلة شحيحة ، وبالكاد تجد صورة أو معلومة فضلاً عن مقطع فيديو..

فيما تجد لدى الثوار تفصيلاً شبه دقيق عن مجريات المعارك والقذائف والغارات والتحرّكات العسكرية ..

وقد شاهدنا على قنواته برنامجاً يسعرض فيديوهات الثوار وإعلامييهم ليستخدمها ضدنا في طرح عملياته وانتصاراته أو قتله للمجاهدين، ليستخدم إعلامنا ضدنا ..

ولعلّ المتابع أيضاً لما يقوم به ((تنظيم الدّولة)) في هذا الصدد ، سيجده يتخذ نفس سياسة النظام حيال التغطيات الإعلامية في مناطقه فلا يجروء أي إعلامي على الاقتراب من مناطقه فيما إعلامه الوحيد هو من يغطي برؤيته وأسلوبه وفكره.

بينما لا سياسة ولا ضوابط ولا أُسس لأية عمليّة إعلاميّة تجري في مناطقنا ، حيث أننا نُخترق بإعلامنا درينا أو لم ندرِ ..!

ولعلي وأنا أكتب هذا المقال أقرأ على شاشة الجزيرة الخبر العاجل (اغتيال أحد قادة أحرار الشام الإسلامية بتفجير استهدفه، ومقتل أسرته و......في منطقة ) .. فقد وصل الخبر الأكيد لمنفذ العملية أنها نجحت ، مع أعداد الضحايا أيضاً ..

كما تصل الأخبار للجيش الروسي -الذي يتدرب في مستعمرته الجديدة- بكلّ هدف يقوم بضربه مع دقة الإصابة وأعداد الضحايا ..

وينبغي هنا التأكيد أنَّي لا أتهم الإعلاميين أو المنظومة الإعلامية بقدر ما أصف واقعاً فرض علينا لربما لا نستطيع الخروج منه ، وأنا عن نفسي طرف في هذا الواقع شئت أم أبيت عندما كنت أغطي معارك الغوطة أو القلمون وحلب ..

ولعلنا إن أردنا أن نخلص بنتيجة إيجابية بعد توصيف هذا الواقع السلبي الذي من الصعب جداً جداً تغييره، فإننا أمام مسؤولية كبيرة في أعناق كل إعلامي ومراسل وصحفي وحامل كاميرا ، أو يملك جوالاً قابلاً للتصوير في كل الأماكن والمناطق المحررة ..

مسؤولية أن نتوقف عن تأطير عملية الإعلام بالنشر والتغطية ، والتصوير والبث ..

لنتوقف عن الاستجداء ، والعويل ، والصراخ ..

لم نعد بحاجة لأن نخبر أحد ، وننادي أحد ، ونري أحد ماذا فعلوا بنا ، على مدار الساعة ..

لننتقل لإعلام بناء ، يبني الفكر ، يوجه الجيل ، يرسم خطى المستقبل ..

لننتقل لإعلام يفتح الآفاق ، ويرسم الاستراتيجيات ، ويخطط للقادم من الأيام .

فنحن لم نعد بحاجة إعلام موجه للخارج ، نحن الآن في ذروة احتياجنا لإعلامٍ محلّي الرسالة ، والاستهداف ..

يوجه رسائله لكل أحد في الداخل ، لا سيما فصائل المجاهدين وقادتهم وثوارهم ..

وأهل المخيمات .. وعاملو الاغاثة ، وشباب المجالس المحلية وكوادر التعليم ..

أياً كانت هذه الرسالة فإنها بالتأكيد رسالة بناء ، فبلدنا لم تهدم حديثاً ، إن معول الهدم يعمل فيها منذ خمسين عاماً ...!!

اقرأ المزيد
٣٠ يناير ٢٠١٦
الهيئة العليا للمفاوضات تعيد المعارضة إلى الطريق الصحيح

 أثار إعلان هيئة المفاوضات عن قبولها حضور محادثات جنيف قلق بعض قطاعات الرأي العام السوري المعارض الذي تابع مقاومة الهيئة للضغوط الدولية وتحمس لتمسكها الرائع بحقوق السوريين الأساسية؛ وفي مقدمها عدم المساومة على الانتهاكات الصارخة التي وصفتها المنظمات الانسانية بالجرائم ضد الانسانية، وأهمها الاعتقالات البربرية وحصارات التجويع والقصف بالبراميل والقنابل العنقودية للمدنيين. 

ينبغي أن نعرف أن ما كان مرفوضا ليس المشاركة في مفاوضات التوصل لحل سياسي وإنما:
أولا: عدم القبول بالدخول فيها بينما يستمر التجويع والقصف الهمجي على المدنيين وعمليات الاختطاف والاعتقال،
وثانيا: إعادة توجيه العملية التفاوضية ووضعها على الطريق الصحيح، أي تحويلها من مباحثات للاتفاق على المشاركة في الحرب على الاٍرهاب لصالح روسيا وأمريكا وإيران وغيرها من الدول كما تريد روسيا وطهران، إلى مفاوضات تهدف إلى تعبيد الطريق نحو تغيير سياسي بدءا بتشكيل هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات تقود عمليات إعادة هيلكة أجهزة الدولة وبسط الأمن والسلام وطرد الميليشيات الأجنبية الداعشية والإيرانية وكل الميليشيات الاجنبية.
إذا التزمت الولايات المتحدة والأمم المتحدة بالوقف الفوري لحصار المدن، وحل مشكلة الاعتقالات، وتجنيب المدنيين القصف، وتعريف هدف المفاوضات الرئيس على أنه الانتقال نحو نظام ديمقراطي، فسيكون هذا انتصار كبير لوفد المفاوضات ولقوى الثورة والمعارضة.
حتى الآن يبدو أن سياسة التمسك بحقوق الشعب ورفض التنازلات المجانية لصالح التفاهم الدولي قد حققت بعض أهدافها، وإن كان من السابق لأوانه التأكد من أن كل ما وعدت به الدول والأمم المتحدة سوف يتحقق بالفعل. فبعد خمس سنوات من سياسات الخديعة والكذب والتحلل من الالتزامات والمسؤوليات أصبح من الصعب علينا أن نثق بأحد.
علينا أن ننتظر ونرى. وأن نتمسك بموقفنا القوي ونرفض التنازلات المجانية في كل مراحل المفاوضات، مهما كانت الضغوط، ومن أي طرف جاءت، ونكرر أن زمن التنازلات قد انتهى.
مفاوضات السلام معركة قد تكون أصعب من المعركة العسكرية، لا يمكن أن نهرب منها ولا يمكن أن نتهاون فيها وفي الاعداد لكسبها. وهذا يستدعي قبل أي عامل آخر أن نبقى موحدين خلف وفد المفاوضات، وأن لا نوفر إظهار دعمنا وتأييدنا له، وثقتنا به وبحرص رجالاته على مصالح سورية وشعبها. وبهذه الثقة نعزز موقف الوفد ونزيد من تصميمه على التمسك بموقفه وإصراره على النصر.
إن تصحيح وجهة المفاوضات وحل الملف الانساني قبل بدء المفاوضات مكاسسب أساسية لا ينبغي أن نستهين بها بالتأكيد. فهي مقدمات مهمة لتعزيز موقف وفدنا وفي الصراع العنيف الذي سيستمر خلال المراحل التالية والصعبة من المفاوضات التي ليس لها، فضلا عن ذلك، سوى أمل صغير في النجاح.
لذلك لا ينبغي أيضا أن نتوهم أن ما وعدنا به قد أنجز أو أنه سينجز ببساطة. سوف يستمر أعداء الثورة في السعي إلى الالتفاف على هذه المكاسب وتفريغها من مضمونها. فخصمنا ليس بالعدو السهل. وهو ليس طرف واحد وإنما أطراف تكالبت علينا بسبب ما أظهرناه في المرحلة السابقة من انقسام وضعف وتباين في الرأي والرؤية، لم يعوض عنه سوى استعداد شعبنا الهائل للتضحية.
أما الآن فينبغي أن تكون الوحدة والثقة والتعاون والعمل كفريق بين كل أبناء الثورة وأنصارها، مقاتلين وناشطين، أساس عملنا، وأن تحل النصيحة والنقد البناء محل التشهير والتجريح والشماتة التي سيطرت على سلوك الكثيرين منا في السنوات الماضية.
إذا بقينا موحدين سننتصر مهما كانت قوة خصومنا لأن قضيتنا عادلة وهم ظالمون ومعتدون. ولن نكون موحدين ما لم تتغلب روح الثقة التي تجمع بيننا على روح الشك والمناكفة والمخاصمة التي فرقتنا خلال عقود طويلة سابقة.

اقرأ المزيد
٣٠ يناير ٢٠١٦
دي ميستورا يراهن على حاجة روسيا إلى الانسحاب من سورية

إذا كان هدف رسالة المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات السورية، إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص قبل 48 ساعة من موعد إجراء المفاوضات في جنيف اليوم الجمعة، هو طرح المواقف والمطالب بصورة واضحة، حسناً يكون اتخاذ هذه الخطوة في سياق استراتيجية التفاوض وفنه. أما إذا كان الدكتور رياض حجاب جدياً بقوله أن الهيئة العليا للمفاوضات تشترط مسبقاً أن يكون «بيان جنيف» لعام 2012 هو «المرجعية للمفاوضات» وأن يتم تنفيذ القرار 2254 لعام 2015 «من دون أي استثناءات أو انتقائية» في التنفيذ على أرض الواقع «قبل بدء جلسات» المفاوضات – من رفع الحصار إلى إيصال المساعدات الإنسانية ووقف الهجمات والاستخدام العشوائي للأسلحة وإطلاق سراح المعتقلين وسجناء الرأي – فإنه بذلك إما يتملص نيابة عن الهيئة العليا من حضور اجتماعات جنيف، أو أنه يرتكب خطأً تكتيكياً في استراتيجية التفاوض. فمهما كانت مطالب المعارضة السورية محقّة، إنسانياً وسياسياً وعسكرياً، فعليها ألا تتصرّف مغمضة العيون. فنحن لسنا في عام 2012 عندما تم إقرار بيان جنيف – قبل تمييعه في مجلس الأمن، روسياً وأميركياً على السواء. بيان جنيف تضمن الدعوة إلى تشكيل «هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة بقبول متبادل»، بين ممثلي الحكومة والمعارضة. وواقع الأمر أن أميركا وروسيا والأمم المتحدة استبدلت مسيرة جنيف، فعلياً وعملياً، بعملية فيينا بمبادئ ومرجعية مختلفة، نحن الآن في دفن «عملية فيينا» التي هي أساساً ذات ملكية روسية أتت بتزامن مع الانخراط الروسي ميدانياً في الحرب السورية. وهذا ما غيّر المعادلات على صعد عدة حيث بات القصف الروسي يترافق مع الغارات الديبلوماسية الروسية. أننا في زمن الانبطاح الأميركي أمام إيران ودفن الرؤوس في الرمال إزاء إدارتها الميليشيات المحاربة لمصلحة رئيس النظام السوري الذي تدّعي إدارة أوباما أنها تريده أن يرحل. إننا في محطة من مأساة سورية تتطلب منطقياً مراجعة صادقة لِمن وَعَد وتملّص، ومَن صعَّد وتراجع، ومَن ثابر في ولائه لبشار الأسد لأسبابه الاستراتيجية ومصالحه الوطنية مثل روسيا وإيران و «حزب الله» ومَن انقسم على ذاته في صفوف المعارضة وتنافس لمصالحه الذاتية. إننا اليوم في زمن ضرورة الاختيار بين تكثيف القصف الجوي الروسي أطرافَ المعارضة السورية تدعيماً لإنجازات النظام على الأرض بفضل روسي – إيراني، وبين التوجه إلى جنيف بوفد معارضة محنّك وقدير يثبت الجدية ليجبر روسيا والنظام في دمشق على وقف النار ويفرض مكانه في الصفقة السياسية.
سيسرع كثيرون إلى القول أن هذه دعوة إلى الاستسلام أمام تراجع الأمم المتحدة عن «مرجعية جنيف» الواضحة الأفق لمصلحة مرجعية عائمة لم يتم تحديدها في «عملية فيينا». عائمة بسبب الاختلافات الجذرية بين أقطاب جنيف الـ20، وبينهم السعودية وإيران، بالذات حول مصير بشار الأسد وما إذا كان باقياً في السلطة لخوض الانتخابات بعد 18 شهراً من العملية السياسية، أو أنه سيتلاشى بقرار روسي – أميركي – إيراني قبل عقد الانتخابات، فلا يخوضها.
سيقال أنه إفلاس أخلاقي أن توضع المعارضة السورية أمام اختيار، إما الإذعان للمطالب الروسية – الإيرانية المدعومة أميركياً وتلبيها الأمم المتحدة، أو تحميلها ليس فقط مسؤولية إفشال «عملية فيينا» وإنما أيضاً مسؤولية تكثيف القصف الجوي الروسي وإطلاق اليد العشوائية والهمجية لقوى النظام والميليشيات الداعمة لها.
وسيحتج المعارضون لأنماط التراجع عن الحزم في المطالب على أي تلميح إلى وفاة «بيان جنيف» أو أي اقتراح بأن وفاته أتت عند ولادة «عملية فيينا» وكان الأجدى بالجميع أن يدرك ذلك حينذاك ويستدرك إفرازاته وتداعياته.
والأهم، هو صرخة الاحتجاج على غض النظر المتعمّد، أميركياً ودولياً، عن تجاوزات وتهجير قسري تبدو جزءاً من التفاوض في «عملية فيينا» ومن خطط التغيير الديموغرافي.
كل ذلك صحيح. إنما السؤال هو، ما العمل؟ فإذا ارتأت المعارضة السورية أن المزيد من التنازلات أمام أمر واقع تلو الآخر سيؤدي إلى هدر المرجعيات بلا مقابل، فالأفضل لها وضع استراتيجية تتضمن تشخيص الأولويات وتشخيص المصير في حال رفضها من جانب اللاعبين في سورية. هذا يتطلب أمرين: أولاً وضوح مواقع قوى المعارضة المتعددة ومدى إمكانية جمع الصفوف والتوافق على أولويات المطالب. ثانياً، وضوح هامش الدول الداعمة أطرافَ المعارضة، السياسي منه والعسكري، ذلك أن الغموض والمطاطية في هذا المجال يعززان التنافس المستقر - الآن على الاستقطاب والوصاية – وكلاهما مضرّ جدّياً بالمعارضة السورية وسمعتها.
قد ترتأي المعارضة السورية أن يجبرها ما آلت إليه الأمور داخل سورية من كارثة ومأساة إنسانية، على الأخذ بخيارات كانت لا تتمنى أن تُوضع أمامها من بينها القبول بالصفقات الناقصة في «عملية فيينا» والتوجه إلى محطة جنيف اليوم الجمعة – كما يود مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا – لبدء التفاوض والحصول على وقف النار أثناء المفاوضات. بكلام آخر، قد ترتأي المعارضة السورية أن الأفضل لها ألا تقدّم إلى بشار الأسد أو إلى فلاديمير بوتين هدية مقاطعة المعارضة محادثات جنيف وتحميلها المسؤولية ذات الشقين: مسؤولية إحباط البحث السياسي في عملية انتقالية سياسية في سورية، ومسؤولية استمرار القصف الروسي – السوري بلا اتفاق على وقف إطلاق النار وما لذلك من تأثير ميداني كارثي، إنساني وعسكري.
فإذا قررت المعارضة السورية الممثلة بالهيئة العليا للمفاوضات أن تتوجه إلى جنيف، أول ما عليها أن تقر به ضمناً هو أن هذه ليست جنيف – 3. إنها جولة أولى من «عملية فيينا» وليس الجولة الثالثة من جنيف.
في وسعها، ومن حقها، التوجه إلى المفاوضات بكل مطلب ترتأيه طالما أنه يتسم بالواقعية السياسية وطالما ترى فيه مرجعية أساسية. وبكل تأكيد، يجب أن تتأبط استراتيجية إنسانية واعية كي لا يستمر هذا الاستهتار الدولي الرهيب بالأرواح السورية. إنما الخطوات الأولى تبقى أولاً، في لم الشمل وحنكة التفاوض، وثانياً، في وضوح مواقف الحلفاء للمعارضة بدلاً من دوامة الاستقطاب والوصاية. ثالثاً، في وضع رؤية وتصور واضحين لخريطة الطريق الواقعية.
الواقعية السياسية هي أن العنصر الجديد الحاسم في الساحة السورية هو الدور الروسي المباشر في المعارك العسكرية دعماً لبقاء النظام في دمشق مهما كلّف ذلك من مال أو أرواح. يرى البعض أن سورية ستصبح أفغانستان روسيا إشارة إلى موقع قدم انزلاق الاتحاد السوفياتي في أفغانستان قبل عقود، وأن انتصار روسيا ميدانياً اليوم سيتبخر في مستنقع الغد. هذا وارد. لكن الواقع الميداني لا يوحي بأن المعارضة السورية المسلحة أو تنظيم «داعش» سينتصران في الحرب الروسية – الإيرانية لمصلحة النظام في دمشق بمباركة أميركية واضحة لما يقوم به المحور الروسي – الإيراني – السوري بذريعة أولوية القضاء على «داعش» و «جبهة النصرة».
الواقعية السياسية تفيد بأن تبني الولايات المتحدة الأميركية سياسة النأي بالنفس عن سورية، لا سيما أثناء الانتخابات الرئاسية، هو عنصر حاسم في مشهد إقحام روسيا بالنفس في المعركة السورية. فكلاهما له الأثر ذاته، تقريباً.
ما يقوله كبار المسؤولين المعنيين بهذا الملف في الأمم المتحدة هو أن ستيفان دي ميستورا وفريقه يراهنون على حاجة روسيا للانسحاب من الحرب السورية قبل أن تصبح فعلاً مستنقعاً لها. بالتالي يرى المبعوث الدولي وفريقه أن النافذة مفتوحة الآن على تنازلات روسية في إطار مفاوضات «عملية فيينا»، وأن الفرصة متاحة لمحادثات خلاقة إذا توافرت الحنكة السياسية لدى وفد المعارضة، وأن التغيير الإيجابي على الأرض وارد أكثر في ظل عقد المحادثات وإجراء المفاوضات فيما التغيير السلبي وتكثيف القصف سيكون سيد الساحة لأن أولئك الأقوى حالياً سيتصرفون بحرية عشوائية إذا فشل المسار السياسي في جنيف.
الخيارات المتاحة أمام المعارضة السورية ليست سهلة، لا سيما في ظل انقساماتها ووعود بائسة لبعض الداعمين لها، كما يدّعون. ما آلت إليه الأوضاع في سورية لا أحد أبداً بريء منه، باختلاف النسب، والمعارضة تتحمل جزءاً من المسؤولية.
ما آلت إليه الأمور في سورية ليس من نماذج الربح والخسارة أو الهزيمة والانتصار. فلا أحد منتصر في سورية الممزقة – لا النظام ورئيسه بشار الأسد، ولا تنظيم «داعش» أو «جبهة النصرة، ولا روسيا ولا إيران وميليشياتها. بالتأكيد أن المعارضة السورية ليست منتصرة ولا هي رابحة.
سذاجة أن يقال أن الأسد باستمراره هو الرابح والمنتصر لأنه أحسن البقاء في السلطة وجلب روسيا وإيران إلى الحرب بجانبه والتمسك ببقائه رئيساً – بموافقة دولية أقله لـ18 شهراً وفق البرامج الزمنية لـ «عملية فيينا». فلا ربح ولا انتصار لِمن يحوّل بلاده إلى مغناطيس للإرهاب والميليشيات ومَن يوجّه دعوة مفتوحة للتدخل العسكري الأجنبي كي تبقى كرسي الرئاسة مقعده.

اقرأ المزيد
٢٩ يناير ٢٠١٦
مكاسب المعارضة السورية

السؤال الذي يطرح نفسه بعد التطورات المتعلقة بالمفاوضات على الحل السياسي السوري في جنيف هو ما إذا كانت المعارضة السورية المتمثلة بالهيئة العليا للتفاوض مع النظام السوري، المنبثقة من مؤتمر الرياض، ستربح شيئاً لمصلحة قضية الشعب السوري في حال حضرت هذه المفاوضات بالشروط المذلة التي طرحها عليها وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال اجتماعه مع منسق الهيئة رئيس الوزراء السوري المنشق عن النظام رياض حجاب، على رغم البيان التوضيحي للمبعوث الأميركي مايكل راتني الذي حاول فيه التخفيف من صلافة الموقف الأميركي.
لم يعد السؤال المهم هو ماذا تخسر المعارضة إذا لم تحضر، على أحقية طرحه، في ميزان الربح والخسارة. بات واضحاً أن التوافق الأميركي - الروسي على إدارة ما يسمى العملية السياسية في سورية، وتنفيذ القرار الدولي 2254 الذي وضع خريطة طريق لها وحمل في نصوصه التباسات حول مرجعياتها، بين بيان جنيف 2012 وبياني فيينا الأول والثاني... لم يهدف الى إنهاء المأساة السورية.
أرادت موسكو وواشنطن من وراء مفاوضات جنيف والتفسيرات التي فرضتاها لنصوص القرار الدولي، تحويل هذا القرار والمفاوضات غطاء لتفاهمات واتفاقات جانبية بينهما، ومع بعض اللاعبين الميدانيين في بلاد الشام، خصوصاً إيران، لا علاقة لها بالحل السياسي السوري، ومظلة لاستمرار التقدم الميداني للحملة الروسية الجوية والنظام السوري وحلفائه من الميليشيات الإيرانية واللبنانية والعراقية ومن سائر الجنسيات. وانضمام واشنطن إلى موسكو باعتبار الفقرات 12 و13 و14 من القرار 2254، عن إيصال المساعدات الإنسانية الى المناطق المحاصرة ووقف الهجمات ضد المدنيين والعودة الآمنة للنازحين، مادة تفاوض وليست إجراءات للتنفيذ من جانب النظام، كشف عن أن سلاح استهداف المدنيين البشع سيبقى مباحاً بمظلة المفاوضات التي أريد لها أن تستمر 6 أشهر، وبموافقة واشنطن.
بين ما كشفته وقائع الأيام الماضية عن أهداف الشروط الروسية - الأميركية على المعارضة أيضاً يمكن ذكر الآتي:
1 - إن المبعوث الدولي استافان دي ميستورا برهن أنه خلافاً لسلفيه كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي، موظف بلا أفكار هدفها الحل السياسي، ينفذ إملاءات التفاهم الروسي - الأميركي لا غير، وإرضاء المطالب الإيرانية. وحسناً فعلت المعارضة بالتوجه الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بدل حصر التواصل مع دي ميستورا، الذي بات واحداً من «الموفدين الخاصين»، الذين تحركهم طموحاتهم لكسب رضا الكبار من أجل التأهل لمنصب الأمين العام.
2 - ما يهم موسكو والنظام ليس ضم «معارضين» آخرين الى وفد المعارضة (مثل صالح مسلّم وهيثم مناع وقدري جميل...) بل استبعاد من يتمتعون بقدر عالٍ من الحنكة والخبرة بألاعيب النظام ومكره (وحلفائه)، أو لتعطيل وجود هؤلاء أمثال حجاب وأسعد الزعبي وخالد خوجة وهادي البحرة... وغيرهم كثر من ذوي كفاءة تنزع عن المعارضين ما أشاعه مشككون بالمعارضة تارة بسبب قربهم من دول تساندها، وأخرى لأنهم «سذج». وبرهن هؤلاء في الأيام الماضية عن براغماتية وصلابة واستقلالية في التعاطي حتى مع دول صديقة وحليفة وداعمة، أثناء تعاطيهم مع شروط التفاهمات الأميركية - الروسية - الإيرانية.
3 - تمكنت المعارضة للمرة الأولى من توحيد قادة الخارج مع معظم قادة الداخل السياسيين والعسكريين، وبات التنسيق بين هؤلاء محققاً أكثر من أي وقت ما يسقط تهكم واشنطن وغيرها بأن المعارضة لا تمثل الداخل. بل ان الأخيرة باتت أمام معادلة تقول: بين اختيار استمرار العلاقة مع واشنطن وبين الحفاظ على مكسب وحدة الموقف مع الداخل السوري الخيار الحاسم هو لمصلحة الداخل، لا سيما أن التنسيق معه أخذ زخماً كبيراً أخيراً.
4 - إن تهديد واشنطن بوقف دعمها المعارضة إذا لم تذعن للمشاركة في جنيف وفق مطالب موسكو والنظام لن يغير الواقع. فالأميركيون لم يقدموا في المرحلة الماضية دعماً يحدث فرقاً ميدانياً.
5 - إن بين نصائح كيري وأعوانه للمعارضة والتي تبلغتها قبل 4 أشهر هو طمأنة إيران الى مصالحها في سورية وهي القبول بالممر الآمن لطهران من مطار دمشق الى بيروت. فكيف يمكن للمعارضة أن تذعن لهذا الطلب في وقت تستمر الميليشيات التابعة لـ «الحرس الثوري» و «حزب الله» في مقاتلة المعارضة المسلحة وتشارك النظام في المجازر وحصارات التجويع والقتل؟

اقرأ المزيد
٢٨ يناير ٢٠١٦
سوريا واللعبة الروسية ـ الأميركية: «داعش» هو البديل!

ما تسرب عن لقاءات جون كيري الأخيرة مع بعض قادة المعارضة السورية في الرياض يشير إلى تهديدات أطلقها وزير الخارجية الأميركي ضد هؤلاء قال فيها إنَّ الولايات المتحدة ستوقف دعمها لهم إن هُمْ بقوا يصرون على مواقفهم ولن يقبلوا بإعادة تشكيل وفدهم إلى (جنيف3) ويوافقوا على ما تم الاتفاق عليه مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي يتمسك بصيغةٍ في غاية السوء إنْ وافق «المعارضون» عليها فإن هذا سيعني الاستسلام لنظام بشار الأسد والعودة إلى وضع ما قبل مارس (آذار) عام 2011.

وبالطبع فإن آخر ما قيل في هذا المجال هو أن المعارضة لن تذهب لا إلى (جنيف3) ولا إلى غيره وفقًا لوجهة النظر الأميركية - الروسية هذه، وأنها لن تقبل بأي تغيير على قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 2254، وأنه إذا أراد الروس إشراك من يعتبرونهم معارضة داخلية فإن عليهم إدخالهم في وفد نظام بشار الأسد إن كمشاركين مثلهم مثل أعضاء الفريق المكون من «17» عضوًا برئاسة بشار الجعفري، وإن كمستشارين لهذا الفريق وبالصفة التي يريدونها.

والحقيقة أنَّ المعارضة السورية، التي غدت بعد مؤتمر الرياض العتيد تكوينًا واحدًا، سياسيًا وعسكريًا، قراره واحد وكلمته واحدة باتت تشعر أنَّ الأميركيين ليس خذلوها وتخلوا عنها وفقط بل وتآمروا عليها، وهنا فالمفترض أنه بات واضحًا أن هناك اتفاقا روسيا - أميركيًا على هذا الصعيد وأن واشنطن لم تكتف بالتخلي عن مواقفها السابقة ووضع نفسها في القاطرة الروسية، بل هي أيضًا لم تعد تتورع عن ممارسة ضغطٍ حقيقي على الأطراف العربية والأوروبية المعنية مباشرة بهذا الصراع لحملها على الاقتراب من وجهة النظر الروسية.

يريد الروس حتى الآن، نسْف قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 2254 وتغيير تركيبة وفد المعارضة الذي تم تشكيله وفقًا لهذا القرار والمعروف أنهم، أي الروس، كانوا نسفوا (جنيف1) في (جنيف2) بحجة أنَّ الأولوية يجب أن تكون لمقاومة الإرهاب وليس لتغيير نظام بشار الأسد، وحقيقة فإنهم نجحوا في هذا والدليل هو أنَّ جون كيري بات بالنسبة لكل هذه الأمور تابعًا لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بل وأكثر حماسًا منه للعبة الاتفاق على تشكيل ما يسمى: «حكومة وحدة وطنية» التي كان طرحها الإيرانيون منذ البدايات وبقي وزير خارجية هذا النظام وليد المعلم يتمسك بها للتهرب من الاستحقاق الذي دفع الشعب السوري من أجله كل هذه التضحيات الجسام.

والملاحظ في مجال إثبات أنَّ هناك تحولاً فعليًا وحقيقيًا في موقف واشنطن تجاه ما يسمى: «الأزمة السورية» ولحساب الروس ونظام بشار الأسد أن نائب الرئيس الأميركي جو بايدن قد أطلق تصريحًا خلال زيارته الأخيرة لتركيا قال فيه إن «الولايات المتحدة ستلجأ إلى العمل العسكري إذا فشلت الحلول السياسية في سوريا» لكن هذا التصريح ما لبث أن تغير بعد تدخلٍّ عاجل من إدارة الرئيس باراك أوباما، وأصبح إن «أميركا ستلجأ إلى العمل العسكري ضد (داعش) في سوريا» وكأنها لم تلجأ إلى العمل العسكري ضد هذا التنظيم الإرهابي حتى الآن ولم تشكل هذا التحالف الدولي الذي يواصل غاراته الجوية على دير الزور والرقة وعلى كثير من مواقع «داعش» في العراق.

ألا يعني هذا يا ترى أنَّ مع المعارضة السورية الحق كله عندما تتحدث عن انقلاب في الموقف الأميركي لحساب وجهة النظر الروسية التي بات واضحًا أن هدفها ومنذ البدايات هو إعادة صياغة نظام بشار الأسد، وإعادة تكريسه مرة أخرى ومن جديد، وهو القضاء على هذه المعارضة وعلى غرار ما جرى بعد مذابح حماه الشهيرة في عام 1982، حيث تواصل هذا النظام في عهد الأب وعهد الابن منذ ذلك الحين وحتى الآن؟!!

لقد اعترض الروس، بالإضافة إلى اعتراضاتهم الكثيرة، على وجود عسكري هو العميد الطيار أسعد الزعبي على رأس وفد المعارضة السورية إلى (جنيف3) ووجود أحد قادة جيش الإسلام في هذا الوفد بل وهم، أي الروس، قد اعترضوا وما زالوا يعترضون على مشاركة التنظيمات المسلحة في العملية السياسية المتعثرة لحل الأزمة السورية، وهذا يعني أن موسكو تريد تفجير هذه المعارضة من الداخل، وأنها تريد أيضًا دفع هذه التنظيمات إلى مزيد من التشدد، وربما إلى التحالف مع «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» وباقي التنظيمات الإرهابية.

وهنا فإن المفترض أنه معروف أنَّ التنظيمات المسلحة، التي أصبحت منضوية في المعارضة السورية (المعتدلة) على أساس مؤتمر الرياض، الذي كان بمثابة نقلة نوعية هائلة بالنسبة لهذه المعارضة، قد حذَّرت من أن الذهاب إلى (جنيف3) وفقًا لما يطرحه الروس والأميركيون سيعني خروجهم الفوري من هذا الإطار المعارض مع الاستمرار بالتصعيد العسكري والاستمرار بمواجهة «التدخل الروسي» ومواجهة الإيرانيين وحزب الله، وبالطبع بمواجهة هذا النظام حتى إسقاطه والقضاء عليه. ويقينًا أنه إذا نفذ الروس والأميركيون ما يصرون عليه فستكون هناك خريطة سياسية وعسكرية جديدة في سوريا، وأنه غير مستبعد أن يكون هناك تحالف بين كل هذه التنظيمات المسلحة، التي كلها (معتدلة) حتى الآن، وبين «النصرة» وأيضًا ربما «داعش» و«القاعدة» وكل هذا، ويجب أن يكون معروفًا أن العرب السنة في هذا البلد المنكوب الذي يشكلون أكثر من 70 في المائة من شعبه، من غير المستبعد أن يتحولوا إلى بيئة حاضنة للإرهاب، وعلى غرار ما جرى في العراق بعد الاحتلال الأميركي في عام 2003، وبعد المعادلة البائسة المعروفة التي فرضها سيئ الصيت والسمعة بول بريمر ومعه الذين اعتبروا أنفسهم منتصرين على الشعب العراقي وعلى بلاد الرافدين.

يجب أن يكون معروفًا ومنذ الآن أنَّ تمرير اللعبة الروسية - الأميركية بالقوة وبالتهديد والوعيد وفرض هذا الاتفاق الأميركي - الروسي على المعارضة السورية، سيعني تحول سوريا إلى عراق جديد وإلى قاعدة كبيرة لتنظيم داعش، الذي نما وترعرع في البيئة التي استجدت بعدما تعرض العرب السنة في العراق إلى ما تعرضوا إليه، والذي ما زالوا في حقيقة الأمر يتعرضون إليه في «المقدادية» وفي «ديالى» وفي مناطق كثيرة من بلاد الرافدين.

مرة أخرى يجب أن يكون واضحًا ومعروفًا منذ الآن أنَّ سنة سوريا سيشعرون بمرارة ما بعدها مرارة، إن استطاع الروس والأميركيون تمرير هذه اللعبة الخطيرة التي يلعبونها الآن وإعادتهم إلى بيت طاعة هذا النظام الاستبدادي بعد كل هذه التضحيات التي قدموها خلال الأعوام الخمسة الماضية، وبعد كل هذا التشريد وكل هذه الويلات.. إنَّ بديلهم سيكون «داعش» وسيكون التنظيمات الإرهابية وعلى أساس ذلك المثل القائل: «لا يدفعك إلى المرِّ إلَّا الأمر منه»!!

اقرأ المزيد
٢٨ يناير ٢٠١٦
سوريا في الطريق إلى عيادة جنيف 3

الحروب في معظمها تؤدي أغراضها وتجتاز رحلتها العسيرة لتصل إلى تغيير البديهيات التي أدت إلى نشوبها، أي أنها تجريد العقل لإرساء أفكار مختلفة فقدت أسباب توترها أثناء رحلة العلاج الشاقة في ساحة الحرب ومدتها تعتمد على طبيعة المرض وتفاقمه، ومع بداية الشفاء تنفتح الآفاق للخلاص من نزعات العدوان، لأن القوة تتحول بعد تجربة العنف إلى حالة ضعف مستترة.

الطريق إلى عيادة جنيف 3، يحتاج إلى تشخيص طبي موحد من قبل فريق المتخصصين الذين أشرفوا على صالة تفشى فيها وباء الحرب، وانحازوا إلى مريض دون آخر، وتفرقوا في العلاجات، ودخلوا في مهاترات في ما بينهم بلغات متعددة، واستخدموا كل أدواتهم المتاحة وما تعلموه في مناهجهم القديمة، فزادوا من توتر أعصاب المرضى، وانحطت الوصفات والأدوية لسقوط الأطباء في صراعاتهم، ذلك أدى إلى غياب الرعاية الأخلاقية وانحياز بعضهم إلى مراجعي عياداتهم الخاصة على حساب الباقين المصابين بجينات المرض على اختلاف درجات انتشاره في أجسادهم ونفوسهم.

مازلت أرى أن المشكلة الأكثر تعقيدا في مجريات المفاوضات بين الطرفين ليست في تشكيلة وفد المعارضة السورية، رغم الجدل والرفض والقبول، لكنها تجد لها حلا بالتفاهمات بين أطياف المعارضة الواسعة، لأنهم يعلمون مسبقا أنه لا يمكن إقصاء أي جزء من الشعب السوري اليوم أو غدا.

تظل المعضلة في وفد النظام المفاوض الذي لم ولن يفاوض إلا على بقاء النظام وكسب الوقت وإفشال الحل السوري، لأنه على الأرض لا توجد مفاوضات بين طرفيْن سوريين، إنما بين أوصياء داعمين وفي الحقيقة محتلين تمثلهم روسيا وإيران، مقابل معارضة سورية سعى النظام الحاكم إلى خلق وتوفير كل المناخات المناسبة لتفتيت وحدتها وتشويه سمعتها وإضعاف قوتها بإطلاق سراح التطرف الذي فتك بها عسكريا وسياسيا ووجه أنظار العالم إلى مخاطر عولمة الإرهاب، وكان من نتائجه التراخي في إدانة جرائم النظام وتجاهل مصير شعب تحول في سنوات قليلة إلى شعب محكوم عليه بالموت والتجويع والسجون والإبادات لإجباره على ترك أرضه، وهنا تستقر أهداف المستقبل ومخططات وبرامج المشاريع الإقليمية والدولية.

46 عاما من الحكم الواحد، والمعادلة حتما سجون وتعذيب معارضين وموت الآلاف ولو لمجرد “همزة لمزة”. الآلاف من الصور الموثقة ولم يقتنع العالم ليتحرك لإيقاف تداعيات وانهيار شعب ووطن عريق مثل سوريا.

سلطة استفادت من حماقة الاحتلال الأميركي للعراق وإلغاء وتقويض مؤسساته العسكرية والأمنية والمدنية، وأعطت مبررا لمخاوف العالم من تكرار النموذج العراقي، وبعده النموذج الليبي وآثار تدخل حلف الناتو، وكل موجة ما عرف بالربيع العربي، صبت جميعاً في تدعيم موقف النظام السوري دوليا، ولا ننسى تراجع الدور الأميركي في المنطقة عموما نظرا لسياسات الرئيس الأميركي وتوقيع الاتفاق النووي مع إيران لتهدئة اللوبي الصهيوني وترحيل المخاوف الإسرائيلية إلى فترة لاحقة.

بديهي أن نلحظ الغرور الإيراني في المنطقة، وتنامي الدور الروسي الذي وصل حد احتلال سوريا أو ارتهانها للوصاية وتكملة مشوار النظام في عقابه الهستيري تجاه الشعب، والحجة المتوفرة هي القضاء على الإرهاب وداعش، ذلك الغول الذي تم إطلاقه في المنطقة بظروف وتوقيتات واضحة لكن بغموض وانتشار في ظلام السياسة الدولية وتراخي المواقف وتفويض إيران في ملفات صنع الأزمات ودحرجة عجلة الصراع الطائفي.

لذلك تأتي الإملاءات الروسية على المفاوضات المتوقعة في جنيف القادم والتهديد بوفد معارض جاهز للإعداد إلى مستقبل سوري يعيد عرض الشكل الديمقراطي للانتخابات على مدى 46 عاما، وهذا ما أكده الرئيس السوري في لقاء صحفي “لا أرى مانعا من ترشحي للرئاسة في الانتخابات القادمة”.

وللحقيقة، وهي متغيرة أيضا مع الحياة ونسبية مع حركة الزمن، يتمنى الكثيرون من الذين عاشوا مأساة تغيير حاكم ورفض سلطة قمعية، لو أن شعوب المنطقة تناست مبادئ الثورات وما تقرأه في كتب الأمل بالحياة الأفضل والديمقراطية وحكم الشعب والعدالة والمساواة والحرية وحقوق الرأي والوطن للجميع في الحقوق والواجبات ومشاركة الإنسانية آمالها، لأن النتائج كانت تراجيدية وكل التوصيفات لا ترقى إلى أساليب البطش وحجم العنف والمداخلات في جرائم الإبادة.

الذهاب إلى مفاوضات لإيقاف حرب أهلية بحجم النزاعات في سوريا وتعقيدها، لا يمكن إنجاحه دون إلزام وإجماع دولي وإرادة موحدة تساعد الطرفين ليتفهما استحالة استمرار الحال على ما هو عليه، وإن أي نجاح يتوقف على الاستجابة لتنازلات من أجل وطن مدمر.

تبدو المفاوضات في جنيف 3 صعبة وبداياتها طرف استماع ونقل تمهيدا للقاء المباشر، الأخطر هو توقف وفد النظام عند نقطة بداية ونهاية في مضمار ما قبل الثورة السورية السلمية، ورفض حل العُقَد المزمنة المتمثلة باستمرار الحاكم وبدعم وتدخلات روسية إيرانية وحذر دولي من مخاطر الإرهاب.

بوادر تفعيل المفاوضات والثقة بها وما يعرف بمنشطات الأمل، بالاتفاق بعد أيام من بدئها بين الطرفين على وقف إطلاق النار بإشراف دولي ورفع الحصار عن المدن والسماح للمنظمات الإنسانية بالانفتاح في عملها، تلك الاتفاقيات تمنح روح التفاؤل للشعب وأيضا للمفاوضين، وتطبيع الانفعالات والاتهامات وصولا إلى تفاصيل المرحلة الانتقالية وغيرها من سجالات السياسة.

في سوح معارك الفرسان وكذلك في نزالات حل النزاعات شريفة الأهداف كمفاوضات الطرفين السوريين لا بد من احترام الخصم والتكافؤ، كشرط لقبول قناعات جديدة لبداية رحلة الشفاء العسيرة في عيادة جنيف 3.

اقرأ المزيد
٢٨ يناير ٢٠١٦
حين يتفاوض المحظي مع ظلاله

لا تحفظ ذاكرة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، على الرغم من البؤس الطافح على صفحاتها، أي نوع من التدخل الدولي العلني، في حق كلا الجانبين بتشكيل وفديهما. صحيح أن منظمة التحرير ذهبت ابتداء إلى مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 تحت ما سمي المظلة الأردنية، وصحيح أن حكومة إيهود باراك اعترضت، عام 1999، من دون جدوى، على قرار الرئيس ياسر عرفات تكليف عضو اللجنة التنفيذية، ياسر عبدربه، رئاسة فريقه إلى مباحثات الوضع النهائي، لكن أياً من الجهات الراعية للتسوية السياسية لم يخرج يوماً على الملأ، ليقول للفلسطينيين؛ ذاك مفاوض شارك في "الإرهاب" ضد إسرائيل، فلا نريده، وهذا مفاوض معتدل ينبغي أن تضموه إلى وفدكم، إن أردتم نجاح العملية السياسية، وإلا فلا.


كانت الوفود الفلسطينية إلى المفاوضات، منذ أوسلو 1993 وحتى كامب ديفيد 2000، بل حتى ما قبل وفاة عرفات، يختارها هو بنفسه، وتضم، في الغالب الأعم، أسماءً شارك أصحابها في النضال السياسي والعسكري، ضد إسرائيل، ثم استمرت الحال على هذا المنوال، في عهد الرئيس محمود عباس، إلى أن بلغت عملية السلام نهايتها المشؤومة، بسبب أنواعٍ من التواطؤ الغربي مع الاحتلال، ليس أحدها التدخل في تحديد أسماء المفاوضين.


على النقيض من ذلك، بل على النقيض من كل المبادئ والقيم والتقاليد التي طالما حكمت التفاوض بين قوى الاستعمار وثورات التحرر الوطني، كما بين الطغاة ومعارضيهم، نرى اليوم مساعي تسوية الصراع في سورية محكومة علناً بتدخلات فظة في تسمية مفاوضي المعارضة، ليس فقط من الوسيط الدولي، وإنما أيضاً من طرفٍ يشارك في الحرب عليها، أي روسيا. هذه الأخيرة تعترض على أشخاصٍ في وفد المعارضة، بذريعة مشاركتهم في العمل العسكري، كما تريد إضافة أسماء محسوبة عليها، أو هي مجرد ظلال للنظام السوري، وذاك يهدّد بعقد المفاوضات بمن حضر، إذا بلغت مقاومة الضغوط حد الامتناع عن المشاركة في مؤتمر جنيف.


يستدعي الموقف، هنا، تساؤلات عدة عن المعنى والمغزى والأبعاد، منها مثلاً، ووفق منطق المقارنة، حتى مع أحد أسوأ الخبرات التفاوضية؛ لماذا يقترف مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي مستورا، ما لم يجرؤ على اقترافه الموفد الأميركي، دينيس روس، عندما توسط في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وكيف نفسر تواطؤ أميركا مع نوعٍ من الإملاءات الروسية، التي ما كانت هي نفسها لتحاول فرض مثلها على الفلسطينيين، خدمةً لحلفائها الإسرائيليين، وهل السبب ضعف المعارضة السورية إلى درجة تنحدر كثيراً عما كانت عليه منظمة التحرير، أم أن السر يكمن في حرص ما يسمى المجتمع الدولي على توفير حماية لبشار الأسد من خطر وجودي، لم يسبق أن واجهه إيهود باراك، أو إسحق رابين، أو شيمون بيريس؟


ليتذكّر من يريد أن يتذكّر، إزاء هذه التساؤلات، أن وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، خرج بعد نحو أربعة أشهر من اندلاع الثورة الشعبية، ليقول بثقةٍ بدت حينها مثيرةً للدهشة، إن التدخل الدولي لن يحدث. كان الرجل، إذ ذاك، يُطمئن أنصار النظام، من طرفٍ خفي، إلى الحظوة التي يتمتع بها الأسد، في اللعبة الدولية، وإلى عقم الصيحات البريئة، أو الساذجة التي تعالت في أوساط المعارضة، داعية إلى حماية السوريين من بطش آلته العسكرية.


وعلى الرغم من تأكيد الأسد نفسه على هذا المعنى، حين حذر مبكراً من أنه يقف عند حافة ما وصفه بالفالق الزلزالي، فإن المعارضة واصلت، لخمس سنوات عجاف، تعلقها بأهداب المجتمع الدولي، وها هي تحار أمام إكراهات الذهاب إلى مفاوضات صممتها موسكو، بمباركة واشنطن، وربما تل أبيب، لكي يتفاوض فيها ممثلو النظام السوري (الإيراني؟)، مع ظلاله، ويخرجوا في ختامها، قائلين ما قاله الإسرائيليون بعد إبرام اتفاقيات أوسلو "لقد فاوضنا أنفسنا وحصلنا على كل ما نريد".

اقرأ المزيد
٢٨ يناير ٢٠١٦
توافق روسي أمريكي لعودة "داعش" للواجهة عبر المجازر و التذكير بالماضي

في الوقت الذي نشهد فيه تراجعاً ملحوظاً في حركة داعش سواء على الصعيد المحلي ( السوري – العراقي) أم على الصعيد العالمي مع هدوء في العمليات التي تستهدف الدول البعيدة ، بدأت كل من روسيا و الولايات المتحدة الأمريكية ، بتقديم كل الامكانيات التي تساهم في تمهيد الطريق أمام داعش للعودة به من جديد إلى الواجهة ، احياءً لـ "الوهم" و تذكير العالم أن العدو في المنطقة و العالم هو "داعش" و كل ماعداه عبارة عن ثغاء لا يؤذي.

وقال تقرير لمنظمة "الرقة تذبح بصمت" أن هناك نشاط كبير يقوم به شرعيو داعش في دير الزور و الرقة بغية ضم المزيد من المقاتلين إلى صفوف التنظيم ، هذه الجهود التي تلقى تجاوباً جيداً من عامة الشعب الذي آثر في السابق عدم الاشتراك معهم ، و لكن مع عِظم الحملة الروسية و ارتكابها لمجازر أقل ما توصف بأنها "مروعة" ، خلفت قرابة ٢٠٠ شهيد مدني خلال يومين فقط ، يعد مبرراً كافياً و حجة لاتقبل الضحد ، بأن الحرب هي حرب شاملة على كل ماهو موجود على الأرض و ليست داعش وحدها المستهدف ، ولذلك لن يكون هناك خيارات متوافرة أمام المتواجدين هناك ، إما التسلح و القتال أو القتل بشكل أعزل.

هذه الهجمة التي أطلقتها روسيا حققت نتيجتها على الأرض السورية ، بالتزامن مع جرائم الحشد الشعبي الشيعي ، الذي أتم الجزء الثاني من المهمة و جييّش كل المواطنيين العراقيين "السنة" ضده و منح داعش مئات المقاتلين المجانيين و بدون أي جهد .

ولعل العمل الداخلي يتطلب جهود آخرى و هي تجييش المزيد ممن هم خارج هذه الدائرة ، لإعادة كامل وهج الرعب لداعش ، وهذه المهمة تكفلت بها أمريكا من خلال قرار احدى محاكمها القاضي بالسماح بنشر ١٩٨ صورة عن انتهاكات الجنود الأمريكي بحق سجناء عراقيين و أفغان في عام ٢٠٠٤ ، الأمر الذي سيعيد الصورة من جديد إلى بدايات العمل المسلح "القاعدي" في المنطقة و المتحول إلى داعشي فيما بعد، وهو بالفعل صبٌ لـ "الزيت" على النار ، و الذي سيخلف ناراً تأتي على كل ما يحيط بها ، والأهم أنه سيغطي على كل ما يحاك للمنطقة ليتم تنفيذه بهدوء و دون ضوضاء من لاعبين لا دور لهم سوى السير وراء "الحرس" الذي توجهه أمريكا.

اقرأ المزيد
٢٨ يناير ٢٠١٦
لا"جنيف" في الأفق .. والمعارضة متماسكة حتى اللحظة و بيدها "كروت" سرية

لايمكن الجزم أن الحقائب التي وضبت على عجل ، ستدخل في مستوعبات الطائرات التي ستنطلق من الرياض و دمشق و عدة بلدان باتجاه جنيف ، لتحط هناك وتفتح على طاولات الحوار الغير مباشر في اطار الوصول إلى حل للجلبة السورية التي أغرقت العالم في أوحال قد تحتاج سنون طويلة للتخلص منها و يمكن قرون للتخلص من تبعياتها .

ففي الرياض لازالت المعارضة متماسكة بشكل أربك كل الأطراف ، ولازالت أيضاً تمسك بـ"كروت" سرية و غير مفهومة ، تجعلها قادرة على مواصلة الرفض و التأكيد على أن لاحضور في جنيف أو دخول في أي حديث قبل التنفيذ الفعلي لمقررات ٢٢٥٤ ، مع التشديد على عدم اللعب في أي فقرة أو حدوث أي خلط بين ماهو انساني و ماهو سياسي ، ففي جنيف (وفق للمعارضة) مناقشة بنود الانتقال السياسي ، وما يسبق هذا الانتقال هو التحول إلى الهدوء الداخلي ، الذي سيكون داعم أساسي لها و كرت إضافي من كروت القوة .

لم تفلح الجهود التي قادتها معظم الدول سواء الداعمة للأسد أو التي تحسب على الشعب السوري أو المتباينة بين هذا و ذاك في فك العقدة ، ولم ينجح الترهيب و كذلك الترغيب في تليين الموقف الممانع للذهاب إلى جنيف و الولوج إلى الأجواء السويسرية ،بدون دخول الهدوء و الطعام و منح الحرية للمعتقلين.

رفع مستوى التمثيل في وفد النظام ، ودعوة رئيس الدبلوماسية ( وطبعاً شكلياً في نظام أمني بحت لايملك قرار نفسه ) ، وتحجيم بقية المدعويين من المحسوبين على المعارضة (جذافاً) ،و منعٍ لحضور آخرين إرضاء للاعبين مؤثرين على المعارضة ، في مجملها لم تفد في تليين الموقف لدى المعارضة التي اتفقت غالبية الدول (صاغرة أم راغبة) أنها الممثل الأهم إن لم يكن الوحيد للشعب السوري ، بعد أن تمكنت في لم شمل المعارضة السياسية و العسكرية و الخليط الإثني و القومي ضمن قالب وطني جامع .

إلى اللحظة لا يوجد "جنيف" في الأفق و الأنباء تتحدث عن تأجيل حتى الاثنين ليكون التأجيل الثاني على التوالي ، بانتظار إيجاد صيغة تدفع وفد المعارضة للخروج من مطار الرياض إلى جنيف و ليس إلى بلدان أخرى ، كي لا يبقى الحل السياسي "وهم" لا مكان له في الواقع.

و لعل التماسك الذي تبديه المعارضة السورية حتى اللحظة أثار الكثير من التساؤلات حول أسبابه ، و الأهم ماهي "الكروت " السحرية التي تستند إليه ، و يمكن أن تكون سرية و غريبة على كثيرين ، و لكن التوليفة التي تم الوصول إليها لأول مرة منذ خمس سنوات لها دور بارز ، و الأبرز من ذلك هو مدى التأييد الذي حظيت به من قبل الحاضنة العسكرية و المدنية و حتى الشعبية ، التي يمكنها للصمود مزيداً من الوقت ، الذي يطول أو يقصر تبعاً للقدرة على تحمل "آلام الأصابع " في لعبة "العض".

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٣ مايو ٢٠٢٥
"الترقيع السياسي": من خياطة الثياب إلى تطريز المواقف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)