مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٥ مايو ٢٠١٦
عقيدة أوباما.. ومعاناة السوريين

مناظر القتلى والجرحى، خصوصًا من الأطفال، في حلب، أعادت معاناة السوريين إلى الواجهة، وحركت اللقاءات والاتصالات الدبلوماسية للنظر في كيفية توسيع الهدنة، وإعادة تحريك العملية السياسية المتوقفة. لكن التصريحات الصادرة عقب هذه اللقاءات، وتحديدًا عقب لقاء وزيري الخارجية الأميركي والروسي، ثم الاجتماعات مع المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، لا تبعث على التفاؤل بنهاية قريبة لمعاناة المدنيين، ناهيك بالقول بأي نهاية محتملة للأزمة السورية في المستقبل القريب.

مشكلة سوريا أن أزمتها وقعت في عهد رئيس أميركي جعل مسألة سحب القوات الأميركية من مناطق النزاع، وعدم الزج بقوات برية في مهام قتالية، ما لم يكن هناك تهديد مباشر لأمن أميركا ومصالحها، من بين أولويات استراتيجيته الخارجية وعقيدته السياسية. أضف إلى ذلك أن الأزمة السورية احتدمت في وقت كان تركيز أوباما منصبًا على التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران، مما جعل الحسابات من أجل هذا الاتفاق تتداخل مع الحسابات في الأزمة السورية. لذا بدت السياسة الأميركية إزاء الأزمة السورية مترددة أحيانًا، وسلبية أحيانًا أخرى، وممانعة في كل الأحوال لأي تدخل مباشر يضطرها للدفع بقوات قتالية برية.

عندما تحدث وزير الخارجية الأميركي جون كيري، عقب لقائه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، هذا الأسبوع، عن مناطق آمنة، كأحد الخيارات لحماية المدنيين في سوريا، سارع البيت الأبيض للرد عليه والقول إن أوباما يرفض هذا الخيار لما يتضمنه من مسؤولية الدفع بقوات برية لحماية مثل هذه المناطق. هذا الكلام يشير إلى أن الجهود ستنصب بالأساس على توسيع الهدنة لتشمل حلب أيضًا، وذلك على الرغم من أن كيري اعترف بأن الهدنة كانت هشة وعرضة للخروقات والانتهاكات، وهو ما يعني ضمنًا أنها ستبقى كذلك في ظل عدم وجود اتفاق ملزم، وقوات لمراقبة التنفيذ ومنع حدوث انتهاكات.

مركز التنسيق العسكري الأميركي - الروسي الذي تحدث عنه كيري ولافروف لمراقبة الهدنة، لن يكون حلاً، خصوصًا مع التباين في الأهداف والاستراتيجيات بين واشنطن وموسكو، وتعدد الفصائل على الأرض، وعدم وجود توافق حول تعريف وتحديد «الإرهابيين» الذين تستهدفهم الغارات. فأميركا تركز في عملياتها واستراتيجيتها على محاربة «داعش»، والتعاون مع الأكراد، وتبقى مترددة حيال مسألة دعم المعارضة «المعتدلة» بأسلحة متطورة، خصوصًا بعد فشل تجربتها في تدريب وتسليح معارضين، إثر قيام بعض هؤلاء بتسليم أسلحتهم لجبهة النصرة أو اختفاء أثرهم بعد دخولهم إلى سوريا. أما روسيا، فإنها تعمل على دعم النظام السوري وتمكينه من استعادة مناطق مهمة خسرها في السابق، لتعزيز موقعه في المفاوضات، إذا بقيت هي المسار للحل، وليس الحسم العسكري الذي يبدو مستحيلاً في الوقت الراهن، وفي ظل موازين القوى الحالية، والتجاذبات الدولية، والصراع الإقليمي المحتدم.

كذلك، فإن موسكو ودمشق تستخدمان تعريفًا واسعًا للحرب على الإرهابيين، يشمل إضافة إلى جبهة النصرة فصائل معارضة أخرى تعتبرها واشنطن ضمن «المعتدلين». من هنا كان إصرار لافروف في تصريحاته عقب لقائه مع كيري ومع دي ميستورا على أن توسيع الهدنة وضم حلب إليها لا يعني وقف الغارات على «الإرهابيين». كذلك كان لافتًا مطالبته للفصائل المعتدلة بالانسحاب من مناطقها في حلب، والابتعاد عن مواقع جبهة النصرة.

المذهل أن لافروف تحدث عن أن 90 مجموعة مسلحة أعلنت انضمامها للهدنة، مما يعطي لمحة عن حجم المشكلة التي تواجه أي اتفاق لوقف العدائيات. فبعض التقديرات تضع عدد المجموعات المسلحة في سوريا في حدود الألف، أغلبها مجموعات صغيرة تعمل في نطاق محلي ضيق. لكن حتى بعد التحالفات التي عقدت بين المجموعات المختلفة، فإن عدد الفصائل المعارضة يظل كبيرًا جدًا، كما يبقى عاملاً معرقلاً لسريان أي هدنة، هذا إذا اقتنعنا أصلاً بأن «نظام التهدئة» المعلن يشكل هدنة ذات معنى.

الكلام عن الهدنة يجعل أميركا تبدو وكأنها تفعل شيئًا حيال الأزمة السورية والمعاناة الفظيعة التي يعيشها المدنيون سواء في حلب أو في غيرها من المناطق التي تشهد عمليات، في حين أن السياسة الأميركية الراهنة هي «الانسحاب» من أزمات المنطقة. ولأن أوباما لن يبدل في استراتيجيته، خصوصًا في هذا الوقت المتأخر من عمر إدارته، فإن وزير خارجيته كيري لجأ إلى التركيز على التعاون مع روسيا لتحقيق ما يمكن تحقيقه، رغم التباينات الهائلة في الأهداف بين الطرفين.

أميركا ستدخل قريبًا، إن لم يكن قد دخلت بالفعل، في فترة «البيات الانتخابي» التي تتوجه فيها الأنظار نحو معركة انتخابات الرئاسة والكونغرس (كل أعضاء مجلس النواب و34 من أعضاء مجلس الشيوخ)، والأزمة السورية ستتراجع أكثر في سلم أولويات الإدارة التي تستعد لترتيب أمورها استعدادًا للرحيل في يناير (كانون الثاني) المقبل. روسيا تدرك ذلك، وقد تعمل مع نظام الأسد لفرض حقائق جديدة على الأرض، مما يعني تصعيدًا في الحرب، ومعاناة أكبر للسوريين.

اقرأ المزيد
٥ مايو ٢٠١٦
هل يكون "أوغلو" أسوة حسنة لنا ؟

استقالة رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو يوم أمس لم تكن صدفة , و لم تكن مفروضة عليه او حتى معد لها منذ زمن , يبدو ان أوغلو لم تلائمه سياسة ما، أو مسعى باتجاه لا يرغب به ، فقرر أن يتنحى بهدوء , و اعتبر أن مهمته قد انتهت , هذا لا يمنع وجود بعض الحزن و بعض الخلافات بين أوغلو و أردوغان ,

و لكن الجميل في استقالة المفكر أوغلو و عدم تصريح رئيس الدولة "طيب رجب أردوغان" بأي كلمة ضد أوغلو , و حرص كليهما على انتهاء مهمة مطروحة لازدهار "الدولة التركية" , و خلاف واضح زينه هدوء رزين , فالأول اعتبر سيطرة الثاني مفترق طرق ليعود الى كتبه و فكره و الثاني اعتبر استقالة الاول انتهاء مرحلة , لمواصلة الحلم في دولة يحلم بها مرتقبة

ما لفتني ليس سبب خلاف الاثنان أو كيفية استقالة أوغلو , و ماذا سيحدث في تركيا بعد الخلافات , لان الاجابة ببساطة أن احدا لن يعرف تفاصيل الخلافات الدقيقة , و لن يسمحا لأحد ان يدخل في هيكلية و قوانين حزبهما , و الدولة التركية ستبقى في قبضة حزب العدلة و التنمية , انها الفكرة التي نطمح بها كسوريون منذ خرجنا في ثورتنا فكرة "الايثار" , و التي لم نتوصل لها حتى الان.

ماذا لو حصل الخلاف ذاته بين أعضاء الائتلاف أنفسهم على منصب لدولة لم تقم بعد من حالة حرب ؟ ، ماذا فعلت الفصائل في الغوطة الشرقية كي لا تقع في براثن قهقهات نظام الاسد وايران؟ .

لا يقل لي أحدكم انتهى الخلاف و هذا تأجيج خلاف, فالمرآة التي تنكسر محال أن تعود , و ما كسره الاقتتال الداخلي في وقت تحرق فيه حلب, سبقها اقتتالات داخلية في ادلب و في حلب ذاتها و في كل منطقة محررة , الأمر الذي لن يجعل الغرب يغفر لنا ما قام به قادة الفصائل التي تمثل ثورتنا التي من المفترض أن تقوم على "الايثار" و مصلحة الجميع مقابل منصب.

تمنيت لو أن يكون لاستقالة أوغلو , و ذوقه في تعبيره عن استقالته , و الذي كان وسط هدوء اعلامي تركي واضح , لو أنه كان درساً لنا كسوريون , ثرنا و شردنا و قتلنا و اعتقلنا لكي نتبنى مصطلح "الايثار" , لكن يبدو ان ما زرعه فينا الأسد الاب و الابن ل 40 عاماً من فكرة "فرق تسد" لم نتخلص منها و لن نتخلص منها في القريب العاجل , بل على العكس وجدنا من خلافات حزب العدالة والتنمية صيداً ثميناً , لنتناقله عبر صفحاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي , لنتساءل ماذا سيحصل في تركيا و لماذا حصل الخلاف و ما هي النتائج , و بقى تفكيرنا سطحياً , و نسينا العبرة من خلاف رئيس وزراء و رئيس دولة واحدة انتهى بإيثار الوطن على منصب زائل

اقرأ المزيد
٥ مايو ٢٠١٦
استقالات في العالم لأجل سوريا و بسببها .. و "أوغلو" أحدهم !؟

تشكل العبثية السياسية التي وصلنا إليها كسوريين، للاقتناع أن أي شيء يحدث في العالم بأسره من قطبه الشمالي إلى ذلك الجنوبي، يعود بطريقة أو بأخرى إلى الملف السوري، ويستتبع أيضاً أن يكون هناك تغيير في الملف السوري، و تغير وجهة النظر و طريقة التعامل مع السوريين.

و ما إن أعلن رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو استقالته من رئاسة الحزب الحاكم في تركيا، حتى بدأت الأفكار تأخذ السوريين ليبحثوا عن الأسباب و المسببات، و هل للسوريين وجود في ذلك الأمر أم أنهم ستضررون منه، و كيف يمكن عكس القرار على الملف السوري، و ماذا لو قرر المتخاصمون ليكون السوريين الكرة التي يتقاذفونها في صراعهم.

بين لحظات الاستقالة، و ظهور أسبابها و كشف خلفيتها، نعيش في أروقة التحليل المعنّف للذات، و الشاتم للمجرة التي بها نعيش، و كذلك نبدأ بالاصطفاف في على الجبهات المتقابلة، و نطلق شرارة الصراع الذي لا يغني و لا يسمن، و كل ماهناك أنه يرضى عبثية الخلاف، و يشبع رغباتنا بالظهور كفوقيين و قادرين على التحكم بخيوط و اتجاهات اللعبة، في حين أننا عاجزون عن فهم تفكير أصغر متحكم في سوريا، كيف يعمل و ماذا يهدف.

ولا نستغرب أن نترك كل الجبهات المشتعلة، و النيران لم تعرف الهدوء في سوريا، واذا ما قصّرنا النطاق و خصصنا "حلب"، و نجد في استقالة "أوغلو" سبيلاً جيداً للنقاش و زيادة الخلاف، على اعتبار أننا محور الأرض و مركز دورانها، و كل مافيها يدور في فلكنا، في حين أن كل ما حدث في سوريا لم يكلف أحد أن يتجاوز حدود التصريح للوصول إلى ما يشبه الفعل.

"أوغلو" عندما أعلن استقالته من رئاسة حزبه، لم يرمق السوريين نظرة تهديد أو وعيد، و لم يتوعدهم بتغير السياسة اتجاههم، فالمنصب الذي تخلى عنه، حزبي و ليس تنفيذي، و قد وجد فيه البعض أن السبب خلافاً متفاقماً مع الرئيس التركي |رجب طيب أردوغان"، أو لعبة تكتيكية داخل حزب يرغب بمواصلة التواجد في السلطة، والزج بوجوه جديدة، علّله يحظى بالتجديد الخارجي ضماناً لاستمرار الحزب كايدلوجية عامة بعيد عن التعلق بشخص أو شخوص بعينها.


و من المتوقع أن يكون السوريين أكثر المحللين للخبر و مفاعيله و خلفياته، و نتائجه و انعكاساتها على الملفت كافة، سياسية و اقتصادية و اجتماعية، و مدى تأثيرها على الشعب التركي و التطورات التي ستلحق صغار الكسبة و العمال، إضافة لتلك الأمور المتعلقة في السياسية الجمعية المعقدة لتركيا مع العالم الخارجي، فهنا المساحة شاسعة و متشعبة بشكل تحتاج اسبوعاً يزيد أو ينقص من التمحيص وتبادل الآراء المتضاربة و شن الهجومات السريعة، بانتظار حركة مشابهة في بوركينافاسو أو برازيليا، فالعالم كما أسلفنا يدور في فلك المجرة السورية، و لا هم يقض مضجع العالم و لا شعوبه و سياسيه و لا حتى سلطاتهم التنفيذية إلا الملف السوري.

ليتنا نتابع بنفس الرتم و البحث و التمحيص مسببات الخلاف السورية – السورية، و نكتفي في حدود جغرافيتنا المتهالكة.

اقرأ المزيد
٤ مايو ٢٠١٦
أين "الخطة ب" لسوريا؟

ماذا ينتظر العالم بعد ليغير طريقة تعامله مع الحرب السورية؟ ما الذي يتوقعه ستافان دو ميستورا بعد من محادثات سلام ذات أهداف فضفاضة وعناوين مطاطة تراوح مكانها بينما آلة القتل تشق طريقها آمنة لترفع حصيلة ضحاياها بتقديرات المبعوث الدولي نفسه إلى ما يقارب 400 الف قتيل؟
صارت السياسة الأميركية لسوريا تكراراً مملاً. لقاءات جون كيري مع سيرغي لافروف باتت مشهداً مألوفاً: تنديد بالعنف واتفاق على انهائه من طريق النظام بمساعدة الروس والإيرانيين، ليحقق مكاسب جديدة بذريعة محاربة الإرهابيين.
بنبرة لا تخلو من الأسف، وصف رئيس الديبلوماسية الروسية الهجوم على مستشفى القدس في حلب بأنه عمل "عديم الضمير" ويجب أن يتوقف. لكنه قال إنه لا يريد قطع أي وعود لا يمكن الوفاء بها. وهو ربما كان يشير ضمناً إلى الخطة البديلة التي كان لوّح بها إذا أخفق وقف النار.
في آذار الماضي، أثار كيري تكهنات كثيرة عندما أشار في شهادة له أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي إلى "نقاشات مهمة" مع ادارة الرئيس باراك أوباما في شأن "الخطة ب" في سوريا. وزاد تلك التكهنات تصريح "مسؤول رفيع المستوى" لشبكة "سي بي أس نيوز" بأن الخيارات المقترحة تشمل إجراءات عسكرية تمنع النظام وحلفاءه من مواصلة الهجوم على المدنيين والمعارضة المدعومة أميركياً.
في حينه، أكدت مصادر في وزارة الدفاع الأميركية أن "الخطة ب" هي فكرة أكثر منها مسار محدد للتحرك، أي أن مسؤولي الأمن القومي في الإدارة الأميركية يعتقدون أنه يجب القيام بتحرك ما في سوريا، وإن كانوا غير متأكدين من الخطوات المحددة.
ثلاثة خيارات طرحت للتداول، هي زيادة القوات الأميركية الخاصة على الأرض وزيادة المساعدات العسكرية لقوات المعارضة التي تقاتل النظام وفرض حظر طيران.
ونشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" قبل أسبوعين أن الخطة الأميركية البديلة تشمل تزويد مقاتلي المعارضة أسلحة أشد فتكاً، بما فيها ربما صواريخ مضادة للطائرات والهليكوبتر، فيما أشارت تقارير أخرى الى أن كيري نفسه يضغط لتزويد المعارضة مزيداً من المساعدت العسكرية لمنحها تفوقاً على قوات النظام والقوات الروسية. ولكن ماذا نفّذ من كل ذلك بعدما انهارت الهدنة وسالت الدماء مجدداً؟ في الواقع لا شيء. أما كيري فاكتفى بالاستنكار والتنديد ، وسارع الى موسكو مجدداً لتتدخل لدى الأسد.
ثمة من يجادل بأن زيادة السلاح للمعارضة السورية لن يؤدي إلاّ إلى مزيد من القتل والدمار، وأن التدخل الأميركي سيجعل الأمور أسوأ ويزيد الحرب تفاقماً. قد يكون ذلك صحيحاً، ولكن صحيح أيضاً أن ترك السلاح في أيدي فريق واحد يقصف المستشفيات ويستبيح أرواح المدنيين لن يؤدي في أي شكل من الأشكال الى السلام. وصحيح أيضاً أن أي هدنة أخرى لن يكون مصيرها أفضل من سابقتها ما لم يعتمد العالم مقاربة جديدة لهذه الحرب القذرة.

اقرأ المزيد
٣ مايو ٢٠١٦
موقع بشّار في تاريخ الاستبداد

ليس بشّار الأسد أوّل طاغية في التاريخ، وليس تدمير حلب على فظاعته، وهو ما يُستكمَل بهمّة منقطعة النظير، أوّل تدمير لمدينة عظيمة، عربيّة كانت أو غير عربيّة.

وقد يقال إنّ مستبدّاً كصدّام حسين كان، في شخصه وشكله وتماسكه، أقدر على تمثيل الاستبداد وشخصنته قياساً بالخفّة والبعثرة اللتين تنمّ عنهما شخصيّة المستبدّ السوريّ.

مع ذلك فإنّ مزايا الاستبداد البشّاريّ تنبع من زمنها. فمثلما قيل إنّ الزمن الصناعيّ أكسب المحرقة الهتلريّة خصوصيّتها، يصحّ القول في يومنا الراهن إنّ العولمة وانتهاء الحرب الباردة يكسبان البشّاريّة، بوصفها طريقة في القتل المعمّم، خصوصيّتها وتميّزها.

ذاك أنّ الرئيس العراقيّ السابق دفع مرّتين ثمن عدم التكيّف مع مفاعيل الزمن العالميّ بسلمه وانفتاحه وانتعاش حقوق الإنسان فيه: المرّة الأولى، حين غزا الكويت فيما النظام الدوليّ القديم يتداعى وينهار، فأُخرج منها ضعيفاً ذليلاً يباشر احتضاره. أمّا المرّة الثانية، وهي بمعنى ما استكمال متأخّر لإخراجه من الكويت، فكانت إسقاطه في 2003. أمّا الرئيس السوريّ، في المقابل، فنجح في إخراج بلده من مفاعيل الزمن العالميّ، بقدر ما نجح هذا الزمن العالميّ نفسه في إشاحة وجهه عن مأساة السوريّين والتفلّت من مسؤوليّتها. وفي هذا كُتب للنظام الأسديّ، في امتداده من حافظ إلى نجله، عمران: عمر التوافق مع الحرب الباردة والعزلة الاقتصاديّة والتوتاليتاريّات، ثمّ عمر التوافق مع ما بعد سقوط تلك الحرب وقيام الديموقراطيّات الجديدة وانفتاح الأسواق ممّا وُجد من يسمّيه «نهاية التاريخ».

وقد يكون الأقرب إلى بشّار، في هذا المعنى، طوطم كوريا الشماليّة كيم جونغ أون الذي، هو أيضاً، ورث أباه كيم جونغ إيل، الذي ورث بدوره أباه كيم إيل سونغ، أحد أبرز المصادر التي تأثّر بها الأسد الأب. لكنّ الفارق بين بشّار وجونغ أون أنّ الثاني مبدئيّ يقاوم الزمن الجديد وينجح حتّى إشعار آخر في مقاومته، مستنداً إلى التركة الصلبة التي ورثها عن والده وعن جدّه. أمّا بشّار فمارس نوعاً من التكيّف الرخيص ساعده فيه تنظيم «داعش»، حيث ترقى وحشيّته إلى شرط ضروريّ لموضعة بشّار في زمن العالم، بقدر ما ساعدته الميوعة الضاربة أطنابها في هذا العالم نتيجةً لظروف انتقاليّة تكاد تطاول كلّ العلاقات والمعاني، بما فيها السياسيّ منها. هكذا يبدو الرئيس السوريّ حصيلة جمع بين قوّة «داعش» ومكامن الضعف والتردّد في هذا العالم.

فهو، مثلاً، يدمّر حلب، جرياً على النهج القديم وتطويراً له. إلاّ أنّه، في الوقت ذاته، يُرسَم مدافعاً عن الأقلّيّات والتعدّد، بل عن الحضارة والحضاريّ، لا سيّما بعد استعادته السيطرة العسكريّة على تدمر التي تُرك لحجارتها الرومانيّة أن تحجب سجنها الرهيب.

لكنْ مثلما كانت النازيّة ومحرقتها وصمة على جبين الحضارة الصناعيّة وعقلنتها، وصمةً دفعت بعض أكبر العقول في أوروبا إلى الشكّ بالتقدّم التقنيّ ذاته، فإنّ التساهل مع بشّار الأسد يرقى إلى وصمة على جبين عالم العولمة والانفتاح وما بعد الحروب الكونيّة.

وليس مبالغة بالتالي أن يُعدّ الأسد انتكاسة لإنجازات إنسانيّة رائعة من نوع التدخّل الإنسانيّ ضدّاً على مبدأ السيادة القوميّة. بل ليس مبالغة أن يبدو هذا الطوطم السوريّ سبب يأس بتقدّم العالم وبشفافيّة انعكاس هذا التقدّم على إنسانيّته وعلى وحدة الزمن العالميّ.

فسوريّة اليوم، بعنف الأسد وما يستجرّه من عنف مقابل، هي الامتحان الأوّل لعالميّة العالم. وحتّى إشعار آخر، يبدو أنّ الفشل لا يزال يتفوّق على النجاح.

وفي هذه المعاني جميعاً سوف يحتلّ بشّار موقعاً مؤكّداً في تاريخ ينتابه الخجل بأنّه التاريخ.

اقرأ المزيد
٢ مايو ٢٠١٦
طبيب أطفال حلب وإخوانه.. وعجلت إليك رب لترضى

في شدة من الحزن تأخذنا وأيدينا مكبلة بأشد من السلاسل والحديد، فإذا عقولنا في مخاض عسير بين مجازر وسفك للدماء في حلب الشهباء، وبين تثبت وتأقد في الفكر ونحن نشاهد طبيب الأطفال "محمد معاذ" في ذلك المقطع المصور الذي بثته القناة- 4 البريطانية، نشاهده وهو في أرقى التزامه الطبي في لباسه وتألق مظهره، يمشي في خطى سريعة نحو مهامه الإنسانية التي كان يقضي فيها ليله في قسم الطوارئ في مستشفى القدس، وفي نهاره في مستشفى الأطفال في حلب. ترك عائلته في تركيا، وأصر على البقاء يعالج المرضى والمصابين من وحشية نظام مجرم فاجر دموي.

ويزداد المشهد تمايزا وأنت تراه في لحظات بسيطة وهو يرفع جزءا من سرواله الطبي الأخضر من ناحية قدميه الكريمتين حتى يحافظ على عدم انتقال الجراثيم من أرضية المستشفى إلى ملابسه، وفي الوقت نفسه يرتب نفسه حتى لا يعيقه نزول سرواله إلى قدميه عن سرعة حركته.

وكلما عايشت المشهد من قبل ومن بعد وفاته (ندعو له وإخوانه أن يقبلهم الله عنده في الشهداء والأبرار)، وتأبى "وعجلت إليك رب لترضى" في الآية الكريمة (قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى?) - طه 84 - إلا أن ترتسم في الآفاق. هذه الآية تمثل تأدب موسى عليه السلام مع ربه عندما سأله: (وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى؟) - طه 83.. تعجل موسى عليه السلام قومه لموعد ملاقاة ربه، وكله بتقدير من الله عز وجل، فكان رد موسى عليه السلام لربه، أن قومه في أثره قريبون، ولكنه تعجل شوقا إليه - وهو القريب إلى نفسه - ملتزما بما أمره به ليحضر في الميقات المحدد. وهكذا يأخذها أهل العلم أن "وعجلت إليك رب لترضى" تعلمنا المبادرة الحثيثة للعبادة وعمل الخيرات قبل فوات الأوان، وليس التعجل في ذاتية عمل العبادات نفسها.

هكذا - ولا نزكي أحدا على الله سبحانه - استشعرنا مما رأينا ومما شهد له إخوان الطبيب معاذ، وكيف رأيناه كذلك حثيث الخطى ملما بكل جوانب الجاهزية لعمله من لبس ومظهر، في مشهد تكاملي مع كفاءته الطبية المرموقة في طب الأطفال.

ابن حلب الزكية بدماء شهدائها، ذلك الطبيب النطاسي المعطاء هو وإخوانه، مثال ليس لكل من يمارس الطب فقط، بل لمن ينوي دراسة الطب وعلومه أيضا، حتى يدقق في أهليته لما هو مقبل عليه. إنه مثال لمن يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، وفي أشد الأوقات وأحلكها يعطي وقته وجهده، بل يقدم روحه فداء للآخرين.

لقد تعلمنا أن العمل الصالح لوجه الله عبادة، وقد رأيناه - والله أعلم - متمثلا في الطبيب معاذ وإخوانه. لقد كان - رحمه الله - مثالا للإنسانية والتواضع والمودة والرحمة. كان يدفع بنفسه أسرة المرضى وينزل بهم لأقبية المشفى الذي يعمل فيه اجتهادا منه ومن إخوته ليبعدوا حاضنات الأطفال الرضع عن القصف الروسي الوحشي وآلة النظام الوحشية الدموية.

وقد وصفت ميريلا حديب، الطبيب معاذ، وهي المتحدثة باسم "مكتب منظمة أطباء بلا حدود في بيروت" الذي يقدم دعما ماليا لمستشفى القدس الذي يعمل فيه، قائلة: "إن الطبيب معاذ كان مندفعا جدا، واختار المجازفة بحياته لمساعدة سكان حلب، رافضا مغادرة مدينة حلب".

هنا تكون الإنسانية والمهنية والإيثار على المحك، بل إن الأسمى والأعز والأكرم هي البراءة لله ورسوله، كيف لا؟ وآية البراءة في سورة “براءة” أو “التوبة” تؤسس لعقيدة الولاء والبراء (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) - التوبة 24.

الطبيب معاذ وإخوانه - الذين لحقوه والذين لم يلحقوا به بعد- يستبشرون بنعمة من الله وفضل، قد رأوا بأم أعينهم إزهاق الأرواح بأعتى آلات نظام يحكم بالوحشية الدموية على مرأى ومسمع من العالم بجميع أطيافه، وقد أيقن معاذ وإخوانه أنه لا مناط لتحريرهم من الظلم والفساد وازدواجية المعايير الدولية إلا بتركهم كل تجارة يحبونها ومساكن يرضونها وكل زينة الحياة الدنيا لله وحده سبحانه، وقد أدركوا كذلك أنه عندما تخص الإنسانية بلادهم، فإنك ترى كلا يلهث وراء مصلحته، ولكن وفق مصلحة عليا تقود لتفتيت المفتت وتجزئة المجزأ من أنقاض "سايكس بيكو"، فتعزز الصهيونية بجميع أشكالها، وتغرس الطائفية المقيتة بين أبناء الشعوب الواحدة في المصير المشترك.

أهلنا في حلب - كما في كل سوريا - يربطنا بهم رابط لا انفصام له، ماذا فعلنا لها؟ ولا بد لكل منا أن يسأل نفسه: هل تغير المشهد كثيرا بين ما حدث في حلب ويحدث في سوريا، وبين ما حدث في فلسطين وما فعلته عصابات الهاغاناه التي تأسست في عام 1921 في ظل الانتداب البريطاني على فلسطين، والتي كان من رموزها المجرمون الإرهابيون الهالكون في الدنيا والآخرة، إسحاق رابين وآرئيل شارون ورحبعام زئيفي؟

اليوم نتذكر دير ياسين - لا حصرا - ونتذكر 360 ضحية (نحتسبهم عند الله) على أيدي عصابتي آرغون وشتيرن اللتين انبثقتا - وليس انشقتا كما يؤرخون لذلك - عن العصابة الإرهابية المجرمة الهاغاناه. ما الفرق بين هؤلاء وبشار، ومن في جوقتهم، والدب وأعوانهم في الشرق والغرب، والصفوية الحاقدة التي تطلق دعوات في قنواتها الفضائيه لتجنيد الأطفال للدفاع عما يسمونه “أضرحة مقدسة” في سوريا والعراق؟

الطبيب معاذ - رحمه الله - وإخوانه ليس كل منهم مثالا في مهنته للطبيب فقط، بل وللممرض والصيدلي وفني الأشعة والتخدير.. أيضا.

الطبيب معاذ - رحمه الله - وإخوانه أمثلة يحتذى بها في كل مهنة .. رحم الله الطبيب محمد معاذ وإخوانه، وأجزل الله في العطاء لوالديه ومن قاموا على تربيتهم في مدارسهم منذ نعومة أظفارهم، ونسأل الله عز وجل أن يعوض أهليهم وذويهم خيرا في الدنيا والآخرة.. اللهم آمين.

بالطبع الطبيب محمد معاذ وإخوانه لم تتكون شخصياتهم وتربيتهم فجأة، بل إنك ترى - مثلا في الطبيب معاذ - سنوات تلك التربية واضحة في معالم وجهه، في تواضعه، في مودته وفي رحمته بمرضاه، في التزامه وتضحيته في ليله ونهاره.

ندعو الله عز وجل أن يكون أطباؤنا وكل أصحاب المهن ممن يحذون حذو الطبيب محمد معاذ؛ فيربون أجيال الغد التي تقود شعوبها إلى الحرية بكل تفان، لترفع الظلم والبغي والفساد من الأرض.

اللهم أنت حسبنا ونعم الوكيل، في كل من ظلمنا وأزهق أرواح أهلنا وهتك أعراضنا وفتت وحدة أمتنا.. اللهم آمين.

اقرأ المزيد
٢ مايو ٢٠١٦
بـ"البيانات"و"الادانات" حلب تنجو .. فتباً لـ"أمم و دول" اختارت الصمت و اكتفت بـ....

لخص مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي الأسبق كل ما يحدث بجملة واحدة تكاد تكون شاملة، و معبرة عن الحال الذي وصله الأمة العربية و الإسلامية، بقوله :" سنرد عليهم بخطاب يدمر آلياتهم ووعيد وشجب يسقط طائراتهم .".

طغى اللون الأحمر الافتراضي على ساحات مواقع التواصل الاجتماعي، و اكتست الوجوه باللون الأحمر، و كذلك وُجدت رقعة أو ساحة هنا و هناك قد صبغت نفسها باللون الأحمر، كل هذا الكم الهائل من الحمّار، لم يتجاوز حدود الافتراض، فجاء باهتاً مقززاً أما صلافة الدم الذي اكتسح حلب، كمثال حي و آني، عن مجمل سوريا.

لاشك أن الضغط الإعلامي و التحشيد الشعبي نحو أمر ما يعطي نتائج، من حيث سوق الرأي العام نحو هذه القضية، و منحها حق الانتباه، وبالتالي تسّهل على متخذي القرارات الهامة، أن يسيروا واضحين واثقي الخطى صوب حلها.

لكن في الحال السورية، وصل الأمر إلى أن تتحول قضيتنا إلى بوسترات، وصبغة ألوان تغرق الفضاءات الالكترونية، وبعض الأماكن التي لم و لن تعرف معنى هذه الفعالية أو تلك، و بات المتنفس الأفضل لتفريغ الكمية الهائلة من الحنق و الغضب، عبر حملات متواترة تتغير بحسب الحدث، من حصار مميت إلى قصف مبيد، أو قتالٍ بلا سنيد.

و لم نعد نعلق على الفعل، أو ننتظر رد فعل من أي أحد مهما كان قريب مننا أو مناصر لقضيتنا، و في الحقيقة أن هذا الحد من التفكير، يمثل أكثر من الوصول إلى قمة العجز، فهو لا يتجاوز حدود الثغاء من حمل يتابع قطيعة و هو يذبح.

في حلب مع كل قطرة دم أُهدرت، و كل صرخة صدرت من مكلوم أو مجروح، كان هناك بقايا قطع اللحم الذي تغطي هياكل الآفكين، الذين بنوا على جثامين شهدائنا مصالحهم و خططهم، وجودوا فيها ملاذاً جيداً لإخفاء هفواتهم، و أخطائهم.

مع سقوط حلب صريعة الموت، نشاهد دول وشعوب تتساقط في قاع بات جداً مزدحم من كثرة الساقطين.

لا استثناء لأحد، عشرة أيام من الموت لم تحرك أحد اللهم ببعض الكلمات العابرة، و الدعوات الخجولة لقمم و مؤتمرات و مناقشات، لن تحصل و إن حصلت لن تغني مستصرخه من حرائرنا، مع حلب سقط الجميع بمن فيهم نحن المكتفين بالبكاء و العويل.

اقرأ المزيد
١ مايو ٢٠١٦
ما يجري في حلب ليس حربا ضد داعش

حلب لا تحترق وإنما هي تحرق، هذا ما يجري حقا، وهذه هي وظيفة القصف بالصواريخ الفراغية والبراميل المتفجرة، من قبل طيران النظام السوري والطيران الروسي، والهدف هو تشريد أهالي حلب، وتفريغ المدينة من سكانها، كما جرى ويجري في مناطق أخرى في حمص والزبداني، لأغراض تتعلق بعمليات التغيير الديمغرافي لهذا البلد، لأغراض طائفية، ولتثبيت نظام بشار الأسد، كي تتطابق مع الشعار المشين: “سوريا الأسد إلى الأبد”.
ما ينبغي الانتباه إليـه، أيضـا، أن القصف الجاري يستهدف تحديدا الأحياء الشعبية كثيفة السكان، مثل أحياء الكلاسة وبستان القصر والسكري والنيرب، بمعنى أنه لا يستهدف، البتّة، مناطق سيطرة تنظيم “داعش”، في ريف حلب الشمالي والشرقي وإلى حدود تركيا، ما ينقض كل الادعاءات حول هذا الموضوع، والتي تتوخّى التغطية على الجريمة الجارية، أو تبريرها.

علما أن “داعش”، في هذه الأثناء، تحاول التوسّع في ريف حلب الشمالي، بمعنى أن جماعات “الجيش الحر” والمدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام تجد نفسها في هذه الظروف في مواجهة حربين، في آن واحد، أي حرب النظام (وروسيا) وحرب “داعش”.

إضافة إلى ذلك مازالت “داعش” هذه تتحرك بسهولة بين باديتي العراق والشام دون أن يستهدفها أحد، لا بقصف جوي ولا بمواجهة برية، وما جرى في الرقة وتدمر كان بمثابة تسليم واستلام تقريبا مع بعض حركات مسرحية، للتغطية، تماما مثلما حصل في صيف (2014) حين استولت “داعش” على الموصل، واستولت معها على أسلحة أربع فرق، تركها الجيش العراقي (جيش نوري المالكي)، ومعها مئات ملايين الدولارات في خزانة المصرف المركزي في المدينة، الأمر الذي مكّن “داعش” وأسهم في تغولها منذ تلك الفترة.

ليس القصد من كل هذا الكلام محاولة الإيحاء بأن “داعش” هي وليدة النظام، أو تابعة له، وإنما القصد من ذلك القول أن النظام (ومن ورائه إيران) يشتغل على التسهيل لهذا التنظيم الإرهابي بغرض تشويه الثـورة السوريـة أمام العالم، والإظهار للدول الكبرى أن القصة لا تتعلق بثورة ضد نظـام الاستبداد، وإنما بنظام يواجه الإرهاب، فيما هو بواسطة طائراته ودبـاباته شرّد المـلايين ودمـر عمران سوريا.

ما ينبغي قوله هنا هو أن الحديث عن سوريا، ومن ضمنه الحديث عما يجري في حلب، بتعبيرات محايدة، أو بنسب الحرق والتدمير والقتل للمبني للمجهول، كما يفعل البعض عن نية حسنة أو سيئة، إنما يخدم النظام، ويسهم في التغطية على الجريمة، مرة بالتنكر للضحايا ومرة ثانية بإنكار الجريمة ومرة ثالثة بتجاهل القاتل، وهو موقف ينم عن مخاتلة وتلاعب، تماما مثلما يحصل في محاولة المساواة بين ما يقوم به النظام وما تقوم به بعض الجماعات المسلحة، هنا وهناك في إطار الصراع السوري.

وقد يجدر التأكيد هنا أن النظام الذي حكم، وتحكّم بسوريا وبالسوريين، طوال نصف قرن تقريبا، عن طريق سيطرته على المدارس والجامعات ووسائل الإعلام وقطاعات الاقتصاد، ومنعه الحياة الحزبية والسياسية، هو الذي يتحمل المسؤولية الأساسية عن كل ما يجري. وضمن ذلك يتحمل مسؤولية اندلاع الثورة السورية، بسدّه أبواب التغيير السلمي والديمقراطي، وهو المسؤول عن التحول نحو الصراع المسلح، بانتهاجه الحل الأمني وبفتحه البلد على مصراعيه لقوات إيران، وميليشياتها الطائفية العراقية واللبنانية، كما للطيران والقصف الروسيين. وهو أيضا المسؤول عن صعود جبهة النصرة وداعش في المشهد السوري، لأنه في العام الأول للثورة السورية استخدم كل قواته في مواجهة السوريين المتمردين على سلطته، ولأنه هو الذي سهل لهذه التنظيمات، في البداية، لإضعاف الثورة وتشويه صورتها، ولإظهار الأمر كأنه حرب ضد الإرهاب. وأساسا فإن هذا النظام هو المسؤول عن ذلك بسيطرته على موارد البلد، وهيمنته على السوريين، وبتحويله الجمهورية إلى ملكية وراثية، وإلى مزرعة خاصة بعائلة الأسد.

سلامة أهلنا في سوريا وسلامة أهلنا في حلب، سوريا لكل السوريين.

اقرأ المزيد
٣٠ أبريل ٢٠١٦
محرقة حلب ورهانات النظام السوري وحلفائه

الأربعاء 26 أبريل 2016 في يوم اختتام الجولة الثالثة من مفاوضات جنيف 3، وبعد شهرين على “الهدنة” المفترضة، أتت غربان الموت وقصفت مستشفى القدس في شمال مدينة حلب، المدعوم من منظمة أطباء بلا حدود الدولية مما أدّى إلى مقتل 30 شخصا بينهم ثلاثة أطباء وتدمير المستشفى بشكل كامل.

في هذا السياق، اتهمت منظمة أطباء بلا حدود قوات التحالف الذي تقوده الحكومة السورية بتنفيذ هذا العمل المتعمد، أما رئيسة بعثتها في سوريا، موسكيلدا زانداكا، فوجّهت صرخة إلى أصحاب القرار قائلة “أين هو غضبكم مما يجري؟ أنتم من يتوجب عليهم إيقاف هذه المجزرة”.

لكن هذه الصرخات تشبه أصوات الصارخين وسط برية هذا العالم في القرن الحادي والعشرين، وأصحاب القرار فيه كأنهم لا يعلمون أن الوضع في مدينة حلب، كان حرجا جدا حتى قبل هذا الهجوم. فقد بقي ما يقدّر بـ250.000 شخص في أجزاء المدينة التي تسيطر عليها الجماعات المناهضة للنظام (كان عدد السكان مليونا و300 ألف شخص في 2014) وشهدوا ارتفاعا هائلا في مستويات القصف والقتال والموت خلال الأسابيع الأخيرة. ولم تبق سوى طريق واحدة مفتوحة للدخول والخروج من هذه المناطق، وفي حال تم قطعها ستصبح المدينة محاصرة بالكامل.

أشار بيان منظمة أطباء بلا حدود إلى أنه خلال الأسبوع الأخير تعرّضت عدة مرافق طبية للهجوم والتدمير في مدينة حلب وقتل خمسة من متطوعي الإنقاذ في الدفاع المدني السوري (القبعات البيضاء)، ويجدر التذكير أن عدة مستشفيات تعرضت للقصف في شمال سوريا وجنوبها منذ بداية العام 2016 ومن بينها 7 مرافق طبية مدعومة من قبل منظمة أطباء بلا حدود، قُتل خلالها ما لا يقلّ عن 42 شخصا من بينهم 16 موظفا طبيا على الأقل.

إن إلقاء الضوء على هذا الجانب المحدود جدا من الكارثة الإنسانية في سوريا، يفضح استنكاف ما يسمى المجتمع الدولي عن تحمل المسؤوليات البديهية في احترام أدنى الحقوق الإنسانية وفي مواكبة مسار سياسي مترنح، يعود ذلك بالطبع إلى إصرار النظام في دمشق على مقولة الحسم العسكري التي لم تفارقه يوما، وإلى شراكة إيران ومحورها لهذا الخيار بالتلازم مع التدخل الروسي وتداعياته. ولم يحصل كل هذا من دون الالتباس الأميركي في الشأن السوري والفشل السياسي والأخلاقي لواشنطن التي لا تتردد في ممارسة الضغوط على شركاء دوليين وإقليميين من أجل ضبط الوضع تحت سقف مصالحها وسقف ما تسميه أولوية الحرب ضد الإرهاب، وليس من أجل إنتاج حل واقعي للمعضلة السورية.

في مقالة سابقة عن “جون كيري ومعركة حلب: ميونيخ أو ساراييفو؟” (13 فبراير الماضي)، قارنت بين سابقة اتفاق ميونيخ الذي كان عارا لبعض الأوروبيين ولم يمنع الحرب مع هتلر، وبين ترتيبات لافروف – كيري التي لا تنتج إلا حربا. وتساءلت ما إذا كان مصير حلب سيشبه ما جرى في دمشق عام 1920 ونهاية ما سمي الثورة العربية الكبرى، أو إذا كان الوضع شبيها بساراييفو 1914 عشية الحرب العالمية الأولى.

اليوم مع مجزرة مستشفى القدس واستمرار مسلسل قتل الإنسانية فوق الركام السوري (بشار الأسد متعهد تدمير سوريا أعلن منذ فترة عن حجز إعادة الإعمار لكل من إيران وروسيا والصين. ووائل الحلبي رئيس وزرائه أعلن توقيع عقود مع الحكومة الروسية لإعادة إعمار سوريا بمقدار مليار دولار في لحظة إعلان البنك الدولي عن قرب نفاد احتياطي دمشق من العملات الصعبة)، نتذكر أحداثا أخرى في العالم أدّت لهز الضمير الإنساني أو تغيير مجرى المصالح والأحداث. ففي الثامن والعشرين من أغسطس 1995 قام الصرب بقصف سوق شعبي في مدينة ساراييفو (37 قتيلا و90 جريحا) وحصل ذلك بعد ثلاثة أعوام على بدء حرب البوسنة وحروب البلقان، وأسفر عن بدء تدخل حلف شمال الأطلسي ضد بلغراد والصرب بعد تردد واستنكاف، ويومها تحمل بيل كلينتون الأميركي وجاك شيراك الفرنسي وهلموت كول الألماني وجون ميجور الإنكليزي مسؤولياتهم، ووضعوا حدا للحرب عبر اتفاقيات دايتون.

بالطبع يدور التاريخ دورته ونحن لسنا أمام عالم الأحادية الأميركية كما كان في 1995، ولكننا في عالم الاضطراب الاستراتيجي وليس في عالم الأحادية الروسية.

في النزاع السوري المتضمن عدة حروب في حرب، هناك تقاسم للمسؤوليات عن الكارثة بين العديد من العوامل الداخلية والخارجية، ووجود الكثير من اللاعبين غير العقلانيين. في موازاة مسار جنيف 3 يبدو واضحا أن التأقلم الأميركي مع دور موسكو في سوريا لم يسفر عن تحكم روسيا بالملف السوري تماما، نظرا لرفض إيران وسعيها إلى إعادة تأهيل النظام السوري. وهذا ما يفسر إرسال قوات اللواء 65 من الجيش الإيراني واتخاذ قرار تصعيد معركة حلب.

يجري كل ذلك وسط إقرار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف “أن التعاون مع واشنطن ساعد على تحقيق تقدم في سوريا”. لكن هذا التعاون لم يكن فعالا في تهدئة الأمور ولجم النظام وشريكه الإيراني، اللذين استفادا من وقف الأعمال العدائية لكي يفرضا الأمر الواقع في ميادين القتال من ضواحي حلب إلى الشيخ مسكين في الجنوب.

بيد أن كل هذا الزخم في هجوم النظام ومحوره منذ أكتوبر 2015، لم يحقق الغاية المرجوة في تدمير المعارضة وإلزامها التوقيع على صك استسلام الشعب السوري أمام النظام. ومما لا شك فيه أن واشنطن التي تعتبر أن إسقاط النظام في دمشق حاليا غير وارد أو هو خط أحمر كما بالنسبة لموسكو (إذا صدقنا ما باح به لافروف أمام دبلوماسيين عرب) أسهمت على طريقتها في المعركة الروسية عبر قطع الإمداد عن المعارضة منذ أوائل 2016 ومنع مدها بأي سلاح نوعي.

ترافقت معركة حلب مع انعقاد مفاوضات جنيف 3، وعبر معركة حلب كانت الرسالة الأسدية الإيرانية لا لبس فيها وخلاصتها منع طرح مصير الأسد على طاولة المفاوضات وفرض حل متناسب مع المصالح الإيرانية والروسية. عبر تحريك قطع المدفعية نحو حلب شارك القيصر الجديد في المعركة تحت ذريعة تداخل مواقع جبهة النصرة والمعارضة. لكن وزير دفاعه، سيرجي شويغو، نطق بالكلام الصريح إذ قال إنه لا يثق بأن رحيل الرئيس السوري بشار الأسد سيسمح بالحل في سوريا. والأدهى أن فلاديمير بوتين نفسه قال أمام وفد من الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية زاره أخيرا أنه “يجب إعادة القسطنطينية إلى المسيحيين كما أراد القيصر نيقولا الثاني”.

هناك إذن ما هو أبعد من سوريا والسيطرة عليها، أو من الانتقام الروسي من تركيـا أو من تصفيات حسـابات مذهبية داخل الإسلام أو من حق تقرير المصير للأكراد، إذ تحتوي معركة حلب على أبعاد كثيرة في التوازنات الإقليمية والعالمية. أرادها النظام محرقة لدفن حلم الشعب السوري وحراكه الثوري، وأرادتها أطراف أخرى ساحة لصراع الإرادات وقياس النفوذ. ماتت هناك الإنسانية، لكن حلب وكل سوريا تعاني فعليا من “شام فوبيا” عالمية. إنه الرهاب والخوف من الشام الحرة والمشرق المتحول. لكن الطفل أحمد الرحب الذي خرج حيا بعد يوم كامل من تحت أنقاض مستشفى القدس يقول عكس ذلك، ويقول إن الصراع المفتوح ينتهي بهزيمة الفاشية من كل أنواعها وبقاء سوريا.

اقرأ المزيد
٣٠ أبريل ٢٠١٦
ماذا يعني أن تدفن حياً أو توأد عائلتك أو تنتظر من لن يأتي !؟ .. في "حلب" وحدها تعلم المعنى

ماذا يعني ان تكون محاطاً بكتلة غير متناهية من الركام بحيث يكون كل هدفك البحث عن بضع حبات من الأوكسجين

لتبقى تتنفس .. ما هو شعورك عندما تقف أمام كتلة عظيمة من التراب وأنت متيقن انه تحتها موتى ولكن تُكذب نفسك
وتقول ان أطفالي لازالوا أحياء .. كيف تُعبر وأنت تقف على باب غرفة يقال عنها أنها مركز طبي تنتظر يداً سحرية
تبعد شبح الموت عن طفلك أو زوجتك أو أمك المصابة ببلاغة.

أسئلة سيطرت على عقلي وقيدت مشاعري وجمدت عيوني طوال الأيام الثمانية الماضية؛ عجزت معها عن صياغة أي
شيء يعبر عن ما يحدث في حلب أو أحلل ما هي الخطة من وراء ذلك وأي لعبة يراد لعبها هنا.

حلب كما هي العادة تشهد الجنون الأكبر والحقد أشد عماءً من قبل كل أثم وقاتل وإرهابي, فالثلاثي يضرب بأعتى قوته
وأشد قذارته وأوغل حقده هذه المحافظة (ريف ومدينة) فهي القلب النابض لسوريا وميزانها وسندها ومشعل ثورتها
منها قد ينطلق النصر وفيها قد يؤد الحلم وعليها يعول كل من كلم وثكل وفقد أن يجد العوض.

نتابع الأخبار بشكل دقيق من تصريحات وبيانات, أشد ما لاحظناه هو غضب شديد من أمريكا وتنديد عنيف من الأمم
المتحدة وحنق من المعارضة, صمت مدقع من العروبة والإسلام بشكل كامل ومريب وغريب وقد يصل
إلى مرتبة (حقير) ، فجميع ما ذكر أنفاً شريك بشكل أو آخر سواء بفعل أو بانعدام رد الفعل.

اليوم نلملم أشلاء أجساد أطفالنا ونبحث عن قطعة قماش نستر بها عورات نساءنا, وببضع قطرات ماء نسمح دم جرحانا
والكثير الكثير من الصبر اللا محدود في انتظار ناج قد تبعث له الحياة مجدداً من تحت جبال الركام التي كانت قبل الأن
أبنيه وسكان.

حلب لم تنتهي ولن تنتهي ومر عليها الكثير ويمر عليها الأشد وبقيت صامدة محافظة على نفسها والأهم محافظة على ما تبقى لنا من كرامة وحياة.

من خان حلب اليوم سيخان في الغد ومن صمت اليوم سيلحقه العار إلى أبد الأبدين
حلب السلام ولكي السلام ولأرواحك الأمان.

اقرأ المزيد
٢٩ أبريل ٢٠١٦
أوباما أشطر رؤساء أمريكا في بيع السلاح للعرب

هل تعلمون سبب الصمت الأمريكي عما يحدث في منطقتنا من حرائق وفوضى وخراب ودمار وصراعات؟ ليس صحيحاً أبداً أن الرئيس أوباما رئيس عاجز وغير حازم كما يدعي بعض المغفلين، بل هو ينفذ سياسة القوى الحقيقية التي تهيمن على الساحة الأمريكية. فكما نعلم أن الذي يدير السياسة الأمريكية فعلاً ليس الرئيس ولا حتى الكونغرس، بل شركات السلاح والأدوية والكارتيلات العملاقة واللوبيات الكبرى، فهي صاحبة الكلمة الأخيرة في تحديد مسار السياسة الأمريكية. ومن المعروف أن حتى أعضاء الكونغرس المفترض أنهم أقوى من الرئيس لا يحلمون بالوصول إلى مجلس النواب من دون دعم الشركات والكارتيلات وجماعات الضغط. وبالتالي، فهم يمثلون مصالح تلك الشركات الهائلة قبل أن يمثلوا مصالح الشعب الأمريكي الذي انتخبهم. فالناخب المالي في أمريكا أهم وأقوى بكثير من الناخب الشعبي.
وبما أن مصلحة شركات السلاح في أمريكا تكمن بالدرجة الأولى في بيع أكبر كم من الأسلحة وتحصيل مليارات الدولارات من الأرباح، فلا عجب أبداً أن صمت الرئيس الأمريكي على ما يحدث في سوريا واليمن وليبيا والعراق وماطل في التخلص من داعش. ولو اندلعت نزاعات جديدة في الشرق الأوسط ستتعامل معها الإدارة الأمريكية بنفس اللامبالاة المدروسة. ليس صحيحاً أبداً أن الشرق الأوسط لم يعد مهماً بالنسبة للأمريكيين، وأنهم بدأوا يتوجهون إلى آسيا. لماذا لا نقول إن أهمية الشرق الأوسط تكمن الآن في أنه مصدر دخل مالي عظيم لشركات السلاح الأمريكية؟ فما المانع أن يستنزفوا ثروات المنطقة ببيع الأسلحة ومن ثم يعودون ليستثمروا في إعادة إعمارها؟ وهم بذلك يضربون عصفورين بحجر واحد. هكذا يفكر الأمريكان دائماً ـ بالمصالح المادية أولاً وأخيراً.
أضحك كثيراً عندما أسمع البعض يتهم الإدارة الأمريكية بالعجز وقلة الحيلة فيما يخص قضايا الشرق الأوسط في سوريا والعراق واليمن وليبيا. عندما يعثر المرء على منجم ذهب ألا يستغله حتى النهاية؟ أليست منطقتنا منجم ذهب بالنسبة لشركات السلاح الأمريكية وحتى الروسية؟ ألم يعترف الرئيس الروسي نفسه بأنه يستخدم سوريا كحقل تجارب لأسلحته الجديدة، وأنه عقد صفقات بالمليارات بعد أن أثبتت الأسلحة الروسية فعاليتها في سوريا؟ فما بالك بأمريكا التي إن لم تجد حروباً تقوم باختلاقها هنا وهناك لبيع السلاح. متى نعلم أن التراخي الأمريكي عن حل الأزمات في سوريا واليمن والعراق وليبيا ليس بسبب ضعف الرئيس الأمريكي ولا بسبب الابتعاد عن قضايا الشرق الأوسط؟ ألم يقل المستشار السابق للرئيس الأمريكي إنه سمع من أوباما حرفياً أن الأخير يفضل استعار الحريق السوري لسنوات وسنوات؟ ولا شك أن الأمريكيين لا يمانعون في استمرار مسلسل القتل والدمار والصراع في العراق واليمن وليبيا لنفس الأسباب.
هل تعلمون أن الرئيس الأمريكي أوباما الذي يعتبره البعض ضعيفاً ومتردداً باع أسلحة للشرق الأوسط أكثر من كل رؤساء أمريكا «الحازمين»؟ كيف للعرب‬ أن يطلبوا تحقيق الاستقرار في المنطقة من ‏أمريكا‬ وهي تستثمر مشاكلنا لمصالحها لتحقيق أهدافها القريبة والبعيدة، أقربها بيع ‏الأسلحة‬ بالمليارات، فقد حصدت أمريكا خلال فترة حكم ‏أوباما‬ فواتير قيمتها 48,7 مليار دولار للسعودية‬ فقط. هل تعلمون أن أمريكا باعت للسعودية أسلحة خلال فترة حكم أوباما أكثر من أي رئيس أمريكي سابق؟
هل تعلمون أن أمريكا باعت أسلحة للسعودية خلال فترة جورج بوش «الشرير» بمبلغ ستة عشر ملياراً فقط، بينما باعت في عهد أوباما «الطيب» بثلاثة أضعاف المبلغ؟ ولو قارنا فترة أوباما بفترات الرؤساء الذين سبقوه لوجدنا أنه تفوق عليهم جميعاً في بيع السلاح للمنطقة وتشجيع الصراعات. فحسب إحصائية صادرة عن وكالة التعاون العسكري والأمني الأمريكية فإن جورج بوش الأب والابن وكلينتون وريغان وكارتر وفورد ونيكسون لم يبيعوا كما باع أوباما من سلاح للعرب خلال فترة حكمه حسب إحصائيات الوكالة الأمريكية؟ ثم يأتي بعض المغفلين ليطالب أوباما بإقفال المنجم الذي ينتج له ذهباً في سوريا والعراق وليبيا واليمن. ليس صحيحاً أبداً أن أوباما يفضل بشار الأسد على المعارضة السورية. وليس صحيحاً أنه يريد بقاء النظام والأسد. لا أبداً، بل هو يريد استمرار الصراع. لهذا رفض رفضاً قاطعاً تزويد المعارضة السورية بصواريخ مضادة للطائرات، ليس لأنه خائف على الطائرات الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية في الأجواء السورية، بل لأنه يعرف أنه إذا أعطى تلك الصواريخ لقوات المعارضة السورية فإن ذلك سينهي الصراع في سوريا، وبالتالي سيتوقف شراء السلاح؟ لا ما نع لدى أمريكا أن يستمر الصراع في اليمن لعقود وعقود طالما أنه يدر المليارات على شركات السلاح الأمريكية. وليس هناك أدنى شك أن الإدارة الأمريكية على ضوء ذلك سعيدة جداً ب»فتوحات» داعش ومغامراتها في المنطقة لأنها تدفع الجميع إلى التسلح. هل تذكرون كلام وزير الدفاع الأمريكي الأسبق الذي قال إن القضاء على داعش يتطلب أكثر من ثلاثين عاماً؟ هل من عاقل لم يفهم إلى الآن لماذا تُرِكت إيران تُلهب دول المنطقة بمليشياتها العابرة للحدود؟ إن الأمريكان يعتاشون على الحروب، وهم المُغذي لها. غالباً هُم لا يصنعون المشاكل ولكن إن حدثت، يُمسكون بأطرافها ويحلبونها حتى آخر قطرة.
ولا ننسى الهدف الأمريكي والإسرائيلي الأسمى وهو ترك الدول ‏العربية‬ تمزق نفسها بنفسها لصالح بقاء ‏إسرائيل‬ وتفوقها على محيطها.
إن طالب الاستقرار في الشرق الأوسط من أمريكا كطالب الدبس من ذنب النمس. ألا يقول المثل الانكليزي: لا تقتل الأوزة التي تبيض ذهباً؟

اقرأ المزيد
٢٩ أبريل ٢٠١٦
في "حلب" الموت و عذاباته يهينا كرامة البشرية و يلاحقان الصامتون المساندون

ماذا يعني ان تكون محاطاً بكتلة غير متناهية من الركام بحيث يكون كل هدفك البحث عن بضع حبات من الأوكسجين

لتبقى تتنفس .. ما هو شعورك عندما تقف أمام كتلة عظيمة من التراب وأنت متيقن انه تحتها موتى ولكن تُكذب نفسك

وتقول ان أطفالي لازالوا أحياء .. كيف تُعبر وأنت تقف على باب غرفة يقال عنها أنها مركز طبي تنتظر يداً سحرية

تبعد شبح الموت عن طفلك أو زوجتك أو أمك المصابة ببلاغة.

أسئلة سيطرت على عقلي وقيدت مشاعري وجمدت عيوني طوال الأيام الثمانية الماضية؛ عجزت معها عن صياغة أي

شيء يعبر عن ما يحدث في حلب أو أحلل ما هي الخطة من وراء ذلك وأي لعبة يراد لعبها هنا.

حلب كما هي العادة تشهد الجنون الأكبر والحقد أشد عماءً من قبل كل أثم وقاتل وإرهابي, فالثلاثي يضرب بأعتى قوته

وأشد قذارته وأوغل حقده هذه المحافظة (ريف ومدينة) فهي القلب النابض لسوريا وميزانها وسندها ومشعل ثورتها

منها قد ينطلق النصر وفيها قد يؤد الحلم وعليها يعول كل من كلم وثكل وفقد أن يجد العوض.

نتابع الأخبار بشكل دقيق من تصريحات وبيانات, أشد ما لاحظناه هو غضب شديد من أمريكا وتنديد عنيف من الأمم

المتحدة وحنق من المعارضة, صمت مدقع من العروبة والإسلام بشكل كامل ومريب وغريب وقد يصل

إلى مرتبة (حقير) ، فجميع ما ذكر أنفاً شريك بشكل أو آخر سواء بفعل أو بانعدام رد الفعل.

اليوم نلملم أشلاء أجساد أطفالنا ونبحث عن قطعة قماش نستر بها عورات نساءنا, وببضع قطرات ماء نسمح دم جرحانا

والكثير الكثير من الصبر اللا محدود في انتظار ناج قد تبعث له الحياة مجدداً من تحت جبال الركام التي كانت قبل الأن

أبنيه وسكان.

حلب لم تنتهي ولن تنتهي ومر عليها الكثير ويمر عليها الأشد وبقيت صامدة محافظة على نفسها والأهم محافظة على ما تبقى لنا من كرامة وحياة.

من خان حلب اليوم سيخان في الغد ومن صمت اليوم سيلحقه العار إلى أبد الأبدين

حلب السلام ولكي السلام ولأرواحك الأمان.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٤ مايو ٢٠٢٥
لاعزاء لأيتام الأسد ... العقوبات تسقط عقب سقوط "الأسد" وسوريا أمام حقبة تاريخية جديدة
أحمد نور (الرسلان)
● مقالات رأي
١٣ مايو ٢٠٢٥
"الترقيع السياسي": من خياطة الثياب إلى تطريز المواقف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب