
إلى هذه الأرض أتى من يبحث "اليزيدين" و "النازيين" ليقتص من آلاف السنين
تحمل القوى العابثة باستهزاء بدم الشعب السوري، ثأراً دفيناً في التاريخ، عجزوا عن تحقيقه في أي رقعة من هذا العالم، وجاءوا باحثين عنه بين ركام منازلنا و أشلاء أطفالنا و نسائنا و رجالاتنا، علهم يطفؤون تلك النيران التي مضى عليها قروناً، أو يعيدون تشكيل حقد جديد يعيش لقرون أخرى يضمنون خلالها تواجد هياكلهم العظمية التي أكل الزمان عليها و شرب.
اليوم يستذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نصر بلاده على النازية و يستحضرها و يسقطها مباشرة على ما يحدث في سوريا، و اعتبارها أنها جزء لا يجزأ من تلك الحرب، التي باتت أطرافها من الصداقة و المصالح ما يمنع عودة الثأر أو مواصلة التغني بالنصر، و بات لزاماً اللجوء إلى شيء آخر يتم الاستناد عليه للإبقاء على وهم "الشيوعية" قاهرة "النازية".
فبعد عشرات السنين تتشابه المشاهد بين جوزيف ستالين هو يعاقر الخمر في اللحظات الأخيرة من انهيار امبراطورته تحت ضربات الجيش الألماني، و بين روسيا التي تقف على حافة الانهيار من سلسلة الأزمات الاقتصادية تحت مطرقة العقوبات و الفساد المستشري، فأعادت "ستالينغراد" الصحو للعجوز المنهك ستالين، و بوتين اليوم يبحث عن تلك المدينة في ركام "حلب" علّه يكرر الأسطورة مرة أخرى و يستعيد مجدٍ اندثر بغير رجعة، لدولة بُنيت على تشتيت الشعوب و تغيير السكان فيما كان يعرف بـ"الاتحاد السوفيتي".
في المقابل يبحث الايرانيون، عن إعادة اشعال نار الفتنة، و تصعيدها للحد الذي يعيد لعمائمها سيطرتهم المطلقة، و نفوذهم اللامحدود، الذي خبى مع انتهاء الثأر من "البعث العراقي"، وباتت الحاجة لخلق "بعث" جديد، يجعل من خامنئي "خميني" جديد، يدخل تاريخ "المخلدين"، ويحي مبدأ تمثيل "الألوهية" على الأرض، باعتباره سفير "امام الزمان" المهدي المنتظر، وفق المبدئ الأساس و المطلق الذي يقوم عليه المذهب الشيعي الاثني عشري، الذي تم اختلاقه و تعزيزه و ترسيخ مبادئه من قبل "الفرس" الباحثين عن خلق الفوارق مع العرب، انتقاماً للفرس من العرب، الذي بدأ مع الإسلام الذي حطم عروش" كسرى"، ووعد نبيه الأكرم "صل الله عليه و سلم" بأن (لا كسرى بعد كسرى).
بوتين وجه التحية للأولائك الذين قاتلو النازيين، و بنفس الوقت لهؤلاء الذين يقاتلون "الإرهاب"، و بين أؤلائك و هؤلاء وجد الشبه في تخليص العالم من "الشرور"، في حين شبّه الايرانيون القتلة في سوريا بأنهم يمثلون الحسين في دفاعهم عن أهل البيت الرسول، و لكن هذه الكلمة "الرسول" تم نسخها، انتقاماً من (لا كسرى بعد كسرى)، و تم وضع مصطلح آل الله، لإلغاء كل من هدد أو توعد بزوال الفرس و عدم عودتهم، حتى لوكان رسول من الله، ينقل ما أوحى إليه، لتظهر الحقيقة الكاملة بأن الصراع ليس صراع طائفي داخل دين واحد، و إنما صراع على مستوى حضارات بأسرها.
فبين قتال اليزيدين و النازيين وقعت سوريا، فالجميع ينبش في تاريخ الدم لاستحضاره بصورة اقسى و أعنف، لصنع تاريخ جديد و منطلق جديد للتأريخ، فما قبل سوريا ليس كما بعدها، و ما سيبنى بعدها سيكون ثابتاً لسنين و قرون قد لا تكفي الحياة الدنيوية لتغييره، فلا بد من انتظار "نفخة الصور" لإنهائه.