عضوان في الكونغرس الأمريكي: استمرار العقوبات يهدد تعافي سوريا وقانون قيصر عائق أساسي
قال عضوان في الكونغرس الأمريكي إن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على سوريا خلال عهد نظام بشار الأسد باتت، بعد عام على سقوطه، تشكل عائقًا خطيرًا أمام تعافي البلاد واستقرارها، محذرَين من أن استمرار العمل بهذه العقوبات قد يؤدي إلى إهدار التقدم الذي حققه السوريون بعد سنوات طويلة من الحرب والاستبداد، ومؤكدَين أن على الكونغرس التحرك لإلغاء قانون قيصر بشكل كامل بدل الاكتفاء بإعفاءات مؤقتة قصيرة الأجل.
وأوضح السيناتور الديمقراطي جين شاهين، العضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، والنائب الجمهوري جو ويلسون، العضو البارز في لجنتي القوات المسلحة والشؤون الخارجية في مجلس النواب والرئيس المشارك للجنة هلسنكي الأمريكية، في مقال مشترك نشرته مجلة “فورين بوليسي”، أن السوريين حققوا قبل عام ما وصفاه بـ”المستحيل” عندما أطاحوا بنظام بشار الأسد بعد نحو 14 عامًا من الصراع الدموي وخمسة عقود من الديكتاتورية، ودخلوا مرحلة جديدة من تاريخ البلاد.
وأشارا إلى أن إرث النظام السابق كان بالغ القسوة، إذ قُتل أكثر من 500 ألف شخص، وتشرّد نحو 13 مليونًا، وترسخ نظام سجون قائم على التعذيب والإخفاء القسري، إضافة إلى اقتصاد منهار دفع أكثر من 90 في المئة من السكان إلى الفقر.
ولفت العضوان إلى أنهما زارا دمشق في شهر أغسطس الماضي، واطلعا عن قرب على حجم الدمار الذي خلفته الحرب، لكنهما التقيا أيضًا بالرئيس السوري أحمد الشرع وأعضاء حكومته، إلى جانب قادة من مختلف المكونات الدينية والعرقية، وقالا إنهما لمسا في تلك اللقاءات روحًا مختلفة، حيث يتعامل السوريون مع المرحلة الحالية باعتبارها فرصة نادرة لجيل كامل لإعادة بناء بلدهم وإعادة صياغة دور سوريا في محيطها الإقليمي بشكل أفضل.
وأكد العضوان في الكونغرس أن هذه الفرصة باتت مهددة بسبب العقوبات الأمريكية التي فُرضت أساسًا للضغط على نظام الأسد لوقف ممارساته بحق شعبه، لكنها اليوم، بحسب ما جاء في المقال، تعاقب بلدًا يتكون من ضحايا ذلك النظام، يسعون إلى التعافي وإعادة البناء.
وحذرا من أن عدم تغيير السياسة الأمريكية سيؤدي إلى تبديد التقدم الذي انتزعه السوريون بعد تضحيات كبيرة.
وأشار المقال إلى أن مستقبل سوريا لا يهم السوريين وحدهم، بل يرتبط مباشرة بالمصالح الأمريكية، معتبرًا أن البلاد، بعد عقود من التحالف مع خصوم واشنطن وتحولها إلى ساحة لعدم الاستقرار والإرهاب، تملك اليوم فرصة حقيقية لتصبح دولة مزدهرة وعضوًا فاعلًا في المجتمع الدولي، وهو ما سينعكس إيجابًا على المصالح التجارية والأمنية للولايات المتحدة وعلى شركائها الإقليميين، ومنهم إسرائيل وتركيا والأردن ولبنان والعراق.
وفي المقابل، حذر العضوان من أن إعادة ترميم بلد ممزق بالحرب ومدمر على نطاق واسع لن تكون مهمة سهلة أو قليلة الكلفة، مؤكدَين أن تنظيمات إرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية داعش، إلى جانب أطراف وصفاها بالمعادية مثل إيران وروسيا، لن تنتظر طويلًا لمحاولة إعادة ترسيخ نفوذها في سوريا.
واستشهدا بإعلان القيادة المركزية الأمريكية، قبل أيام من نشر المقال، مقتل ثلاثة عسكريين أمريكيين في سوريا على يد تنظيم الدولة، معتبرَين أن ذلك دليل على أن التنظيم ما يزال يشكل تهديدًا قاتلًا، وأنه يتعين على قوات الأمن السورية أن تكون قادرة على مكافحة الإرهاب ومنع هذه الأطراف من استخدام الأراضي السورية لإطلاق عملياتها.
وتطرق المقال إلى حجم التحديات اليومية التي يواجهها السوريون، من بنية تحتية متهالكة، وانعدام الأمن الغذائي، ونقص الرعاية الطبية الموثوقة، والمخاطر الكبيرة الناجمة عن الألغام والذخائر غير المنفجرة، إلى جانب اقتصاد عاجز عن الاندماج مع العالم بسبب استمرار العقوبات.
ونقل العضوان تقديرات الأمم المتحدة التي تشير إلى أن سوريا ستحتاج إلى أكثر من 200 مليار دولار على مدى سنوات طويلة لإعادة الإعمار قبل أن تبدأ بالاقتراب من وضعها قبل الحرب.
وقال العضوان في الكونغرس إن سوريا تحتاج إلى وعد حقيقي بمستقبل أفضل حتى تتمكن من رسم مسار جديد، موضحَين أنهما، رغم انتمائهما إلى حزبين مختلفين، عملا معًا على الدفع باتجاه إلغاء قانون قيصر الذي فرض عقوبات قاسية على نظام الأسد، وأكدا أنهما متفقان على هذه القضية رغم خلافاتهما السياسية في ملفات أخرى، مع الإشارة إلى تقديرهما لما وصفاه بالعمل الموازي الذي قامت به إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في هذا المسار.
وأشار المقال إلى أن منظومة العقوبات الشاملة التي فُرضت على نظام الأسد ما تزال تبقي سوريا في عزلة، وتعرقل محاولات الاستقرار والتعافي وبناء مؤسسات تمثيلية.
وذكر العضوان أن إدارة ترامب تراجعت عن بعض العقوبات عبر منح إعفاءات مؤقتة لمدة ستة أشهر من قانون قيصر، إلا أنهما شددا على أن هذه الخطوة غير كافية، لأن المستثمرين من القطاع الخاص ولا الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة يمكنهم تبرير استثمارات جادة في ظل ضمانات قصيرة الأمد، وهو ما يجعل إلغاء القانون بالكامل ضرورة ملحّة.
وبيّن العضوان أن رفع العقوبات المرهِقة سيسمح للسوريين بتلبية المطالب الدولية المفروضة عليهم، بما في ذلك بناء القدرات اللازمة للعثور على الأسلحة الكيميائية وتدميرها، ووقف تجارة المخدرات غير المشروعة، والقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، وتطوير آليات تحمي جميع المواطنين السوريين على قدم المساواة.
وأشارا إلى أن المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا وسفير الولايات المتحدة لدى تركيا، توماس باراك، أظهر من خلال الانخراط الدبلوماسي المستدام كيف يمكن تحقيق نتائج ملموسة، مؤكدَين أن غياب القدرات الإضافية يعني مطالبة السوريين بما وصفاه بالمستحيل.
وأضاف المقال أن لدى الولايات المتحدة أدوات متعددة لضمان استمرار سوريا في مسار إيجابي في مجالات حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة الانتقالية والحوار والاندماج بين مختلف المكونات السورية، وهي أدوات تستخدمها واشنطن مع دول غير خاضعة للعقوبات.
وذكر العضوان أن هذه الأدوات قد تشمل بناء قدرات الأمن الداخلي والشرطة المدنية، وتقديم مساعدات لإعادة دمج اللاجئين العائدين، ودعم منظمات المجتمع المدني السورية الناشئة.
وحذر العضوان في الكونغرس من مخاطر المرحلة المقبلة، معتبرَين أن العام الثاني لسوريا الجديدة سيكون حاسمًا لمنع نشوء طبقة أوليغارشية جديدة أو استبدال الديكتاتورية الطائفية القديمة بأخرى جديدة.
وأكدا أن الولايات المتحدة تمتلك نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا فريدًا يمكن استخدامه للحفاظ على توجه سوريا الجديدة بما يتماشى مع القيم والرؤية الأمريكية، مشددَين على ضرورة أن تقاوم دمشق إغراء التوجه نحو شركاء بديلين مثل الصين وروسيا بحثًا عن حلول سريعة لكنها غير موثوقة.
ودعا المقال إلى العمل الوثيق مع الشركاء الإقليميين، الذين وصفهم بأنهم عنصر أساسي في تأمين رأس المال المطلوب لإعادة الإعمار، مؤكدًا أن على الولايات المتحدة وشركاتها أن تكون الشريك التجاري والدبلوماسي والأمني طويل الأمد المفضل لسوريا.
وختم العضوان في الكونغرس مقالهما بالتأكيد على أن السياسات يجب أن تتغير عندما تتغير الظروف على الأرض، معتبرَين أن هناك نافذة تاريخية نادرة لإلغاء قانون قيصر والمساهمة في جعل واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية وتقلبًا أكثر استقرارًا وأكثر انسجامًا مع القيم والمصالح الأمريكية، وأكدا أن سوريا تمتلك إمكانات كبيرة، وأن تحقيقها يتطلب جهدًا جماعيًا، مشددَين على أن السوريين، بعد كل ما عانوه، يستحقون مستقبلًا أفضل.