مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٨ أبريل ٢٠١٦
استنزاف إيران

المرشد الأعلى في إيران يشتكي بمرارة من أن الغرب لم يفِ بوعوده، وأن العقوبات الاقتصادية على بلاده لم ترفع رغم أنها قدمت الالتزامات المطلوبة منها بإيقاف مشروعها النووي. لا بد أن الوضع عسير على الحكومة الإيرانية حتى تجأر بالشكوى على هذا المستوى.


حظها سيّئ جدًا، فأسعار البترول لا تزال منخفضة، وبسببها وضع إيران المالي اليوم، بعد توقيع اتفاقية البرنامج النووي، هو أسوأ كثيرًا مما كان عليه مثل هذا اليوم قبل عام مضى عندما قبلت بالاتفاق المبدئي! أمر لم يخطر على بال القيادة الإيرانية التي كانت تعتقد أن رفع العقوبات سينهي أزمتها الاقتصادية.


وفي نفس الوقت حجم الانخراط الإيراني العسكري في الخارج يزداد بسبب اشتداد المعارك، وتمويلها المتعدد للأنظمة الحليفة، مثل بشار الأسد في سوريا و«حزب الله» في لبنان والجماعة الحوثية في اليمن.


إيران، خسرت، مثل بقية دول النفط المنتجة، أكثر من ستين في المائة من مدخولها المالي الرئيسي، ولم تسعفها التحويلات المالية التي استرجعت بعضها من حساباتها المجمدة في الخارج. كما أن العقود والصفقات الكثيرة التي استعجلت توقيعها مع حكومات وشركات عالمية لشراء أسلحة، وطائرات مدنية، ومشاريع للبنية التحتية، في ورطة، حيث لا يوجد تمويل لها، مما يعني أن على طهران أن تدفع المزيد من الفوائد البنكية، والغرامات عند التأخير في دفعها.


لم تهنأ الحكومة الإيرانية بفرحة الاتفاق، وهذا سبب مرارة المرشد وتعبيره عن غضبه من الغرب. وقد يكون هو نفسه غرر به عندما أقنعه فريقه المتحمس للمصالحة بأن الاتفاق سيحل مشاكل الدولة المادية، ليجد أن مداخيلها تناقصت بشكل مريع! وهذا لا ينطبق على جيرانه المنافسين له، مثل دول الخليج النفطية، لأنها تملك احتياطيات وصناديق مالية كبيرة قادرة على تمويل عجزها، والبنوك العالمية مستعدة لإقراضها عند الحاجة، أما إيران فلا تملك شيئا من هذا.


لهذا ربما على الحكومة في طهران أن تدرك أن المصالحة مع واشنطن وحدها لن تمنحها الثراء، ولا النفوذ، ولا الهيمنة. وأن تدرك، كذلك، أنه مهما ضخمت قدرات قواتها، وحرسها الثوري، لن تستطيع سد النقص في ميزانية الخبز والرز وحاجات مواطنيها الأساسية.


إيران تريد أن تفرض شروطها في كل مجال ومكان. تريد رفع أسعار النفط عالميًا دون أن تشارك في الثمن، كما فعلت في مؤتمر أوبك الأخير في الدوحة، رفضت تخفيض حصتها من الإنتاج، وطالبت دول أوبك الأخرى، مثل الخليجية، أن تخفض حصتها حتى يرتفع السعر.


تريد من مفاوضي السلام للأزمة اليمنية في الكويت أن يعطوا حليفها الحوثي أكثر مما يستحق على حساب الوضع الذي كان موجودًا قبل الانقلاب. وترفض أي تنازل في سوريا بإصرارها على الإبقاء على كل نظام دمشق، ببشار الأسد، مستخدمة ميليشياتها. تقوم بدفع حلفائها في العراق، مثل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي إلى إحداث الفوضى، بتغيير الخريطة السياسية، وتعتقد أن بقية القوى سترضخ لها. وفي نفس الوقت تخطط وتقاتل من أجل تحقيق كل هذه الأهداف المكلفة وخزينتها في أسوأ وضع مالي منذ سنين.


وربما ما زاد الوضع الداخلي إحباطًا أن المرشد، والرئيس، وبقية أركان الدولة، تسابقوا مطلع هذا العام، يبشرون الشعب الإيراني، بمرحلة ازدهار سريعة، في سبيل إقناعه بأنه عندما أجبر على تحمل العقوبات الدولية عشرين عامًا أخيرًا ربح المعركة رغم أنه لم يحقق وعده بالقنبلة النووية. إنما الإيرانيون يدركون اليوم أن الحقيقة عكس ذلك، تحملوا عشرين عامًا والنتيجة صاروا أفقر مما كانوا.


بعد فشل أرباح صفقة الاتفاق النووي هل أصبحت المعادلة أوضح لراسمي السياسة ومنفذيها في طهران؟ المصالحة مع الغرب لن تفلح في حل أزمات إيران البنيوية التي تواجه الدولة ولن تعالج حاجات النظام المستعجلة. ولو كان في طهران نظام يحكم العقل والمنطق لمد يده إلى كل الجيران حتى يخرج من الأزمات، ومعظمها من فعله أو مستمرة بسببه. يمكن للمصالحة الإقليمية أن تحقق للإيرانيين وجيرانهم الخليجيين نفس الأهداف، الاستقرار والرخاء. إنما هذا المنطق عسير على أنظمة مثل إيران وكوريا الشمالية، وبالاستمرار في رفضه تزيد من ورطتها. إيران تريد أن تتوسع وتهيمن وهي لا تجد ما يكفي لإطعام شعبها.

اقرأ المزيد
٢٨ أبريل ٢٠١٦
سوريا وجناية أوباما

دخل باراك أوباما إلى البيت الأبيض يحمل جائزة نوبل للسلام، ويستعد لمغادرته، وهو يتحمل مسؤولية الجزء الأكبر من الهولوكوست السوري، بعد أن أمعن طيلة 5 سنوات في افتعال المبررات لقراراته بعدم مساعدة الشعب السوري في التخلص من بشار الأسد، وتعمده تعطيل المنظومة العربية والإقليمية والأوروبية، التي توافقت على ضرورة إنهاء المأساة السورية، ورحيل النظام منذ انطلاق ثورة الشعب السوري. وعندما فشل التدخل الإيراني في حماية الأسد، عبر عشرات الآلاف من الميليشيات الطائفية، التي أرسلتها طهران إلى سوريا من دون أي اعتراض جدي من ساكن البيت الأبيض، وجد باراك أوباما في التدخل الروسي ضالته، فاستغله لعله يتمكن من خلاله من فرض منطقه للحل، الذي قام أساسا على تسوية لا غالب ولا مغلوب، وهي في جوهرها تسوية لا تنتج سوى تغيير في الشكل وليس في المضمون، بهدف الحفاظ على مهمة نظام آل الأسد، حتى ولو غابوا عن قيادته، وهي المهمة المتوافق عليها دوليًا، وتقوم على ضمان حماية أمن إسرائيل، وفي الوقت نفسه تنفيذ المهمة المستجدة بالنسبة لأوباما، وهي الحفاظ على المصالح الإيرانية في سوريا، فترك لطائرات الـ«سوخوي» أن تصيغ واقعًا ميدانيًا لصالح الأسد وميليشياته الإيرانية، في حين مارست الدبلوماسية الأميركية واحدة من أكبر سياسات التخفي خلف إصبعها، وانصاعت دون قيد أو شرط للمطالب الروسية، فتمكنت موسكو من تمرير أسوأ القرارات الدولية بشأن سوريا في مجلس الأمن بالتوافق مع واشنطن، قرارات أعطت الفرصة للمبعوث الدولي دي ميستورا من أجل محاولة الالتفاف على قرارات «جنيف 1» و«2»، وطرح تفسيرات جديدة للمرحلة الانتقالية، وهذا ما كشفت عنه الوثائق السرية المسربة أخيرًا، التي قدمها إلى مجلس الأمن منذ عدة أشهر، والتي عرفت بـ«مسودة الأطر التنفيذية لبيان جنيف»، وتنص الفقرة 51 منها على وجود مرحلة تحضيرية، يسمح فيها ضمنيًا باحتمال استمرار الأسد في ممارسة بعض المهام خلال هذه الفترة، على الرغم من أن المسؤوليات العسكرية والأمنية ستتولاها منذ البداية هيئة الحكم الانتقالي، التي رفضتها المعارضة السورية والدول الإقليمية الداعمة لها في حينها، مما دفع دي ميستورا إلى حذفها من الوثيقة المسربة، وإبقاء مصير الأسد غامضًا عبر نص جديد يذكر فيه الصلاحيات البروتوكولية للرئيس.


مؤشرات عددية شجّعت المبعوث الدولي إلى سوريا دي ميستورا على محاولة إعادة تعويم نظام الأسد، وفي مقدمتها تيقنه بأن الرئيس الأميركي باراك أوباما ليس في وارد السماح بإجراء أي تغيير فعلي في موازين القوى في الميدان السوري، بل إن تصريحاته الأخيرة في العاصمة البريطانية لندن، التي اعتبر فيها أنه من الخطأ الكبير أن تقوم أميركا وبريطانيا أو أي دولة أخرى بإرسال قوات برية من أجل الإطاحة بالأسد، ليست دليلاً على انكفاء للدور الأميركي في القيادة العالمية، بل الانتقال إلى دور المعطل المتفرج، الذي يراهن على أن الدول التي تحارب مباشرة في سوريا أو بالوكالة سوف تستنزف، وبأن الشعب السوري سيتعب، وسيتخلى في لحظة ما عن كثير من مطالبه، التي ليس لأحد رغبة في تنفيذها أو حتى السماح بحصولها. فمواقف الإدارة الأميركية الأخيرة، ورفض أوباما مجددًا تشكيل منطقة آمنة، ليست إلا ضوءًا أخضر جديدًا للأسد وداعميه للاستمرار في عمليات الإبادة، واستخدام العنف المفرط ضد المدنيين، وإشارة إلى احتمال قبول باراك أوباما بحدوث تغيير استراتيجي على الأرض لصالح الأسد، يفرض أمرًا واقعًا على المفاوضات، يخفف العبء الذي يتحمله أوباما جراء رفض المعارضة السورية المستمر القبول ببنود ورقة دي ميستورا، التي لا تنص صراحة على رحيل الأسد، في حين زاد وزير خارجيته جون كيري الطين بلة، في حديثه لصحيفة «نيويورك تايمز» منذ أيام عن أسباب انهيار الهدنة وارتفاع حدة المعارك في حلب، عندما اعتبر أن «التمييز بين الإرهابيين وقوات المعارضة على ساحة القتال غدا أكثر تعقيدًا مما توقعته الولايات المتحدة»، مشيرًا إلى أن «وجود الإرهابيين في هذه المنطقة، هو الذي دفع إلى تحريك قوات المدفعية باتجاه حلب»، فيما اكتفى أوباما بالتصرف كأنه رئيس لجمعية خيرية وليس لدولة عظمى، عندما اختزل دور واشنطن باستخدام نفوذها لإقناع روسيا وإيران بالعمل على التوسط في عملية انتقال سياسي في سوريا.


تحاول إدارة أوباما منذ توقيع الاتفاق النووي مع إيران حماية مصالح طهران الاستراتيجية في سوريا، وتعتمد على روسيا في رسم التوازن الدقيق بينها وبين تل أبيب، ففي إحدى زيارات المعارضة السورية إلى واشنطن، طالب وزير الخارجية الأميركي السوريين الذين التقوه سنة 2014 بتقديم ضمانات لطهران في الحفاظ على ممراتها الآمنة إلى لبنان، ويصرّ أوباما قبل رحيله عن البيت الأبيض على مقاربة للواقع السوري تريح طهران وتفرض نفسها على مواقف الرئيس الأميركي المقبل، بحيث تمنعه من سرعة التحرك أو التفلت بسهولة من تركة سلفه، فأوباما الذي واجه عدم ثقة الخليجيين بمواقفه في الرياض، لن يتخلى فيما تبقى له من أشهر في السلطة عن فرض مقاربته المستحيلة على المنطقة، وتمسكه بالأهمية الجيو - استراتيجية لبقاء النظام السوري، التي تمنع قيام نظام إقليمي عربي متماسك يعيد إيران إلى حجمها الطبيعي، لذلك تصبح معركة حلب مصيرية، وعليه، ينطبق المثل السوري: «يا رايح كتر من القبايح».

اقرأ المزيد
٢٨ أبريل ٢٠١٦
"حلب" عوضاً عن "الرقة" بلا سكان أو ثوار

تحولت مدينة حلب لمنطقة مستباحة من قبل الطيران الحربي التابع للأسد وروسيا، منذ سبعة أيام والتي تعتبر التطبيق الفعلي للاتفاق المزدوج الذي يجمع أمريكا وروسيا حول إعادة احتلال مدينة حلب من قبل الأسد وحلفائه والوصول إلى الحدود التركية مقابل استبدال قتال تنظيم الدولة في الرقة بقتالهم في حلب.

مفاعيل الاتفاق ظهرت في عتاب وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف"، لأمريكا منذ أيام لعدم استخدامها سلطتها في الضغط على المعارضة المعتدلة للخروج من حلب، بحجة ضرب النصرة وتنظيم الدولة، أو بالمختصر "الإرهاب" حسب مزاعم روسيا، رد بتناغم مبطن المبعوث الأمريكي إلى سوريا "مايكل راتني"، في بيان صدار عنه عبر فيه عن وجوب إخلاء الثوار لحلب بقوله "يتعين على الشعب السوري وفصائل الثورة أن يستمروا في رفضهم للإرهاب في كافة أشكاله وينأوا بأنفسهم عن الإرهابيين إلى أقصى درجة ممكنة".

إخلاء حلب ليس مجرد طرح سياسي، لمقاتلة تنظيم الدولة والنصرة، فحلب رغم أنها تحولت لمجرد أنقاض بعد معارك طاحنة من كل الجهات إلا أنها تمثل مركزاً استراتيجياً لروسيا أولا، فحلب ثاني أهم مدينة بعد دمشق، وروسيا بحاجة لعاصمة عسكرية في الجزء الشمالي من سوريا وقريبة من الحدود التركية التي تعتبرها هدفاً أساسياً في حربها ضدها، إضافة إلى حربها ضد الفصائل المعتدلة.

السيطرة على حلب ستقوي موقف الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" اقتصادياً داخل بلاده، بعد تعرضه لنقد عنيف من قبل شعبه ومعارضيه بسبب الأزمة الاقتصادية التي حلت بموسكو، بعد مشاركتها في الحرب على سوريا.

أما إيران فهي تسعى للسيطرة على حلب كطريق للوصول إلى بلدتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب الشيعيتين، وفي مسعى لبسط سيطرتها على نبل والزهراء في ريف حلب الذي عجزت منذ 3 سنوات على إرجاعها تحت سيطرتها، وبقدرتها على الاستيلاء على هاتين المدينتين تكون قد حققت نجاح في عزل حلب عن ريفها الشمالي القريب من الحدود التركية التي تستمد منها الفصائل الثورية سلاحها إلى معظم المناطق المحررة.

و لا يخفى علينا أن النظام يسعى لهدم البنى التحتية  للفصائل المعتدلة قبل تنظيم الدولة، و هذا ما يعني أن سعيه للسيطرة على حلب ليس لمحاربة التنظيم فحسب , لأن حربه ضد التنظيم مركزه الرئيسي يكون في الشرق السوري بالرقة،  و لكن بمعاركه في حلب يستطيع أن يحقق هدفين , أولهما النصر الوهمي على التنظيم أمام المجتمع الدولي, و بالتالي تعزيز صورته و عرض قدراته أمام العالم انه القادر الوحيد حتى الآن على رعاية مصالح العالم في سوريا ضد الإرهاب , و ثانيهما التخلص من الفصائل المعتدلة في الشمال و صهرها بحجة محاربة تنظيم الدولة و النصرة في إدلب و حلب أي في الشمال السوري الحدودي لتركيا.

اقرأ المزيد
٢٧ أبريل ٢٠١٦
سوريا إلى مرحلة جديدة من الصراع

انهيار اللا-مفاوضات السورية في جنيف كان انعكاساً طبيعياً لانهيار هدنة "وقف العمليات العدائية". كانت روسيا وافقت على الهدنة بعد فشل الجولة الأولى في جنيف (مطلع شباط)، تحديداً بسبب مؤازرتها الجوية الكثيفة لقوات النظام السوري وميليشيات ايران في هجومٍ وشيك على حلب، ومع الهدنة قيل إن موسكو اعتزمت الضغط على بشار الاسد كي ينخرط في تفاوضٍ جدّي. انعقدت الجولة الثانية منتصف آذار وسط انتهاكات متفاوتة الخطورة لوقف النار، لكنها مهّدت لجولة ثالثة وصفت بأنها ستدخل صلب الموضوع: الانتقال السياسي. وبين الجولتين الاخيرتين نشطت اتصالات اميركية - روسية، سياسية واستخبارية، تحت عنوان "مصير بشار الاسد"، وفيها تذرّع الرئيس الروسي بالرفض الايراني لأي سيناريو يزيح الاسد، وبذلك كان يشير الى الاميركيين بأنهم لم يعرضوا عليه "صفقة" ويريدون رأس الاسد مجاناً.

لم يكن تدخّل بوتين في سوريا "من أجل حل سياسي" للصراع، بل للضغط على اميركا واوروبا كي ترضخا للأمر الواقع في اوكرانيا وتحرّكا ملفات الخلاف الأخرى مع روسيا. وفي سياق هذا الضغط دعم بوتين تغيير المعادلة الميدانية لمصلحة نظام الاسد، وكان سانده طوال الأزمة، واستجاب بعض رغبات الايرانيين، لكنه لا يزال يتجنّب أي تورّط يُغرق روسيا في صراع طويل قد يتحوّل حرباً استنزافيةً ويوقع خسائر في صفوف عسكرييه. في المقابل، لم يرَ أي استفزاز من الجانب الاميركي بل مزيداً من المراعاة لتشجيعه على ترجيح حل سياسي خلال الشهور المتبقية من ولاية باراك اوباما، وفي آب كحدّ زمني أقصى. لكن الخلاف استمر على امكان نجاح أي حل بوجود الاسد أو بدونه، لذا ارتؤي البحث في "اعلان دستوري" يقلّص صلاحياته. في الأثناء سرّبت موسكو عبر ستافان دو ميستورا اقتراح "ثلاثة نواب للرئيس تختارهم المعارضة" فيما كانت الهدنة تترنّح، وبالتزامن مع حركة نقل آليات وأسلحة ثقيلة روسية الى جنوب حلب ونشاط ايراني لحشد جنود من "الحرس الثوري" والميليشيات. لم يتخلّ الروس والايرانيون ونظام الاسد عن خيار "الحسم العسكري".

تحاول روسيا حالياً إبقاء المفاوضات قائمة، وتوحي بأن ثمة حلاً ممكناً بين النظام و"معارضات موسكو + القاهرة + استانة + حميميم + الأكراد" التي لم تغادر جنيف (وفد "حميميم" وصل بطائرة وفد النظام). وكلها "معارضات" مفبركة، باستثناء "معارضة القاهرة" التي تضمّ مجموعة من الشخصيات الاعتبارية التي اتخذت موقفاً وسطيّاً لكن يصعب انضواؤها في حلٍّ بوجود الاسد وزمرة القتلة المحيطين به، وبمعزلٍ عن المعارضة التي برهنت باحترامها الهدنة أنها هي الطرف الآخر الحقيقي في المعادلة. في المقابل ترى الدول الداعمة للمعارضة أن اميركا - اوباما خسرت أمام روسيا- بوتين في ادارة الأزمة، وبالتالي فإن الصراع دخل مرحلة جديدة بدأت معالمها ترتسم، خصوصاً في دمشق وغوطتها.

اقرأ المزيد
٢٧ أبريل ٢٠١٦
من يرسل الإيرانيين إلى سورية؟

لم يعد الدور الذي تلعبه إيران بقواتها و «حرسها» سراً في دعم النظام السوري. لذلك كان مفاجئاً ومصدراً لكثير من التأويل والتحليل هذا الجدل القائم بين قائد الجيش الإيراني اللواء عطاءالله صالحي وعدد آخر من ضباطه، من بينهم قائد القوات البرية، حول إرسال قوات إيرانية إلى سورية ومن المسؤول عن اتخاذ هذا القرار.

قائد الجيش نفى المسؤولية وحاول أن يفصل بين دور الجيش ودور ما سماها «أجهزة خاصة»، متجنباً الإشارة بالاسم إلى «الحرس الثوري»، المعروف بتلقي أوامره مباشرة من المرشد علي خامنئي، مثلما هو معروف الدور المهم الذي يلعبه قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني إلى جانب النظام السوري وأجهزته الأمنية.

في دولة أخرى وفي نظام سياسي آخر، كان يمكن أن يشكل إعلان قائد الجيش عدم معرفته بالجهة التي ترسل عناصر من قواته للقتال في بلد آخر، فضيحةً مدويّة، إذ إن المتعارف عليه هو أن الصلاحية الأخيرة لقرار كهذا يفترض أن تعود إلى قائد تلك القوات. غير أن الأمر ليس كذلك في إيران، ففي هذه الدولة المثقلة بكل أنواع المؤسسات، الأمنية والسياسية والاستخبارية، لم يعد هناك مجال للجدل حول هوية صاحب القرار الأخير.

ما يدعو إلى الاستغراب أن يكون قائد الجيش الإيراني اللواء عطاءالله صالحي يجهل هذه الحقيقة. وإلا لما كان خرج بتصريحه المثير، بعد الإعلان عن مقتل عدد من ضباط هذه القوات من أصحاب «القبعات الخضر» التابعين للواء 65، على جبهات القتال هناك. وأشار صالحي إلى أن تلك القوات «متطوعة» وهو لا يتحمل مسؤولية إرسالها. لكنه لم يستبعد أن يكون «جهاز خاص» هو الذي يقوم بإرسال الضباط إلى سورية بصفة «مستشارين».

ثم جاء تأكيد قائد القوات البرية في الجيش الإيراني العميد أحمد رضا بوردستان، بأن الجيش لم يرسل قوات بل «مستشارين بطلب من دمشق». لكن الأغرب كان تفسير بوردستان للسبب الذي دفع الجيش الإيراني إلى عدم إرسال وحدات مقاتلة إلى سورية، إذ قال: «لم نرسل وحدات إلى سورية لأن داعش ليس عدونا الأساسي».

في نظر متابعين للشأن الإيراني، أن هناك 3 أسباب وراء تنصل اللواء صالحي من المسؤولية عن إرسال عناصر جيشه إلى سورية: الأول هو ردة الفعل الشعبية السلبية حيال مقتل هؤلاء في المعارك، وانعكاسات ذلك على سمعة الجيش الإيراني وموقعه، في الوقت الذي يفاخر بقدراته العسكرية، وبجهوزيته للمعارك الصعبة، ما يجعل من الصعب قبول مقتل ضباطه وجنوده في مواجهات مع ما يسميها الإيرانيون «ميليشيات إرهابية».

السبب الثاني هو أن التدخل في سورية يتجاوز المهمة الدستورية الموكلة للجيش الإيراني، وفق المادة 143، التي تنص على أن «مهمة الجيش هي الدفاع عن الاستقلال والحدود والنظام الإيراني». وبالطبع، فان الحرب السورية لا تهدد نظام إيران ولا حدودها إلا إذا اعتمدت النظرية التي يتبناها «الحرس الثوري» ومعه «حزب الله» وعدد من الميليشيات العراقية المقاتلة إلى جانب النظام السوري، مثل «فيلق بدر» و «عصائب أهل الحق» وسواهما، وهي النظرية القائلة إن سقوط نظام الأسد يهدد «محور الممانعة»، وله بالتالي آثار سلبية على قوة النظام الإيراني في المنطقة كلاً.

أما السبب الثالث الذي يمكن أن يفسر تصريح قائد الجيش الإيراني، فهو تخوفه من أن تلحق العقوبات الدولية بكبار ضباط جيشه، أسوة بما حصل لقادة «الحرس الثوري»، بسبب تدخلهم في الحرب السورية.

أياً يكن التفسير، فان هذا الجدل «العسكري» الدائر في إيران حول دورها في سورية يخفي جدلاً شعبياً أوسع حول الكلفة المعنوية والمادية لهذا التدخل، غير أن هذا الجدل مكتوم الأنفاس حتى الآن، ولعل تصريح قائد الجيش الإيراني يفتح ثغرة في هذا الصمت.

اقرأ المزيد
٢٦ أبريل ٢٠١٦
بوتين إذ يأمر الأسد بما يلائم الأسد

بعد رحيل جوزيف ستالين في 1953، بدأ الشرق الأوسط يرتفع في قائمة الأولويّات السوفياتيّة، وكانت سوريّة مدخل هذا التحوّل. ففيها، قبل مصر، بدأ كسر احتكار الغرب لتسليح المنطقة، من خلال صفقة سلاح تشيكيّة وروسيّة تراءى لـ «التقدميّين» العرب أنّها تكفّر عن ذنب الصفقة التشيكيّة التي ضمنت، عام 1948، التفوّق العسكريّ للمنظّمات الصهيونيّة ضدّ الجيوش العربيّة في فلسطين. وفي سوريّة، لا في العراق ولا في السودان، تمكّن الشوعيّون، منذ أواسط الخمسينات، من إحراز موقع مؤثّر في السلطة. ومعروف أنّ الخوف منهم، فضلاً عن الخوف من تركيّا، كان من الأسباب الدافعة إلى الانضواء السوريّ في وحدة 1958 تحت جناح مصر. أمّا في 1967 فكان النظام البعثيّ في سوريّة، الذي وزّر الشيوعيّ سميح عطيّة، النظام العربيّ الأقرب إلى قلب موسكو، متقدّماً في ذلك على النظام الناصريّ، علماً أن دمشق الرسميّة، لا القاهرة، كانت الأكثر راديكاليّة حيال الصراع مع إسرائيل. وأمّا منذ 1970، فبات حافظ الأسد القائمقام الأوّل للروس في الشرق الأوسط العربيّ، يحاولون أن يوازنوا به أنور السادات الذي اتّجه بمصر غرباً، ولا يرون على يديه دماء شيوعيّة كالتي اشتهر بها بعثيّو العراق وزعيمهم صدّام حسين.

ولئن لم تخلُ علاقات موسكو ودمشق الأسديّة من بعض التوتّر، في هذه المحطّة أو تلك، فإنّ محطّات التلاقي ظلّت أكبر كثيراً، محكومةً باستراتيجيّة سمّاها حافظ الأسد بلوغ التوازن الاستراتيجيّ مع إسرائيل، وإن عنت عمليّاً أوسع استثمار في الحروب الأهليّة المشرقيّة والإمعان في إضعاف المنطقة وتفتيتها.

على العموم، كانت روسيا السوفياتيّة إلى جانب سوريّة الأسد، وإلى جانب كلّ نظام عسكريّ يقول إنّه سيحارب الدولة العبريّة فيما يحكّم المخابرات بحركات مواطنيه وسكناتهم. فهي تعرف أنّها لا تملك إلاّ السلاح والعقائد العسكريّة تصدّرها وتمدّ فوقها النفوذ الذي تبتغيه في الشرق الأوسط. أمّا في السلع المدنيّة التي يحضّ عليها الخروج من العسكرة وأنظمة الطوارئ والتعبئة، فحال الروس مثل حالنا، لا يفضله إلاّ قليلاً.

صحيح أنّ روسيا البوتينيّة ليست الاتّحاد السوفياتيّ الشيوعيّ، إلاّ أنّ السياسات الخارجيّة لموسكو حافظت على درجة بعيدة من الثبات الذي تتخلّله اختلافات ضئيلة. وهنا اندفع بوتين في دعمه النظام السوريّ أبعد ممّا اندفع أيٌّ من أسلافه السوفيات، لكنّه اندفع أيضاً في دعم الموقف الضمنيّ لنظام الأسد من الصراع مع إسرائيل، وإن خالفته الأقوال والتصريحات المنسوبة إلى الرسميّين السوريّين.

فإعلان بنيامين نتانياهو ضمّاً نهائيّاً لهضبة الجولان السوريّة المحتلّة، وسط تنسيق مع بوتين الذي فوّضه الأسد أمر السيادة السوريّة، وما يتردّد في الإعلام عن رسم «خطوط حمر» و «حصص» يريد الإسرائيليّون ألاّ يغيبوا عنها، يوحي بدور روسيّ في تقسيم سوريّة المحتمل لا يقلّ عن الدور السوفياتيّ في تقسيم فلسطين قبل سبعة عقود. وهذا ما يتجانس تماماً مع نظريّة «سوريّة المفيدة» التي يصعب إدراج الجولان فيها، خصوصاً أنّ كلفة تحريرها أكبر كثيراً من أكلاف المناطق «غير المفيدة» الأخرى. ومن باب أولى في من يتخلّى عن الجولان أن يتخلّى عن فلسطين التي سبق للنظام الأسديّ أن تخلّى عنها عدداً من المرّات لا يفوقه إلاّ عدد المرّات التي أكّد على تحريرها.

وهذا أمر واقع آخر سيأمر به بوتينُ الأسدَ ليجد في المأمور أطيب الاستعداد لأن يؤمر. و «هل يمكنني»، كما قد يقول سيادة الرئيس، «أن أقف في وجه العالم؟».

اقرأ المزيد
٢٥ أبريل ٢٠١٦
سوريا: ماذا تريد روسيا الآن؟

كان راصدو انتفاضة الشعب السوري ومآلاتها خلال السنوات الخمس الأخيرة رهينة لتجاذبين: بين حسن الظن بالمواقف الدولية، وعلى رأسها الموقف الروسي - وتاليا، الموقف الأمريكي – على أساس أنه ليس بمقدور أي دولة كبرى، مهما بلغ عمق تحالفها مع نظام تابع السكوت إلى ما لا نهاية على قمعه الإجرامي لشعبه، وبين تعامل أكثر واقعية واثق بأن روسيا، على الأقل، لن تتخلّى عن نظام آل الأسد مهما كان الثمن.

في البداية نبّه استخدام موسكو حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، بالتحالف مع الصين، لمنع اتخاذ أي قرار حازم ضد نظام بشار الأسد، بعدما اختار «التحاور» مع مطالب شعبه بالقتل والتهجير، كثيرين إلى أن لدى روسيا حسابات جمّة معقّدة في المسألة السورية. غير أن الصورة ظلت «ضبابية» بالنسبة لأولئك الذين فضّلوا قراءة موقف موسكو على أنه لا يخرج عن كونه مجرّد رسالة موجّهة إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، عنوانها «نحن هنا» الغاية منها منع إهمال موسكو كما حدث في ليبيا.

كانت تلك قراءة البعض بعد «الفيتو» الروسي-الصيني الأول. إلا أن عددا متزايدا من هؤلاء أخذوا يغيّرون قراءاتهم بعد «الفيتو» المزدوج الثالث، ويتنبّهون لجديّة وعناد لا لبس فيهما في الكرملين يعبّر عنهما أسوأ تعبير وزير الخارجية سيرغي لافروف.. ومعه أبواق الإعلام الأمني الروسي في وسائل الإعلام العربية والعالمية. إذ غدا واضحا لكثيرين أن المسألة تجاوزت «التذكير» وقاربت ما هو أخطر، ولا سيما، أن موقف واشنطن الحقيقي أخذ ينكشف خطوة خطوة بالتوازي مع مسيرة «تطبيعها» النووي والسياسي مع طهران، ومسلسل تساقط «الخطوط الحمراء» سوريا.

ولم يطل الوقت حتى تأكد أن الولايات المتحدة ما عادت جزءا من مجموعة «أصدقاء سوريا» – وهذا إن كانت كذلك أصلا – بل صارت في أفضل الحالات طرفا «محايدا». ومن ثم، أضحت لقاءات لافروف مع نظيره الأمريكي جون كيري أقرب إلى جلسات انسجام وصفاء ودية منها إلى اجتماعات بحث جادّ في قضايا خلافية، على وقع المجازر والمآسي في مختلف أنحاء سوريا، ناهيك عن غرقى البحار ومعاناة نازحي اللجوء.

خلال السنوات الأخيرة، مع تخلّي باراك أوباما عن السوريين.. وتذرّعه بالتصدّي لخطر «داعش» الذي اعتبره أولوية الأولويات بالنسبة لواشنطن، لم تكتف موسكو بدعم نظام الأسد بالسلاح والذخائر والدبلوماسية في أروقة السياسة الدولية، بل نشطت على مسار ضرب المعارضة السورية الحقيقية، وضرب صدقيتها، واصطناع «معارضة» عميلة أخرجتها من تحت عباءة النظام ودهاليز استخباراته، بل وفي حالات معينة، من وزرائه وساسته والناطقين باسمه «سابقا».

وللأسف، عند هذه النقطة نجحت موسكو في استثارة حساسيات معيّنة داخل بعض الدول العربية، راهنت عليها لتستقوي بها في مؤامرتها الهادفة إلى تفجير المعارضة السورية من الداخل. وبالفعل، بوشر باصطناع «معارضة» مزيفة من أزلام النظام وعملائه بهدف تحويل أي «حوار» سياسي يتبنّاه المجتمع الدولي إلى «دردشة» يجريها نظام الأسد مع نفسه، لتنتهي بإعادة إنتاج الطغمة ذاتها.. كي تمارس دورها ذاته، ولكن بوجوه بعضها غير مستهلَك في أعقاب إحالة المستهلَكين إلى التقاعد.

لكن هذه الخطة في حدّ ذاتها ما كانت كافية، في ظل إخفاق المليشيات الإيرانية «المتعددة الجنسيات» في حسم المعارك على الأرض، واحتفاظ قوى الثورة والمعارضة بقوة الدفع والعزيمة، رغم كل التفخيخ والتفجير السياسي عبر «المعارضات المزيفة» والتفجير العسكري عبر «داعش» الذي كان – ولا يزال – يقاتل الثوار مدعوما بتواطؤ النظام.

أكثر من هذا، كان هناك قلق في أوساط بعض الأقليات الدينية والمذهبية مما تعنيه هيمنة ملالي طهران وحرسهم الثوري على سوريا، وحملة الاستحواذ الإيرانية على الأراضي في مختلف أنحاء البلاد عبر التهجير والتبادل السكاني والشراء الإغرائي والقسري والتحايلي (ومنها بيع عقارات المهجّرين).

وهكذا، تضافر عاملا «صمود الثورة» ميدانيا و«القلق الأقلياتي» – ولا سيما المسيحي – من الهيمنة الإيرانية، لإقناع موسكو بضرورة التدخل العسكري المباشر. وتيسّر لها ذلك في سبتمبر (أيلول) 2015 دون أي مشكلة بفضل «عقيدة أوباما» القائمة على الاصطفاف مع «الشيعية السياسية» على امتداد الشرق الأوسط، بمواجهة «التطرّف الإرهابي السنّي» ممثلا بـ«داعش» و«القاعدة» وإفرازهما السوري «جبهة النصرة».

اليوم تخوض روسيا وإيران الحرب الميدانية في سوريا على الأرض، بينما تواصل واشنطن التملّص من أي التزام لها مع المعارضة السورية. بل إنها تنسّق ليس فقط مع الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي (أحد الوجوه المعتدلة للشيعية السياسية على مستوى المنطقة)، بل تطلِق في العمق وعلى مستوى عال مع أكراد العراق وسوريا، مسارا يهدّد بالتعجيل بتقسيم العراق وسوريا، وربما تركيا أيضا.

واشنطن تتعامل راهنا مع سلطات إقليم «كردستان العراق» كدولة ناجزة السيادة، سياسيا وعسكريا وماليا، من دون المرور حتى بحكومة العبادي. أما بما يخصّ سوريا، فهي تتجاهل تماما التدخل الإيراني العسكري المباشر، وتتبنى التفسير الروسي لكل الوثائق والتفاهمات السياسية في جنيف، وتصمت على مساعي موسكو الحثيثة لاصطناع «معارضة» عميلة تنسف بها فعليا أي مفاوضات تنتهي بحل سياسي.

هذا الموقف الأمريكي، كما سبقت الإشارة، تفسره أبلغ تفسير «عقيدة أوباما»، لكن ما ليس أقل منه أهمية فهم «السيناريو» الروسي في ظل التفويض الفعلي الأمريكي لموسكو.

إن محوَرية التصوّرات الروسية للمنطقة تؤكدها هذه الأيام ليس فقط زيارة قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني لموسكو، وسط سكوت أمريكي تام، ولا إصرار موسكو الشديد على وجود كردي موال لها منفصل عن المعارضة في أي مفاوضات مقبلة، بل الحوارات المستمرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.. أيضا.

إسرائيل لاعب أساسي في كل ما يحدث في المنطقة، وتصوّر وجود «نأي بالنفس» إسرائيلي – على الطريقة اللبنانية – عن أوضاع المنطقة وخرائطها المستقبلية وهمٌ كبير.

نعم، إسرائيل لاعب مؤثر وحاسم، ومحسوب حسابه في واشنطن وموسكو وطهران، ولا خرائط للمنطقة بغير علمها وبمعزل عن مصالحها ومطالبها.

اقرأ المزيد
٢٥ أبريل ٢٠١٦
حلب ليست مهمة .. فالسكان الجدد حماة "زينب و رقية" أولى بالرعاية و الدموع

اليوم مطلوب مننا أن نقف مشدوهي الوجه، و فاتحي الثغور، أمام هول "الإرهاب" الذي ضرب أحد الحواجز في المنطقة المحتلة في محيط دمشق، كي لا نكون مساندين و داعمي لتنظيم داعش، و بالتالي من مساندي الإرهاب.

أقف مذهولاً أمام التفجير الذي أودى بعشرات من عناصر مارسوا القتل و التعذيب و الاضطهاد بالقرب من السيدة "زينب"، لأؤيد أرواحهم "الملعونة" بغية الهروب من لعنة عدم لصق وسم "داعش" بي، و في نفس الوقت علي أن أصم آذاني و أغلق عيوني عن آهات و آلام أطفال درعا البلد و أحياء حلب التي غصت سمائها بالأرواح المتصاعدة، كي أكون مسالماً و أؤيد الحل السياسي.

نعم انه المنطق الرائج حالياً، فالمطلوب مننا أن نكون رحيمين مع القتلة جميعاً، وسفاحين بحق أنفسنا، والأهم أن نكون عبارة عن أحجار وبنادق تتوجه نحو العدو الذي يراه العالم أنه "عدو"، و لو كان عبارة عن سحابة دخان ناتجة عن نار تأتي على كل شيء حي فينا، معروفة المصدر و المجرى و الهدف.

داعش رغم قسوة إجرامها بحق الثورة، إلا أنها كانت واضحة المعالم و حظينا بتوافق مع الجميع أنها آفة لابد من ازالتها، و لكن النظام الذي انقلب بقدرة "العالم" من مصنع للإرهاب و مصدره، إلى مكافح له، و بتنا نحن في موضع مطلوب مننا أن نكون رحيمين مع النظام و عنيفين مع داعش و غداً النصرة بطبيعة الحال، بغية عدم احتسابنا بإرهابيين أو متسببي المشاكل في المستقبل.

بعد ثلاثة أيام من المجازر القاسية في حلب، يقفز وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ليقول أن حلب يجب أن تفرغ من الثوار، تمهيداً لضرب "الإرهابيين" بناء على اتفاق مع أمريكا، و أتبع ذلك بالتأكيد أن من يقف مع "الارهابين" سيحاسب حسابهم، أي اما أن تتركوا حلب للأسد، أو نرتكب الفظائع بسند و موافقة دولية.

حلب ليست ذات أهمية استراتيجية الحقيقة ، فالأهم حالياً أن نركز عن مواقع المحتلين الشيعة من إيرانيين و عراقيين و لبنانيين و من لف لفيفهم، فهم أولى بالرعاية من أطفال سوريا و نسائها و رجالاتها، فهم السكان الجدد، و هم الحكام الجدد، وما تبقى عبارة عن أوراق يجب أن تسقط عن الشجرة السورية، تمهيداً لإلباسها اللبوس الجديد "الجمهورية السوشيعية "، لتتناسب مع المفاهيم المقبولة عالمياً.

اقرأ المزيد
٢٥ أبريل ٢٠١٦
افتعال حرائق و تفجيرات بجانب المقامات .. الورقة المتبقية للنظام بعد لحية علوش

لم يعد بيد النظام ورقة ليماطل بها في جنيف , و يشغل مجلس الامن بها عن تنفيذ بنود القرار الدولي 2254 , الا مناطق المزارات في دمشق , فبدأ منذ يومين بتفجير سوق العصرونية , القريب من مزار السيدة رقية , و ألحقه اليوم بتفجير على مدخل منطقة السيدة زينب , ليضرب عصفوران بحجر , و ينعت المعارضة المعتدلة في جنيف ب"الارهابية" من جهة , و يجبر الناس و التجار في تلك المناطق على افراغ أكبر مساحة حول المزارات تحت ضغط الخوف لتصبح تحت قوى ميليشيات ايرانية شيعية من جهة اخرى

لم يجد "بشار الجعفري" بحنكته المعتادة , و سطحيته المعروفة , في جنيف اليوم , "محمد علوش" كبير المفاوضين للهيئة العليا, ليعلق مفاوضاته مع المعارضة على لحيته و يطالبه بحلقها , فكان افتعال الحريق و الحاقة بتصريح سريع قبيل اجتماعه مع المبعوث الأممي الى سوريا "ستيفان دي ميستورا" , هو الحل الامثل لاثبات ان المعارضة تسلك طريق"الارهاب" بعد انسحابها من جنيف و تسعى للأعمال الارهابية في اشارة منه الى حريق السيدة زينب , متبعاً مسار تمرير الوقت كعادته و لكن بمنحى آخر لاخراج المفاوضات عن مسارها , بعيداً عن بنود قرار مجلس الامن 2254

مسلسل التفجيرات و الحرائق التي قام بها النظام في الاماكن التي تعد ذات أهمية دينية و استراتيجية للشيعة في دمشق , لم يرتقي الى مستوى أفلام "هوليوود" , وبقي كما عهدنا الأسد و نظامه اقرب لأفلام "بوليوود" الهندية , ذات النهايات الهزيلة المتأرجحة , التي كشف اخراجها المنهك المتلعثم , أن النظام وراء حريق العصرونية و تفجير السيدة زينب بلا منازع

خطة ايران الأسدية التي اخذت ربما اسم "ع" أو "و" المهم أنها ليست الخطة الأخيرة , كانت بافتعال الماس الكهربائي منذ يومين في العصرونية , بجانب مقام السيدة رقية , و التي احترق على اثرها عشرات المحال التجارية لباعة بسطاء , بهدف ايجاد وسيلة لتوسيع مقام السيدة رقية بعد حرق السوق الذي يشكل حاجز لتوسيع المقام و الجامع التابع له , و ما الحريق الا بداية التوسع الشيعي بجانب الاموي و وسط دمشق "الأمويين" , لتصبح كما ترى ايران دمشق "الصفويين"

و اكلمت ايران اليوم الخطة بتنفيذ النظام لتفجير مدخل السيدة زينب , تلك الرقعة الجغرافية التي سارع التجار و الميليشيات الايرانية خلال الاشهر الاخيرة لشراء أراضي و منازل فيها , ليكون التفجير عقد بيع سيوقع عليها ملاك المنازل في هذه المنطقة , و باسعار زهيدة لتسليمها الى من ارادها دون مقاومة , و تنفيذ التوسع الشيعي بجدارة هنا أيضاً

الأحداث المتتالية خلال أيام , دليل عجز النظام و ايران لتقديم أي عثرة للمفاوضات , ناهيك أن النظام وايران و الى جانبهم روسيا أعلنوا افلاسهم السياسي و العسكري و الذي بدا واضحاً من تصريح وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" , الذي أبدا انزاعجه من واشنطن التي اعتبرها مقصرة في استخدام نفوذها على المعارضة المعتدلة و مطالبتها بالانسحاب من حلب , بحجة تدمير جبهة النصرة والتنظيم , لتصبح ساحات عاصمة الثقافة حلب ملكاً للنظام وايران مقابل توسعهم في عاصمة الحضارة "دمشق"

اللعبة ببساطة , روسيا تخلي حلب من المعارضة المعتدلة و التتنظيم يعيدها الى النظام على طبق من ذهب , وايران و النظام يفتعلان تفجير و حريق بوليودي , لتجبر أصحاب البيوت و المحال في مناطق المقامات على التخلي عنها مقابل مبالغ نقدية زهيدة و دون مقاومة , و النظام يؤمن للتنظيم طريق سالك من الضمير الى منطقة البادية ليعيد الاخير الى النظام طريق الأوتستراد الدولي و يصبح بيد النظام من جديد , لأن النظام مدرك تماما انه سيراوغ في الحل السياسي و لن يكون أمام المعارضة سوا العودة الى "حرب الشوارع" بعدياً عن أروقة الفنادق و المؤتمرات

اقرأ المزيد
٢٤ أبريل ٢٠١٦
سياسة أوباما لا تقل خطورة عن «داعش»!

منذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر) الشهيرة، أصبحت السعودية بالنسبة إلى الإعلام الغربي موضوعاً للنقد، الصالح منه والطالح، وموضوعاً للتحامل والتشويه أيضاً. من الطبيعي أن يكون الإعلام الأميركي هو من يحمل شعلة هذا التيار. تأمل مثلاً حقيقة أن 15 من منفذي تلك الهجمات كانوا سعوديين والاستنتاجَ الذي تخرج به غالبية الكتابات الغربية بناء على هذه الحقيقة، حين تستخدمها أحياناً بشكل مباشر وأحياناً أخرى بشكل مضمر لا تخطئه عين كمؤشر على تورط السعودية حكومة وشعباً وثقافةً في ما قام به «القاعدة» في خريف 2001. وهذا حكم ثقافي جماعي مسبق على ثقافة وجماعة أخرى فيه الكثير من التحيز والتعصب الثقافي، بل والعنصري أحياناً. ومع أنه «حكم» ينتمي إلى الماضي وليس إلى الحاضر، إلا أنه يؤكد القاعدة التي تقول إن الحقائق لا تتكلم عن ذاتها من ذاتها، وإنما نحن من يجعلها تتكلم بطريقة معينة دون سواها، وضمن سياق دون غيره.

هذا عن الماضي القريب، أما عن الحاضر فهناك تراكم يتصاعد للموقف ذاته بناء على المعطيات المشوهة ذاتها. آخر مؤشرات ذلك ما حصل لخير الدين مخزومي (جاء إلى أميركا لاجئاً من العراق)، الذي تم إنزاله من الطائرة لأنه تحدث على الهاتف بالعربية قبل الإقلاع، وقال في نهاية حديثه للشخص الذي يتحدث معه كلمة «إن شاء الله» (انظر موقع «نيويورك تايمز» عدد أمس السبت).

في الحاضر أيضاً، وعلى مستوى صانع القرار السياسي، انظر كيف أصبح تنظيم «الدولة الإسلامية»، أو «داعش»، هو الهاجس الوحيد في الشرق الأوسط كله للسياسة الأميركية، ومعها دول أوروبا الغربية. بات «داعش» أخطر من ظاهرة الميليشيا، ومن الطائفية التي تتغذى عليها، ومن نظام الأسد، ومن إيران، ومن الدول الفاشلة في العراق وسورية واليمن... إلخ. لم يعد الغرب يرى إلا «داعش»، ولا يريد أن يسمع شيئاً إلا عن «داعش». ومع أن لا أحد يختلف حول ضرورة القضاء على هذا التنظيم المتوحش وأولويته، لكن السؤال المركزي الذي يتم تجاهله تماماً: ماذا بعد القضاء على «داعش»؟ ما هي الخطوة التالية لهذا الإنجاز إن قُدر له أن يتحقق؟ ماذا سنفعل أمام الميليشيات الأخرى التي تجوب المنطقة طولاً وعرضاً؟ بعض هذه الميليشيات، خصوصاً الشيعية منها، أصبح جزءاً من المؤسسة الأمنية والعسكرية في العراق وسورية ولبنان، من دون أن تتماهى مع الدولة في هذين البلدين. لا أحد يعرف الإجابة، أو حتى يلقي بالاً للتفكير فيها، لا في واشنطن ولا في أي من العواصم العربية أو الغربية، أو هكذا يبدو، ما يعني أن الحرب على «داعش» هي من دون استراتيجية واضحة. هل يمكن القضاء على «داعش» فعلاً بمثل هذا التصور المبتور؟

تجربة الحرب على «القاعدة» تؤكد عكس ذلك، فبعد حوالى ربع قرن على انطلاقته لا يزال «القاعدة» معنا، بل ظهرت معه عشرات، وربما مئات التنظيمات والميليشيات الأكثر توحشاً في كل أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا. هناك الآن حروب أهلية تعصف على الأقل بثلاث دول عربية، هي العراق وسورية واليمن، أطرافها الرئيسة هي هذه الميليشيات. واللافت أن هذه الدول لم يخرج منها «القاعدة» أصلاً. من بين أهم ما تشير إليه هذه النتيجة البائسة أن «الحرب على الإرهاب» فشلت فشلاً مدمراً. و «داعش» الذي يتم التركيز عليه حالياً خرج من رحم «القاعدة» الذي كانت «الحرب على الإرهاب» تروم القضاء عليه. بعبارة أخرى، بدلاً من القضاء عليه، انتهت هذه الحرب بنهجها وتداعياتها إلى تحويل «القاعدة» من تنظيم إلى ظاهرة إقليمية تنافس الدول، ويصل خطرها إلى قلب أوروبا نفسها. وعلى رغم ذلك، تصر واشنطن ومعها حلفاؤها الأوروبيون، على التمسك برؤيتها وبالنهج ذاته الذي انتهى إلى ما انتهى إليه.

هناك ثلاثة عوامل تفسر هذا الموقف: الأول والأهم أنه يتم تجاهل حقيقة أن الإرهاب بعد الغزو الأميركي للعراق يختلف جذرياً عن الإرهاب الذي كان يمثله «القاعدة» قبل ذلك. الطائفية حالياً، وعلى عكس ما كان عليه الأمر من قبل، هي المصدر الأساسي للإرهاب، ولا يمكن تفسيره والتعاطي معه إلا من هذا المنطلق. بهذا المعنى لا يمثل «داعش» إلا عرضاً لما هو أكبر وأخطر. يعترف الغرب بهذا، لكنه يتفادى مواجهته مباشرة تفادياً للكلفة السياسية التي يتطلبها ذلك. كيف؟ يعرف الغرب يقيناً، وأوباما تحديداً، أن الحرب الأهلية في العراق مثلاً هي حرب طائفية. ويعرف أوباماً يقيناً أيضاً أن إيران هي من يرعى الميليشيات الشيعية في هذه الحرب، وأنها هي من يوفر لها الغطاء السياسي. لكن إدارته تتفادى الحديث عن هذا الموضوع مباشرة. الأسوأ أنها تتعاون مع هذه الميليشيات بمرجعيتها الإيرانية في محاربة «داعش». وفي هذا مفارقة صارخة من ناحيتين. الأولى أنها تحارب ميليشيا (داعش) بالتعاون مع ميليشيات أخرى. وهو ما يعزز فكرة الميليشيا بدلاً من إضعافها، ليس فقط في العراق، بل خارجه أيضاً. الثانية، وهذه نتيجة للأولى، أنها بمآلاتها هذه للميليشيا، تساهم الإدارة الأميركية في إضعاف فكرة الدولة في العراق، بما يؤدي بها عملياً إلى استكمال ما بدأته إدارة بوش السابقة عندما اختارت تدمير الدولة العراقية بعد إسقاطها نظام صدام حسين. وهذا واضح الآن في أن هناك حرباً سياسية موازية تدور رحاها على أساس طائفي داخل مؤسسات «الدولة»، وأن العراق لم يعد بإمكانه نتيجة لذلك تأسيس جيش وطني، وبالتالي لا تمكنه محاربة «داعش» من دون الاستعانة بالميليشيات وبإيران. اللافت هنا أن إدارة أوباما اختارت التعايش مع هذا الواقع انطلاقاً من وهم أنه يساعد في إعادة بناء دولة وطنية جامعة تتسع لكل العراقيين. المفارقة الثالثة أن هذه الإدارة بانخراطها على هذا النحو في الأزمة العراقية تصطف عملياً مرة أخرى - بقصد أو غير قصد، لا فرق - إلى طرف ضد آخر في حرب أهلية طائفية.

العامل الثاني، أن الدول العربية، خصوصاً السعودية ومصر ودول الخليج، ومعها تركيا أيضاً، تبدو وكأنها بدورها تساير هذه السياسة الأميركية في العراق وسورية تفادياً للثمن السياسي الذي يمكن أن يترتب على معارضتها، خصوصاً بشكل علني. هل هذا ما يحصل فعلاً داخل الدوائر الدبلوماسية؟ أم أن الخلاف السعودي الأميركي، والتركي الأميركي يشي بما هو عكس ذلك؟ مهما يكن، فإن كون «داعش» بات الآن، بسبب الضغوط الأميركية، الرمز الوحيد للإرهاب، فرض على المنطقة واقعاً سياسياً ضاغطاً على الجميع. وهذا يؤشر إلى فشل إعلامي وسياسي عربي في كشف حقيقة أن «داعش» عرض لأزمة أخطر، وأن الاقتصار على التعامل مع العرض من دون جذوره وأسبابه يهدد بما هو أسوأ مما يبدو على السطح.

أخيراً نأتي إلى العامل الثالث المتمثل في دلالات السياسة الأميركية، والموقف العربي منها. فالسياسة الأميركية، وهي سياسة انكفاء في حقيقتها أكثر مما هي سياسة انخراط، تعكس تراجعاً في القوة والنفوذ الأميركيين، وهو ما يفسر هاجس خوف الإدارة من الانخراط. لكنها بمثل هذه السياسة الخرقاء تصطدم، ومعها الغرب، مع سنّة المنطقة بشكل مباشر واستفزازي، وهو ما يشكل مصدر دعم لـ «داعش» ولأي تنظيم قد يحل محله، كما حصل من قبل مع «القاعدة». وهذا أكثر وضوحاً على المسرح السوري. على الناحية الثانية تبدو المسايرة العربية لهذه السياسة محاولة لشراء الوقت تفادياً لمواجهة حال جمود سياسي سيطر على المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ومن ثم فنحن أمام التقاء حال تراجع غربي مع جمود سياسي عربي كل منهما لأسبابه يخشى مواجهة واقع المنطقة وما تتطلبه هذه المواجهة من تنازلات وتضحيات. والمستفيد من ذلك حتى الآن هي القوى الطائفية المناهضة لمفهوم الدولة الوطنية ولعروبة المنطقة ولفكرة الحرية.

اقرأ المزيد
٢٤ أبريل ٢٠١٦
صناعة المعارضين في سورية

ليس مهماً بالنسبة إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ولا طبعاً بالنسبة إلى رئيس وفد النظام السوري إلى مفاوضات جنيف بشار الجعفري أن ينسحب وفد الهيئة العليا للمفاوضات أو أن يبقى. هناك دائماً معارضون جاهزون في مصانع النظام، للحلول مكان هؤلاء. لافروف يرى أن انسحاب وفد الهيئة هو «خسارة» لها وحدها وليس لأي طرف آخر. أما الجعفري فيقول إن انسحاب الهيئة «ليس مشكلة كبيرة لنا»، فهي في نظره ليست الممثلة الوحيدة للمعارضة السورية. ومع تحوّل الجعفري إلى خبير نفسي، أضاف أن هيئة المفاوضات تضم «مراهقين سياسيين»، لم يدركوا الهدف من المشاركة في جنيف!

حسناً، ما هو هدف هذه المشاركة إذن؟ في نظر النظام السوري لا بد أن يكون الهدف هو إعادة إنتاج بشار الأسد، بعدما أصبح فاقد الصلاحية في نظر معظم العرب والجزء الأكبر من المجتمع الدولي. هل يمكن أن يصدق أحد أن النظام أرسل وفده إلى جنيف ليفاوض على اقتلاع رئيسه من الحكم؟ النظام موجود في جنيف لإيهام العالم أنه لا يمانع في البحث عن حلّ للأزمة، حلّ يكون وفق شروطه طبعاً. والمعارضة موجودة في جنيف بعد أن خضعت لضغوط إقليمية ودولية (أميركية وروسية وأوروبية) إضافة إلى ضغوط الأزمة الداخلية التي تفرض عليها السعي إلى حل، بالحد الذي يمكن قبوله.

سعى النظام وحلفاؤه إلى إنجاح عملية إعادة إنتاج بشار الأسد من خلال: 1- قطع الطريق على إمكان بقاء المعارضة في المفاوضات برفض الحديث في مسألة الانتقال السياسي، التي تشكل المطلب الأساسي للسوريين. ففي جولة المفاوضات الأخيرة طلب رئيس الهيئة رياض حجاب من المبعوث الدولي دي ميستورا جدولاً زمنياً للانتقال السياسي، لأن الهيئة بما تمثله من قاعدة عريضة للمعارضة لا يمكنها القبول بأقل من تخلّي الأسد عن السلطة، بعد كل الدماء التي سالت والخراب الذي حلّ بالبلد كنتيجة مباشرة لأوامره وأوامر المجموعة الأمنية المحيطة به. 2- اختراع مجموعات معارضة تعمل تحت مظلة النظام وبتوجيهات منه أو من حليفه الروسي، ولا تتمتع بأي تمثيل أو حيثية على الأرض، للايحاء بأن الهيئة العليا لا يحق لها احتكار تمثيل المعارضة. ورافقت ذلك عروض من هؤلاء «المعارضين» شملت الموافقة على حكومة موسعة أو تعيين نواب للرئيس، لقطع الطريق على مطلب إزاحة الأسد. 3- ابتزاز المجتمع الدولي والشعب السوري بمسألة الحفاظ على الهدنة، لإعطاء الانطباع بأن انفراط عقد التفاوض سيؤدي إلى انهيارها، مع أن هذه الهدنة لم تعد قائمة فعلاً، بعد أعمال القصف في حلب وغوطة دمشق وسواهما، كما أن النظام لم يلتزم خلال فترة التفاوض أياً من الشروط التي كان من الضروري أن ترافق الهدنة، وهي: إطلاق المعتقلين، رفع الحصار عن المدن، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. وبالطبع يدخل ابتزاز النظام في إطار علاقة التلازم التي فرضها على السوريين، بين قتلهم أو البقاء فوق رؤوسهم: أحكمكم أو أقتلكم.

ما هو الدور الذي يلعبه المبعوث دي ميستورا، والمجتمع الدولي من ورائه، في وجه هذا التلاعب السوري بالمفاوضات؟ تقول أوساط المعارضة إنها لم تفاجأ بقرار دي ميستورا المضي في المفاوضات، بعد انسحاب وفد الهيئة العليا. لم يكن المبعوث الدولي قادراً على غير ذلك أمام الموقف الروسي الذي عبّر عنه الوزير لافروف بقوله إن الهيئة هي التي خسرت بانسحابها، وبتبنيه موقف النظام من أنها ليست الجهة الوحيدة التي تمثل المعارضة. غير أن دي ميستورا يعرف أن المفاوضات لا يمكنها أن تخرج بأي نتائج في غياب الهيئة، التي تسلمت منه، كما قال أحد أركانها، رسائل مكتوبة قال فيها المبعوث الدولي إن الهيئة هي الوفد المفاوض باسم المعارضة، كما أكد دي ميستورا أن الوفد الذي يستطيع أن يفرض الالتزام بالهدنة هو الذي يمكن اعتباره ممثلاً للمعارضة، وقد أثبتت هيئة التفاوض قدرتها على ذلك من خلال إعلان 107 فصائل ثورية وعسكرية موافقتها على الهدنة مع بدء المفاوضات الأخيرة.

الجميع يعرف من هي المعارضة الحقيقية في سورية، من يمثلها وماذا تريد تحقيقه. الجميع بمن فيهم النظام السوري. أما عمليات صناعة «معارضين» للتفاوض معهم، والحديث عن انشقاقات داخل هيئة المفاوضات، فلا تخرج عن محاولات إنكار الواقع الذي يواجهه النظام، وهي المحاولات التي ساهمت إلى حد بعيد في إطالة عمر الأزمة إلى اليوم.

اقرأ المزيد
٢٤ أبريل ٢٠١٦
بعد "البابا" الدور يأتي على "ميركل" .. هل يجب أن نقبل "الأطراف" لنحظى بـ"حقنا" !؟

لم تكن لتهدئ الأنفس قليلاً وتركن عملية قذف الاتهامات يمنة وشمالا، بعد تقبيل أحد الأطفال السوريين لقدم بابا الفتيكان، حتى نشر يوم أمس مقطعاً يظهر طفلاً آخراً يقدم على تقبيل يد المستشارة الألمانية أنجيلا ميرك، خلال زيارتها لأحد المخيمات على الحدود التركية - السورية، كي تطمئن على اتفاق الهجرة أنه يسير كما تشتهي كونها العرابة التي نظمته بين أوربا و تركيا.


لا نعرف إلى أي حد يريد العالم أن يصل إليه الشعب السوري، و إلى أي مدى يجب أن تصل إليه الكرامة السورية، وماهو المستوى الذي يجب أن تخرج عليه أجيال سوريا القادمة، هل هو بحث عن جيل و بالتالي شعب مستقبلي ذليل، لحد لن يفكر بالانتفاض مرة أخرى على حاكم يراد له أن يبقى و يورث حكمه للأجيال المنبثقة عنه مهما طالت، دون أن يجد معترضاً.


سيقود المدافعون سيلاً من الحجج بأن "ميركل" هي "ماما" السوريين على مر السنوات الماضية، و أن تركيا بيت السوريين في مواجهة "الخضوب"، و فلان هو سند السوريين في مواجهة "الأعاصير"، و .... و .... ، و آخرون سيلجؤون لنوع آخر من التهرب بقذف الشتائم، اللعنات على المشرق العربي و الجمع الإسلامي، بقياداته و شعوبه و رؤوس دينه و دنياه، لتقف عند هذا الحد ، بانتظار "طرف" آخر يطبع عليه قبلة من شفاه تشققت من شدة الشظف التي عاشته وحيدة.


و لكن ننسى في خضم تقاذف التهم و التباكي، أنفسنا نحن السوريين، في جميع مواقعنا و أماكن تواجدنا، و اذا قررنا الانكفاء و أخذ دور المتفرج و المتابع، و دون أن يكون لنا أي حضور على الأرض، و حتى إن تحقق ذلك الحضور، فيكون كـ"برستيج"، أو تصوير و نشر على المواقع كـ"ناشطين" انسانيين، مفعمي النشاط و الحب، و لكن لأنفسهم، قوائم أسماء الجمعيات و المنظمات، تكفي لإنقاذ خمسة بلدان، و لكنها عاجزة عن خدمة خمسة مخيمات عشوائية تضم بضع عشرات من الخيم.


لا مجال للدفاع عن أحد أو مهاجمة أحد، فالخطة تسير بخطى واثقة صوب أمر محدد، هو الآخر سيرفضه و يؤيده البعض الآخر، ألا و هو الكرامة السورية، التي يبدو قد أرقت و أزعجت العالم الذي رغم كل ما خطط له و دفع به لم يستطع كسرها، أو تحويلها إلى ماض لا يمكن اعادته، و لكنها لم تفارق الشعب ولا للحظة.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٤ مايو ٢٠٢٥
لاعزاء لأيتام الأسد ... العقوبات تسقط عقب سقوط "الأسد" وسوريا أمام حقبة تاريخية جديدة
أحمد نور (الرسلان)
● مقالات رأي
١٣ مايو ٢٠٢٥
"الترقيع السياسي": من خياطة الثياب إلى تطريز المواقف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب