التحالف المضطرب بين الأسد وحلفائه الداخليين
التحالف المضطرب بين الأسد وحلفائه الداخليين
● مقالات رأي ٩ مايو ٢٠١٦

التحالف المضطرب بين الأسد وحلفائه الداخليين

أُتخمت مسيرة نصف قرن من معاناة الشعب السوري وافتقاره إلى أدنى حقوق الإنسان وحشره في قوقعة تضعه أمام خيارات محدودة فإما أن يتعاون مع عصابة الإجرام أو ينزوي – قمعا وتنكيلا ونهباً – وقام الأسد ببناء نظامه على كذبة تحولت إلى خديعة كبرى بدليل أنها لاقت ومازالت تلقى مؤيدين محليا وإقليميا وعالميا بغض النظر عن المصالح المتبادلة، ومن المؤكد بأن مفاعيل الزمن الطويل وتراكماته قد ساهمت في تكريس هذه الخديعة التي تضرجت بالدماء وتكللت بالدموع.

لاشك بأن هذه الفترة قد طالت، ولكن اندلاع الثورة السورية، وما يجري اليوم بين هذا النظام المجرم وحلفائه سواء في الداخل أو الخارج، وإن بدا أن ظاهره الوفاق والتحالف إلا أن الحقيقة تعكس أن باطنه الشقاق وأن كل واحد من الحلفاء المزعومين يعمل على ابتزاز صاحبه وما يدل على ذلك تلك المشكلات العميقة والمتجذرة التي تطفو على السطح بين الآونة والأخرى ، وسيل السلوكيات و التصريحات الإعلامية التي من تظهر من رموز لهذا الحليف أو ذاك .

في الداخل السوري عمل نظام الأسد على ربط مصير الطائفة العلوية ربطا وجوديا به، وظهر انعدام الأمن الطائفي كسمة غالبة على السياسة السورية في أعقاب كارثة حماة. وكان هذا دعماً سياسياً هاماً لسلالة الأسد لأنها استطاعت أن تحافظ على العصبية العلوية، واستثمر في سبيل ذلك ما حدث، وعمل على تجييشهم أيما تجييش، كما عمل على تخويف الأقليات من حكم الأكثرية وهو ما استثمره أفضل استثمار خلال الثورة، وهو قبل ذلك عمل جاهدا للحد من الشعور بانعدام الأمن الطائفي ، فمثلاً في حزيران 2007 حُكم على سبعة طلاب بالسجن لإجراء حوارات على الإنترنت حول الإصلاح السياسي. وقد كشف تصريح من قبل ضابط الاعتقال يُوضح فيه أن “هؤلاء الشباب هم أكثر خطورة من تنظيم القاعدة، لأنهم يأتون من جميع الطوائف.” وحقيقة أن اثنين من الطلاب تلقوا حكماً لمدة سبعة سنين وآخرون خمسة سنين فقط، وأن من عوقب بشكل أكبر هم من العلويين، في رسالة من النظام لأبناء طائفته أما ان تكون وقودا في سبيلي أو التنكيل والاعتقال، واليوم تدفع الطائفة العلوية أغلى ما تملك من استقرار وأمان ومساهمة في بناء الوطن في الغد القريب بحكم تحالفها مع النظام القاتل، ولنا في الحاضنة الشعبية الموالية للنظام في مدينة حمص التي تعتبر إحدى الخزانات البشرية لميليشيات الدفاع الوطني والشبيحة خير مثال على ذلك ، فالأحياء الموالية للنظام تعرضت للتفجيرات وأعمال العنف مالم تتعرض غيرها من الأحياء الموالية في باقي المحافظات، وهنا يطرح الأسئلة التالية نفسها: من الذي فجر ؟ وما الدافع إلى التفجيرات؟ ألم تُسور الأحياء الموالية والقرى بالحواجز ووحدات الحماية واللجان الأمنية ؟ وغيرها الكثير من الأسئلة عن التفجيرات التي لن يكون آخرها التفجيرين المزدوجين اللذين هزا مدينة المخرم الفوقاني الموالية صباح الخامس من نيسان من العام الجاري.

إن التحليل المنطقي والواقعي لمثل هذه التفجيرات وبعيداً عن ذكر التكتلات الموجودة على الأرض السورية التي عمل نظام الأسد على استحضارها من أجل الدفاع عنه وبقاء اغتصابه للسلطة في سورية يؤكد أمرين لا ثالث لهما، أما الأول: فهو انحلال عرى الترابط  و التواثق بينه وبين مواليه من أبناء البلد وتذمرهم منه ومن الآليات التي اتبعها في مواجهة الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح ، وأن النظام ما أن يشعر بأن حدة هذا التذمر قد ارتفع في مكان ما من المناطق الموالية له حتى يلجأ إلى التفجيرات لتخويفهم من الإرهاب، وهو نفس الأمر الذي باتت تلجأ إليه تلك الميليشيات الطائفية الدخيلة إذا ما إعترض سكان تلك المناطق وتذمروا من تصرفات عناصرها وما تقوم به من اعتداءات على الأموال والأعراض . أما الثاني: عدم الثقة المتبادلة بين النظام والميليشيات الطائفية الدخيلة ، وعدم اكتراث الأخيرة بجيش النظام ووحداته المرافقة لهم في تحركاتهم، وذلك بسبب دفع القادة من جيش النظام أن تكون عناصر تلك الميليشيات في المقدمة على الجبهات، وهو الأمر الذي اعترضت عليه تلك الميليشيات وقادتها أكثر من مرة ليتضح مؤخرا ما وراء ذلك ، وهو رغبة تلك الميليشيات بالسيطرة على الأرض والإمساك بها وحرمان قوات الأسد من ذلك، الأمر الذي أربك حسابات نظام الأسد ومخططاته وخاصة في حمص حيث يتواجد الثقل العسكري الأكبر لحزب الله والميليشيات الشيعية ، والتي تقوم علانية برفع راياتها على المواقع التي تسيطر عليها وتنكيس علم النظام ، هذا الأمر فسره قادة ومقاتلون في الجيش السوري الحر وكتائب الثوار أن نظام الأسد يسعى جاهدا لإبرام المصالحات مع المناطق الثائرة والمحررة ، بدلا من التفكير بإعادة السيطرة عليها بمساندة تلك الميليشيات الساعية إلى احتلال الأرض وتذويب وحدات جيش النظام.

الكاتب: رشيد حوراني
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ