ما الذي يجري في إيران؟ ما الذي يجري في العراق؟ ما الذي يجري في سوريا؟ ما انعكاس ذلك على لبنان حيث تضع بعض القوى المتمسّكة بحلف الأقلّيات، الذي لا يساعد إلّا في تهجير الأقلّيات، كل العراقيل الممكنة من أجل منع الرئيس سعد الحريري من تشكيل حكومة وفاقية؟
تستطيع مثل هذه الحكومة الوفاقية الاستفادة، في حال استوفت شروطا معيّنة، من المساعدات الدولية المخصصة للبلد والقيام بالحدّ الأدنى من الإصلاحات المطلوبة. لكنّ الواضح أن هناك في لبنان من يراهن على انتصار إيراني في سوريا والعراق، وحتّى في اليمن، في وقت صار مثل هذا الانتصار أقرب إلى وهم من أيّ شيء آخر.
كل ما يمكن قوله ردّا على هذه الأسئلة أن تجربة “الجمهورية الإسلامية” التي يحكمها “الوليّ الفقيه” دخلت مرحلة حرجة تشبه إلى حدّ كبير مرحلة ما بعد وصول ميخائيل غورباتشوف إلى السلطة في الاتحاد السوفياتي في العام 1985. ما أدّى إلى تفكّك الاتحاد السوفياتي في نهاية المطاف هو غياب القاعدة الاقتصادية التي يمكن أن تبنى عليها قوّة عسكرية وسياسية امبريالية ترجمتها على أرض الواقع الهيمنة على دول معيّنة في أنحاء مختلفة من العالم.
يمكن لهذه المرحلة الإيرانية أن تدوم طويلا. لكنّ الواضح أن الشعب الإيراني لا يمكنه العيش إلى ما لا نهاية في ظلّ أزمة اقتصادية ونظام في حال هروب مستمرة إلى الخارج.
ما الذي تفعله إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن؟ ليس لدى النظام الإيراني ما يقدّمه سوى نشر البؤس وإثارة الغرائز المذهبية. أدّى كلّ ما فعله النظام في سوريا، حيث استثمر عشرات مليارات الدولارات من أجل إنقاذ بشّار الأسد وبعث إليه بعشرات العناصر المسلّحة المنتمية إلى ميليشيات مذهبية، إلى مشاركة قوات روسية في عملية لا هدف لها سوى المحافظة على أمن إسرائيل على جبهة الجولان.
هناك للمرّة الأولى منذ أواخر العام 2011، وهو العام الذي اندلعت فيه الثورة الشعبية في سوريا، عودة للمراقبين الدوليين إلى خط وقف النار في الجولان. هناك دوريات للقوة الدولية في المنطقة العازلة. كلّ ما حصل هو عودة إلى اتفاق فكّ الاشتباك للعام 1974 الذي توصلت إليه إسرائيل مع سوريا بوساطة قام بها “العزيز” هنري كيسينجر. يا لها من مفارقة.
تتولى هذه الأيّام قوات من الشرطة العسكرية الروسية إعادة المراقبين الدوليين إلى مواقعهم التي كانوا فيها والتي اضطروا إلى مغادرتها بعد تعرّضهم لمضايقات ابتداء من أواخر العام 2011 ثمّ في 2012. ما لبثت قوة المراقبين الدوليين في الجولان أن جمّدت نشاطها في 2014.
تلعب روسيا في العام 2018 في الجولان الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في العام 1974. تنتقم روسيا أخيرا من استبعادها عن القرار الذي كان وراءه وقتذاك كيسينجر. الفارق أنّ اتفاق فك الاشتباك للعام 1974 كان يمكن أن يؤدي إلى اتفاقات أخرى تتوج بخروج إسرائيل من الجولان.
أمّا الاتفاق في شأن إحياء اتفاق 1974 فهو تمهيد للبحث عن الصيغة التي ستسمح لإسرائيل بضمّ الجولان نهائيا. يحدث ذلك على الرغم من أن البيان الصادر عن قمة هلسنكي بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين في السادس عشر من تمّوز – يوليو الماضي أشار إلى أن الهدف في النهاية هو الوصول إلى تطبيق القرار الرقم 338 الصادر عن مجلس الأمن بعد حرب 1973 والذي يدعو إلى تطبيق القرار 242 الذي في أساسه مبدأ الأرض في مقابل السلام.
تدفع سوريا حاليا ثمن رفض حافظ الأسد كل العروض التي قدّمت إليه وتفويته كلّ الفرص التي كان يمكن أن يستعيد من خلالها الأرض المحتلة في العام 1967. كان همّه الدائم المتاجرة بالجولان وليس إزالة الاحتلال. كان همّه الفعلي محصورا في كيفية وضع اليد على منظمة التحرير الفلسطينية وإغراقها في حرب لبنان وابتزاز العراق حيث كان البعث الآخر بقيادة أحمد حسن البكر ثمّ صدّام حسين لا يعرف كثيرا عن المناورات السياسية وكيفية التعاطي مع موازين القوى الإقليمية والدولية.
انتهت إيران في سوريا على بعد مئة كيلومتر من الجولان بعدما ربطت وجودها في دمشق بشخص بشّار الأسد المعجب أشدّ الإعجاب بـ”حزب الله” وتجربته وكلّ الخراب والدمار الذي ألحقه بلبنان، خصوصا بالمجتمع الشيعي الذي عمل الحزب بنجاح على تغيير طبيعته.
لا خبز لإيران في سوريا التي صار خيارها بين الابتعاد عن الجولان وربّما عن سوريا كلّها… وتلقي الضربات الإسرائيلية في ظل موافقة روسية على ذلك. قد تنجح روسيا في تحقيق ما تصبو إليه في سوريا بعد إخراجها إيران من دمشق، كما قد تفشل في ذلك.
الثابت أن تجربتها مع دروز سوريا لا تشجّع على تغليب النجاح على الفشل. ظهر بوضوح أن روسيا لا تعرف الكثير عن سوريا وعن بشّار الأسد وعلاقة أجهزته بـ”داعش” بالتفاهم مع إيران. لكن قرار النظام السوري، صار في الوقت الراهن قرارا روسيا. لم يعد أمام بشّار الأسد سوى القبول بالمطلوب منه إسرائيليًّا وروسيًّا في حال قرّر البقاء في دمشق بعيدا عن الحبيب الإيراني.
لا خبز أيضا لإيران في العراق. أخذت إيران كل ما تستطيعه من العراق، الذي جفّ ضرعه، بضوء أخضر أميركي. لكنّ العراقيين يظهرون كلّ يوم أن وجودهم في دولة فاشلة والعيش في ظلّ نظام لا مستقبل له لا يلغيان أن إيران تبقى إيران والعراق يظلّ العراق.
هناك فشل إيراني على الصعيد الداخلي وفشل كبير في سوريا ومحاولات يائسة لتلافي الفشل في العراق. هل في استطاعة إيران ممارسة دور القوّة المهيمنة إقليميا وأن تعتبر لبنان مجرّد جرم يدور في فلكها؟
الجواب أن إيران تحاول تغطية تراجعها في المنطقة عن طريق ضغوط تمارس في لبنان من أجل تشكيل حكومة تكون بامرتها. الأكيد أن سعد الحريري لا يمكن أن يلعب الدور المطلوب منه أن يلعبه.
ففي منطقة تتغيّر فيها موازين القوى بسرعة رهيبة، ليس مفروضا أن يدفع لبنان أي ثمن من أيّ نوع كان. ليس مطلوبا منه على وجه الخصوص دفع ثمن الفشل في إقامة حلف الأقلّيات الذي كان خيارا إيرانيا والذي دفع طهران إلى الدفاع المستميت عن بشّار الأسد.
ليس طبيعيا أن يدفع لبنان ثمن إحياء اتفاق 1974 في الجولان وليس ثمن الاتفاق الروسي – الإسرائيلي على إبعاد إيران مئة كيلومتر أو أكثر عن الجولان ولا ثمن رفض العراقيين أن يكون بلدهم مستعمرة إيرانية.
لا يستطيع لبنان في أي شكل أن يكون جائزة ترضية لإيران التي باتت مشكلتها في عجز النظام عن إقامة اقتصاد قابل للحياة يشكل السند لمشروع توسّعي قائم على إثارة الغرائز المذهبية لا أكثر ولا أقلّ…
لم يبق في سورية من مناطق خفض التصعيد الذي أُعلن في مؤتمر سوتشي التاسع سوى محافظة إدلب، فقد سقط كل ما عداها في يد النظام، عبر سيناريو عسكري وتهجيري، يبدأ بقصف الطيران الروسي المستشفيات ومستودعات تخزين الأغذية والأدوية، مترافقاً مع حملة إعلامية مركّزة، عبر أجهزة النظام وبمساعدة الإعلام الروسي، تأتي بعدها مفاوضات المصالحة، مؤذنةً لمواسم الهجرة إلى الشمال بالبدء، ومخليةً الأرض مع مَنْ بقي من السكان للنظام الأمني والإعلامي، ليطلق حملات الدعاية تحت مسمّى العودة إلى حضن الوطن.
تبدو إدلب، في سوتشي العاشر، بنداً مهماً، فالنقاش الأساسي يحصل بين تركيا وروسيا وإيران، فيما تقدّم الوفود السورية من الطرفين حضوراً شرفياً بالتقاط الصور تحت الإعلان الكبير المكتوب بثلاث لغات، تاركةً لمن يقدر على القراءة ما بين السطور تفسير البيان النهائي الذي صدر بلغة عامة، مؤكداً على ما أكده في الرحلة الطويلة لمؤتمرات السلام السورية التي تُعَدُّ بالعشرات، قاطعةً مسافات النار والمعارك والموت، من دون التقدّم في السياسة خطوة واحدة، فيما تكبر الأرض وتصغر تحت أقدام المقاتلين من الطرفين، أو جيوش الدول الضامنة.
لم يتحدّث البيان عن أي هجوم على إدلب، لكنه قال إن أطراف الضمان الثلاثة ناقشت الوضع على الأرض، وهضمت كل التغيرات التي حدثت في الفترات الأخيرة، واتفقت على متابعة التنسيق على ضوء اتفاقاتها. وعقب الاجتماع، قال المندوب الروسي إنه لا توجد نياتٌ للهجوم على إدلب. نحن بحاجة هنا أن نكون على دراية بعِلْم "لغة الجسد"، لمعرفة صدقية تطبيق هذه العبارة، وسكان إدلب حالياً الذين يفوق عددهم مليونين ونصف نسمة في حيرةٍ من أمرهم، فهم لا يستطيعون الهجرة إلى أي مكان آخر، وفي الوقت نفسه، لا يريدون العودة إلى حضن بارد وبغيض، كالذي سيعرضه عليهم النظام، لكنهم يتابعون عمليات النظام المتلاحقة أخيرا، والتي مسح فيها البقع الخضراء (الممثلة مناطق سيطرة المعارضة) من على خريطة الصراع في سورية، وحولها إلى نقاط حمراء، عقب مؤتمر سوتشي التاسع.
لا يبدو أن مسألة إدلب هي الوحيدة التي نوقشت في الاجتماع الثلاثي، فهناك القلق الإسرائيلي الذي ينعكس على شكل هجمات متزايدة على الأهداف الإيرانية في سورية، مع اتساع الرقعة التي يسيطر عليها النظام، فانتصارات النظام فيها ترسيخ للوجود الإيراني، وهذا يبعث قلقاً إسرائيلياً تعبر عنه على شكل هجمات جوية، لكن مبعوث روسية إلى سورية، ألكسندر لافرنتيف، أقرّ بأن اتفاقاً قد عقد بالفعل مع إيران، لتبقى بعيدة عن الخط الساخن للجولان مسافة 85 كيلومتراً، وقد تبدو هذه المسافة مرضيةً فعلاً لإيران، لأنها ستبقيها على حدود مرقد السيدة زينب في جنوب دمشق.
لم تكن الاستجابة الإيرانية سهلةً أو مجانية، فقد وافقت على الابتعاد عن الجنوب، بعد أن سمعت مسؤولاً إسرائيلياً يقول بوضوح إن الوضع في الجنوب سيعود كما كان عليه قبل مارس/ آذار 2011، بما يوافق الاستراتيجية الإيرانية في "إبقاء الأسد"، وتحقيقها يعني أنها لم تضيع كل استثماراتها المالية والبشرية والسياسية التي أنفقتها في سورية، و85 كيلومترا بعيداً عن حدود "إسرائيل" معناه أن تستمتع بجنة الألف كيلومتر الباقية التي تفصلها عن حدود سورية مع العراق.
قد لا يكون مهماً أن نتحدّث الآن عن الهجوم على إدلب، أو نتائج "سوتشي"، وقد تشكلت في الإقليم بيئة مستعدة لاحتضان النظام من جديد، فلم تفصل بين مظاهرات الأردن المطلبية التي دفعت الحكومة الأردنية إلى إعادة التفكير في أهمية معبر نصيب، واستيلاء النظام السوري على الجنوب سوى أيام قليلة، وها هو الأثر الجانبي ل "سوتشي" يعطي مباركة أخرى للأسد من إسرائيل. في ظل هذا المجال الحيوي الكبير، تصبح إدلب مجرد وقتٍ قد لا يفصل بيننا وبينه إلا سوتشي آخر.
يكبرني أخي إسلام بسبع سنين ويكبرني أبي بسبعٍ وثلاثين سنة، اعتقل أبي يوم 2-7-2011 واعتقل إسلام يوم 22-7-2011. كان عمري وقتها خمسة عشر عاماً، التقينا آخر مرة يوم 13-11-2012 في زيارة في سجن صيدنايا العسكري، حصلنا على موافقة زيارة لأبي لمدة ثلاث دقائق ثم بعده إسلام لمدة ثلاث دقائق أيضاً. اجتمعا في الطريق المؤدي إلى مكان الزيارة، ذهب أبي الحنون وأتى بعده إسلام الحبيب، بيننا وبينهم شبكين، يفصل بين الشبكين متر يتمشى فيه عسكري مهمته بث الرعب بالقلوب وكتم الأفواه وخلف المُزار عسكريين، مهمتهما ضربه كلما تكلم كلاماً يمنعونه مثل حالته الحقيقية أو أسماء معتقلين معه أو جرمه، لا يسمحون له إلا أن يقول لنا كل شيء جميل هنا أجمل مما تعيشون أنتم!
بعدها حُكم على إسلام بالإعدام بتهمة التظاهر بشكل سلمي حضاري وتوزيع الورود والماء على المتظاهرين وترك ماءٍ بارد لعناصر الجيش القادمين لقمع المظاهرة واعتقال الأحرار كمحاولة منه ومن رفاقه لكسب القلوب بالود وكسب العقول بترك منشوراتٍ تروس غالباً ب (أخي العسكري لماذا تقتلنا) شارحين بعدها أهدافهم وأحلامهم، ساعين لرسم الوطن المنشود في مخيلة العساكر، تُهمة لُخصت بالمحكمة الميدانية بـ(التآمر على الدولة ومحاولة قلب النظام الحاكم) وحُكمها الإعدام. بنفس الوقت حُكم على والدي (خيرو الدباس) بتهمة المشي في مقدمة المظاهرة وحماية المرفقات العامة من طيش بعض الشباب أو أذى عناصر المخابرات المنضمين للمظاهرة لتخريبها وإخراجها عن سلميتها وعن شكلها الحضاري، وبتهمة أُخرى وهي التحاور مع الناس وشرح رأيه بالنظام الحالي وأهمية استبداله، وتوضيح فكرة الدولة المدنية للكبير والصغير، والأخيرة كانت تهمة قتلتهم في وسط سجونهم ومعتقلاتهم لمّا تحاورَ مع المحققين ووضح وجهة نظره، تُهمة لُخصت بالمحكمة الميدانية بـ(التآمر على الدولة ومحاولة قلب النظام الحاكم) وحُكمها خمسة عشر عاماً في سجونهم.
صدمة اعتقالهم كانت صدمة العمر كُلها، ما قبلها ليس كما بعدها، شيءٌ يُشبه رمزية الثورة في حياة البعض، غيرتنا الثورة وصقلتنا أيامها، صقلني وشدني وهزمني، قواني وأضعفني اعتقالهم. يوم تكون الفخر وراء ابتسامتي ويوم يكون الحزن والانكسار وراء انطوائي، كنت صغيراً لا أعرفهم إلا بما تيسر من الذاكرة، لمسات أبي الدافئة، ونظرات إسلام المعاتبة أيام والفخورة في آخر مرة رأيته بها، يوم أخبرته أني تجاوزت المرحلة الإعدادية. تعرفت على يحيى الشربجي بعد اعتقال إسلام بيوم واحد صبّرنا يحيى وحكى لي عن إسلام، أحبني يحيى لأني شقيق إسلام وأحببت يحيى لأنه عاملني كشاب علمني يحيى كثيراً علمني أن أمشي في الحياة كشاب له هدف شاب يعرف كيف يجب أن يكون ويعرف كيف يمشي ليصل، اعتقل يحيى يوم 6-9-2011 وعادت الدُنيا سوداء كما تموز 2011، حُكم على يحيى بكل أحكام الحرية وحُب الحياة وبناء الوطن والتهمة الأكبر (بناء الشباب) لُخصت تهمه بالمحكمة الميدانية كما باقي التهم (التآمر على الدولة ومحاولة قلب النظام الحاكم) وحكمها الإعدام.
بعدها كان لا بد من البحث عن أبي وأخي في ما تركاه في الحياة، لا يغيب انسان دون أن يترك أثراً، إذا كان أثر الفراشة في رأي محمود درويش هو الأثر الذي لا يُرى هو ذاته الذي لا يزول فكيف سيكون أثرهم، فتشت عنهم في قصص الناس وحكاياتهم، وجدتهم في ذاكرة الناس خير أصحاب. خلال أيام الثورة الطويلة رافقت أغلب أصدقاء إسلام، أصدقاء المسجد وأصدقاء الثورة وأصدقاء الجامعة وصرت مثلهم أنتظر إسلام الصديق لا إسلام الشقيق! بعد أن تحول أبي إلى سجن عدرا وصارت الزيارة سهلة وميسرة وبمدة طويلة تمتد لساعات واقفين على شبك واحد يفصلنا ولا أحد يسمعنا، صار يربيني، يكتب لي ويحكي لي ويشرح لي رأيه، توصياته بأن لا أزعج والدتي كتوصياته بأن أبقى حراً، يوصيني بالصلاة كما يوصيني بالقراءة، صارت علاقتي مع أبي علاقة شابٍ مع مُربي لا علاقة أبٍ بابنه، بين الحياة التي أعيشها مع أبي وكلام إسلام الذي يرويه لي أصدقائي نقلاً عن إسلام، وبين مقاطع مصورة يشرح فيها يحيى رؤيته للحرية ومفهوم الوطن عنده وغايته من الديمقراطية، كان واجباً علي أن أنتظرهم انتظار الوطن لأبطاله ليحرروه.
تجاوز غيابهم في قلبي البعد العاطفي، صار غيابهم غياب فكر وثورة، انتظرتهم أعواماً كثيرة حتى نمشي الدرب معاً، انتظرتهم انتظار صديق الثورة لا انتظار الأخ الصغير المدلل. نُفذ حكم الإعدام يوم 15-1-2013 بحق إسلام ويحيى، إسلام الذي كان آخر ما يردده ويسمعه (غرباء هكذا الأحرار في دُنيا العبيد) ويحيى الذي كان أكثر ما يردده (الحرُ يعرف ما تريد المحكمة وقُضاتها سلفاً قد ارتشقوا دمه) أُعدما في سجن صيدنايا العسكري مع الكثير من أهل الثورة الأوائل، توالت علينا أخبار استشهادهم بين 16 و27 تموز 2018، عشنا كل هذه السنين ننتظر عودتهم، أما أبي ما زال في المعتقل يحاور الناس ويشرح لهم أفكاره ويقرأ في مكتبة سجن عدرا المركزي ويكتب.
على حين كرب وأسى وغصة ماتت مي سكاف، وانتقل ذلك المزيج من الموهبة، والتوق، والإيمان، وتلك العصارة من الإقدام، والنقاء، والشغف إلى اللانهائي.
كان لها تاريخان ناصعان: تاريخ الفن، وتاريخ الثورة. وكان الجمع بينهما يعني تاريخ الإنسان، بأل العهد، وأل الكمال. أي: تاريخ الإنسان المرجوّ المنشود.
خرجتْ في المظاهرات الأولى يوم كان المتظاهرون يحملون الورد! وينادون ملء الحناجر: «واحد. واحد. واحد... الشعب السوري واحد»، ويوم كانوا يكتبون يافطات: «نعم للسلمية! لا للطائفية»! و «ثورة شعبية. لا حرب أهلية»! و «ثورة لكل السوريين»! و «أنا سوري وبدي حرية... والله سلمية»!
وكم خاف النظام منها ومن رفاقها! وكم راعه أن يكون في صفوف الثورة من أمثالها! فكلُّ كلمة من كلماتها كانت قذيفةً تدك صرح كذبه القائم على التزوير القائل إن ما يحدث ليس سوى مؤامرة حيكت في خارج البلاد، وكلُّ موقف من مواقفها كان صاروخاً يقوّض أساس بنيان سرديته المستند إلى الادعاء بأنّ الإسلاميين يحرّكون الغوغاء والأوباش، ويشترون ذمة كل فرد منهم وضميره ووطنيته بسندويشة فلافل و 500 ل. س.
وقفت مي مع رفاقها المثقفين والفنانين في وسط دمشق غير وجلين ولا هيّابين، ليعلنوا أنهم الشعب، وأنهم الثورة، وأنهم مع الشعب، وأنهم مع الثورة! وهذا ما لم يغفره النظام لها ولا لرفاقها. ولولا تخفِّيها وفرارها لكان الإخفاء القسري، والقتل العمد مصيرها ومآلها.
ووقّعت مع زملائها على «بيان الحليب» في عام 2011، وطالبت الأسد ونظامه وجيشه برفع الحصار المضروب على درعا، والسماح بإدخال الحليب إلى الرضّع، والغذاء للأطفال! وحُقَّ لنظام الأسد عندئذٍ أن يعتقلها، ولأصدقائها المؤيدين أن يقاطعوها، ولمديرية الهجرة والجوازات أن تمنع سفرها، ولفروع الأمن الأخطبوطية أن ترسل لها التهديد يقفوه التهديد، وللمخابرات أن تزوِّد قطعان الشبيحة التافهين برقم هاتفها لتتوالى بذاءاتهم على مدار أربع وعشرين ساعة، ولأيام عدة:
ــ «ألو! بدّك حليب»؟!
ــ «ألو! بدّك حليب»؟!
وتخبرنا مي عن تلك الفترة: «كان الحوار ملجأهم الكاذب، ورصاصهم أسلوبهم، وبذاءتهم حقيقتهم»!
لم تكن مي راديكالية على رغم صلابتها، ولم تكن حاقدة على رغم مرارة كل ما مرّ من فظائع أمامها، ولم تنادِ بإسقاط بشار الأسد في الوهلة الأولى، ولكن كان هنالك حدٌّ لا يمكن تجاوزه، وعتبة لا يجوز الالتفاف حولها. فيوم سوّغ النظام تمثيله بجثة الطفل حمزة الخطيب، وادّعى أنّه كان يغتصب نساء الضباط، ويوم مرت الجريمة أمام ناظريه بلا محاسبة ولا معاقبة، أدركت مي إدراكاً نهائياً أن الجريمة هي هيولى النظام، وأن العنف هو صورته، وعرفت ساعتئذٍ طريقها، وحدّدت بدِقّة مطالبها (عندما يدافع نظام عن قتله لطفل بأن ينعته بمغتصب نساء كي يداري قتله والتمثيل به، فهو نظام زائل لا محالة. ولو أنه حاكم عاطف نجيب ما كنت لآخذ هذا الموقف. وأقولها بصراحة: على رغم معرفتي بتاريخه ما كنت لأتحول إلى مطالِبة بإسقاطه على رغم وجعنا على حمزة وما فعلوه به).
وعندما سألها قاضي التحقيق ما الذي تريده من انخراطها في الثورة على النظام؟ أجابت بكل وضوح وجرأة واستخفاف: «لا أريد لابني أن يحكمه حافظ بشار الأسد». ولم تكن تعلم في تلك الآونة بأن حافظ في الأيام القادمة سيسقط مرتين في مونديال الرياضيات العالمي، وسيكون عبئاً على الوفد السوري المشارك، لكنها كانت تعلم علم اليقين أننا إذا لم نتدارك سورية قبل فوات الأوان فسيكون هذا الولد، إذا استلم الحكم، في يوم ما، عبئاً على سورية كلها، وسيكون أسوأ من أبيه وجده، وستغدو سورية في تلك الحالة بقضِّها وقضيضها مجرد سنٍّ منخور يأكله السوس في عاجه وعصبه وعظمه، وفي تاجه وعنقه وجذره.
وغادرت مي سورية متخفية مجفَلة إلى الأردن أولاً، ثم إلى باريس أخيراً، ولكن سورية لم تغادرها، فهيهات لحامل الهمّ المكدود أن يستخفّه شاغل أو صارف. خمس سنوات من المنفى الأليم، وهي تحكي عن مأساة التنظيم الأسدي! تردد صباح مساء: سورية. الحرية. الكرامة. الأطفال. النساء. الشيوخ. الشباب. الرجال. الأبرياء. التاريخ. الحاضر. المستقبل. البلد.
خمس سنوات وهي تنادي: سورية لنا، وليست لبيت الأسد. سورية للشعب. للأمة. لكل المواطنين. لكل الأحرار. وليست لعائلة. لمافيا. لميليشيا. لطائفة. لدين. سورية لكل الإنسان، ولكل إنسان.
خمس سنوات لم نرها إلا بعينين دامعتين، وعلى رغم ذلك كانت تورق أملاً، وتكرز بشرى: «غداً عندما يسقط النظام سيخرج من سورية فنانون وشعراء وكتّاب. سيستلمون دفة الفن الجديد. سيظهر سينمائيون وكتّاب سيناريو ومصورون ورسامون ومنشدون جدد».
مي!
جعلتها «الموهبة» الخالصة فنّانة!
و «التوق» إلى الحرية والكرامة مناضلة!
و «الإيمان» بالثورة والالتحاق بها إنساناً!
وصيّرها «الإقدام» الجريء بطلة! فلم تدن بالسكوت، حين كان السكوت صمّام الأمان الوحيد لحياة خاملة كخمول حياة الطحلب!
ورسمها «النقاء» الصافي أيقونة، فتجاوزت بنقائها عكر الأمر الواقع الذي كان مجرد هاوية تفغر فاها وتبتلع!
وخلق منها «الشغف» الملتهب نجمةً تأتلق بالأمل، فلم ترضخ لليأس الذي جعل أفئدة الناس في غشاء من قنوط!
ماتت مي! لكن ستظل الأجيال الحالية واللاحقة تستلهم منها كل ضروب المضاء والشجاعة في اعتصاماتها ومظاهراتها، وجميع صنوف الصدق والإخلاص في لــقاءاتها ومقابلاتها، وستظل شاهداً على الحقيقة يوم كانت تناقش وتحاجج، وترفض وتنــدد، ويوم كانت دمعتها في عينيها مغرورقة منسكبة، وصوتها في فمها مبحوحاً متهدجاً، ومـــشاعرها في كـــيانها كله مشدودة متوفِّزة متحفِّزة.
كتب غوته مرةً عن «الأنثى الخالدة»، وما أحرى مي أن تكون هذه الأنثى! ولئن ماتت جسداً، فقد غدتْ روحاً مصفّاة، وصارتْ «أنثى خالدة تقودنا إلى الأعلى».
يا مي!
من مكانك الآن بين النجوم قولي لابن عربي الثاوي في سفح قاسيون لقد سفحوا دين الحب!
وأخبري يوسف العظمة أنهم استأسدوا بطائرات الأجنبي ليقصفوا ناس سورية في الأسواق والمشافي والمدارس!
وحدثي الحسين بن علي عن أتباعه الذين أَزْرَوْا به جهاراً نهاراً بكل انتهازية خسيسة، ودناءة قميئة، وعمى أخلاقي مطبق!
وأخبري القوتلي والقدسي والأتاسي أن الجمهورية التي أرادوا تأسيسها وتثبيتها سُحقت ومُحقت.
يا مي! سلامٌ عليك وأنت ترددين: «هذه الثورة ثورتي حتى الموت. وسأظل أدافع عن سورية العظيمة، وليس عن سورية بشار الأسد».
يا مي! طبت في حياتك ومماتك!
وطبت في مسيرتك واختياراتك!
سلام عليك في الثائرين!
وسلام عليك إلى يوم الدين!
لا يتوانى الممانعون السوريون والعرب عن اتهام السوريين، المعارضين نظام الأسد، بالعمالة لإسرائيل، مطلقين عليهم أسماء مضحكة، كثوار الناتو والقطوإسرائيليين وعملاء الرجعية، وإلى آخر ما هنالك من هذه الاتهامات المدهشة، لفرط سذاجتها ونمطيتها وثباتها منذ عقود طويلة، من دون النظر إلى المتغيرات التي حدثت عبر تلك العقود على المستويين، المحلي والدولي، وعلى المنظومتين، الاجتماعية والسياسية، في منطقة الشرق الأوسط خصوصا، وفي العالم عموما؛ فمنذ عام 1979، لمّا حدثت الثورة الإسلامية الخمينية في إيران، وصولا إلى عام 2001 وتفجير برجي التجارة في نيويورك بما عرف بهجمات 11 سبتمبر، وانتهاء بعام 2011 تاريخ انطلاق ما كان يجب أن يكون ربيعا عربيا، تغيّرت التحالفات السياسية الدولية، وظهرت نظرياتٌ سياسيةٌ واقتصادية جديدة حكمت العالم، وفضحت ما كان يحدث في الخفاء، من دعم للديكتاتوريات العسكرية والأنظمة الشمولية، التي كانت تدّعي العداء للعالم الرأسمالي، من هذا العالم نفسه.
ولكي لا تحدث مزايداتٌ في هذا الخصوص، فإنه من نافل القول إن إسرائيل هي العدو الأول لكل عربي، أو حتى لكل مؤمن بأن الفكر الإنساني المحمل على العدالة والخير والمحبة، يجب أن يسود العالم ويحكمه، وهو ما يجعل لإسرائيل شركاء في العنصرية والكراهية والشر، لا يقلون عنها سوءا، ويتمتعون بغباءٍ وعنجهيةٍ، تحاول دولة الاحتلال نفيهما عنها في بروباغندا إعلامية مدروسة بعمق، ويجب أن لا تخفى على أحدٍ مهما كانت الذريعة.
غير أن الممانعين العرب يصرّون على التعامي عن هؤلاء الشركاء في أحسن الأحوال، بينما هم في غالبيتهم حلفاء لهم، ومروجون سياساتهم، ومبرّرون جرائمهم، ومعادون بشراسة لكل من يعلن موقفا ضدهم، أكان المعلن فردا أو مجموعات بشرية كبيرة، والتهمة دائما هي الخيانة، والعمالة للعدو الإسرائيلي. والغريب أن الممانعين العرب يعيشون في بلاد مطبعة دبلوماسيا وربما اقتصاديا، وقريبا ثقافيا، مع العدو الصهيوني، وقسم كبير منهم يدافع عن نظامه المطبّع بشراسة، وقسم آخر يتعامل في يومياته مع هذا العدو، في التصاريح والموافقات في داخل الأراضي المحتلة، أو في أثناء دخولها، وقسم يحمل جنسيته، مفاخرا بما تتيحه له من حريةٍ ويسر في التنقل بين بلدان العالم.
والغريب أن هؤلاء لم يحيدوا عن مواقفهم هذه قيد أنملةٍ منذ انطلاقة الثورة السورية، واصطفافهم إلى جانب النظام ضد الشعب الثائر، على الرغم من كل الفضائح التي تكشفت في علاقة النظام السوري مع إسرائيل، وانكشاف خديعة المقاومة والممانعة، سواء في التصريحات المتبادلة، أو في غضّ النظر عن الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة على مواقع عسكرية سورية، واحتفاظ النظام بحق الرد الأبدي في الوقت الذي تقصف به طائراته وصواريخه السوريين في مدنهم وقراهم، أو في التنسيق العلني والكبير بين روسيا (دولة وصية على سورية) وإسرائيل، بما يخصّ الوضع السوري، بشقيه العسكري والسياسي؛ ظلوا ممعنين في تأييدهم المقرف والمشبوه نظام الإجرام في سورية، وباحثين عن أي فرصةٍ لكيل الشتائم والاتهامات للسوريين المضادين له، وليس هيجانهم ضد فريق القبعات البيض، واتهامه بالعمالة، بعد إنقاذ رجاله وعائلاتهم من الأمم المتحدة إلى الأردن عبر إسرائيل، سوى حالة واحدة من حالات الهيجان التخوينية للسوريين الثائرين التي أصابتهم منذ بداية عام 2011، ولمّا تهدأ بعد.
ولا يشفع موت من يعتبرونه خائنا له، ليصمتوا عنه ولو قليلا، افتحوا صفحاتهم واقرأوا تعليقاتهم، إثر رحيل مي سكاف وقبلها فدوى سليمان، وسترون العجب العجاب من الشتائم والاتهامات، والغريب إصرارهم على أن كل صاحب موقف هو بالضرورة عميلٌ تم استئجاره بالمال، ويقبض من الدول المتآمرة على النظام الممانع، وفي طليعتها إسرائيل وأميركا ودول الخليج طبعا، وكأن أصحاب الحق لا يستطيعون أيضا اتهامهم بالقبض من النظام السوري وإيران، ولا يستطيعون اتهامهم بعمالةٍ مقابلةٍ إثر فضح علاقة النظام بإسرائيل.
أما سقوطهم الأخلاقي الكبير فهو في احتفائهم بحرية الطفلة الفلسطينية، عهد التميمي، التي اعتقلها العدو الإسرائيلي، إثر محاولتها صفع جندي إسرائيلي، ثم خروجها من المعتقل، بكامل صحتها وأناقتها، وبعد إتمامها دراستها داخل المعتقل، في وقتٍ يفصح النظام السوري عن أسماء سبعة آلاف معتقل ومعتقلة، من خيرة أبناء سورية، قتلوا في معتقلاته خلال الأعوام السبعة الماضية، لم يعلق أحد منهم على هذه الجريمة النكراء وكأنها لم تحدث، ومن كتب منهم عن هذا الأمر، فلكي يشتم المقارنين بين معتقل العدو والمعتقلات الوطنية في سورية! أما مصير عشرات الآلاف، بل ومصير سورية بكاملها التي أحرقها النظام فلا يهم، طالما هو باق إلى الأبد.
المستشرق الروسي أوليغ غوشين قال لصحيفة «سفوبودنايا بريسا» الروسية (27 تموز- يوليو، الماضي) :» ربما تعرض روسيا على إيران أنبوباً عبر العراق وسورية إلى البحر الأبيض المتوسط. لا يهم ما إذا كان أنبوب غاز أم نفط ، كلاهما مغر جداً لطهران». غوشين كان يجيب عن سؤال حول ثمن إخراج إيران من سورية بمقتضى التفاهمات الروسية الإسرائيلية والموقف الأميركي الضاغط من أجل «تعديل السلوك الإيراني» وفق آخر الاجتهادات الصادرة عن إدارة ترامب.
حتى الآن الاستجابة الإيرانية للطلب الروسي الإسرائيلي تحققت ابتعاداً لمسافة 85 كيلومتراً عن حدود الجولان. كان الحديث يدور على مئة كيلومتر، إلا أن المبعوث الروسي لافرينتيف تحدث عن مسافة 85 كلم، ولم يفصح عن تفاصيل أخرى تتضمنها التفاهمات التي بدأت في هلسنكي ونشطت بين موسكو وتل أبيب، وإن كان بعضها خرج إلى العلن عبر تصريحات وتحليلات روسية وإسرائيلية، وفيها أن القوات الإيرانية أُبعدت عن المطارات ومقرات القيادة التابعة للجيش السوري، وأن إسرائيل متمسكة بـ «حقها» بقصف المواقع الإيرانية الخاصة بالصواريخ، تصنيعاً وتحريكاً، في الوقت الذي ترتئيه.
في المقابل تبدو الدولة الصهيونية، التي سيتم القضاء عليها قريباً بمقتضى الخطاب الإيراني، شديدة الارتياح لما تم إنجازه. فوزير دفاعها أفيغدور ليبرمان يتوقع أن تصبح حدود الجولان أهدأ مع عودة «الحكم المركزي للرئيس بشار الأسد»، ويشرح: «من منظورنا فإن الوضع يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب الأهلية، مما يعني أن هناك جهة يمكن مخاطبتها وشخصاً مسؤولاً وحكماً مركزياً».
ينكأ كلام ليبرمان جراحاً لبنانية خصوصاً، وعربية عموماً، عندما يعيد التذكير بحفظ نظام الأسد الأب والابن لأمن إسرائيل منذ 1974، فيما كان يشرّع أرض لبنان أمام الفوضى والعدوان الإسرائيلي ويجلب إليها شتى أنواع الميليشيات من الحرس الإيراني إلى الجيش الأحمر الياباني مروراً ببادر ماينهوف وعبدالله أوجلان... ويبتزّ العرب من المحيط إلى الخليج بذريعة أنهم لا يساهمون في المعركة القومية ضد العدو الغاصب.
عادت الأمور إلى طبيعتها في الجولان، النظام الذي جاءت إيران لحمايته يتعهد الحفاظ على أمن إسرائيل مقابل استمراره بشخص الأسد «المسؤول الذي يمكن مخاطبته»، بعدها يمكن إيران أن تعلن انتصارها في حماية رمز المقاومة وسينضم إليها الأتباع في موجات تحليلية متتالية: كان الهدف إسقاط محور الممانعة فمنعناهم ... في تكرار للمعزوفة «الوطنية» التي سادت بعد هزيمة حرب 1967، التي بررت الفجيعة بالقول إن الهدف كان إسقاط» الأنظمة التقدمية» في سورية ومصر وتم منع ذلك.
قد لا تكون حاجة بعد الآن لضرب إيران في سورية، فهي منتصرة ببقاء الأسد، وإسرائيل كذلك. وإذا عدّلت سلوكها، كما يقول الأميركيون، وهي تعدّله في واقع الأمر، فلا حاجة لخروجها من هذا البلد. عندها يفترض أن يبحث قادة طهران الجدوى ... بين البقاء أو استبداله بالأنبوب الروسي.
لا يغيّر قادة إيران من أسلوبهم أبداً. يتماهون بشيءٍ من خطابٍ بعثيّ قاعدته صورتان: قمْع داخلي على كل المستويات وإن تَفاوتتْ أقنعة التجميل والتبرير، واستدرارُ شرعيةٍ خارجيةٍ لهذا القمع عبر تَوَسُّل علاقاتٍ تطيل العُمر.
كل شيءٍ يتمحور حول تركيبِ مشروعٍ في المبدأ والمسار والمصير، وحول اعتمادِ السياسات المؤهّلة لهذا المشروع "اسفنجةَ امتصاص". إذا تَعَرْقل فبالتمنّي وانتظار تطوراتٍ ونتائج، ثم باللسان للحشد وتوجيه رسائل، ثم باليد إذا ما عاد للرسائل حيلة. وإذا انفرجتْ، تعود اليدُ الغليظة إلى الداخل واللسان الظريف إلى الخارج ... المهمّ بقاء النظام أولاً ولو اقتضى الأمرُ إبادةَ "العملاء" والانحناء في الوقت نفسه للمستعمرين والمستكبرين.
قال ترامب إنه مستعدّ للقاء القادة الإيرانيين. يعرفون أنه يريد نتائج شبيهة بنتائج لقائه الرئيس الكوري الشمالي. يدركون تماماً أن جميع الوسطاء وَضَعوهم أمام خلاصتيْن: إجراءاتٌ عملية للتخلي التام عن إنتاج السلاح النووي، وتَعَهُّدٌ "عملي" بوقف التدخل في شؤون الدول الأخرى. هنا النتائج تلغي المشروع في المبدأ والمسار والمصير، ولا تنفع السياساتُ السابقة للالتفاف عليها. ومع ذلك سارَعَ الرئيس روحاني ووزير الخارجية ظريف إلى فتْح كوةٍ في الجدار الإعلامي عبر نصْف ترحيبٍ ونصْف ملاقاةٍ ونصْف تَعَهُّدٍ بعدم التعرّض للمعابر المائية الدولية، وسارَعَ الحرسُ الثوري، في إطار تَبادُل الأدوار، إلى القول بلسان الجعفري إن أمنيات ترامب باللقاء سيأخذها معه إلى قبره. أما نائب رئيس البرلمان علي مطهري فاعتبر التفاوضَ مع الأميركيين الآن... إذلالا.
إذلالٌ؟ غريبة. أين الكرامة في إيقاف المواطن الإيراني ساعات أمام محطات الوقود لملء خزان سيارته بينما "جمهوريته الإسلامية" دولة نفطية؟
أين الكرامة في قمْع متظاهرين بأقدامٍ تخْبط هدّارة على الأجساد ورصاصٍ حيٍّ خارقٍ، حارقٍ للحاضر والمستقبل؟
أين الكرامة في حرمان الإيراني من ثروات بلاده وتوزيعها على ثلاث ميليشيات في أفغانستان وبعض المجاميع القبلية في باكستان و10 ميليشيات في العراق، ومثلها في سورية، و"حزب الله" والدكاكين التابعة له في لبنان، وحماس والجهاد والحوثيين؟
وأين الكرامة في رهْن كل إمكانات الدولة لخدمة النظام فقط وأهدافه وتَمَدُّده وتصديره لتجربته؟ الإيراني يريد قبل المفاعل النووي استقرارَ عملته والحفاظ على قوّتها الشرائية ونموّ اقتصاده وتنمية المدن والأرياف. الإيراني لن يأكل خبزاً من شتيمة "الاستكبار" ولن يشرب ماء نظيفاً من مهادَنته. الإيراني يتطلّع إلى حقه في المشاركة بانتخاباتٍ لا يحدّد خبراء ولا مجالس ولا هيئات مواصفاتِ مَن يشترك فيها ... والإيراني يريد استعادة بعضاً من إنسانيته التي خَطَفَتْها سياسات الحروب الإقليمية وعمليات الإرهاب الخارجية وتَورّط فيها نظامُه في بلاد ما بين القطبين طولاً وخطوط العرض من أستراليا إلى البرازيل.
ومِن داخِل إلى خارِج، أين الكرامة في مساعدة نظام بشار الأسد في قتْل مليون سوري وجرْح وتهجير الملايين؟ في تمزيق العراق وافتتاح ميليشيا في كل شارع؟ في ضرْب الوحدة الفلسطينية ومنْع التلاقي بين السلطة وجماعات إيران في الأرض المحتلة؟ في تعطيل بلدٍ اسمه لبنان ورهْن قراره ومصيره وعلاقاته لسلاح حزب الله؟ في الجُرح اليمني المفتوح ضرباً لاستقرار الخليج؟ في محاولاتِ تخريب البحرين؟ في مَخازن السلاح التي تُكْتَشَف في هذا البلد أو ذاك؟ بل وأين الكرامة في استغلال التطرف وإنتاج التطرف ... فقط لابتزاز العالم واستدراج التعاون بشروط النظام.
التفاوض مع الولايات المتحدة "إذلالٌ"، وضرْب إسرائيل اليومي للقوات الإيرانية في مختلف مناطق سورية عزةٌ. الكلامُ مع الأميركي إهانة، لكن توسيط الروسي مع إسرائيل وتوظيفه مهنْدس مساحةٍ يقيس بالكيلومترات حدودَ بقاءِ القوات الإيرانية بعيدة عن الجولان إِبَاءٌ. الكلامُ مع الأميركي إساءةٌ، وهتافات أهل الجنوب العراقي لخروج إيران من بلادهم إجلالٌ. الكلامُ مع الأميركي تحقيرٌ، لكن التهجير الديموغرافي المُمَنْهَج في سورية والإبادة المعلنة تَعْظيمٌ. الكلامُ مع الأميركي شتيمةٌ، لكن انهزام مشروع التمدُّد في الخليج ميليشياوياً وصاروخياً إكبار.
والأهمّ من ذلك كلّه، إذا تطورتْ الاحتجاجاتُ ضد الانهيار الاقتصادي والفساد والسرقات واحتكار السلطة والثروة، فسيَعتبر النظام الإيراني "إذلالَ" شعبِه ... كرامة.
يبدو أن روسيا عاقدة العزم على الانتقال من مرحلة الحرب إلى مرحلة السلام في سورية، فبأي فهمٍ قد تنجز ذلك؟ هل ستنجزه بسياسة "عفو يصدره بشار عن الشعب يعيده إلى ما كان فيه من سعادة قبل ثورته "الإرهابية"؟ أم ستذكّرهم بما يمكن أن يحل بهم من بلايا في حال رفضوا يد الصفح الأسدية الممدوة لهم؟ أم ستنجزه باعتبارها قوةً تمسك بمفاتيح الواقع السوري، أنقذت الأسد بذريعة صعوبة إيجاد بديل له بسبب الحرب، وبما أنها ستنتهي قريبا، فإنه سيكون لدى موسكو ما يكفي من وقتٍ للبحث عن بديلٍ للأسد، وربما لنظامه الذي أتعب الاتحاد السوفييتي، بهزائمه المتتالية الباهظة الكلفة، وبسياساته العربية التي لعبت دورا خطيرا في إسقاط مصر الناصرية، وتخريب العالم العربي، وأخيرا بمواقفه الدولية التي تأرجحت بانتهازيةٍ بين الدولتين العظميين، وتحدثت لغةً معاديةً لأميركا وإسرائيل، من دون أن تتوقف يوما عن تقديم الخدمات لهما، وستتعب روسيا أيضا، ليس فقط بتأرجحه بينها وبين بديلها الإيراني، وإنما أيضا لأنه سيكون على موسكو أن تختار بينه وبين الشعب السوري الذي خسرته، وحان الوقت لاستعادة شيء من ثقته بها، فإن راهنت على ردّ بشار الجميل لها، تكون دولةً مارقة، يؤكد رهانها عليه أنها لا تعرف من الذي أنقذته، ونسيت سيرة أبيه في الغدر برفاقه وبالسوريين شعبا، والبطش بهم، وبالفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين، وتكون كمن يجعل من نفسه دريئةً تتلقى ضرباتٍ لن تنتهي بنهاية الفصائل الملغومة، وستستمر بآلاف الصيغ، بعد أن يتكشف حجم الجرائم التي ارتكبتها الأسدية ضد العزل والآمنين من أبناء سورية إناثا وذكورا، ممن تعرّضوا للتصفية بعشرات الآلاف في سجونها ومعتقلاتها، وبدأت ترسل سجلات وقوائم بأسمائهم إلى دوائر الأحوال المدنية، لتضاف مأساتهم، وهم سوريون عزّل يحميهم القانون ويبت القضاء في أمرهم، إلى مأساة ملايين السوريين في كل مكان من قراهم ومدنهم، وكانت الصواريخ والقنابل تنهال عليهم من طائراتٍ روسية تقتلهم بصورة جماعية، وهم نيام في أحيان كثيرة، أو تحت رحمة من لا رحمة لديهم من طيّاري جيش الأسدية الذي ليس جيشا، وليس عربيا، وليس سوريا.
ماذا ستختار روسيا عندما سيأتي السلام الموعود، بعد أن اختارت في الماضي الأسدية، شخوصا ونظاما، لرفضها التغيير بواسطة الثورات، وقبوله كإصلاح تقوم به الحكومات بالطرق القانونية والشرعية؟ هل ستتذكّر موسكو أن الحرب انتهت، وحان زمن التغيير بالقانون، وهل ستعمل للخروج من واقع سجنت نفسها فيه، قاتلت خلاله شعبا ليس معاديا لها، وقتلت وجرحت مئات الآلاف منه، دفاعا عن نظام تعلم أن مطالبة شعبه بالحرية كانت محقة، وأن جيشها أسهم في إخماد أنفاسه بقوة السلاح، لإرغامه على الرضوخ لظلم أشد من الظلم الذي كان فيه قبل ثورته.
إذا كانت روسيا صادقةً في ما تدّعيه حول شن الحرب على سورية، لأنها ترفض التغيير بالثورات وتربطه بالحكومات، ألا يجب عليها طرد الأسد من السلطة، لأنه فقد شرعيته، ولن يكون شرعيا لأنه غمس يديه حتى الإبط بدماء شعبه، ولأن احترام الشرعية يُلزمها بإخراجه من سورية، لتسترد حياتها مسارها الطبيعي، وشرعية حكامها هويتها الأصلية التي لا تعني شيئا غير قبول الشعب الطوعي بحكامه؟!
تقف روسيا أمام اختبار سوري لن تستطيع اجتيازه، إن هي تماهت مع النظام الأسدي، لأنها ستكون عندئذ من جنسه: دولة قتلة قوّضوا حرية شعب سورية بالقوة الغاشمة، بعد أن قوّضوا باستبدادهم ومروقهم القدر القليل من الحرية، الذي ناله شعب روسيا بثورته التي أجهضوها.
تتالت خلال السنوات الاخيرة تصريحات اسرائيلية تحيل بشكل موجه الى ان تل أبيب لا ترى مشكلا في توغل الوجود الروسي في سوريا بل تعتبره امرا محمودا.
هذا يعني بطبيعة الحال مباركة اسرائيلية لاستمرار نظام بشار الاسد تحت مظلة روسية. ويعني ايضا ان الاسرائيلي لا يرى تعارضا بين المصلحة الاسرائيلية وتزايد النفوذ الروسي، ومن ثمة لا يربط المصلحة الاسرائيلية حصرا بنفوذ واشنطن. لكن تغير الولاءات الاسرائيلية للطرف الاقوى ليس قصة جديدة.
اذ نقلت وكالة رويترز الخميس 2 أوت توقع وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، أن تصبح حدود هضبة الجولان أهدأ مع عودة الحكم المركزي للرئيس السوري بشار الأسد.
ووصف وزير الجيش الإسرائيلي عودة سوريا إلى وضع ما قبل الحرب بأنها أمر في حكم المؤكد.
وقال ليبرمان للصحفيين "من منظورنا فإن الوضع يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب الأهلية، مما يعني أن هناك جهة يمكن مخاطبتها وشخصا مسؤولا وحكما مركزيا".
وعندما سئل إن كان قلق الإسرائيليين سيخف بشأن احتمال تصاعد الوضع في الجولان أجاب "أعتقد ذلك".
ليس هذا الموقف جديدا الحقيقة. فعندما تزايد الدعم الروسي مع استعادة نظام بشار على مساحات جديدة من الاراضي السورية في اكتوبر 2015 وايضا مناورات جوية بين الطرفين ليست بعيدة عن الحدود الروسية فإن الطرف الاسرائيلي لم يكن بالضرورة مستاء انذاك.
فقد قال وزير الجيش الاسرائيلي حينها موشيه يعالون في مقابلة إذاعية: "نحن لا نتدخل فيهم وهم لا يتدخلون فينا."
وقد نقل تقرير لرويترز انذاك ان المحور الواقعي بين موسكو وأعداء إسرائيل الإقليميين الأقوياء يبدو سيناريو مقلقًا لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ولكن قد يُنظر إليه أيضًا على أنه يمثل تأثيرًا معتدلًا.
وقال أحد المقربين من نتنياهو لرويترز مشترطا عدم الكشف عن هويته "النظام الجديد في الشرق الاوسط هو ائتلافات فضفاضة لاغراض محددة لذلك فان الشراكة الروسية مع ايران وحزب الله لانقاذ الاسد ليست بالضرورة سيئة لنا."
وواصل قائلا إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "لا يتطلع إلى الفوضى مع إسرائيل، ومن غير المرجح أن ينظر بعين الرضا إلى إيران أو حزب الله الذي حاول العبث بامن إسرائيل الآن".
ونقل نفس التقرير انذاك عن وقال السندر شين السفير الروسي في اسرائيل انذاك إن روسيا على دراية بالمنطق وراء الغارات الجوية الإسرائيلية في سوريا، بما في ذلك ضد عمليات نقل الأسلحة المزعومة من قبل إيران أو جيش الأسد إلى حزب الله ، و "تدرك بشكل كامل أهمية إسرائيل الإستراتيجية في الشرق الأوسط".
لكنه قال إن جيران سوريا والاستقرار الإقليمي العام مهددون من جراء الصراع ، مشيرين إلى أن الأمن الإسرائيلي يمكن أن يخدمه على أفضل وجه انتصار الأسد.
للتذكير فقد دعت إسرائيل إلى الإطاحة بالأسد بعد اندلاع الحرب الأهلية ، لكن حكومة نتنياهو قد فضلت حديثًا الكلام المحايد على الرغم من أن القوى الغربية تواصل المطالبة بتغيير القيادة في سوريا في نهاية المطاف.
هذه العلاقة الاستراتيجية بين تل ابيب وموسكو تم اختبارها في محطات حساسة. وحينها اختارت تل ابيب روسيا على حساب حلفائها الغربيين التقليديين.
من ذلك مثلا ازمة مارس الماضي بين لندن وروسيا طرد 23 دولة غربية أكثر من 120 دبلوماسيًا روسيًا يشتبه في أنهم جواسيس، رداً على ضلوع موسكو المزعوم في هجوم بغاز الأعصاب في ساليسبري، بإنجلترا. لم تطرد اسرائيل حينها اي ديبلوماسي روسي.
وعلق محللون اسرائيليون حينها بأن رغبة اسرائيل في البقاء في علاقة جيدة مع موسكو "أمر مفهوم". اذ يمتلك العديد من المواطنين الإسرائيليين جذوراً عميقة في روسيا.
والأهم من ذلك أن حكومة فلاديمير بوتين أصبحت لاعباً رئيسياً في الشؤون الإقليمية ، ولديها أحذية على الأرض - وطائرات في الهواء - على بعد أميال قليلة من حدود إسرائيل في سوريا.
وقالت الحكومة البريطانية عبر وزير خارجيتها حينها إنها تتوقع أن تتخذ تل ابيب موقفاً واضحاً، ولكن بقاء اسرائيل صامتة حينها كان يعول على الارجح على صمت امريكي تجاهها، نوع من الاستثناء او الضوء الاخضر ان تتصرف تل ابيب بشكل مختلف.
وقد علقت الجيروزاليم بوست في صيف 2017 ان المسالة السورية لا تمنع من تواصل دفء العلاقات بين نتنياهو وبوتين.
ففي 7 جوان 2017 استضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مسرح بولشوي الشهير في موسكو.
وقال بوتين في كلمة أمام الباليه "يمكن لروسيا وإسرائيل أن تفخران بمستوى عال من الشراكة والتعاون المثمر والاتصالات التجارية بعيدة المدى."
حسبما قال أليكسي دروبينين، نائب رئيس البعثة في السفارة الروسية في تل أبيب، كما نقلت عنه البوست فقد شهدت سنة 2016 الحوار السياسي الأكثر كثافة في التاريخ بين تل ابيب وموسكو سافرت الوفود رفيعة المستوى ذهابًا وإيابًا في عام 2016 بما في ذلك زيارتان لنتنياهو وزيارة إلى إسرائيل من قبل رئيس مجلس الاتحاد فالنتينا ماتفيينكو.
وقد صرح السفير الروسي للصحيفة الاسرائيلية حينها: "بالنسبة لنا ، إسرائيل شريك مهم في الشرق الأوسط. لماذا؟ لأننا نعتقد أن إسرائيل اقتصاد نابض بالحياة، دولة قوية، خاصة إذا قارناه ببعض الدول الأخرى في هذه المنطقة التي ضعفت خلال السنوات الماضية.
نعتقد أن لدينا الكثير من الإمكانيات للاستفادة منها في السنوات القادمة مع إسرائيل في المجالات السياسية والتقنية والاقتصادية، والحركة في كلا الاتجاهين. روسيا لديها الكثير من الأشياء لتقدمها، وإسرائيل لديها الكثير لتقدمه".
ليس ذلك مجرد مجاملة ديبلوماسية. يجب ان لا ننسى البتة ان اول دولة اعترفت باسرائيل سنة 1947 لم تكن الولايات المتحدة بل الاتحاد السوفياتي.
رحب وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أمس الخميس بسيطرة قوات الرئيس السوري بشار الأسد على الحدود مع الدولة العبرية، قائلاً بصريح العبارة إن «الوضع سيعود إلى ما كان عليه قبل الحرب الأهلية، وإن من مصلحة الأسد، ومن مصلحتنا، أن يكون الوضع مثل سابق عهده»، وربّما كان قتل القوات الإسرائيلية من سمتهم بـ«مسلحين»، في اليوم نفسه، هو نوع من التوقيع الدمويّ على عودة سياسة تبادل المصالح بين كيان الاحتلال الإسرائيلي والنظام السوري.
والحقيقة أن هذا التصريح ليس إلا واحداً من العلامات الكثيرة على الصفقة التي قام على إنجازها الإسرائيليون بالشراكة مع الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في اجتماع القمة الأخيرة بينهما في فنلندا.
في تحليل لمجلة «سبيكتاتور» البريطانية لهذه الصفقة، تحت عنوان «إعادة تأهيل الأسد»، قالت إن قمة هلسنكي وافقت على الحاجة إلى وقف إطلاق نار دائم بين إسرائيل وسوريا يضمنه النظام السوري. قالت المجلة إن الصفقة أنجزت بدعم المملكة العربية السعودية والإمارات للموقف الإسرائيلي، وبالتالي فإن بقاء الأسد صار أمرا مفروغا منه، وأن على الغرب أن يبدأ تقبل هذه الأوضاع الجديدة.
تفسّر هذه الصفقة طبعا وقف الولايات المتحدة الأمريكية الدعم عن قوات المعارضة السورية في الجنوب وهو ما أدى إلى تدهورها العسكري السريع، كما تفسّر التصريحات التي أعلنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أن لا مشكلة لديه في بقاء الأسد، كما تفسّر التصريحات الروسية المتكررة عن ابتعاد (أو إبعاد) القوات الإيرانية عن الحدود السورية مع إسرائيل. باختصار، فكل الأطراف التي لديها تداخلات في سوريا تبدو موافقة، بما في ذلك إيران نفسها التي تبدو ملتزمة بالقيود الجديدة التي وضعت لها(؟).
ولكن ماذا عن موقف ترامب الذي وصف الأسد، في نيسان الماضي، بـ«الوحش»، وكيف يفسّر تغيّر موقف إدارته التي كانت على وشك شن هجوم على النظام السوري إلى البدء بترتيبات إعادة تأهيله؟ وكيف يتسق هذا مع سياق ست سنوات كانت فيها أغلب بلدان العالم، والدول الغربية خصوصا، تتداول قضية إسقاطه عسكريا؟ وكيف سيلتف العالم، والأمم المتحدة، على سياق كامل من القرارات والوقائع التي اعتبرت جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وعلى استخدام الأسد الأسلحة الكيميائية، وتدمير مستقبل البلاد وبناها التحتية وتهجير قرابة نصف عدد سكانها؟
الأسئلة الإنسانية تخفي وراءها أسئلة سياسية أيضا، فالأسد بدأ مواجهته لشعبه قبل سنوات مستعينا بالتدخّل الخارجي الإيراني ثم الروسي، وهو الآن يختتم هذه المواجهة بموافقة الأمريكيين والإسرائيليين، وهذه الحكاية «المستحيلة» لاتفاق الأطراف المتنازعة كلّها على إعادة «ترئيس» الأسد وحذف الشعب السوري بأكمله تلخّص، عمليّا، المآل الكارثي الذي يتجه إليه العالم.
وراء بقاء الأسد في السلطة رغم تجاوز الجرائم التي ارتكبها (وسوف يرتكبها) نظامه حدود العقل، وصولاً إلى هذا الاتفاق ترامب ـ بوتين، والدعم الذي يلقاه من دول عربية نافذة، هو كلمة سرّ واضحة: إسرائيل.
امتلأت وسائل التواصل على مدار أسبوع بمئات الصور لسوريين من مختلف الأعمار، ماتوا تحت التعذيب في سجون النظام. الغالبية العظمى، من سبعة آلاف شخص ضمّتهم القوائم التي جرى تسليمها إلى سجلات النفوس، هم ممن تمّ اعتقالهم في الأعوام الثلاثة الأولى للثورة، وبقي مصيرهم مجهولا، على الرغم من تسرب أنباء عن تصفياتٍ كبيرة، أهمها التي ضمها ملف قيصر الذي سرّب 55 ألف صورة لضحايا التعذيب.
القاسم المشترك بين الذين تم الكشف عنهم أنهم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين عشرين وثلاثين سنة، وهم من بين شباب التنسيقيات الذين نزلوا إلى الشوارع في بداية الثورة، وهم يهتفون للسلمية، ورفضوا الدخول في مواجهاتٍ مع الأمن والجيش، وشاعت عنهم صور توزيع الماء والورد على الجيش.
لم يعترف النظام بأنه صفّى كل هذا العدد جسديا، وورد في البيانات الرسمية وفيات طبيعية بالسكتة القلبية، لكن إبقاء أمر الوفاة سرّيا عدة سنوات، وعدم وجود جثامين لهذا العدد الكبير يكذّب رواية النظام، فلو كانت الوفاة طبيعية لما انتظر النظام عدة سنوات لكي يبلغ أهالي المعتقلين، وكان في صالحه أن يكشف عن ذلك، ويخلي مسؤوليته، لكنه أبقى الغموض ورقة مساومة، وكان يتحيّن الفرصة المناسبة، وقد جاءت الآن في وقتٍ يبدو أنه سوف يفلت من العقاب.
يؤكد عدم وجود جثامين أو قبور لكل هذا العدد وجود محرقة للجثث، أقامها النظام في سجن صيدنايا. وفي مايو/ أيار من العام الماضي، كشف مساعد وزير الخارجية الأميركي، ستيوارت جونز، أن لدى الولايات المتحدة أدلة على أن نظام بشار الأسد أقام محرقة للجثث قرب سجن صيدنايا. وعرض على الصحافيين صورا التقطت عبر الأقمار الصناعية، تظهر ما بدا وكأنه ثلوج تذوب على سطح المنشأة، وهو ما قد يشير إلى الحرارة المنبعثة من داخلها. وأضاف أنه "منذ عام 2013، عدّل النظام السوري أحد أبنية مجمع صيدنايا، ليصبح قادرا على احتواء ما نعتقد أنها محرقة". وأوضح أنه "على الرغم من أن أعمال النظام الوحشية الكثيرة موثقة بشكل جيد، نعتقد أن بناء محرقة هو محاولة للتغطية على حجم عمليات القتل الجماعي التي تجري في صيدنايا".
وقال جونز إن واشنطن حصلت على معلوماتها من وكالاتٍ إنسانية ذات مصداقية، ومن "المجتمع الاستخباراتي" في الولايات المتحدة، مشيرا إلى أنه يعتقد أنه تم إعدام حوالي 50 شخصا كل يوم في صيدنايا.
وفي فبراير/ شباط الماضي، قدمت منظمة العفو الدولية تقريراً عن عمليات إعدام ممنهج في سجن صيدنايا، جاء فيه أن النظام السوري قتل بين خمسة آلاف وثلاثة عشر ألف معتقل بين عامي 2011 و2015 في السجن المذكور. وأضاف التقرير أن هذه الجرائم "ترقى إلى مصاف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بتفويض من الحكومة السورية على أعلى المستويات"، مطالبة بفتح أبواب السجون أمام المراقبين الدوليين.
وليس هؤلاء كل المعتقلين، بل هناك عشرات الآلاف مجهولو المصير. ومن هنا دعا محامون سوريون أخيرا إلى التحرّك الفوري، من أجل حملة دولية للضغط على النظام للإفراج عن المعتقلين.
وليس توقيت إعلان لوائح المتوفين تحت التعذيب من فراغ، وله صلة، أولا، بحالة الاطمئنان التي يعيشها النظام بأنه بات خارج المساءلة، بفضل التغطية الروسية والصمت الغربي. والأمر الثاني هو بمثابة رسالة من النظام إلى السوريين بأنه عائد بقوة، وسيحاسب كل من وقف في طريقه، ومن لم يمت بالمحارق سيرفعه النظام على المشانق، عملا بنصيحة رفعت الأسد لبيار الجميل، حسب رواية السياسي اللبناني جوزيف أبي خليل "لا نهاية لأي حرب أهلية بلا تعليق مشانق"، وهكذا تتحقق فلسفة بشار الأسد في التجانس.
ما خرج السوريون من أجل حريتهم، ليعودوا إلى العبودية ثانية. تحار بعض الألباب في إطلاق تسميةٍ على ما حدث ويحدث في سورية، وقد يكون من غير المجدي إعمال معايير وقياسات فلسفية وفكرية مشبعة بالدقة العلمية على ما حدث ويحدث؛ فالواقع أقوى وأعمق بكثير من كل فلسفة وعلم قياس أو معايير.
كان الهاجس الأساس لسلطة سورية، ومن يدعمها، نزع صفة "الثورة" عن ذلك. وهي تاريخياً أغرقت السوري ظاهرياً بالقضايا الكبيرة، وحظرت محاكمته المنطقية لهذه القضايا عبر اغتيال الحياة السياسية في سورية، ليتحول السوري، إثر ذلك، إلى حالة انفصام تهتم، كما يريد النظام، بتحرير فلسطين وتقلق على مياه النيل والتضامن العربي، وتخرس تجاه سرقة نفط البلد وهيمنة حيتان العائلة على الاقتصاد، وتنسى الحرية الشخصية والرقابة والمحاسبة. لقد جعل النظام الإنسان السوري يركض والرغيف يركض، من ناحية معدته؛ وفلسطين تركض وهو يركض وراءها من جهة دماغه.
لقد طوّعته سلطة الاحتلال المحلي، وحولته إلى مخلوق يزهق ماء وجهه يومياً، للحصول على حقه الطبيعي، ويعتبر خمسة دولارات زيادةً على مرتبه مكرمة من "القيادة الحكيمة" التي "يفديها بدمه وروحه"، وإلى كائنٍ يكاد يستخدم "وساطة" كي يحصل على حقه، أو حتى لكي ينام في فراشه.
أقنعته قيادته الحكيمة بأن هناك أولويات في "سياسة الدولة"، ففلسطين هي القضية المركزية، وها هو يكتشف حديثاً أن من يحتل فلسطين هو الأكثر حرصاً على بقاء جلاّده؛ ها هو يكتشف أن تلك المليارات التي أنفقتها قيادته الحكيمة في "شراء سلاح يدافع عن شرف الأمة"، وهو، في الوقت نفسه، يعجز عن شراء اللوازم المدرسة لأطفاله. أما الأسلحة فقد تم تبديدها على قتل هذا المواطن السوري، ومن ثم تنازل "قيادته الحكيمة" عن ذلك الاستراتيجي منها، لصالح محتل الأرض. يكتشف هذا السوري الذي وعى وعاش على كره أميركا أن من برمجه على ذلك يقيم علاقة حميمة معها، وأن المساهمة الأميركية في استمرار منظومة الاستبداد أكبر مما تصوّر. يكتشف هذا الذي فتح قلبه، قبل بيته، "لسيد المقاومة" أن استمرار عذابه وقتله ليس إلا على يد ضيوفه. ها هو السوري يكتشف فجأة أنه طائفي وإرهابي وخائن وقاعدي وهابي، لمجرّد أنه طلب قليلاً من الحرية والكرامة.
من هذه الخلفية التاريخية ومجرياتها، وإذا ما انتقلنا إلى اللحظة، التسمية الوحيدة لما حدث ويحدث في سورية، على الرغم من كل التشويهات والتشوّهات لا يمكن أن يكون إلا ثورة.. فريدة من نوعها، فعلى الرغم من التناقض الصارخ الحاصل بين طيف واسع غير منسجم من قوى الثورة، مدنية كانت أم عسكرية، إلا أن حالة الضياع والإحباط والإرباك والتناقض بين هذه القوى ليس إلا أمراً عابراً، وربما طبيعياً، لأن لا عهد لتلك القوى بالفعل الثوري الحقيقي المبرمج والممنهج؛ وهي ثورةٌ بلا فلسفة، وكل من اشترك فيها كان مكتوماً على نفسه من السلطة، ومن قوى قرّرت أن تستثمر بدهاء وتتاجر بفجور بالدم السوري.
مجموع تلك القوى الثائرة وما تحمله من أمراض لا حصر لها حالة زائدة؛ فجهد من انبرى بنيّة طيبةٍ وصدق فعلٍ كي يأخذ بيدها غير متكافئ مع دهاء النظام وقوته المتراكمة عقودا من حنكة سياسية مجرّبة، وأسلحة فتاكة، رُصدت للحظات كهذه. تدخلات قاتلة من الحريصين على بقاء النظام خلخلت الموازين، وسحبت القوى الثورية المقاومة في أحايين كثيرة إلى ساحة النظام والانجرار وراء خطابه، والتماثل مع تصرفاته. مرة أخرى، ذلك "الاستنقاع" في حالة الثورة ليس إلا مسألة عابرة، لا تشبه الثورة، وما هي من خواصها، ولا بد أنها حالة طارئة تزول بزوال المخطط المرسوم لسحبها إلى هذه الحالات الإحباطية المظلمة. ولا يغرنّ النظام سيطرته على الجغرافيا بفعل الاحتلالات؛ فالقضية السورية ما كانت أصلاً عسكرية؛ وما اختار بعض السوريين حمل السلاح إلا مرغمين أو واهمين. والنظام لا يسيطر على منطقةٍ إلا بعد أن يحولها له الروس إلى ركام، بفعل إنزال ما يساوي حجم مبانيها من الصواريخ والقذائف؛ وفي الوقت نفسه، يعيش فقط سريرياً بفعل عصابات قتلةٍ استجلبها من أصقاع الأرض.
شكل آخر لتجلي تصوير الثورة كتفصيل في الخارطة العالمية متضاربة الأنواء، أو زائدة دودية ملتهبة في الصراع الدولي، البارد حيناً والساخن أحياناً (قمة هلسنكي)، ليس إلا اعتداء على جوهر ثورة أهل سورية وروحها؛ فما هي عراكٌ عبثي بين مكونات الفسيفساء السوري، ولا هي حارة تتقاتل مع حارة أخرى، ولا مجموعة إثنية مع مجموعة آخرى، ولا معتقد ديني أو سياسي مع معتقد آخر. والأهم من ذلك، ليست ثورة سورية ثورة جياع؛ فالسوريون أحرار بجيناتهم؛ "وتجوع الحرة، ولا تأكل بثدييها". مئات بل آلاف السنين مرّت، وما شهد السوريون أو غيرهم ما يحدث في سورية. هناك بشرٌ بمشاعر وأحاسيس ورؤى وطموح وغضب وكرامة وقهر ودوافع وإحباطات وطغيان وإذلال وفساد وابتزاز وتهميش وضياع وانسداد أفق، فمن حالة السكون والهدوء والاستكانة، وجد أهل سورية أنفسهم منتقلين إلى حالة تاريخية ثائرة فاعلة وفعالة، تنظر بمصيرها ومستقبلها وتحرّرها... لا من أجل كمشة طحين، بل من أجل كمشة كرامة. سورية حُوِّلت، وعن عمد، إلى جسد منهك، سعى الجميع، وفي مقدمتهم، النظام، إلى سحق مناعته، وتحويله إلى ساحة صراعاتٍ، أبطالها دمى، شكلها ديني وسياسي، ثورة أهل سورية براء منه.
ومن هنا أقتبس أقوالاً لناشط ثوري سوري يطلقها بشكل سليقي ودون فلسفة موجِهاً كلامه لهؤلاء الذين يقولون إن الثورة قد سقطت: "الثورة السورية لم تسقط. وها هي تنطلق من جديد؛ فسقوط الأقنعة والفصائل والمكاتب الأمنية والامتيازات والرواتب لآلاف الأسماء الوهمية ليس سقوطاً للثورة. توقفُ الاقتتال بين بعض الفصائل المرتبط باختلاف الداعم ليس سقوطاً للثورة؛ وتوقف الاغتيالات ضد شرفاء الثورة وقادتها الحقيقيين ليس سقوطاً للثورة؛ وسقوط المتورّطين بالخطف والفدية، وتوقف نشاطاتهم ليس سقوطاً للثورة؛ وسقوط تجار الدين وشعاراتهم وإماراتهم ليس سقوطاً للثورة؛ وسقوط أبو قتادة وأبو القعقاع وأبو تالا ولالا؛ واكتشاف جحافل من الضفادع والمخبرين علانيةً ليس سقوطاً للثورة. كل ذلك كان مكابح وألغاماً زرعتها وولّدتها ظروف مريضة، ونظام متمرس بسحق كل من يقف في وجهه بطرقٍ لا يعرفها العالم. سقط الساقط فقط، سقط مَن لم يؤمن بثورة أهل سورية، ومَن لم يكن من أهلها يوماً؛ سقط، وبقيت الثورة بعناوينها النقية الصافية وبمداد وتضحيات مليون شهيد ومليوني معاق وجريح وآلاف المعتقلين.. سقط كل ذل، لكن ثورة الشهداء والمستضعفين هي فكرة وحق؛ والحق لا يسقط، والفكرة قيمة، والقيمة باقية لأنها حقيقة. من قال سقطت الثورة فهو من بين الساقطين مع من سبق لأنه لم يدرك معناها يوماً..".
من هنا أيضاَ، ما نشهد من محاولاتٍ لإعادة تأهيل نظامٍ لم يشهد التاريخ له مثيلا؛ ومن هنا كل تلك التصريحات الإسرائيلية والأميركية والروسية التيئيسية لأهل ثورة سورية بأن النظام هو الخيار الوحيد للإبقاء على سورية. أهل سورية مقتنعون أن من لم يكن مؤتمناً على حياتهم لن يكون مؤتمناً على سورية؛ إنه حريصٌ على مسألة واحدة، وهي بقاؤه حتى لو استلزم ذلك حرق سورية بأهلها؛ وهذا تثبته الممارسات التي يشهدها العالم، ويدعم تلك الممارسات لغاياته المريضة. من هنا، ما خرج أهل سورية من أجل حريتهم وكرامتهم، وضحّوا كل تلك التضحيات؛ ليعودوا إلى نير العبودية.