بعد خمسة أعوام من القتال الذي دمر سوريا، تبدو الشرعية الدولية أشبه بحطام في مدينة حلب، فكما تتساقط الآن الأحياء الشرقية من تلك المدينة المنكوبة، تساقط مبعوثو الأمم المتحدة إلى سوريا تباعًا؛ كوفي أنان، والأخضر الإبراهيمي، وستيفان دي ميستورا الذي وضع استقالته بتصرف بان كي مون قبل أيام (رغم النفي)، وقبلهم سقط المراقبون العرب وقائدهم السوداني الفريق أول محمد أحمد مصطفى الدابي، ثم المراقبون الدوليون وقائدهم النرويجي روبرت مود.
هكذا كان من الطبيعي أن يبرز سؤال وحيد طُرح مساء الأربعاء الماضي: ماذا يمكن لتلك الجلسة الطارئة التي عقدها مجلس الأمن حول الوضع المتداعي في حلب، أن تفعل بعد هذا الفشل الطويل للشرعية الدولية وللمفاوضات السياسية التي انهارت تباعًا في جنيف؟ الجلسة عقدت بناء على طلب فرنسا وبريطانيا، وعلى خلفية قول السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة فرنسوا ديلاتر، إن فرنسا وشركاءها لا يمكنهم البقاء صامتين إزاء ما يجري في شرق حلب، وما يمكن أن يكون واحدة من أكبر المجازر بحق المدنيين منذ الحرب العالمية الثانية، لكن الإحاطة التي قدمها دي ميستورا عبر الفيديو من بروكسل، اقتصرت على قوله إن لديه خطة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدينة وإن المعارضة والنظام يوافقان عليها.
في غضون ذلك كان فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان في اتصال هاتفي هو الثالث بينهما هذا الأسبوع، وانتهى بإعلان مكتب الرئيس التركي أن الزعيمين اتفقا على تكثيف المساعي للتوصل إلى وقف للأعمال القتالية وضرورة إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدينة. في موازاة هذا أفادت الأنباء بأن ممثلين لروسيا ولفصائل من المعارضة السورية اجتمعوا في أنقرة لبحث سبل التوصل إلى هدنة، وأن هذه الفصائل مرتبطة بالائتلاف الوطني السوري ولا تضم «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقًا).
الإعلان عن لقاء الروس وممثلي المعارضة في أنقرة الذي تواكبه الاتصالات بين بوتين وإردوغان، أعاد إلى الأذهان الاقتراح الذي قدمه دي ميستورا في السادس من أكتوبر (تشرين الأول)، والذي يدعو إلى أن يغادر مقاتلو «النصرة» حلب، مقابل وقف النظام والروس عمليات القصف، يومها وافقت موسكو لكن المبادرة تعطّلت وبدأ الهجوم المكثف على أحياء حلب الشرقية في ظل الحديث عن قرار النظام وحلفائه حسم الوضع قبل تسلم الإدارة الأميركية الجديدة.
الحديث عن تفاهم بوتين وإردوغان على وقف النار وعن إمكان إحياء خطة دي ميستورا، جاء متوازيًا مع تقارير من بروكسل تفيد بأن المبعوث الدولي يكثّف مساعيه لفتح «ثغرة استدراك» يمكن أن تعيد الكرة إلى جنيف، على خلفية أن الاندفاعة العسكرية الناجحة في حلب ليست نهاية الطريق، فلا بد من العودة إلى المربع السياسي، وهذا أمر يدركه النظام كما تريده موسكو، التي تجد أن الوقت مناسب الآن لخروج ظافر من خلال العودة إلى جنيف وفق أجندة لافروف.
لهذا يتعين طرح السؤال: هل يمكن استنباط مخرج من التفوق العسكري للنظام وحلفائه في حلب، يحيي عملية التسوية السياسية المنهارة منذ سقوط الهدنة التي اتفق عليها جون كيري وسيرغي لافروف قبل شهرين، ويعيد البحث على قاعدة «جنيف - 1»، أي تشكيل حكومة وحدة وطنية تهيئ لانتخابات جديدة مع بقاء الرئيس بشار الأسد حتى ذلك الحين؟ السؤال قد يبدو مستغربًا في أوساط النظام وحلفائه الإيرانيين، وخصوصًا بعد الانتصارات في أحياء حلب الشرقية، لكنه ليس مستغربًا عند دي ميستورا، الذي يراهن، رغم الحديث أخيرًا عن يأسه ووضع استقالته بتصرف بان كي مون، على إمكان فتح فجوة سياسية عبر ركام حلب، والذي أعلن من بروكسل أن التطورات العسكرية الأخيرة في المدينة لن تسقط مرجعية جنيف لهندسة تسوية سياسية تضع صيغة جديدة للحكم في سوريا: «إن النصر العسكري في حلب ليس كافيًا، لأن الحل يبقى في العودة إلى الحوار لإرساء تسوية سياسية، فالحلول العسكرية ليست مستدامة».
دي ميستورا ليس وحده الذي يرى أنه من الممكن لا بل من الضروري العودة إلى خطة كيري - لافروف، أي إخراج «النصرة» من حلب مقابل وقف النار، ويبدو أن هذه العملية تشكّل بندًا محوريًا في المحادثات بين بوتين وإردوغان، وليس خافيًا أنه عندما جاء المبعوث الدولي إلى دمشق قبل في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) كان يحمل اقتراحًا تركيًا فحواه «أن لا يتم أي تغيير جذري في الإدارة في أحياء حلب الشرقية بعد إخراج (النصرة) حتى يكون لدينا حل شامل»، لكن كان من المفاجئ أن يتعرّض إلى اتهامات مباشرة من لافروف، وهو ما دفعه إلى إيداع استقالته لدى بان كي مون.
لافروف قال إن الأمم المتحدة بشخص مبعوثها دي ميستورا تقوّض منذ أكثر من ستة أشهر قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي يطلب تنظيم محادثات شاملة بين الجهات السورية دون شروط مسبقة، لكن هذا الاتهام لا علاقة له بموقف دي ميستورا من القرار المذكور، بل جاء ردًا مباشرًا وغاضبًا على قول دي ميستورا في 22 الشهر الماضي أمام مجموعة من مشرّعي «الديمقراطية الاشتراكية»، إنه يشعر بقلق بالغ بشأن ما يمكن أن يحدث قبل 20 يناير (كانون الثاني) «نحن قلقون للغاية من أن يطبق الأسد بشكل وحشي وعدواني على ما بقي من شرق حلب، سيكون ذلك مأساويًا، قد يصبح فوكوفار جديدة».
مدينة فوكوفار الكرواتية أول مدينة أوروبية كبرى دمرت تمامًا منذ الحرب العالمية الثانية، على أيدي الجنود الصرب الذين ذبحوا المئات ورحّلوا 30 ألفًا من سكانها، وكانت موسكو تؤيدهم كما هو معروف، والحديث عن فوكوفار كالحديث عن غروزني الشيشانية التي سحقها بوتين عام 2000، يثير غضب موسكو!
أهم من كل هذا، لا يغالي دي ميستورا عندما يراهن على إمكان استنباط حل سياسي من دمار مدينة حلب، لأنه مهما كانت نتائج الميدان فهي تحتاج في النهاية إلى ترجمات سياسية، وخصوصًا أن سقوط حلب لا يعني نهاية الحرب، بل حلقة في سلسلة طويلة من الاستنزاف الموجع في بلد مدمر كليًا، إضافة إلى ما يترتب على هذا من متاعب اقتصادية منهكة، وخصوصًا إذا عطفناها على ما تثيره استراتيجية بوتين في العالم السني المترامي، وانخراطه في تدمير المعارضة السورية بذريعة ضرب «داعش» و«النصرة» عبر دعمه النظام وإيران.
خلاصة العرض المسهب الذي قدمه دي ميستورا أمام البرلمان الأوروبي بداية الأسبوع وعشية التحرك الفرنسي البريطاني في مجلس الأمن، أنه يراهن على بروز ثغرة في جدار النار السورية تعيد الجميع إلى جنيف، بحثًا عن قناعة واقعية توفّر مخرجًا مقبولاً على قاعدة الاقتناع بحتمية حصول تقاسم حقيقي للسلطة، لا يمكن التوصل إليه إلا عبر ضغوط أميركية روسية، وهذا ما يستلزم بالضرورة هدنة راسخة في حلب عبر إخراج «النصرة»، ريثما يبدأ الظهير الأميركي الجديد عمله!
يتذكر مسؤول سابق مقرّب من دمشق انه عندما زار العاصمة السورية بعد التهديد الذي وجهته إدارة الرئيس اوباما لنظام بشار الاسد بسبب أقدام الاخير على إستعمال السلاح الكيميائي ضد معارضيه، وجد ان عددا من المسؤولين الذين إعتاد أن يلتقيهم قد إنتقلوا الى الملاجئ تحسبا للصواريخ التي ستنطلق من الاسطول الاميركي في المتوسط نحو مقرات النظام تنفيذا لتهديد أوباما بإنه سيعاقب الاسد إذا ما إجتاز الخط الاحمر الكيميائي. وروى هذا المسؤول انه أبلغ أصدقاءه السوريين ان الرئيس اوباما تراجع عن وعيده بعدما بدأت تتواتر الانباء عن صفقة روسية - اميركية تخلى بموجبها الاسد عن ترسانته الكيميائية مقابل إعفائه من العقاب.
يشارف زمن اوباما اليوم على الانتهاء. وبدأ زمن الرئيس المنتخب دونالد ترامب يقترب. ومن المؤشرات التي لا تبعث على الارتياح في طهران التي تمثل السند الاقوى للاسد ان الادارة الاميركية المقبلة بدأت تبعث برسائل مقلقة الى محور طهران - دمشق، وآخرها إختيار ترامب الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس وزيرا للدفاع في إدارته المقبلة. وقال ترامب أمام حشد من إنصاره: "سوف نعيّن "الكلب المسعور" ماتيس وزيرا لدفاعنا". ومن المعروف عن ماتيس وصفه إيران بأنها "أكبر تهديد محدق بالاستقرار والسلام في الشرق الاوسط". ومن الرسائل المقلقة أيضا، إقرار مجلس الشيوخ الاميركي تمديد العقوبات المفروضة على طهران لمدة 10 سنوات أخرى ،ما يعني معاقبة الشركات الاميركية التي تتعامل مع طهران.وأتى هذا القرار على رغم تهديد أطلقه مرشد الثورة الاسلامية آية الله علي خامنئي متوعدا بالانتقام إذا ما تم تمديد العقوبات. وربما كان إعلان النائب في مجلس الشورى الاسلامي محمد رضا تابش بالامس عن إعداد مشروع قانون عاجل حول "منع شراء السلع الاستهلاكية" الاميركية هو ترجمة لتهديد المرشد.
لم يعد خافيا أن اللهفة الايرانية للسيطرة على حلب باتت موصولة بالتغيير الاتي من واشنطن. وتقول مجلة "الايكونوميست" في عددها الجديد: "تقول حكومة السيد الاسد أنها تريد إستعادة حلب... قبل أن يتسلّم دونالد ترامب منصبه. وحالما تسقط (حلب) يصبح الاسد مسيّطرا على المراكز المدينية الرئيسية في سوريا". من هنا يفهم المرء السبب الذي دفع طهران الى تفعيل خط الاتصال بينها وبين موسكو فأوفدت مساعد وزير الخارجية ابرهيم رحيم بور الى العاصمة الروسية للتأكيد أن"التعاون في سوريا سيستمر" على حد تعبير المسؤول الايراني. ولن يكون هذا التصريح مفهوما خارج المعلومات التي تفيد ان خطا حواريا مفتوحا الان بين المعارضة السورية والكرملين يتمحور حول حلب وينطلق من التفاوض لإنهاء القتال في شرق المدينة، ما "يؤشر الى نقطة خلاف" بين موسكو وبين الاسد وإيران، كما تقول "الدايلي تلغراف" البريطانية.
ليست هي المرة الاولى التي يفترق الموقف الروسي عن الموقف الايراني، ولن تكون الاخيرة. لكنها ستكون المرة الاولى بعد 8 أعوام من إدارة اوباما التي أخرجت الاسد من الملجأ.
شهد مطلع الأسبوع الحالي تطوراتٍ عسكريةً مهمة على جبهة حلب، تمثلت في التقدم الملحوظ الذي حققه النظام والمليشيات الطائفية التي تقاتل إلى جانبه، بدعم من روسيا وإيران. وليس هذا الإنجاز الميداني منفصلاً عما حصل على جبهات القتال في المحافظة خلال سنة، في الوقت الذي سيؤثر فيه بقوة على التطورات اللاحقة.
يقف وراء التقدّم الذي حققه النظام التدخل العسكري الروسي بقوة، والذي يشكل أكثر من 70 في المائة من الجهد الناري، وظهر ذلك في صورةٍ واضحة في الأشهر الأخيرة، خلال معارك الكر والفر التي ميّزها التبادل السريع للمواقع العسكرية، وكان النظام يخسر الأرض في كل مرةٍ لا توفر له روسيا الغطاء الجوي الكثيف الذي استلزم، في الآونة الأخيرة، حشد قوة روسية كبيرة في قاعدة حميميم.
يرى القسم الأكبر من المتابعين أن لعبة تبادل المواقع في حلب باتت من الماضي، وما يشغله النظام من المدينة صار تحت سيطرته، بل إنه سوف يتقدّم من أجل استعادة كل ما خسره في حلب منذ عام 2012، وتفيد التقديرات بأن معادلة جديدة قيد التشكل في حلب سوف تتبلور ملامحها النهائية في الأسابيع المقبلة.
الخاسر في هذه المعادلة هو المعارضة السورية المسلحة التي ستجد نفسها أمام خياراتٍ محدودة، ولن يكون في مقدورها إدامة القتال في حلب، وستجد نفسها مجبرةً على الانسحاب من جبهة حلب، الأمر الذي يشكل تراجعاً كبيراً لها، ويفتح الطريق أمام طرح مستقبلها على بساط البحث، بعدما باتت غير قادرةٍ على الدفاع عن نفسها في وجه روسيا وإيران، وضعف قواها الذاتية وتشرذمها وعدم امتلاكها السلاح الذي يؤهلها لتعديل موازين القوى.
مهما قيل في حق هذه المعارضة من نقدٍ يصل إلى حد التجريح، فإنها لم تنهزم في المواجهة مع النظام لأسبابٍ ذاتية، وعلى الرغم من المآخذ الكثيرة عليها، فإنها قاتلت بشجاعة، وليس من حقّ أحد أن يعطي دروساً للذين واجهوا الغزاة الطائفيين، وضحّوا من أجل الحرية والخلاص من نظام الأسد الضالع في الإجرام والفساد والتبعية لإيران وروسيا.
كشف رد فعل النظام على الإنجاز الذي حققه في حلب عن قصر نفس، حين أعلن أحد أركانه أنه عازمٌ على إنهاء الوضع في شرق حلب، قبل تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب منصبه في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل.
ينطلق هذا الحساب من فرضية تلخص ثورة الشعب السوري بالمعارضة المسلحة. وليس جديداً أن مصلحة النظام كانت، على الدوام، في تحويل الثورة إلى عمل عسكري. ومن هنا، هو يريد أن يصوّر للعالم أن بسط سيطرته على حلب يعني نهاية الثورة السورية، نظراً لما تعنيه حلب من ثقلٍ في معادلة الثورة ضد النظام، وهذا إقفال للملف من طرف واحد، أي جانب النظام، وهو لا يلزم السوريين الذين ثاروا عليه في مارس/ آذار 2011، ومهما امتلك من أسباب القوة اليوم فهو لا يستطيع منع القطاع الواسع من السوريين من أن يبقوا على عهد الثورة.
إذا تم طي صفحة القتال العسكري في حلب، واستتب الوضع لصالح النظام، فلن يقود ذلك إلى نهاية الثورة، بل على العكس، هناك جملة من الاستحقاقات التي تعيد الموقف إلى نقطة الصفر، ولا سيما ما يترتّب على الحرب والدمار من فواتير باهظة، على النظام تسديدها قبل غيره.
قد تكون حلب مرآة سورية، ولكنها لم تعد مفتاح الحل في ظلّ تسارع الموقف العام. حلب خطة حرب نموذجية: حصار، تجويع، وقوة نارية هائلة. ولكن ذلك يبقى في حلب وحدها، والحسابات في بقية المناطق منفصلة كليا، ولكل حسابٍ أجله.
خلط اوراق ...
إثنان في سيارة مسرعة، يقول الأول: "انتبه.. في حيط"، يجيب الثاني: "شايفه"، بعد لحظات يكرر الأول بعصبية: "يا زلمة!! عم بقلك في حيط.. حيط قدامنا"، الثاني: "شايف.. والله شايف"، تستمر السيارة بسرعة جنونية فيصيح الأول: "لك يخرب بيتك @#% الحيط.. الحييط.. الحيــــــ".. بوووووم.
حادث فظيع، تتحطم السيارة، ولا تبقى ولا عظمة صاغ في جسد الراكبين، يعودان إلى الوعي وهما في سيارة الإسعاف فيقول الأول بغضب ولكن بصوت منهنه: "يا حيوان، ما قلتلك في حيط"، يجيب الثاني بدهشة: "ليش مين عم يقود السيارة!! أنا.. ولا إنت"
هذه الطرفة يفترض أن تجعلنا نضحك من غباء السائق.. لكنها اليوم تتكرر أمام أعيننا بشكل مفجع ونحن نتجه بشكل جنوني إلى حادث فظيع قد يودي بمستقبل سورية، وأتذكرها كل مرة يناقشني فيها أحد أصدقائي من الموالاة، أو يظهر على التلفزيون أحد أزلام النظام ليصيح فينا ببصيرة ثاقبة: "انتبهوا.. مؤامرة.. مؤامرة". وكأننا نحن في موقع القيادة وليس النظام القائم!
وهنا يبدأ خلط الأوراق
لقد احتكر النظام "القيادة" منذ زمن طويل، بكل مفرداتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وبكل مفاصلها التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلامية، فصار المسؤول الأول والأخير عن مصائرنا، وأصبحنا نحن كشعب لا نملك أي تأثير مهما كان على قرارات "القيادة"، يمكننا فقط أن نؤيد، ومؤخراً أن نعارض، ويمكننا كجمهور مؤيدين ومعارضين أن نتشاجر، أو حتى نقتل بعضنا بعضاً، لكن ذلك لن يغير حتمية الحادث القادم لأننا جميعاً ركاب، فالمعارضة لم تتمكن من ثني النظام عن سياساته المتخشّبة، أما الموالاة فمصيبتهم أكبر، فهم يؤمنون أن لدينا (مايكل شوماخر) خلف المقود، وأنه سيتمكن في اللحظة الحاسمة من اجتراع معجزة وتفادي الكارثة بمهارة لم تشهدها حلبات التاريخ، ولذلك تراهم يشجعون ويهللون بحماسة غير مفهومة بعد أن أقنعهم النظام بأنه قوي بما يكفي لاختراق جدار المؤامرة وتحطيمه بقوة الدفع الذاتي ودون أن تصاب سورية بخدش!!
وهذا خلط ثاني للأوراق
إن الصراخ المستمر عن المؤامرة لن يغير أي شيئ على أرض الواقع، فماذا يتوقع طالب ابراهيم مثلاً من الشعب "الوفي"، أن يُقنع الجدار بأن (يزيح) جانباً!! المصالح الامبريالية الصهيونية هي من ثوابت الطريق وليس لنا أي سلطان عليها، اللهم إلا إذا قمنا بدس حبوب هلوسة في إبريق حزب الشاي الأمريكي لجعل فيلدمان وعصابته يتهافتون للانتساب إلى حزب البعث، هذا الصراخ له هدف واحد، وهو استغلال لحظة الرعب هذه لتشويش الموالاة وإقناعهم بأن المعارضين الجالسين في المقعد الخلفي هم المسؤولون بشكل أو بآخر عن الحادث.. لأنهم يتجاهلون دور الجدار، فننقسم وننشغل بهذا الجدل العبثي ونترك القيادة للقائد، علماً أنها له في الأصل..
والمزيد من خلط الأوراق
لقد حاول العقلاء في هذا السيناريو المبعثر أن يترفعوا عن شِجار (الانفعاليين) هذا، بالتوجه إلى الشخص الوحيد صاحب القدرة الفعلية على تقرير المصائر، فذهب بعضهم إلى النظام لإقناعه بالعدول عن الحل العسكري الأمني المنفلت قانونياً وإنسانياً، والانعطاف يميناً أو يساراً عن هذا المسار حتى يصل بنا إلى برّ الأمان، عُقلاء من أمثال الدكتور الطيب تيزيني، الذي انتخبه العالم (دون أن يعرفه معظم السوريين) واحداً من أهم مئة فيلسوف في القرن العشرين، ذهب هذا العقل الكبير إلى اللقاء التشاوري وانخرط في الحوار، وشرح للنظام عواقب هذه القيادة المتهورة وطبيعة الشارع وحيثيات السباق، لكنه وصل بعد ستة أشهر إلى طريق مسدود، فصرّح مؤخراً: "لم يعد أمام النظام إلا أن يتنحى ويترك الفرصة لغيره من دعاة الإصلاح كي ينقذوا ما يمكن انقاذه، حتى لا تنهار سورية وتضيع في حالة من التدخلات الأجنبية أو التفكيك... فالنظام لم يعد يريد الإصلاح ولا هو قادر عليه، وقد استنفذ كل الفرص المتاحة له". ولكن مالذي يفسر هذا التهوّر والعناد؟ أليس الافتراض بأن النظام يُتابع قدماً وهو على علم مسبق ووعي كامل بالكارثة فيه شيئ من اللامعقولية؟ وكما قالها صديق: "يعني هو بيعرف كيف يوصلنا لبر الأمان.. وما بدو!! شو هالحكي؟"، والجواب البسيط والمؤلم لهذه المفارقة هو أن برَّ الأمان للرُكاب، هو ليس بالضرورة برُّ أمانٍ للسائق
إن أصل الأزمة – شاء من شاء وأبى من أبى – هو استئثار أقلية بالسلطة والثروة بينما تعاني الأغلبية من التهميش والفقر، وهذا الهرم المقلوب لم يعد بإمكانه الاستقرار على رأسه، خاصةً وقد رأى الناس بسبب ثورة التواصل والمعلومات هذا الأوتستراد العريض والمُضاء الذي تنطلق فيه معظم شعوب العالم بيسر وأمان، فبدأوا يتساءلون لماذا لانزال نحن على هذا الطريق المهجور والوعر، وأنا لا أعني هنا الممانعة والمقاومة، فهذه أهداف، وجهة، التساؤل هو عن الطريق، طريق سلطة الحزب الواحد والقائد الواحد وإلى الأبد، وفي الفرق بين الإثنين (وجهة الممانعة وطريق الدكتاتورية) نجد
المزيد من خلط الأوراق
لقد طالب رُكاب المقاعد الخلفية بحقهم الطبيعي في اختيار الطريق، أو الوجهة، أو على الأقل السرعة، وهذا حقٌ لهم حتى لو لم يعترض ركاب المقاعد الأمامية، والمصيبة أن النظام اعترف فوراً بضرورة الإصلاح عسىاه يحافظ على مقعده، وفي هذا اعترافٌ منه بأنه كان يقودنا كل هذا الوقت في الاتجاه الخطأ!! وأن (المفرق) نحو دولة ديمقراطية حديثة قد فاتنا منذ عشر سنوات، وربما عشرون، وادعاء النظام بأنه سيدور (يو تيرن) ليعود بنا عشر سنوات على نفس الطريق المهجور استدعى فوراً السؤال عن أحقية نفس النظام بالاستمرار في القيادة بعد أن اعترف هو نفسه بفشله، ثم أدرك الجميع أن أي تغيير ديمقراطي سيبدأ بالتشكيك في شرعية السائق وينتهي بمساءلته عن سنوات الفساد والإفساد
هذا الاستحقاق لا مهرب منه، ولأن النظام استوعب ذلك تماماً، فقد قرر المضي قدماً وبسرعة أكبر نحو الجدار، في رهان مجنون لجعلنا نلتصق بمقاعدنا رعباً ونصمت.. أو نصرخ على بعضنا في محاولات يائسة لفرز الأوراق
لكل من يقول: "اخرسوا وخلّوه يسوق".. نُجيب: "هو اللي عم يسوق من الأول"، لكننا نطمئنكم أن الحيط لن يتزحزح.. وأن مهارات النظام لا تتعدى..
........خلط الأوراق
منذ بدء الربيع العربي و الحراك الشعبي الذي عم المنطقة، كانت أغلب نتائج تلك التحركات سريعة بقلب أنظمة الحكم باستثناء الحراك الشعبي السوري الذي طال لأكثر من خمس سنوات و مازال مستمراً، ولأنها لم تكن ثورة ذات نتائج سريعة تكشفت الكثير من الحقائق و سقطت العديد من الأقنعة في شتى المجالات سواءً على صعيد الإعلام و الدول المدعية للحرية و الديمقراطية و دول حلف الممانعة المزعوم و أصدقاء سوريا، كما برزت هشاشة المنظمات الإنسانية و الدولية و تحيز بعضها بشكلٍ واضح ٍ لصالح نظام البعث، و نتيجةُ لذلك أطلق بعض المهتمين و النشطاء اسم "الثورة الكاشفة" على الثورة السورية.
كان من أبرز المنظمات و الكيانات التي تعرت تماماً و سقطت عنها الأقنعة التي كانت تستر دناءتها و ارتزاقها هي بعض منظمات و فصائل التشبيح الفلسطينية في سوريا، والتي كانت تصدع زؤوسنا على مدى سنين بالشعارات الوطنية و رفض الظلم و الاضطهاد وسلب الحقوق و قمع الحريات العامة.
و كان لتنظيم "فتح الانتفاضة" النصيب الأكبر بتكشف إجرامه و وضوح حجم الارتزاق المؤسس عليه و مدى التعيش على حساب دماء الشعوب و الشهداء و بيع كل الشعارات و العنتريات مقابل مصالح شخصية دنيئة، فلهذا التنظيم تاريخٌ أسود منذ النشأة الأولى حيث نشأ بعد خيانته لحركة فتح و مؤسسها ياسر عرفات "أبو عمار" و الإجرام الذي افتعله في معارك البقاع و طرابلس و انتهاجه سياسة التشبيح على الفلسطينيين و مناصري أبو عمار والرافضين لخيانته و استخدام السلاح بوجه بوجه من يقف ضد مشروعهم السلطوي و مكاسبهم الشخصية، كما تعاون مع أقذر حركات و تنظيمات المنطقة مثل: حركة أمل و الجبهة الشعبية "القيادة العامة"...... إلخ في حرب المخيمات بين عامي 1985 – 1988 .
كما لا يخفى على المتابع لتلك التنظيمات الاتهامات و الفضائح الموجهة من عناصر التنظيم لبعضهم البعض بالفساد وحجب الأموال و مستحقات المعتقلين و السرقات و ابتزاز المناضلين بلقمة العيش، فبعد جميع هذه الاشارات السوداء على نشأة هذه الحركة، قامت على أساس الارتزاق و التشبيح و بيع الشعارات وإيهام الناس بأنهم مستهدفون من قبل الكيان الصهيوني وهم في الحقيقة لا يشكلون خطراً إلا على أنفسهم.
كل ذلك كان سبباُ بعدم استغراب الأشخاص الذين عاشوا مع هذه الحركة في سوريا من موقفهم مع نظام الأسد ومساندته سياسياً وعسكرياً من خلال جناحها العسكري المسمى "قوات العاصفة" الذي شارك بعمليات قتل الشعب السوري و الفلسطيني الثائر على حدٍ سواء، كما كان لها دورها الكبير في لجان التشبيح و الإجرام في مخيمي اليرموك و فلسطين في العاصمة دمشق على وجه الخصوص .
و كان النصيب الأكبر لكسب رضا النظام هو للجبهة الشعبية "القيادة العامة" بقيادة أحمد جبريل الذي بذل قصارى جهده لمساعدة نظام الأسد في قتل و قمع الشعب المطالب للحرية و اعتقال كل من يبدي رأياً رافضاً تلك الممارسات الإجرامية بحق الشعوب، كما كان على استعدادٍ تامٍ للتضحية بالشعب الفلسطيني من خلال نفس الشعارات التي نشأ عليها ألا وهي المناداة بحق العودة و دفعهم للاتجاه نحو فلسطين وهم عزل و ذلك كله لشغل الإعلام العالمي والعربي عما يحدث في سوريا في بداية اندلاع الثورة السورية.
و في ظل تورط تلك التنظيمات مع نظام الأسد أطلق نشطاءٌ فلسطينيون نداءاتٍ لقيادة جيش التحرير متمثلةً باللواء محمد طارق الخضراء بعدم زج جيش التحرير "المعد ليكون خط الدفاع الأول في وجه اسرائيل" بعمليات قتل الشعب السوري و الفلسطيني الثائر، و لكن للأسف فالواقع يثبت بأن جيش التحرير كان جزءاً أساسياً في هذه العمليات في منطقة تل كردي و عدرا في ريف دمشق حيث بذلك أضل جيش التحرير طريق تحرير فلسطين ونسوا إسرائيل !!
كما أصبحت تلك التنظيمات بما فيها جيش التحرير تتسابق لإظهار فدائيتهم و بطولاتهم للأسد على حساب الشعوب بما فيهم الشعب الفلسطيني الحر الذي لم يقبل بخيانة دماء إخوته الذين عاش وتربى معهم، فكان ذنبه الوحيد بأنه رفض مناصرة نظام فاشي قتل من الشعب الفلسطيني أكثر مما قتلت إسرائيل "العدو التقليدي".
في نهاية الأمر سقطت تلك التنظيمات في عيون الشعوب الثائرة و الحرة كما سقطت معها شعاراتها الواهية، ولكن السؤال الأبرز ما هو مصير تلك التنظيمات بعد السقوط الفعلي لنظام الأسد و كل من حالفه و خان شعبه مقابل دعم مادي و نسي أن الشعب هو الداعم الحقيقي لأي جهة تدعي حمايته أو المطالبة بحقوقه , فكانت حقاً كما سميت "الثورة الكاشفة".
وحدها حلب المنكوبة لا تنتظر دونالد ترامب مثلما يفعل سائر قادة العالم الذين يترقبون أن تتضح سياسات الرئيس الأميركي وتركيبة إدارته لقراءة توجهاته.
على العكس، المطلوب حسم المعركة في العاصمة الاقتصادية لسورية، قبل تسلم ترامب مهماته في 20 كانون الثاني (يناير) لتصبح السيطرة عليها من تحالف روسيا -إيران - بشار الأسد والميليشيات المتعددة الجنسية أمراً واقعاً في أي تفاوض مفترض مع البيت الأبيض، يتجاوز اتفاقات هشة صاغها جون كيري مع سيرغي لافروف على وقف الأعمال العدائية، وتأمين المساعدات للمحاصرين. فهؤلاء نزحوا، إما إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام ليمارس عليهم أبشع أنواع الابتزاز، أو إلى المناطق التي تسيطر عليها «قوات سورية الديموقراطية» المدعومة من واشنطن والتي ساهمت مع النظام في حصار المدينة منذ أشهر، أو إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات «درع الفرات» التي ترعاها أنقرة في الشمال، حيث ضمنت منطقة «آمنة» لقطع التواصل بين المنطقتين اللتين تتواجد فيهما القوات الكردية.
كذّبت الحقائق حديث ستافان دي ميستورا عن خلاف مزعوم بين فلاديمير بوتين والأسد، بأن الأول لا يريد تدمير حلب والثاني ينوي اقتحامها. يكفي ابتهاج الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشنيكوف بأن «الجنود السوريين تمكنوا من تغيير الوضع على الأرض في شرق حلب في شكل كبير بفضل العمليات المخطط لها بتأنٍ وفي شكل جيد جداً»، من أجل الاستنتاج أن موسكو تقول شيئاً وتفعل نقيضه. فهي التي نفذت قبل شهر حملة قصف هستيري على المدينة لإخراج المستشفيات كافة ومراكز الإغاثة من الخدمة، وإنهاك سكانها والمعارضة تمهيداً لاقتحامها من القوات الأسدية والإيرانيين والميليشيات، ولتفريغها من المدنيين. تضفي موسكو في كل مرحلة من الحرب التي انخرطت فيها منذ صيف 2015 طابعاً إنسانياً على دورها فترعى التهجير تحت عنوان فتح الممرات لتوصيل المساعدات إلى النازحين الذين سبق أن قتلت منهم قذائفها الارتجاجية الآلاف.
وهي استفادت من اتفاقها مع تركيا التي طلبت من مقاتلي المعارضة الانسحاب من بعض شرق حلب.
يكفي النظر إلى المناطق التي توزع عليها عشرات آلاف النازحين من نصف شرق حلب الذي احتله النظام، للاستنتاج أن هؤلاء باتوا رهينة تقاسم نفوذ على أرضهم بين النظام وتركيا والأكراد، فيما جزء كبير من المواطنين السوريين في ضواحي دمشق نقلوا إلى إدلب ليكونوا تحت نفوذ «جبهة الفتح» و «فتح الشام» (النصرة)، وقد ينضم إليهم بعض من بقي في شرق حلب الذي ينوي النظام احتلاله، قبل 20 كانون الثاني تمهيداً لجعل إدلب غروزني أخرى.
اكتمال تقاسم النفوذ ينتظر معركة مدينة الباب التي تتنافس عليها تركيا مع القوات الكردية، المدعومة أميركياً من جهة، والتي تنسق حركتها الميدانية مع نظام الأسد، من جهة ثانية. فتحرير الرقة من «داعش» مدخله الإمساك بالباب. إلا أن إنهاء «داعش» في الرقة بات الموضوع الذي تنتظر موسكو المساومة عليه مع ترامب الذي يعطيه الأولوية على أي أمر في سورية. آخر همّ ترامب مصير الأسد والمعارضة وحلب. أما روسيا فتترك القضاء على «داعش» في الرقة، للمقايضة مع الإدارة الأميركية، لأن همها تكريس أحادية إدارتها بلاد الشام عسكرياً وسياسياً والتحكم بمصير النظام. ويتقدم لدى الكرملين إنهاء وجود المعارضة في إدلب، على إنهاء «داعش» في الرقة.
في انتظار ترامب، أخذت تظهر بوادر التنافس بين الحلفاء على جثة سورية المفككة، تحضيراً لمرحلة ما بعد حلب، فيما تقف دول الغرب صفر اليدين حيال ما ستكون عليه خططها بعد انتصار النظام.
النظام يسعى إلى توحيد ما تبقى من ميليشيات ترك لها مهمات النهب والقتل العشوائي، في «الفيلق النوعي» الجديد، مع رواتب خيالية لزيادة عديد قواته حتى يتمكن من بسط سيطرته على أراض حررها الإيرانيون وحلفاؤهم، وسط تبرم من أخذ «حزب الله» راحته في التمدد وإقامة العرض العسكري في القصير.
موسكو استبقت إمكان إعادة إعمار بعض المناطق التي عادت إلى كنف النظام باتفاقات مع الدولة السورية على امتيازات في قطاعات النفط والغاز والنقل والمياه، لتضمن أي عقود عن طريقها مستقبلاً.
إيران تواصل شراء العقارات في سياق استحداث خريطة ديموغرافية جديدة، وتثبيت انتقال عائلات حصلت على الجنسية السورية في مناطق محاذية للبنان وفي محيط دمشق.
المسرحية المبكية المقبلة، قد تكون تشكيل موسكو حكومة جديدة للإيحاء بأنها تهيّء لحل سياسي، بعيد المنال
مما لا شك فيه أن الشعب هو منبع كل ثورة تخرج ضد الظلم و الطغيان ، و أن الشعب هو أساس كل تحرك يهدف الى تغيير نظام حكم اضطهده و سلب حقوقه و حاربه بلقمة عيشه ، و لا ريب أن الشعب هو المحرك و المولِّد لكل انتفاضة تخرج ضد نظام أو حزب استبدادي تطالبه بالرحيل و تنشد التغيير ، و من هنا من هذا الشعب تولد الثورات ، تبدأ بحدثٍ صغير يكون تلك “القشة التي قصمت ظهر البعير” و لا يلبث أن يتحول الحدث الى شرارة يشتعل بها أتون الغضب و الحقد على من استبد و ظلم و تحكم ، و لا تلبث هذه النيران المتقدة بالقلوب و العقول، المتولدة من جحيم المعاناة و التعب و شظف العيش، أن تتحول إلى ثورة عارمة .. يحوطها الشعب و يرعاها ..يؤيدها و يكلؤها بعين رعايته، يؤمن لها أسباب العيش و الاستمرار و يوفر لها الحضن الدافئ و الحامي ..
هي الثورة السورية كما كل الثورات على مر التاريخ، ولدت من رحم الشعب، و خرجت من خاصرته بما رافق هذا الخروج من الم و مكابدة و صبر، لتنتفض ضد نظام استبد بوطن ما يزيد على خمسة عقود ، نظام استبد و قتل و أجرم و سرق و نهب، هي ثورة فطرية عفوية بدأت بكتابات أطفال على جدران مدارسهم لتستعر كما النار بالهشيم و تنتقل من جدران مدرسة لتغدو على مساحة كل شبر بأرض الوطن، ثورة بدأت سلمية و استمرت كذلك ما وسعها الأمر، و بفطرتها السليمة كذلك و عفويتها بدأت بالتحول للعسكرة لتدافع عن نفسها ضد بطش لم يُشْهد له نظير بالتاريخ، حملت السلاح لتطبق معايير كل الديانات السماوية و الأعراف الإنسانية بحق رد الظلم و حفظ النفس، و بدأت كتائب الثوار بالتشكل و الظهور، فظهر الجيش الحر الذي كان ابن ثورة الشعب البكر، يحمل خصائصه و تفاصيله، يحوي أطيافه و اثنياته ، و يرفع راية استقلاله عن المستعمر، لا يتميز فيه ثائر عن ثائر الا بالخلق و الشجاعة و الاقدام و ما يحمله من فكر و حرية، ليظهر بعده تشكيلات مختلفة و فصائل متعددة و رايات متباينة، كل منها له هدف و يقوده منهج و يحركه فكر، منها المعتدل و الإسلامي و المتطرف و المغالي بالتطرف .
تحولت الثورة للعسكرة، و باتت تشكيلاتها تتنازع المناطق و الأهداف و الوجود و الموارد، و لم تنسَ هذه الفصائل بطبيعة الحال أهم سبب من أسباب قوتها و أهم مصدر من مصادر شرعيتها ، و أقوى محرض على استمراريتها و هو الشعب .. تلك الحاضنة الاجتماعية الأساس و المركز، فسعت التشكيلات و الفصائل إلى كسب ودها و استقطابها كل منهم على حساب الفصائل و التشكيلات الأخرى، و كما تعددت مشارب و أهداف هذه الفصائل فقد تعددت أساليبهم بجذب هذه الحاضنة الشعبية تجاههم، فمنهم حاورها و اندمج بها و اعانها قدر استطاعته، و منهم من تكبر عليها و أهملها و منهم من حاول سوقها بالحديد و النار و القهر و الإرهاب، و منهم من ظن انه الوصي الشرعي عليها بعد تقهقر النظام من بين ظهرانيها، و مارس أغلبهم البراغماتية المحضة بداية بالتزلف لنيل رضاها و التقرب منها، ثم اظهر وجهه القبيح بأهدافه المناطقية أو الشخصية او الأيدولوجية ، فلفظته الحاضنة الشعبية التي عولت عليه و عول عليها .. لينتهي التشكيل او يضمحل او يتقوقع على نفسه برأس جبل او بطن وادي.
وشكل التشرذم العسكري والتفرقة المقيتة بين مكونات الثورة العسكرية تراجعاً كبيراً في مناطق وساحات عدة، غيرت مسار الثورة وحرفتها عن تحقيق هدفها في نيل الحرية، وأبعدتها عن مشروع الشعب الأول لمشاريع فردية متفرقة ومتخاصمة، كلاً يسعى للظهور على حساب الغير، فتكالبت الدول والميليشيات وتوحدت ضدنا، فهجرت العشرات من المناطق ومازالت تعمل على تهجير البقية، ونحن فرقة برايات ومناهج وإيدولوجيات، وقد حان الوقت للعودة للطريق الأول وتوحيد الصفوف ونبذ التفرقة، بناء على مطلب الشعب الذي رفع الشعار الأول في صيحاته مطالباً بالوحدة العسكرية والمدنية وعلى كل الأصعدة، لتنهض ثورتنا وتعيد مجدها في حلب وداريا والغوطة ودرعا وإدلب وحماة وحمص واللاذقية والرقة ودير الزور وكل بقعة انتفضت في وجه الاستبداد وقالت لا للظلم أي كان مصدره، ولن تحيد عن الدرب وستواصل العمل حتى تحقيق هدفها.
الثورة السورية ثورة مُمحِصةٌ كاشفة ، و الحاضنة الشعبية تحوي بوعيها الجمعي حضارة عمرها آلاف السنين ، و الشعب الذي أطلق هذه الثورة “بمشيئة الله” قادر على ان يميز الخبيث من الطيب ، و ان يفرق بين الغث و السمين، و لكنه شعب كَهلْ صقلته التجارب و السنون، يعطي الفرصة لمن يطلبها، و يتمهل بالحكم ليرى النتائج ، و لكنه لا يصبر على ضيم، و لن يستبدل مستبد بمستبد .. فليعي من يتطلع لحكم أمره بالسلاح او بالسياسة .. أن يحقق طموحات هذا الشعب و ان يلامس ألمه و ان يثبت عزمه على تحقيق أمله .. فبهذا يستمر و بهذا يحوز رضاه و بهذا يمتلك قلوب و عقول “الحاضنة الشعبية”، وإلا فإن الثورة ستعيد تكون نفسها وتنقلب على من حاول تسلقها واستغلالها، ولن تبيع مبادئها ولا أهدافها ولا دماء الألاف من شهدائها...... فاتعظوا يا أولي الأمر وخذوا من التاريخ العبر.
بعد 5 سنوات عجاف مرت على الثورة السورية ستجد حديث الغالبية العظمى من مثقفين و غيرهم في خارج الحدود غالبا و من داخلها كثيراً عن أن مشكلتنا الرئيسية – بعد نظام الأسد – هي التنظيمات الإسلامية ( الجهادية ) و أنهم دائما العقبة أمام أي انتصار للثورة او تقدم و أنهم شماعة العالم في قصفنا و قتلنا.
و لكنني أرى أن المشكلة بحد ذاتها هي النظر و الحديث واللطم عن النتائج و عدم التطرق للأسباب ففي مدينتي – في الشمال السوري - قبل قرابة الأربع سنوات لم يكن هناك أي وجود للتنظيمات الإسلامية و كان عددهم لا يتجاوز العشرات و لا يقارن بأعداد الفصائل المقاتلة الأخرى و بعد فترة و عوامل عدة تغيرت النسبة بشكل عكسي و انتقل كثير من الشباب إلى الفصائل الإسلامية بتدرجاتها.
و الباحث عن السبب سيجده مزدوج يعود إلى فشل الفصائل الثورية و الجيش الحر في تقديم معطيات و أفكار و طرح ايديولوجيات فرقت أكثر مما جمعت و لم تحقق أي انجاز على الصعيد المجتمعي و الإسلامي عدا عن صراعات النفوذ الذي سبب لها انهيار في الشعبية و من زاوية أخرى حدث ارتفاع طبيعي لشعبية الفصائل الإسلامية التي حملت شعارات براقة و مضمون جيد و زاد الطين بلة تعلق الأولى بأموال الداعمين - ليس انكارا على كل من يأخذ دعم و إنما من مبدأ أخذ الدعم الذي أدى إلى طاعة و تعلق في بعض الأحيان -و هنا جيل الشباب المعتمد الرئيسي عليه في بناء المجتمعات قد انتقل من الفصائل الثورية و الجيش الحر إلى التنظيمات الإسلامية لأسباب ذكرتها انفاً فوجد هذا الشاب انضباط أكثر والتزام أعلى و الأهم أنه وجد الصدق و الإخلاص ضمن هذا المكون الذي دخله لأن حقيقة الشعارات تتمثل في الأتباع غالبا , لكنه لم يكن يعلم أنه أضحى ضمن ايدولوجية أخرى وجدت و ستجد مستقبلاً صعوبات في الانخراط ضمن المجتمع و التعايش معه لأنها قد طبخت الحالة النفسية لها و غذيت عقائدها في أقبية المخابرات الدولية ضمن درجات مختلفة من التمييع حتى التشدد.
و على سبيل المثال فقد أوجدت قفازات المصارعة لتلقى الصدمات و توجيه الضربات عوضا عن قبضة اليد التي تحرك القفاز كيفما تشاء فعليا فالدول التي تتصارع فيما بينها تحتاج قفازات ملاكمة لتخفيف الأعباء توجيه الهجمات و استخدامات سياسية أخرى و إن تعرض هذه القفازات لأي آذى و ثبوت فشلها فسيتم البحث عن قفازات أخرى أكثر جدوى أو تطوير القفازات نفسها بما يناسب الصراع الذي يتغير من حلبة إلى أخرى , فلذلك أوجدت حينا و طورت حينا آخر هذه الدول ايديولوجيات و أفكار هي بحاجة لها لإخضاع الدول المنافسة و صراعها . و مما يحبذه الشباب الفعال الوضوح و الاستقلال ليكون من جنود هذا المضمون التي تحمله مكونات سيبحث عنها و يجربها بنفسه , فمن هذه المكونات تنظيمات واضحة المعالم و السياسية و الإيديولوجيا اتجاه الشؤون الدولية و أخرى غير واضحة , أي منها ما هو واضح التسيس كالفصائل الثورية و الجيش الحر ومنها ما هو عميق التسيس و خفي غير واضح سيجد الشباب نفسه على أعتابها و قد أصاب ما يبحث عنه لكنها في الحقيقة هي صعبة الكشف عن تسيسها ليس إلا و دونكم معارك الساحل السوري فليفتحها و ينقل المعركة إلى مناطق الأعداء من هو غير مسيس , فهذا الشاب سيضطر لصعود سلم التنظيمات الإسلامية بحثاً عما يريد و لا أحد يعلم أين سيكتفي بالوقوف لكن حتماً الموقف الأخير هو حزام ناسف بين إخوانه , فمع الزمن و التجربة سينقب أكثر و يكشف التسيس الموجود و يضطره دماغه للبحث عن شعارات براقة مرتفعة أكثر , وأحيانا تتشكل عنده معادلة تقلبه عكسياً أن كلما كانت الشعارات مرتفعة أكثر في واقع متدني سيكون زيفها أكبر و يغذي هذه المعادلة تشدد آخر في محاربة التشدد . و أخيراً إن هذا الجيل الشاب الذي كان معول بناء للمجتمع الإسلامي دمر داخل أنفاق التسيس و متاهات الإيديولوجيا بمختلف التسميات و التدرجات فمن الصعب بناء مجتمع إسلامي حتى يظهر جيل آخر جديد من شباب مسلم بأخلاقه و تربيته على ألا يقع في نفس الأخطاء و يكرر تجارب أسلافه – كما هو حالنا اليوم –
لن تستمر معركة حلب إلى الأبد ولكن ما ستتركه من ندوب غائرة لن يختفي بسهولة. دك النظام وكل الميليشيات الأجنبية التي تؤازره ومعهم جميعا الطيران الروسي شرق المدينة دكا مجنونا ونجح في فصلها إلى شطرين سيطر على الشمالي منه وجعل من الجنوبي جزيرة معزولة ومحاصرة… خرج الأهالي ومعظمهم من النساء والأطفال لا يلوون على شيء.. يشعر النظام هذه الأيام بأنه حقق كسبا ثمينا وأنه أفلح في كسر شوكة المعارضة المسلحة هناك وبات يعتقد، هو والموالون له، أن ساعة كسر ظهر المعارضة المسلحة برمتها قد اقتربت فالعالم لم يعد يهمه كثيرا إن ذبحت المدينة عن بكرة أبيها، حتى وإن غمغم بكلمات تستنكر ما يجري.
كل ذلك صحيح…وقد يدفع النظام وأنصاره إلى نوع من الانتشاء لكنه انتشاء مؤقت وبالغ التكلفة، ليس فقط لأنه من المبكر جدا اعتبار ما جرى بداية الحسم النهائي للمعارك الدائرة بين نظام مستعد للاستنجاد بالشيطان للبقاء وبين معارضة تشظت إلى ألف فصيل وفصيل، وإنما أيضا إلى أن شعورا كهذا يطرح إشكالا أخلاقيا وسياسيا كبيرا قد لا يدركه أصحابه الآن ولكنه سيطل برأسه يوما ما.
لنفصل أكثر… ولنفترض جدلا أن كل المسلحين المتحصنين في شرق حلب هم، وفق التصنيف الدولي على الأقل، هم من الإرهابيين، مع أن هذا غير صحيح أبدا لأن كل التقديرات، بما فيها تقديرات ستافان دي ميستورا، تشير إلى أن مقاتلي «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقا) لا يتعدون العشرة بالمائة من الثمانية آلاف مقاتل هناك. ومع ذلك… لنفترض جدلا أنهم فعلا كلهم إرهابيون وأن هؤلاء فعلا تحصنوا بالمدنيين وأخذوهم دروعا بشرية.. هل هذا يجيز لنا أن نبرر قصف رقعة سكانية محدودة بهذا الشكل الأهوج الذي لم يسلم منه شيء بما في ذلك المستشفيات ؟!! مسحت كل المستشفيات ولم يعد هناك من حديث حتى عن «مستشفيات ميدانية» بل عن مجرد «نقاط طبية» وهو تعبير جديد في مفردات الحروب والنزاعات المسلحة في العالم كله. هل وجود إرهابيين اتخذوا من المدنيين رهائن لديهم، على افتراض صحته طبعا، يخول للطرف الآخر أن يعاقب هؤلاء المدنيين، وأغلبهم من النساء والأطفال، فيقصفهم ويهدم المباني على رؤوسهم إمعانا في مأساتهم التي لا يكفي أن يكون سببها هؤلاء المسلحين فقط؟!!.
ستنتهي مأساة سوريا ذات يوم، ولكن من يجرؤ بعدها أن يرفع صوته ليدين تصرفات الجيش الإسرائيلي إن هو أقدم يوما ما، كما فعل من قبل، في قطاع غزة أو غيرها على دك المدنيين في بيوتهم لأن مسلحين من «حماس» أو غيرها، ممن صنفتهم هي أو غيرها منظمات إرهابية، كانوا متمركزين بين هؤلاء المدنيين؟!! هل سيصرخ يومها «جماعة الممانعة» تنديدا بذلك وهم من كانوا يبررونه ويحتفون به عندما كان يفعله جيش بشار والروس والمليشيات الطائفية الداعمة له؟!! وإن لم يفعلوا فهل سيعني ذلك أنهم باتوا يخجلون من تأييد نفس الشيء ثم استنكاره لأن بشار «مقاوم» وإسرائيل «عدو»؟؟!! أم تراهم سيقتنعون أخيرا بما يكرره الإسرائيليون من أنهم يمتلكون «الجيش الأكثر أخلاقية» في العالم.. وهو زعم دعائي ربما لم يثبت يوما كما هو الحال في مقارنته بما فعله بشار ضد شعبه.
قريبا سيخرج باراك أوباما من البيت الأبيض ويغادر فرانسوا أولاند الإيليزيه بعد أن تنازل الشيخ حمد بن خليفة عن السلطة ورحل الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى جوار ربه… كل ذلك وبشار باق في السلطة على عكس كل التوقعات أو الأماني. من حقه أن يفرح، حتى وإن لم يبق في حلقه من شوكة سوى رجب طيب أردوغان. من حقه كذلك أن يبتهج لقدوم دونالد ترامب الذي لم يستبعد الرئيس السوري أن يكون حليفه في «الحرب على الإرهاب» وكذلك لصعود نجم فرانسوا فيون في فرنسا فكلاهما معجب بحليفه الروسي بوتين وكلاهما لا يهمه بقاء الأسد لأن أولويتهما «محاربة الإرهاب» وطبعا بشار بريء من شبهة كهذه والعياذ بالله.
معطى واحد ووحيد لن يستطيع بشار ولا غيره تغييره، هو هذا الشعب السوري العظيم الذي قاسى الويلات من حكمه وحكم والده من قبله. هذا الشعب، وإن كان هناك منه من يقف معه بلا شك فإن أغلبه إما ضده أو ترك البلاد هربا منه. صحيح أن كثيرا من فصائل المعارضة المسلحة شوهت الثورة وركبتها وحرفتها عن مسارها الأصلي المطالب بالحرية والكرامة، وليس شيئا آخر، لكن ذلك لن يغير من عدالة قضية شعب قدره أن يواجه الدكتاتورية والتطرف الديني على حد سواء. هذا شعب باق وسيحاسب الجميع يوما ما، سواء سقطت حلب في يد النظام بالكامل أو ظلت تعاند.
تجري الأمور في سورية كما لو أن انتداباً روسياً، هذه المرة، أصبح يتولى إعادة صياغتها. والأمر هنا أكبر من بلاغةٍ سياسيةٍ، لوصف وضع اليد الروسية على دولة العرب العلوية. إنه، في معادلة الاستراتيجية، جزء من عودة روسيا القوية، بالارتكاز على نظام عربيٍّ فقد قدرته على التحول إلى ملكية شعبه.
وتعرف النخبة الفرنسية التي تولت بلادها الانتداب الأول في بلاد سورية الجميلة، أحسن من غيرها، معنى الانتداب، لهذا انبرت، يميناً ويساراً، تتحدث عن بعض مظاهر هذا الانتداب الذي يقوم به الدب الروسي.
وقد خصّص الإعلام الأسبوع الذي ودعناه للموضوع، وبعث صحافييه ومبعوثيه إلى المناطق المشتعلة، كما هو حال حلب، أو الى حيث القرار السوري الروسي متداخل في العاصمة. ومما نقلته "لوفيغارو" عن مسؤول سوري رسمي قوله إن الروس يقومون بكل شيء هنا، فهم من يتفاوض مع المخابرات التركية، وهم من يتبادل المعلومات مع السعوديين، لكي يتدخلوا لدى ثوار حلب، وبعدها يخبروننا بما فعلوه.
وليس ذكر حلب اعتباطياً، طبعا لأن هناك عقيدة عسكرية تقول إن من انتصر في حلب ربح الحرب.
ولعل أكبر وجوه التقارب بين الانتداب الروسي وسابقه الفرنسي أن كلاً منهما دخل أرضاً مشتعلة على قاعدة انقسامات كبيرة. ويلتقي كلاهما مع الآخر في الرغبة في إعادة هيكلة الدولة المنهارة، لترتيب مصالحه على المدى الطويل.
فالروس، اليوم، وبناءً على تقاطع دراسات وشهادات صحافية عديدة، يسعون إلى وضع امتداداتهم في كل مستويات القرار، حتى لو لم تكن مهمتهم سهلة. وتأتي في مقدمة الاهتمام مستويات الجيش وأجهزة الاستخبارات، في حين نجد، بالعودة إلى التاريخ، أن الانتداب الفرنسي سعى، في بداية عشرينيات القرن الماضي، إلى السيطرة عملياً على الدولة بإيجاد بنية إدارية على عدة مستويات. وفي مفارقة التاريخ، يستعيد الماضي الأسماء نفسها، حيث أن الانتداب الأول أوجد رسمياً ثلاث دول، هي حلب ودمشق، مع تحديد أراضي العلويين مستقلة في 2 سبتمبر/ أيلول 1920، كما لو أن تاريخ الانتداب الفرنسي الأول حدّد واقع الانتداب الروسي الثاني. والأدهى أن الروس يساهمون في صياغة الدستور، بالحديث عن الجمهورية السورية، عوض الجمهورية العربية السورية، لكي لا يغضب الحلفاء الأكراد.
والخلاصة بعد غرابة المقارنة واقعية جداً، ومفادها أن السوريين، كما في عهد الصراع الذي أعقب انتداب فرنسا، لا يملكون قرارهم، عندما يحين وقت التفاوض. وحول المائدة، للدب الروسي الكلمة المسموعة.
ربما يكون الفارق في نسبة التطور في وسائل تطبيق الأمر الواقع، حيث شبكة العلاقات الطائفية تلعب جنباً إلى جنب مع شبكة التواصل الاجتماعي، كما هو حال الإنترنت في معسكر حميميم، حيث أقام الروس "خلية لليقظة الافتراضية"، والتي تتابع كل ما يروج في منتديات التواصل الاجتماعي، وتستخلص الدروس منها، وتسليمها إلى السوريين، ليتصرفوا في انسجام معها. وقد يكون في مبرّرات القصف الجوي، فقد سجلت كتب التاريخ، إبّان الانتداب الفرنسي، بعد الحرب العالمية الأولى، إعلان الجنرال غورو في 1920 "لن أستعمل طائراتي ضد المواطنين العزّل".
ولعل المعضلة أن انتداب روسيا يتقوّى بمجريات العالم الحديث، حيث من المنتظر أن عوده سيصلب بانتخاب دونالد ترامب رئيساً في أميركا، كما قد يتقوّى بانتخاب فرانسوا فيون رئيساً في فرنسا، الذي يحصل على المرتبة الأولى في انتخابات فرنسا الأولية، وسط اليمين. والقصة روتها يومية "ليبراسيون" في عددها يوم 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، عندما عنونت عددها "بوتين صانع الملوك".
تلك الصناعة الروسية الثقيلة التي استبدلت بها موسكو صناعاتها الحديدية، في الفترة السوفييتية، بصناعة القادة، تتمثل فعلياً في مجيء دونالد ترامب المفاجئ إلى منصب الرئاسة الأميركية، والتي قامت على أساس الصراع معه، ثم الصعود المفاجئ لفرانسوا فيون، الرئيس المتوقع لفرنسا الانتداب القديم، وتألق أنصاره في بلغاريا وفي مناطق أخرى، بحثاً عن ريادة سلطوية للشعوب، عبر تطعيم الشعور العدائي إزاء الوحدة الأوروبية. والليبرالية الغربية وتقوية مشاعر المحافظة، والحزم عندما يكون الغرب مرتبكاً، وعدم التردد في استعمال القوة عندما يكون الغرب مرتعشا، لا سميا في حربه السورية. حتى معاقل الغرب الرئيسية، كم كتبت فيرونيكا ضورمان أنها جنحت إلى مناهضة هذا الغرب الذي دخل منذ العام 2014 في صراع قاتل مع بوتين، باندلاع مواجهات أوكرانيا، وضم جزيرة القرم. ففي بريطانيا، فاز الداعون إلى الاستقلال عن أوروبا، وصوّت الهولنديون ضد اتفاقيةٍ بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي، فاتسعت الامبراطورية الروسية الجديدة، في الخيال السياسي، كما في الشعور العام للدول الغربية قبل غيرها.
هل ستتآكل هذه الامبراطورية كما تآكلت سابقاتها على أسوار دمشق؟ للجواب، نعود إلى تلك القصة التي رواها المندوب الفرنسي الأول في سورية سنة 1926، المسمى هنري دو جوفونيل، نقلا عن حديثٍ له مع وزير تركي سابق، أيام كانت إقليماً تابعاً إذ قال له: احتفظوا بها، واحتفظوا بدمشق على الأخص، فهي إحدى المدن التي تسمم الامبراطوريات.
مرّ أكثر من سنتين على بدء انحسار تنظيم الدولة الإسلامية في سورية. جرى التقلص ببطء، بدءاً من أرياف إدلب وحلب، وصولاً إلى تمركز عناصر التنظيم في ثلاث نقاط أساسية، جرابلس ومنبج ودابق في ريف حلب الشمالي، وهي مناطق ذات أهمية استرتيجية، تؤكد السيطرة عليها أن عيون التنظيم ما زالت مفتوحة وأنيابه مشرعة.
وبعد انعطافة المصالحة في العلاقات التركية الروسية، جرت تحركاتٌ عسكرية في المنطقة التي تعدُّها تركيا بعداً استراتيجياً يقيها تهديد الكرد. وبسرعةٍ فائقةٍ، نُظفت جرابلس ودابق والقرى المحيطة بهما من الوجود الداعشي الذي ركّز دفاعاته في مدينة الباب، تَرَافَقَ ذلك مع تقدم جيش الأسد، وفتحه ممراً للولوج إلى حلب الشرقية.
لم تكن ردود فعل النظام الإعلامية من الشدة، بحيث تعكس رفضاً للتقدم التركي المصاحب لفصائل الجيش الحر، والذي جرى، على الأغلب، بتوافق مبدئي مع روسيا، لكن نبأ الهجوم السوري أخيراً على موقع يوجد فيه الجيش التركي قرب "الباب" تسبب بمقتل جنودٍ أتراك، وجرح آخرين، له دلالات يؤكدها موعد الغارة الذي يتطابق بشكلٍ مريبٍ مع الذكرى السنوية لإسقاط تركيا الطائرة الروسية، ويمكن اعتبار الغارة رداً لدينٍ قديم، أوعزت روسيا للقوات السورية أن تنفذه، من دون أن توّرط نفسها بنزاعٍ جديد مع الأتراك، ما يعني أنها ترغب في استمرار التقارب، من دون أن تنسى على طريقة "أولاد الشوارع" ثأرها القديم، خصوصاً أن محادثةً هاتفية بين الرئيسين، فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، أعقبت الحادث، تبعها تأكيد الروس بأن الهجوم الجوي سوري بحت.
هدّدت تركيا بالرد، لكنها لم تقل كيف، وبماذا، ومتى سيكون. كان مكان الغارة هو تمدّد لقوات الجيش الحر المدعوم من تركيا، في لحظة تطويق منطقة الباب من جهة الغرب، وهي جهة محاذية لوجود الجيش السوري الذي يقوم بمهمةٍ عسكريةٍ لمحاولة الدخول إلى حلب الشرقية. يمكن أن تمتد تأثيرات هذه الغارة التي أرسلت القذائف والرسائل فتشعل حريقاً يأتي على ما هو أوسع بكثير من الساحة السورية، فتركيا عضوٌ في حلف شمال الأطلسي، والعلاقات الأميركية الروسية لا تعيش أجمل لحظاتها، مع ملاحظة التململ الغربي من الوجود الروسي في المتوسط، والتركيز الإعلامي الغربي على حاملة طائراته التي تجوب المياه على مقربةٍ من السواحل السورية الغربية. وقد يغير قواعد اللعبة تأكيد تركيا على تورّط روسي في الاعتداء على قواتٍ أطلسية، ولكن الإعلام التركي لم يستخدم عباراتٍ قويةً في التنديد، ولم يصف لا سورية ولا روسيا بصفاتٍ تتجاوز ما هو معمول به، على الرغم من أن رئيس الوزراء التركي أكّد أن هذا الاعتداء لن يمر، لكن تركيا ترغب باستبقاء الحالة الراهنة وعدم التشويش على حملتها التي بدأت على "الباب"، وعينها الأخرى على منبج في الناحية الأخرى. وقد ظن الكرد أنهم سيقطعون الطريق على تركيا، بإعلانهم بداية الحملة على الرقة. حملة لم يظهر منها إلا صراخٌ إعلامي لا ينبئ بأن معركةً من هذا النوع يمكن أن تبدأ، ويعلم الكرد أن أي هجوم على الرقة، بدون موافقة وحضور تركي، لن يكتب له النجاح، خصوصاً مع توقع موجات نزوحٍ كبيرة سترافق بداية مثل هذا الهجوم.
ربما تتجاوز أهدافُ الغارة السورية ما سبق، فتقدُّم الجيش الحر إلى "الباب" سيزيح وجوداً داعشياً، لطالما شكل جداراً يفصل النظام عن القوات المعارضة في الشمال، وزحزحة هذا الوجود والحلول محله يُظهر تعقد القضية، فالثابت الوحيد على الأرض السورية هو العداء بين جيشي النظام والمعارضة المعتدلة، وكل ما عدا ذلك تفاصيل، يمكن التفاوض حولها أو عليها، ووصولهما إلى حالة تماسّ مباشر في حال اغتنام أحدهما مدينة الباب سيجعل الاستنزاف والمعارك تسير بشكل شبه يومي، حيث لا تحالف وارداً ولا تواطؤَ ممكناً بين القوتين، ولا سيما أن كليهما يمتلكان طرق إمداد شاسعة، تؤمن لهما وصول دعمٍ غير محدود.
مرّت الثورة السورية بطورين، وهي تقترب، منذ بعض الوقت، من طورها الثالث الذي تبدو ملامحه المقلقة من وراء دخان القصف الذي يكاد يغطي اليوم كل شبر من أرض وطننا.
في الطور الأول: كانت ثورتنا للحرية، وكان حاملها مجتمعياً وسلمياً بكل معاني الكلمة، وقادها طرفٌ غلب عليه الطابع المدني. في الطور الثاني الذي بدأ مع تشكل تنظيمات مسلحة إسلامية الخطاب والمطالب، مباشرة بعد إخلاء النظام الأسدي سبيل مئات المساجين من معتقل صيدنايا، المحسوبين في معظمهم على القاعدة، أكلت المذهبية بالتدريج مطلب الحرية، وحولت الثورة، بتدخل وتخطيط مباشر من أجهزة القمع، إلى صراع مسلح قادته جهاتٌ مذهبيةٌ متأسلمة تبنّى معظمها نهج النظام في رفض الحرية وثورتها، ورفع شعاراتٍ تجعل سقوط الأسدية هزيمة لطائفيتها، وللديمقراطية بمسمياتها كافة. بتقدّم المذهبية على الصعيدين العسكري والسياسي، تراجع دور المجلس الوطني السوري ثم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وغدت السياسة ضرباً من عمل شيطاني نجس، وسيطرت فكرة الحسم العسكري الصرف، ورفض الحل السياسي والقرارات الدولية المتصلة، وصار للثورة برنامجان متناقضان، أخذ دعمهما ميدانياً شكل صدامات مسلحة وحروب صغيرة متبادلة بين الفصائل المسلحة الداعمة لكلٍّ منهما، وتشعب الصراع، خصوصاً بعد صعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ونجاحها في طرد الجيش الحر من مناطق واسعة شمال سورية، واستيلائها على الرقة، وما قامت به من تصفياتٍ طاولت الآلاف من جنود الجيش الحر وضباطه، فضلا عن مئات الديمقراطيين والمثقفين الأحرار الذين قتلوا أو فرّوا للنجاة بأنفسهم وأسرهم.
في هذا الطور، تلاشت إلى درجة الاختفاء معادلة الثورة التي مثّل النظام حدّها الأول والنظام الديمقراطي البديل حدّها الثاني، وتخلقت معادلة جديدة، ظل حدّها الأول النظام، لكن حدّها الثاني صار البديل الإسلامي، الداعشي/ القاعدي أساساً، وتلاشى بصعوده التفهم الدولي للثورة التي انقلبت أكثر فأكثر إلى اقتتال طائفي/ مذهبي وعسكرة وعمليات انتقام متبادلة، وحصرت الحدث السوري بين حل عسكري/ أمني من فوق يتبناه الأسد، وحل عسكري من تحت، تتبناه بدائله المذهبية التي أقنعت العالم بأن سكاكينها لن تلبث أن تحز عنق مواطنيه هو أيضاً. وحين فاضل بين إرهاب الأسد الموجه ضد الشعب السوري، وإرهاب داعش وأضرابه الذي بدأ يوجه ضده، تخلى تماماً عن إسقاط الأسد ودعم إرهابه، ثم وبعد حين، اعتمدت واشنطن أولوية الحرب ضد الإرهاب الثاني خياراً استراتيجياً، ليكتمل بذلك تغير موقفها من النظام، بما عناه من إلغاء عملي لوثيقة جنيف بشأن حل سياسي في سورية. ومن نتائج ميدانية، عانينا الأمرّين منها، بلغت ذروتها في الغزو العسكري الروسي لوطننا، وتحول إيران من طرف داعم إلى طرفٍ محارب، واستقدام تنظيمات إرهابية مذهبية متعدّدة الجنسيات إلى بلادنا، والتكريس المتعاظم لقطبيةٍ ميدانيةٍ، جسّدت جبهة النصرة طرفا فيها، ومثل "أحرار الشام" طرفها الثاني، لازم صعودهما تراجع "داعش" تحت وطأة حرب أميركا وحلفائها الخارجيين والمحليين عليها، وما أفضى إليه الاستقطاب من اجتذاب بقية التشكيلات المسلحة، ولقضم لوجودها واحتوائها، كما حدث خلال قتال تنظيمي "نور الدين زنكي" و"إذا أمرت فاستقم" في حلب، حيث اقترب الأول من "النصرة" واندمج الثاني في "أحرار الشام"، ومثله عند معبر باب السلامة، حيث أزاح الأحرار"الجبهة الشامية" عن تفرّدهم بالمواقع المهمة، بمعونة عناصر من الجيش الحر قدموا من مدينة أعزاز. وللعلم، أسهم اقتتال "زنكي" و"فاستقم" في فشل "ملحمة حلب الكبرى". باستكمال توزع القوى بين القطبين المذكورين، ستدخل سورية في فترة جديدة إن تفاهما خلالها خسرت ثورتها ما تبقى منها بوصفها ثورة حرية، وان اقتتلا آذن ذلك بانهيار الثورة وانتصار النظام.
في ظل ما بلغته أمورنا، ومسؤولية التنظيمات المذهبية عن تقويض الثورة عبر طمس هويتها الأصلية، وتحويلها إلى اقتتال ذي سمات طائفية، وتدهور الأوضاع في معظم المناطق المحررة التي تتحول، أكثر فأكثر، إلى بؤر معزولة ومحاصرة، نجد أنفسنا على مشارف طور ثالث من الصراع، عواقبه وخيمة بالنسبة للشعب، يصير من المحتم أن تستعد مختلف القوى والتيارات والجهات والشخصيات الوطنية لما سيطرحه هذا التطور من خياراتٍ صعبة، تتصل بضرورة بذل جهودٍ موحدة وعاجلة لدرء الهزيمة، بالتركيز على موضوعين رئيسيين: إعادة إنتاج مشروع الثورة الأصلي كـ "مشروع حرية لشعب سوري واحد"، والشروع بعمل استباقي، برنامجي ومدروس ويومي، لتعبئة قدرات مجتمعنا الكبيرة وتحشيدها، داخل وطننا وخارجه، التي ابتعد قسم كبير من قطاعاتها المحايدة عن الثورة خوفاً من الإرهاب، ومثلها من الموالين لها كرهاً بالعسكرة والمذهبية، ولأن هؤلاء قاموا بثورةٍ سياسيةٍ، ولم يقوموا بتمرد مذهبي أو طائفي، بينما أبعد النظام قطاعات واسعة أخرى عن الثورة، بالقمع والتصفيات، وبإثارة الأحكام الطائفية المسبقة، ونزعاتها النافية للجامعة الوطنية، وبالتجويع والحصار والاقتلاع والسحق الأعمى، وتوسيع الحرب ضد الشعب والمواطن العادي، والاستعانة بجميع صنوف القتلة المحترفين، كالمحتلين الروس والإيرانيين والغزاة المذهبيين والمرتزقة.
تتعاظم الحاجة إلى هذا العمل الاستباقي، من ساعة إلى أخرى، كدوره في التخلص من معادلة نظام/ إرهاب، واستعادة معادلة الثورة الأصلية: نظام/ بديل ديمقراطي، يضمن الحرية لشعب سورية الواحد، تطبيقا لبرنامج عمل، عام وقطاعي، تؤسّس بمعونته أوضاع تنظيمية وسياسية وطنية المنطلقات والمقاصد، تحملها قطاعات شعبية واسعة، ما زالت مواليةً للثورة، يستطيع السوريات والسوريون مواصلة الثورة، إذا ما انتهى طورها الحالي بالفشل أمام تحالف الأسد/ إيران/ روسيا/ المرتزقة، أو تزايد الاقتتال المتزايد بين الفصائل، المرشح للاتساع، ولا بد من العمل لكبحه ووقفه، وفعل كل ما هو مطلوب، في الوقت نفسه، لمنع النظام من استعادة الوضع السابق لثورة الحرية، ولمواصلة النضال الثوري ضده بوسائل تبقي كتلاً مجتمعية رئيسة في ساحة الصراع من أجل حرية الشعب ووحدته.
تقف الثورة أمام منعطف حاسم يتفق وما عمل له النظام وأراده، تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية التنظيمات المذهبية ذات المشروع الطائفي المعادي للحرية ووحدة الشعب التي دخلت في تناقضٍ عدائي مع قوى الثورة، منحت المعارك التي أنتجها داخل صفوف الشعب النظام فرصة التقاط أنفاسه والنجاة من الهزيمة، ومكّنته من الإفادة إلى أقصى حد، داخلياً ودولياً، من نسبتها إلى الثورة، وإقناع الجهات الدولية أن مشروعه المذهبي الإرهابي هو مشروعها. واليوم، ما لم تبادر الجهات المتمسكة بثورة الحرية ووحدة الشعب إلى تنظيم صفوفها، وسد الثغرات والفجوات الخطيرة التي شابت عمل المعارضة، بشقيها السياسي والعسكري، فإنها تتخلى عن واجبها حيال شعبه، وتستسلم، كغيرها، للمصير الأسود الذي ترتب على التطرّف المذهبي، وأسلوبه التنظيمي/ الفصائلي الفاشل والمتخلف الذي أثبتت التجارب المكلفة والمريرة عجزه عن إنزال الهزيمة بالنظام أو الصمود في وجه جيوش حلفائه الإيرانيين والروس ومرتزقتهم.
لا عذر لمن لا يعمل، وإن جدّ متأخراً، لرد الروح إلى البديل الديمقراطي، جوهر ثورة من طالبوا بالحرية لشعبهم الواحد، ولإنقاذه، بعد أن أوصله المشروع المذهبي إلى حافّة الهزيمة.