مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٣٠ نوفمبر ٢٠١٦
على أعتاب “معابر الموت” حلب تميط اللثام عن قاتليها الأقربين قبل المجرمين

تتسارع دقات القلب، وتعجز الحروف عن الخروج من حناجر متعبة أنهكها القتل والتعذيب والحصار، صور وأشلاء لأطفال ونساء، مزقتها صواريخ الحقد الأسدية على عتبات المعابر الأمنة التي جعلها نظام الأسد منفذاً وحيداً لخروج آلاف المدنيين المحاصرين في الأحياء الشرقية من حلب، كل هذه المآسي لم تلامس الحس الدولي والإسلامي بمعاناة المدنيين في حلب حتى اليوم، حيث يتفرغ نظام الأسد للقتل والتنكيل، بعد أن حقق مبتغاه بالسيطرة على عدة أحياء في المدينة كانت خارج السيطرة.


اليوم حلب تعيش المأساة لوحدها، لم ينصرها القريب ولا البعيد، تكفكف دموعها وتضمد جراحها النازفة دون توقف، حلب تعيش حالة الكارثة التي دخلت كل حي وكل منزل بثقل أوجاعها وهمومها وجراحها التي لا تكاد تتوقف عن النزيف، وسط حالة الغليان الشعبي في كل المناطق السوري المحررة تلبية حلب وتطالب بالإسراء في إنقاذها ولا مجيب.


المعابر الأمنة اليوم في حلب باتت معبراً للموت، يقتل فيها كل من يحاول النجاة، كأنها المحرقة أو يوم القيامة قد حل بحلب، يسرق أرواح الأطفال والنساء، وتتناثر أجسادهم، يقتصر المجتمع الدولي بعد القتلى بالأرقام، فلم تعد تؤثر تلك الصور التي تبث لمنظار الأشلاء والقتل والمجازر الجماعية التي ترتكب بحق من طلب النجاة، وهرب من الموت الذي لاحقه لأشهر في احياء حلب، لتكون النهاية المريرة على عتبات تلك المعابر.


من ينصر حلب اليوم، وهل تكفي البيانات أو منشورات الحزن والتباكي على مأساة حلب، وهل يكفي انتقاد الشرعيين للقادة ومطالبتهم بالتوحد، أما سئم شرعيونا من طلب التوحد والاعتصام، أما عاد للقادة صوت يجيب عن التساؤلات الكثيرة لماذا توقفت معركة فك الحصار، ومن هو المعني الأول بفك الحصار، أما تساءل احد أين ملايين الطلقات والقذائف التي خرجت من مستودعات بعض الفصائل بمدينة حلب، وأين باتت هذه الأسلحة، ولماذا لم تستخدم في الدفاع عن حلب، أم انها في عهدة بيت مال المسلمين تنتظر أهل العلم للفصل في حصة كل واحد منهم.


أين أرتال الثوار، ولماذا توقفت معركة حماة بحجة أن حلب الأولى وأن الإعداد لحلب اليوم، فلا نصرنا حلب ولا انقذنا حماة، أين أصواتكم أيها السادة، هل سيكون ردكم بعد كل هذه الدماء والمجازر، بان خسارة بقعة أرض لا تعني انتهاء الجهاد والثورة، هل كل هذه الأرواح التي أزهقت هي فاتورة طبيعية لحربكم، ولبناء كياناتكم، ولو على حساب أشلاء ذلك الطفل الذي قتل في أحضان أمه، ذلك الشيخ المغبر الذي تضرجت وجنتاه بالدماء، تلك المرأة التي نام جسدها على أبواب المعابر الامنة كانت تبحث عن ملاذ آمن للخروج منه لأجل أطفالها.


هل تنصر حلب اليوم ببضع لافتات ومظاهرات لم تتعدى العشرة أشخاص، ليأتي من يواجههم ويسقط علم الثورة، وتنتهي المظاهرة وينتهي الانتصار لحلب، هل باتت قضيتنا رفع علم الثورة أو إسقاطه وحلب تموت كل لحظة، من أسقط  علم الثورة وماهي غايته، ولماذا دافع عن نفسه بوجه من حاول منعه من التصدي للمظاهرة بفتح قنبلته ليقتل من يقف بوجهه، أما كانت حلب أولى بقنبلتك التي أخرجتها.


حلب لن تسقط وستتابع مسرتها، حلب لن تموت وستنتصر على كل من خذلها، كنا نبكي داريا وكل من خذلها ونتهم فصائل الجنوب بالتخاذل، فأين أنتم فصائل الشمال، ولماذا خذلتم حلب، هل ستكون المرحلة القادمة هي تراشق الاتهامات، والتنديد والشب، أما التباكي على اطلال حلب المدمرة ...............؟

اقرأ المزيد
٣٠ نوفمبر ٢٠١٦
نذبح كـ”خراف” ليفرح الذّباح .. في حلب لا آذان يكتمل بسبب “غصة” القهر

لم يستطيع مؤذن جامع “نور الشهداء” في حي الشعار إكمال رفعه اذان الظهر، فخنقته الغصة، و بكى على الملأ واختلط نحيبه مع “ يا الله حلب يا الله حلب يا الله حلب”، ويتقطع صوته مع دوي القذائف بشتى أنواعها، وبذات الوقت تتناثر جثامين الأطهار كـ”خراف” مضرجة بالدماء، وسط قهقات القاتل بأنه أوفى النذر الذي عليه ، نذر ليس لإله و إنما لصنم.


مسكت يد أطفالها و هي تبتسم وسط دموع تعبر عن مزيج من المشاعر، أطغاها القهر و الفرحة بالنجاة المؤقتة، وتهمس لتلك الأجساد الهزيلة التي تشدها، بأننا وصلنا إلى منطقة لا اعتقال فيها على الأقل، و لكنها لم تكمل رسائل الطمأنينة لأطفالها حتى جاءت قذائف الموت لتقضي على الجمع.


في حلب المتبقية، يحدث أمور لا يمكن لاعلام أي كان أن يشرحها ، ولا لصورة مهما كانت مؤلمة، أن ترسم ملامحها، قصة تلك الأم التي استشهدت مع اطفالها و ٤٢ شخصاً آخرين في حي “جب القبة”، يشابهها عشر قصص في ذات الرقعة التي لاتتجاوز العشرين متر مربع، و آلاف القصص داخل “الحراق” الذي يسمى اليوم بحلب .

يجلس فوق وشاح ، سجّ به جسد أمه، و هو يداعب بقايا الجسد الذي تشظى، ويقول ليتني كنت معك الآن في السماء سواء أكان مصير نار جهنم أم غدير الجنة، و بكلتا الجحالتين لن أتركك، ليتني لم أتركك لأبحث عن شيء ما يسد رمقك و يدفئ جسدك المنهك، لكن تمنياته تقف مع عند حاجز الموت القادم من كل مكان و من الجهات .

يقف العالم اليوم مكتوف الأيدي أكثر من المحاصرين في حلب ، ينظر إلى الموت في تلك المنطقة على أنه قدر “أحمق” ، ويأمل أن يتعقل و يهدأ ولو بعد حين، فهو ثور يعشق اللون الأحمر و يعمل على تصنيعه و انتاجه من أجساد المندثرين.

في حلب عندما يعجز القلم عن الكتابة

اقرأ المزيد
٢٩ نوفمبر ٢٠١٦
السروريون الجهاديون والغباء

يقول الرئيس الفرنسي «فرانسوا هولاند»: (يستغل الرئيس الأسد المتطرفين ليضمن بهم بقاءه). وهذا صحيح، فحركات التطرف الديني وعشقها للدم والتخريب ومحاربة العالم (الكافر) كما يصفون من يحاربون - مسلمون وغير مسلمين - جعل كثيراً من دول العالم يضع هذه الحركات في رأس أولوياته، ويتغاضى عن جرائم الأسد وتجاوزاته غير الإنسانية.

الرئيس الأمريكي المقبل «دونالد ترمب» قال في إحدى خطبه إن الرئيس الأسد يحارب داعش والإرهاب فلماذا نحاربه؟.. وهذا ما يروج له الأسد ويستغله، وهو ما أشار إليه الرئيس هولاند. كذلك الفرس الايرانيون في خطابهم السياسي والإعلامي يزعمون أنهم في سوريا يحاربون الإرهاب؛ وهذا ما يؤكد للمرة الألف أن القاعدة وداعش وكذلك الرحم الذي أنجبهم (تيار السروريين) هم في السياسة والتعامل مع الواقع وموازين الضعف والقوة أغبياء حمقى، يعطون أعداءهم من حيث لا يعلمون المبرر والذريعة للقضاء عليهم واستئصال شأفتهم.

القاعدة حاربت العالم جميعاً، فانتهت إلى مقتل مؤسسها ابن لادن، وتشرذم أتباعها، وتشتت شملهم. داعش التي أنجبتها القاعدة ها هي قاب قوسين أو أدنى من أن تُسحق، وتنتقل إلى التاريخ. ولا فرق لدي إلا في بعض الهوامش بين القاعدة وداعش. فكلتا الحركتين نبتت وهي تحمل أسباب فنائها، وكذلك لتبرر قوة أعدائها.

الفرس الصفويون يحرصون على بقاء التطرف السني والتكفير لكي يبرروا تدخلاتهم في شؤون دول المنطقة، ويتمترسون بحرب الإرهاب لتبرير شهواتهم التوسعية.

كذلك الدول السنية الكبرى ومنها المملكة تعاني أشد المعاناة منهم، ومن فتاوى مشايخهم وبالذات التكفيرية، حتى ليخيل للكثيرين أنهم يستفزون الدول العظمى لمناوأة أهل السنة ومناكفتهم ومصادرة ثرواتهم.

والسؤال: هل يدركون ذلك؟.. في تقديري أنهم لا يدركون، لأنهم سذج مغفلون حمقى؛ لا تتعدى نظرتهم للمستقبل أطراف أنوفهم. جرّب - مثلا - وناقش صحويا منهم، واطرح عليه بعض الأسئلة عن مواقف الهالك ابن لادن الاستحمارية. إذا صدقك فسوف يستورد أمثلة من التاريخ وعنتريات السلف يوم كانت الشجاعة والسيف والرمح والنبل هي أدوات الحرب. وإذا طرحت أمامه الفرق بين عالم السيف البدائي وعالم التكنولوجيا والذرة، لجأ إلى القول بأن الله معهم وليس مع الكفار، ولذلك سينتصرون.. وربما يضيف: {وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ}, ونسي السطحي المسكين أن الله جل وعلا حينما وعد بالنصر، اشترط إعداد القوة، ولم يترك الأمر معلقاً على الإطلاق، وإنما على التقييد. هذا العمق الفلسفي العقلاني لا يدركه كثير من المتأسلمين المسيسين، فلديهم أن السماء ستنصرهم حتى ولو لم يتلمسوا أسباب القوة، ولم يعملوا على توفير مبررات النصر.

السبب في هذه الحماقات أن السلفية المتأخونة على وجه الخصوص، يكرهون العقل والعقلانية، بل وربما يكفرون العقلانيين. وأتذكر أنني سبق أن وصفني أحدهم بأنني (معتزلي)، فالذي يعرض ما ينقل على عقله، يعتبرونه من (المعتزلة)، وكل المعتزلة في معاييرهم كفار.

وقد يسأل أحدهم: كيف يكون الجهاديون مغفلين ومنهم الطبيب والفيزيائي والمتخصصون تخصصات علمية يحتاج صاحبها إلى قدر ولو قليل من معايير العقل والذكاء؟.. المشكلة ليست في ذات الشخص، وإنما في الأيديولوجيا التي يحملها الشخص نفسه، وأول أولويات هذه الأيديولوجيا أن تُهمش العقل وتنحيه جانباً؛ ففي خطابهم (من تمنطق تزندق) ولا علم اليوم دونما منطق؛ وإلا فهل يعقل أن ينتحر طبيب مثلا، والنص القرآني يقول: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} تغييب العقل الذي يدعو له غلاة السلفيين السروريين هو أس البلاء ومنبع الإرهاب.

اقرأ المزيد
٢٩ نوفمبر ٢٠١٦
تآمرتم على حلب

كنت سمعت الكثير عن شوارعها، وأسواقها، وقلعتها الأبية، وناسها. لكن الظروف لم تشأ إلا أن أزور حلب للمرة الأولى عام 2013 بعد أن دخلت سوريا في ما سُمي وقتها بـ "الربيع العربي". تذرعت بحجة المهمة الصحفية لتغطية منطقة نزاع مقفلة أبوابها بوجه الإعلام العربي والعالمي ولا يدخلها سوى مراسلي الحرب، ودخلت من حدود تركيا حتى مشارف حلب القديمة لم يوقفنا سوى حواجز قليلة أكثرها للجيش الحر وقليل منها لجبهة النصرة. كانت حلب وريفها، وإدلب وريفها تحت سيطرة "الثوار"، ولم أشاهد قوات الجيش السوري الموالية للأسد إلا داخل قلعة حلب الأثرية.

في حرب الشوارع تكون التحركات محسوبة، فأي خطوة تصبح في مرمى القناصة، فوقفت محتمية أتأمل أقدم مدن العالم يقطنها مقاتلون لا يدركون أي حرب يخوضون.
نعم، تقريبا كل المدن والقرى الواقعة بين حدود تركيا ومداخل حلب القديمة كانت في يد "الثوار"، غالبيتهم العظمى لم يكونوا منضوين تحت لواء "الإسلام المتطرف" رغم كل الاتهامات. لم يكن مناسباً لبشار الأسد أن يكون رئيسا ضد شعبه، فحوّل الصورة إلى رئيس يحارب الإرهاب. منذ اللحظة الأولى للحراك الشعبي في درعا عام 2011 عمل النظام السوري على تحويل وتحريف الصورة من مطالب شعبية ومظاهرات سلمية إلى حركات مسلحة بأجندات إرهابية، ونجح صورياً. لكن أهل حلب لم ولن يكونوا إرهابيين. هذه واحدة من أقدم مدن العالم، وكانت شاهدة على أكثر من ثماني حضارات على مرّ العصور. لذا سواء بشار الأسد وعلويوه، أو "داعش" وتكفيريوه، أم حفنة مقاتلين مأمورين من أجهزة استخباراتية فإنهم حقبة واحدة في زمن حلب وأهلها. هم من يدفعون أثمانا باهظة بأرواحهم وأرزاقهم وأعراضهم وهم باقون وإن فوق الدماء.

يعرف بشار الأسد في قرارة نفسه أنه فانٍ، وأن مجده باطل، ويعرف أن لعبة الدول التي أقحم نفسه وسوريا فيها، هو فيها لاعب صغير يحول بينه وبين الموت قرار، وبينه بين خسارة حكم سوريا قرار. يعرف بشار الأسد تماما أنه أجرم بحق سوريا، وإذا لم يحاسبه البشر فسيكون له التاريخ والقدر بالمرصاد. وتعرف الدول الداعمة لحركة الثوار في سوريا أنهم يدفعون اليوم ثمن أخطائهم. قيل الكثير بين عامي 2012 و2014 أن بشار الأسد على وشك السقوط تماما كما أسقط بن علي، وحسني مبارك، والقذافي، وغيرهم. لكن بعد ست سنوات على رسومات خطها أطفال بإيعاز من كبار ضد الأسد على حيطان درعا، وبعد سقوط حماه وحمص وريف دمشق ها هي حلب بحكم "الساقطة عسكريا".

يوم دخلت القوات التركية سوريا باتجاه مدينة الباب السورية قبل أشهر قليلة كان القرار اتخذ بإهداء مدينة حلب لروسيا وإيران. ولا بأس، فسوريا أصبحت تشبه لوحة الشطرنج، وهي لعبة تجيدها الدول ولا يفقه فيها طلاب الحرية. وهكذا تأخذ إيران وروسيا حلب المدينة، ويبقى ريف حلب لـ"الثوار" المنضوين تحت لواء أميركا وتركيا وبعض دول الخليج. كل هذا تحت شعار محاربة "داعش"، وكل هذا لأن أخطاء جسيمة ارتكبت. ففي زمن الثورة السورية، بلغت الخلافات الخليجية الخليجية ذروتها، والعلاقات العربية الأميركية وصلت إلى أسوأ مراحلها. وعلى أرض سوريا يقاتل المرتزقة من كل حدب وصوب ولم يعد واضحا مَن يقاتل مَن ولماذا. هذا قبل "داعش" وهذا سبب من أسباب وجود أغراب متطرفين يقاتلون في سوريا. على مرأى العالم، مرّ المقاتلون الأجانب عبر حدود سوريا ليشكلوا ميليشيات شيعية عراقية ولبنانية، وروسية، وإسلامية متطرفة، مثل "داعش" وغيرها. لم يحرك العالم ساكنا رغم أن أجهزة استخبارات العالم بأجمعه تقف على مشارف سوريا ترى وتسمع وتوثق.

نهش المقاتلون بعضهم البعض ونسوا قضيتهم، وبعضهم شَغَلَه سرقة النفط وأموال الناس وإعاشاتهم، وسرقوا السلاح وباعوه. طبعا من الظلم أن نعمّم هكذا ممارسات على كل الثوار لكن الجميع يعلم أن هكذا اقترافات حصلت وتحصل. لهذا تسقط مدن سوريا الواحدة تلو الأخرى، فالمعارضة بعد ست سنوات لم تنتج شخصا واحدا يشعر الناس أنه قائد. للثورات وجوه ونجوم وقادة، قد لا يعمّرون طويلا لكنهم غالبا ما يكونون عنوان مرحلة، وهذا مفقود في صفوف المعارضة السورية مع الاحترام لكل تضحياتهم المبذولة. لهذا خسرت المعارضة، لكن حلب باقية. صحيح أن دماء مدنيين أبرياء تسيل في شوارعها، لكن تخيلوا كم حرب شهدت مدينة يُقال إن البشر يسكنونها منذ الألفية السادسة قبل الميلاد.

حلب ستشهد على عصرنا هذا وعلى أجيال قادمة، وستبقى مدينة جميلة بعيون العالم وعصية على الجميع. وإذا ما تسنى للحلبيين أن يذهبوا إلى القبور في هذه الحرب الضروس، ليتذكروا أن يدفنوا خوفهم إلى جانب أمواتهم. فحلب لن تكون للإيرانيين للأبد، ولا للروس، ولا لداعش ومَن خلفه، ولا للمقاتلين بالوكالة. حلب لأهلها باقية.

اقرأ المزيد
٢٩ نوفمبر ٢٠١٦
عندما تتحدث الطفولة.. في زمن الحرب

هذة ليست مجرد لوحة فنية أو رسمة فنان، ليست ورقة ملونة تنال الإعجاب فقط.. بل هي حكايا وآلام خطتها أنامل طفل ذي ثلاثة عشر عاما. نعم، عندما يتحدث الأطفال ينطقون بصدق دون قيود أو تلميع، يعبرون عما بداخلهم ببراءة من غير تكلف، فيا الله.. ماهاتان الكلمتان اللتان اختصرتا الكثير من الكلام!!


 كلمتان أبلغ من الخطابات السياسية والمعارك العسكرية، بل أجزم أنها رسالة واضحة التفاصيل بما في داخل فئة كبيرة من الشعب السوري، اختصرها هذا الطفل بكلمتين وصورة صغيرة.


 قد لاتمتلك الكلمات التعبير عمّا يدور في رأسك عندما تقرأ اسم الطفل هاني الطالب في الصف السادس الابتدائي، ماهذا الغضب والقهر والوحشة التي بداخله من هذا العالم الأسود؟! بالنسبة له، فهو لم ير من هذه الحياة سوى ركام الحرب وأشلاء الضحايا، طفولة ممزوجة بالتهجير والعنصرية والقسوة.
هاني ليس الوحيد، ولكنه مثل الآلاف، بل مئات الآلاف من الأطفال، عندما ترى دموعا تنهمر من عيني طفل خلف جدار مدرسته وهو يكافح في مهنة شاقة حتى على الكبار، تقف للحظات تتأمل المشهد، وبعد أن تدرك الحقيقة الموجعة يبدأ الضجيج بداخلك، في معركة بين الإنسانية والتجاهل لما يراه. نعم هذا الطفل هو المصدر الوحيد لعائلة انهكتها الحرب.


صمت .. وصمت .. وصمت، لا كلام ولا وصف، ينطق بصوته الطفولي المبحوح أنا لست حزينا لعملي، نعم أنا لست حزينا لعملي ، بل حزين لعدم امتلاكي الوقت الكافي والقدرة للعمل تسع ساعات هنا، وست ساعات هناك، ويشير، بألم وحرقة إلى المدرسة.


ماهو الحل ؟ لا أعرف، سوى أن أقول: لعنة طفولتهم ستلاحقنا إلى أن ندرك مستقبل أطفال شردتهم الحرب، وقتلت فرح الطفولة وبهجة الحياة في قلوبهم.

اقرأ المزيد
٢٨ نوفمبر ٢٠١٦
انعكاسات احتمال فوز فيون

إذا صدقت استطلاعات الرأي المرجحة فوز رئيس الحكومة الفرنسي السابق فرانسوا فيون في انتخابات الجمهوريين التمهيدية لاختيار المرشح الفرنسي للرئاسة، فسيعكس ذلك صورة عن وجود تشدد واستياء إزاء الإسلام. ففيون ركز خلال حملته على انتقاد الديبلوماسية الفرنسية، قائلاً إن «هناك ضرورة لإعادة التوازن فيها بالتقارب مع إيران بدل الحلف مع دول الخليج».

وهو واكب موجة شعبية في اليمين الفرنسي تندد بدول الخليج، كما يفعل الإعلام منذ العمليات الإرهابية التي ضربت البلاد العام الماضي، على رغم أن جميع الإرهابيين الذين قاموا بهذه العمليات هم من أصول شمال أفريقية وعاشوا ونشأوا في ضواحي بلجيكا وفرنسا. وهم أبناء مهاجرين عُزلوا في ضواحي دول أوروبية تعاني مشاكل اجتماعية منذ سنوات وفشلت كل الحكومات الفرنسية في معالجتها. هؤلاء ليست لهم أي علاقة من بعيد أو قريب بدول الخليج. فجزء كبير منهم زار سورية التي غذت الحرب فيها، وصعود «داعش»، هذه الموجة من الإرهاب التي ارتكبت أعمالاً شنيعة وكارثية باسم الإسلام.

اعتقاد فيون بأن التقارب مع إيران يفرض نفسه خطأ في التقدير، إذ إنه ينسى أن هذا البلد أصل تصدير الثورة الإسلامية إلى الشرق الأوسط منذ وصول الخميني إلى الحكم.

يقول فيون إن هناك تيارين في سورية فقط، أحدهما «داعش» والآخر بشار الأسد، وهو يختار بقاء الأسد. إنه منطق شعبوي مبسط لفرنسيين يجهلون الواقع في منطقة الشرق الأوسط.

يقول فيون إنه يناضل من أجل حماية مسيحيي الشرق. لكن هؤلاء هُجّروا من بلدانهم بسبب حروب في سورية والعراق وفي الأراضي الفلسطينية والقدس منذ عقود. وقمع بشار الأسد في سورية في 2011 مظاهرات مدنية مسالمة تطالب بالحرية هو ما أدى إلى الحرب. فكيف لا يرى فيون، وهو سياسي فرنسي محنك، أن مسيحيي الشرق مهددون في مصيرهم في سورية دمرها الأسد وحاميه صديق فيون، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بطائراته وقنابله؟ وكيف لا يرى أن الأسد وإيران مع وكيلها في لبنان «حزب الله» هم الذين دفعوا بحربهم الوحشية في سورية باتجاه نشوء مجموعات وحشية مثل «داعش»؟

ينبغي على فيون إذا فاز في الانتخابات التمهيدية للحزب اليميني أن يعود بعض الشيء إلى الوراء في تاريخ عائلة الأسد في لبنان وتعاملها مع المسيحيين هناك والجرائم التي ارتكبتها فيه وتقسيم الصفوف المسيحية والاغتيالات المتتالية من رؤساء جمهورية مسيحيين مثل بشير الجميل ورينيه معوض إلى زعماء مثل داني شمعون وعائلته وبيار أمين الجميل.

ألا يدرك فيون أن الأسد هو الذي فتح السجون وأفرج عن إرهابيين كانوا أصل نشاة «داعش» في سورية؟ إن الأصولية والعنف والإرهاب تنمو كلها من حكم استخباراتي عنيف وإرهابي مثل حكم النظام السوري. وتبسيط الوضع السوري بأنه - كما لخصه فيون - بين «داعش» وبشار الأسد رؤية خطيرة لرجل يطمح إلى الوصول إلى سدة رئاسة دولة مثل فرنسا.

الديبلوماسية الفرنسية الحالية إزاء سورية صائبة. ولو أن صوت فرنسا لا يسمع لصعوبة الوضع الاقتصادي وقلة إمكاناتها. لكن مواقف الرئيس فرانسوا هولاند إزاء الحرب السورية تتماشى مع القيم الفرنسية، كما هي الحال مع مواقف منافس فيون رئيس الحكومة السابق عمدة بوردو آلان جوبيه الذي إذا خسر المعركة الانتخابية تكون فرنسا خسرت وجهاً لامعاً للاعتدال في المواقف إزاء مسلميها والشرق الأوسط. لكن يظهر لسوء الحظ أن عهد العالم الجديد مع دونالد ترامب في البيت الأبيض هو عهد للتشدد والتطرف في المواقف.

اقرأ المزيد
٢٨ نوفمبر ٢٠١٦
هل سمعتم بالمجازر؟

لا نفتعل اثارة مسألة لا نجد لها أثرا في مجريات الانهماك بترتيب الهيكل السياسي الجديد إن تساءلنا ماذا تراه يكون عليه الموقف اللبناني من إحدى أفظع المجازر الانسانية التي ترتكب في مدينة حلب ؟ نعلم تماما الجواب المعلب من انه لا يتوقف على لبنان وطبقته السياسية ونخبه المدنية ان يعوضوا أفظع ما يواكب مجازر حلب من قصور دولي وتواطؤ مشين في حق الانسانية قاطبة جراء هذا الذي يجري والذي تقشعر له الأبدان . ولكن هل كان الامر كذلك في السوابق حين كان لبنان يحتفظ لنفسه دوما بميزة الصراخ حيال مجازر كهذه وهو الذي لا تزال المجازر التي ارتكبتها اسرائيل ضد شعبه ومناطقه ترسم ندوبا لا تمحى ؟ وهل ثمة فوارق بين مجازر ترتكب اليوم في حلب مهددة بأبشع الاستباحات ضد البشر والعمران في إحدى اعرق المدن قاطبة فيما يطبع لبنان تجاهل مريب وهو البلد الذي طبع على خصائص مناهضة الظلم والعدوان والفظائع والنزاعات الدموية المجنونة التي تسكر على أنهار الدماء ؟

لا نسوق الامر من زاوية سخافة مقاربة السياسات الخارجية للدولة اللبنانية التي لا نزعم كيف سيمكنها رسم اتجاهاتها مع ولادة حكومة جديدة يراد لها ان تحشر في تركيبة الـ24 محظيا كل تناقضات الواقع السياسي والامتدادات الاقليمية الشديدة الالتهاب . نترك هذا الاستحقاق للمنخرطين في معركة تحديد الأحجام والتوازنات وما ستفضي اليه مع تمنياتنا المقرونة بالدعاء الصادق لأصحاب اللهفة على العهد والحكومة بان يوفقوا في ابتكار يحول دون ولادة حكومة تحمل في بذورها عناصر تفجيرها . ما يعنينا هنا هو مساءلة قوى سياسية تقيم على رفع حقبة جديدة موعودة في لبنان وتلتزم معايير التواطؤ الدولي نفسها في الصمت عن المجازر الجارية في حلب مهددة بفناء حقيقي وكأنها غير معنية لا بتنديد ولا بصراخ ولا باستنكار ولا بتحرك . لم يكن لبنان هكذا يوما ، وثمة قوى فيه كانت حتى الأمس العابر فقط تحمل لواء الثورة السورية كثورة على الطغيان . وليس ممكنا ولا مقبولا ولا مبررا تبرير الصمت أو التجاهل حيال هذه المجازر بتمرير الفترة الانتقالية الجارية منذ بداية العهد الجديد لئلا يتفتق الانقسام الكامن حول مسألة تورط " حزب الله " في الحرب السورية . هل تراها حتى قوى 14 آذار ( السابقة ! ) اختطت لنفسها خيارات النأي بالنفس حتى عن موقف صارخ من هذه المجازر ؟ وماذا تراها فاعلة قوى الحكومة الجديدة كما العهد الجديد اذا حصل المحظور الأكبر المترائي وراء كثافة الغارات التدميرية للنظام وداعمته روسيا بلوغا الى المجزرة الكبرى ؟ لعلنا نتوهم أن أحدا سمع بالامس ان مجاعة بدأت تضرب المحاصرين في شرق حلب وان حرب الفناء شارفت المأساة النهائية . فالمحاصصة الطالعة لا تبيح هذا الترف!

اقرأ المزيد
٢٨ نوفمبر ٢٠١٦
هل سيُحاكم مجرمو النظام السوري؟

بعد أن وزّعت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، سامنثا باور "لائحة العار" التي تضمنت أسماء 12 ضابطاً رفيعاً في جيش النظام السوري وأجهزته الأمنية، واتهمتهم بـ "الإشراف على ارتكاب انتهاكات جسيمة، وجرائم بحق الشعب السوري" تمثل جرائم حرب بموجب القانون الدولي، فإن تساؤلات عديدة تطرح حول ما إذا كان هؤلاء المتهمون سيقدمون إلى المحاكم الدولية، لنيل ما يستحقونهم من عقوبات على جرائمهم التي ارتكبوها بحق الشعب السوري أكثر من خمس سنوات، وذلك احتراماً لأرواح الضحايا وعذابات ذويهم، وتحقيقاً للعدالة.

ويأتي اتهام السفيرة الأميركية في وقتٍ يمعن فيه النظام الأسدي والروس والإيرانيون في ارتكاب الجرائم والمجازر بحق سكان مدينة حلب الشرقية، ومناطق عديدة في محافظة إدلب وريف دمشق وحمص وسواها، لكن قائمتها لم تتضمن أسماء ضباط روس أو إيرانيين أو عناصر من مليشيات حزب الله اللبناني، وسواهم من المليشيات الإرهابية الذين تزجّهم إيران في الحرب ضد الشعب السوري، وارتكبوا أبشع الجرائم بحق السوريين.

ويفيد واقع الحال بأن قادة النظام الأسدي وحلفاءه في النظام الروسي ونظام الملالي الإيراني لم يتوانوا، سنوات عديدة، عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهو أمر وثقته هيئات أممية ودولية، وجمعت دلائل وقرائن عديدة تثبت إدانتهم، لكنهم ظلوا بعيدين عن المساءلات والمحاكمات، وجرى تعطيل السبل المؤدية إلى محاكمتهم في المحاكم الدولية.

ويشعر سوريون كثيرون بالخذلان واليأس من تعامل الساسة الغربيين مع الكارثة السورية التي سببها تعامل النظام الأسدي مع الثورة السورية، ولديهم مخاوف واقعية من أن الساسة الأميركيين اتفقوا مع الساسة الروس على إنقاذ النظام الأسدي، بالنظر إلى مواقف الإدارة الأميركية، وتردّد (وتشوش) مواقف أصحاب القرار فيها، وخصوصاً الرئيس الأميركي، باراك أوباما. وبالتالي، فإن تحذير باور هؤلاء المجرمين من الملاحقة والمحاسبة يبدو فارغاً في المدى المنظور، خصوصاً أن إدارة أوباما ستغادر البيت الأبيض قريباً، ولم تفعل شيئاً طوال أكثر من خمس سنوات مع هؤلاء المجرمين وسواهم، عبر السعي إلى تشكيل محكمة دولية خاصة للنظر في جرائم مرتكبة في سورية، الأمر الذي أدى إلى انسداد السبل أمام كل المحاولات الهادفة إلى إطلاق مبادرات مستقلة، وخصوصاً المبادرة التي أطلقتها لجنة العدالة الدولية والمساءلة التي نجحت في تسريب 600 ألف وثيقة، تدين النظام السوري، وتوثق عمليات التعذيب والقتل الممنهج داخل أقبية أجهزة النظام والجيش، تنفيذاً لأوامر عليا، موقعة على الأرجح من بشار الأسد.

وكان إنشاء محكمة الجنايات الدولية في لاهاي المختصة بمحاكمة مجرمي الحرب وإدانتهم في سياق تحقيق العدالة، قد تمّ على الرغم من معارضة الولايات المتحدة الأميركية المحكمة ومهامها. واستطاعت المحكمة أن تتجاوز أنظمة الأمم المتحدة والمعارضات الدولية، وأن ترسي مفهوم التدخل الإنساني الذي صار أمراً أخلاقياً رفيع المستوى، الأمر الذي عزّز الأمل في عولمة الحقوق، وإضفاء طابع إنساني على العولمة الذي تطالب بتحقيقه أغلبية البشر على كوكب الأرض. وجاء توقيف مجرم تشيلي، الدكتاتور بينوشيه، ليشكل بدايةً لمحاكمة مجرم ارتكب أبشع المجازر بحق أبناء الشعب التشيلي، لكن محاكمته أجهضت بفعل معيارية قوى الهيمنة وسطوة تراتبية القوة في العالم. ثم جاء اعتقال الصربي سلوبودان ميلوسيفتش، لكي يجدّد الأمل في عولمة العدالة، والاقتراب من عدالة عالمية، تمنع أي مجرم آخر بحق الإنسانية من التصرف كما يحلو له في الحرب ضد شعبه، أو في الحروب ضد الشعوب الأخرى.

وتتعدّد جرائم النظام السوري التي لا تنحصر في جرائم القتل والتعذيب والاغتصاب والاختفاء القسري والاعتقال غير القانوني، وكلها يدخل ضمن تعريف نظام روما الأساسي للجرائم ضد الإنسانية التي يحدّدها في مجموعة من الأعمال التي ترتكب في شكل هجوم ممنهجاً أو عاماً يستهدف مجموعة من السكان المدنيين بطريقة مباشرة، إضافة إلى جرائم أخرى، يرتكبها النظام بحق غالبية السوريين، بشكل آخر من أشكال جرائم الإبادة الجماعية، من خلال منعه دخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، وخصوصاً في حلب ومضايا والزبداني والمعضمية والوعر وسواها، وتندرج جميعها ضمن ما نصّ عليه نظام روما الذي اعتبر جريمة حرب كل عمل يفضي إلى حرمان السكان المدنيين من الحصول على الطعام والدواء.

مع ذلك، سيعطي مثول بشار النظام ومجرمي الحرب في سورية للعدالة معنى عالمياً متجدّداً، يتجسّد في ملاحقة مجرمي الحرب، سواء تعلق الأمر بجرائم راهنة أو قديمة أو بجرائم الأمس القريب، وسيؤسس مساراً كونياً للجريمة ضد الإنسانية، وللتوبة والاعتراف بالذنب والتكفير عن الخطيئة. وسيواجهون تهمًا عديدة، بموجب اتفاق جنيف، تشمل القتل المتعمد، والتدمير الوحشي للحجر والبشر لأسبابٍ عسكرية، والهجمات المتعمدة ضد المدنيين، والهجمات المتعمدة ضد الأطباء والكوادر الطبية والناشطين الإنسانيين، وقصف مدن وقرى منزوعة السلاح، وقتل المعتقلين وسجناء الحرب، وقصف الأسواق والمدارس والمساجد والمستشفيات، واستعمال الأسلحة الكيميائية، وحصار المدنيين وتجويعهم، ومنع وصول المساعدات الإنسانية إليهم .

غير أن دخول روسيا إلى جانب النظام في حربه ضد غالبية السوريين، وانخراطها في عمليات القصف والقتل، وتدمير الأحياء والبلدات والمدن التي تسيطر عليها المعارضة، وقصف المستشفيات والمدارس والمراكز الطبية، جعلها شريكةً في الجرائم المرتكبة بحق السوريين، لكنه جعل إمكانية جرّ مجرمي النظام إلى المحاكم الدولية وملاحقتهم قانونيًا شبه مستحيلة، بسبب امتلاكها حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، واستخدامها هذا السلاح بوجه أي مشروع قرار دولي، يهدف إلى ملاحقة المجرمين، الأمر الذي سمح بتحويل سورية إلى مسرح لجرائم حرب دولية، يتمتع فيها مرتكبو الجرائم بحصانةٍ دوليةٍ تامةٍ حيال أية ملاحقة قانونية. يذكّرنا ذلك كله بما جرى، وما يزال يجري في التاريخ الطويل والمديد للقضية الفلسطينية التي تشكل معلماً بارزاً على الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها، وما يزال يرتكبها، جنرالات إسرائيل وساستها بحق الشعب الفلسطيني.

ويكشف التستر على هذه الجرائم بصورة واضحة مدى التواطؤ الذي تعقده قوى الهيمنة، والسيطرة في العالم مع الجرائم الإسرائيلية، ويفضح معيارية حقوق الإنسان التي تنادي بها. وعلى الرغم مع أن ملفات مجرمي الحرب في سورية وفلسطين وسواهما ما زالت مغلقة، ولا تسمح تراتبية القوة في عالم اليوم بفتحها، إلا أن مستقبل العدالة وأفقها لا بد أنه سيتناول هذه الملفات في يوم ما، وستجري محاسبة المجرمين على ما ارتكبوه.

اقرأ المزيد
٢٧ نوفمبر ٢٠١٦
أي عار يريده السيسي لجيش مصر؟

لا يهدف الخبر الذي سرّبته المخابرات السورية لصحيفة لبنانية موالية، عن وجود عسكري مصري إلى جانب قوات بشار الأسد، إلى إحراج نظام عبد الفتاح السيسي، فالرجل كان قد أعلن، بالفم الملآن، أنه يدعم "الجيش" السوري ضد من أطلق عليهم تسمية "القوى المتطرّفة"، والتي ليست سوى فصائل الثوار، بدليل أن جغرافية تحرّك المستشارين العسكريين المصريين لم تكن في الرقة حيث "داعش"، بل في درعا وحماة.

وكان السيسي قد طرح، في وقت سابق، ما سماها "رؤية" للحل في سورية، وهي خلطة من مصطلحات خشبية عن الدولة والمؤسسات والحل السلمي، وضعها مستشاروه الحاذقون الذين فاتهم رؤية أن في سورية أيضاً شعباً يجري ذبحه بدم بارد وبكل أنواع الأسلحة، وأحط الأساليب العسكرية، وأنها أيضاً تشهد عملية تطهير ديمغرافي لشعبها، وفق خطّة إيرانية معلنة وصريحة.

ليس موقف السيسي منفصلا أو طارئاً عن سياقاتٍ مصرية في هذا الخصوص، ثمّة حملة شرسة، تقودها مراكز أبحاث وصحف ومواقع إلكترونية، داخل مصر، أو يديرها خبراء مصريون في الخارج، على الثورة السورية والربيع العربي الذي جاءت في إطاره، وتدّعي وجود مؤامرةٍ على الجيوش "الوطنية" تحديداً، وتلمّح إلى وقوف أطراف عربية وراءها، بل وصل الأمر بها إلى القول إن الشعوب العربية لا تليق بها الديمقراطية، وإن تأييدها الإستبداد والقهر موقف عقلاني (!).

أي جيش سوري ذلك الذي يتحدّث عنه السيسي ويريد دعمه؟ لقد فكّك نظام الأسد بنى ذلك الجيش، حتى قبل الثورة، وزوّر عقيدته، وحوّله إلى مليشيا مافياوية طائفية، همّها الأساسي، وباعتراف إعلام نظام الأسد نفسه، سرقة بيوت السوريين، بعد قتلهم أو تهجيرهم، والمفترض أن خبراء مصر العسكريين الذين يفهمون معنى مؤسسة الجيش أنهم على إطلاع فعلي على الوقائع، وأكثر دراية بالحقائق الساطعة.

لم يعرف عن السيسي أنه رجل مبدئي، لديه مواقف متماسكة، ومنظومة قيمية، بدافع عنها. هذا الأمر خارج النقاش، حتى قبل تسجيلات الرز الشهيرة، وليست لديه نوازع قومية. لم يدّع السيسي نفسه يوماً أنه قومي، ولا تختلف سورية بالنسبة له عن الإكوادور أو نيبال. عدا عن ذلك، وعلى فرضية أن السيسي يذهب إلى سورية مدفوعاً بحسّه العربي، فلا شك أنه يصرّف نوازعه في المكان الخاطئ، ذلك أن بشار الأسد أعلن طلاقاً بائنا مع العرب والعروبة، وبات إعلامه يصفهم بالعربان الذين يشربون بول البعير! وأنه ومؤيديه ينتمون لحضارات تاريخية سالفة، اعتدى عليها الأعراب وشوهوها.

ثم ما المقصود بإبراز أن تحرّك مستشاري السيسي العسكريين يجري في إطار الجبهة الجنوبية، والمعلوم أن هذه الجبهة تحت سيطرة تحالف عربي؟ لماذا لا يهتم السيسي بدمشق، وهي رمز عربي، وهذه المدينة تكاد تتفرّس (تصبح فارسية) أو في منطقة القلمون التي تم تهجير ملايين السكان منها لتحويلها إلى جسر عبور إيراني إلى لبنان، أو حتى حلب، حيث تطبق مليشيات إيران الحصار على 300 ألف من سكانها العرب، وتهدّد بإبادتهم جهاراً نهاراً، إذا كانت خلفيات تحرّك السيسي عربية قومية؟

من جهة ثانية، لم يعرف عن السيسي أنه استراتيجي لديه حساسية عالية تجاه الجغرافيا السياسية، حتى يفكر في تحقيق أحزمة أمان لمصر، بدليل أنه لم يهتم بأصول مصر الإستراتيجية، أمن البحر الأحمر المرتبط بأمن قناة السويس، والذي تعمل إيران على انتهاكه. وكانت مفاوضاته مع إثيوبيا بشأن حصة مصر من مياه النيل قد كشفت حجم العطب في التفكير الإستراتيجي، ليس لدى السيسي وحده، بل ولدى النخبة الانقلابية المصرية بكامل عدّتها الفكرية والسياسية والعسكرية. أما اهتمامه بالملف الليبي، فيأتي خارج هذه السياقات تماماً، ولا يؤشر إلى وجود بعد إستراتيجي لديه، فهو يقارب الحالة الليبية بوصفها احتياطي "رز" لنظامه ليس إلا.

والواقع أن وجود السيسي، عنصراً عسكرياً، في سورية لا يشكّل إضافة مهمّة للأسد. وفي الأصل، لا الروس ولا الإيرانيون ولا حزب الله يقبلون منحه دوراً مهماً، ولا حتى يثقون به، كما أن بشار الأسد يعرف أنه لا يملك الصلاحية، ولا القدرة لتوزيع أدوار الأطراف التي تقاتل في سورية. مسرح الحرب تديره إيران وروسيا، ولا أمكنة شاغرة لديهما للجيش المصري. القضية بإختصار أن السيسي يتجحّش مع الأسد للضغط على السعودية، لإعادة الارتباط به بعد الطلاق البائن، وأن الأسد يتجحّش بالسيسي، لكي يتبجّح بأن أكبر الدول العربية تقف معه، وسيبارك إعلام المجحّشين هذه العملية التي ستلد، برأيهم، السيف الذي سينقذ حاضر الأمة، مع أن السيف الوحيد الذي يحمله السيسي والأسد مصوّب على خاصرة الأمة.

من حق العرب أن يحزنوا على وقع مثل هذه الأخبار، ليس على شعب سورية الذي بالأصل تتكالب عليه قوى الشر، ولن تعمل قوات السيسي سوى إضافة بعض الألم على جرحه، بل الحزن على الجيش المصري الذي يُراد زجّه في مقتلةٍ قذرةٍ ليصطف إلى جانب مليشيات إيران في قتل أطفال سورية، أيّ شرف ذلك الذي يريد السيسي إكسابه لجيش مصر، أن يكون شاهد زور على اغتصاب سورية حتى الموت؟ هل من يخبر السيسي أن تلك فضيحة أخلاقية، نربأ نحن العرب أن يتم لصقها بجيشٍ خرج من صلبه جمال عبد الناصر.

اقرأ المزيد
٢٧ نوفمبر ٢٠١٦
أزمة مركبة وعجز مضاعف

يكره معظم من يحبون سورية وصف ما يجري فيها بـ "الأزمة"، لاعتقادهم أن سورية في ثورة، والثورة لا يمكن أن تكون في أزمة. ويتجاهل هؤلاء أنه تكون هناك أزمة، حين ينشأ ويستمر "وضع ليس أو لم تتوفر بعد حلول لمشكلاته"، هو وضعٌ دخلت الثورة فيه منذ بدايتها، لكونها حملت مشكلاتٍ بقيت من دون حل إلى اليوم، ولأن المعارضة لم تقدّم لها برامج تتضمن حلولاً تبلغ بمعونتها هدفها: حرية الشعب ووحدته، ولم تعرف كيف تحول دون نجاح النظام في بلورة بديل أصولي/ إرهابي لها، صنعه من أخرجهم من سجونه وشكلوا، كما أراد وتوقع، تنظيمات مسلحة، مذهبية ومتطرفة، رفضت مثله نزعة الثورة السلمية ومطالبتها بالحرية ووحدة الشعب، ولأن العالم أدار ظهره لحل الأزمة السياسية، على الرغم من أنه رسم في وثيقة جنيف خريطة طريق واضحة إليه، قبل أن تتولى روسيا إفشاله عبر دعمها الأسدية، ثم نشر جيشها في أراضي سورية، وزرعه بمطارات وقواعد برية وبحرية، تلازمت مع ابتعاد أميركا عن ثورة السوريات والسوريين، وتبنّيها مخططاً تقسيمياً اعتمدت في تنفيذه على حزبٍ سلحته ودربته، قدم معظم مسلحيه من تركيا وإيران، لإلحاق أجزاء من أرض سورية الوطنية بمشروع إقليمي يقوده مركزه التركي. لواشنطن مقاصد بعيدة المدى في مساعدته على احتلال منطقةٍ تقطنها أغلبية عربية وكردية تعارضه، وتتعرّض لرصاصه وقمعه.

عندما تواجه ثورةٌ مشكلاتٍ تعجز قياداتها عن إيجاد حلول لها، تكون إما في أزمة أو هي الأزمة. عندئذ يجب أن يعي "قادتها" أنها تصير ثورةً، بقدر ما يضمنون لها شروط النجاح، ويتعاملون معها بصدقٍ وموضوعية كأزمة، بدل أن يتنكّروا لواقعها ويتجاهلوا نتائجها، وكذلك ضرورة أن يبادروا إلى صياغة الأفكار والبرامج ووضعها، وامتلاك الأدوات الكفيلة بإخراجها من احتجازها كأزمة، وتحويلها إلى ثورة.

بعد انطلاقتها الأولى، بدا وكأن الثورة ستنتصر في فترة قصيرة لا تتعدى الشهر. وها هي تواصل عامها السادس، وسط مصاعب موضوعية وذاتية، تغلب فرص تعثّرها على فرص نجاحها، لأسباب بينها نهج قياداتها الذي لا يغطي معظم قضاياها، أو يستجيب لحاجاتها، وحرب روسيا وإيران المفتوحة عليها، واستمتاع أميركا والعالم بجرائم الأسدية ومرتزقة موسكو وطهران ضد شعبها. ولئن كان السوريون ثاروا للتخلص من أزمة تاريخية مستعصية، مثلتها سياسات نظام الاستبداد الأسدي وممارساته، وكانت تناقضات وصراعات عربية وإقليمية ودولية قد أدخلتهم في أزمة جديدة ومركبة، أضافت مشكلات خطيرة الأبعاد إلى مشكلات الثورة المحلية التي حالت تدخلات الخارج المتنوعة ضدها دون نجاحها في إسقاط الأسدية، مثلما حال افتقارها إلى قيادة موحدة وخبيرة، وإنهاكها بانقسامات ساستها وعسكرها، وارتباط موازين القوى بينها وبين النظام بإرادات قيدت إرادتها وحسابات أبطلت حساباتها، وازدياد الضغط عليها من جيوش محتلة وغازية، تمتلك تقنيات فائقة التقدم، وأسلحة وذخائر لا مثيل لها، واحتياطيات استراتيجية تستحيل مواجهتها بتنظيماتٍ فصائلية محدودة العدد والسلاح. واليوم، وقد تخطت الثورة أوضاعها حدثاً داخلياً أساسا، حده الأول النظام والثاني الشعب، ودخلت في حالٍ خطيرةٍ يجسّدها عجزها المتزايد عن مواجهة الغزاة، وما يطرحونه عليها من تحدياتٍ تتخطى إسقاط النظام إلى إنقاذ الوطن، بابتكار حلول تعالج ما ينتجه تداخل مهامها، كثورة ديمقراطية تكابد انحرافاً مذهبياً وثورة تحرّر وطني، يتطلب اندماجهما تطوير برامجها وآليات عملها وأنماط صراعها، لتتخطى ما كانت عليه في طورها الأول، ولتتمكّن من مبارحة أزمته والارتقاء إلى مستوى ثورتين في ثورة، لا بد أن تقودهما جهة ثورية وموحدة، من "الائتلاف" والتكوينات السياسية الأخرى.

تفاقمت أزمة الثورة الديمقراطية والوطنية وتعقدت. وإذا كانت مواقف قواها السياسية والعسكرية وممارساتها لم تحقق أهدافها، حين كان طابعها الديمقراطي سمتها الغالبة، وكان مجتمعها داعما في معظمه لها، فإنها لن تستطيع الصمود من الآن فصاعداً، وتتجاوز المخاطر، إذا ما تمسّكت بأساليب عملها الراهنة، ووعيها السياسي الذي أملاها، وعلاقاتها التي غرّبتها عن الشعب، وفشلت في القيام بواجبها الوطني والثوري في الطور الجديد، بما يحتمه من جهد إنقاذي يدرس أزمتها من مختلف جوانبها، ويقدم أجوبة عملية وفاعلة عليها، بالتعاون مع الائتلاف، أو من خارجه، يعيد إنتاج المشروع الثوري واستئنافه، ويوطنه في الشعب، لكي لا يستمر في الغرق وينقلب تماماً إلى كارثةٍ وخيمة العاقبة.

اقرأ المزيد
٢٧ نوفمبر ٢٠١٦
المعارضة السورية في مفترق الطرق

تؤشر وقائع مسرح العمليات العسكرية في حلب بين تحالف النظام والمعارضة إلى احتمال نتائج مأساوية في تلك الحرب، ومما يدعم هذا الاحتمال وقائع سياسية مرافقة في المستويات الداخلية والخارجية.

ففي الوقائع الميدانية، هناك تقدم ظاهر لقوات حلف النظام على جبهات حلب الشرقية المحكومة بالحصار المشدد بعد عدة أشهر من حصار منع دخول أي من المساعدات، بينما يستمر القصف الجوي العنيف بالبراميل المتفجرة من قبل نظام الأسد، وبأحدث الأسلحة والذخائر من البحرية والطيران الروسي، وسط عجز المعارضة المسلحة عن شن هجمات فاعلة من خارج طوق الحصار على حلب، مما يعني أن الأخيرة متروكة لمصيرها الذي يسعى المحاصرون إلى إفشاله، أو إلى تأخيره في أقل تقدير.

أما في الوقائع السياسية، فإن ثمة إصرارًا من تحالف نظام الأسد مع روسيا وإيران وميليشياتها على السيطرة على حلب، التي شدد عليها رأس النظام في تصريحات أخيرة، فيما أكدها عمليًا مع حلفائه الروس والإيرانيين عبر تحشيد قواتهم البرية والجوية، وتكثيف هجماتهم بصورة غير مسبوقة، وهو ما ترافق مع انسحاب روسي من اتفاقية محكمة الجنايات الدولية، مما يشير إلى رغبة الروس في تجنب إحالة حربهم وجرائمهم في سوريا أمام تلك المحكمة.

أهمية هذا الشق من الوقائع السياسية المحيطة بالهجوم على حلب، أنها محاطة بعطالة دولية، وكأن ما يجري في حلب من مجازر ودمار يتم في كوكب آخر، ووسط عالم لا يهتم بإعلاناته عن السلام وحقوق الإنسان ومنظماتها بما فيها مجلس الأمن الدولي الذي تتركز مهمته في حفظ السلام والأمن الدوليين، ولا يخفف من العطالة الدولية السائدة، تصريحات الموفد الأممي ستيفان دي ميستورا عن احتمالات تدمير حلب.

وسط تلك الوقائع، تبدو حالة المعارضة السورية بالشقين السياسي والعسكري في أضعف حالاتها، سواء لجهة أوضاعها الداخلية أو في علاقاتها مع القوى «الصديقة» في المستويين الإقليمي والدولي. ففي الجانب الأول، ما زالت الانقسامات قائمة من الناحيتين السياسية والتنظيمية على مستوى الكل السياسي والعسكري، الأمر الذي أدى إلى صراعات سياسية ومواجهات عسكرية في أكثر من موقف وموقع لم تمنعهما هجمات النظام في الشمال ولا في غوطة دمشق، بل الأوضاع الداخلية لقوى المعارضة، ولا سيما في التنظيمات الرئيسية، تعاني من مشكلات وارتباكات سياسية وتنظيمية، وليس من جهود قادرة على تجاوز تلك المشكلات والارتباكات.

ولا يقل الأمر سوءًا عما سبق لجهة علاقات المعارضة مع القوى «الصديقة» في المستوى الإقليمي والدولي؛ فـ«الأصدقاء الإقليميون» محكومون بظروفهم وعلاقاتهم مع الدول الكبرى، التي بات من الصعب تجاوزها في ظل تحديات قائمة داخليًا وإقليميًا، وأبرزها تحدي الإرهابيين والمتطرفين، إضافة إلى الصراعات في دول الجوار، التي يعتبر الصراع السوري أحدها، فيما القوى الدولية «الصديقة»، تعاني من ارتخاء موقف رأسهم الأميركي، وتحدي الإرهاب والتطرف.

والمشترك الرئيسي في موقف كل القوى الصديقة للمعارضة، تأكيدهم هامشية وهشاشة قوى المعارضة السورية وعجزها عن القيام بدورها، وهذا ما سمعه قادة المعارضة السياسية مرات في الأشهر الأخيرة في لقاءات مع مسؤولين كبار من الدول الصديقة.

وسط تلك اللوحة السوداء للصراع في سوريا، تبدو المعارضة على مفترق طرق، موضوعة بين خيارين لا ثالث لهما؛ أولهما الاستمرار في واقعها الراهن سيرًا إلى موت معلن أو موت سريري في الحد الأدنى عبر خسارتها لموقعها الحيوية في حلب وإدلب وغوطة دمشق وبقية المناطق المحاصرة، والثاني القيام بتحول سياسي جذري، يركز على نقاط أساسية في استراتيجيتها للصراع مع النظام وحلفائه، من أبرزها في المستوى الداخلي تبريد الخلافات البينية، ورفع الغطاء السياسي عن جماعات الإرهاب والتطرف، خصوصًا جبهة فتح الشام، والتوجه نحو توحيد القوى الرئيسية للمعارضة، وبالحد الأدنى، خلق مركز تنسيق موحد وفاعل، تكون التشكيلات المسلحة تحت إمرته، يعلن برنامجًا للحل السياسي، يقوم على مراحل، وصولاً إلى الخروج من نظام الاستبداد والقتل والدمار إلى نظام وطني ديمقراطي، يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين.

وبطبيعة الحال، فإن الخطوات الداخلية، لما يمكن أن تقوم به المعارضة، لا تنفصل عن خطوات خارجية، ينبغي القيام بها، والجوهري فيها إعادة ترتيب علاقاتها الخارجية لكسب التأييد والدعم الدوليين لقضيتها وأهدافها.

إن القيام بالتحولات المطلوبة من جانب المعارضة ليس أمرًا سهلاً، إنما هو عمل جبار يواجه صعوبات وتحديات كبرى، لكن ليس من طريق آخر للمعارضة، إذا قررتَ مواجهة تحدي الموت سواء كان معلنًا أو سريريًا، فالنتيجة واحدة وستكون مؤلمة بكل الأحوال.

اقرأ المزيد
٢٧ نوفمبر ٢٠١٦
عزيزي فرنسوا فيون.. أنت مخطئ بشأن سوريا

في يوم الأحد، قد يفوز رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرنسوا فيون في الانتخابات التمهيدية في تنظيم الحزب الجمهوري الفرنسي وحلفاء تيار الوسط، لكي يكون مرشحهم في الانتخابات الرئاسية التي تعقد في العام المقبل.

وبقدر اهتمامي بالأمر فإن هذا قد يكون من قبيل الأنباء السارة، إذ إن البرنامج الانتخابي الذي طرحه فيون يعكس كثيرًا مما أؤمن بأن فرنسا تحتاجه للتغلب على الأزمة النفسية والسياسية والاقتصادية الراهنة. كما أنني كنت من المعجبين بالسيد فيون واستقامته في الوقت الذي تعاني فيه السياسة، حتى في الديمقراطيات الراسخة، من انخفاض المعايير الأخلاقية. ويمتلك السيد فيون كثيرًا من الخبرة التي تمكنه من تولي أعلى منصب سياسي في البلاد. فلقد ترأس ولسنوات طويلة لجنة الدفاع في الجمعية الوطنية، قبل أن ينضم إلى كثير من مجالس الوزراء في عدة مناصب وزارية مهمة، وأخيرا تولى منصب رئيس وزراء البلاد لمدة خمس سنوات متتالية.

التقيت للمرة الأولى، على سبيل المصادفة، مع السيد فيون عندما كنت في زيارة لمسقط رأسه في مدينة لومان عام 1987 في جزء من رحلة قمت بها في مختلف المدن الفرنسية للتسويق لكتابي حول آية الله الخميني.

ومن الفعاليات التي شهدتها في لومان كانت عبارة عن مقابلة شخصية مع الإذاعة المحلية في المدينة، وفي نشرة الأخبار الرئيسية التي كان السيد فيون، وهو عضو وقتها في البرلمان الفرنسي عن مدينته، مدعوًا لإجراء مقابلة شخصية هناك للحديث عن السياسات المحلية. وعقب البرنامج الإذاعي دعانا المذيع إلى تناول طعام الغداء برفقة السيد فيون ثم استقللت القطار عائدًا إلى باريس.

وكانت الرحلة القصيرة بمثابة الفرصة السانحة لأقترب من شخصية الرجل والتعرف على اتجاهاته السياسية وطريقته في التفكير.

وأكثر ما لفت انتباهي وحاز إعجابي في شخصيته كان اعتقاده أن الأحزاب المحافظة في الديمقراطيات الغربية حققت أفضل نجاحاتها عندما منحت رؤيتها ورسالتها بعدًا اجتماعيًا، وبعد أن وجدت مفاهيم مثل ساعات العمل المنظمة، وتشكيل اتحادات العمال، وإعانات البطالة، مكانًا تحت الشمس في عهد رئيس الوزراء البريطاني المحافظ دزرائيلي من القرن التاسع عشر. وفي فرنسا، وضعت حكومة الجنرال ديغول الأولى في أعقاب الحرب العالمية الثانية أسس الرعاية الاجتماعية في الدولة الناشئة.

ولذا، عندما أذهب للتصويت في الانتخابات التمهيدية الفرنسية يوم الأحد المقبل، سوف أمنح صوتي ولا بد إلى السيد فيون في مواجهة ألان جوبيه، وكان هو الآخر يشغل منصب رئيس الوزراء الفرنسي، الذي، بقدر اهتمامي بالأمر، يعيبه أنه بدأ حياته السياسية ربيبًا لجاك شيراك غير المأسوف على فترات حكمه.

ورغم ما ذكرت، فإنني أجد صعوبة بالغة في الموافقة حتى على شخصية السيد فيون. والسبب في ذلك يأتي في كلمة واحدة: سوريا.

بالنسبة لي، فإن سوريا أصبحت الاختبار القاسي الآني، ليس فقط للسياسة الخارجية ولكن للإنسانية بأسرها. ويشير موقف السيد فيون، وربما هو الموقف المرتبط باعتقاده أنه ينبغي على أوروبا عقد صفقة ما مع روسيا تحت زعامة فلاديمير بوتين، إلى أننا يجب علينا قبول بشار الأسد، بكل مثالبه ومآسيه، باعتبار أنه أهون الشرين وأقل الضررين في الأزمة السورية الراهنة. ولقد طرح فيون كثيرًا من الأسباب لتعزيز موقفه.

أول مجموعة من الأسباب يمكن أن تحمل اسم «السياسة الواقعية». فسواء نحب الأسد أو نكرهه فهي نقطة غير ذات صلة بالواقع الحالي، فبعد كل شيء تقبلت الديمقراطيات الغربية الزعيم السوفياتي ستالين حليفًا لها ضد الخطر الأعظم المتمثل في أدولف هتلر وجيشه النازي. لذا، إذا ما أرادت الديمقراطيات الغربية هزيمة تنظيم داعش الإرهابي والقضاء عليه، فعليهم اعتبار بشار الأسد حليفًا لهم في ذلك.

والمجموعة الثانية من أسباب السيد فيون يمكن وصفها بضيق الأفق، وهي تتضمن المزاعم بأن بشار الأسد هو حامي حمى الأقليات في سوريا، ومن أبرزها الأقلية المسيحية في الشرق الذين تحمل فرنسا حيالهم التزامًا تاريخيًا بالدفاع عنهم وحمايتهم، وفقا لقول السيد فيون.

وأعتقد أن كلتا المجموعتين من الأسباب، التي يستشهد بها السيد فيون في مقاربته حيال سوريا، هي أسباب معيبة. كما يسهل كثيرًا دحض والتخلص من أسباب «السياسة الواقعية». ومرة أخرى، بشار الأسد ليس هو جوزيف ستالين.

في عام 1941، عندما تم قبوله حليفًا لبريطانيا، كان الطاغية السوفياتي يملك قدرات عسكرية جبارة تحت تصرفه. ولأنه كان يحارب قوات الغزو الأجنبية في «الحرب الوطنية العظمى»، كان يمكن لستالين توحيد شعبه ورعاياه من مختلف الأعراق بطريقة، كان النظام الشيوعي ذاته يعدها ضربًا من ضروب المستحيل قبل اندلاع الحرب. وعلاوة على ذلك، وباعتبارها أكبر دولة على وجه البسيطة آنذاك، كان الاتحاد السوفياتي عبارة عن محيط كبير من الفضاء الأرضي الذي يمكنه ابتلاع القوات النازية تمامًا وحتى الفناء. ولا يملك بشار الأسد أيًا من تلك الأشياء.

وفي حقيقة الأمر، اشتكى بشار الأسد في مناسبات كثيرة من النقص المزمن في القوة البشرية التي تمكنه من البدء في حملة عسكرية مستدامة ومتواصلة. ولقد اعتمد بصورة متزايدة على قوات مرتزقة من لبنان التي يوفرها تنظيم «حزب الله»، إلى جانب المتطوعين من الشيعة الأفغان والباكستانيين والعراقيين فيما عُرف إعلاميًا باسم «متطوعي الشهادة»، الذين أشرفت طهران على تجنيدهم وتدريبهم وتمويلهم، ناهيكم بذكر الآلاف من الجنود الإيرانيين الذين أرسلوا إلى سوريا لحماية نظام حكمه المتهالك.

يروي علينا الجنرال الإيراني حسين همداني الذي لقي حتفه في حلب، في كتابه الذي نُشر بعد وفاته، ويحمل عنوان «مذكرات من سوريا»، كيف أن رجاله أنقذوا نظام حكم بشار الأسد في الساعة الحادية عشرة «بعدما هرب الجميع، بمن في ذلك المستشارون العسكريون الروسيون».

وفي عام 1941، كان السواد الأعظم من المواطنين السوفيات على استعداد للقتال إلى جانب ستالين ضد قوات الغزو الأجنبية. وفي سوريا اليوم، يقاتل بشار الأسد ضد السواد الأعظم من الشعب السوري الذي يرأسه. ولقد أصبح ما يقرب من نصف الشعب السوري إما لاجئين وإما مشردين، مما يُؤكد أن السواد الأعظم من الشعب السوري لا يرغب قط في القتال إلى جانب بشار الأسد.

كان جوزيف ستالين متيقنًا من وجود ما يكفي من القوات تحت إمرته لتطهير أي أراض يكتسبها في حربه ضد النازيين، ثم السيطرة عليها. ولكن بشار الأسد يفتقر أيما افتقار إلى أن يفعل الشيء نفسه حتى وإن تسلم سوريا بأكملها على طبق من فضة.

وعلى أي حال، فإن بشار الأسد ومؤيديه من الإيرانيين والروس لا يقاتلون تنظيم داعش الإرهابي على الأراضي السورية، لكنهم يركزون في قتالهم على تدمير خصوم النظام الحاكم من غير المنتمين إلى تنظيم داعش. إن بوتين والأسد ينفذان المذابح المروعة بحق سكان حلب، وليس الأتباع المسلحين للخليفة الموتور المزعوم فحسب.

وبصرف النظر تمامًا عما قد يسفر عنه هذا الصراع الدامي أو كيف ستكون نهايته، ليست هناك من أقلية أبدًا تحلم مجرد الحلم ببسط سيطرتها مرة أخرى على سوريا، ناهيكم بإعادة بناء البلاد الممزقة، حتى مع الدعم والمساعدة من جانب القوى الدولية.

ومرة أخرى، على العكس من ستالين، لا يسيطر الأسد إلا على مساحة محدودة من أراضي سوريا، وتتراوح التقديرات بين 5 و20 في المائة فقط من إجمالي مساحة البلاد، وهي مساحة ليست بالكافية لمنح طائفته التي ينتمي إليها المناطق الداخلية الكافية من الناحية العسكرية.

والسبب الآخر لدى السيد فيون لتحمل الأمر على علاته وقبول الأسد حليفًا للقوى الغربية لا يقل وهنا عن سابقه. فلقد قتل بشار الأسد كثيرًا من مسيحيي الشرق بأكثر مما صنع أي حاكم آخر في تاريخ سوريا المستقلة.
وإليكم وصف الشاعرة السورية هالا محمد للموقف هناك:
«لقد ذبحت الحرب سوريا،
وذبحت معها ذكريات أعز الأمهات،
ما عادت بلادنا تلد شيئا...».

وكان النظام البعثي السوري مسؤولاً أيضًا عن حرمان أقلية أخرى، هي الأقلية الكردية التي تشكل 10 في المائة من سكان البلاد من جنسيتهم وتركوهم بلا وطن وبلا هوية. إن المعارضة للنظام السوري الحاكم تتألف من طيف من أغلب الأقليات السورية، بما في ذلك أقلية التركمان، وحتى أبناء الطائفة العلوية التي تنحدر منها أصول بشار الأسد وعائلته. (لم تشترك الأقلية الدرزية أو الإسماعيلية في الصراع، ولكنهم من أبعد المؤيدين والمناصرين للأسد وسياساته). والعشيرة الكلبية التي ينتمي إليها بشار الأسد ليست إلا أقلية في حد ذاتها وسط الطائفة العلوية الكبيرة التي تضم تحت مظلتها عشائر أخرى مثل العشيرة الكلازية والحيدرية والمرشدية.

وفي «السياسة الواقعية»، فإن عقد الصفقات مع الشيطان قد يكون معقولاً، شريطة أن الشيطان المعقودة معه الصفقة سوف يفي بالتزاماته حيالها.

وفي سوريا، اليوم، ليس بمقدور الأسد أن يفي بأي شيء مهما كان باستثناء مزيد من الموت والخراب.
عزيزي السيد فرنسوا فيون، أنت مخطئ بشأن سوريا.
لإنقاذ سوريا من مزيد من المآسي المروعة، ولحفظ ماء وجه الإنسانية من مزيد من الخزي والعار، فلا بد من رحيل الأسد.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٦ يونيو ٢٠٢٥
النائب العام بين المساءلة السياسية والاستقلال المهني
فضل عبد الغني مدير ومؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٥ يونيو ٢٠٢٥
قراءة في التدخل الإسرائيلي في سوريا ما بعد الأسد ومسؤولية الحكومة الانتقالية
فضل عبد الغني مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٢١ مايو ٢٠٢٥
بعد سقوط الطاغية: قوى تتربص لتفكيك سوريا بمطالب متضاربة ودموع الأمهات لم تجف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٠ مايو ٢٠٢٥
هكذا سيُحاسب المجرمون السابقون في سوريا و3 تغييرات فورية يجب أن تقوم بها الإدارة السورية
فضل عبد الغني" مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ مايو ٢٠٢٥
شعب لا يعبد الأشخاص.. بل يراقب الأفعال
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٥ مايو ٢٠٢٥
لا عودة إلى الوطن.. كيف أعاقت مصادرة نظام الأسد للممتلكات في درعا عودة اللاجئين
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٤ مايو ٢٠٢٥
لاعزاء لأيتام الأسد ... العقوبات تسقط عقب سقوط "الأسد" وسوريا أمام حقبة تاريخية جديدة
أحمد نور (الرسلان)