مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٨ ديسمبر ٢٠١٦
الانقاذ لا يكون بـ"الهيئة الاسلامية" و لا بالتميع الديني .. سوريا تستحق الأفضل

في الوقت الذي تدور فيه رحى الموت و الذل على من تبقى من أهالي حلب الثائرين على الطغيان، تدور طواحين “دونكشوتية” حول الاندماجات و الدعوات لمواجهتها،  في المحيط القريب و البعيد، من تلك المدينة التي باتت محتلة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى من قبل احتلال طائفي لن يبقي أو يذر أي مَعلِم من معالمها الحقيقة لتتحول محافظة له و لطائفته و قوميته.

يتداعى القادات الذين كانوا صامتين طوال شهر كامل على المحرقة في حلب، ليسربوا بعض “المسكنات” ذات طابع “مهدئ إسعاد” ، حول اندماجات “عظيمة” ستخلص الأمة من وبال التشتت، الذين هم من اصطنعه و أسسه و قوّى عزيمته، أعداد متضاربة و تتزايد في كل لحظة .

أنا : خمسة
هو : لا بل عشرة
تلك : صمت فأنت مخطئ بل هم ١٤ فصيلاً
ذلك : فلتذهبوا للجحيم هم ١٦ فصيلاً أيها الأفاكون..

في خضم خلافنا العددي، نقف سعداء تحت مسمى “الهيئة الاسلامية السورية”، و نتطلع لدور محوري لها، ونتمنى متابعة انتشال الأمة من حضيضها نحو العلياء، و تجاربنا مع مسميات مشابهة كالجبهة و التجمع و المجلس و التحالف و أسماء الجيوش، تجعلنا من الفرح بمكان نتابع عمليات “القرص” للوجنتين بأن لا يكون حلماً عابراً.

تضيق المساحات أمام القائمين على الوضع في سوريا ، ليصروا على مواصلة ذات النهج المبني على عِند غير مفهوم و لا متناسق مع المحيط الدول و الاقليمي الذي ربط بين “الاسلام” و الارهاب ، وكذلك النسيج الواقعي للمجتمع السوري، التي يتسم بتعدد هائل من القوميات و الأديان و المذاهب، و التي ان شاء من شاء و أبى من أبى ، هم سوريون في النهاية، و سيكون لهم دور ما بعد الثورة، و مجرد الاستمرار بذات النهج، هو بمثابة دفع نحو عزل الثورة عن محيطها أكثر ، فأكثر .

 يصر القائمون (وهم ذات الوجوه تقريباً و بذات التوجه حتماً منذ خمس سنوات ) على أن هذا النهج هو الأسلم و الأنجح، اذ لا تواجه النار إلا بالنار و الحديد يصفع بالحديد، و لكن نسوا أن نارهم قد أكلت ذاتها، و باتت الحاجة لسياسة شرعية تقوم على الاحاطة بالنار التي تمتد لا مواجهتها مباشرة، و إحاطة النار بالنار ، هي طريقة عملية لايقاف النيران (من باب العلم بالشيء لا أكثر).

و لافائدة من انتقاد تسمية تشكيل حافظ على ذات الوجوه مع ما يسبقها من عبارات التبجيل  ، فالجسم “المرّوج” له هو عبارة عن شيء وهمي أرى فيه أنه خدعة جديدة لتبرير ما حدث بحلب ، و حتى إن تم فسيكون بنطاق من الضيق ، يجعله غير موجود، وغير مؤثر ، لا بالعكس هو سبب بتقسيم المقسم و تجزأتهم بشكل أكبر.

في خضم سجالات “هيئتنا الاسلامية الجديدة”، تقفز الوجوه المتسترة بالعلمانية ، عبر شاشات التلفزة لتعلن الحرب على الاسلاميين المتشددين، و تجد فيهم سبب التفرقة و الخلاف ، مع المطالبة بصريح القول بابعادهم و نبذهم ، و الترحيب بمعاديهم ، ولو دعى “المرحب بهم” إلى التفلت و التبرج (قولاً وفعلاً و شكلاً) .

الرحى تدور بسرعة قياسية على أجساد السوريين في مكان ، ولكن طواحين المتسكين بالشكليات و الرافضين للآخر هي بدورها تدور و تشتد ، في مشهد يؤكد إن ما يحث هو نوع من التصفية الذاتية لأوبئة الجسد السوري ، فمن أخطأ و يواصل اليوم خطأه، هو ملفوظ لا محال ، و لكن بعد مرور الأيام القليلة القادمة، فالمرحلة الحالية بات لديها شعار ، لا مكان لرايات أو أفكار أو أساليب حياة إلا وطنية من بنية السوريين ذاتهم .

اقرأ المزيد
١٧ ديسمبر ٢٠١٦
ماذا سيجري بعد حلب؟

الأسد باق لفترة طويلة. هذه واحدة من حقائق سوريا ما بعد حلب، والمكابرة عليها ليست أكثر مكابرة.

في سوريا، كما في أكثر من بقعة عربية وشرق أوسطية، المواجهة قائمة بين مشروع إيراني في الغالب الأعم، وبين لا مشروع عربي ما زال في إطار رد الفعل، ورد الفعل اللفظي في الغالب. هذه حقيقة أخرى والمكابرة عليها ليست أكثر من مكابرة.

بعد يومين، يكون قد مرّ عام على صدور القرار الأممي 2254، حول سوريا، الذي دعا حينها إلى بدء «محادثات السلام» في يناير (كانون الثاني) 2016، العام نفسه الذي يقفل على واحدة من أبشع تجارب حرب المدن منذ الحرب العالمية الثانية. وكأن حلب هي تفسير بشار الأسد وإيران وروسيا لـ«محادثات السلام» أو في الحد الأدنى، هي توطئة لا بدّ منها قبل هذا «السلام»!!

في مقابلته الأخيرة مع صحيفة «الوطن» الموالية له كان الأسد فجًا في التعبير عن هذا التفسير للسلام، وفي تحديد الشركاء فيه.

قال الأسد: «أعتقد اليوم أن البنية الاجتماعية للمجتمع السوري أصبحت أكثر صفاءً من قبل الحرب»، ويستطرد ليقول: «قبل الحرب كانت هناك شوائب طائفية وعرقية تنتشر بشكل خفي في عمق المجتمع، أما الآن فهذا المجتمع أصبح أكثر صفاءً». أيًا كان المحمل الذي ستُحمل عليه تصريحات الأسد، إلا أنها في العمق تعبير دقيق عن عملية التدمير الممنهج للتركيبة السكانية السورية ما قبل الثورة، وتعبير دقيق عن الإرادة الواعية خلف استراتيجية تدمير الحيز المديني، بما يمنع عودة النازحين والمهجرين من أماكنهم، ما يوصل إلى «الصفاء» الذي يبتغيه الأسد! هكذا وببساطة يفهم الأسد عملية «محادثات السلام»، وما بعد حلب، تبدو لي فترة مديدة من التعايش القسري مع نتائج جريمته المتمادية وفق خريطة طريق قد تمتد سنوات.

مرّ عام ولم تبدأ هذه المحادثات المنصوص عليها في القرار 2254، والحقيقة أنها لن تبدأ، نتيجة الإلغاء العملي لما يسمى المعارضة السورية، حتى وإن بقيت كجسم معترف به هنا أو هناك! فلم يعد الشعب السوري أو مكوناته جزءًا من معادلة عملية السلام والعملية الانتقالية في سوريا. أقله أنهم ليسوا جزءًا أو شرطًا من شروط انطلاقها.

المصير السوري معلق على تفاهم فلاديمير بوتين ودونالد ترامب والسرعة التي سيبدأ بها هذا التفاهم والسرعة التي سينمو بها نحو تفاهمات نهائية. وهو معلق أيضًا على قدرة هذا التفاهم على تعطيل الشغب الإيراني عليه وتجاوز حسابات إيران ومشروعها الذي يقف خلف فكرة حمايته لنظام الأسد في الأساس.

أي افتراض واقعي، سيأخذ بعين الاعتبار أن ترامب سيتسلم الرئاسة الأميركية في العشرين من يناير، وسيحتاج في الحد الأدنى إلى مائة يوم لتتضح لديه ولدينا الاتجاهات الاستراتيجية لإدارته في الملف السوري وعموم ملف الشرق الأوسط بأوراقه الكثيرة. نكون قد وصلنا إلى 20 أبريل (نيسان) 2017.

والافتراض الواقعي سيأخذ بعين الاعتبار أيضًا، أنه منذ لحظة التفاهم الروسي الأميركي، إن حصلت، سننتظر ثمانية عشر شهرًا للوصول إلى انتخابات تأخذ سوريا إلى مرحلة جديدة وفق المادة الرابعة من القرار الأممي 2254، فلو حسبنا هذه المدة أنها تبدأ بعد مرحلة المائة يوم لترامب في البيت الأبيض نكون قد وصلنا إلى أكتوبر (تشرين الأول) 2018، لإجراء انتخابات في سوريا وفق دستور جديد يكون قد تم إقراره خلال هذه الفترة. حتى انتهاء المأساة السورية وفق هذا الجدول الزمني يبدو مبنيًا على تفاؤل لا تسنده الوقائع. وليس مستبعدًا أن يُكمل الأسد ولايته حتى منتصف عام 2021.

فواحدة من الاستراتيجيات الضمنية لبوتين، هي إنهاء فكرة تغيير أي نظام عبر القوة العسكرية، وأن آخر نظام ستسمح موسكو بتغييره هو نظام معمر القذافي!

حلب لن تكون نهاية الثورة السورية، وهي لم تكن بدايتها. فطوال الأشهر الأولى من الثورة كانت أكثر السجالات رواجًا على ألسن أنصار النظام أن المدن الكبرى أي حلب ودمشق لا تزال خارج الثورة. ولطالما استخدم ذلك كدليل على ضعف الحاضنة الشعبية للثورة السورية. شهدت حلب في بدايات الثورة مظاهرات أسبوعية كما في بقية أنحاء سوريا لكنها بقيت دون الزخم الاحتجاجي في مناطق أخرى لا سيما حمص. ثم أعلنت تنسيقيات الثورة يوم الخميس 30 يونيو (حزيران) 2011 «بركان حلب» الذي شهد ارتفاعًا في حدة المظاهرات. وفي 12 أغسطس (آب) 2011 شهدت حلب المظاهرة الأكبر حتى ذاك التاريخ تحت شعار «جمعة لن نركع إلا لله». وقد استمر النمو الاحتجاجي يتصاعد إلى حين وصوله لنقطة تحوله الكبرى يوم الثلاثاء 6 سبتمبر (أيلول) إذ نجح الحلبيون في تحويل جنازة تشييع مفتي حلب إبراهيم السلقيني الذي كان قد توفي قبلها بيوم، إلى أكبر المظاهرات السورية ضد النظام.

أيًا يكن ما جرى في حلب، فهو محطة في درب الجلجلة السورية الطويل. ويوم يرحل الأسد، لن يكون قد بقي من سوريا إلا ذكرى وطن ومن السوريين إلا بقايا شعب سكن إحدى أقدم بقاع العالم في التاريخ.

اقرأ المزيد
١٧ ديسمبر ٢٠١٦
جرائم الحرب في سورية

غدت سورية مقبرة جماعية، يقف العالم مكتوف الأيدي متفرجا على المذبحة والدمار فيها. يلتحف العالم الخجل وحلب تسوى بالأرض، مع غياب المساءلة الجادة لنظام الأسد وحلفائه الذين ضلعوا في جرائم الحرب وقتل الأطفال والنساء والشيوخ والشبان، وتدمير سورية وتهجير ملايين من السوريين. حلب التي تعد موقعا حضاريا واستراتيجيا تحولت إلى مجرد مشهد لأنقاض أمام القصف المتواصل وشن الغارات على ما تبقى من الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة شرقي حلب، بإعدام جماعي ورمي بالرصاص. هذا عوضا عن الجثث التي ما زالت تحت الأنقاض. ولا شك أن قصف حلب أحد أكثر جرائم الحرب فظاعة في العصر الحديث.

ويمكن قراءة أن القصف المتواصل في الأشهر الأخيرة من هذا العام يعبر بطبيعته عن خطة متسارعة للخروج بنصر أشمل وليس مجرد مفاوضات سياسية. إذ على ما يبدو وبناء على هذه الحسابات، هناك محاولة مستميتة لكسب الوقت واستغلال الشهر الأخير قبل تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترمب في 20 كانون الثاني (يناير)، وذلك باستغلال المرحلة الانتقالية كي تتم مواجهة الرئيس الجديد بواقع سوري جديد قد يكون مجبرا على قبوله. إلا أن هذا الواقع لن يغفل على أي حال نفوذ إيران الضار ولا ضلوعها في كل نزاعات المنطقة من دمشق إلى العراق واليمن. وهذا ما يعول عليه من موقف الإدارة الأمريكية الجديدة كيفما يكن موقفها من الحل السياسي في سورية أو من تماه في وجهات النظر مع روسيا، ولاسيما أن التقديرات الأخيرة حول القوة الإيرانية المشاركة لقوات الأسد على الأراضي السورية، والمكونة من الحرس الثوري وحزب الله والميليشيات التابعة الأخرى تقدر بنحو 60 ألف شخص، وهي ميليشيات لا شك متورطة في جرائم حرب أيضا. ومن المهم وضع خطوط عريضة تحت مشاركة إيران بجرائمها في سورية، وإن كانت ليست الجبهة الوحيدة التي تزعزع فيها إيران المنطقة وتهدد أمنها ومصالحها كما الغرب. إذ إن تدخل إيران في اليمن ودعمها ميليشيات الحوثي أيضا سبب في تدهور وضع اليمن.

كان الثوار قد استولوا على شرق حلب عام 2012، وبدأت القوى تتراجع أمام الدعم الجوي الروسي لقوات الأسد المهترئة إضافة لميليشيات إيرانية أو مدعومة إيرانيا كحزب الله اللبناني كما من العراق وأفغانستان. ومع هذا القصف الانتقامي الأعمى، قد يستعيد الأسد أجزاء رئيسة في سورية إلا أن مساحات أخرى ستبقى خارج السيطرة، فهذا النصر الصغير لا يعد شيئا بعد ست سنوات من الحرب في أرض خربة. وتبقى بعد ذلك ملاحقة الأسد وحلفائه بتهم جرائم الحرب ضرورة حتمية، خاصة أن الأدلة التي جمعتها المفوضية الدولية للعدالة والمحاسبة وغيرها من المنظمات الحقوقية جميعها تشير للاستهداف "المتعمد" للمدنيين والأطفال ولقوافل الإغاثة الإنسانية. لذا فجرائم الحرب في سورية ملف لا بد أن يتم التعامل معه بجدية على المستوى الدولي، طالت أعمار النظام وحلفائه أم قصرت.

اقرأ المزيد
١٧ ديسمبر ٢٠١٦
طبعة جديدة ومنقّحة: «الأسد و... نحرق البلد»

لم يفعل رئيس النظام السوري بشار الأسد في حلب، وقبلها في حمص وحماه وريف دمشق وغيرها، سوى ما ردّده أتباعه دائماً وبصوت عال منذ انطلاق الثورة السورية قبل ست سنوات: «الأسد أو نحرق البلد». إلا أن جديده، بعد هذه الأعوام من التدمير اليومي للبشر والحجر، أنه وضع اللافتة التي لم يكن يقبلها عقل بشري أو منطق سياسي، في صيغة «الأسد... ونحرق البلد» معاً وفي الوقت ذاته.

والأيام الأخيرة في حلب من جهة، واحتفالات الأسد وأتباعه ومؤيديه بـ»الانتصار» من جهة ثانية، تقول ذلك بما لا يدع مجالاً لأي شك. فالهدف، كما لم يعد خافـيـاً من وقـائع الأيـام الأخيـرة لإحـدى أهم المدن في سورية وأعرقها، ليس «بقاء الأسد» في السلطة وفي «محور الممانعة» الروسي - الإيراني المشترك فقط، إنما أيضا، وربما قبل ذلك، «إحراق البلد» وإبادة شعبه. وإلا، فما طبيعة «الانتصار» الذي يحتفل به الأسد مع أتباعه في دمشق (وبيروت وبغداد وصنعاء!)، كما حليفاه في موسكو وطهران؟ وإلا كذلك، لماذا هذه الهمجية غير المسبوقة في التاريخ، والتي وصفها أحد أبناء حلب بـ«يوم القيامة»، بعد أن شاهد بأم عينيه «شبيحة» الأسد يدخلون أحد أحياء المدينة ويعدمون كل من وجدوه في طريقهم... مسلحاً كان، أو حتى من دون سلاح؟

أكثر من ذلك، فالواقع أن الأسد لم يهدد بإحراق سورية بعد انطلاق الثورة الشعبية على نظامه فحسب، بل إنه قال قبلها وعلى الدوام، كما عمل بكل قواه منذ ذلك الحين، على أن يبقى الحاكم الفرد (آخر مواعيده حتى عام 2021) من دون أي حد من التغيير، أو الإصلاح، في بنية النظام الذي ورثه عن والده قبل ست عشرة سنة، وبعد ثلاثين سنة كاملة من حكم الوالد الفردي والقمعي والاستبدادي، كما بيّنت جولات الحوار ومبادرات الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وغيرهما للتوصل الى حل سلمي للحرب على امتداد الفترة السابقة. قبل الثـورة عـلى النـظام، كان الشعـار «الأسـد الى الأبد»، وبعدها بات «الأسد أو نحرق البلد»، ليتحول بعد ذلك الى «الأسد... ونحرق البلد»، بما يعني أن الحريق السوري قائم، سواء بقي الأسد الابن في السلطة أو أزيح عنها.

هل تشي هذه الحال بغير إبقاء البلد على شاكلة النظام الذي أقامه الأسد الأب والابن: أحكمكم أو أقتلكم، أو أحكم سورية أو أدمرها؟ وألا يتحدث عشرات بل مئات الآلاف من السوريين المطرودين من وطنهم، والخائفين من الاعتقال أو القتل في حال العودة إليه (آخرهم الكاتب والمفكر والمصلح صادق جلال العظم الذي توفي الأسبوع الماضي في المنفى)، عن غير هذه الحقيقة بأجلى صورها وأقبحها.

ليس ذلك وحده، فلم يكتشف العالم الخارجي كما يبدو إلا أخيراً، ما قاله السوريون على الدوام، من أن الإرهاب في سورية هو صنيعة الأسد نفسه، وحجته في الوقت عينه لتبرير ما قام به ضد الشعب السوري منذ مطلع آذار (مارس) 2011. هو الذي أفرج من سجونه ومعتقلاته عن العديد ممن وصفوا لاحقاً بـ «قادة المحاور الإسلاميين»، وحتى أنه زوّدهم بالأسلحة اللازمة ليفعلوا ما فعلوه، وليسيئوا عملياً الى الثورة وقادتها الميدانيين سواء في دمشق وريفها أو حمص أو حلب أو الرقة وإدلب. وهو الذي نسّق مع مقاتلي «داعش» على الأرض، فلم يدخل معهم في معركة واحدة، كما لم يدخلوا هم بدورهم في معركة معه. وكثيرة هي الأنباء والتقارير التي تحدثت عن شرائه النفط من المنابع التي احتلها «داعش» ولا يزال يحتل بعضها حتى الآن.

الجديد الآن جاء من تدمر، التي كان الأسد (بخاصة حليفه بوتين المولع بالموسيقى الكلاسيكية، والذي استقدم فرقة من موسكو للعزف على أطلالها) احتفل قبل نحو عام بتحريرها من «داعش»، والتي أعاد التنظيم احتلالها مجدداً في الفترة ذاتها التي كانت تجري فيها مأساة حلب. في التقارير الدولية، ومعلومات البنتاغون بالذات، أن قوات الأسد التي كانت في المدينة لم تتصدّ لمقاتلي «داعش» عندما شنوا هجومهم عليها، بل انسحبت منها بهدوء يدعو الى التساؤل والريبة من ناحية، لكنها إضافة الى ذلك تركت أسلحتها في أماكنها ليأخذها التنظيم من ناحية ثانية.

ماذا يعني ذلك غير المزيد من الشيء ذاته: إبقاء الحرب على حالها، ومواصلة إحراق سورية وقتل شعبها... أو حتى، كما أصبح بادياً للعيان، تهجير الغالبية منها وإحداث تغيير ديموغرافي يلائم سلطة الأسد على ما يسميه «سورية المفيدة»، ومعها مخططات حليفه الإيراني لها ولغيرها من دول المنطقة؟

ما يبقى أن تدمير حلب، بهذا الأسلوب والى هذا المستوى من الإبادة الجماعية، هو خطوة على الطريق الذي رسمه الأسد وخامنئي منذ البداية. وقد يكون الأمر مفهوماً، في ظل ما بات مؤكداً عن استراتيجيتهما (عفواً، استراتيجية خامنئي وحده)، لكن ما ليس مفهوماً البتة هو موقف حليفهما الثالث، فلاديمير بوتين، الذي يشارك في إيقاد النار، وطبعاً مصلحته الآنية، أو حتى الاستراتيجية، في الحريق الذي يجتاح سورية من أقصاها الى أقصاها.

اقرأ المزيد
١٧ ديسمبر ٢٠١٦
تسقط حلب.. الحرب لا تسقط!

بعد الموصل تنتقل الميليشيات الإيرانية إلى حلب لإنهاء الفصل الثاني من هذه المأساة التي تُركت قرابة نصف مليون من سكان حلب مسفوحي الدم ومنزوحي الوطن. ستة «فيتوهات» ضد الهدنة بأي شكل، يعني استمرار سياسة حرق الأرض بمن وما عليها وخلق أزمة طويلة المدى يصعب من خلالها الوصول إلى أي مطلب مشروع للمعارضة مما أقر به العالم وعلى رأسه عملية الانتقال السياسي السلمي التي وَضع لها أخيراً شرطاً بلا شروط.

الجديد في المعادلة وفق المنظور الروسي السوري هو اتهام المعارضة المعتدلة بالإرهاب، وهذا ما جاء واضحاً صراحة على لسان وزير الخارجية الروسي عندما أشار إلى أن المسلحين «الذين يرفضون مغادرة حلب سيتم التعامل معهم كإرهابيين، وسندعم أي عملية للجيش السوري ضدهم»، وهذا ما عبر به النظام السوري أيضاً في بيان صادر عن وزارة خارجيته أكد رفضه لأي اتفاق لوقف إطلاق النار ما لم يغادر من تصفهم بالإرهابيين الجزء الشرقي من حلب. وقال المندوب البريطاني ماثيو رايكروفت إن استخدام روسيا للفيتو يعني أنها وداعميها «وافقوا على حصار مئات الآلاف من الأبرياء من النساء والرجال والأطفال الذين يتحملون الجحيم الآن في حلب»!

العالم كله يتحدث في وادٍ ورأس النظام يتحدث في وادٍ آخر بعيد عن أي نبرة لانتقال سياسي، وهو ما أكده بشار قبل فترة وجيزة عندما قال: «إن بوتين لم يتحدث مطلقاً معه عن ترك السلطة»، ورغم الضغوط التي تمارسها واشنطن لرحيله، لم يصدر من بوتين أو لافروف أبداً كلمة واحدة في هذا الشأن. وأضاف أنه لا يساوره قلق من أن يعقد بوتين وكيري اتفاقاً للإطاحة به من السلطة، وقال: «لأن السياسة الروسية لا تقوم على إبرام الصفقات. إنها تستند إلى القيم»، وهذه القيم هي التي ساهمت في إزاحة نصف الشعب السوري من وطنه إلى المجهول، والنظام الذي استدعى قوى الخارج للحفاظ على الكرسي ولو ضاع الوطن ثمناً له.

فللنظام في تاريخه سهم ضارب في ذلك منذ أزمة «حماة» في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي عندما كان رأس النظام آنذاك مستعداً لإبادة سوريا من أجل الحفاظ على الطائفة العلوية الحاكمة. نعم أخمدت الثورة هناك بالتضحية بما يقارب أربعين ألف سوري واليوم قيمة المساومة ليست الطائفة العلوية، بل سوريا بأكملها وليس «حماة» الثمانينيات. قد تكون ثمة مساومة مقبلة ولكنها ستكون بشعة وخطرة وتتم على قبور أكثر من 400 ألف شخص ممن قُتلوا في السنوات الأخيرة من حكم الأسد الابن، وإن من أنقاض حلب سيخرج مقترب جديد للنزاع سيسمّم السياسة العالمية، كما أشارت إلى ذلك إحدى الصحف الأجنبية في هذه الأيام، فهل يضحي أي عاقل بالبيت كله من أجل البقاء على الكرسي فيه سالماً وهل هذا هو خير مغنم؟

سياسياً، انتصار روسيا وإيران والنظام الحاكم في سوريا على المعارضة المعتدلة البعيدة عن الإرهاب المتطرف، من «داعش» وغيره من المنظمات التي توزعت سموم أفكارها في أرض الشام، ليس في صالح النظام العالمي الذي احتفى بالفوضى الخلاقة لسلسلة من الأزمات المتداخلة ومن الوصول إلى نقطة نظام من بعدها أمن واستقرار وأمان.

إن عودة النظام الحاكم ومن يدعمه إلى العام 2010 أقرب إلى حالة من الانتحار السياسي لكل من وضع يده سلباً ونهباً وقتلاً وسحلاً وتشريداً أو نزوحاً ولجوءاً إلى حيث العدم في الرؤية والمسارات، فالحرب حتى لو وضعت أوزارها الكارثية في حلب، فإنها مستمرة بوقود الطائفية البغيضة فهي مشتعلة وإن انتهت في حلب فشراراتها ما زالت متقدة وآثارها التدميرية لا تقارَن مع أي سلاح آخر استُخدم في هذه الإبادة الجماعية لمكونات الشعب السوري الذي عاش في وطن لم يرفع للطائفية يوماً رأساً، لا للحرب ولا للحربة.

فاليوم قد يراهن النظام ومن حوله من القوى التي استباحت كل الوطن السوري على معركة الفصل في حلب كأنها هي المصير الذي يحدد مستقبل سوريا في الفترة المقبلة، ولكن هذا رهان قاصر وقصير النظر، بكل المقاييس.

ليس في المنظور القريب شيء اسمه سوريا العام 2010، وليس لهذا التاريخ أثر في أي مشروع مستقبلي للرجوع إلى الخلف فلم يحدث ذلك في الماضي حتى يقع الآن والحال عصيٌّ على الوصف الأدبي، فكل أدبيات السياسة الإقليمية والعالمية تذهب تجاه التقسيم الذي لا يستقيم إلا على ركن الحرب المستدامة، وهذا ما نقلته «رويترز» أخيراً عن مسؤول أميركي في قوله: «تسقط حلب لكن الحرب تستمر»!

هذه الحرب العدمية التي قتلت روح الإنسانية في الإنسان وحطمت فيه مساحة التسامح والتعايش البعيد عن نبرة الانتقام المباشر والعنف المضاد تحت أسماء برّاقة بالحقد والبغض وحرق الأخضر في كل قلب والأبيض في كل نفس، فلا حكم في هذه الصورة يدوم ولا كرسي يصمد أمام هذا الطوفان السياسي المشحون برائحة الدم والصديد الذي يُمنع فيه استخدام المراهم والأدوية المباحة لإحداث المزيد من الآلام والجراح المفتوحة في أرض الملحمة غير المتكافئة إقليمياً ودولياً، فالعجز أصاب الجميع بما فيهم قوى الاعتدال.

اقرأ المزيد
١٧ ديسمبر ٢٠١٦
نهاد.. المشنوق بحبل حزب الله

منذ البداية قالت الثورة السورية لكل محبيها ومعاديها ومحايديها أن النيران التي اشتعلت داخل جدران البيت السوري لن تبقى حبيسة الحدود السورية, وأن امتداداتها ومآلاتها وكل من يعمل على تأجيجها وعدم نصرة الشعب السوري الحر سيناله نصيباً من مآسيها, وأن الجميع إن لم يكن عاملاً يوقف القتل عن الشعب السوري فإنه سيحترق بتشظيها وأكثر من تهددهم نيرانها هم جيرانها.

المتابع للشأن اللبناني يدرك أن سياسة "النأي بالنفس" التي طرحتها الحكومات اللبنانية المتعاقبة كانت شعاراً أكثر مما هي تطبيقاً في السياسة الداخلية والخارجية وعلى كامل مدار سنوات الثورة السورية.

فالعلاقة التي تربط لبنان بسورية هي أكثر من علاقات اقتصادية أو علاقات دبلوماسية أو حتى علاقات بلدان متجاورة بالحدود, وعلى مر التاريخ القريب والبعيد للبلدين كان الشأن اللبناني في خضم السياسة السورية والعكس أيضاً صحيح.

السفير الأسدي في لبنان "علي عبد الكريم" الذي يٌفترض أنه يقوم بمهام التمثيل الدبلوماسي لمصالح السوريين في بيروت كما تقتضي الوظيفة الموكلة إليه, لكن واقع الحال يقول أنه أضاف مهاماً أخرى لمكاتب سفارته تمثلت بمهام أمنية وملء الفراغ الذي كانت تشغله الشخصيات الأكثر تأثيراً في الشأن الداخلي اللبناني أيام الاحتلال السوري من أمثال اللواء "غازي كنعان" واللواء "رستم غزالة" مع كامل الطابور الأمني الذي تحكم بحياة اللبنانيين على مدار عقود من الزمن, وبعد طراد النظام السوري من "لبنان" يبدو أن هناك شخصيات من النظام الأمني السوري (أمثال اللواء علي مملوك) استطاعت أن تعيد بناء شبكة مصالح مع شخصيات لبنانية كي تضمن بقاء القرار اللبناني في الحضن السوري, تلك الشخصيات اللبنانية التي اعتادت أن تبقى تابعة ومن مخلفات نظام "الأسد" واعتادت أن تعيش بعبودية لعصابة "الأسد" ولتثبت مقولة: أن السماء لو أمطرت حرية لحمل العبيد المظلات.

وعبر متابعة مفاصل الثورة السورية للشأن اللبناني وفي محاولة لبناء جسر من الترابط مع الشعب اللبناني برزت قناعات من أن هناك اختراقاً أمنياً  كبيراً لبعض أعضاء تيار المستقبل من قبل الأمن "الأسدي" ومن قبل أعداء الشعب السوري في لبنان المتمثلين بحزب الله اللبناني والحزب القومي السوري أو حزب التوحيد لوئام وهاب أو التيار الوطني أو أذناب فرع حزب البعث في لبنان إضافة إلى تيار المردة, وتلك الأحزاب والتيارات لا تشغل بال المواطن السوري طالما اعتاد عليها كتوابع وأذناب لسياسة نظام "الأسد" على مر العقود في السيطرة على الشارع اللبناني وفي تمرير سياسات إيران في المنطقة.

لكن ما دخل في حيز الاستغراب أن يكون هناك وزير الداخلية "نهاد المشنوق" التابع لتيار المستقبل من حيث توزيع المحاصصة والتمثيل السياسي الذي يحكم تركيبة نظام الحكم في لبنان, والاستغراب الأكبر كان من خلال سياسة وزارة الداخلية اللبنانية التي اتضح أنها تعاني من انحراف كبير في مسيرة ونهج وطريقة تعاملها وبناءً على تعليمات الوزير وبما يخالف التوجهات السياسية لتيار المستقبل بزعامة سعد رفيق الحريري وبما يتعارض مع سياسة النأي بالنفس التي اعتمدها لبنان وبما يخالف كل التوقعات بأن تكون تلك الوزارة المحسوبة على تيار المستقبل قد أصبحت تكن العداء للثورة السورية وتضيق على اللاجئين والناشطين السوريين بل وأصبحت أحد أهم أركان "حزب الله" في الشارع اللبناني وفي تطبيق سياسة الحزب الأمنية وكأنها أصبحت أحد مكاتب إيران في لبنان.

بعض الشخصيات اللبنانية لم تٌبدِ أي استغراب بسياسة وتصريحات وعمل وزارة الداخلية في لبنان, وهم يعتبرون على حد قولهم أن الوزير "المشنوق" بحكم المنشق عن سياسة تيار المستقبل منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وأنه ساهم بوقف الكثير من الإجراءات التي تخص المحكمة الدولية وأنه تماهى لحد التطابق مع سياسة حزب الله المعادية والمعاكسة لتوجهات تيار الرئيس "سعد الحريري", وهذا الأمر كان مسار نقاش داخلي لدى كوادر المعارضة السورية ومؤسساتها الثورية التي شعرت بالغضب نتيجة ممارسات المشنوق ووزارته والتي وصلت لحد التضييق الأمني (المقصود) على نشاطات الثورة في لبنان وعلى الناشطين السوريين وأطراف المعارضة السورية خلال الأعوام الثلاث لتسلم المشنوق مهامه كوزيراً للداخلية في لبنان, وعدم قدرة أي هيئة معارضة معترف بها دولياً من افتتاح تمثيل لها في "بيروت" وخاصة فيما يتعلق بمكاتب الإغاثة أو مكاتب لمتابعة شأن أكثر من مليون ونصف سوري لاجئ في لبنان لقناعة مطلقة وصلت إليها المعارضة السورية من أن الداخلية اللبنانية لن تكون المدافعة أو الحامية لتجاوزات حزب الله (المتوقعة) على تلك المكاتب في كامل أراضي لبنان.

من خلال المتابعة يظهر للعلن مدى التورط الذي تعاني منه الداخلية اللبنانية وبتعليمات من الوزير "مشنوق", فالنشطاء السوريين الذين كانوا يتدافعون للاشتراك بأي فعالية ينظمها تيار (14 آذار) فضلوا الانزواء والابتعاد لعلمهم المسبق بتعليمات صدرت من "الداخلية" للتعامل بقسوة وخارج القانون مع أي سوري يتم ضبطه ضمن تلك الفعاليات وخدمة لمشغليه من "حزب الله" وضباط الأمن "الأسدي", بل زاد الأمر عن ذلك من خلال تسهيل الداخلية اللبنانية وبغطاء من حزب الله لشبيحة "الأسد" الذين أصبحوا يصولون ويجولون داخل شوارع لبنان وبأسلحة فردية يحملونها ويحاولون بها استفزاز أي سوري يعرفون أنه ينتمي للمعارضة السورية أو حتى لاجئ داخل الأراضي اللبنانية, إضافة إلى عشرات بل مئات المعتقلين في سجون الداخلية اللبنانية ومخابرات الجيش وبتهم أقل ما يقال عنها أنها خلبيه غايتها فقط التضييق على كل معارضين نظام "الأسد".

كل المعطيات التي توافرت لأطراف المعارضة وبكل مكاتبها تدلل وبما لا يدع مجالاً للشك أن هناك اجتماعات حصلت بين الوزير "مشنوق" وبين اللواء "علي مملوك" مدير مكتب الأمن القومي في نظام "الأسد" وصاحب السلطات الواسعة وأن هناك تنسيق عالي المستوى حصل بين الأمن "الأسدي" والوزير "مشنوق" بما يخص تبادل المعلومات ومعطيات حول تحركات وعمل المعارضة السورية أو بمراقبة تحركات الناشطين السياسيين السوريين على الأراضي اللبنانية وتنسيق عمل الخلايا الأمنية "الأسدية" داخل لبنان, والمعلومات التي أكدتها جهات مختلفة لأطراف من المعارضة السورية أن خدمات الوزير "المشنوق" للأمن "الأسدي" وصلت لحد تأمين سيالة معلومات (داتا معلومات) وتقارير تخص مراقبة تيارات وحركات سياسية وأحزاب وقيادات لبنانية مساندة للثورة السورية ومعادية لنظام "دمشق" وإرسالها لمكاتب المخابرات "الأسدية" في لبنان وفي سورية.

ما رشح من دوائر مطلعة دللت عن وساطة للمخابرات المصرية والتي ترتبط بعلاقات وثيقة مع اللواء " علي مملوك" ساهمت بتامين لقاءات (مباشرة وغير مباشرة) بين الوزير مشنوق وبين جهاز الأمن "الأسدي" جرت في القاهرة, في البداية تمت بين المشنوق والعميد في مكتب الأمن القومي سامر بريدي، والذي يعتبر اليد اليمنى للمملوك ثم توالت اللقاءات لتجمع "مملوك" بالـ"مشنوق", وهذا الأمر لم يفاجئ العارفين بنهج الوزير "مشنوق" الذي استهل عمله باستقبال القيادي الأمني في حزب الله الحاج "وفيق صفا" وبحضوره لاجتماعات أمنية رسمية مما أثار الاستياء الشديد في صفوف تيار المستقبل الشعبية لتأتي بعدها عدة تصرفات منفردة من "المشنوق" غردت خارج سرب السنة في لبنان وخارج توجهات وسياسة جمهور المستقبل سواءً كان بالترشيح المبكر للجنرال "عون" لرئاسة الجمهورية أو عبر متابعة جلسات الحوار مع "حزب الله" لدرجة أن البعض أصبح يعتبره وزيراً لحزب الله وليس لتيار المستقبل.

طعن الوزير "نهاد المشنوق" بحاضنته السنية وبتيار المستقبل ليس بجديداً على سياسته, فقد أعلن يوماً أنه ينتمي للـ"حالة الحريرية" وليس لتيار المستقبل, واستقالته من وزارة العدل كانت طعنة مفاجئة أيضاً خصوصاً أنها أتت دون تنسيق مع الرئيس "الحريري" وعلى أنقاض رفض الوزير "مشنوق" لإحالة ملف "ميشال سماحة" إلى المجلس العدلي وهو (سماحة) المدان بإدخال عشرات العبوات والمتفجرات من مكتب "علي مملوك" عبر الحدود إلى "بيروت" للقيام بعمليات اغتيال وتخريب ومن ثم الإفراج عنه لفترة قصيرة قبل أن يٌعاد سجنه لعشر سنوات تحت ضغط الحالة الشعبية.

من المؤكد أن السياسي الناجح لا يبني علاقاته على طفرات عابرة قد تزول, ومن المؤكد أن الرؤى السياسية أكثر ما تعتمد على الحالة الشعبية والاستقراء السياسي الصحيح لمآلات المستقبل, لكن من المؤكد أيضاً أن الوزير "نهاد مشنوق" لم يقرأ التاريخ جيداً وهو الحاصل على دبلوم الدراسات السياسية والذي بدأ الكتابة الصحافية في منتصف السبعينات في صحيفة "بيروت المساء" التي أسسها الراحل عبد الله المشنوق، ثم عمل في مجلة "الحوادث" الأسبوعية والكثير من الصحف وتخصص في قضايا الصراع العربي الإسرائيلي، وكان له علاقات وثيقة بالقيادات الفلسطينية وغيرها من القيادات العربية.

لقد كان على الوزير "مشنوق" ألا يمثل حالة استمرار للوصاية الأسدية على الشعب اللبناني وأن يحترم قدسية الدماء اللبنانية التي سالت في شوارع بيروت وطرابلس وصيدا والجبل وقصر بعبدا على يد عصابات "الأسد" أيام الاحتلال السوري للبنان, وكان عليه قبل أن يتموضع في حضن اللواء "مملوك", أن يعلم أيضاً أن مصير الحكومات الأمنية والديكتاتوريات إلى زوال, وأن البقاء أبداً ودائماً هو للشعوب.

التاريخ لن يرحم المتآمرين ومحكمة السماء لن تغفر لهؤلاء إن غابت محكمة الأرض, والشعب السوري الذي يٌكن كل التقدير والاحترام لكل مواطن لبناني أو عربي وغيرهم ممن يقفون إلى جانب قضيته لن يتسامح أيضاً مع عبيد ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أدوات قتل واضطهاد خدمة لأجندات "أسدية" سلطوية إجرامية.

اقرأ المزيد
١٧ ديسمبر ٢٠١٦
اعادة تحرير “حلب” ليست ببعيد .. العناد الايراني يُعجّل من خطوات “درع الفرات”

منحت التعطيلات الايرانية المتتالية، للاتفاق الروسي - التركي حول اخلاء حلب، دفعة قوية لخطة استراتيجية كانت قيد التنفيذ البطيء، تقضي باعادة رسم خطوط السيطرة في سوريا، عبر أدوات معتدلة ومضبوطة يكون قوامها الجيش الحر، تنطلق من مناطق درع الفرات إلى الحدود التي تنتهي عندها “سوريا المفيدة” من وجهة النظر الروسية.

قبل فترة ليست ببعيدة، كانت مصادر خاصة قد أكدت أن المناطق التي تتوسع حاليا (ببطيء في الآونة الأخيرة)، على الحدود السورية التركية في عملية “درع الفرات”، ستكون المنطلق الجديد لاعادة بلورة الثورة السورية، وتخليصها من كل ما شابها من تشدد و سوء تنظيم و ادارة، و تحويلها من ثورة مغطاة بـ”فصائل” مشتتة ، إلى ثورة قريبة من شكل “دولة” ذات كيانات واضحة.

و تقضي الخطة ، التي أذّكر مرة أخرى أنها ذات نوع استراتيجي بعيد نسبياً، أن يتم مأسسة الثورة بادارة مدنية و عسكرية يرتقي إلى ما يقارب الدولة، وتركز في مرحلة قد تصل لستة أشهر على عملية التنظيم ، وصولاً لانطلاق المرحلة التالية ، والمتمثلة بالتوسع في العمق لحدود تصل إلى ٨٠ كم ، وهي المساحة التي تكفي تركيا ، وترضي روسيا، و يخرجهما راضين عن معارك وصدامات امتدت لست سنوات.

كان بالحسبان طوال الوقت “ايران”، التي تملك مشروع ذو نزعة توسعية مستمرة مبني على أهداف طائفية بعيدة المدى، الأمر الذي لا يناسب سواء روسيا التي تتهرب من فخ تكرار “المستنقع” كما حدث في أفغانستان، و كذلك تركيا التي تعتبر نفسها جزء من تحالف كبير يمثل الجانب “السني” في العالم، اضافة إلى القضية “الكردية” بكل تشابكاتها التي تشكل رعب لايمكن القضاء عليه إلا بمشروع في العمق السوري.

ايران استشعرت بالخطر و لامست الخطة ميدانياً ، فعززت صفوفها بآلاف المقاتلين، وبدأت ترتيبات المواجهة، عبر تسريع وتيرة القتال في حلب من جهة ، مع تنغيص الاتفاق التركي - الروسي، فتم قصف الجنود الأتراك في تشرين الثاني عبر طائرات تتبع لها ، و من ثم الايغال في القتل بحلب ، وصولاً إلى تعطيل الاتفاق على اخلاء حلب من الثوار، و أتمت الأمور بارسال أكبر ارهابيها قاسم سليماني إلى الميداني، للتحضير للمواجهة القادمة.

قوات “درع الفرات” ، التي تواجه نوعاً من تشويه الصورة (التي قد تكون محقة في بعض الأحيان)، يعتبر المنفذ الجديد للعودة إلى حلب ، والأمر ليس بالتوقيتات التي جرى الاتفاق عليها مسبقاً، و لكن بأوقات أكثر قرباً، فالتمادي الايراني، والاصرار على السيطرة في مناطق لم ينص الاتفاق الأوسع “التركي - الروسي”، يجعل واجب التأديب موجوداً .

بانتظار ما ستفضي إليه اللقاءات المقررة بين الثلاثي “ايران - روسيا - تركيا” في روسيا ٢٧ الشهر الجاري، والتي يطمح الشركاء “الروس - الأتراك” لاقناع ايران بالالتزام بالاتفاق بشكل سياسي مع تهديد مبطن باستخدام القوة.

منذ الأمس بدأت تركيا اسباغ وصف جديد على الميليشيات التي تقودها ايران بالقول أنهم “إرهابيين أجانب”، في تمهيد لمواجهة فعلية قد تضطرها الظروف للدخول بها، بالتزامن مع تعهدات بنقل مقاتلين منتقين من الخارجين من مدينة حلب، إلى مناطق “درع الفرات” استعداداً للمواجهة، التي يبدو أنها حاصلة لامحالة، سيما أن ايران بدأت اليوم عمليات القصف على عندان و حريتان لتوسيع مواقع نفوذها في حلب و ريفها ووصل حلب بـ”نبل و الزهراء”.

الخريطة تدخل مرحلة جديدة من التعقيدات و العقد المتعددة ، و يبدو أن الحل لايمكن بالقوة الناعمة “السياسة”، بل بحاجة لـ”مقص” يزيل العقد ويعيد الوصل بشكل جديد.

اقرأ المزيد
١٦ ديسمبر ٢٠١٦
حلب ورقة تمهيدية في «الصفقة الكبرى»

ماذا بعد معركة حلب وما فعلته بموازين القوى الإقليمية والدولية على وقع انهيار المعايير والأعراف والقوانين الإنسانية؟ روسيا أوضحت منذ البداية أن لا خيار سوى الانتصار في حلب مهما كلّف الأمر حتى ولو تمّ ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. إنما ماذا ستفعل روسيا بانتصارها الملوّث؟ هل جهّزها هذا الإنجاز، وفق ما تراه، للبدء في التفاوض مع الولايات المتحدة على الصفقة الكبرى؟ أم إن هذا مجرد فوز بمعركة وليس كسب حرب، ما يجعل الصفقة بعيدة المنال ويوحي بأن النزيف مستمر في سورية المفككة؟

ما يُعرف بالفترة الضائعة بين الفوز في الانتخابات الأميركية وتسلّم الرئيس المنتخب مفاتيح البيت الأبيض شكّل فرصة للمحور الذي يضم روسيا وإيران وميليشياتها إلى جانب النظام في دمشق، وتدعمه الصين أيضاً - فرصة، الفرز الدموي ميدانياً لتثبيت موازين عسكرية وفرضها بثقة في أن الولايات المتحدة غائبة عن القرار أثناء الوقت الضائع - حتى إزاء ارتكاب المجازر - ولن تتحرك. هكذا، هيّأ المحور أرضية جاهزة للرئيس المنتخب دونالد ترامب تتلاءم مع رغبته في التخلص والتملص من ملف سورية بعدما كان المحور قد استفاد كثيراً من تردد الرئيس باراك أوباما وتلكؤه في المسألة السورية.

فكلا الرئيسين انعزالي في هذا المجال، وهذا ما قوّى عزم أقطاب المحور على حسم معركة حلب بأي كلفة ومهما كان الثمن. إيران تعتبر حلب فوزاً لها وانتكاسة للدول العربية الخليجية المعارضة لها، بالذات للسعودية. مواقف دول مجلس التعاون الخليجي متباينة، شعوبها منشغلة بمستقبلها وطموحاتها ولا تريد الانجرار إلى الحروب في البقع العربية من سورية إلى ليبيا - وحتى اليمن. لذلك، هناك ذلك المقدار من الضبابية في المواقف الخليجية الرسمية والشعبية وهناك انفصام وانفصال عن المنطقة العربية غير الخليجية. سواء كان بعض الأدوار الخليجية في الدول الملتهبة خطأ أم لا، فما يريده الخليجيون الآن هو الحفاظ على تلك الواحة الباردة في خضمّ اللهيب. أما شعوب الدول التي تلقّت الوقود وسكب الزيوت عليها، فإنها تشعر بأنها ضحية الاستخدام الخاطئ والمسيء الذي أدّى إلى أفغنتها وتمزيق نسيجها البنيوي. فما هو المشهد أمامنا؟

دول مهمة مثل الصين التي تلعب في الساحة العربية من وراء الكواليس، التحقت علناً أخيراً بالحرب الشاملة على الإرهاب، وفق ما بدأ مبعوثوها التعبير عنه صراحة وعلناً. إنها تنظر إلى معارك الموصل في العراق وحلب في سورية على أنها جزء واحد من الحرب العالمية على الإرهاب الإسلامي، وهي شريك استراتيجي لروسيا في هذا الموقف. الصين الصامتة تقليدياً باتت في الفترة الأخيرة تجاهر بمواقفها السياسية لا بالأفعال اللوجيستية العسكرية التي تقدمها على أرض المعركة في سورية بالذات.

أول أربع مرات، استخدمت فيها الصين الفيتو سوية مع روسيا في مجلس الأمن لمنع الحلول المطروحة دولياً يبررها المسؤولون الصينيون بأنها كانت رفضاً لمحاولات إزالة بشار الأسد عن الرئاسة «لأنه مُنتخب» كما يقولون. أما الفيتو الخامس فإنه الفيتو ضد الإرهاب، كما يبررون، تأكيداً للخطاب الروسي - الإيراني - السوري الحكومي الذي حوّل المسألة السورية التي بدأت بالمطالبة بالإصلاح إلى حرب على الإرهاب. إذاً، هناك اليوم شراكة روسية - صينية في تحديد مستقبل سورية عنوانها مكافحة الإرهاب، حقيقتها في صلبها تقوم على ضمان المصالح الاستراتيجية للحليفين في المنطقة العربية، بالذات في مواجهة مصالح الغرب والولايات المتحدة ونفوذهما.

ماذا تريد روسيا في سورية؟ كل شيء. تريد روسيا كل شيء، من القواعد العسكرية، إلى الاستفادة الاقتصادية لمرور النفط والغاز إلى أوروبا، إلى الاستثمار وربما إعادة البناء، إلى استخدام النفوذ في سورية للمقايضة في أماكن أخرى مع الولايات المتحدة وأوروبا في الصفقة الكبيرة إن لم يكن في الصفقة الكبرى.

روسيا هادنت تركيا والصفقة بين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان لها أكثر من عنوان. أردوغان دخل ساحة الحرب في سورية لتنظيفها من الخطر الآتي إليه من الأكراد فاستخدمها لسحق المنظمات الكردية التي يصنّفها إرهابية بمعونة الأمر الواقع من روسيا. في المقابل، أتى الصمت الرهيب من تركيا ومصر والدول الخليجية على المعركة الروسية في حلب بكل تجاوزاتها في إحدى أكبر المدن السنيّة. هكذا، عاونت تركيا روسيا كأمر واقع كما تلقت منها المعونة في مسألة الأكراد.

ستضمن إيران لنفسها الجغرافيا التي تريدها في سورية وتوصلها مع «حزب الله» في لبنان. إنه جزء من ذلك «الهلال الفارسي الشيعي» الذي أراده المحافظون الجدد في الولايات المتحدة ليربط إيران بإسرائيل في علاقة تهادنية بحيث يكون أحد القواسم المشتركة بينهما ذلك العدو العربي. لذلك، فإن إسرئيل لا تحتج على الإنجازات الجغرافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية وهي لا ترى في ذلك تهديداً لها، وإلا لسمعنا دوي احتجاجها في كل مكان.

الدول الخليجية أيضاً لا تبدو مذعورة أبداً إزاء الامتداد الإيراني عبر العراق وسورية ولبنان إلى البحر المتوسط. فهي واثقة في أن ذلك الشق المتعلق بالمنطقة الشرقية السعودية في الهلال الفارسي لن يرى النور تحت أي ظرف كان. أما ما يحدث في الجغرافيا غير الخليجية، فإنه ليس أولوية خليجية. هكذا كان جليّاً في جولة خليجية شملت قمة مجلس التعاون في البحرين ومؤتمر مؤسسة «فكر» في أبو ظبي التي عقدت تحت عنوان «التكامل... هدفاً»، والمقصود التكامل العربي.

واقعياً، إن التكامل الوحيد هو الذي بين دول مجلس التعاون الخليجي وليس مع باقي الدول العربية التي تتسم العلاقة معها اليوم بالانفصام وانعدام الثقة المتبادلة. أحد المشاركين في المؤتمر وهو من المخضرمين السعوديين أسرع إلى القول: «يجب علينا أن ننكمش في موضوع سورية» لأن تدخلنا في المسألة السورية كان «خطأ» و «سياسة خرقاء»، ويجب أن يكون الآن «لا دخل لنا في سورية لأنها مسألة بين الغرب وروسيا ولا شأن لنا فيها بعد الآن».

رأي هذا الخليجي المخضرم هو أنه «لسنا مسؤولين عن العرب في كل مكان. نحن مسؤولون عن شعبنا وتطويره وتعليمه وتأمين أمنه وسلامته وصحته. علينا التركيز على أوطاننا في الخليج لنواجه انخفاض أسعار البترول والعجز في الموازنة وابتداء تراكم الديون... فلقد آن الأوان لنكون مجتمعاً متحضراً». أما رأيه في ما يسمى بفوز إيران بسورية هو أنه «استنزاف آتٍ لإيران فيما هي في وضع اقتصادي هش... ففي النهاية، هي التي ستعاني وليس نحن، لا سيما أنها في بحر من العرب غير الراضين». يضيف أنه ليس صحيحاً القول أن الدول الخليجية انهزمت في سورية «فنحن لم نرسل الجيوش ولم ندخل طرفاً في الحرب وإنما استجبنا للنداء فقط وساعدنا السوريين. إيران هي التي تملك أجندة. لا أجندة لنا. فهذه ليست هزيمتنا. إنها هزيمة للمواطن السوري».

مزاج الخليجيين هو الانكماش، لا سيما بعد خيبة الأمل بالتدخلات الخليجية في سورية والعراق وبالمحاولة الخليجية بالذات السعودية والإماراتية لصقل علاقة تحالف مع مصر لتشكل وزناً عربياً في موازين القوى الإقليمية. مصر اختارت التوجه نحو روسيا وإيران في المسألة السورية بعدما استنتجت أن هناك تحوّلاً سعودياً نحو القبول بـ «الإخوان المسلمين» وصوغ علاقة تحالفية مع تركيا. هكذا، انهارت العلاقة المنشودة والمهمة لموازين القوى الإقليمية. والنتيجة، المزيد من الانكماش الخليجي في البقعة العربية.

هناك رأيان في شأن ردود الفعل السعودية - القطرية - التركية نحو التطورات في سورية: رأي يصر على أن هذا الثلاثي ماضٍ بمواقفه ضد بشار الأسد ولن يقبل بما أفرزته معركة حلب ولذلك سيستمر بدعم ما تبقى من المعارضة السورية المسلحة. ورأي آخر يقول أن هذه الدول الثلاث واقعية وبراغماتية وهي تقرأ الرسائل الدولية بوعي وتدرك أن إدارة دونالد ترامب لن تسمح بدعم المعارضة السورية وتريد، بدلاً من ذلك، طي الصفحة في سورية ببشار الأسد الآن. ثم لكل حادث حديث.

هناك من يشير إلى ما حدث لصدام بعدما تهيّأ له أنه انتصر في حروبه، بالذات عندما قررت الولايات المتحدة التوقف بعيداً من بغداد في حرب الخليج الأولى بدلاً من المضي إليها وإنهاء الحرب بإنهاء صدام. يقول هذا البعض أن الدول الكبرى تحسن اختيار الزمان والمكان والأهداف وأنه من الجهل الإسراع إلى إعلان منتصر ومنهزم في حرب سورية الآن.

بغض النظر عن التأويلات والتوقعات، فإن ما حدث في معركة حلب يبقى مصيرياً بامتياز، وأن الردود الدولية على ما حدث في حلب إنما مزّقت الادعاءات بالمحاسبة على الجرائم ضد الإنسانية وعرّت خمول الرأي العام العربي والعالمي على السواء. وانحطاط القيم وقواعد الانضباط الأخلاقي أتى عبر حلب ولم يعد يحق لأحد التظاهر بالتمسك بأدنى متطلبات الأسس الإنسانية.

هل تأتي الصفقة الكبرى على أنقاض الإنسانية في حلب، أم إن هذه مجرد محطة في تموضع فلاديمير بوتين وهو يتخذ الاستعدادات لعملية التفاوض على صفقة مع دونالد ترامب؟ الواضح أن الرجلين راغبان في الجلوس إلى طاولة إبرام الصفقات ليتمكن كل منهما من الزهو بقدراته على ضمان الصفقة التي يريدها. قد يُعجَب بعضهما ببعض ويختالا بزهو أمام العالم، لكن المصالح الكبرى للولايات المتحدة ولروسيا قد تفرض على كل منهما الاستمرار في الشك في الآخر فيما يجمع كل منهما أوراقه التفاوضية.

معركة حلب وصمة على جبين الأسرة الدولية سيسرع الجميع إلى مسحها بذريعة الحرب على الإرهاب. وإلى حين وضوح التموضع إلى طاولة الصفقات، فإن معركة حلب ليست بالضرورة خريطة طريق انتهاء الحرب السورية. فالفوز بمعركة شيء، والانتصار في حرب شيء آخر.

اقرأ المزيد
١٦ ديسمبر ٢٠١٦
بيع سورية بعد تدميرها

منذ عام 2012 والمجتمع الدولي يطلق على الحرب السورية وصف «مأساة القرن»، ولا يجد لها أي حل، بل يمعن في التغاضي عن تمادي الإجرام الذي يلحق ببلاد الشام إلى درجة لم يعد أمامه سوى تكرار الوصف عند كل محطة من محطات الفظائع الشنيعة التي تتوالى، من ريف دمشق ودرعا وحمص والقلمون وحماة... وصولاً إلى حلب الآن، وقريباً غيرها، سواء في إدلب أو في دوما.

لم يعد القاموس يحوي أوصافاً تعادل فائض المجازر والإبادة وجرائم الحرب بأبشع صورها التي تصيب الشعب السوري، بموازاة القضاء على بلد كان له دور محوري على مر التاريخ، إلى أن تحكم بمصيره العقل الإلغائي لكل شيء. فأين ما يتعرض له السوريون من أساطير بشاعة الحروب الدينية في أوروبا في القرون الوسطى، ومن مجازر البوسنة وغروزني...؟

لم تعد البكائية العربية والعالمية تنفع إزاء اعتقاد حكام دمشق بعقل بارد، ومعهم حلفاؤهم الروس والإيرانيون وسائر الميليشيات المتعددة الجنسيات، أن من يموتون هذا قدرهم ومصيرهم... سواء كانوا من الموالين للمعارضة أو حتى من الموالين للنظام، من الفقراء الذين أخذتهم العصبية الطائفية نحو القتال المجنون وارتكاب المجازر والفظاعات.

مع المسؤولية الأخلاقية على المستويين العالمي والعربي عن نكبة العصر، ومن دون الترداد الممل لوحشية النظام الحاكم في سورية وشركائه، يكشف الفصل الأخير في حلب جملة مسؤوليات أخرى أبرزها لرجب طيب أردوغان، فالأخير عقد اتفاقاً مع روسيا فلاديمير بوتين قبل أكثر من شهرين على أن تكون المنطقة الممتدة من جرابلس السورية على الحدود مع تركيا، والتي أتاح الروس له التمدد فيها حتى حدود مدينة الباب، هي ملجأ النازحين السوريين من حلب وبعض المقاتلين ممن تقرر موسكو أنهم من المعتدلين، بما يعني أنه كان متواطئاً مع خطة احتلال المدينة في شكل مسبق. وهذا ما يفسر إعلان أنقرة عن تجهيزها خيماً من أجل إيواء زهاء 80 ألف نازح في تلك المنطقة، فالزعيم الذي ادعى منذ سنوات أنه لن يسمح بسقوط حلب، وافق على ذلك مقابل اتفاقه مع موسكو على إبعاد المقاتلين الأكراد عن ذلك الجيب الذي تبلغ مساحته أقل من 10 آلاف كيلومتر مربع. «باع» أردوغان سقوط حلب بإجباره جزءاً من فصائل المعارضة الذين دربهم وسلحهم جيشه لضمهم إلى عملية «درع الفرات» الهادفة إلى احتلال ما ادعى أنها «المنطقة الآمنة»، ثم حجب الأسلحة التي كانت معدّة لإرسالها إلى مقاتلي حلب لاستخدامها في الدفاع عنها، فمنذ استعادة أردوغان علاقته مع روسيا، والمصالحة بينه وبين إسرائيل، باتت خطواته السورية محكومة بالانضمام إلى نقاط التقاطع بين هذين اللاعبين: الإبقاء على نظام الأسد وإنهاء قدرة سورية على أن تعود دولة فاعلة، لعقود آتية.

قد تأخذ فصول مأساة القرن بعد حلب أشكالاً أخرى لإلهاء السوريين وسائر العالم عن الفصل المنقضي. فإفساح الطريق لـ «داعش» لأن ينتقل مقاتلوه من الرقة ودير الزور إلى تدمر لاحتلالها مرة أخرى، بعد سحب وحدات من الجيش النظامي منها، يرمي إلى التغطية على المجزرة في عاصمة سورية الاقتصادية، وإلى جعل تحريرها مجدداً هدفاً بدلاً من التوجه نحو الرقة، فإذا استعادها النظام يصبح الهدف إنهاء وجود المعارضة في إدلب. وقد يتقدم هذا الهدف على استعادة تدمر، من أجل الإبقاء على «داعش» فيها وفي الرقة، عنواناً لـ «التعاون» مع إدارة دونالد ترامب ضد الإرهاب، تحت طائلة إبقاء التنظيم المتوحش تهديداً لأمن الغرب والولايات المتحدة. فالقضاء على «داعش» تحول شرطاً يعادل الموافقة الدولية على شرعنة الأسد والنظام، في العملية السياسية الموهومة التي تنوي موسكو اقتراح استئنافها بعد فترة.

في الانتظار، تتواصل عملية «بيع» سورية ومقدراتها جائزة ترضية، بعد تدمير بناها التحتية والإنسانية، إلى الدول مقابل الجهود التي بذلتها للحفاظ على حكامها الحاليين، عبر باب إعادة الإعمار، ومن أجل تثبيت التغييرات الديموغرافية المقصودة على امتداد جغرافيتها. هكذا تنشأ شركات عقارية ضخمة يتولى الإيرانيون إدارتها، بغطاء من تجار الحروب من رجال الأعمال السوريين الذين اغتنوا خلال الفوضى التي حلت بالبلد، تتملك أصولاً عقارية مقابل الخدمات الحربية، فتسيطر على مساحات إضافية. والتحضير جار لتلزيم سورية إلى دول حالت العقوبات الدولية على إيران والنظام دون تسديد ثمن نفط اشترته، خصوصًا من طهران، ومن هذه الدول الصين، التي دخلت سوق الملعب السوري في الأشهر الأخيرة.

ليس صدفة أن الأسد قال في حديثه الأخير إن «إعادة الإعمار الضخمة مفيدة للدول»، فمن سلم سورية لإيران وروسيا عسكرياً وسياسياً، ليس صعباً عليه أن يسلمها اقتصادياً.

اقرأ المزيد
١٦ ديسمبر ٢٠١٦
أميركا من الجحيم السوري

في مقابلة مثيرة مع صحيفة «الحياة» اللندنية، الأربعاء الماضي، مع السفير الأميركي في دمشق، والذي كان عاملا أثناء اندلاع الثورة السورية، 2011، عنيت السفير روبرت فورد، كشف الكثير من الصفحات المطوية، من قصة أميركا الأوبامية مع المعضلة السورية.

فورد ترك موقعه قبل سنتين، ومما لفتني في مقابلته إشارته، بعد مجازر حلب، إلى أن ما يجري في سوريا هو مسعى «للتغيير الإثني في البلاد»، على يد إيران وعصاباتها الشيعية من كل صقع، مع الطغيان الروسي العسكري.

تحدث عن تفوق النظام، حاليا، في معارك حلب ثم معركة إدلب المرتقبة، لقتل بقية السوريين اللاجئين في جارة حلب، لكنه أشار إلى أن هذا التفوق ليس نهاية المطاف، فهناك فاتورة خراب اقتصادي مرعب، يعجز النظام مع إيران مع روسيا عن دفع تكاليفها، ولن يساعد الغرب، أوروبا وأميركا في دفع الفاتورة مع هيمنة النظام الأسدي المدان.

غير أن الفقرة الأهم هي حديثه عن خطايا الإدارة الأوبامية في سوريا، وهو منها، ومن ذلك، دوما بحسب فورد، أن أوباما تجاه الحدث السوري من بدايته «لم يحاول التأثير بشكل مباشر».

يضيف: «قلنا لهم مثلاً تجنبوا تنظيم (القاعدة)، إنما لم نمنحهم بديلاً، عوضًا عن مساعدتهم بعدم التحوّل إلى (القاعدة)، لم نقدّم سوى الوعظ».
تحدث عن مقابلته لنوري المالكي، حين كان الأخير ما زال رئيسا لحكومة بغداد، وطائرات التسليح الإيرانية العراقية تمّول النظام الأسدي، يقول: «تجاهلنا الأمر وغضضنا النظر. أنا ذهبت وتحدثت للمالكي عام 2012، قلت له عليك وقف هذه الرحلات، فتجاهلني. رغم تحذيراتي بأن تسليح الأسد سيغذّي التطرف».

هذه لمحات قالها، رجل من مسيري السياسة الأميركية تجاه الأزمة السورية، وهي كافية في الإشارة لفداحة الجرم السياسي الذي ارتكبته إدارة أوباما الذي من نتائجه اليوم: بلطجة الروس، إجرام الخمينية، توحش بشار، تفشّي «داعش»، نفي المعارضة الوطنية المعتدلة وشطبها من المشهد.

على ذكر المعارضة، هل هي أيضا تتحمل جانبا من المسؤولية، بسبب كثرة خلافاتها، وارتهان بعضهم لأجندة دول خارجية، تخاذلهم عن العمل الميداني، وتغاضيهم عن تسلل التشكيلات المتطرفة لصفوف المعارضة، وصولا لتسلل «القاعدة»، ممثلة بجبهة النصرة للجسد المعارض؟

هذا حديث يجب قوله، وسيقال أكثر هنا، لاحقا، صحيح أن بشار وخامنئي وبوتين، منعوا قيام معارضة وطنية، وفضلوا أن يكون كل المعارضين عليهم ميسم «داعش» أو «القاعدة»، لأهداف واضحة، لكن ذلك لا يعفي المعارضات السورية من تحمل واجبها التاريخي الوطني.

يبقى، بتقديري، أن الخطيئة الكبرى تقع على عاتق الإدارة الأوبامية.

اقرأ المزيد
١٦ ديسمبر ٢٠١٦
عندما يتنصل نائب رئيس الائتلاف من منصبه .. ويبحث عن مبرر بمقالة بكل بساطة ..!؟

قد يكون من غير المناسب أن أتحدث بقضية متعلقة بالائتلاف، في هذا الوقت الذي نلملم فيه شظايا أرواحنا مما يجري في حلب، ولكن عندما يصر نائب رئيس الائتلاف الافلات من مسؤولياته والاقدام على الاستقالة في هذا التوقيت، عبر مقال “مأجور” في صحيفة عربية، يجعل من الأمر مثار حنق.

قررت نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري سميرة مسالمة، تسليم مقاليد منصبها، في توقيت، بالحقيقة، يدل على مدى شعورها بالمسؤولية المناط بها، حيث انتهجت اسلوب “التهذيب” و الشتم الجماعي لكامل “الائتلاف” بعموميات لا طائل منها ولا شيء واضح فيه، والأخطر من ذلك أن تعتذر للشعب عن أخطاء لم تقلها ولاتوضحها، بل اكتفيت بتلك العموميات العمياء التي اعتاد كل من تسلم منصب يتعلق بالشعب الكليم، لفظها وتكرارها.

بمقالة مطولة نشرتها نائب رئيس الائتلاف السابقة في صحيفة “العربي الجديد”، التي تمنح مقابل نقدي على المقال الذي ينشر فيها، تحدثت عن خذلان المعارضة السورية عموماً، والائتلاف على وجه الخصوص، وسردت نقاط التراخي والسلبيات من غياب للتنظيم و الهيكيلية الادارية في أروقة الائتلاف، وصولاً إلى أخطاء بالتعامل مع الفصائل، مع التركيز على وجوب لفظ النصرة، ولم تنس، النائب السابق، أن تتحدث عن سوء المقاربة مع القضية الكردية.

وفات النائب السابق أن تذكر بما أخطأت كشخص، تبعاً لمنصبها، وعن أي شيء تطلب الغفران والمسامحة من الشعب السوري، فلم أجد في سردها أي ذكر لخطأ فردي، وإنما الأخطاء اجتمعت في تلك المنظومة اللعينة، التي يدخلها في البداية الجيدون والنشيطون، و يخرج منها المنزهون عن الأخطاء.
 النائب السابق في الائتلاف، صدعت رؤوس جميع من حولها بالاسلامين و المتشددين ، وأولئك الرافضين لحاسرات الرأس والمؤمنين بالعلمانية التنويرية، اذ من المفروض أن تطغى الفئة الأخيرة و يفنى كل من يعارضها و لو كانوا السواد الأعظم من الشعب.

وتاريخ النائب السابق كـ”صحافية” رفيعة المستوى قبل الثورة ، لم نر فيه، كإعلاميين، أي تغيير في منهجية أو آلية في لتعامل  الائتلاف معنا، اذ بقي الحال على ماهو عليه، و لم ينهل أي من كوادر الائتلاف من خبرتها و قدراتها، و حتى إن حاول الاعلام الثوري التقرب فإنه لن يجد استجابة، و لعل ما حدث مع أحد الزملاء خير دليل على الحنكة الاعلامية التي تمتلكها نائب الرئيس ، عندما رفضت التصريح له بحجة “لا أصرح لوسائل اعلام عادية”، و لكن تجدها في كل منبر غير ثوري حاضرة و بقوة وبشكل مستمر.

ولا يكفي عندما مغادرتك للمؤسسة أن تكتفي بشتم هذه المؤسسة، لاسيما في حالة نائب رئيس الائتلاف “سميرة مسالمة”، التي لانعرف لماذا دخلت الائتلاف حتى نعرف و نخمن أسباب الخروج، ولاسيما في مؤسسة كالائتلاف يتعلق بها ملايين الشهداء والمعتقلين والمشردين في أصقاع الأرض.

ليس بوسعنا الحديث في ظل ظروف حلب المحطمة للأفئدة، عن أخطاء بعض ممتطي المعارضة والراغبين بالسيطرة والظهور والاستفادة، ولكن وجب ذكرهم وتذكيرهم أن الثورة هي ثورة شعبية تقبل الجميع وتتقبلهم.

 في العموم من لفظ الثورة باسلوب التعالي، فإن الثورة ستلفظه حتماً، و الأهم أن تغيير الأماكن والتواجد بتسميات جديدة مستقبلية، لن يمحي التاريخ في أذهان شعب يعرف جيداً كل من قتله و خذله.

اقرأ المزيد
١٥ ديسمبر ٢٠١٦
ثورة ضد العالم

نلاحظ كيف أن "كل العالم" بات يتدخّل في سورية. أمر يسترعي الملاحظة ولا شك، حيث إن الدول الإمبريالية والإقليمية باتت تتدخل، لأنها تربط تدخلها بدورها الإقليمي أو العالمي. على الرغم من أن ما قام به الشعب السوري هو ثورة من أجل إسقاط النظام، لتحقيق مطالبه التي تراكمت عقوداً، سواء تعلق الأمر بالفقر والبطالة وانهيار التعليم والصحة، أو تعلق بالاستبداد والشمولية اللذيْن حكما ممارسة النظام، والتي أدت إلى قمع شديد واعتقالات واسعة.

أتت الثورة السورية بعد ثوراتٍ بدأت بـ "حادثة بسيطة"، انتشرت على أثرها بشكل سريع ومخيف في البلدان العربية، على الرغم من أنها باتت ثورات في خمس دول فقط. وقد جرت محاولات محلية ودولية لكبح الثورة، من خلال التغيير السريع للرؤساء، وإظهار نجاح الثورة، أو بالتدخل العسكري، كما في البحرين وليبيا، أو بالمناورة طويلة الأمد، كما في اليمن. لكن، لم ينجح الأمر في وقف الثورة الممتدة، والتي ألهمت شعوب العالم التي تحلم بالثورة، نتيجة وضعها، بعد أن باتت الرأسمالية تعاني من أزمة اقتصادية عميقة، أخذت تنعكس عليها.

لهذا، يبدو أن الكل، كل هؤلاء الإمبرياليين، قرّروا أن تكون سورية مقبرة الثورة، الثورة التي بدأت في تونس، وامتدت إلى مصر والبحرين واليمن وليبيا وسورية، وأخرجت تحركات كبيرة في عُمان والعراق والأردن، وفي الجزائر والمغرب. وبالتالي، كان يجب أن تواجه في سورية، مع نظامٍ متعطش للسلطة، خصوصاً أنه اعتبر أنها وراثة لملكية خاصة، ويمكن أن يمارس كل العنف الذي عُرف عنه منذ عقود أربعة. النظام الذي شاهد رحيل زين العابدين بن علي ثم حسني مبارك، فاستخرج "مخططاته" القديمة، بعد أن استنتج أن العنف وحده الذي يسحق الثورة، وينهي إمكانية اللجوء إلى ترحيل الفئة الماسكة بالسلطة.

وبهذا بات على الشعب السوري أن يواجه العالم. بات في مواجهة العالم. فقد واجه النظام بكل قوته ووحشيته وكسره. حيث بعد أقل من عامين، كان النظام يتهاوى، بعد أن أصبحت الثورة تشمل معظم سورية، وبات السلاح يهزّ قوة النظام، بعد أن فرضت وحشية النظام استخدامه. ولكن، بعد أن اخترق الاحتقان صفوف الجيش، وبات كثيرون من ملاكه يميلون إلى الانشقاق أو الفرار، ما جعل النظام يضع معظم الجيش في معسكراتٍ مغلقة، وظل يستخدم "البنية الصلبة" التي اعتمد عليها منذ البدء. هذا الاستخدام هو الذي جعل السلطة عاجزةً ليس عن الحسم، بل عن الصمود. حرّكت الثورة المجتمع والدولة، وجعلت استمرار النظام مستحيلاً.

حينها، واجه الشعب السوري أول تدخل خارجي يهدف إلى حماية النظام من السقوط. واجه حزب الله، ثم المليشيا الطائفية العراقية، ثم الحرس الثوري الإيراني، ومن ثم "الزينبيين"، وهم من جمعتهم إيران من أفغان وباكستانيين، وزجتهم في أتون الحرب ضد الثورة. زجّت إيران بعشرات آلاف "المجاهدين"، وقدّمت الخبرات العالية منذ البدء، وأغدقت بمليارات الدولارات، وبكل احتياجات السلاح وأدوات القمع. بهذا، بات الشعب يخوض الصراع مع بقايا قوات النظام، خصوصاً طيرانه وصواريخه الباليستية (السكود)، وعملاءه داخل صفوف الثورة، وكذلك مع كل ما أرسلت إيران من قوات وسلاح. باتت المعركة مع إيران بالأساس، وبقيادةٍ عسكرية إيرانية، مستتبعة ببقايا قوات النظام، والأخطر فيها هو الطيران.

في الوقت نفسه، جرى تسهيل إرسال "الجهاديين" على أساس أنهم آتون لمحاربة النظام، لكنهم عملوا على تخريب بيئة الثورة، وقتل أفضل قادتها وكادراتها السياسية والإعلامية والإغاثية، وسيطروا على مناطق، طاردين منها الكتائب الثورية. كما وضعوا في "حضن" الثورة جبهة النصرة، وكذلك الزعران والجواسيس. حيث باتت الثورة تواجه النظام، وكل هؤلاء معاً. لكن، ظهر واضحاً سنة 2015 أن ميزان القوى ينقلب، وأن النظام بات يتراجع بتسارع، الأمر الذي قاد إلى تدخل روسيا بكل قوتها العسكرية، وتكنولوجيتها الحديثة وسلاحها المدمّر.

في المقابل، كانت الثورة عفوية، ما يعني أنها بلا قيادة حقيقية، وهذا ما جعل تمظهراتها العسكرية متشتتة ومناطقية، ومتناحرة في حالاتٍ عديدة، وتقبل وجود قوى "إرهابية" صنعتها أجهزة المخابرات، وكما يقبل بعضها الربط مع دول إقليمية. كما كانت تعاني من "تخريب" أطرافٍ من المعارضة التي أرادت ركوبها بأشكالٍ شتى، حيث ساعدت دول إقليمية في الأسلمة وقبول "الإرهاب"، ودافعت عنه. لكنها عانت من كبح "الحلفاء" الذين أمدوا "مزاجياً" بالسلاح والمال، بحدود مضبوطة، بالضبط لكي لا تنتصر الثورة، لأنهم ضد الثورات أصلاً. وحيث قبل هؤلاء كذلك بالخضوع لقرار أميركي بحصار الثورة.

بمعنى أن الثورة واجهت، ليس النظام فقط، فقد أضعفته بعد عام ونصف العام، وأصبح معرّضاً للتغيير، لكنها واجهت في حربٍ عنيفةٍ إيران بكل أدواتها التي شكلتها، ومن ثم روسيا الدولة الإمبريالية الآتية لكي تثبت قدرتها الفائقة وتفوقها العسكري. ومن أجل ذلك، أتت بأحدث أسلحتها، واستخدمت أقصى العنف والوحشية. لكنها واجهت أيضاً كل الدول التي قالت إنها تدعم الشعب السوري ضد النظام، هذه الدول التي عاثت تخريباً، ودعمت إرسال "الجهاديين" الذين أتوا بقصد التخريب. ولهذا، نجد أن من يقاتل الثورة أفراد ومجموعات وجيوش من لبنان والعراق وإيران وباكستان وأفغانستان، ومن السعودية والكويت والمغرب العربي وليبيا والأردن وأوروبا، والشيشان وتركمانستان، ومن روسيا، وحتى من كوريا.

جرى التحجج حين التدخل، سواء من إيران أو روسيا، بأن الثورة تُدعم من دول مثل السعودية وتركيا وقطر. ويظهر الآن واضحاً أن هذه لم تكن مع الثورة، وأن مصالحها هي التي فرضت تدخلها بشكل أو بآخر، لكنها، في كل الأحوال، لم تدعم الثورة، وعملت على تخريبها. وبهذا، فإن كل هذه التدخلات كانت ضد الثورة. فأولاً كل هذه الدول هي ضد الثورات، وقد أصابها الرعب من نشوبها في تونس، ومن ثم انتشارها حريقاً هائلاً. لهذا، كانت المسألة المركزية التي تحكمها هي سحق الثورة، مباشرة أو عبر تفكيكها، وتحويل سورية إلى مثالٍ لنتيجة الثورة، أي الإسهام في تحويلها إلى مجزرة. وثانياً أن سورية كانت مفصل تنافس عالمي. ولهذا، أدى نشوب الثورة إلى التدخلات المختلفة للنهب. ولكن، أيضاً لفرض دور إقليمي أو عالمي.

بالتالي، منذ أربع سنوات والشعب السوري يخوض الصراع ضد دول وقوى، وليس ضد النظام فقط، وهو يقاتل على جبهتين معاً، ضد النظام وتلك القوى التي أتت لحمايته، وضد المجموعات "السلفية الجهادية" التي أرسلت لكي تسحقه. وهو في وضع مشتت. على الرغم من ذلك، لا زال يقاوم كل هؤلاء، ولا زال يسعى إلى أن ينتصر. الأمر صعب، لكنه ممكن. حيث إن الصراع ليس في سورية فقط، بل هو جزء من الصراع الذي بدأته الطبقات الشعبية العربية، من أجل التغيير الجذري، في عالم يعاني من أزماتٍ سوف تنفجر، وهي تفتح على تفاقم الصراع الطبقي في بلدان كثيرة.

الثورة السورية هي ضد العالم. لهذا سوف يكون لها موقعها الكبير في مسار الثورات العربية والعالمية.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٣ يونيو ٢٠٢٥
موقع سوريا في مواجهة إقليمية محتملة بين إسرائيل وإيران: حسابات دمشق الجديدة
فريق العمل