مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٧ ديسمبر ٢٠١٦
اعادة تحرير “حلب” ليست ببعيد .. العناد الايراني يُعجّل من خطوات “درع الفرات”

منحت التعطيلات الايرانية المتتالية، للاتفاق الروسي - التركي حول اخلاء حلب، دفعة قوية لخطة استراتيجية كانت قيد التنفيذ البطيء، تقضي باعادة رسم خطوط السيطرة في سوريا، عبر أدوات معتدلة ومضبوطة يكون قوامها الجيش الحر، تنطلق من مناطق درع الفرات إلى الحدود التي تنتهي عندها “سوريا المفيدة” من وجهة النظر الروسية.

قبل فترة ليست ببعيدة، كانت مصادر خاصة قد أكدت أن المناطق التي تتوسع حاليا (ببطيء في الآونة الأخيرة)، على الحدود السورية التركية في عملية “درع الفرات”، ستكون المنطلق الجديد لاعادة بلورة الثورة السورية، وتخليصها من كل ما شابها من تشدد و سوء تنظيم و ادارة، و تحويلها من ثورة مغطاة بـ”فصائل” مشتتة ، إلى ثورة قريبة من شكل “دولة” ذات كيانات واضحة.

و تقضي الخطة ، التي أذّكر مرة أخرى أنها ذات نوع استراتيجي بعيد نسبياً، أن يتم مأسسة الثورة بادارة مدنية و عسكرية يرتقي إلى ما يقارب الدولة، وتركز في مرحلة قد تصل لستة أشهر على عملية التنظيم ، وصولاً لانطلاق المرحلة التالية ، والمتمثلة بالتوسع في العمق لحدود تصل إلى ٨٠ كم ، وهي المساحة التي تكفي تركيا ، وترضي روسيا، و يخرجهما راضين عن معارك وصدامات امتدت لست سنوات.

كان بالحسبان طوال الوقت “ايران”، التي تملك مشروع ذو نزعة توسعية مستمرة مبني على أهداف طائفية بعيدة المدى، الأمر الذي لا يناسب سواء روسيا التي تتهرب من فخ تكرار “المستنقع” كما حدث في أفغانستان، و كذلك تركيا التي تعتبر نفسها جزء من تحالف كبير يمثل الجانب “السني” في العالم، اضافة إلى القضية “الكردية” بكل تشابكاتها التي تشكل رعب لايمكن القضاء عليه إلا بمشروع في العمق السوري.

ايران استشعرت بالخطر و لامست الخطة ميدانياً ، فعززت صفوفها بآلاف المقاتلين، وبدأت ترتيبات المواجهة، عبر تسريع وتيرة القتال في حلب من جهة ، مع تنغيص الاتفاق التركي - الروسي، فتم قصف الجنود الأتراك في تشرين الثاني عبر طائرات تتبع لها ، و من ثم الايغال في القتل بحلب ، وصولاً إلى تعطيل الاتفاق على اخلاء حلب من الثوار، و أتمت الأمور بارسال أكبر ارهابيها قاسم سليماني إلى الميداني، للتحضير للمواجهة القادمة.

قوات “درع الفرات” ، التي تواجه نوعاً من تشويه الصورة (التي قد تكون محقة في بعض الأحيان)، يعتبر المنفذ الجديد للعودة إلى حلب ، والأمر ليس بالتوقيتات التي جرى الاتفاق عليها مسبقاً، و لكن بأوقات أكثر قرباً، فالتمادي الايراني، والاصرار على السيطرة في مناطق لم ينص الاتفاق الأوسع “التركي - الروسي”، يجعل واجب التأديب موجوداً .

بانتظار ما ستفضي إليه اللقاءات المقررة بين الثلاثي “ايران - روسيا - تركيا” في روسيا ٢٧ الشهر الجاري، والتي يطمح الشركاء “الروس - الأتراك” لاقناع ايران بالالتزام بالاتفاق بشكل سياسي مع تهديد مبطن باستخدام القوة.

منذ الأمس بدأت تركيا اسباغ وصف جديد على الميليشيات التي تقودها ايران بالقول أنهم “إرهابيين أجانب”، في تمهيد لمواجهة فعلية قد تضطرها الظروف للدخول بها، بالتزامن مع تعهدات بنقل مقاتلين منتقين من الخارجين من مدينة حلب، إلى مناطق “درع الفرات” استعداداً للمواجهة، التي يبدو أنها حاصلة لامحالة، سيما أن ايران بدأت اليوم عمليات القصف على عندان و حريتان لتوسيع مواقع نفوذها في حلب و ريفها ووصل حلب بـ”نبل و الزهراء”.

الخريطة تدخل مرحلة جديدة من التعقيدات و العقد المتعددة ، و يبدو أن الحل لايمكن بالقوة الناعمة “السياسة”، بل بحاجة لـ”مقص” يزيل العقد ويعيد الوصل بشكل جديد.

اقرأ المزيد
١٦ ديسمبر ٢٠١٦
حلب ورقة تمهيدية في «الصفقة الكبرى»

ماذا بعد معركة حلب وما فعلته بموازين القوى الإقليمية والدولية على وقع انهيار المعايير والأعراف والقوانين الإنسانية؟ روسيا أوضحت منذ البداية أن لا خيار سوى الانتصار في حلب مهما كلّف الأمر حتى ولو تمّ ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. إنما ماذا ستفعل روسيا بانتصارها الملوّث؟ هل جهّزها هذا الإنجاز، وفق ما تراه، للبدء في التفاوض مع الولايات المتحدة على الصفقة الكبرى؟ أم إن هذا مجرد فوز بمعركة وليس كسب حرب، ما يجعل الصفقة بعيدة المنال ويوحي بأن النزيف مستمر في سورية المفككة؟

ما يُعرف بالفترة الضائعة بين الفوز في الانتخابات الأميركية وتسلّم الرئيس المنتخب مفاتيح البيت الأبيض شكّل فرصة للمحور الذي يضم روسيا وإيران وميليشياتها إلى جانب النظام في دمشق، وتدعمه الصين أيضاً - فرصة، الفرز الدموي ميدانياً لتثبيت موازين عسكرية وفرضها بثقة في أن الولايات المتحدة غائبة عن القرار أثناء الوقت الضائع - حتى إزاء ارتكاب المجازر - ولن تتحرك. هكذا، هيّأ المحور أرضية جاهزة للرئيس المنتخب دونالد ترامب تتلاءم مع رغبته في التخلص والتملص من ملف سورية بعدما كان المحور قد استفاد كثيراً من تردد الرئيس باراك أوباما وتلكؤه في المسألة السورية.

فكلا الرئيسين انعزالي في هذا المجال، وهذا ما قوّى عزم أقطاب المحور على حسم معركة حلب بأي كلفة ومهما كان الثمن. إيران تعتبر حلب فوزاً لها وانتكاسة للدول العربية الخليجية المعارضة لها، بالذات للسعودية. مواقف دول مجلس التعاون الخليجي متباينة، شعوبها منشغلة بمستقبلها وطموحاتها ولا تريد الانجرار إلى الحروب في البقع العربية من سورية إلى ليبيا - وحتى اليمن. لذلك، هناك ذلك المقدار من الضبابية في المواقف الخليجية الرسمية والشعبية وهناك انفصام وانفصال عن المنطقة العربية غير الخليجية. سواء كان بعض الأدوار الخليجية في الدول الملتهبة خطأ أم لا، فما يريده الخليجيون الآن هو الحفاظ على تلك الواحة الباردة في خضمّ اللهيب. أما شعوب الدول التي تلقّت الوقود وسكب الزيوت عليها، فإنها تشعر بأنها ضحية الاستخدام الخاطئ والمسيء الذي أدّى إلى أفغنتها وتمزيق نسيجها البنيوي. فما هو المشهد أمامنا؟

دول مهمة مثل الصين التي تلعب في الساحة العربية من وراء الكواليس، التحقت علناً أخيراً بالحرب الشاملة على الإرهاب، وفق ما بدأ مبعوثوها التعبير عنه صراحة وعلناً. إنها تنظر إلى معارك الموصل في العراق وحلب في سورية على أنها جزء واحد من الحرب العالمية على الإرهاب الإسلامي، وهي شريك استراتيجي لروسيا في هذا الموقف. الصين الصامتة تقليدياً باتت في الفترة الأخيرة تجاهر بمواقفها السياسية لا بالأفعال اللوجيستية العسكرية التي تقدمها على أرض المعركة في سورية بالذات.

أول أربع مرات، استخدمت فيها الصين الفيتو سوية مع روسيا في مجلس الأمن لمنع الحلول المطروحة دولياً يبررها المسؤولون الصينيون بأنها كانت رفضاً لمحاولات إزالة بشار الأسد عن الرئاسة «لأنه مُنتخب» كما يقولون. أما الفيتو الخامس فإنه الفيتو ضد الإرهاب، كما يبررون، تأكيداً للخطاب الروسي - الإيراني - السوري الحكومي الذي حوّل المسألة السورية التي بدأت بالمطالبة بالإصلاح إلى حرب على الإرهاب. إذاً، هناك اليوم شراكة روسية - صينية في تحديد مستقبل سورية عنوانها مكافحة الإرهاب، حقيقتها في صلبها تقوم على ضمان المصالح الاستراتيجية للحليفين في المنطقة العربية، بالذات في مواجهة مصالح الغرب والولايات المتحدة ونفوذهما.

ماذا تريد روسيا في سورية؟ كل شيء. تريد روسيا كل شيء، من القواعد العسكرية، إلى الاستفادة الاقتصادية لمرور النفط والغاز إلى أوروبا، إلى الاستثمار وربما إعادة البناء، إلى استخدام النفوذ في سورية للمقايضة في أماكن أخرى مع الولايات المتحدة وأوروبا في الصفقة الكبيرة إن لم يكن في الصفقة الكبرى.

روسيا هادنت تركيا والصفقة بين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان لها أكثر من عنوان. أردوغان دخل ساحة الحرب في سورية لتنظيفها من الخطر الآتي إليه من الأكراد فاستخدمها لسحق المنظمات الكردية التي يصنّفها إرهابية بمعونة الأمر الواقع من روسيا. في المقابل، أتى الصمت الرهيب من تركيا ومصر والدول الخليجية على المعركة الروسية في حلب بكل تجاوزاتها في إحدى أكبر المدن السنيّة. هكذا، عاونت تركيا روسيا كأمر واقع كما تلقت منها المعونة في مسألة الأكراد.

ستضمن إيران لنفسها الجغرافيا التي تريدها في سورية وتوصلها مع «حزب الله» في لبنان. إنه جزء من ذلك «الهلال الفارسي الشيعي» الذي أراده المحافظون الجدد في الولايات المتحدة ليربط إيران بإسرائيل في علاقة تهادنية بحيث يكون أحد القواسم المشتركة بينهما ذلك العدو العربي. لذلك، فإن إسرئيل لا تحتج على الإنجازات الجغرافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية وهي لا ترى في ذلك تهديداً لها، وإلا لسمعنا دوي احتجاجها في كل مكان.

الدول الخليجية أيضاً لا تبدو مذعورة أبداً إزاء الامتداد الإيراني عبر العراق وسورية ولبنان إلى البحر المتوسط. فهي واثقة في أن ذلك الشق المتعلق بالمنطقة الشرقية السعودية في الهلال الفارسي لن يرى النور تحت أي ظرف كان. أما ما يحدث في الجغرافيا غير الخليجية، فإنه ليس أولوية خليجية. هكذا كان جليّاً في جولة خليجية شملت قمة مجلس التعاون في البحرين ومؤتمر مؤسسة «فكر» في أبو ظبي التي عقدت تحت عنوان «التكامل... هدفاً»، والمقصود التكامل العربي.

واقعياً، إن التكامل الوحيد هو الذي بين دول مجلس التعاون الخليجي وليس مع باقي الدول العربية التي تتسم العلاقة معها اليوم بالانفصام وانعدام الثقة المتبادلة. أحد المشاركين في المؤتمر وهو من المخضرمين السعوديين أسرع إلى القول: «يجب علينا أن ننكمش في موضوع سورية» لأن تدخلنا في المسألة السورية كان «خطأ» و «سياسة خرقاء»، ويجب أن يكون الآن «لا دخل لنا في سورية لأنها مسألة بين الغرب وروسيا ولا شأن لنا فيها بعد الآن».

رأي هذا الخليجي المخضرم هو أنه «لسنا مسؤولين عن العرب في كل مكان. نحن مسؤولون عن شعبنا وتطويره وتعليمه وتأمين أمنه وسلامته وصحته. علينا التركيز على أوطاننا في الخليج لنواجه انخفاض أسعار البترول والعجز في الموازنة وابتداء تراكم الديون... فلقد آن الأوان لنكون مجتمعاً متحضراً». أما رأيه في ما يسمى بفوز إيران بسورية هو أنه «استنزاف آتٍ لإيران فيما هي في وضع اقتصادي هش... ففي النهاية، هي التي ستعاني وليس نحن، لا سيما أنها في بحر من العرب غير الراضين». يضيف أنه ليس صحيحاً القول أن الدول الخليجية انهزمت في سورية «فنحن لم نرسل الجيوش ولم ندخل طرفاً في الحرب وإنما استجبنا للنداء فقط وساعدنا السوريين. إيران هي التي تملك أجندة. لا أجندة لنا. فهذه ليست هزيمتنا. إنها هزيمة للمواطن السوري».

مزاج الخليجيين هو الانكماش، لا سيما بعد خيبة الأمل بالتدخلات الخليجية في سورية والعراق وبالمحاولة الخليجية بالذات السعودية والإماراتية لصقل علاقة تحالف مع مصر لتشكل وزناً عربياً في موازين القوى الإقليمية. مصر اختارت التوجه نحو روسيا وإيران في المسألة السورية بعدما استنتجت أن هناك تحوّلاً سعودياً نحو القبول بـ «الإخوان المسلمين» وصوغ علاقة تحالفية مع تركيا. هكذا، انهارت العلاقة المنشودة والمهمة لموازين القوى الإقليمية. والنتيجة، المزيد من الانكماش الخليجي في البقعة العربية.

هناك رأيان في شأن ردود الفعل السعودية - القطرية - التركية نحو التطورات في سورية: رأي يصر على أن هذا الثلاثي ماضٍ بمواقفه ضد بشار الأسد ولن يقبل بما أفرزته معركة حلب ولذلك سيستمر بدعم ما تبقى من المعارضة السورية المسلحة. ورأي آخر يقول أن هذه الدول الثلاث واقعية وبراغماتية وهي تقرأ الرسائل الدولية بوعي وتدرك أن إدارة دونالد ترامب لن تسمح بدعم المعارضة السورية وتريد، بدلاً من ذلك، طي الصفحة في سورية ببشار الأسد الآن. ثم لكل حادث حديث.

هناك من يشير إلى ما حدث لصدام بعدما تهيّأ له أنه انتصر في حروبه، بالذات عندما قررت الولايات المتحدة التوقف بعيداً من بغداد في حرب الخليج الأولى بدلاً من المضي إليها وإنهاء الحرب بإنهاء صدام. يقول هذا البعض أن الدول الكبرى تحسن اختيار الزمان والمكان والأهداف وأنه من الجهل الإسراع إلى إعلان منتصر ومنهزم في حرب سورية الآن.

بغض النظر عن التأويلات والتوقعات، فإن ما حدث في معركة حلب يبقى مصيرياً بامتياز، وأن الردود الدولية على ما حدث في حلب إنما مزّقت الادعاءات بالمحاسبة على الجرائم ضد الإنسانية وعرّت خمول الرأي العام العربي والعالمي على السواء. وانحطاط القيم وقواعد الانضباط الأخلاقي أتى عبر حلب ولم يعد يحق لأحد التظاهر بالتمسك بأدنى متطلبات الأسس الإنسانية.

هل تأتي الصفقة الكبرى على أنقاض الإنسانية في حلب، أم إن هذه مجرد محطة في تموضع فلاديمير بوتين وهو يتخذ الاستعدادات لعملية التفاوض على صفقة مع دونالد ترامب؟ الواضح أن الرجلين راغبان في الجلوس إلى طاولة إبرام الصفقات ليتمكن كل منهما من الزهو بقدراته على ضمان الصفقة التي يريدها. قد يُعجَب بعضهما ببعض ويختالا بزهو أمام العالم، لكن المصالح الكبرى للولايات المتحدة ولروسيا قد تفرض على كل منهما الاستمرار في الشك في الآخر فيما يجمع كل منهما أوراقه التفاوضية.

معركة حلب وصمة على جبين الأسرة الدولية سيسرع الجميع إلى مسحها بذريعة الحرب على الإرهاب. وإلى حين وضوح التموضع إلى طاولة الصفقات، فإن معركة حلب ليست بالضرورة خريطة طريق انتهاء الحرب السورية. فالفوز بمعركة شيء، والانتصار في حرب شيء آخر.

اقرأ المزيد
١٦ ديسمبر ٢٠١٦
بيع سورية بعد تدميرها

منذ عام 2012 والمجتمع الدولي يطلق على الحرب السورية وصف «مأساة القرن»، ولا يجد لها أي حل، بل يمعن في التغاضي عن تمادي الإجرام الذي يلحق ببلاد الشام إلى درجة لم يعد أمامه سوى تكرار الوصف عند كل محطة من محطات الفظائع الشنيعة التي تتوالى، من ريف دمشق ودرعا وحمص والقلمون وحماة... وصولاً إلى حلب الآن، وقريباً غيرها، سواء في إدلب أو في دوما.

لم يعد القاموس يحوي أوصافاً تعادل فائض المجازر والإبادة وجرائم الحرب بأبشع صورها التي تصيب الشعب السوري، بموازاة القضاء على بلد كان له دور محوري على مر التاريخ، إلى أن تحكم بمصيره العقل الإلغائي لكل شيء. فأين ما يتعرض له السوريون من أساطير بشاعة الحروب الدينية في أوروبا في القرون الوسطى، ومن مجازر البوسنة وغروزني...؟

لم تعد البكائية العربية والعالمية تنفع إزاء اعتقاد حكام دمشق بعقل بارد، ومعهم حلفاؤهم الروس والإيرانيون وسائر الميليشيات المتعددة الجنسيات، أن من يموتون هذا قدرهم ومصيرهم... سواء كانوا من الموالين للمعارضة أو حتى من الموالين للنظام، من الفقراء الذين أخذتهم العصبية الطائفية نحو القتال المجنون وارتكاب المجازر والفظاعات.

مع المسؤولية الأخلاقية على المستويين العالمي والعربي عن نكبة العصر، ومن دون الترداد الممل لوحشية النظام الحاكم في سورية وشركائه، يكشف الفصل الأخير في حلب جملة مسؤوليات أخرى أبرزها لرجب طيب أردوغان، فالأخير عقد اتفاقاً مع روسيا فلاديمير بوتين قبل أكثر من شهرين على أن تكون المنطقة الممتدة من جرابلس السورية على الحدود مع تركيا، والتي أتاح الروس له التمدد فيها حتى حدود مدينة الباب، هي ملجأ النازحين السوريين من حلب وبعض المقاتلين ممن تقرر موسكو أنهم من المعتدلين، بما يعني أنه كان متواطئاً مع خطة احتلال المدينة في شكل مسبق. وهذا ما يفسر إعلان أنقرة عن تجهيزها خيماً من أجل إيواء زهاء 80 ألف نازح في تلك المنطقة، فالزعيم الذي ادعى منذ سنوات أنه لن يسمح بسقوط حلب، وافق على ذلك مقابل اتفاقه مع موسكو على إبعاد المقاتلين الأكراد عن ذلك الجيب الذي تبلغ مساحته أقل من 10 آلاف كيلومتر مربع. «باع» أردوغان سقوط حلب بإجباره جزءاً من فصائل المعارضة الذين دربهم وسلحهم جيشه لضمهم إلى عملية «درع الفرات» الهادفة إلى احتلال ما ادعى أنها «المنطقة الآمنة»، ثم حجب الأسلحة التي كانت معدّة لإرسالها إلى مقاتلي حلب لاستخدامها في الدفاع عنها، فمنذ استعادة أردوغان علاقته مع روسيا، والمصالحة بينه وبين إسرائيل، باتت خطواته السورية محكومة بالانضمام إلى نقاط التقاطع بين هذين اللاعبين: الإبقاء على نظام الأسد وإنهاء قدرة سورية على أن تعود دولة فاعلة، لعقود آتية.

قد تأخذ فصول مأساة القرن بعد حلب أشكالاً أخرى لإلهاء السوريين وسائر العالم عن الفصل المنقضي. فإفساح الطريق لـ «داعش» لأن ينتقل مقاتلوه من الرقة ودير الزور إلى تدمر لاحتلالها مرة أخرى، بعد سحب وحدات من الجيش النظامي منها، يرمي إلى التغطية على المجزرة في عاصمة سورية الاقتصادية، وإلى جعل تحريرها مجدداً هدفاً بدلاً من التوجه نحو الرقة، فإذا استعادها النظام يصبح الهدف إنهاء وجود المعارضة في إدلب. وقد يتقدم هذا الهدف على استعادة تدمر، من أجل الإبقاء على «داعش» فيها وفي الرقة، عنواناً لـ «التعاون» مع إدارة دونالد ترامب ضد الإرهاب، تحت طائلة إبقاء التنظيم المتوحش تهديداً لأمن الغرب والولايات المتحدة. فالقضاء على «داعش» تحول شرطاً يعادل الموافقة الدولية على شرعنة الأسد والنظام، في العملية السياسية الموهومة التي تنوي موسكو اقتراح استئنافها بعد فترة.

في الانتظار، تتواصل عملية «بيع» سورية ومقدراتها جائزة ترضية، بعد تدمير بناها التحتية والإنسانية، إلى الدول مقابل الجهود التي بذلتها للحفاظ على حكامها الحاليين، عبر باب إعادة الإعمار، ومن أجل تثبيت التغييرات الديموغرافية المقصودة على امتداد جغرافيتها. هكذا تنشأ شركات عقارية ضخمة يتولى الإيرانيون إدارتها، بغطاء من تجار الحروب من رجال الأعمال السوريين الذين اغتنوا خلال الفوضى التي حلت بالبلد، تتملك أصولاً عقارية مقابل الخدمات الحربية، فتسيطر على مساحات إضافية. والتحضير جار لتلزيم سورية إلى دول حالت العقوبات الدولية على إيران والنظام دون تسديد ثمن نفط اشترته، خصوصًا من طهران، ومن هذه الدول الصين، التي دخلت سوق الملعب السوري في الأشهر الأخيرة.

ليس صدفة أن الأسد قال في حديثه الأخير إن «إعادة الإعمار الضخمة مفيدة للدول»، فمن سلم سورية لإيران وروسيا عسكرياً وسياسياً، ليس صعباً عليه أن يسلمها اقتصادياً.

اقرأ المزيد
١٦ ديسمبر ٢٠١٦
أميركا من الجحيم السوري

في مقابلة مثيرة مع صحيفة «الحياة» اللندنية، الأربعاء الماضي، مع السفير الأميركي في دمشق، والذي كان عاملا أثناء اندلاع الثورة السورية، 2011، عنيت السفير روبرت فورد، كشف الكثير من الصفحات المطوية، من قصة أميركا الأوبامية مع المعضلة السورية.

فورد ترك موقعه قبل سنتين، ومما لفتني في مقابلته إشارته، بعد مجازر حلب، إلى أن ما يجري في سوريا هو مسعى «للتغيير الإثني في البلاد»، على يد إيران وعصاباتها الشيعية من كل صقع، مع الطغيان الروسي العسكري.

تحدث عن تفوق النظام، حاليا، في معارك حلب ثم معركة إدلب المرتقبة، لقتل بقية السوريين اللاجئين في جارة حلب، لكنه أشار إلى أن هذا التفوق ليس نهاية المطاف، فهناك فاتورة خراب اقتصادي مرعب، يعجز النظام مع إيران مع روسيا عن دفع تكاليفها، ولن يساعد الغرب، أوروبا وأميركا في دفع الفاتورة مع هيمنة النظام الأسدي المدان.

غير أن الفقرة الأهم هي حديثه عن خطايا الإدارة الأوبامية في سوريا، وهو منها، ومن ذلك، دوما بحسب فورد، أن أوباما تجاه الحدث السوري من بدايته «لم يحاول التأثير بشكل مباشر».

يضيف: «قلنا لهم مثلاً تجنبوا تنظيم (القاعدة)، إنما لم نمنحهم بديلاً، عوضًا عن مساعدتهم بعدم التحوّل إلى (القاعدة)، لم نقدّم سوى الوعظ».
تحدث عن مقابلته لنوري المالكي، حين كان الأخير ما زال رئيسا لحكومة بغداد، وطائرات التسليح الإيرانية العراقية تمّول النظام الأسدي، يقول: «تجاهلنا الأمر وغضضنا النظر. أنا ذهبت وتحدثت للمالكي عام 2012، قلت له عليك وقف هذه الرحلات، فتجاهلني. رغم تحذيراتي بأن تسليح الأسد سيغذّي التطرف».

هذه لمحات قالها، رجل من مسيري السياسة الأميركية تجاه الأزمة السورية، وهي كافية في الإشارة لفداحة الجرم السياسي الذي ارتكبته إدارة أوباما الذي من نتائجه اليوم: بلطجة الروس، إجرام الخمينية، توحش بشار، تفشّي «داعش»، نفي المعارضة الوطنية المعتدلة وشطبها من المشهد.

على ذكر المعارضة، هل هي أيضا تتحمل جانبا من المسؤولية، بسبب كثرة خلافاتها، وارتهان بعضهم لأجندة دول خارجية، تخاذلهم عن العمل الميداني، وتغاضيهم عن تسلل التشكيلات المتطرفة لصفوف المعارضة، وصولا لتسلل «القاعدة»، ممثلة بجبهة النصرة للجسد المعارض؟

هذا حديث يجب قوله، وسيقال أكثر هنا، لاحقا، صحيح أن بشار وخامنئي وبوتين، منعوا قيام معارضة وطنية، وفضلوا أن يكون كل المعارضين عليهم ميسم «داعش» أو «القاعدة»، لأهداف واضحة، لكن ذلك لا يعفي المعارضات السورية من تحمل واجبها التاريخي الوطني.

يبقى، بتقديري، أن الخطيئة الكبرى تقع على عاتق الإدارة الأوبامية.

اقرأ المزيد
١٦ ديسمبر ٢٠١٦
عندما يتنصل نائب رئيس الائتلاف من منصبه .. ويبحث عن مبرر بمقالة بكل بساطة ..!؟

قد يكون من غير المناسب أن أتحدث بقضية متعلقة بالائتلاف، في هذا الوقت الذي نلملم فيه شظايا أرواحنا مما يجري في حلب، ولكن عندما يصر نائب رئيس الائتلاف الافلات من مسؤولياته والاقدام على الاستقالة في هذا التوقيت، عبر مقال “مأجور” في صحيفة عربية، يجعل من الأمر مثار حنق.

قررت نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري سميرة مسالمة، تسليم مقاليد منصبها، في توقيت، بالحقيقة، يدل على مدى شعورها بالمسؤولية المناط بها، حيث انتهجت اسلوب “التهذيب” و الشتم الجماعي لكامل “الائتلاف” بعموميات لا طائل منها ولا شيء واضح فيه، والأخطر من ذلك أن تعتذر للشعب عن أخطاء لم تقلها ولاتوضحها، بل اكتفيت بتلك العموميات العمياء التي اعتاد كل من تسلم منصب يتعلق بالشعب الكليم، لفظها وتكرارها.

بمقالة مطولة نشرتها نائب رئيس الائتلاف السابقة في صحيفة “العربي الجديد”، التي تمنح مقابل نقدي على المقال الذي ينشر فيها، تحدثت عن خذلان المعارضة السورية عموماً، والائتلاف على وجه الخصوص، وسردت نقاط التراخي والسلبيات من غياب للتنظيم و الهيكيلية الادارية في أروقة الائتلاف، وصولاً إلى أخطاء بالتعامل مع الفصائل، مع التركيز على وجوب لفظ النصرة، ولم تنس، النائب السابق، أن تتحدث عن سوء المقاربة مع القضية الكردية.

وفات النائب السابق أن تذكر بما أخطأت كشخص، تبعاً لمنصبها، وعن أي شيء تطلب الغفران والمسامحة من الشعب السوري، فلم أجد في سردها أي ذكر لخطأ فردي، وإنما الأخطاء اجتمعت في تلك المنظومة اللعينة، التي يدخلها في البداية الجيدون والنشيطون، و يخرج منها المنزهون عن الأخطاء.
 النائب السابق في الائتلاف، صدعت رؤوس جميع من حولها بالاسلامين و المتشددين ، وأولئك الرافضين لحاسرات الرأس والمؤمنين بالعلمانية التنويرية، اذ من المفروض أن تطغى الفئة الأخيرة و يفنى كل من يعارضها و لو كانوا السواد الأعظم من الشعب.

وتاريخ النائب السابق كـ”صحافية” رفيعة المستوى قبل الثورة ، لم نر فيه، كإعلاميين، أي تغيير في منهجية أو آلية في لتعامل  الائتلاف معنا، اذ بقي الحال على ماهو عليه، و لم ينهل أي من كوادر الائتلاف من خبرتها و قدراتها، و حتى إن حاول الاعلام الثوري التقرب فإنه لن يجد استجابة، و لعل ما حدث مع أحد الزملاء خير دليل على الحنكة الاعلامية التي تمتلكها نائب الرئيس ، عندما رفضت التصريح له بحجة “لا أصرح لوسائل اعلام عادية”، و لكن تجدها في كل منبر غير ثوري حاضرة و بقوة وبشكل مستمر.

ولا يكفي عندما مغادرتك للمؤسسة أن تكتفي بشتم هذه المؤسسة، لاسيما في حالة نائب رئيس الائتلاف “سميرة مسالمة”، التي لانعرف لماذا دخلت الائتلاف حتى نعرف و نخمن أسباب الخروج، ولاسيما في مؤسسة كالائتلاف يتعلق بها ملايين الشهداء والمعتقلين والمشردين في أصقاع الأرض.

ليس بوسعنا الحديث في ظل ظروف حلب المحطمة للأفئدة، عن أخطاء بعض ممتطي المعارضة والراغبين بالسيطرة والظهور والاستفادة، ولكن وجب ذكرهم وتذكيرهم أن الثورة هي ثورة شعبية تقبل الجميع وتتقبلهم.

 في العموم من لفظ الثورة باسلوب التعالي، فإن الثورة ستلفظه حتماً، و الأهم أن تغيير الأماكن والتواجد بتسميات جديدة مستقبلية، لن يمحي التاريخ في أذهان شعب يعرف جيداً كل من قتله و خذله.

اقرأ المزيد
١٥ ديسمبر ٢٠١٦
ثورة ضد العالم

نلاحظ كيف أن "كل العالم" بات يتدخّل في سورية. أمر يسترعي الملاحظة ولا شك، حيث إن الدول الإمبريالية والإقليمية باتت تتدخل، لأنها تربط تدخلها بدورها الإقليمي أو العالمي. على الرغم من أن ما قام به الشعب السوري هو ثورة من أجل إسقاط النظام، لتحقيق مطالبه التي تراكمت عقوداً، سواء تعلق الأمر بالفقر والبطالة وانهيار التعليم والصحة، أو تعلق بالاستبداد والشمولية اللذيْن حكما ممارسة النظام، والتي أدت إلى قمع شديد واعتقالات واسعة.

أتت الثورة السورية بعد ثوراتٍ بدأت بـ "حادثة بسيطة"، انتشرت على أثرها بشكل سريع ومخيف في البلدان العربية، على الرغم من أنها باتت ثورات في خمس دول فقط. وقد جرت محاولات محلية ودولية لكبح الثورة، من خلال التغيير السريع للرؤساء، وإظهار نجاح الثورة، أو بالتدخل العسكري، كما في البحرين وليبيا، أو بالمناورة طويلة الأمد، كما في اليمن. لكن، لم ينجح الأمر في وقف الثورة الممتدة، والتي ألهمت شعوب العالم التي تحلم بالثورة، نتيجة وضعها، بعد أن باتت الرأسمالية تعاني من أزمة اقتصادية عميقة، أخذت تنعكس عليها.

لهذا، يبدو أن الكل، كل هؤلاء الإمبرياليين، قرّروا أن تكون سورية مقبرة الثورة، الثورة التي بدأت في تونس، وامتدت إلى مصر والبحرين واليمن وليبيا وسورية، وأخرجت تحركات كبيرة في عُمان والعراق والأردن، وفي الجزائر والمغرب. وبالتالي، كان يجب أن تواجه في سورية، مع نظامٍ متعطش للسلطة، خصوصاً أنه اعتبر أنها وراثة لملكية خاصة، ويمكن أن يمارس كل العنف الذي عُرف عنه منذ عقود أربعة. النظام الذي شاهد رحيل زين العابدين بن علي ثم حسني مبارك، فاستخرج "مخططاته" القديمة، بعد أن استنتج أن العنف وحده الذي يسحق الثورة، وينهي إمكانية اللجوء إلى ترحيل الفئة الماسكة بالسلطة.

وبهذا بات على الشعب السوري أن يواجه العالم. بات في مواجهة العالم. فقد واجه النظام بكل قوته ووحشيته وكسره. حيث بعد أقل من عامين، كان النظام يتهاوى، بعد أن أصبحت الثورة تشمل معظم سورية، وبات السلاح يهزّ قوة النظام، بعد أن فرضت وحشية النظام استخدامه. ولكن، بعد أن اخترق الاحتقان صفوف الجيش، وبات كثيرون من ملاكه يميلون إلى الانشقاق أو الفرار، ما جعل النظام يضع معظم الجيش في معسكراتٍ مغلقة، وظل يستخدم "البنية الصلبة" التي اعتمد عليها منذ البدء. هذا الاستخدام هو الذي جعل السلطة عاجزةً ليس عن الحسم، بل عن الصمود. حرّكت الثورة المجتمع والدولة، وجعلت استمرار النظام مستحيلاً.

حينها، واجه الشعب السوري أول تدخل خارجي يهدف إلى حماية النظام من السقوط. واجه حزب الله، ثم المليشيا الطائفية العراقية، ثم الحرس الثوري الإيراني، ومن ثم "الزينبيين"، وهم من جمعتهم إيران من أفغان وباكستانيين، وزجتهم في أتون الحرب ضد الثورة. زجّت إيران بعشرات آلاف "المجاهدين"، وقدّمت الخبرات العالية منذ البدء، وأغدقت بمليارات الدولارات، وبكل احتياجات السلاح وأدوات القمع. بهذا، بات الشعب يخوض الصراع مع بقايا قوات النظام، خصوصاً طيرانه وصواريخه الباليستية (السكود)، وعملاءه داخل صفوف الثورة، وكذلك مع كل ما أرسلت إيران من قوات وسلاح. باتت المعركة مع إيران بالأساس، وبقيادةٍ عسكرية إيرانية، مستتبعة ببقايا قوات النظام، والأخطر فيها هو الطيران.

في الوقت نفسه، جرى تسهيل إرسال "الجهاديين" على أساس أنهم آتون لمحاربة النظام، لكنهم عملوا على تخريب بيئة الثورة، وقتل أفضل قادتها وكادراتها السياسية والإعلامية والإغاثية، وسيطروا على مناطق، طاردين منها الكتائب الثورية. كما وضعوا في "حضن" الثورة جبهة النصرة، وكذلك الزعران والجواسيس. حيث باتت الثورة تواجه النظام، وكل هؤلاء معاً. لكن، ظهر واضحاً سنة 2015 أن ميزان القوى ينقلب، وأن النظام بات يتراجع بتسارع، الأمر الذي قاد إلى تدخل روسيا بكل قوتها العسكرية، وتكنولوجيتها الحديثة وسلاحها المدمّر.

في المقابل، كانت الثورة عفوية، ما يعني أنها بلا قيادة حقيقية، وهذا ما جعل تمظهراتها العسكرية متشتتة ومناطقية، ومتناحرة في حالاتٍ عديدة، وتقبل وجود قوى "إرهابية" صنعتها أجهزة المخابرات، وكما يقبل بعضها الربط مع دول إقليمية. كما كانت تعاني من "تخريب" أطرافٍ من المعارضة التي أرادت ركوبها بأشكالٍ شتى، حيث ساعدت دول إقليمية في الأسلمة وقبول "الإرهاب"، ودافعت عنه. لكنها عانت من كبح "الحلفاء" الذين أمدوا "مزاجياً" بالسلاح والمال، بحدود مضبوطة، بالضبط لكي لا تنتصر الثورة، لأنهم ضد الثورات أصلاً. وحيث قبل هؤلاء كذلك بالخضوع لقرار أميركي بحصار الثورة.

بمعنى أن الثورة واجهت، ليس النظام فقط، فقد أضعفته بعد عام ونصف العام، وأصبح معرّضاً للتغيير، لكنها واجهت في حربٍ عنيفةٍ إيران بكل أدواتها التي شكلتها، ومن ثم روسيا الدولة الإمبريالية الآتية لكي تثبت قدرتها الفائقة وتفوقها العسكري. ومن أجل ذلك، أتت بأحدث أسلحتها، واستخدمت أقصى العنف والوحشية. لكنها واجهت أيضاً كل الدول التي قالت إنها تدعم الشعب السوري ضد النظام، هذه الدول التي عاثت تخريباً، ودعمت إرسال "الجهاديين" الذين أتوا بقصد التخريب. ولهذا، نجد أن من يقاتل الثورة أفراد ومجموعات وجيوش من لبنان والعراق وإيران وباكستان وأفغانستان، ومن السعودية والكويت والمغرب العربي وليبيا والأردن وأوروبا، والشيشان وتركمانستان، ومن روسيا، وحتى من كوريا.

جرى التحجج حين التدخل، سواء من إيران أو روسيا، بأن الثورة تُدعم من دول مثل السعودية وتركيا وقطر. ويظهر الآن واضحاً أن هذه لم تكن مع الثورة، وأن مصالحها هي التي فرضت تدخلها بشكل أو بآخر، لكنها، في كل الأحوال، لم تدعم الثورة، وعملت على تخريبها. وبهذا، فإن كل هذه التدخلات كانت ضد الثورة. فأولاً كل هذه الدول هي ضد الثورات، وقد أصابها الرعب من نشوبها في تونس، ومن ثم انتشارها حريقاً هائلاً. لهذا، كانت المسألة المركزية التي تحكمها هي سحق الثورة، مباشرة أو عبر تفكيكها، وتحويل سورية إلى مثالٍ لنتيجة الثورة، أي الإسهام في تحويلها إلى مجزرة. وثانياً أن سورية كانت مفصل تنافس عالمي. ولهذا، أدى نشوب الثورة إلى التدخلات المختلفة للنهب. ولكن، أيضاً لفرض دور إقليمي أو عالمي.

بالتالي، منذ أربع سنوات والشعب السوري يخوض الصراع ضد دول وقوى، وليس ضد النظام فقط، وهو يقاتل على جبهتين معاً، ضد النظام وتلك القوى التي أتت لحمايته، وضد المجموعات "السلفية الجهادية" التي أرسلت لكي تسحقه. وهو في وضع مشتت. على الرغم من ذلك، لا زال يقاوم كل هؤلاء، ولا زال يسعى إلى أن ينتصر. الأمر صعب، لكنه ممكن. حيث إن الصراع ليس في سورية فقط، بل هو جزء من الصراع الذي بدأته الطبقات الشعبية العربية، من أجل التغيير الجذري، في عالم يعاني من أزماتٍ سوف تنفجر، وهي تفتح على تفاقم الصراع الطبقي في بلدان كثيرة.

الثورة السورية هي ضد العالم. لهذا سوف يكون لها موقعها الكبير في مسار الثورات العربية والعالمية.

اقرأ المزيد
١٥ ديسمبر ٢٠١٦
روسيا ترسم استراتيجيّتها للاستحواذ على سورية

المحنة السورية كشفت زيف قيم العصر ومبادئه، وعرّت الفوارق الوهمية بين غرب أميركي - أوروبي يحاضر بالديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان، لكنّه يمجّد القوة ويحصّنها ويجاملها مهما عتت، وبين شرق روسي - صيني لا يؤمن بغير القوّة ولا يدّعي احتراماً لأي حريات أو حقوق، بل إن قاموسه السياسي يجهل شيئاً اسمه الكرامة الإنسانية. استعاد العالمان/ المعسكران ترسانات الأفكار الغريزية لتبرير أبشع الجرائم - جثث الأطفال المتروكة في الشوارع، تدمير العمران، القصف بالكيماوي والفوسفوري والعنقودي والارتجاجي، إقفال المستشفيات والمدارس، حصارات التجويع، اقتلاع السكان من مواطنهم وبيوتهم بإخلاء المدن والبلدات، إطلاق النار على النازحين أو اقتياد آلاف منهم الى مصائر لم تعد مجهولة... - وجعلها مجرد جرائم عادية.

مأساة حلب هي مأساة كل متر مربّع في سورية. ولن يدرك العرب والعالم ما يعنيه انكسار شعب أمام الديكتاتور، وخروج هذا الديكتاتور منتصراً مستقوياً كأنه كان على حق في كل ما ارتكبه، لن يدركوا إلا بعد فوات الأوان، على رغم أن الأوان فات منذ زمن. والشعب هنا، ليس الفصائل المسلّحة التي استدرجها هذا الديكتاتور الى منازلة حربية مع روسيا وإيران، وإنما هو عموم السوريين: الذين فرّوا من الموت المحتّم ويعيشون في خيام اللجوء وما تيسر لهم من ملاذات، والذين بقوا لاجئين مكمّمي الأفواه في وطنهم، وحتى الذين يوالون النظام ولا يقرّون بنهجه الذي دمّر البلد وأضعفه ووضع مستقبله في مهب الرياح. ذلك الانكسار هو للجميع، لأنه انكسار لسورية، وكل السوابق أثبتت أن اندلاع أي اقتتال داخلي هزيمة تاريخية للطرفَين حتى لو انتصر أحدهما في نهاية المطاف، وهذه النهاية لا تلوح اليوم على رغم منعطف حلب، ولن تلوح غداً، ولا بعد غد عندما يعتقد «المنتصرون» - النظام والروس والإيرانيون - أن الظرف بات مواتياً لتحاصص المكاسب.

ثمة ديكتاتوريون كثرٌ داسوا، مثل بشار الأسد، إرادات شعوبهم وحكموا متحالفين أولاً وأخيراً مع خوف شعوبهم من بطشهم، ومعتمدين دائماً شعارات جوفاء و»وطنية» مخاتلة لتغطية وحشية الأجهزة والأزلام. لكنه اختلف عنهم جميعاً بأنه لم يتردّد في تدمير كبرى الحواضر والمدن، وبأنه يفاخر بالتخلّص من نصف شعبه، وبأنه استخدم ورقة الإرهاب ذهاباً الى ممارسة نفوذ إقليمي وإياباً لإقحام العالم في حرب على هذا الإرهاب وإنقاذ نظامه بالمفاضلة بينه وبين «داعش»، فتكون الغلبة للسيئ على الأسوأ الذي هو أساساً من صنعه. بل اختلف الأسد أيضاً بأنه خدع العالم، وارتضى العالم الانخداع، بأن الدولة ومؤسساتها، بمن فيها الجيش، لا تزال موجودةً في كنفه ومصونةً برعايته، علماً أنه لم يبقَ من الجيش والأمن سوى ربعهما وأن النظام عوّض النقص بميليشيات محلية وأخرى إيرانية الولاء ومتعدّدة الجنسية. واختلف هذا الديكتاتور خصوصاً في استيراد احتلالَين خارجيَّين والتعاقد معهما لجعل سورية حقل تجارب لأسلحة الدمار الشامل الروسية ولأقذر القنابل المذهبية التي استعاضت بها طهران عن قنبلتها النووية المؤجّلة... لذلك، ففي مقابل مَن قال طوال سنوات أنه نظام مجرم وتجب محاسبته ومعاقبته، أصبح هناك الآن مَن يستند الى معركة حلب ليقول أن أهم نجاحات هذا النظام يكمن تحديداً في جلب الإرهاب وآلات القتل الروسية والإيرانية ليعيد فرض نفسه على المجتمع الدولي.

المزيد من «الانتصارات» لا يعني للأسد ونظامه سوى المزيد من الاستهتار السابق نفسه مع شعب بات أقلّ عدداً وأسهل اقتياداً، بل لا يعني أبداً الذهاب الى مفاوضات على حلٍّ سياسي، فقد أحبط كل مشاريع وقف إطلاق النار بما فيها تلك التي وقّع عليها الروس، لئلا يضطر الى تفاوضٍ «جدّي» على «انتقالٍ سياسي»، بل إنه عمل منذ البداية على أن الأزمة تُحسم عسكرياً أو لا تُحسم أبداً، ولو أراد مساراً آخر لما رفض الإنصات الى المتظاهرين السلميين ولما راح يتصيّد النشطاء المدنيين بالقتل المباشر أو بالخطف ثم القتل تحت التعذيب. هذا حاكمٌ لا يتوقع من مواليه ومعارضيه سوى تبجيل أحذية الرعاع و»الشبّيحة» الذين يبطشون باسمه ومن أجله، ولا يتصوّر «شركاء» في الحكم بل «أجراء» مطواعين يحكمهم الخوف من «شبّيحته». وإذ تلتقي غطرسته مع غطرسة حليفيه الروسي والإيراني، فإن أيّاً منهم ليس مستعدّاً للاعتراف بأن الانتصارات تقرّب «يوم الحساب»، لذا فهم يفضّلون تأجيله لأن المكاسب لا تزال أقلّ بكثير من المسؤوليات والواجبات.

أما المزيد من الهزائم والانحسار للفصائل المقاتلة فهو انتكاسة قاسية للمعارضين الوطنيين بكل انتماءاتهم واتجاهاتهم، مَن انتظم منهم في «الائتلاف» أو في «منصة القاهرة»، إذ يلمس هؤلاء جميعاً أنهم خُذلوا سواء بتغليب الحسم العسكري أو بإخضاع أي تسوية سياسية لميزان قوى عسكرية تسعى الى تحاصص الحكم لا الى مشروع إصلاحي حقيقي. لكن يكاد يكون هناك إجماع على أن الهزائم ستدفع المقاتلين الى التطرّف، مدفوعين أولاً ببقاء الأسد كعنوان لفشل قضيتهم، وثانياً بعداءات ثلاثة مستحكمة ضدّ روسيا التي تماهت مع النظام بكل ممارساته الوحشية، وضدّ إيران وميليشياتها وأجندتها المذهبية، وضدّ أميركا التي يعتبرون أنها قادتهم الى الهزيمة إنْ بمنع الدعم عن «الجيش السوري الحر» وامتناعها عن معاقبة النظام على استخدامه السلاح الكيماوي أو بتسفيه مقاومتهم الإرهابيين أو بتعمّد غضّ النظر عن الاحتلالَين الروسي والإيراني...

وفي استشراف مرحلة «ما بعد حلب»، يستقرئ كثيرون تجارب أفغانستان والعراق والصومال وحتى مصر ومالي لتحديد توقّعاتهم، التي يرون فيها استمراراً للصراع بأنماطٍ شتّى من حرب العصابات والعمليات الانتحارية وربما تصدير الإرهاب أيضاً. والمؤكّد أن حتى هذا المآل المتطرّف سيعرف الأسد وحلفاؤه كيف يستثمرونه، إذ سبق لهم أن استفادوا من ضربات الإرهاب في أوروبا، وهناك حالياً تخوّفات من أن يستخدم الأسد والإيرانيون مجموعات إرهابية لابتزاز الأوروبيين سواء في إلغاء العقوبات المفروضة على النظام ومجرميه أو في استدراج مساعدات مالية. وفيما يدرس الاتحاد الأوروبي خياراته للتكيّف مع متغيّرات الأزمة واستباق أي احتمالات إرهابية، فإنه يلوّح بمرونة في تمويل إعادة الإعمار مقابل تسوية سياسية تنطوي على انتقال سياسي وإصلاحات اقتصادية، لكن الأسد وحلفاءه يريدون الأموال «من دون شروط مسبقة».

ليس وراء الاهتمام الأوروبي دافع أمني أو حرص على الحل السياسي فحسب، هناك أيضاً قلق من مؤشرات احتكار فرص الاستثمار المقبلة في سورية ما بعد الحرب. فعلى رغم أن الجميع يقول أن حلب ليست نهاية الصراع، إلا أنهم يتصرّفون كأن تقارب دونالد ترامب وفلاديمير بوتين سيضع حدّاً للحرب ولو من دون إقامة سلام. لذلك شرعت روسيا تُظهر ملامح استراتيجية بزنسية تكاد تصادر مختلف القطاعات، وبعدما كان جلّ تركيزها على مبيعات الأسلحة كشفت روسيا، خلال زيارة نائب رئيس الوزراء ديمتري راغوزين دمشق (22/11/2016)، اهتماماً مدروساً بإبرام اتفاقات مع حكومة النظام تعطيها أفضلية في التبادل التجاري وتأهيل البنية التحتية لقطاعات النفط والغاز والكهرباء والمواصلات وغيرها، وللتمهيد لذلك وُقِّعت اتفاقات أولية. هذا يمنح موسكو دوراً مرجعياً في تحديد الأطراف المرشحة للمشاركة في تنفيذ أي «خطة مارشال» يمكن أن تُقترح لاحقاً لإنهاض الاقتصاد السوري. وفي هذا السياق، سجّلت الصين أخيراً حضورها بمباشرة إنشاء عدد من الشركات والاستعداد لتأسيس معامل، بعدما قدّمت للجيش النظامي منظومة لتحديد مراكز إطلاق القذائف والصواريخ أثبتت فاعليتها في الغوطة الشرقية.

في المقابل، تنصبّ الأجندة الإيرانية على «تشييع» اختراقي للبيئة الجغرافية والسكانية المحيطة بدمشق عبر شراء كثيف للعقارات بالترغيب والترهيب وبالاستحواذ على هندسة التركيبة الديموغرافية، بحيث يكون وجودها على الأرض مطوّقاً العاصمة وأي حكومة فيها، إضافة الى تواصل له مع لبنان، وحصلت إيران أخيراً على 40 في المئة من أسهم شركة اتصالات جديدة من دون أن تدفع شيئاً، بل نالت حصّتها لقاء خط الائتمان الذي اشترطته لقاء قرض ببليون دولار قدّمته طهران سابقاً.

اقرأ المزيد
١٥ ديسمبر ٢٠١٦
لبنان: حكومة ما بعد حلب؟

بعيدا عن التفاصيل الحكومية الصغيرة التي يعشش داخلها "الشيطان"، يطرح تأخر ولادة الحكومة العتيدة بسبب تراكم هذا الكم من العراقيل التي رميت في وجهها سؤالا مركزيا: هل نحن امام مرحلة تأليف حكومة وفق موازين مختلفة؟ بمعنى آخر، هل كان الرئيس المكلف سعد الحريري يشكل حكومة "ما قبل حلب"، والآن صار عليه ان يشكل "حكومة ما بعد حلب"؟ هذا السؤال تفرضه طبيعة المعادلة اللبنانية الداخلية التي يصعب التصديق لحظة واحدة ان في مقدور فريق ان يعزلها عن تطورات المنطقة الداراماتيكية، ولا سيما في المرحلة الاخيرة حيث يمكن القول ان المشهد تغير مع سقوط حلب بيد تحالف "الممانعة". والأهم، إذا ما نظرنا مليا في مشهد حلب التي دمرت فوق رؤوس اهلها، هو هذا الصمت العميق للعالم امام هول المجزرة التي ارتكبت وترتكب في وضح النهار، من دون ان يتجاوز رد الفعل العربي او العالمي حدود المواقف اللفظية. الصورة واضحة: تُرك السوريون يذبحون على يد النظام وايران وميليشياتها وروسيا، ولم يحرك أحد ساكنا. وإذا كان ضجيج بشار الاسد بزعم تحقيق "انتصار" في حلب قد علا في الايام القليلة الفائتة، فإن هذا الامر لا يخفي حقيقة ان محورا دوليا - اقليميا حقق تقدما كبيرا على محور آخر، على أجساد السوريين. من هنا مشروعية السؤال الذي طرح أخيرا في أكثر من دائرة نقاش سياسي في لبنان، والذي يحاول الاضاءة على نتائج ما حصل في حلب، في لبنان، وترجماته في موازين القوى، وبالتحديد في مسار تشكيل الحكومة الاولى في عهد الرئيس ميشال عون.

نعم، ثمة مناخ مختلف عما كان في الايام الاولى للتأليف. وثمة شعور يتكون لدى المراقبين الدقيقي المتابعة، أن شيئا ما تغير في الداخل اللبناني، ليس بالاستناد الى ضجيج بشار الاسد أخيرا في إحدى الصحف التابعة للنظام، وهو يوجه حديثه بشكل غير مباشر الى الرئيس عون رافضا سياسة "النأي بالنفس" بالنسبة الى لبنان، بما يعني ان لبنان في عهد عون مدعو الى الانحياز الى محور اقليمي محدد، وإنما بالاستناد الى طبيعة المعركة الاقليمية القائمة، والى طبيعة الفريق اللبناني التابع لما يسمى محور "الممانعة"، والذي يقوده "حزب الله" بفئاته كافة.

يبدو الرئيس المكلف واقعا بين نارين: نار التصعيد من جانبه، فيكون كمن يطلق النار على رجله، ونار الصمت المديد، فيكون بمثابة من يصرف من رصيده بلا عائد. فالحريري وحده صاحب مصلحة ولادة سريعة للحكومة، لأنه عائد الى الحكم بعد ستة اعوام من البعد القسري، وأمامه تحدي المشي بين "حبات المطر"، فيما الآخرون، بدءا من عون وبري وصولا الى "حزب الله" لا يضيرهم مرور الوقت، وتآكل زخم تأليف الحكومة الاولى، التي، للتذكير فقط، لم ينفك رئيس الجمهورية يقلّل من اهميتها بالنسبة اليه، وقد دأب على وصفها مرارا وتكرارا بأنها ليست حكومة العهد الاولى، بل انها آخر حكومات مجلس نواب ٢٠٠٩!

هنا نعود الى الحريري قليلا ونسأل: ماذا عساه يفعل؟ هل يواصل أداء دور متلقي الضربات من كل جهة؟ ام يضع امامه استراتيجية انتظار طويلة الامد، في ظل ما يحكى عن ان ما قبل حلب ليس كما بعدها؟ انظروا جيدا في بعض الاسماء "الممانعة" المطروحة للتوزير.

اقرأ المزيد
١٥ ديسمبر ٢٠١٦
إيران تستعين بعضلات الصين لتقوية عضلاتها

لا شيء يجري في إيران يدعو إلى التساؤل، إن كان من ناحية الازدواجية أو القمع الداخلي الذي يقابله طموح عسكري وصل إلى الصين، إذ تخوض القيادة الإيرانية حربًا لا هوادة فيها لمنع الشعب الإيراني من الاطلاع على ما يجري داخل إيران أو في العالم لكنها حرب خاسرة. وفي حين تلجأ إيران إلى الأقمار الصناعية لتنقل الأقنية التي تمولها وتنشر آيديولوجيتها، مثل «العالم» و«المنار» و«الميادين»، فإنها تريد أن تحرم الشعب الإيراني من الخروج من الإطار «الفكري» الذي وضعته هذه القيادة، إذ في اجتماع لـ«العفة والحجاب» عقد في 13 من الشهر الماضي، قال قائد شرطة طهران إن السلطات الإيرانية صادرت خلال السبعة أشهر الماضية 713.546 من الصحون اللاقطة، و923.299 من المحولات المنخفضة الضوضاء، و10.766 من الأدوات التي تسمح باستقبال الأقمار الصناعية. وأضاف أن السلطات اعتقلت 293 شخصًا بتهمة تركيب الصحون اللاقطة، وتم تفكيك أو تعطيل 40 عصابة متكفلة بتوفير الاتصال بالأقمار الصناعية.

في ذلك الاجتماع اتهم المسؤول الإيراني عباس جعفري دولت آبادي مسؤولين آخرين بإعاقة جهود الشرطة والسلطات، ومنعها من مصادرة الصحون اللاقطة غير القانونية وغيرها من المعدات، وقال إن 60 في المائة من الإيرانيين يستعملون الصحون اللاقطة، ويحاول مكتب المدعي العام اتخاذ كل الإجراءات لجمعها، لكن هناك من «يحرم» الشرطة من القيام بعملها. وأشار جعفري دولت آبادي إلى أن حيازة أي من المعدات المرتبطة باستقبال ومشاهدة القنوات الفضائية هي ضد القانون.

إن حيازة هذه المعدات لا تُعتبر ضد القانون فقط، فالقيادة الإيرانية تعتبرها ضارة بـ«الأخلاق» العامة. وكان الجنرال محمد رضا تقوي قائد قوات الباسيج قال في 16 يوليو (تموز) الماضي بعد حملة مصادرة 100 ألف من الصحون اللاقطة: «إن هذه القنوات تسبب الزيادة في نسبة الطلاق، والإدمان، وانعدام الأمن في المجتمع، وتتسبب أيضًا باضطراب الأطفال فيبتعدون عن التعليم، وتحت تأثيرها يصبح سلوكهم غير لائق». وتفرض السلطات الإيرانية غرامة بقيمة 2.800 دولار على كل شخص لديه معدات تلفزيونية فضائية.

ويسود اعتقاد لدى المتشددين في إيران، بأن البث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية من الدول الغربية ودول الخليج العربي إنما هو جزء من حملة متعمدة لإشعال «الحرب الناعمة» ضد النظام الإيراني، وأن جميع البرامج موجهة وتهدف إلى تقويض دعم الشعب الإيراني للحكومة الإيرانية.

مقابل هذه المنع الداخلي، الذي يحرم الإيرانيين من التنفس خارج إطار آيديولوجية الجمهورية الإسلامية، تتطلع القيادة الإيرانية إلى الوصول إلى الفضاء لزيادة جهودها التجسسية التي تساعد في تثبيت تدخلها في الدول العربية.

إن زيارة وزير الدفاع الصيني تشانغ وان تشيوان إلى طهران في 13 من الشهر الماضي بدعوة من نظيره الإيراني العميد حسين دهقان، كانت أحدث مؤشر على زيادة التعاون في مجالات الاستخبارات والتعاون بين البلدين ومحاذاة الأهداف الاستراتيجية والاقتصادية والجيوسياسية في أوروبا وآسيا، وكذلك في الشرق الأوسط.

من المعروف أن إيران مهتمة بالحصول على الجيل الثالث من المقاتلات الصينية «تشنغدو» (J - 10B)، وأيضًا الطائرات الصينية من دون طيار، وصواريخ «كروز» المضادة للسفن والغواصات، وربما أيضًا على ترخيص يجيز لإيران تصنيع الدبابة الصينية (2000) وحتى الدبابة (3000).

وعلى الرغم من أنه لم ترد إشارة أثناء المناقشات الصينية - الإيرانية حول التعاون في المجالين العسكري والأمني، فإن التعاون في فضاء الأمن القومي أمر محتمل جدًا، إذ صار معروفًا، على سبيل المثال، أن شركة «سالران» الإيرانية للدفاع الإلكتروني وقعت في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي اتفاقًا مع شركات الدفاع والفضاء الصينية للبدء في استخدام مواقع القمر الصناعي الصيني (بيدو) في الملاحة، ومعدات التوقيت على الصواريخ الإيرانية، والطائرات دون طيار، والقدرات العسكرية الأخرى، وهذا سيؤدي إلى تحسين دقة الصواريخ الإيرانية وفعاليتها وفتكها. ويعرف المتابعون والمحللون الاستراتيجيون في الشرق الأوسط والغرب جهود التحديث التي تبذلها إيران على مجموعة واسعة من أنظمة الأسلحة لديها، وهي دلائل متزايدة على سعيها للتحول بعيدًا عن عقيدة عسكرية دفاعية باتجاه اعتماد أنظمة هجومية بغرض الإكراه والاعتداء.

مجالات التعاون العسكري والأمني بين الصين وإيران تأتي في شكل أقمار الاتصالات والمراقبة الأرضية ذات الدقة العالية. وتسعى إيران للحصول على قمر صناعي وطني للاستشعار عن بعد (National remote sensing satellite) والقمر الصناعي للاتصالات (National communications satellite). ويسود الاعتقاد بأن إيران تفكر في بناء قمرها الصناعي الوطني للاستشعار عن بعد الخاص بها، إنما تتطلع إلى مصانع أجنبية لإنتاج القمر الصناعي للاتصالات، وهناك حديث عن شركة صينية واحدة على الأقل مهتمة بتقديم عرض لهذا المشروع. وحتى في حال بناء إيران قمرها الصناعي الوطني للاستشعار عن بعد، فإن العلاقات الدفاعية والأمنية المزدهرة بينها وبين الصين يمكن أن تدفع الصين إلى توفير الخبرات المطلوبة والتكنولوجيا الرئيسية لمساعدة إيران في بناء هذا القمر الصناعي.

وفي حين أن نقل التكنولوجيا والخبرة هي السمة الرئيسية لأي علاقة دفاعية وأمنية، يمكن لعوامل أخرى أن تكون بالأهمية نفسها لبكين وطهران ودول أخرى. فعلاقة الاستخبارات تعني تبادل المعلومات الأمنية التي قد تشمل أيضًا توفير الصين لصور عالية الدقة من الأقمار الصناعية لإيران، وعلاوة على ذلك يمكن للبلدين تبادل البيانات الأمنية، والأساليب، وغيرها من المعلومات، حول تقنيات الفضاء المضادة والإجراءات وغيرها من المسائل الحساسة.

إذا حدث هذا، وعلى افتراض أنه لا يحدث بالفعل، فإن الآثار المترتبة عنه على أمن الشرق الأوسط ستكون جدًا مثيرة، إذا تبين أن لطهران إمكانية الوصول إلى بيانات حساسة دقيقة وخطيرة انطلاقًا من معلومات أمنية قدمتها الصين.

وحسب رأي أمنيين متابعين، ينبغي بالتالي أن يُنظر إلى هذه التطورات كجزء من تغيير سياسي في موقف الصين تجاه قضايا الشرق الأوسط، ولأن جزءًا كبيرًا من النفط الذي تعتمد عليه الصين يأتي من منطقة الشرق الأوسط غير المستقرة، يظهر واضحًا أن الصين تتحرك ببطء إنما بثبات، لجهة موقفها الحيادي من الأحداث الجيوسياسية في الشرق الأوسط.

قبل عدة أسابيع، زار ضابط بحرية كبير من الجيش الشعبي الصيني دمشق بهدف تقديم الدعم الطبي للقوات العسكرية الموالية للرئيس السوري بشار الأسد، مما يشير أكثر وأكثر إلى أن الصين بدأت تتخذ مواقف غير حيادية.

إن العلاقة المتنامية مع إيران قد تكون دليلاً آخر على أن مشاركة الصين في مستقبل منطقة الشرق الأوسط لن تكون كما في السابق، مجرد علاقة عمل اقتصادي ومالي ونفطي لا غير.

إن ما يجري بين الصين وإيران هو نتيجة الاتفاق النووي بين الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، وإيران. روسيا أيضًا على شراكة مع إيران داخل سوريا، وهي على تقارب مع الصين، لكن كما يبدو فإن الصين استغلت انغماس روسيا بالحرب في سوريا، فقررت التسلل لقطف الثمار الإيرانية التي أنتجها الاتفاق النووي. وفي هذا الصدد قد تسبق الصين، أوروبا وأميركا وروسيا في الاستثمارات الإيرانية. لكن هل ستقبل دول أوروبا والشرق الأوسط بأن تكون تحت تهديد مراقبة فضائية غير دفاعية تخوضها ضدها الصين وإيران؟

وهل سيُسمح للصين بالانفتاح العسكري على إيران على حساب الاستثمارات العربية الخليجية في محطات التكرير لديها، وانفتاح الأسواق العربية الخليجية لمنتجاتها؟ أما إيران اللاهثة وراء الأطباق الفضائية، فإنها في خططها تبحث عن كتم شعبها وتخريب حياة شعوب الدول المجاورة لها، «على أمل» التحكم في تلك الشعوب ودولها عبر صواريخ مصنوعة بتكنولوجيا من كوريا الشمالية، وأنظمة صواريخ روسية، وأقمار صناعية صينية. وشعار «الموت لأميركا» سيبقى ملتهبًا حتى لو أن شركة «بوينغ» الأميركية أعطت صفقة 80 طائرة. فقد أقر الأميركيون، ومعهم الغرب، بأنهم لا يتقنون «اللغة الفارسية»، وبالتالي لا يفهمون أبعاد ذلك الشعار!

اقرأ المزيد
١٥ ديسمبر ٢٠١٦
نهاية حرب حلب بداية اشعال نار الفتنة الايرانية – الروسية

لم تكن مأساة حلب بالأمر المستبعد، ولم يكن أمام فصائل المعارضة المسلحة حل أخير غير الموافقة عل الشروط التي وضعتها روسيا بعد أن باتوا في خانة "اليك"، فلم يعد بمقدروهم أن يصمدوا في وجه تقدم قوات النظام والميليشيات الشيعية الإيرانية والطيران الروسي، وإن صمدوا في وجه الحملة الشرسة  لأسابيع، فالذخيرة لن تبقى بين أيديهم أكثر من أيام، ولن يكون هناك ما يقيت الأهالي في تلك البقعة الصغيرة من الأرض التي حوصروا فيها.


على الرغم  من حزن السوريين من منحدر معركة حلب، إلا أن اقتراب كل من روسيا و ايران من اتمام خططهما المتعلقة بسوريا، سيسرع عجلة الحرب الدفينة بين الطرفين، لتتخذ شكلا واضحاً في وقت قريب جداً، لاسيما مع ظهور أولى علائمه مع رفض ايران تنفيذ بنود الاتفاق بين روسيا والفصائل المعرضة بوساطة تركية لخروجهم والمدنيين من حلب، فالمشاريع الايرانية-الروسية تتعارض بشكل واضح مع اقترابهما من قطاف الثمار، روسيا من جهتها تسعى لإتمام تنفيذ ما يعرف بخطة " m5 " بالسيطرة عى المدن الكبرى و ضمان آمان خطوط الامداد بينها، تلك الخطة التي وضعت منذ بدء التدخل الروسي منذ أيلول 2015، وبحسب ما هو مخطط لم يتبقى أمامها سوى الغوطة الشرقية في ريف دمشق، والرستن في حمص، وبعض المدن والبلدات في ادلب وريفها التي تقع على طريق حماة – حلب، في الوقت الذي تنتظر ، بسرور لقرب اكتمال هلالها  الشيعي مع وصول مليشيات الحشد الشعبي إلى مشارف سوريا بعد الموصل، الأمر الذي يجعل الصراع الامبراطوري بين الروس والايرانيين ملموس.


بعيداً عن هذا الصراع الثنائي، يبدو أنه لم يدرك الكثيرون مدى خطورة السيطرة الروسية الايرانية على حلب، لاسيما الوطن العربي عموماً والخليج العربي على وجه الخصوص، والذي أمسى بعد السيطرة على حلب هدف قريب المنال، وبالرغم من كل المساعي الخليجية لإطالة مدى الحرب في سوريا لتبعد عم محيطها خطر التشييع الشيوعي، إلا أنها لم تستطع أن تطله، لتكون دول الخليج في مهب ريح الشيعة عن قريب.


الانحسار الراهن لفصائل المعارضة المسلحة، هو انتكاسة قاسية للمعارضة، وربما تكون بداية لثورة جديدة من المفترض أن تقوم على اتحاد الفصائل المقاتلة والرضى بإقصاء جبهة النصرة، مع تحرك القوى السياسية المعارضة في الخارج لوضع استراتيجية واستغلال الشرخ الايراني-الروسي، وفي حال أخفقت قوى المعارضة السياسية والعسكرية على رسم استراتيجية هادفة في هذه الحقبة من الزمن، ستكون سوريا أمام منعطف خطير يظهر بعده المزيد من المتطرفين والمقاتلين الأجانب على أراضيها، وهذا الأمر بدى واضحاً من خلال المظاهرات التي قامت في عدة دول تضامناً مع حلب، والتي اتسمت بصيغة اسلامية دعت للجهاد في سوريا،  لنكون أمام استنساخ جديد لتجربة أفغانستان والعراق، يحول سوريا الى مصدر للارهاب، الأمر الذي سيستفيد منه النظام السوري وحلفائه لرفع العقوبات المفروضة عليه بمقارنتها مع انتشار جماعات توصف ب"الارهابية"، وبالتالي استدراج الأسد وأعوانه لمساعدات مادية من كافة الدول التي تخاف على مصالحها.

اقرأ المزيد
١٥ ديسمبر ٢٠١٦
دماء حلب تشعل نيران الشقاق بين ايران و روسيا .. فكيف ستكون المرحلة القادمة

يبدو أن فترة الشراكة بالمصالح بين روسيا و ايران ، والتي شابها منغصات عدة، قد شارفت على الانتهاء، فما بعد حلب ليس كما قبلها، و بدأت علائم صراع المصالح تظهر للعلن بين الطرفين الذين جمعهما مصلحة آنية بوأد الثورة السورية، ولكن المصالح الاستراتيجية مختلفة تماماً حد الصراع.

وعلى وقع الدماء التي أُريقت بحلب، أقفل باب التعاون الروسي - الايراني في سوريا، وبات كلا الطرفين يسعى لتثبيت دعائمه، بغية الانتقال إلى المرحلة القادمة من الحصول على الميزات، التي لاتوافق فيها بين شركاء اليوم، و”الحرب الباردة” ستنتقل لتكون أشد حماوية، و أكثر علنية.

الصراع الايراني - الروسي ، في سوريا كان و منذ بداية التدخل، عبارة “قرصات” متبادلة بين الطرفين، و صراع حثيث على من يتسيد سوريا،و صاحب الكلمة الأعلى، والأهم راسم المستقبل، فبعد سنوات من الابتعاد الميداني الروسي و الاكتفاء بالدعم السياسي للأسد، دخلت روسيا من باب واسع للساحة الميدانية التي تشكل الملعب الأساسي لايران و مليشياتها الأجنبية و المحلية، صحيح  أن البداية كانت ضد الثورة فصائلها، ولكنها شهدت عمليات ، تقليم أظافر لايران في عدة مواقف، ابتداءً من السعى لافشال اتفاق المدن الأربعة (الفوعة - الزبداني) بضرب خطوط اخلاء سكان الزبداني الذي دفع ايران لتحويل الخروج إلى لبنان، مروراً باستهداف التجمعات على خطوط الامداد بين دمشق وحلب، و الأشهر كانت ترك ايران ومليشياتها وحيدين في “خان طومان” في آذار ، و تكرر المشهد في ملحمتي حلب (تموز و أيلول العام الحالي)، وبالطبع  الغارات الاسرائيلية التي استهدفت قيادات في الحرس الثوري و حزب الله والتي لن تتم بطبيعة الحال دون تنسيق مع روسيا، التي وقعت اتفاقات عميقة مع اسرائيل.


السعي الروسي المستمر للجم ايران في الميداني ، ترافق مع تحجيم كبير في الأمور السياسية أو الادارة العامة في سوريا، فعقدت المصالحات بريف دمشق كاملاً بتوجيه و اشراف روسي ، وذات الأمر يدور حالياً في الوعر، وخارجياً بعد سلسلة الاجتماعات التي حضرت ايران كـ”كرسي” لا أكثر، أبرمت روسيا صفقة العصر (حلب) بغياب تام لايران، التي وجدت نفسها فجأة لأول مرة بهذا الشكل، عبارة عن جندي مجهول يقاتل و يقتل و يشار إليه بـ”خوذة” في أحد الشوراع، دون أن يكوت له اسم أو نصيب مقابل ما قدم.

بعد حلب تتضح الصورة بشكل جلّي من حيث الاختلاف بالمصالح حد الاشتباك و الصراع، فايران التي تسعى بكل مليشياتها و قواتها للسيطرة على منطقة “تلعفر”، في العراق تحت تمويه تحرير “الموصل”، لتفتح النافذة باتجاه سوريا، و توصل جحافلها لشق الطريق أمام “الهلال الشيعي” ، وهو الاسم الذي تدغدغ به مشاعر المجيشين تحت رايتها، و إن كان هدفها هو ايجاد نافذة لها على العالم ، بعد ايقانها أن الخليج العربي سيبقى خارج ارادتها مع تركيز أمريكا لغالبية قواتها فيه.

قصارى القول يتمثل بأن ايران تبحث بعد كل هذه السنوات من القتال الوصول إلى شط البحر الأبيض المتوسط، لتضمن التواصل الحر و السلس مع العالم، بعيداً عن أي تنغيص من أمريكا أو دول الخليج، و منطقياً أن هذا المنفذ لن يكون في لبنان حتماً، البلد التي ترى فيها اسرائيل خط الفصل بينها و بين أي مشروع قد يهددها بالمستقبل سواء أكان قريب أو البعيد حد ظهور علائم يوم القيامة.

اذا اليوم الصراع يبدأ من يحكم الشواطئ السورية، فروسيا التي تتغنى بقاعدتها الأكبر و الأهم في المنطقة و العالم في اللاذقية و طرطوس، ولن تقبل بوجود شريك لها في منطقة تعتبر ثروة عسكرية و جويوسياسية، وكذلك اقتصادية بما تحويه من غاز، الذي يعتبر وقود الاقتصاد الروسي.

شرارة الخلاف أطلقتها دماء مدني حلب، سيكون تفاعلتها قريبة جداً، حد عدم التصديق من تسارعها، سيما مع وجود تهامس روسي مع القيادة الجديدة في أمريكا، أن لاخلاف بينهما على احترام ملكية روسيا لسوريا، شريطة أن لا يكون لايران دور فيها، ومن هنا يبدو على ايران أن تتحضر لسلسلة جديدة من القتلى تحت مسميات عدة كـ”اغتيال” ، “قصف خاطئ” ، ومن الممكن أن يكون بمحلمة جديدة، قد لا تسير باتجاه حلب، و إنما يكفي أنها ستجعل ايران تنشغل بلملمة أشلاء قتلاها، وتكتفي ببعض الفتات الذي سيرميه الروسي لها.

اقرأ المزيد
١٤ ديسمبر ٢٠١٦
ليت الأسد كان نيرونا

أعرف أنه كتب الكثير عن جرائم بشار الأسد، وتم وصفه في أكثر من مقال "نيرون سورية"، في إحالة إلى "نيرون روما"، وتشبيهه اليوم بـ "نيرون حلب" لن يضيف الكثير إلى سجل جرائمه الفظيعة.

تشبيه جزار الشعب السوري بنيرون فيه إجحاف كبير في حق نيرون الحقيقي الذي كان شاعراً وموسيقياً وفناناً، قبل أن يكون طاغية، كما صورته أساطير كثيرة نسجت عنه. فأحياناً كثيرة، تبالغ روايات التاريخ في تضخيم بعض الأحداث وأسطرتها، لتضفي عليها هالة من التقديس أو التهويل. وعندما نقارن اليوم بين جرائم الأسد وجريمة نيرون، سيقول المرء ليت الأسد كان نيرونا، لأنه لا مقارنة بين خطيئة نيرون وجرائم الأسد الفظيعة.

أكتب هذا المقال، وأنا أتابع قوافل النازحين السوريين الخارجين من مذبحة حلب، مشاهد نساء وأطفال وشيوخ تشبه ملامح شخصيات أفلام مشهورة، جسّدت الكوارث الفظيعة التي ضربت الأرض، أو توقعت ما يمكن أن يضرب كوكبنا من كوارث، يمكن أن تسبب فواجع وآلاماً لبني البشر.

لكن ما نراه على شاشات التلفزة من صور لأناسٍ هائمين على وجوههم، عائدين للتو من جحيم حقيقي، خارجين من تحت الأنقاض، منبعثين من جديد من موت حقيقي، هي صور حقيقية وواقعية، تحدث اليوم في مدينة حلب التي تحترق أمام عيوننا منذ شهر ونيف. لسنا أمام شريط سينمائي، وإنما أمام واقع حزين تتسارع أحداثه، وتتوالى شخصياته الحقيقية على شاشاتنا الصغيرة، لا تكاد تلتقط أنفاسها، وهي تواجه أقدارها ومصائرها، وسط الخطر المحدق بها، وهي تحاول إنقاذ نفسها، والهروب نحو المجهول.

مع الأسف، من فرط المبالغة في الاستهلاك الإعلامي لهذه الصور، أصبحت تمر أمامنا مثل شريطٍ سينمائي تتلاحق أحداثه بإيقاع متسارع، لا يسمح لنا بالتقاط الأنفس، والصور التي تلاحقها كاميرات المصورين لا تكاد تستقر لنقل ما يجري من دون أن ترصد لنا بالفعل حقيقة كل ما يقع على أرض الواقع من جرائم لا تصل إليها عدساتها. لذلك، قد لا نعي أبعاد الكارثة حالياً. لكن، سيأتي اليوم الذي ستؤنبنا فيه الأجيال المقبلة على صمتنا الجماعي على دمار حلب وخراب سورية.

لذلك أقول إن في تشبيه جرائم الأسد اليوم بخطيئة نيرون إجحافاً وظلماً كبيراً لنيرون، فحريق روما استغرق خمسة أيام ونصف اليوم فقط، بينما حريق سورية يستمر منذ أكثر من خمس سنوات ونصف السنة. وحريق روما أتى فقط على ثلث المدينة، وأصاب ثلثها الثاني بأضرار بليغة، ونجا الثلث الآخر، فيما حريق سورية أتى على كل مدنها ومازال. وحتى الروايات التي بالغت في تصوير فظاعة نيرون وساديته، وحكت لنا إنه كان ينشد الشعر، أو يعزف القيثارة، وهو يشاهد روما تحترق، لا تستند إلى مراجع تاريخية ذات صدقية كبيرة. فيما لدينا اليوم ما يتبث أن بشار الأسد سعيد بما تحققه قواته من هلاك لأبناء شعبه، ودمار وخراب لبلاده. ألم يصرح أخيراً إن الشعب السوري الذي قتل منه مئات الآلاف، وشرد وهجر منه الملايين "نجح في الحفاظ على وحدته ونسيجه الاجتماعي إلى حد كبير، بل وأصبح أكثر تماسكاً وتحصيناً في هذا الأمر، وهذا يشكل نقطة قوة بالنسبة لسورية" (!). مثل هذا القول لا يمكن أن يصدر إلا عن إنسان ساديٍّ، يتلذذ بمشهد الجثث المتناثرة تحت خراب قصف الطائرات والبراميل المتفجرة.

تقول كتب التاريخ إن نيرون لما علم بحريق روما سارع إلى نجدتها، وفتح قصوره لإيواء النازحين من أهلها، وأنفق من ماله الخاص، لإعادة بنائها، بل حتى كتب التاريخ التي تتهم نيرون بإحراق روما تبرّر ذلك بالقول إن خياله راوده أن يعيد بناء روما، فلجأ إلى إحراقها لإعادة بنائها، وفق تصميم حديث يروق له. فنيرون على الرغم من أنه كان طاغيةً، إلا أن في داخله كان يعيش فناناً مجنوناً، لكن بشار الأسد مجنون يعيش في داخله مجرم سادي قتال وسفاح، كلما دمر جزءاً من بلده وقتل الآلاف من أبناء شعبه وشرد الملايين منهم انتابه شعور بالنصر الذي لا يمكن أن يشعر به إلا مريض.

قال، أخيراً، وزير خارجية بريطانيا، بوريس جونسون، المعروف بتصريحاته الخارجة عن اللياقة الدبلوماسية، إن "انتصارات" الأسد "بلا قيمة"، لأنه "ينتصر" على الأبرياء من شعبه، ولأن "الملايين من شعبه يكرهونه".

كانت نهاية نيرون الطاغية مأساوية، عندما انصرف عنه أصدقاؤه وانفرطت من حوله حاشيته، ووجد نفسه يعيش هارباً في كوخ، بعد أن حول بلاده إلى دمار وخراب كبير. ظل نيرون مختبئاً في كوخه، حتى سمع صوت سنابك الخيل تقترب من مخبئه، فمات منتحراً. هكذا مصير الطغاة، يموتون موت الجبناء. هتلر وموسيليني ومعمر القذافي وغيرهم كثيرون. ولن يختلف مصير الأسد عن مصير من سبقوه من طغاة جبابرة.
مات نيرون منتحراً، ولم تمت روما، وسوف يموت بشار الأسد، وستبقى حلب، ولن تموت سورية. وسنموت نحن أيضاً، وسيبقى عار صمتنا يلاحقنا إلى الأبد.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان