الانقاذ لا يكون بـ"الهيئة الاسلامية" و لا بالتميع الديني .. سوريا تستحق الأفضل
في الوقت الذي تدور فيه رحى الموت و الذل على من تبقى من أهالي حلب الثائرين على الطغيان، تدور طواحين “دونكشوتية” حول الاندماجات و الدعوات لمواجهتها، في المحيط القريب و البعيد، من تلك المدينة التي باتت محتلة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى من قبل احتلال طائفي لن يبقي أو يذر أي مَعلِم من معالمها الحقيقة لتتحول محافظة له و لطائفته و قوميته.
يتداعى القادات الذين كانوا صامتين طوال شهر كامل على المحرقة في حلب، ليسربوا بعض “المسكنات” ذات طابع “مهدئ إسعاد” ، حول اندماجات “عظيمة” ستخلص الأمة من وبال التشتت، الذين هم من اصطنعه و أسسه و قوّى عزيمته، أعداد متضاربة و تتزايد في كل لحظة .
أنا : خمسة
هو : لا بل عشرة
تلك : صمت فأنت مخطئ بل هم ١٤ فصيلاً
ذلك : فلتذهبوا للجحيم هم ١٦ فصيلاً أيها الأفاكون..
في خضم خلافنا العددي، نقف سعداء تحت مسمى “الهيئة الاسلامية السورية”، و نتطلع لدور محوري لها، ونتمنى متابعة انتشال الأمة من حضيضها نحو العلياء، و تجاربنا مع مسميات مشابهة كالجبهة و التجمع و المجلس و التحالف و أسماء الجيوش، تجعلنا من الفرح بمكان نتابع عمليات “القرص” للوجنتين بأن لا يكون حلماً عابراً.
تضيق المساحات أمام القائمين على الوضع في سوريا ، ليصروا على مواصلة ذات النهج المبني على عِند غير مفهوم و لا متناسق مع المحيط الدول و الاقليمي الذي ربط بين “الاسلام” و الارهاب ، وكذلك النسيج الواقعي للمجتمع السوري، التي يتسم بتعدد هائل من القوميات و الأديان و المذاهب، و التي ان شاء من شاء و أبى من أبى ، هم سوريون في النهاية، و سيكون لهم دور ما بعد الثورة، و مجرد الاستمرار بذات النهج، هو بمثابة دفع نحو عزل الثورة عن محيطها أكثر ، فأكثر .
يصر القائمون (وهم ذات الوجوه تقريباً و بذات التوجه حتماً منذ خمس سنوات ) على أن هذا النهج هو الأسلم و الأنجح، اذ لا تواجه النار إلا بالنار و الحديد يصفع بالحديد، و لكن نسوا أن نارهم قد أكلت ذاتها، و باتت الحاجة لسياسة شرعية تقوم على الاحاطة بالنار التي تمتد لا مواجهتها مباشرة، و إحاطة النار بالنار ، هي طريقة عملية لايقاف النيران (من باب العلم بالشيء لا أكثر).
و لافائدة من انتقاد تسمية تشكيل حافظ على ذات الوجوه مع ما يسبقها من عبارات التبجيل ، فالجسم “المرّوج” له هو عبارة عن شيء وهمي أرى فيه أنه خدعة جديدة لتبرير ما حدث بحلب ، و حتى إن تم فسيكون بنطاق من الضيق ، يجعله غير موجود، وغير مؤثر ، لا بالعكس هو سبب بتقسيم المقسم و تجزأتهم بشكل أكبر.
في خضم سجالات “هيئتنا الاسلامية الجديدة”، تقفز الوجوه المتسترة بالعلمانية ، عبر شاشات التلفزة لتعلن الحرب على الاسلاميين المتشددين، و تجد فيهم سبب التفرقة و الخلاف ، مع المطالبة بصريح القول بابعادهم و نبذهم ، و الترحيب بمعاديهم ، ولو دعى “المرحب بهم” إلى التفلت و التبرج (قولاً وفعلاً و شكلاً) .
الرحى تدور بسرعة قياسية على أجساد السوريين في مكان ، ولكن طواحين المتسكين بالشكليات و الرافضين للآخر هي بدورها تدور و تشتد ، في مشهد يؤكد إن ما يحث هو نوع من التصفية الذاتية لأوبئة الجسد السوري ، فمن أخطأ و يواصل اليوم خطأه، هو ملفوظ لا محال ، و لكن بعد مرور الأيام القليلة القادمة، فالمرحلة الحالية بات لديها شعار ، لا مكان لرايات أو أفكار أو أساليب حياة إلا وطنية من بنية السوريين ذاتهم .