
ما بين اختفاء رب أسرة ومقتل شاب قبل زفافه.. حكايات من الوجع السوري
لا تزال الذاكرة السورية ترزح تحت وطأة 14 عاماً من الألم والدمار، وسط سلسلة من المآسي التي خلفها النظام السابق، إذ لم يكتفِ بالقصف والاعتقال، بل امتدت جرائمه إلى مصادرة الأرواح، وتشتيت العائلات، وسلب أدنى مقومات الأمان. ومن بين آلاف القصص التي حُفرت في وجدان السوريين، تبرز اليوم شهادتان تمثلان جرحاً مفتوحاً لم يندمل بعد.
القديمي.. مصير مجهول خلف أحد الحواجز
محمود علي القديمي، رب أسرة من مدينة الرحيبة، كان يعيش حياة بسيطة ويعمل في قطاع البناء ليؤمّن لقمة العيش لأطفاله الخمسة. في عام 2013، وبينما كان عائداً من دمشق إلى مدينته، تم توقيفه عند حاجز القطيفة التابع لقوات النظام، وهناك اختفى دون أن يُعرف مصيره حتى اللحظة.
ما زاد من فداحة المصاب، أن السيارة التي كانت تقله عادت إلى المدينة بدونه، لتتلقى عائلته الخبر المروّع: محمود اعتُقل ونُقل إلى جهة مجهولة. ومنذ ذلك الحين، دخلت العائلة في دوامة طويلة من الانتظار والبحث، بين إشاعات متضاربة ووعود كاذبة من سماسرة استغلوا محنتهم، ليتبين لاحقاً أنهم ضحايا نصب واحتيال.
على مدار أكثر من عشر سنوات، واجهت العائلة واقعاً قاسياً، واضطرت الزوجة لتولي المسؤولية كاملة. كبر الأبناء على أمل لقاء الأب، وواصل الابن الأكبر تعليمه في المجال الطبي، بينما تظل الأسرة معلقة بخيط أمل لا ينقطع رغم طول الانتظار.
نورس هندي.. من حلم الزفاف إلى الموت في فرع فلسطين
في قصة أخرى لا تقل وجعاً، يتجسد مصير الشاب نورس هندي، المعروف بلقب "أبو سعيد"، المولود عام 1986، والذي كان يستعد للزواج في صيف عام 2013. بعد أن درس في المعهد الزراعي والتحق بمعهد الضيافة الجوية، اختار مغادرة سوريا إلى الأردن عام 2012، رافضاً أداء الخدمة العسكرية ضمن جيش النظام خوفاً من التورط في الجرائم ضد المدنيين.
في حزيران 2013، قرر نورس زيارة سوريا في إجازة قصيرة. إلا أن رحلته تحوّلت إلى مأساة بعد أن تم اعتقاله عند معبر نصيب الحدودي، ليتم اقتياده إلى فرع فلسطين سيئ السمعة. وهناك، انقطعت أخباره تماماً، حتى تلقت عائلته في 16 كانون الثاني 2014 برقية من الشرطة العسكرية تبلغهم بوفاته "نتيجة ضيق تنفس وتوقف مفاجئ في القلب" – صيغة اعتاد النظام استخدامها لتغطية جرائم التعذيب.
كان من المقرر أن يُزف نورس إلى عروسه في 7 تموز 2013، لكن بدلاً من حفل الزفاف، تلقّت العائلة خاتم الخطوبة وجواز سفره فقط، فيما اختفى هاتفه المحمول وجهاز الكمبيوتر والمبلغ المالي الذي كان بحوزته.
صرخات تطالب بالعدالة
بين غياب القديمي ومقتل نورس، تظل العائلات السورية تطلق نداءاتها للحكومة الجديدة بضرورة ملاحقة الجناة، وكشف مصير المفقودين، وإنصاف من أُهدرت حياتهم على يد آلة القمع، التي لم ترحم لا كباراً ولا صغاراً، ولا حتى من كانت فرحتهم على الأبواب.
ففي ذاكرة السوريين، مثل هذه القصص ليست استثناءً، بل هي نموذج لألم جماعي يصرّ المجتمع السوري اليوم على توثيقه ومواجهته بالحقيقة والعدالة.