سجلت الأسواق السورية خلال تعاملات افتتاح الأسبوع اليوم السبت تغيرات جديدة حيث سجل سعر صرف الدولار الأميركي ارتفاعاً فوق حاجز 10,000 ليرة سورية في العاصمة دمشق.
وتجاوز الدولار الأمريكي خلال تعاملات اليوم توقعات السوق التي كانت تشير إلى احتمال تراجع الدولار إلى أقل من 8,000 ليرة سورية.
هذا التحرك يعكس حالة من عدم الاستقرار في سوق الصرف وسط ظروف اقتصادية معقدة، وسجل سعر صرف الدولار الأميركي في دمشق 10,150 ليرة للشراء و10,300 ليرة للمبيع.
وفق بيانات مصادر السوق المحلية فإن هذا الرقم يمثل ارتفاعاً ملحوظاً مقارنة بالتوقعات التي كانت تشير إلى تراجع سعر الدولار إلى مستويات دون 8,000 ليرة سورية.
على صعيد المحافظات الأخرى، تتماشى أسعار الصرف في محافظتي إدلب وحلب مع دمشق، حيث وصل سعر شراء الدولار إلى 10,150 ليرة، وسعر المبيع إلى 10,300 ليرة.
أما في محافظة الحسكة، فقد سجل الدولار مستويات أعلى نسبياً، حيث بلغ سعر الشراء 10,450 ليرة، وسعر البيع 10,600 ليرة، حسب منصة "الليرة اليوم" المتخصصة بتتبع الأسواق غير الرسمية.
في المقابل، حافظ مصرف سوريا المركزي على السعر الرسمي للدولار عند 11,000 ليرة للشراء، و11,110 ليرة للمبيع، وفق النشرة الرسمية المعدلة التي أصدرها البنك المركزي.
من جهة أخرى، تشير تحليلات بعض الاقتصاديين إلى أن التغييرات المرتقبة في شكل العملة السورية وطرح فئات نقدية جديدة قد تؤثر على ثقة السوق بالليرة، ما قد يضغط على قيمتها في المرحلة المقبلة.
ويأتي هذا في ظل قرار الإدارة الأميركية برفع بعض العقوبات عن سوريا، لكن هذه الخطوة لم تمنع استمرار الضغوط على العملة المحلية، حيث يعتقد الخبراء أن العامل النفسي يلعب دوراً أساسياً في تذبذب سعر الصرف أكثر من العوامل الاقتصادية التقليدية.
فيما قال الخبير الاقتصادي ومستشار وزير الاقتصاد والصناعة، "جورج خزام"، إن الانخفاض السريع بسعر صرف الدولار الذي حدث في أعقاب قرار الرئيس الأمريكي برفع العقوبات عن سوريا، هو انخفاض وهمي وسوف يتبعه ارتفاع أكبر.
وبيّن في منشور كتبه على صفحته الشخصية في "فيسبوك" أن الأشخاص الذين توقعوا انخفاض الدولار بسبب الأخبار قاموا ببيع الدولار على سعر 11,000 ليرة سورية.
وهم أنفسهم يقومون بالتعويض بإعادة شراء هذا الدولار بعد فترة قصيرة على سعر 9,000 ليرة مع الأرباح، مشيراً إلى أن ذلك يعني بأنه لا يوجد زيادة مستمرة بالعرض من الدولار وهو ما سوف يزيد الطلب عليه.
وأكد الخبير الاقتصادي أن سعر صرف الدولار سوف يعود للارتفاع لأن الطلب عليه سوف يكون أكبر من العرض الذي أدى للانخفاض الوهمي المؤقت، لافتاً إلى أن الأخبار السياسية دائماً تؤثر بشكل مباشر على توقع حجم الطلب على الدولار.
بحيث أن أي أخبار إيجابية تؤدي لتوقع انخفاض سعر صرف الدولار وأية أخبار سلبية تؤدي لتوقع زيادة الطلب على الدولار.
واعتبر أن كل انخفاض بسعر صرف الدولار لا يكون أساسه زيادة الإنتاج مع زيادة الصادرات وتراجع المستوردات مع تخفيض البطالة، هو انخفاض وهمي سوف يتبعه ارتفاع أكبر.
ورصد مراسل "اقتصاد"، فاتورة خدمات لأحد المطاعم الشعبية بدمشق، حيث تشكّل الضرائب نحو 6%. ولوحظ بقاء ذات الرسوم التي كانت قائمة في عهد النظام السابق (رسم إنفاق، رسم إعمار، رسم الإدارة المحلية).
وكان إجمالي الفاتورة قبل احتساب الضرائب، 114 ألف ليرة، مع الإشارة إلى أن المقدّم فيها، كان علبة مياه كبيرة، أرجيلة تفاحتين، شاي خمير، متبل، وفول بزيت.
ووفق مصادر محلية، فإن أسعار خدمات المطاعم لم تنخفض بما يتماشى مع تغيّر سعر الصرف، بعد سقوط النظام البائد. إذ ما تزال وفق نشرة الأسعار الرسمية القديمة المقوّمة بسعر دولار رسمي بنحو 13600 ليرة سورية.
وذلك وفق نشرات البنك المركزي حينها (قبل خمسة أشهر)، بينما أصبح السعر الرسمي للدولار الآن، بـ 11110 ليرة، لكن نشرات الأسعار الرسمية للمنشآت الخدمية والسياحية، لم تتغير.
وأفاد مراسل "اقتصاد" بالإطلاع على تعميم صادر عن الجهات الحكومية المختصة (السياحة، الاقتصاد)، موجه للمنشآت السياحية والخدمية، ببقاء الأسعار على ما هي عليه، إلى حين صدور نشرات أسعار جديدة.
وتفتقد مدينة دمشق منذ التحرير لأي شكل من أشكال المبادرات المجتمعية للضغط بغية تخفيض أسعار وعروض المنتجات الأساسية والخدمات الترفيهية، تماشياً مع تحسّن سعر صرف الليرة، وفق مصادر اقتصادية متطابقة.
يشار أن خلال الفترة الماضية أصدرت القيادة السورية الجديدة قرارات عدة لصالح الاقتصاد السوري، أبرزها السماح بتداول العملات الأجنبية، والدولار في التعاملات التجارية والبيع والشراء، وحتى الأمس القريب، وكان النظام البائد يجرّم التعامل بغير الليرة ويفرض غرامات وعقوبات قاسية تصل إلى السجن سبع سنوات.
في مشهدٍ معقّد خلّفته سنوات الحرب الطويلة في سوريا، لم تكن المرأة السورية مجرّد متلقية للألم أو شاهدة على الخراب، بل كانت فاعلة في ساحات متعددة، تخوض معركة الصمود اليومي، وتشارك في إعادة ترميم ما مزّقته الحرب، بدءاً من التعليم والإغاثة، وصولاً إلى ميادين العمل الخطرة، وأخطرها إزالة مخلفات الحرب والألغام.
ورغم توقّف المعارك العسكرية، فإن ما خلّفته من ذخائر غير منفجرة وألغام مزروعة يواصل حصد الأرواح وتشويه الأجساد، لا سيما مع عودة المدنيين إلى مناطقهم وقراهم بعد التحرير. هذه الذخائر، المنتشرة في الحقول، وبين الأنقاض، وفي المدارس والمخيمات، تحوّلت إلى أدوات قتل صامتة، تفتك بأطفال وسكان عادوا بحثاً عن الحياة.
في هذا السياق، تداول ناشطون على مواقع التواصل صورة للشابة هبة كدع (29 عامًا)، وهي إحدى المتطوعات في مجال إزالة مخلفات الحرب. وقد أثار عملها ردود فعل واسعة، لما يحمله من مخاطر جمّة في ساحة ميدانية غالبًا ما تقتصر على الرجال.
في لقاء لها مع الجزيرة نت، قالت كدع إنها اختارت هذا الطريق بعد أن شاهدت حجم المأساة التي خلفتها الألغام في المناطق المحررة، حيث فقد كثيرون أطرافهم أو أصيبوا بتشوهات، وبعضهم قضى نتيجة ملامسة أجسام مخفية لم يعرفوا أنها قاتلة.
بدأت كدع كمتطوعة في حملات التوعية، قبل أن تلتحق بدورات تدريبية في السلامة والتعامل مع الذخائر المشبوهة، مؤكدة أن هذه ليست مسؤولية ذكورية فقط، بل إن على الجميع، رجالاً ونساء، أن يشاركوا في حماية المجتمع.
وأضافت:"الحرب لا تنتهي بمجرد توقف القتال، بل تبقى آثارها تتربص بالمدنيين، والأخطر أن كثيرًا من هذه المخلفات مزروع بطرق تمويه معقدة، منها ما يبدو كلعبة، أو موضوع داخل أثاث المنازل كالثلاجات والغسالات".
وأكدت كدع أن بعض هذه المخلفات تم توثيقها في مناطق كانت تحت سيطرة النظام السابق، الذي استخدم أساليب متقدمة في إخفاء أدوات القتل، بهدف إطالة أمد الخطر حتى بعد انسحابه.
كما وجهت دعوة للمجتمع الدولي والمنظمات المختصة لتقديم الدعم اللوجستي والتقني لتطهير الأرض السورية من هذه القنابل المؤجلة، محذرة من أن أي تهاون في التعامل معها يعني المزيد من الضحايا.
وختمت حديثها بالتشديد على أهمية عدم لمس أي جسم مجهول، مهما بدا بسيطًا، وضرورة التواصل مع فرق الهندسة المختصة عند الاشتباه بأي مادة خطرة.
إن ما تواجهه سوريا اليوم لم يعد يقتصر على إعادة الإعمار المادي، بل يتطلب جهدًا وطنيًا وإنسانيًا لإزالة آثار الحرب الأشد فتكًا. وتثبت المرأة السورية مرة أخرى أنها ليست في الهامش، بل في قلب الفعل والنجاة والبناء.
إن دخول النساء إلى ميادين كانت حكرًا على الرجال، مثل تفكيك الألغام، يعبّر عن وعي جديد وشجاعة جماعية، تؤسس لمرحلة ما بعد الحرب، حيث تكون المرأة شريكة في القرار، والحماية، والإعمار، وتكمل دورها في معركة البقاء وإعادة الحياة.
سجلت الليرة السورية تراجعاً ملحوظاً امام الدولار الأميركي خلال إغلاق الأسبوع اليوم الخميس حيث تجاوزت قيمة الدولار الأميركي الـ 9000 ليرة سورية في مختلف المحافظات السورية.
وفي التفاصيل بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي في العاصمة السورية دمشق 9,300 ليرة للشراء و9,600 ليرة للمبيع بينما كان الدولار قد هبط يوم أمس لأقل من 8,000 ليرة سورية.
وسجّلت محافظتا حلب وإدلب سعراً مماثلاً بين بعضهما وأقل من السعر المسجل في دمشق حيث وصل سعر الدولار فيهما لـ 9,300 للشراء و 9,600 ليرة للمبيع.
وأما في محافظة الحسكة، فقد كان التراجع واضحاً أكثر ، حيث بلغ الدولار فيها 9,700 ليرة للشراء و 9,850 ليرة للمبيع، بحسب بيانات منصة “الليرة اليوم” المتخصصة برصد السوق السوداء.
وفيما يخص السعر الرسمي للدولار فلا يزال محافظاً على قيمته التي تحديثها منذ يوم أمس الأول حيث بلغ سعر الدولار في النشرة الرسمية الصادرة عن مصرف سوريا المركزي والبالغ 11,110 ليرة للمبيع مقابل 11.000 ليرة سورية للشراء.
فيما اعتبر الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد في كليات الشرق العربي، "عماد الدين المصبح"، أن عودة سوريا إلى نظام التحويلات المالية الدولي "سويفت" تمثل "خطوة تاريخية" نحو تعافي الاقتصاد المحلي وإعادة اندماجه ضمن النظام المالي العالمي.
وقال في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن البنوك السورية عانت لسنوات من صعوبات بالغة في إجراء التحويلات الدولية بسبب العزلة المالية، ما تسبب بتعقيد عمليات الاستيراد والتصدير وتقليص حجم التجارة الخارجية بشكل كبير.
لكن مع العودة إلى "سويفت"، ستتمكن المصارف من تنفيذ التحويلات مباشرة وبشفافية وتكاليف أقل، ما يخفف الاعتماد على القنوات غير الرسمية ويقلل من مخاطرها، وفق قوله.
وأضاف أن مصرف سوريا المركزي سيكون أكثر قدرة على إدارة السيولة النقدية واحتياطيات النقد الأجنبي، مما سينعكس على استقرار سعر الصرف وتحسين الوصول إلى الأسواق العالمية.
كما توقع المصبح أن تساهم الخطوة في تقليص تكاليف الوساطة المالية وتحسين بيئة الأعمال، لا سيما في ظل الحاجة إلى جذب الاستثمارات.
ويُعد "سويفت" أحد أبرز أنظمة التحويل المالي حول العالم، تأسس عام 1973 في بلجيكا، ويربط أكثر من 11 ألف بنك ومؤسسة مالية في 200 دولة.
وأظهر تقرير صادر عن "المنظمة الدولية للهجرة" أن نقص الخدمات الأساسية وشح الفرص الاقتصادية هما أكبر التحديات التي تواجه السوريين العائدين إلى مجتمعاتهم.
وبحسب التقرير، الذي قيّم الأوضاع في أكثر من 1,100 مجتمع بين شهري آذار ونيسان 2025، عاد نحو 1.87 مليون سوري إلى مناطقهم.
إلا أن غالبيتهم يواجهون صعوبة في الحصول على الكهرباء، المياه النظيفة، والرعاية الصحية. كما تعيق الثغرات في الوثائق المدنية وصولهم للخدمات أو ممارسة حقوقهم السكنية.
ويعاني النشاط الزراعي والأسواق المحلية من بطء في التعافي، في حين تسير عمليات إعادة إعمار المساكن ببطء، وسط استمرار المشاكل المتعلقة بملكية العقارات.
وأكدت مديرة المنظمة، "إيمي بوب"، أن السوريين يتمتعون بالمرونة والقدرة على إعادة البناء، لكنهم بحاجة إلى دعم كبير لتحقيق ذلك، مضيفة: "تمكين العودة إلى وطن يسير نحو الاستقرار والتقدم أمر حاسم لمستقبل سوريا".
وبحسب "مصفوفة تتبع النزوح"، انخفض عدد النازحين داخلياً في نيسان إلى 6.6 ملايين، بعد أن كان يتجاوز 6.7 ملايين في آذار.
قال حاكم مصرف سوريا المركزي، "عبدالقادر الحصرية"، إن المرحلة المقبلة بعد رفع العقوبات ستشهد خطوات نحو إعادة اندماج النظام المصرفي السوري عالمياً، مشدداً على أن رؤية المصرف تهدف إلى عودة التجارة الخارجية بالكامل إلى القنوات المصرفية الرسمية.
وفي مقابلة مع "الإخبارية السورية"، أوضح الحصرية أن ذلك سيسهم في تخفيض كلفة السلع على المواطنين، وتعزيز الشفافية، وإعادة الثقة بالقطاع المصرفي، خاصة من جانب المستثمرين المحليين والدوليين.
وأكد أن استقرار النظام المصرفي مرهون بإزالة العقبات القانونية المرتبطة بالعقوبات، متوقعاً دخول مصارف سورية جديدة إلى السوق، وربما أيضاً مصارف أوروبية، خلال الفترة المقبلة.
فيما رحّب رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور بقرار رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، واصفاً إياه بـ"اللحظة التاريخية" التي تعيد دمشق إلى محيطها العربي، وتمنحها فرصة جديدة للنهوض.
وفي منشور على منصة "إكس"، قال الحبتور: "أبشروا يا أهل سوريا، الخير قادم"، مضيفاً أن رفع العقوبات ليس فقط بداية، بل شريان حياة يُعيد النبض لسوريا ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة طال انتظارها.
وأشاد بالشعب السوري، معتبراً أنه من أكثر الشعوب اجتهاداً وابتكاراً في العالم العربي، وقال: "سوريا ستُبنى بأيدي أبنائها، ونحن معهم قلباً وقالباً".
وكان "الحبتور" قد أعرب سابقاً عن رغبته في زيارة سوريا لدراسة فرص الاستثمار، وتمتلك مجموعته استثمارات بمليارات الدولارات في مجالات متعددة أبرزها الضيافة والتجزئة.
وقال وزير المالية، "محمد يسر برنية"، إن رفع العقوبات سيساعد سوريا على توفير بيئة آمنة ومواتية لعودة اللاجئين، من خلال تحسين الخدمات الأساسية، وجذب الاستثمارات الأجنبية.
وأوضح برنية، في تصريحات لوكالة سانا، أن القطاعين المالي والمصرفي سيكونان من أبرز المستفيدين من هذه الخطوة، في ظل الحاجة الملحة للاستثمارات في مجالات البنية التحتية والطاقة والتعليم.
وأضاف أن الحكومة تعمل على مكافحة الفساد وتطوير القوانين لحماية المستثمرين، بهدف جعل سوريا شريكاً فاعلاً في استقرار وتنمية المنطقة.
وأصدر وزير الاقتصاد، "نضال الشعار"، قراراً بدمج جميع الغرف التجارية المستحدثة في محافظة ريف حلب مع غرفة تجارة حلب الرئيسية، بما لها من حقوق وما عليها من التزامات.
وأوضح القرار أن العملية ستتم عبر نقل جميع الملفات والبيانات المتعلقة بالمنتسبين من الغرف المستحدثة إلى غرفة تجارة حلب، بإشراف لجان مختصة.
هذا وتعاني الليرة من عدة تغييرات سريعة خلال الـ 24 ساعة الماضية حيث كانت قد ارتفعت قيمتها بشكل كبير حتى هبط سعر الدولار لأقل من 8000 ليرة متأثراً بقرارات رفع العقوبات عن سوريا، ليعود بعدها بالانخفاض حتى تجاوز الـ 9000 ليرة اليوم.
يشار أن خلال الفترة الماضية أصدرت القيادة السورية الجديدة قرارات عدة لصالح الاقتصاد السوري، أبرزها السماح بتداول العملات الأجنبية، والدولار في التعاملات التجارية والبيع والشراء، وحتى الأمس القريب، وكان النظام البائد يجرّم التعامل بغير الليرة ويفرض غرامات وعقوبات قاسية تصل إلى السجن سبع سنوات.
في قلب مجتمع أنهكته الحرب، برزت ظاهرة تأخر الزواج كأحد الأوجاع الصامتة التي قلّما تجد من يصغي لها. لم تكن هذه الظاهرة حديثة الولادة، لكنها تضخّمت على وقع النزوح، والموت، والانهيار الاقتصادي، حتى باتت واحدة من أبرز التحديات التي تواجه المرأة السورية ما بعد 2011.
وجوه خلف الجدران
روعة، امرأة سورية تجاوزت الخامسة والثلاثين، تقول بمرارة: "كلما حضرت زفافًا، ورأيت السعادة في وجه العروس، شعرت بالحسرة. لم يكن لي نصيب بهذه الفرحة… الشباب اليوم يبحثون عن فتيات أصغر، والواقع لا يرحم".
تصريحات روعة تعكس همًّا مشتركًا تعيشه آلاف النساء السوريات، ممن تأخرت فرصهن في الزواج لا لعيب فيهن، بل لأن الحرب أغلقت أبوابًا كثيرة: فقدان المعيل، النزوح، الفقر، وأحكام اجتماعية قاسية.
أولويات الحرب... وآثارها الاجتماعية
الحرب لم تفتك بالجغرافيا فقط، بل طالت بنية الأسرة والمجتمع. آلاف الشباب السوريين قُتلوا، أو اختفوا في المعتقلات، أو هاجروا دون عودة. ومع تقلّص عدد الرجال القادرين على الزواج، وتفاقم الأزمة المعيشية، تحوّل الزواج إلى "رفاهية مؤجلة".
سلمى (43 عاماً) من ريف إدلب، تحكي: "كنت أؤجّل زواجي لرعاية والديّ المرضى... بعد وفاتهما، وجدت نفسي وحيدة في الأربعين. إخوتي عادوا لحياتهم، أما أنا فلا أعلم إن كان أحد سيطرق بابي بعد اليوم".
النزوح... حرمان من الخيارات
علا أبو أكرم (36 عاماً) عاشت عشر سنوات في مخيم أعزاز: "والدي رفض تزويجي طوال فترة النزوح… كان ينتظر العودة. اليوم عدنا، لكني أخشى أن تكون الفرصة قد ضاعت".
تعكس قصة علا وجهًا آخر من معاناة النساء في النزوح، حيث حُرمن من بناء حياة مستقرة بحجّة الظروف المؤقتة، ليتحول المؤقت إلى دائم، وينقضي العمر في الانتظار.
أعباء نفسية مضاعفة
وراء كل قصة عنوسة، حالة من القلق، الحزن، والخوف من المجهول. كثير من النساء تحدثن عن مشاعر عزلة، ومرارة، وغيرة مكتومة من صديقاتهن اللواتي يعشن حياة أسرية. وفي دراسة ميدانية بعنوان "الواقع النفسي للمرأة اللاجئة"، تبيّن أن غياب الدعم العاطفي، والضغوط العائلية والمادية، تركت آثارًا سلبية على الصحة النفسية للنساء، خاصة في المخيمات.
وصمة اجتماعية… وظلم مزدوج
رغم أن تأخر الزواج ليس خطأ فرديًا، إلا أن المرأة وحدها تُحمّل تبعاته في مجتمع تقليدي، لا يزال ينظر للزواج كمؤشر أساسي على النجاح والاستقرار.
تقول سلمى:"العنوسة ليست فقط حالة اجتماعية، بل شعور بالإقصاء. كأن القطار مضى عنك، ولن يعود".
نحو وعي اجتماعي جديد
الزواج لا يجب أن يكون معيارًا لاكتمال المرأة، لكن التعامل مع تأخره يتطلب تفكيكًا للوصمة، وإعادة تعريف لمفهوم الشراكة، بعيدًا عن العمر والجغرافيا، وقريبًا من القيم الإنسانية.
ما بين القصف، النزوح، والأحكام المسبقة، تقف آلاف النساء السوريات على مفترق طرق، وقد سرقت الحرب من أعمارهن ما لا يعوّض. إنهن لا يحتجن شفقة، بل فرصة عادلة للحياة، والحب، والاستقرار.
في الوقت الذي عمّت فيه مشاعر الفرح أرجاء سوريا بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية رفع بعض العقوبات عن البلاد، يواصل ناشطون ومنصات حقوقية نشر القصص وتوثيق الأدلة التي تدين المجرم بشار الأسد ووالده المقبور حافظ، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري طوال أكثر من خمسين عاماً من القمع والاستبداد.
وفي سياق هذه الجرائم، نشرت صحيفة "زمان الوصل" في 15 أيار/مايو الجاري قصة الشاب خليل منلا موسى، سائق أجرة من مدينة اللاذقية، الذي اختفى عام 2013 في ظروف غامضة. يروي خاله أن خليل خرج بسيارته ولم يعد، فبدأت العائلة رحلة البحث عنه في قسم شرطة اللاذقية دون نتيجة.
لاحقًا، صُدمت العائلة برؤية اسمه في نشرات الأخبار الرسمية كأحد ضحايا تفجير إرهابي، حيث بثّ التلفزيون الرسمي مشاهد لتفجير سيارة، وزُعم أن خليل كان بداخلها. لكن الحقيقة كانت أبشع: خليل اختُطف على يد عناصر مخابرات الأسد، وتم تفجير السيارة لتلفيق التهمة وتبرير الجريمة ضمن رواية "الإرهاب" التي يُتقن النظام فبركتها.
وأضاف خاله أن العائلة توجهت إلى قرية "كلماخو" بحثاً عن أي معلومات، وسألت المختار، لكنه أجابهم باستهزاء: "اذهبوا وابحثوا عنه في النهر، هناك عشرات الجثث لإرهابيين، قد تجدونه بينهم." لم يجرؤ أحد على الذهاب.
قصة خليل، وقصة قزحيا، وآلاف غيرهم، ليست استثناءً بل جزء من نمط متكرر من الإجرام الممنهج. كل ذلك يثبت أن جرائم النظام لا تسقط بالتقادم، وأن الحقيقة، مهما طال الزمن، لا يمكن دفنها.
وتتوالى الشهادات حول المعتقلين الذين تمت تصفيتهم بطرق وحشية داخل أقبية النظام، حيث لجأ النظام إلى تبرير وفاتهم بحجج غير منطقية مثل: "ضيق نفس"، "أزمة قلبية"، "إعدام بتهمة الانتماء للإخوان"، "العمالة"، "الإرهاب"، وغيرها من التهم الجاهزة التي طالما استخدمها لتصفية المعارضين.
بعد تحرر بعض المناطق من قبضة النظام المجرم السابق، بدأت تتكشف الحقيقة المروعة، حيث عُثر على مقابر جماعية ووثائق رسمية تثبت أن آلاف المعتقلين تمّت تصفيتهم داخل المعتقلات بطرق بشعة، تتنوع بين التعذيب حتى الموت أو الإعدام الميداني دون محاكمات.
هذه الحقائق، التي لطالما شكك بها البعض في بدايات الثورة، أصبحت اليوم موثقة ومثبتة بالأسماء والصور. وعند تحرر البلاد من رجس الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر عام 2024، تم الوصول للسجون، إلا أن العديد من الأهالي صُدموا بعدم إيجاد أبنائهم ليتبين أنه تم إعدامهم.
وتعيد هذه الحقائق إلى الأذهان القصة التي أثارت ضجة واسعة، وهي قصة الشاب المسيحي قزحيا، المعتقل قبل 40 عاماً، والذي تم إعدامه تحت التعذيب في معتقلات النظام بتهمة "الانتماء إلى الإخوان المسلمين" – وهي تهمة تفضح عبثية أجهزة النظام، حيث لا يمكن لعاقل أن يصدق أن شاباً مسيحياً يمكن أن يكون عضواً في تنظيم إسلامي سلفي، لكنها كانت تهمة جاهزة تُساق لأي معتقل دون أي اعتبار للواقع أو المنطق أو الدين.
سجلت الليرة السورية مساء يوم الثلاثاء 13 أيار/ مايو، تحسنًا كبيراً حيث ارتفعت قيمتها نحو 10% دفعة واحدة أمام الدولار الأميركي في السوق السوداء، ولامست حاجز 7 آلاف ليرة سورية.
وجاء التحسن اللافت عقب دقائق بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب من السعودية، عزمه رفع العقوبات الأميركية المفروضة عل سوريا.
وفي التفاصيل أظهرت نشرة "الليرة اليوم"، انخفاض مبيع الدولار الواحد إلى 8 آلاف و700، والشراء إلى 8 آلاف و300، بعدما كان سعر مبيع الدولار قبيل تصريحات ترامب، عند 9 آلاف و700 ليرة، والشراء عند 9 آلاف و500 ليرة سورية.
وبذلك، فإن الليرة السورية ارتفعت نحو 10 في المئة بعد تصريحات ترامب، ونحو 19 في المئة من الإغلاق السابق، أمس الاثنين، حيث كان سعر الدولار الواحد نحو 10 آلاف و700 ليرة سورية.
إلى ذلك خفض مصرف سورية المركزي، اليوم الثلاثاء 13 أيار 2025، سعر صرف الدولار الأمريكي إلى 11,000 ليرة سورية، في أول تعديل من نوعه منذ أكثر من 50 يوماً، وذلك عقب اعتماد نشرة موحدة لأسعار الصرف الرسمية في البلاد.
ووفقاً للنشرة الرسميةخفّض المصرف المركزي سعر الدولار من 12,000 ليرة إلى 11,000 ليرة للشراء، فيما تم تحديد سعر المبيع عند 11,110 ليرة، بمتوسط سعري يبلغ 11,055 ليرة سورية.
أما بالنسبة لليورو، فقد حدّد مصرف سورية المركزي سعر الشراء عند 12,227.60 ليرة، والمبيع عند 12,349.87 ليرة، بمتوسط 12,288.74 ليرة سورية.
هذا وتشهد الليرة السورية حالة من الاستقرار النسبي، مدفوعة بمجموعة من التطورات السياسية والاقتصادية التي من شأنها التأثير بشكل مباشر على سعر صرف العملة المحلية، بعد سنوات من الانهيار الحاد بسبب حالة الاستنزاف الشديدة التي أحدثها نظام الأسد البائد.
في حين تتزايد الدعوات الأوروبية داخل الاتحاد الأوروبي لرفع العقوبات عن سوريا، والمساهمة في جهود إعادة الإعمار بعد أكثر من 14 عاماً من الحرب، ما يُعطي دفعاً إضافياً للمشهد الاقتصادي المحلي.
وكان أصدر الرئيس السوري "أحمد الشرع"، مرسوماً ألغى بموجبه جميع قرارات الحجز الاحتياطي التي أصدرها النظام السابق في الفترة بين 2012 - 2024.
واعتبر وزير المالية الدكتور "محمد يسر برنية"، أن هذه القرارات حرمت نحو 91 ألف مواطن سوري من ممتلكاتهم وأصولهم، مشيراً إلى أن مرسوم الرئيس الشرع يعكس إرادة الدولة السورية برفع الظلم عن الناس وإعادة عجلة النشاط الاقتصادي.
وأضاف أن هذه القرارات استندت إلى توجيهات جائرة من قبل أجهزة أمنية ولم تستند إلى إجراءات وأحكام قضائية، وهي صدرت بحق مواطنين نتيجة مواقفهم الداعمة للثورة السورية. لافتاً إلى أن وزارة المالية سوف تتعاون مع وزارة العدل ووزارة الداخلية على اتخاذ ما يلزم لتنفيذ المرسوم.
وفي السياق ذاته، أشار مراقبون إلى أن مرسوم إلغاء الحجز الاحتياطي، يُظهر رغبة الدولة في إعادة ضبط العلاقة بين الدولة والمواطن وتقليل أثر التوجيهات الأمنية على القرارات المالية، كما أنه سوف يشجع المغتربين ورجال الأعمال على العودة والاستثمار في البلد.
يشار أن خلال الفترة الماضية أصدرت القيادة السورية الجديدة قرارات عدة لصالح الاقتصاد السوري، أبرزها السماح بتداول العملات الأجنبية، والدولار في التعاملات التجارية والبيع والشراء، وحتى الأمس القريب، وكان النظام البائد يجرّم التعامل بغير الليرة ويفرض غرامات وعقوبات قاسية تصل إلى السجن سبع سنوات.
عدل مصرف سوريا المركزي، نشرته الرسمية الصادرة اليوم الثلاثاء 13 أيار 2025 وذلك ضمن التحديثات اليومية المخصصة للمصارف وشركات الصرافة حيث حدد سعر صرف الدولار بقيمة 11,000 ليرة سورية.
وجاء ذلك في نشرة رسمية صادرة عن المصرف، نشرت على موقعه الإلكتروني، والتي تشمل أسعار صرف لأكثر من 30 عملة مقابل الليرة السورية، بما في ذلك الليرة التركية واليورو.
ويأتي ذلك على ضوء تحسن لافت في قيمة صرف الليرة السورية في السوق الموازية التي سجلت بين 10 ألف و450 ليرة سورية إلى 9 ألفا و600 ليرة سورية.
إلى ذلك تراجع سعر اليورو اليوم في سوريا بالسوق السوداء ليسجّل عند مستوى 11771 ليرة للشراء، و11887 للبيع، وجاء سعر صرف الليرة التركية اليوم في السوق السوداء عند 271 ليرة للشراء و276 ليرة للبيع.
ويذكر أن مصرف سوريا المركزي ثبت خلال الأيام الماضية سعر صرف الليرة السورية في التعاملات الرسمية عند 12 ألفا عند الشراء و12 ألفا و120 ليرة سورية، قبل تعديل النشرة اليوم.
وكان أصدر المصرف قرارا بالسماح بسحب غير محدود من الحسابات الجارية المودعة بعد 7 أيار/ مايو الجاري بأي عملة وأي مبلغ دون قيود زمنية أو سقوف.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك مرونة في تحديد أسعار الصرف حيث سمح المصرف المركزي للبنوك وشركات الصرافة المرخصة بتحديد أسعار صرف ضمن هامش محدد حول السعر الرسمي، مما يتيح مجالا أوسع للحركة في السوق السورية.
اعتادتْ مجتمعاتنا المحافظة تحميل المرأة أضعاف ما يُحمّل للرجل في المواقف الصعبة، إذ يُربط الشرف غالباً بالنساء دون غيرهن. كثير من النساء اشتكين من نظرة المجتمع القاسية، خاصة عند تعرضهن لتجارب كالتوقيف أو الغياب القسري، فواجهن أحكاماً جائرة وتأويلات مسيئة تمسّ سمعتهن وكرامتهن.
قصة "ميرا" والشائعات التي تُلاحق النساء
حين انتشرت قصة هروب "ميرا" من منزل والدها للزواج، استذكرت إحدى السيدات معاناتها بعد اعتقالها، إذ واجهت شائعات وتهماً كاذبة، أبرزها أنها هربت مع حبيبها، مما سبب ألماً بالغاً لعائلتها. علّقت قائلة: "لم يكن الأمر سياسياً بقدر ما كان نتيجة مجتمع فارغ يتلذذ بالخوض في أعراض الناس".
وأضافتْ أن آلاف التعليقات كانت تردد: "هربت لتتزوج"، أو "كانت مضطهدة في بيت أهلها"، بينما رفض البعض تصديق أنها معتقلة أصلاً، واعتبروا ما حدث لا علاقة له بالثورة. وأكدت أن أثر تلك التجربة لا يزال حاضراً في حياتها، قائلة: "حتى اليوم، لم أنم. عودة ميرا أعادتني إلى قصتي... أياً تكن حقيقتها، أفكر بها وبأهلها، وبخذلان هذا المجتمع".
الظلم الاجتماعي بعد الاعتقال: وصمة تلاحق الناجيات
وقد اشتكت العديد من الناجيات من الاعتقال من الظلم الاجتماعي الذي يلاحقهن بعد خروجهن، بسبب تداول أقاويل مسيئة بحقهن، يعود أصلها إلى اعتقاد سائد بأن كل معتقلة تعرضت حتماً للاغتصاب، وهو أمر غير مؤكد في جميع الحالات.
أسهمت بعض وسائل الإعلام، من خلال الإفراط في تسليط الضوء على قصص الاعتداء الجنسي داخل المعتقلات، في ترسيخ هذه الصورة النمطية. ونتيجة لذلك، ما إن يُعرف عن امرأة أنها كانت معتقلة، حتى تتشكل عنها تصورات مشوهة تؤثر سلباً على حياتها الشخصية ومكانة عائلتها الاجتماعية.
خوف الناجيات من الظهور الإعلامي: بسبب الوصمة الاجتماعية
هذه الوصمة دفعت العديد من الناجيات إلى العزوف عن الظهور الإعلامي أو المشاركة في جهود التوثيق. خلال عملنا على هذا الملف، تواصلنا مع إحدى الناجيات بهدف توثيق تجربتها ومشاركة قصتها، وقد أبدت في البداية استعداداً للحديث، لكنها بعد نحو عشر أيام، اعتذرت عن المتابعة بسبب خطوبتها، إذ طلب منها خطيبها عدم التواصل مع الصحفيين حفاظاً على خصوصيتهم وتجنباً للتعليقات التي من الممكن أن ترد. احترمنا رغبتها، باركنا لها الخطوبة، وقررنا الانسحاب.
وبالمثل، رحبت ناجيات أخريات بفكرة المشاركة، لكنهن وضعن شرطاً أساسياً، وهو استخدام أسماء مستعارة ضمن المادة الصحفية، مع تعديل بعض التفاصيل المتعلقة بمكان الإقامة أو الانحدار الجغرافي، خوفاً من أن يتعرف عليهن أحد، مما قد يتسبب لهن أو لعائلاتهن بوصمة اجتماعية أو مضايقات لا يرغبن بخوضها.
تجربة "رقية" والشائعات الملاحقة
تروي رقية، وهي شابة أُوقفت على حاجز لقوات النظام عام 2015، قائلة: "كنت أعود من مدينة حماة، التي كانت تحت سيطرة نظام المجرم بشار الأسد، إلى قريتي في ريف إدلب الجنوبي. كانت الحافلة تقلّ عددًا من أبناء القرية، ولم أكن وحدي. لم يُطلب من أي امرأة النزول، ولم يُجرِ العناصر حديثاً معنا، بل اقتصر الحديث على الرجال.
وتضيف: رغم ذلك، لاحقتني الشائعات، وتعرض والدي لكثير من الكلام الجارح، إذ بدأ الناس يلومونه لأنه سمح لي بالسفر لإكمال دراستي الجامعية في حماة. مرت نحو عشر سنوات على الحادثة، وما زال البعض يتحدث عنها، رغم أنني لم أُعتقل، ولم يُحقق معي، ولم أغادر الحافلة أصلاً"
وتابعت: "في إحدى المرات، كنت برفقة والدتي في زيارة إلى منزل أحد الأقارب. كانت الغرفة مكتظة بأشخاص أعرف بعضهم، وآخرين لا أعرفهم. فجأة، قالت لي إحدى الحاضرات أمام الجميع: (مو أنت اللي نزّلوكي العساكر على الحاجز؟) شعرت والدتي حينها بإحراج شديد، فغادرنا المكان فوراً".
التعليقات الجارحة بعد الخروج من السجن
تضيف إحدى الناجيات: "بعد خروجي من السجن، تفاجأت بكمّ التعليقات غير اللائقة التي كنت أسمعها من الناس، دون أي مراعاة لتأثير الكلام على من مرّ بتجربة قاسية. ما معنى أن يسأل أحدهم فتاة: هل حصل معك شيء؟ ثم يعلّق على إجاباتها بالتشكيك أو الاستغراب، وكأن الألم بحاجة لإثبات حتى يُصدق. لم أتعرض للاغتصاب، لكن نظرات الناس وأسئلتهم كانت كفيلة بأن تجعلني أشعر وكأني أُدان لمجرد أنني اعتُقلت."
دور الإعلام والمجتمع في التصحيح
لمواجهة هذا الظلم المجتمعي، يبرز دور الإعلام المسؤول في تفكيك الصورة النمطية المرتبطة بالمعتقلات، وتسليط الضوء على تجاربهن بكرامة واحترام. كما تُعد حملات التوعية المجتمعية والدعم النفسي للناجيات خطوات ضرورية، إلى جانب سنّ قوانين تجرّم التشهير وتحمي النساء من الوصمة الاجتماعية. إتاحة المجال للناجيات لرواية قصصهن بأمان قد يكون بداية تغيير حقيقي في نظرة المجتمع.
نحو مجتمع أكثر عدالة
يبقى التحدي الأكبر ليس في خروج النساء من المعتقل، بل في خروجهن من دائرة الشك والوصمة المجتمعية. فاستعادة الكرامة لا تكتمل إلا حين يتوقف المجتمع عن معاقبتهن مرتين: مرة على ما تعرضن له، ومرة على ما لم يفعلن. إن منح الناجيات مساحة آمنة للبوح، ومساندتهن بدل التشكيك بهن، هو الخطوة الأولى نحو عدالة اجتماعية طال انتظارها.
يُعتقد أن السجن هو أشد ما يمكن أن يواجهه الإنسان، لكن العديد من المعتقلين السابقين يكتشفون أن الخروج منه ليس نهاية الألم، بل بدايته. فالمعاناة لا تقتصر على جدران الزنزانة، بل تمتد لتغطي تفاصيل الحياة بعد استعادة الحرية.
قصة محمد: التغيير الذي لا يُحتمل
تجسد قصة محمد هذه الحقيقة المؤلمة. بعد ثلاث سنوات من الاعتقال والتعذيب الجسدي والنفسي، خرج من السجن ليجد نفسه محملاً بندوب لا تندمل بسهولة. كان يظن أن لحظة الخروج ستنهي معاناته، لكنه اكتشف أن العالم الذي تركه قد تغير بشكل جذري. فقد شقيقين خلال غيابه، وتحولت قريته إلى ساحة حرب. أصدقاؤه الذين شاركوه الحلم سقطوا شهداء، والوطن الذي كان يعرفه لم يعد كما كان. لا أمان، ولا عمل، ولا انتماء.
على الرغم من كل ذلك، لم يسمح محمد لليأس أن يسيطر عليه. قرر العودة إلى الأرض، حمل المعول، وبدأ من جديد. زواجه وإنجابه كانا نقطة تحوّل، لم يكن هروبًا من الواقع، بل مسؤولية جديدة منحته سببًا للتمسك بالحياة. أصبح يقاوم من أجل أبنائه، كي لا يعيشوا ما عاشه هو.
قصة قصي: من الألم إلى الأمل
أما قصي، الشاب الذي مر بتجربة اعتقال قاسية، فقد ذاق أنواعًا من التعذيب والترهيب، وخرج من السجن محملاً بجراح داخلية لا تُرى، لكنها لم تكسره. وجد نفسه أمام خيارين: أن يبقى أسير الذكريات، أو أن يبدأ حياة جديدة. فاختار الطريق الأصعب. التحق بدورات تدريبية، تعلّم مهارات جديدة، وبدأ العمل مع منظمات إنسانية. أعاد بناء نفسه، وبنى أسرة، وحوّل ألمه إلى طاقة تدفعه لخدمة الآخرين، ليصبح نموذجًا لقوة الإنسان على النهوض.
فاطمة: تحدّي المجتمع والظروف
وفي زاوية أخرى من هذا المشهد، تبرز قصة فاطمة، التي اعتُقلت لشهرين فقط أثناء مرورها بمناطق سيطرة النظام. ورغم ما عانته من عبء النظرة المجتمعية كامرأة معتقلة، رفضت أسرتها السماح لها بالانكسار، فاحتضنتها ودعمتها. وعندما فُتحت الجامعات في شمال غربي سوريا، التحقت بأحدها، وعملت في التعليم والتدريب، وتزوجت، وأنجبت ثلاثة أبناء. فاطمة تمثل المثال الحي على أن الدعم الأسري والمجتمعي قادر على صناعة الفارق في حياة الأفراد.
ما بعد الألم: الإرادة طريق النجاة
تُظهر هذه القصص، مثل العديد من الحكايات التي لا تصل إلى الأضواء، أن من يخرج من المعتقل لا يحتاج فقط إلى التهاني، بل إلى دعم نفسي، واحتواء اجتماعي، وفرص حياة كريمة. فآثار الاعتقال لا تختفي بمجرد الخروج من السجن؛ بل تحتاج إلى وقت وعناية لتتعافى النفس ويستعيد الإنسان توازنه.
إعادة بناء الثقة بالنفس وإحياء الأمل لا تكون مسؤولية الفرد فقط، بل هي مسؤولية المجتمع ككل. فحين يجد المعتقلون السابقون من يعينهم على النهوض، ويشجعهم على المضي قدمًا، تتحقق عملية التعافي بشكل أسرع وأكثر فاعلية. المجتمع الذي يقف إلى جانب ضحاياه لا يُعيد بناء أفراده فقط، بل يُعيد بناء ذاته أيضًا. لذا، فإن الاستثمار في دعم هؤلاء الأفراد ليس فقط في مصلحتهم الشخصية، بل في مصلحة المجتمع ككل، حيث يُسهم في إعادة بناء النسيج الاجتماعي وتعزيز التماسك المجتمعي.
الاحتضان المجتمعي: خطوة نحو إعادة الدمج
الاحتضان المجتمعي هو الخطوة الأولى نحو إعادة دمج الأفراد في المجتمع، وقد ثبت نجاحه في العديد من الحالات. من نجا من السجن ثم واجه الحياة مجددًا لا يُنظر إليه كضحية فقط، بل كصاحب تجربة نادرة، وإرادة حياة، وحق في العدالة.
عندما سقط الجلّاد: حلم العدالة الذي لم يتحقق بعد
وفي اللحظة التي سقط فيها الجلاد، بكى العديد من الناجين من الاعتقال. بكوا لأنهم شعروا أن شيئًا من كرامتهم قد عاد إليهم، لكن حلمهم بالعدالة لم يتحقق بعد. فالحريّة بلا محاسبة ناقصة، والانتصار بلا عدالة هو انتصار مؤقت.
أعلنت نقابة الصاغة في دمشق عن بدء تنفيذ جولات ميدانية على محال صياغة الذهب اعتبارًا من 10 أيار 2025، بهدف ضبط ومراقبة عيارات الذهب المتداولة والتأكد من مصادره.
وتأتي هذه الخطوة ضمن إطار الجهود الرامية لضمان جودة المنتجات وحماية المستهلكين، وأكدت النقابة أن الجولات ستتم تحت إشراف أعضاء رسميين معتمدين، يحملون مهمات موقعة أصولًا.
ودعت نقابة الصاغة في دمشق أصحاب المحال إلى التعاون مع اللجنة المختصة وتسهيل مهامها بما يخدم مصلحة السوق والمستهلك.
ويستهدف هذا الإجراء ضمان استقرار سوق الذهب في دمشق وتعزيز الشفافية في التعاملات التجارية.
وشهدت أسواق الذهب في سوريا حالة من الركود اللافت، في ظل ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، ما تسبب بانخفاض الطلب حتى في ذروة المواسم الاجتماعية كالأعراس، التي لطالما شكلت رافعة لحركة البيع في محال الصاغة.
وقال أحد أصحاب محلات الذهب في درعا إن حركة البيع بدأت بالتراجع تدريجياً منذ نحو شهر، تزامناً مع صعود الأسعار إلى مستويات قياسية.
مضيفاً أن الانكماش في الطلب خلال موسم الأعراس "مؤشر سيئ"، بالنظر إلى أن هذه المناسبات كانت تشكل الدافع الأكبر لشراء الذهب، سواء للزينة أو الادخار.
وأشار التاجر إلى تراجع كبير في حجم المشتريات المرتبطة بالزواج، حيث بات الخاتم البسيط بوزن 4 غرامات يحل مكان طقوس شراء أطقم كاملة كانت تتجاوز 20 غراماً سابقاً. كما اقتصر الادخار بالذهب على فئة محدودة ممن يمتلكون فائضاً مالياً.
وسجل سعر غرام الذهب عيار 21 يوم الثلاثاء مليوناً و154 ألف ليرة للمبيع، و1,140,000 ليرة للشراء، في حين بلغ غرام 18 عيار 990 ألف ليرة للمبيع و970 ألفاً للشراء.
أما ليرة الذهب السورية والإنكليزية (8 غرامات عيار 21) فبلغ سعرها مع أجرة الصياغة 9.5 ملايين ليرة سورية.
وعزا أصحاب محال الصاغة الارتفاع إلى صعود الذهب عالمياً، حيث كسرت أونصة الذهب حاجز 3338 دولاراً، مقارنة بـ2860 دولاراً مطلع آذار الماضي، حين انخفض سعر غرام الذهب عيار 21 في سوريا إلى 795 ألف ليرة.
انعكست هذه الأسعار على طقوس الزواج، إذ أشار المحامي "زكريا الهلال" إلى أن الذهب "بدأ يختفي من مراسم الخطوبة والعرس"، ليعود مجدداً ولكن من بوابة "مؤخر الصداق"، حيث يُشترط دفعه بالذهب أو الليرات الذهبية، في محاولة لضمان حقوق الزوجة في ظل تقلبات الأسعار وارتفاع معدلات الطلاق، وهو ما بات شائعاً في عدة مناطق من المحافظة.
هذا و ظهرت دعوات مجتمعية لإلغاء الذهب مؤقتاً كشرط للزواج، معتبرين أن العبء المالي المترتب على تقديمه صار يفوق قدرة الغالبية، وسط أزمة اقتصادية متفاقمة لا توفر مساحات للادخار أو حتى الترف البسيط.
وبالمقابل كانت أسعار الذهب العالمية قد سجلت تراجعات مستمرة على خلفية تراجع وتيرة التوترات العالمية وتعزيز الدولار من مكاسبه العالمية.
في ظل تقلبات الأسواق وتراجع العملة، يؤكد عضو نقابة الصاغة محمد أمين السيد أن الذهب يبقى الخيار الأوثق لحماية المدّخرات ودعم الاقتصاد الوطني.
وتعافى الاحتياطي السوري تدريجياً من 15 طناً في 2014 إلى 26 طناً في 2024، وتسجل أسعار الذهب أرقاماً قياسية مع اقتراب الأونصة من 3500 دولار والليرة الذهبية تتخطى 40 مليون ليرة.
ويذكر أن المدّخرون يفضلون الذهب على العقارات والسيارات، بينما توقف عدد من الصاغة عن البيع بسبب الإقبال الكبير، وكان أحد الخبير "شفيق عربش" أن الذهب يبقى سيد التحوّط وقت الأزمات، لكن الشراء العشوائي يهدد بالخسائر.
تراجع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار اليوم السبت في تعاملات السوق الموازية، بينما استقر السعر في التعاملات الرسمية وفقاً لما أعلنه مصرف سوريا المركزي.
وفي دمشق وحلب وإدلب، تراجع سعر الصرف عند الشراء إلى 12,000 ليرة من 11,900 ليرة، في حين انخفض السعر عند البيع إلى 12,100 ليرة من 12,000 ليرة.
وفي الحسكة، استقر سعر الصرف عند 12,250 ليرة للشراء و12,350 ليرة للبيع من ناحية أخرى، يواصل مصرف سوريا المركزي تثبيت سعر صرف الليرة في التعاملات الرسمية عند 12,000 ليرة للشراء و12,120 ليرة للبيع.
على صعيد العوامل المؤثرة على سعر صرف الليرة، أعرب وزير المالية السوري عن شكره للحكومة القطرية على المنحة المقدمة التي تسهم في تسديد جزء من فاتورة الأجور والرواتب، والتي تبلغ 29 مليون دولار شهرياً لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد.
كما أُعلنت تسوية متأخرات سوريا لدى البنك الدولي، والبالغة نحو 15 مليون دولار، من قبل السعودية وقطر إضافة إلى ذلك، علقت الولايات المتحدة العقوبات على سوريا مؤقتاً، مما سمح بالتعامل مع مؤسسات الحكومة ومعاملات الطاقة، بما في ذلك تحويل الأموال الشخصية إلى البلد.
وفي خطوة أخرى، أزالت بريطانيا 24 كيانا سوريا من قائمة العقوبات، بما في ذلك البنك المركزي، مما أتاح عمليات تجارية ومصرفية أكثر مرونة.
بالمقابل زار وزير الاقتصاد والصناعة السوري، نضال الشعار، محافظة إدلب شمال غربي سوريا على رأس وفد حكومي رسمي، بهدف بحث سبل تعزيز التنمية الاقتصادية وبيئة الاستثمار في المنطقة.
وقد التقى الشعار بمحافظ إدلب، محمد عبد الرحمن، حيث تم مناقشة عدد من المشاريع الاستراتيجية لدعم القطاعين الصناعي والتجاري.
من أبرز المشاريع التي تم بحثها إنشاء مدينة صناعية جديدة في المنطقة الشرقية من إدلب، إضافة إلى إعادة تأهيل المعامل المتضررة، وتوسعة مدينة "باب الهوى" الصناعية، وإحداث منطقة حرة في شمال المحافظة.
كما شملت الزيارة جولة ميدانية في غرفة تجارة إدلب، حيث تم التركيز على سبل تطوير العمل الاقتصادي في المنطقة، بالإضافة إلى زيارة مطحنة إدلب، حيث أكد الوزير التزام الحكومة السورية بدعم قطاع الخبز وتعزيز قدراته التشغيلية.
واختتم الوفد زيارته بتفقد معمل الغزل في إدلب، حيث تم وضع خطة أولية لإعادة تشغيل المعمل ضمن إطار مشاريع النهوض بالقطاع الصناعي في المنطقة.
من جهة أخرى، شهدت التجارة الأردنية مع الدول العربية ارتفاعًا ملحوظًا، حيث سجلت صادرات الأردن إلى سوريا قفزة كبيرة بنسبة 483% في أول شهرين من عام 2025، لتصل إلى نحو 35 مليون دينار. هذا النمو الاستثنائي يعكس تحسنًا كبيرًا في العلاقات التجارية بين الأردن وسوريا.
وفيما تصدرت المملكة العربية السعودية قائمة أكبر الشركاء التجاريين للأردن، جاءت سوريا في المرتبة الثالثة، ما يعكس تعزيز التعاون التجاري بين البلدين بعد فترة من التحديات.
على صعيد آخر، بدأت الشركات التركية بالعودة إلى السوق السورية بعد انقطاع دام 14 عامًا، وذلك من خلال مشاركتها في المعارض التخصصية التي تُقام في سوريا. هذه العودة تعكس رغبة قوية من الشركات التركية في الانخراط في مشاريع إعادة الإعمار، خاصة في قطاع الكهرباء.
في هذا السياق، أكد محمد جميل أوستك، مدير التجارة الخارجية في شركة "Trans El" التركية، أن شركته تساهم في إعادة ترميم شبكات الكهرباء السورية وتوفير حلول فعالة للبنية التحتية للطاقة في البلاد.
وأوضح أوستك أن موقع شركته في ولاية شانلي أورفة التركية، القريب من الحدود السورية، يسهل عملية النقل والإمداد، مما يساعد في توفير منتجات عالية الجودة بأسعار تنافسية.
كما دعا أوستك إلى تسريع عمليات النقل بين البلدين وتحسين المعابر البرية، مشددًا على ضرورة تفعيل الغرف التجارية المشتركة بين سوريا وتركيا لتسهيل التعاون بين البلدين في مشاريع إعادة الإعمار.
هذا وتظهر هذه التطورات الاقتصادية الملموسة التوجهات الإيجابية في العلاقات الاقتصادية بين سوريا وعدد من جيرانها، وتؤكد على فرص جديدة لتعزيز التعاون التجاري والاستثماري في المنطقة.
يذكر أن الليرة السورية فقدت أكثر من 315% من قيمتها خلال عام 2023، مما أثر سلبًا على الاقتصاد السوري، وسط دعوات لتقليص الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء، في ظل التحديات الاقتصادية الحالية.
يشار أن خلال الفترة الماضية أصدرت القيادة السورية الجديدة قرارات عدة لصالح الاقتصاد السوري، أبرزها السماح بتداول العملات الأجنبية، والدولار في التعاملات التجارية والبيع والشراء، وحتى الأمس القريب، وكان النظام البائد يجرّم التعامل بغير الليرة ويفرض غرامات وعقوبات قاسية تصل إلى السجن سبع سنوات.
في إحدى اللحظات التي لا تُنسى، ظهر زوجان مسنّان من داريا في لقاء تلفزيوني مع قناة الجزيرة، يرويان بحرقة واحدة من أبشع مآسي الحرب السورية. فقدا عشرة من أبنائهما دفعة واحدة في الحرب التي هزّت بلادهم. على شاشة التلفزيون، ظهرت الأم بعيون دامعة وصوت متهدّج، بينما تحكي عن ابنها "أحمد"، الذي كان عريساً جديداً لم يمضِ على زواجه سوى 15 يوماً، عندما تم اعتقاله وقتله أمام ناظريها.
قصتهما ليست حالة فردية، بل هي مرآة لمئات الآلاف من القصص التي عاشها السوريون خلال سنوات الحرب. فكلما استمعنا إلى هذه الشهادات المؤلمة، كلما بدأنا نرى مدى عمق الفقد الذي لا يمكن وصفه، ذلك الفقد الذي يبتلع الأمهات والآباء في موجة من الحزن والدمار لا يمكنهم الهروب منها.
تسبّب نظام بشار الأسد في خلق مئات الآلاف من القصص المشابهة، في معظم المحافظات السورية، حتى بات الفقد طقساً مألوفاً في كل بيت. لم تسلم عائلة من وجع الخسارة، وامتلأت الذاكرة السورية بمشاهد مؤلمة من وداعات مفاجئة ومقابر جماعية ومنازل خالية من أصحابها.
عائلات بأكملها فقدت أبناءها بسبب القصف، أو الاعتقال، أو الإخفاء القسري، أو التعذيب داخل المعتقلات. هذه الانتهاكات، التي ارتُكبت بحق المدنيين، لم تكن مجرد أحداث عابرة، بل تحوّلت إلى جزء من التاريخ الشخصي والجمعي لشعب لم يعرف الأمان لسنوات.
وفي إدلب، لم تكن الحاجة أم عبدو استثناءً. فقد خسرت ستة من أبنائها في مراحل مختلفة من الحرب. كان الأول قد قُنص في الأيام الأولى لدخول قوات النظام إلى المدينة، ليُحمل جثمانه إلى المنزل جثة هامدة.
وبعد ذلك، استُشهد اثنان آخران أثناء معركة تحرير مدينة حارم، فدفنتهما في مقبرة معرة مصرين. أما الرابع، فقد شارك في معركة تحرير إدلب، لكنه قُتل ولم تتمكن من رؤية جثته أو توديعه أو حتى دفنه. ورغم هذا الكمّ من الفقد، أصرّ ابناها المتبقيان على مواصلة القتال، فلحقا بإخوتهما، واحداً تلو الآخر.
وكم شاهدنا من أمهات وآباء يعانقون جثامين أبنائهم الذين ارتقوا تحت قصف النظام السوري، حتى بات هذا المشهد المؤلم يتكرّر في تفاصيل حياتنا اليومية؛ على منصات التواصل الاجتماعي، وفي أروقة الواقع السوري، من إدلب إلى حماة، مروراً بحلب ومناطق أخرى مزّقتها الحرب. صور الحزن صارت مألوفة، والألم أصبح جزءاً من الذاكرة الجمعية.
وفي ريف إدلب، كانت "أم عمر" مثالاً آخر على هذه الفاجعة المتكررة. فقدت اثنين من أبنائها؛ أولهما كان من بين الشباب الذين حملوا السلاح ضمن الفصائل المعارضة بعد أن ضاقت بهم انتهاكات الأسد، والثاني اعتُقل في بدايات الثورة، ولم تعرف مصيره إلا بعد سنوات، حين عثرت العائلة على اسمه ضمن قوائم المتوفّين في المعتقلات بعد تحرير المنطقة.
أما "أم محمد" من ريف حماة، فقد خسرت ثلاثة من أبنائها. الابن الأكبر قُتل عام 2016 أثناء مشاركته في معركة ضد قوات النظام. أما ابنها الآخر، فاستُشهد في أواخر نيسان عام 2019 إثر قصف عنيف خلال الحملة العسكرية على ريفي إدلب وحماة. وفي عام 2021، فقدت ابنتها بانفجار لغم أرضي أثناء عودتها من مدينة حماة إلى قريتهم.
قصة الزوجين المسنين اللذين فقدا عشرة من أبنائهما تجسد فقط جزءًا من المأساة التي يعيشها ملايين السوريين الذين فقدوا أبناءهم في الحرب. قصصهم، التي انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي، أصبحت شهادات حية على الألم الذي عايشه السوريون. من قصف وغارات، إلى اعتقالات وقتل عشوائي، الحرب السورية تركت عائلات بأكملها في حالة من التشتت والفقد، ولم تترك لهم سوى الذكريات المدمرة والصور التي تُعبر عن حزنهم العميق.