
أم محمد… سيدة سورية تعيش وجع الفقد وظروف الفقر في ذاكرة مجزرة التضامن
تروي قصة "أم محمد"، السيدة السورية المنحدرة من دير الزور، جانباً مؤلماً من معاناة آلاف السوريات اللواتي فقدن أزواجهن خلال سنوات الحرب، ووجدن أنفسهن وحيدات يواجهن أعباء الحياة وقسوتها، فالحرب خطفت منها زوجها وبدّلت حياتها بالكامل، لتصبح الغصة والحزن جزءاً من يومها، لا يفارقها أينما ذهبت.
منذ أن اقتحمت قوات النظام البائد منزلها واعتقلت زوجها، لم تره أم محمد مجدداً، حتى تعرّفت عليه لاحقاً في مقطع مصوّر يوثّق "مجزرة التضامن"، ظهر فيه الضابط أمجد يوسف وهو يُعدم المدنيين بدمٍ بارد. تقول إنها لم تستطع نسيان ملامح زوجها في الفيديو، ولا لحظة سقوطه بين الضحايا.
كانت أم محمد حاملاً في شهرها الثامن عندما اعتُقل زوجها. وبعد ولادة ابنها محمد، حاول المحيطون بها إخفاء الحقيقة عنه، لكن الصبي اكتشف بنفسه المشهد القاسي حين شاهد المقطع المصوّر المنتشر على مواقع التواصل، فعرف أن والده كان بين الذين أُعدموا، ودخل بعدها في صدمة شديدة استدعت نقله إلى المستشفى.
منذ ذلك الوقت، تحرص أم محمد على زيارة مكان المجزرة باستمرار، المكان الذي دُفن فيه زوجها بين الضحايا. تجلس هناك مع ابنها وتقول له بهدوء: "هنا دُفن والدك"، محاولة أن تزرع في قلبه شيئاً من الصبر على الفقد.
تعيش أم محمد اليوم في مبنى مهجور لا تتوافر فيه أبسط مقومات الحياة؛ بلا كهرباء ولا ماء، تحت وطأة فقر مدقع وضيق حال. تروي أنها في بعض الليالي تفكر بأنها لم تعد قادرة على الاحتمال، وأنها كانت على وشك إحراق نفسها وابنها من شدة اليأس، قبل أن تعود لتتشبث بالأمل. كل ما تتمناه اليوم هو أن تُستخرج جثث الضحايا من الحفرة الجماعية، وتُعاد دفنها في قبور تحمل أسماء أصحابها، لتجد مكاناً واضحاً تزور فيه زوجها وتترحّم عليه.
مجزرة حي التضامن، التي وقعت في نيسان/أبريل 2013، تُعد من أبشع الجرائم الموثقة في سوريا. إذ نفذت عناصر من شعبة المخابرات العسكرية (الفرع 227) عملية إعدام جماعي بحق ما لا يقل عن 41 مدنياً من سكان الحي، رمياً بالرصاص، قبل أن تُلقى جثثهم في حفرة ويُشعل فيها النار.
وفي عام 2022، ظهرت لقطات مصوّرة مسرّبة توثّق الجريمة بالكامل، ما أحدث صدمة واسعة وأعاد تسليط الضوء على واحدة من أبشع الجرائم في تاريخ سوريا الحديث، وأثار مطالبات حقوقية ودولية بمحاسبة المسؤولين عنها.
قصة أم محمد ليست سوى نموذج واحد من حكايات لا تنتهي لنساء فقدن أزواجهن في الحرب، وما زلن ينتظرن العدالة، بين ذاكرة الفقد وضيق العيش وأملٍ لا ينطفئ في أن تُفتح القبور وتُقال الحقيقة.