حملات التشجير في سوريا... غرسٌ للحياة بعد سنين الحرب
حملات التشجير في سوريا... غرسٌ للحياة بعد سنين الحرب
● أخبار سورية ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٥

حملات التشجير في سوريا... غرسٌ للحياة بعد سنين الحرب

تشهد عدة مناطق سورية تحركاً بيئياً واسعاً يتمثل في حملات تشجير وطنية ومجتمعية تهدف إلى إحياء الغطاء النباتي الذي انهار تحت وطأة الحرب والحرائق لعقود، حيث تسعى هذه المبادرات، الممتدة عبر المحافظات، إلى ترميم ما دمّرته سنوات القصف والإهمال، ضمن رؤية وطنية لإعادة التوازن البيئي واستعادة التنوع الحيوي.

خسائر بيئية غير مسبوقة منذ عام 2011
شهدت سوريا منذ اندلاع الثورة في عام 2011 تراجعاً بيئياً يُعد الأكبر في تاريخها المعاصر، حيث تسببت المعارك والحرائق المتعمدة أو الناتجة عن الإهمال في فقدان مئات آلاف الهكتارات من الغابات والمزارع. كما ساهم الجفاف وقطع الأشجار العشوائي في اختفاء مساحات خضراء واسعة، خاصة في مناطق الساحل والجزيرة والسهول الداخلية، مما أخلّ باستقرار التربة والمناخ المحلي.

أولوية وطنية لإعادة التشجير
قدّر خبراء البيئة أن نحو 60% من الغابات السورية تضررت خلال سنوات الحرب، مما جعل من التشجير أولوية وطنية قصوى، لا تقتصر على إعادة الزراعة فحسب، بل تتعداها إلى ترسيخ رمزية الاستمرارية والحياة في وجه الدمار.

تشكل حملات التشجير مثالاً واضحاً على انخراط المجتمع المحلي في حماية بيئته، حيث يتعاون المواطنون والطلاب والبلديات ومنظمات المجتمع المدني على استعادة الخُضرة إلى الجبال والحقول، في تحرك يدمج التنمية البيئية بالوعي الجماعي.

تحولت حملات التشجير من نشاط موسمي محدود إلى حركة مستدامة، شعارها "البيئة مسؤولية الجميع"، بمشاركة الوزارات والنقابات والجمعيات التطوعية، مما أسّس لثقافة بيئية متجددة في المجتمع السوري.

تُسهم الأشجار المزروعة في تثبيت التربة والحد من الانجراف، كما تلعب دوراً في خفض درجات الحرارة، وتقليل الانبعاثات الضارة، وتحسين جودة الهواء، وهو ما يشكّل جدار حماية بيئي في مواجهة التغير المناخي، خاصة في المناطق التي شهدت حرائق أو قصفاً ممنهجاً.

وتعيد حملات التشجير الحياة إلى الاقتصاد الريفي عبر توفير فرص عمل في مجالات الزراعة والعناية بالغراس، ومن شأنها أن تسهم في دعم الأمن الغذائي المحلي واستقرار المجتمعات المتضررة، ما يجعل من الغرس فعلاً بيئياً وإنسانياً واقتصادياً في آنٍ معاً.

تُنفذ حملات التشجير بالتعاون بين وزارات عدة، إلى جانب البلديات ومديريات الحراج ومنظمات المجتمع المدني، تحت إشراف فرق هندسية متخصصة تضمن توافق نوع الغراس مع طبيعة الأرض والمناخ لضمان استدامة النتائج.

لا تُمثل هذه الحملات مجرد استجابة بيئية، بل تحمل بُعداً رمزياً عميقاً، إذ تعبّر كل غرسة تُزرع عن عودة الحياة إلى أرض أنهكتها الحرب، وتحمل رسالة أمل بأن البيئة، كما الإنسان، قادرة على التعافي، وأن التعاون بين الدولة والمجتمع كفيل بتحويل رماد الحرب إلى خُضرة متجددة.

وتُجسد هذه الجهود ملامح الدولة السورية الجديدة التي يسعى السوريون إلى بنائها؛ دولة تقوم على الشراكة والمسؤولية، وتحترم البيئة كما تحترم الإنسان، حيث تعود الغابات يوماً لتكون شاهدة على صمود الأرض وخصوبتها.

الكاتب: إيمان زرزور
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ