السوريون يعودون إلى قراهم بعد سقوط الأسد: الغربة تودّع والمنازل تُرمَّم
السوريون يعودون إلى قراهم بعد سقوط الأسد: الغربة تودّع والمنازل تُرمَّم
● أخبار سورية ٣١ مايو ٢٠٢٥

السوريون يعودون إلى قراهم بعد سقوط الأسد: الغربة تودّع والمنازل تُرمَّم

انتشرَ في الساعات الماضية مقطع مصوّر على منصات التواصل الاجتماعي يُظهر مئات السوريين مصطفين عند معبر الراعي الحدودي مع تركيا، يترقّبون لحظة العبور نحو الوطن. الوجوه متلهفة، النظرات مشبعة بالشوق، والأقدام تستعد لملامسة أرض هجروها قسراً. ما إن أعلن عن سقوط المجرم بشار الأسد، حتى تحوّل الحلم الذي سكن قلوب الملايين لعقد من الزمن إلى واقع قيد التشكل، معلناً بداية موجة عودة إلى المدن والقرى التي صارت، رغم الدمار، عنواناً للحياة القادمة.

في هذا المشهد المؤثر تتجلى حكايات لا تُعد ولا تُحصى. المغتربون الذين قضوا سنوات طويلة في الغربة، بين تركيا ولبنان وألمانيا وغيرها من الدول التي لجأ إليها السوريون هرباً من الموت. وبدأوا يتحركون من أماكنهم، كلٌّ بحسب قدرته، استعداداً للعودة. بعضهم اختار العودة الفورية، وآخرون استبقوا أهلهم بتفقد البيوت، وغيرهم بدأ بإعادة بناء منازلهم وتحضير سبل العيش. لكلٍّ قصة، ولكل عودة ثمنها وتفاصيلها.

الشاب عبد الله، الذي يعمل في أورفا التركية، كان لسنوات يضغط على نفسه في العمل، ساعات طويلة وأيام دون راحة، كل ذلك من أجل حلم واحد: أن يجمع مبلغاً من المال يساعده على العودة إلى قريته وافتتاح ورشة صغيرة هناك. يقول وهو يهم بتوضيب أغراضه: "أريد أن أعود لقريتي. سأعيش فيها وأستثمر مالي هناك، تعبت من الغربة".

وفي ريف حماة، تنتظر أم محمود بيتها الذي بدأ أخوها بإصلاحه بعد أن أرسلت له كل ما تملكه من مكان إقامتها في مدينة غازي عنتاب: ذهبها. حوالي 40 غراماً جمعتها خلال خمس سنوات من العمل الشاق في إحدى المزارع مع زوجها. تُعلق: "لحسن حظنا السقف ما يزال موجود. يحتاج لشبابيك وأبواب وتركيب مجلى ورفوف في المطبخ. لا يوجد كهرباء في القرية بعد، نحتاج بطارية وألواح طاقة شمسية". هذه السيدة، مثل كثيرات مثلها، لا تملك إلا الأمل وبعض الحيلة.

في ألمانيا، اتخذ أحمد إسماعيل قراراً مختلفاً. لم يعد بعد، لكنه أرسل مالاً واشترى أرضاً في قريته. بدأ التخطيط لبناء منزل ومحل تجاري صغير، وقال إنه يفضل البقاء مؤقتاً في ألمانيا حتى يتمكن من تجهيز مشروعه وضمان استقرار طويل الأمد. بالنسبة له، العودة لا تعني فقط الإقامة، بل الحضور بقوة والاستثمار في المستقبل.

أما أم مصطفى، اللاجئة السابقة في لبنان، فقد أرسلت ابنها البكر ليتفقد المنزل في ريف إدلب، وبعد أن تبيّن أن إصلاحه ممكن، عادوا جميعاً. أول ما فعلوه بعد الاستقرار هو شراء بقرة، كما كانت تفعل قبل النزوح. بدأت من جديد في بيع الحليب وتربية العجول الصغيرة، على أمل أن تكبر وتصبح مصدر دخل مستقر، وتقول: "رجعت أعيش مثل ما كنت، لكن قلبي مرتاح أكتر هالمرة، لا يوجد خوف".

عمار البيوش، الذي أقام في كرمان قونيا التركية لعشر سنوات، ما إن سمع بخبر سقوط النظام حتى اتخذ قراره. أرسل المال لأشقائه وبدؤوا ببناء منزل جديد له في القرية. يقول بنبرة متفائلة: "الآن الشخص تنفتح نفسه على الحياة، ويشعر أن هناك مستقبل".

العودة إلى سوريا بعد سنوات من اللجوء والنزوح ليست مجرد تحرّك من مكان إلى آخر. إنها قرار كبير مليء بالمخاطر والطموحات، ومحفوف بالتحديات والآمال. تختلف ظروف الناس، وتتفاوت تجهيزاتهم، لكن ما يجمعهم جميعاً هو التطلع لمستقبل جديد في أرضهم. بعضهم يبدأ من منزل مهدّم، وآخر من بقرة أو دكان صغير، لكن الجامع الأكبر بينهم هو الإيمان بأن الحياة يمكن أن تُبنى من جديد، حين يُرفع الظلم ويعود الأمل.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ