مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٧ فبراير ٢٠١٨
تحرير الشام تُجيش ضد الزنكي ... نذر حرب وغياب لتحكم الشرع ..!؟

يلمس المتتبع لحسابات هيئة تحرير الشام سواء كانت الرسمية أو المناصرة أو حسابات الشرعيين، حجم التجييش الذي تمارسه هذه الحسابات ضد حركة نور الدين زنكي، على خلفية مقتل "أبو أيمن المصري" مسؤول التعليم في إدارة شؤون المهجرين، على يد عناصر تابعة للزنكي بريف حلب.

وتساهم هذه الحملات من التجييش بشكل كبير في تزيكة اشتعال النار أكثر فأكثر، في الوقت الذي يعيبون على غيرهم من خصوصهم الدفاع عن أنفسهم أو مواجهة هذه الحرب "الشيطانية" بحرب مقابلة ومماثلة ولو أنها لم تصل لدرجتها في التجييش فهو بالتأكيد حلال لهم وحرام على غيرهم ..!؟

في كل "بغي" تمارسه تحرير الشام على فصيل ما، تبدأ الماكينة الإعلامية الكبيرة التابعة لها لشيطنة الطرف المقابل وخلق المبررات التي تسوغ لها البغي وتسيير الأرتال في المحرر ونبش الزلات والنزوات لخصومها، من خلال غرف إعلامية وقنوات ومواقع وحسابات وهمية جمة بأسماء متنوعة، مهمتها التجييش الإعلامي وتهيئة الجو للبغي في كل مرة، وإضفاء صورة الهيئة في موقع المدافع عن الأعراض الحريص على حقوق الناس وإنهاء الفساد كيف لا وهم شعب الله المختار.

استغلت في الحرب الإعلامية الشعارات البراقة والتستر بعباءة الدين في محاربة الخصوم، والعمل على إظهار الخير المطلق والحامي والناصر والمحرر والحق الكامل في فصيلهم الوقت الذي تعمم صورة الفساد والعمالة والارتزاق على غيرها من المكونات العسكرية، بهدف تشويه صورتها ودفع الحاضنة الشعبية للتخلي عنها ثم إنهاؤها والسيطرة على مقراتها وسلاحها والظهور أمام الشعب بأنها تحميهم وتدافع عنهم وتبعد الفساد الأكبر.

وفي كل حرب أو بغي تخوضه الهيئة ضد خصم جديد لها تكون دائرة الإنهاء قد أحاكت به، لابد من التذكير بماضي الهيئة المجيد وانها تخوض على ثغور المسلمين الحروب وتزود عنهم وأن الغدر جاءها من الخلف وطعن وغدر بها فكان لابد من التأديب.

ولعل دعوات الإصلاح والتحاكم للشرع التي لم تلق أذانا صاغية لدى هيئة تحرير الشام ليس في قضبة "المصري" فحسب بل في جل القضايا التي لاتزال عالقة في المحاكم ولدى اللجان التي شكلت لذلك بدءاً من أول بغي على أول فصيل في الجيش الحر وصولاً لسلاح الفرقة 13 وسلاح الأحرار والزنكي والعديد من الفصائل التي لاتزال حقوقها ضائعة بين محاكم لم تعرها الهيئة أي أهمية.

اقرأ المزيد
١٧ فبراير ٢٠١٨
"خليف الأسد" ... لم يبق نمراً إلا "سهيل" في جيش الأسد ..!؟

مع انتهاء العمليات العسكرية لقوات الأسد والميليشيات الإيرانية بريفي حماة وإدلب، بدأت صفحات إعلامية موالية للأسد بتداول أخبار انتقال نمرهم "سهيل الحسن" إلى الغوطة الشرقية، لتولي قيادة العمليات العسكري على جبهة إدارة المركبات بحرستا بعد عجز غالبية قادة النظام وكبار ضباطه في إحراز أي تقدم على حساب الفصائل هناك.

وسبق الحملة العسكرية على ريفي حماة وإدلب التي بدأت في أواخر كانون الأول 2017 أيضاَ الترويج لوصول "النمر سهيل" وقواته للمنطقة، كذلك روجت لذهابه إلى دير الزور وريف حلب وتدمر والساحل وريف حماة الشمالي ودرعا، قبل كل حملة تقوم بها قوات الأسد وكأن جيش النظام بات خالياً من أي قيادي غير "سهيل".

تصدير "سهيل الحسن" بنسخته الثالثة والميليشيات التابعة له والمعروفة باسم "قوات النمر" في كل عملية عسكرية تفشل في تحقيق قوات الأسد أي مكاسب فيها، ليغدو هو المنقذ وهو الشخص القادر على حسم الموقف، تظهر حالة الوهن الكبيرة التي وصل إليها جيش النظام، وعدم قدة قواته على المواجهة العسكرية حقيقة، بعد التفكك الكبير الذي طال جيش النظام طيلة سبع سنوات والخسائر الكبيرة التي أمني بها ويتكتم عنها، حتى بات عماد قوته واعتماده على الميليشيات المحلية والتي حظيت بتدريبات إيرانية لفترة.

قوات "سهيل الحسن" والتي لا يتعدى قوامها 500 مقاتل، باتت الأمل الأخير لنظام الأسد ليفرض فيها سيطرته على المناطق التي يعجز فيها جيشه النظامي المتهالك على التقدم، طبعاً بالإضافة للميليشيات الأخرى التي تساندها، وبالتالي فإن وجود هذه القوات في منطقة ما بات مصدر قوة للنظام، وغيابها يعني الانهيار حتماً، فهل يمكن أن يصل فيه النظام لهذه المرحلة من الوهن والضعف والعجز عن تحقيق أي تقدم رغم الترسانة العسكرية التي يملكها دون الاعتماد على ميليشيات النمر وكأن جيش الأسد لم يبق فيه نمراً إلا "سهيل".

حقيقة الأمر تظهر المعطيات الميدانية أن جيش النظام اليوم بات عاجزاٌ بشكل كبير على تحقيق أي نصر، دون الاعتماد على الميليشيات الإيرانية والمحلية والدعم الروسي جواً وبراً، وما تصدير قوات النمر إلا كواجهة إعلامية لا أكثر، فقواته التي لا تتعدى المئات والتي قتل منها الكثير في معارك عدة هي أيضاَ عاجزة عن تحقيق أي نصر إلا التعفيش، ولكن المقصود بانتقال قوات النمر في كل إعلان حقيقة هو انتقال القوة الإيرانية الروسية للتركيز على منطقة ما بعد أن تفرغ من منطقة أخرى كونها لا تستطيع توزيع كامل إمكانياتها العسكرية على جميع المناطق لتكلفتها الكبيرة ولعدة قدرتها على ذلك فعلياً.

ويتساءل متابع للتطورات الميدانية وما جرى من عقد اتفاقيات لتهدئة جبهات على حساب أخرى لتمكين النظام من الحسم العسكري على الأرض قبل فرض الحل السياسي، في حال أجبرت الميليشيات الإيرانية وروسيا على الخروج من سوريا أو وقف عملياتها لسبب ما، فمن سيساند النظام في عملياته أو بالأحرى كيف سيكون بمقدور النظام الانتشار بشكل كامل في غالبية المناطق التي باتت تحت سيطرته، كون قواته اليوم لا يمكنها الانتشار وضبط محافظة واحدة سواء كان بشرياً أو عسكرياً بمعدات وأليات، وبالتالي فإن "نمر الأسد" المتمثل بالدعم الإيراني الروسي لن يدوم له وستأتي المرحلة التي يفقد فيها هذه الأوراق التي تدعمه ولن يستطيع وقتها ضبط محافظة واحدة وستكون نهايته بعد أن ينفجر البالون الكبير المسمى "النمر" ويعود الأسد لحجمه الطبيعي.

تذكرنا قصة "نمر الأسد" بشخصية ربما تكون واقعية تدعى "خليف" تتداول في سوريا منذ عقود عن عنصر في جيش الأسد الأب يحدثه أحد رفاقه في حرب تشرين المزعومه قائلاً: إن جاءك العدو من الأمام ماذا تفعل يا خليف فأجاب أطخه، وكرر السؤال وإن جاءك من الخلف .. ومن اليمين ومن اليسار وكان جوابه واحداً "أطخه" حتى نفد صبر خليف وصرخ قائلاً " يلعن أبو هالجيش إلي ما فيه غير خليف"، ليغدوا "سهيل الحسن" بنسخته الثالثة هو "خليف الأسد الابن".

اقرأ المزيد
١٦ فبراير ٢٠١٨
أميركا ومواجهة إيران في سورية

كرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كما وزير الخارجية ريكس تيلرسون، في أكثر من مرة، ضرورة مواجهة إيران في سورية ومنعها من تحقيق حلمها في بناء القوس الشيعي الممتد من العراق إلى لبنان عبر سورية، والذي يخضع للسيطرة الإيرانية وميليشياتها خضوعاً مطلقاً وفي كل من هذه الدول الثلاث.

كما تحدث تيلرسون عن الخطر الإيراني في سورية وما يمثله من تهديد على وحدة سورية وقدرتها على إنجاز المرحلة الانتقالية، في شكل يضمن تعافيها وتطبيع علاقاتها مع كل دول الجوار، لكن الولايات المتحدة لم تشر إلى كيفية ضمان تحقيق ذلك على الأرض، هل سيتم دعم الجيش السوري الحر مالياً وعسكرياً بما يمكنه من تحقيق مهمته في محاربة الميليشيات الإيرانية في سورية، بعد أن كشف قادة للجيش الحر المدعوم من الولايات المتحدة خلال زيارة لهم إلى واشنطن، أن الولايات المتحدة نكثت بوعودها عن دعم قوات الجيش الحر الموجودة على الحدود السورية – العراقية التي كانت تقاتل الميليشيات العراقية وميليشيا «حزب الله»، لتمنع عبورها الحدود من العراق إلى سورية وطلبت منها التوقف بل الانسحاب؟!

في النهاية، تبدو المفاجأة الحقيقة في الخطاب الأميركي تتمثل في دعمه موقف تركيا في عمليتها العسكرية في الشمال السوري، والتي بدأت من عفرين، ومن المتوقع أن تستمر حتى منبج وربما إلى أبعد من ذلك.

وبذلك، تكون الولايات المتحدة قد تخلت عن قوات سورية الديموقراطية التي دعمتها للتخلص من «داعش» في سورية، لكنها، وكما أشار وزير الخارجية الأميركي، إلى أن هذه القوات يجب أن تعكس التنوع الإثني والعرقي في سورية إذا ما أرادت أن يكون لها دور في المرحلة الانتقالية في سورية، في إشارة إلى طغيان المكون الكردي على العربي في مناطق تطغى عليها الغالبية العربية، مثل الرقة ودير الزور وغيرهما من المناطق.

وهو ما يدعم بكل تأكيد الحجة التركية في القيام بعملية عسكرية ضد حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) الذي تعتبره تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني وتصنّفه منظمة إرهابية مثلها مثل الولايات المتحدة. لكن هذه الأخيرة لا ترى في PYD امتداداً طبيعياً لحزب العمال الكردستاني، لذلك لا تصنفه على هذا الأساس كمنظمة إرهابية، وقد شكل هذا الموضوع أساساً لتوتر العلاقات البينية بين الولايات المتحدة وتركيا إلى حدودها القصوى، في ظل تصاعد الاتهامات التركية وعلى لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن الولايات المتحدة تدعم تنظيمات إرهابية في سورية، والتعهد بإفشال المخططات الأميركية في سورية، وعلى رأسها ما أسمته الولايات المتحدة قوة الحدود المكونة من 30 ألف مقاتل عمادها الرئيس مكون من قوات سورية الديموقراطية، ما اضطر وزير الخارجية الأميركي الى التدخل شخصياً وتلطيف الأجواء، عبر القول أن هناك سوء فهم لتشكيل هذه القوات وطبيعة عملها. بل أكثر من ذلك، فقد صرح وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، بأن الولايات المتحدة تتفهم العملية العسكرية التركية في عفرين ودوافعها، مما نُظر إليه كضوء أخضر أميركي لاستمرار العملية العسكرية التركية، وتخلّ كامل من الولايات المتحدة عن الميليشيات الكردية التي مولتها ودعمتها في سورية للتخلص من «داعش».

ما يمكن قوله بالنهاية، إن سياسة الولايات المتحدة الأميركية الجديدة في سورية كما أعلنها الوزير تيلرسون، تبدو طموحة إلى أبعد الحدود، لكن من دون مساعدة البنتاغون على تنفيذ هذه الخطة والكونغرس لضمان الأموال الكافية لها، ستبقى مجرد كلمات ونوع من الوعود المعسولة التي أطلقها المسؤولون الأميركيون بحق سورية، لكنهم لم يستطيعوا تحويلها إلى حقيقة واقعة على الأرض، فيما يبدو أن السياسة الإيرانية والروسية أكثر تحقيقاً على الأرض من أي وقت مضى.

وفي الوقت نفسه، تتحفظ الولايات المتحدة على مشاركة إيران في محادثات أستانة ومشاركتها كمراقب في مؤتمر سوتشي الذي رفضت الولايات المتحدة حضوره، في ما يُعد رفضاً للدور الإيراني في سورية، ورغم ذلك مضت الأمم المتحدة في مشاركتها في المؤتمر الذي يبدو أن نتائجه العبثية بدأت تتجلى على الأرض السورية، فإنشاء اللجنة الدستورية تحت رعاية الأمم المتحدة ووفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، كما أشار دي مستورا الذي شارك في المؤتمر، وضع الأمر تحت إدارته الكلية، فهو المخول بتكوين هذه اللجنة من ممثلين للحكومة وممثلي المعارضة المشاركة في المحادثات السورية - السورية، وخبراء سوريين وممثلين للمجتمع المدني ومستقلين وقيادات قبلية ونساء كما أشار، كما ستضم تمثيلاً مناسباً للمكونات العرقية والدينية لسورية.

اليوم وبعد التصعيد الإسرائيلي في الأرض السورية واستباحة الطائرات الروسية والسورية إدلب والغوطة الشرقية، تبدو الحرب في سورية كأنها دخلت مرحلة جديدة من التصعيد الإقليمي يدفع ضحيتها الشعب السوري، فكما وصفها الأمين العام للأمم المتحدة فإن التصعيد العسكري الأخير يعد إحدى أعنف محطات هذا الصراع خلال ما يناهز السبع سنوات. ففي شهر شباط (فبراير) وحده، تحدثت التقارير عما يزيد عن ألف ضحية مدنية للقصف الجوي.

لذلك، يبدو الحل السياسي الذي تأمل الولايات المتحدة بالوصول إليه، أشبه بالسراب، وإذا كان المجتمع الدولي ما زال يعول على قرار مجلس الأمن الدولي ٢٢٥٤ بوصفه السبيل الأوحد لوقف العنف ووضع حد للمعاناة المأسوية للشعب السوري، فإن هذا القرار يبدو أنه ليس ذا قيمة اليوم مع أزيز الطائرات العسكرية التي تؤكد ما سبق أن جرى خلال الحرب اللبنانية، فكأن الحرب في سورية هي حروب الآخرين على الأرض السورية.

اقرأ المزيد
١٦ فبراير ٢٠١٨
الحرب في سوريا لم تنتهِ حتى يقال انتصر الأسد!

لم تنتهِ الحرب في سوريا بعد، لا بل بدأت «حروب ما بعد (داعش)»، وتظل سوريا تشكل حلقة وصل خطيرة لتداخل الصراعات الإقليمية فيها والقوى العظمى، على الرغم من هزيمة «داعش» في شرقها. والمواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل في سوريا، ليست سوى واحد من الاحتمالات التي من شأنها أن تغذي المرحلة المقبلة من الحرب الأهلية في سوريا.

فتحت تركيا صراعها المباشر ضد «وحدات حماية الشعب الكردية السورية» في عفرين الكردية شمال سوريا. كما تتنافس تركيا وإيران وروسيا في صراع ثلاثي حول المستقبل البعيد للمعارضة في إدلب، ومن علامات التنافس إسقاط طائرة «سوخوي - 25» في الثالث من فبراير (شباط) الحالي.

ويصادف الائتلاف الأميركي مواجهات مكثفة مع الائتلاف الروسي - الإيراني بعدما صدت أميركا هجوماً ضخماً مؤيداً للنظام في دير الزور في 7 من الشهر الحالي، وكانت إيران و«حزب الله» استغلا شروط تخفيف مناطق التصعيد التي توسطت فيها روسيا والأردن والولايات المتحدة في جنوب سوريا، من أجل تطوير بنية تحتية عسكرية على طول هضبة الجولان، وقد فشلت إسرائيل وأميركا في وقف هذا الاتجاه أو عكس توجهه. وأكدت إسرائيل مراراً «حريتها المطلقة» في العمل كرد فعل للانتهاكات المستقبلية لخطوطها الحمراء من قبل إيران، بما فيها بناء إيران قاعدة عسكرية دائمة في سوريا، ونقلها أسلحة متطورة إلى «حزب الله» عبر سوريا. وتخشى إسرائيل من أن تستخدم إيران الأراضي السورية لشن هجمات، أو إنشاء ممر أرضي من إيران إلى لبنان بعد سقوط البوكمال (على الحدود العراقية - السورية)، يسمح لها بنقل الأسلحة بسهولة أكبر إلى «حزب الله».

إن التزايد المتصاعد لهذه الحوادث ليس من قبيل المصادفة، بل النتيجة التي يمكن التنبؤ بها من تصاعد «الحروب بعد داعش» في سوريا. خصوم أميركا في سوريا يريدون إبعادها من هناك ومن كل الشرق الأوسط على المدى البعيد، وفق ما يعتقدون.

لقد هاجمت روسيا وإيران عمداً القوات الأميركية وشركاءها في شرق سوريا. شن مئات من المقاتلين المناصرين للنظام السوري هجوماً منسقاً ضد «القوات الديمقراطية السورية» الأكثر اعتماداً من قبل أميركا، في مقاطعة دير الزور، فردت الولايات المتحدة بضربات ناجحة لحماية تلك القوات، فقتل أكثر من 100 جندي سوري. وحسب مصادر مطلعة خططت روسيا وإيران والنظام السوري لهذه العملية في وقت مبكر، وبدأوا التحضير للهجوم قبل أسابيع بهدف زيادة الوجود الإيراني شرق نهر الفرات للاستيلاء على حقول النفط والغاز. منذ أشهر تحاول روسيا وإيران عسكرياً وصل مناطق شرق الفرات التي تسيطر عليها «القوات الديمقراطية السورية» بما في ذلك مدينة الرقة، وكذلك حقول النفط والغاز الطبيعي شرق سوريا، وتسليمها إلى النظام السوري. وتعتبر حقول النفط والغاز حاسمة لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد السوري ونظام بشار الأسد، كما أنها توفر مصدراً للإيرادات يدعم الجهود الروسية - الإيرانية. وشارك في الهجوم متعاقدون عسكريون روس من القطاع الخاص، (قتل البعض منهم) و«حزب الله»، في هذه الأثناء أكمل الضباط الروس التواصل المستمر مع العسكريين الأميركيين. روسيا دعمت الهجوم، إنما ادعت بأنها بذلت جهداً لمنعه من أجل إرباك صناع القرار الأميركي.

من جهتها، تنجح تركيا في حملتها ضد القوات الموالية للنظام في شمال غربي سوريا. وقصتها أبعد من عفرين. وستواصل تركيا إعطاء الأولوية من أجل الحفاظ على ملاذ آمن للمعارضة السورية في محافظة إدلب التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة ونشرت القوات المسلحة الكردية قافلة تضم أكثر من 100 عربة مدرعة لإنشاء مركز مراقبة بالقرب من مدينة العيس، وهي موقع رئيسي على خطوط المواجهة بين جماعات المعارضة والقوات الموالية للنظام جنوب مدينة حلب. ويجري العمل تركياً على إقامة «نقطتي مراقبة» إضافيتين في مواقع غير محددة شمال سوريا. أيضاً استغلت تركيا خطة تخفيض التصعيد في مقاطعة إدلب وأجزاء من محافظة حلب التي جرى الاتفاق عليها بوساطة من روسيا وإيران وتركيا في محادثات آستانة.

يقول مراقبون إن تركيا تسعى للحصول على ضمانات جديدة من روسيا للحفاظ على سلامة قواتها في محافظة إدلب، غير أن هذه الضمانات لا تزال غير كافية. ويعتزم الرئيس السوري بشار الأسد، حسب المراقبين، وبالاتفاق مع إيران على تعطيل أي اتفاق يكرس وجوداً طويل الأمد لتركيا في سوريا. وتنظر إيران إلى عملية الانتشار التركي على أنها محاولة لعرقلة هجوم مستقبلي من مؤيدي النظام لرفع الحصار عن مدينتي فوعا وكفريا الشيعيتين، قرب مدينة إدلب.

من ناحية أخرى، يمكن أن تحاول تركيا استغلال هذه التوترات لدك إسفين بين روسيا وإيران حول منطقة تخفيض التصعيد في محافظة إدلب الكبرى، وهناك احتمال بأن تصعّد تركيا مشاركتها في محافظة إدلب جزئياً كرد فعل على استمرار تقدم النظام والموالين له باتجاه بلدة سراقب الرئيسية التي تسيطر عليها المعارضة في محافظة إدلب. وتقع سراقب على طول الطريق السريع إم - 5 الاستراتيجي بين مدينة حماة ومدينة حلب، وتوفر أرضية انطلاق مثالية لعمليات نحو الفوعا وكفريا أو مدينة حلب.

نشرت تركيا قوات في محافظة إدلب بعدما أعلنت حركة تحرير الشام (فرع تنظيم القاعدة في سوريا) مسؤوليتها عن إسقاط السوخوي الروسية في إدلب، وقد تكون تركيا وفرت منظومات الدفاع الجوي المحمولة، للإشارة إلى عدم رضاها عن الحملة الجوية الروسية المستمرة لدعم قوات النظام في إدلب. وكانت قدمت من قبل معدات عسكرية لقوات المعارضة في محاولة لوقف الهجوم المتواصل للنظام باتجاه قاعدة «أبو الظهور» الجوية في محافظة إدلب الشرقية. وستواصل تركيا إعطاء الأولوية لجهودها لحماية عملياتها الجارية ضد «وحدات حماية الشعب الكردية السورية».

أيضاً يبدو أنه رغم كل التصريحات المطالبة بضبط النفس، فإن إسرائيل والائتلاف الروسي - الإيراني على استعداد للمواجهة في المستقبل على مرتفعات الجولان. ونجحت إيران و«حزب الله» في تشكيل شبكة من المقاتلين الأجانب والمحليين، عبر سوريا تحت مظلة القوات المسلحة الروسية، كما استغلت إيران و«حزب الله» شروط خفض التصعيد في المناطق المتاخمة للجولان. كل طرف يعمل لمصلحته في سوريا، ولا يهم أي طرف استمرار قتل السوريين أو تدمير البلاد. ضمانة روسيا لبقاء بشار الأسد غير مضمونة، إذا كانت مصالحها تتطلب ذلك، قد تكون ضمانة إيران أكثر صدقاً لأنها لن تجد بديلاً عنه يسمح لها باستباحة سوريا. كذلك فإن علاقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لن تتفوق على مصالح روسية في سوريا. وما كان باستطاعة إيران و«حزب الله» إقامة قواعد لهما في الجنوب السوري لولا غض النظر الروسي، رغم قول سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي إنه لم يكن يعلم بوجود قاعدة إيرانية في تدمر.

إذن، إن الحرب الأهلية السورية لم تنتهِ بعد، إذ بدأت حروب ما بعد «داعش» فيها. وحاولت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة أن تركز على قتال «داعش»، متجاهلة السياق الأوسع للحرب الأهلية الإقليمية في سوريا. وأثبتت الأحداث الأخيرة أن هذا الفصل الاصطناعي، ليس بمستدام.
القوات الأميركية الخاصة موجودة في سوريا، وقال «البنتاغون» يوم الاثنين الماضي ببقاء 6 آلاف جندي أميركي في العراق وسوريا. إن الوضع يستدعي من الولايات المتحدة أن تضع استراتيجية متماسكة لمواجهة هذا الواقع الجديد كي لا ترى نفسها متورطة في المرحلة المقبلة من الحرب في سوريا.

والغريب أن حلفاء بشار الأسد يقولون إنه انتصر في الحرب، ليت أحداً منهم يعطينا تفسيراً لمعنى هذا الانتصار.

اقرأ المزيد
١٦ فبراير ٢٠١٨
سورية: أكثر من اعتداء وأقل من رد ... ونصف موقف

بدّدت «الهيئة العليا للمفاوضات»، المنبثقة عن قوى الثورة والمعارضة السورية، شكوك النظام ومؤيديه، في ما يتعلق بموقفها من الاعتداءات الإسرائيلية على سورية، في البيان الذي أصدرته عقب انتهاء اجتماعها (الرياض - 12/2)، والذي رفضت فيه أن تكون سورية ساحة للنزاعات الإقليمية، وبتأكيدها أن إسرائيل هي عدوة لكل السوريين، أي للمؤيدين والمعارضين، على حد سواء، متجاهلة بذلك زيارات متباعدة لبعض المحسوبين على المعارضة إلى الكيان الصهيوني، ما أعطى النظام على الدوام مادة حية لشن هجماته على أوساط المعارضة جميعها، باتهامه لها بأنها جزء من مؤامرة على النظام وحلفائه المشكلين لمحور المقاومة.

وعلى رغم أن البيان جاء في سياق ارتدادات إسقاط الطائرة الإسرائيلية من قبل الدفاعات الجوية السورية، إلا أنها- أي الهيئة- وجدت الفرصة متاحة لها للتعبير الضمني المؤيد والمساير للمشاعر الشعبية المتعلقة بهذا الحدث الجلل في المنطقة العربية.

ربما من المفيد القول إن إسرائيل عدوة للسوريين، والعرب جميعهم، على الأقل شعبياً، لكن، ورغم ذلك، فإن دولة الاحتلال، وهي دولة استعمارية وعنصرية وتمارس أبشع أنواع انتهاكات حقوق الإنسان ضد الفلسطينيين وتنتهك سيادة سورية، بغاراتها المتكررة بضرب القواعد العسكرية السورية والإيرانية، هي في الوقت ذاته ليست من ساهم بتحويل سورية إلى ساحة للنزاعات الإقليمية، إذ ظلت تنأى بنفسها عن ذلك، على الأقل بصورة علنية أو مباشرة.

هكذا فإن الجيش الإسرائيلي ليس بين الجيوش التي انتشرت قواعده على امتداد أرض سورية، كحال الدول الضامنة للحل السياسي، و «خفض التصعيد» في مناطق سورية عديدة، ومنها إدلب وريف دمشق، حيث تقصف القوات الروسية والإيرانية والتركية (إضافة إلى الولايات المتحدة)، كل على حدة، هذه المناطق، لأسباب تخصّ أجندة كل دولة، ما يخلف مئات الضحايا، شهداء وجرحى، وعشرات آلاف المشردين من منازلهم، وهدم أحياء في المدن والقرى، بما في ذلك مستشفيات ومدارس ودور عبادة.

إلى ذلك، فإن البيان الصادر عن الهيئة التفاوضية، على أهمية تضمينه الموقف من إسرائيل، يجاري إعلام النظام، إلى حد ما، بتحميله هذا الكيان المغتصب أراضينا الفلسطينية والسورية وزر كل ما يحدث، تحت بند المؤامرة، في تجاهل متعمد لأدوار الدول الداعمة لمكونات هذه «الهيئة»، لا سيما روسيا وتركيا، وفي المقابل ثمة تخفيف لمسؤولية النظام وحليفته إيران ومعهم «حزب الله» كمحور مقاومة.

وفي الواقع فإن ما أحدثه التدخل الإيراني في سورية من انعكاسات سلبية على الصراع، من حيث تغيير بنيته بين طرفين سوريين، أحدهما يمتلك السلطة، ويتغول من خلالها على الطرف الآخر، الذي واجهه باحتجاجات شعبية واسعة، تطورت بفعل انتهاج النظام الحل الأمني، الذي دعمته إيران، إلى ثورة شملت معظم الجغرافيا السورية، ثم توالت التدخلات على الجانب الآخر، الذي اعتبر تصريحات الدول التي سميت لاحقاً «أصدقاء الشعب السوري»، بمثابة وعود قطعية، ستؤدي إلى إنهاء نظام الاستبداد، وإقامة نظام ديموقراطي ينهي مأساة الحكم الأمني، الذي استمر خمسة عقود متتالية، وهو العامل الأبرز في تحويل سورية إلى ساحة صراع إقليمي مسلح، تمرر من خلالها إيران رسائلها الاستفزازية إلى دول الجوار كلها، وتعمل من خلال موقعها الاحتلالي لسورية على تعبيد طريقها المفتوح، من طهران إلى بغداد فدمشق وبيروت، من دون أن تنسى إيران «المقاومة» زرع الفتن والحروب الداخلية في اليمن والبحرين لزعزعة استقرار الخليج العربي كاملاً.

وعلى الجانب الآخر فقد تجاهلت هيئة التفاوض في بيانها ذكر حقيقة ما يحدث في سوريا من مجازر، تقوم بها الدول الضامنة لمسار آستانة، الذي وقع اتفاقيات خفض التصعيد في المناطق التي تشهد أعنف تصعيد في سورية، خلال سنوات الحرب الماضية، فحيث روسيا الدولة الضامنة للنظام تقصف مع شريكيها (النظام وإيران) بكل أنواع الأسلحة مناطق «خفض التصعيد» في ريف دمشق وإدلب، بينما تدك المدفعية التركية والطيران منطقة عفرين، من دون أي اعتبار لسورية هذه المناطق جغرافياً، وسكانياً، بغض النظر عن تنوع القوميات التي تسكن تلك المناطق من عرب وكرد وآخرين سوريين.

لقد تعاملت «الهيئة» مع الحرب في عفرين من مبدأ الحيادية حيث أقرت أهمية التهدئة، من دون التطرق إلى جوهر القضية بأن تركيا، الدولة الداعمة للائتلاف وكثير من الفصائل المسلحة- تتعاطى مع الوجود الكردي في سورية كأحد أخطار وجود حزب العمال الكردستاني، المحظور والمصنف إرهابياً في تركيا، من دون أن تعطي فرصة التعاطي مع حل النزاع السوري مع بعض أطياف الأحزاب الكردية ضمن الحل الساسي الشامل، لكل ما يحدث في سورية، ما يدفع اليوم الكرد للاستعانة بالنظام في وجه حرب لجيش دولة كبرى كتركيا يشن هجوماً على ما تسميه تركيا ذاتها ميلشيات، ما يعني حرباً غير متكافئة تعيد الكرد إلى النظام، كملجأ أخير لهم، أمام تقدم الجيش التركي مصحوباً ببعض الفصائل السورية، في حرب لا تخدم أجندة الثورة السورية، ولا تدخل ضمن معطيات المعارضة التي تتحدث عن دولة واحدة وشعب واحد!

هنا يمكن السؤال بجدية عن المغزى من أنصاف المواقف حول القضايا التي يناقشها اجتماع «هيئة التفاوض»، فمن جهة هو ممانع مع النظام ضد العدو الإسرائيلي، وهذا جيد، من دون التصريح عن موقفها من الخسائر أو الأخطار الناجمة عن تدخل إيران عبر هذا الاستهداف، ومن جهة أخرى، يتعامل البيان «بخفر» مع جرائم موسكو ضد الشعب السوري. أيضاً، وفي مكان آخر، في البيان، يتم التهرب من تصريحات أعضاء في الهيئة التي سبقت انعقاد مؤتمر سوتشي بالرعاية الروسية، والتي أكدوا فيها غير مرة أنهم: «غير معنيين بما ينتج عنه»، ليكشف البيان الصادر عن اجتماعهم أنهم منخرطون بمناقشة اللجنة الدستورية التي أقرها «سوتشي»، متناسين تصريحاتهم السابقة، بأن اللجنة الدستورية هي من اختصاص الهيئة الانتقالية، ما يهيئ للقول أن تجنّب انتقاد جرائم موسكو يدخل في صلب أنصاف المواقف، التي تتيح لبعض الهيئة ومنهم «منصة موسكو» تمرير ما لا يتماشى مع بيان الرياض 2، من خلال الهيئة، من دون أن تكلف هذه الأطراف نفسها عناء تحمل الغضب الشعبي من مواقفها.

من الملاحظ، في هذه المرحلة، وجود تقاطع في المصالح بين تركيا وروسيا وإيران في الصراع على سورية، ما يبرر تمرير مثل هذه البيانات الهشة من الهيئة، والتي تعبر عن توافقات باطنية بين الضامنين لمكونات الوفد، قبل أن تعبر عن واقع تعيشه المعارضة السورية، وينقسم بين رغبتها في المحافظة على موقعها التفاوضي مقابل النظام، وهذا يظنه بعض محدثي العمل السياسي قائم على: «التنازلات لمصلحة التبعيات»، وبين ما يحتاجه موقعها الوطني من مشروع سوري يجمع تحت جناحيه مصالح السوريين في دولة ديموقراطية، مع إبعاد شبح التدخلات الخارجية في صياغة التفاهمات حول هذه الدولة من خلال ادواتهم اللاوطنية، وبين المنقسمين ثمة من يعمل بالتوافق، الذي ينتج نصف الموقف حيث لا يمكن البناء عليه، كما لا يمكن التمسك به.

في معركة إسقاط الطائرة الإسرائيلية انتصر النظام على النظام، من دون أن يمرر هذا الانتصار أي هزيمة لإسرائيل، التي استباحت سوريا مرات ومرات إثر ذلك، ما يعني أن الانتصار كان على النظام ومنه وليس أكثر، وأن علينا أن نعترف بأن ما يحدث اليوم أكثر من اعتداء، وأقل من رد، وأنصاف مواقف من المعارضة.

اقرأ المزيد
١٦ فبراير ٢٠١٨
صراع الكبار بدأ في سوريا ... مواجهات تمهيدية بمشاركة سورية ضعيفة

أصيبت العمليات السياسية المتعلقة بسوريا بنوع من الفتور والتوقف، وإن كان بشكل غير تام، لكن بمدى يكفي لتوسيع الخيارات العسكرية بين الأطراف على الأرض، توسع هذه المرة بعيداً عن الأدوات والانتقال إلى المواجهة المباشرة.

اشتباكات دير الزور التي لازالت مستمرة، ويستمر معها كشف حجم الخسائر المتلاحقة للأطراف، فاليوم روسيا تبلغ عن وجود أكثر من 300 شخص روسي بين قتيل وجريح، في هجوم 7 شباط، الهجوم الذي يبدو أنه سيشعل فتيل المواجهة المباشرة الأولى بين روسيا وأمريكا، في صراع على الطاقة والثروات الباطنية في حقول النفط والغاز شرق دير الزور، الخاضع لأمريكا وحلفائها على الأرض.

بوادر الاشتباك المباشر لا يبدو أنها ستقتصر على اللاعبين الكبار في سوريا، إذ امكانية امتداده ليطال لاعبين أقل حجماً، ألا هما تركيا وإيران، اللذين يحاولا انتهاج أسلوب ضبط النفس، محاولات لا يبدو أنها ناجحة سيما مع التصعيد المتواتر، والذي شهد مناوشات هنا وهناك وسيكون بعدها تبعيات أكثر توسعا في قليل الأيام القادمة.

المواجهة التركية – الإيرانية، التي بدأت شرارتها ابان عملية اخلاء مدينة حلب في كانون الأول من عام 2016، عندما عرقلت طهران عملية الاخلاء، وبالأمس تكرر مع الانتشار التركي في العيس مع قصف المباشر للجيش التركي، ولكن الشرارة الأكبر التي لا يمكن التغاضي عنها، هو ما يحدث في عفرين، فبعد سلسلة التصريحات الرافضة للعملية برمتها، بدت ملامح التدخل الحقيقي الإيراني من خلال ارسال قوات من نبل والزهراء لمواجهة الجيش التركي، إضافة لظهور آليات وأسلحة نوعية مع الوحدات الكردية، مع وجود شكوك جدية لدى أنقرة أن المروحية التركية التي أسقطت، كانت بسلاح إيراني، هذه التطورات انعكست على درجة التنسيق بين الطرفين، فقطعت سلسلة اجتماعات استانا في الوقت الراهن، مع التحضير لرد في مكان قد يكون ذا قيمة عالية لطهران، وربما يكون نبل والزهراء، أو يتم الاكتفاء بإطباق حصار كامل ونهائي حول كفريا والفوعة.

في التطورات الراهنة، يوجد حالة من غياب العناصر السورية في المواجهة، صحيح أن الغياب ليس تام، ولكن هذه المرة ليس الطاغي على المشهد إذ يتصدر المشهد بدلات عسكرية متنوعة وذات طابع رسمي ونظامي.

اقرأ المزيد
١٥ فبراير ٢٠١٨
طهران ـ تل أبيب وخيارات موسكو الصعبة

بين معضلة احتواء إيران وضبط إسرائيل، تحاول موسكو تجنب الوقوع بالفخ الذي نصبته لها الدول الغربية في سوريا، التي تطالبها بالحد من نفوذ طهران والضغط من أجل انسحاب جميع الميليشيات التابعة لها من سوريا، وهو ما بات طلباً ملحاً لدى دوائر صنع القرار الغربي تجنباً لوقوع اشتباك إقليمي واسع بين إيران وإسرائيل، ستؤدي نتائجه إلى خسارة موسكو جزءاً من مكتسباتها السورية. معضلة مصيرية تحاول موسكو احتواءها من خلال دبلوماسية التوافق المستحيل بين خصمين، جمعتهما جغرافيا النزاع وتقاطعت مصالحهما على فكرة الحفاظ على النظام، ولكن من خلفيات متناقضة، كشفت الأحداث الأخيرة صعوبة تعايشها تحت السقف الروسي، ما جعل موسكو لأول مرة منذ تدخلها المباشر في الصراع على سوريا خريف 2015 أن تكون مجبرة على الاختيار بين طهران وتل أبيب.

تدرك موسكو جيدا أنها من خلال 25 طائرة حربية وعدة قطع بحرية إضافة إلى 3 آلاف جندي ومستشار وعدة شركات أمنية خاصة لا تستطيع تغطية الميدان السوري، وبأن القيادة السياسية والعسكرية ليست في وارد إرسال قوة عسكرية كبيرة من الجيش الروسي إلى سوريا تجنبا لتكرار سيناريو أفغانستان، لذلك هي مجبرة بالاعتماد كلياً على الميليشيات الإيرانية من أجل السيطرة على المساحات التي تم انتزاعها من المعارضة والحفاظ عليها بعدما فقدت الثقة بالوحدات العسكرية التابعة للأسد، وقناعتها بصعوبة إعادة ترميم جيش النظام، وهذا ما جعل الوجود الإيراني في سوريا أحد عوامل القوة الروسية. في المقابل تستفيد طهران من هذه المعادلة الميدانية من أجل ترسيخ نفوذها وحماية مصالحها وفرض وجودها على طاولة الحل، ورغم وجود امتعاض روسي من محاولات طهران ممارسة سياسة مستقلة في سوريا وإصرارها على تخطي الخطوط الحمر التي وضعتها التفاهمات الروسية الإسرائيلية، استطاعت الحفاظ على موقعها الاستراتيجي في معادلة موسكو الجيوسياسية، التي تدفعها إلى مراعاة الحساسيات الإيرانية على حساب هواجس الأمن القومي الإسرائيلي المستفز من محاولات طهران الاقتراب من حدوده الشمالية وتثبيت وجودها هناك.

وهذا لا يعني أن موسكو في وارد التقليل من موقع إسرائيل في الأزمة السورية، لكنها لم تعد قادرة على التغاضي نهائياً عن ضربات الطيران الإسرائيلي لمواقع عسكرية سورية إيرانية روسية مشتركة مثل مطار تي4. وقد نبهت موسكو تل أبيب على ضرورة الانتباه إلى سلامة جنودها وحذرتها من أن تكرار الضربات القاسية ضد مواقع نظام الأسد كما حدث منذ أيام قد تؤدي إلى إضعاف سيطرته كثيراً، وسيجعل إسرائيل في مواجهة مباشرة إما مع فصائل إسلامية متطرفة وإما مع ميليشيات إيرانية، ما قد يؤدي إلى دخولها في حرب إقليمية مكلفة غير مضمونة النتائج.

تعلم تل أبيب جيداً أن حادث إسقاط طائرة إف 16 الإسرائيلية عبر كمين جوي سوري إيراني مشترك لا ينجح دون تواطؤ روسي محدود من خلال شبكة الرادارات التابعة لقاعدة حميميم، التي تستطيع تحديد إحداثيات الطائرات المُغيرة وإعطائها للدفاعات الجوية التابعة للأسد التي استطاعت إسقاط طائرة وإصابة أخرى، لذلك اعتبر الحادث رسالة روسية لواشنطن وتل أبيب بأن موسكو ليست بوارد السماح في استفراد إيران في سوريا مراعاة للمصالح الغربية، لكنها مستعدة لتسوية تُجنب المنطقة حرباً إقليمية، خصوصاً أن تل أبيب ليست مستعدة لخوض حرب بالوكالة عن واشنطن من أجل تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة الذي جاء نتيجة مواقف باراك أوباما من الاتفاق النووي ومن الثورة السورية. وهذا ما عبر عنه نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي للشؤون الدبلوماسية مايكل أورين، الذي اعتبر أن «روسيا تمسك بأوراق الوضع في المنطقة بين إسرائيل وسوريا وإيران وأنها الجهة القادرة على وقف المواجهة التي نشأت عند الحدود».

تراهن موسكو على تحويل التصعيد العسكري الأخير إلى فرصة من أجل إعادة رسم حدود الاشتباك بين حليفيها الأعداء إيران وإسرائيل من خلال التوصل إلى تفاهم غير مباشر بينهما، يقوم على إقناع إيران بالابتعاد مسافة 30كلم عن الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة مقابل أن تتراجع تل أبيب عن اعتراضها على النفوذ الإيراني في سوريا. وهي معنية في التوصل إلى تسوية بين الطرفين لأنها على يقين بأنها الخاسر الأكبر من أي مواجهة مقبلة في سوريا خصوصا أن خياراتها أصبحت صعبة بعدما ارتبط جزء من نفوذها بالموقف الميداني الإيراني وربطت الدول الغربية اعترافها بدورها مقابل فك ارتباطها بطهران.

اقرأ المزيد
١٥ فبراير ٢٠١٨
واشنطن لموسكو: كش ملك

أسرعت روسيا إلى استثمار دور قواتها المسلحة في حماية النظام السوري، وقبضت الثمن بعقد اتفاقيتين مع الأخير، قبل بموجبهما بقاء القوات الروسية على الأرض السورية، في قاعدتين، جوية في حميميم وبحرية في طرطوس، مدة كل منهما 49 سنة قابلة للتمديد آليا، فترة إضافية مدتها 25 سنة. جاءت الاتفاقيتان تنفيذا لرؤية الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الاستراتيجية بالوجود العسكري في نقاط قريبة من الخاصرة الرخوة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في حوض البحر الأبيض المتوسط، للرد على التهديدات الغربية، واحتواء مخاطر زحف الحلف المذكور باتجاه حدود روسيا الغربية، ونشر الدرع الصاروخية الأميركية في بولندا ورومانيا وتركيا. وقد بوشر بتحويل القاعدتين إلى مجمّعين كبيرين للقوات (البحرية غدت جاهزة لاستقبال وخدمة صنوف السفن والمدمرات والفرقاطات والغواصات والطرادات النووية. والجوية لصنوف الطائرات، قاذفات ومقاتلات ومروحيات. وعززا بالدفاعات الجوية الحديثة من طراز إس 300 وإس 400 والدبابات والمدرعات والأسلحة والذخائر، بالإضافة إلى طواقمها من الجنود وصف الضباط والضباط الذين تجاوز عددهم 4500 فردا لتشغيلها وحمايتهما)، وإلى نقطتي ارتكاز متقدمتين في مسرح عمليات فائق الأهمية.

لم تكتفِ روسيا بالقاعدتين على الأرض السورية، بل تحركت لاستعادة نفوذ الاتحاد السوفييتي في مصر والجزائر والسودان، وتواصلت مع الجنرال خليفة حفتر في ليبيا للغرض نفسه، من أجل تكثيف الضغط على التحالف الغربي، ودفعه إلى الإقرار بها قوة عظمى، والتسليم بدورها ومصالحها والاتفاق معها على مخارج للملفات العالقة بينهما (رفع العقوبات الاقتصادية عنها، القبول بضم جزيرة القرم، وقف نشر الدرع الصاروخية الأميركية قرب حدودها، وقف زحف حلف الناتو نحو حدودها)، وعلى مناطق النفوذ وحل المشكلات الإقليمية والدولية الساخنة.

جاء التدخل العسكري الروسي في سورية في سبتمبر/ أيلول 2015، بعد فشل محاولات وقف زحف "الناتو" ونشر الدرع الصاروخية الأميركية في الهجوم على جورجيا عام 2008، واقتطاع أراض منها وإقامة كيانين سياسيين تابعين (أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية) والهجوم على أوكرانيا عام 2014، وضم جزيرة القرم وتشكيل جمهوريتين "شعبيتين" مواليتين في شرقي البلاد (جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك)، وما ترتب عليه من فرض عقوباتٍ اقتصاديةٍ عليها، انعكست سلبا على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، التي تعاني من مصاعب أصلا بسبب انهيار أسعار النفط، وانهيار سعر صرف العملة الوطنية: الروبل.

لم تستجب الولايات المتحدة للرسائل والإشارات الروسية، بل تركتها تغوص في الصراع  السوري، من أجل استنزافها وتدفيعها أثمانا باهظة، وتحميلها مسؤوليات سياسية وأخلاقية عن القتل والتدمير الممنهج للمدن والبلدات والقرى السورية الذي انخرطت فيه، إلى جانب قوات النظام وحلفائه الإيرانيين ومليشياتهم الطائفية، ووضعها في مواجهة العالم الإسلامي السنّي، على خلفية هذا الاصطفاف المذهبي، لابتزازها ودفعها للخروج من أوكرانيا وإعادة جزيرة القرم إليها.

ردّت الولايات المتحدة على رؤية بوتين الاستراتيجية، ونشره قوات روسية في سورية، بعقده الاتفاقيتين المذكورتين، بخطوة من النوع نفسه: إقامة قواعد عسكرية على الأرض السورية (5 قواعد عسكرية شمال شرق الفرات جُهز بعضها لاستقبال طائرات ثقيلة واستيعاب معدات وعتاد متطور، خصوصا قاعدة تل حجر في منطقة رميلان التي زودت بتقنيات دقيقة، وفق مصادر مطلعة أشارت إلى الحراسة المشددة حول القاعدة المكونة من طوقين، خارجي تقوم به "وحدات حماية الشعب" الكردية، وداخلي تقوم به قوات خاصة أميركية ويمنع اجتيازه لغير الأميركيين، بالإضافة إلى نقل المعدات من كردستان العراق عبر معبر سيمالكا بشاحنات مغلقة كي لا يتم التعرف إلى طبيعة المعدات ونوعيتها)، والإعلان عن بقائها (القوات الأميركية) فترة مفتوحة. وهذا مع قاعدة التنف، ذات الموقع الاستراتيجي الحساس (على مشارف الحدود مع العراق والأردن والجولان السوري المحتل)، والمزوّدة بأسلحةٍ حديثةٍ ومتطورة، راجمات صواريخ مداها 350 كم قادرة على شل القاعدتين الروسيتين في حميميم وطرطوس، والأسلحة التي خزّنتها ونشرتها في إسرائيل، يعكس التوازن العسكري بينهما شرق المتوسط. تتضح الصورة أكثر، إذا ربطنا هذه المعطيات بالاستراتيجية الأميركية الجديدة التي أعلن عنها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في خطابه عن حالة الاتحاد، واعتباره روسيا تهديدا للأمن القومي الأميركي، وبرنامجه لتطوير القوة النووية الأميركية (التركيز على تصنيع قنابل نووية صغيرة لتكون قابلة للاستخدام).

يمكن اعتبار الخطوة الأميركية، إقامة هذه القواعد وتجهيزها بالتقنيات والمعدات المتطورة والعتاد الثقيل، تطويقا للقاعدتين الروسيتين، وامتصاص أثرهما واحتواء دورهما في معادلة الصراع الغربي الروسي. وهذا يفسر إلى حد كبير عصبية القيادة الروسية وتوترها والتصريحات الحادة ضد الوجود الأميركي على الأرض السورية (عدم شرعيته، زوال مبرّره، هدفه تقسيم سورية، المطالبة بانسحابه) التي أطلقها كل من وزير الخارجية، سيرغي لافروف، وزير الدفاع سيرغي شويغو، الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، الممثل الخاص للرئيس الروسي في سورية، ألكسندر لافرنتييف، الناطقة باسم الخارجية، ماريا زخاروفا، السفير الروسي في لبنان، ألكسندر زاسيبكين، السفير الروسي في دمشق، ألكسندر كينشاك، رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما، فلاديمير شامانوف، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما، قسطنطين كوساتشيف، بالإضافة إلى الحملات الإعلامية التي شنتها وسائل الإعلام الروسية المرئية والمسموعة والمقروءة على الدور الأميركي في سورية.

لم تتوقف الحملة الروسية على الوجود العسكري الأميركي في سورية، وخصوصا في شمال شرق نهر الفرات، عند الحملات الدبلوماسية والإعلامية، بل سعت إلى تحفيز ضغط ميداني مباشر من خلال مباركة الموقف الإيراني الذي أعلنه مستشار المرشد الأعلى، علي أكبر ولايتي، والذي لوح بطرد القوات الأميركية من شمال شرق الفرات، واختبار مدى جدية الموقف الأميركي في الدفاع عن المناطق التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" بمهاجمة مواقع تلك القوات في ناحيتي ذيبان والبصيرة (قرى خشام، جديد عقيدات، جديد بقارة) في محافظة دير الزور بقوات من الفيلق الخامس، الذي شكلته منذ نحو عام، تساندها قوات موالية لإيران (لواء الباقر). والدفع نحو صدام أميركي تركي، من خلال تشجيع تركيا على تحدي الموقف الأميركي من بقاء "قوات سورية الديمقراطية" في منبج، والتصعيد عسكريا ضد فصائل المعارضة لإحراج واشنطن التي شجعتها على مقاطعة مؤتمر سوتشي، وربط استكمال العملية السياسية باستعادة النظام السوري لكل الأراضي السورية. وهذا استدعى ردا أميركيا تمثل في هجمات بطائرات درون (طائرات من دون طيار) على قاعدتيها في حميميم وطرطوس (نجم عنها إعطاب سبع طائرات ومنصة صواريخ إس 400)، وإسقاط طائرة سوخوي 25 في محافظة إدلب، وقصف قوات النظام وحلفائه في ريف دير الزور (قتل 137 عنصرا منهم) في استهداف مباشر للوجود الروسي في سورية.

تنطوي الخطة الأميركية على نتيجتين مباشرتين بالنسبة للملف السوري: بقاء الملف مفتوحا فترة غير محدّدة، وما سينجم عن ذلك من قتل ودمار وتهجير، واستمرار حاجة واشنطن لقوات "وحدات حماية الشعب" الكردية، الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، في الحروب بالوكالة الدائرة على الأرض السورية، ما سيدفعها إلى الضغط من أجل إشراك الحزب المذكور في المفاوضات، مع احتمال تبني مشروعه الفيدرالي في سورية.

اقرأ المزيد
١٥ فبراير ٢٠١٨
دبلوماسية إسقاط الطائرات في سوريا

في أقل من أسبوعين، أسقط مقاتلون سوريون، مقاتلةً روسيةً، وأسقط أكرادٌ مروحيةً تركيةً فوق عفرين، وأسقط الإيرانيون طائرتين حربيتين إسرائيليتين. ماذا بعد هذه الاشتباكات؟

على التراب السوري ثلاث درجات من القوة. الأميركية ضد الروسية. والإسرائيلية ضد الإيرانية. والميليشيات من «حزب الله» ونحوه ضد «الجيش الحر السوري» وغيره.

ويبقى احتمال الاصطدام الإيراني الإسرائيلي هو الأهم، لأن تركيا لن تصعد ولن تتوغل، ويمكن رسم العلاقة معها في منطقة القتال. وربما غيرت سلسلة الأحداث الأخيرة قواعد الاشتباك. فإسرائيل قامت بقصف وقتل إيرانيين مباشرة، بعد أن كانت في السابق توقع العقوبات بميلشياتهم من «حزب الله» وغيره.

والولايات المتحدة، أيضاً، قتلت مائة من ميليشيات موالية لإيران، لأنها هاجمت مسلحين أكراداً موالين لها. يبدو أن روسيا وإيران بيتتا لضرب إسرائيل ضمن رسم «قواعد الاشتباك». فإسرائيل غضبت من دخول طائرة درون إيرانية صغيرة أجواءها، وردت بقصف مواقع للحرس الثوري الإيراني، الذي تجرأ على إسقاط طائرتين إسرائيليتين، ورد الإسرائيليون بقصف مواقع إيرانية مباشرة. ومثلما أنكرت واشنطن معرفتها بما فعله حلفاؤها، أنكرت موسكو أي دور لها في إسقاط الطائرتين الإسرائيليتين! أمر مستبعد تماماً.

النتيجة حركة دبلوماسية خلف الأبواب المغلقة بين واشنطن وموسكو وإسرائيل وإيران، إما إنها تسعى لتنظيم الخلاف ورسم قواعد الاشتباك، وبالتالي تجنب توسيع المواجهة العسكرية، أو الذهاب إلى مواجهات مباشرة، إيرانية إسرائيلية!

معروف أن إيران أضعف عسكرياً من إسرائيل، ولا تستطيع الانتصار، لكنها تستطيع إلحاق الأذى بها. فهي تستخدم جيشاً من المجندين الأجانب مستعدة للزج به، يقدر بأكثر من خمسين ألفاً من لبنان والعراق وأفغانستان وغيرها.

إسرائيل مثل تركيا تأخرت في التدخل، وهي تدفع ثمن تبنيها «سياسة البلكونة» بالجلوس في الشرفة، والتفرج على الحرب الأهلية في جارتها سوريا اعتقاداً أنها تستنزف خصومها. مثل تركيا، تركت إيران تتمدد، وتبني قواعد، وتنشر ميليشياتها وتستغل الغطاء الروسي. الآن تشتكي تركيا وإسرائيل من أن الحرب صارت تهدد أمنهما واستقرارهما. ولا نرى احتمالية أن تهدأ الأوضاع طويلاً في سوريا، بل المواجهات بين القوى المختلفة هي الأرجح. فقد وصلت الأمور إلى وضع يصعب على أي فريق الانسحاب دون القبول بالخسائر. فميلشيات إيران منتشرة في كل مكان، وتزداد في تقويتها، تريد حكم سوريا مستغلة ضعف نظام الأسد الذي فقد معظم قدراته العسكرية والأمنية.

وليس الوضع طارئاً كما توحي التصريحات التي أعقبت إسقاط الطائرتين الإسرائيليتين. لنتذكر أن تل أبيب تدرس، وتفاوض، وتستعد للوضع السوري تحت الاحتلال الإيراني، وكان الموضوع الرئيسي في لقاءات المسؤولين الإسرائيليين مع الروس والأميركيين خلال الأشهر القليلة الماضية.
ومهما قيل، فما حدث ليس مفاجئاً، ويفترض أن يوضع في إطار تبادل إسقاط الطائرات ضمن صراع القوى الكبرى والمتوسطة على التراب وفي الأجواء السورية.

الجميع ينفي، لكن الحقيقة تبدو غير ذلك. فالمعارضة السورية المسلحة عندما أسقطت طائرة روسية فوق إدلب نفى مسؤول في «البنتاغون»، قبل تسعة أيام، أن تكون الولايات المتحدة خلفها، وأنكر أنهم زودوا حلفاءهم في سوريا بصواريخ أرض جو. والروس نفوا علاقتهم بإسقاط مقاتلتي إسرائيل. وإيران تنفي أنها طيرت الدرون داخل إسرائيل، مدعية أن قوات النظام السوري من أرسل الدرون، ومن أطلق الصواريخ التي تصدت للمقاتلات الإسرائيلية. الحقيقة أن الجميع شركاء في الحرب، وهذا فصل مهم دفن مشروع «سوتشي»! الحل في سوريا إخراج قوات النظام الإيراني وميلشياته، ووضع حل سياسي مقبول للجانبين المتحاربين.

اقرأ المزيد
١٤ فبراير ٢٠١٨
الحرب العالمية الثالثة اشتعلت في سوريا

إذا جاز لنا التعبير، غيرت تركيا منحى السياسة العالمية من خلال عمليات درع الفرات وجرابلس والباب وغصن الزيتون ضد تنظيم داعش ووحدات حماية الشعب.

مع القضاء على داعش انكشف النفاق العالمي المسمى بـ "التحالف الدولي" على حقيقته، ولهذا ظهر إلى الواجهة الصراع  الجيوسياسي الذي خاضته القوى العالمية في الخفاء.

الحرب الدولية على الإرهاب بدأت بالتخلي عن مكانها لصالح حرب أخرى لا هوادة فيها بين القوى العظمى في العالم. وفي هذا السياق فإن وطيس الصراع بدأ يستعر بين روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا في سوريا على الأخص.

في هذه المرحلة الجديدة، تقف الولايات المتحدة وإسرائيل في جانب، وروسيا وتركيا، فضلًا عن إيران والنظام السوري في جانب آخر.

في 6 يناير/ كانون الثاني تعرضت قاعدتان عسكريتان روسيتان في طرطوس وحميميم لهجوم من جانب 13 طائرة مسيرة، وكان هذا طلقة البداية للمرحلة الجديدة.

اعتبر المسؤولون الروس أن هذا الهجوم هو استفزاز أمريكي، وفي أعقابه شهر البلدان أسلحتهما في مواجهة بعضهما البعض.

في 20 يناير، أطلقت تركيا عملية عفرين، التي زعزعت الموازين في المنطقة. وفي 3 فبراير/ شباط، أُسقطت مقاتلة روسية من طراز سوخوي 25، في المنطقة الخاضعة لسيطرة تركيا في إدلب.

في اليوم نفسه، تعرضت دبابة للجيش التركي إلى هجوم في محيط عفرين أسفر عن سقوط 8 من عناصره.

مساعد رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الشيوخ الروسي فرانز كلينتسيفيتش قال بشأن المقاتلة المستهدفة بصاروخ محمول على الكتف: "أعطت الولايات المتحدة هذا الصاروخ إلى الإرهابيين عن طريق بلدان أخرى. يرمي إسقاط الطائرة إلى إفساد علاقات موسكو مع أنقرة. دور الاستخبارات الأمريكية واضح جدًّا في هذا الهجوم الذي يبدو شديد التعقيد"، مؤكدًا استمرار الهجمات الأمريكية على التحالف الروسي التركي.

بعد ثلاثة أيام من استهداف الدبابة التركية، في 7 فبراير التقط جنرالات أمريكيون صورًا مع إرهابيي وحدات حماية الشعب ليبدوا تضامنهم معهم، فيما اعتُبر تحديًا لتركيا.

وفي اليوم التالي، هاجمت الولايات المتحدة ميليشيات موالية للنظام السوري نفذت هجومًا على إرهابيي وحدات حماية الشعب في دير الزور. وادعى الجيش الأمريكي أنه قتل مئة من عناصر الميليشيات المذكورة.

وأمس الأول، شهدت الحرب السورية المستمرة منذ 7 أعوام تطورًا جديدًا، أشبه ما يكون "بحرب داخل حرب". فقد أسقطت إسرائيل أولًا طائرة إيرانية مسيرة، كانت تحلق فوق مرتفعات الجولان المحتلة.

وفي أعقاب ذلك، هاجم نظام دمشق مقاتلة إسرائيلية من طراز إف-16، لترد عليه تل أبيب بالهجوم على 12 هدفًا في سوريا، 4 منها إيرانية و8 تابعة للنظام.

هذا المشهد الدامي خلال الأيام السبع الأخيرة هو في الحقيقة خير مؤشر على أن الحرب العالمية الثالثة اندلعت منذ مدة في سوريا.

اقرأ المزيد
١٤ فبراير ٢٠١٨
ما بعد حرب الفناء في سوريا

تمثل الفترة الأخيرة من الحرب في سوريا مرحلة هي الأكثر دموية والأشد إيلاماً في السنوات السبع الماضية. فمن النادر أن مرّ أحد أيامها السوداء دون سقوط مئات من القتلى والجرحى، جلّهم من المدنيين العزل ومن النساء والأطفال الذين تلاحقهم هجمات حلف نظام الأسد مع الروس والإيرانيين وميليشياتهم، وتهاجم مخيماتهم ومنازلهم ومدارسهم والأسواق، وصولاً إلى المشافي القليلة والحقول والبراري، التي ينتشرون فيها هرباً من هجمات البراميل المتفجرة والصواريخ، وأسلحة الدمار الشامل المحرّمة دولياً من أسلحة كيماوية إلى قنابل النابالم.

ويزيد بشاعة الحرب الجارية في سوريا تفاصيل أخرى بينها، أن الحرب تتواصل على مناطق محاصرة وشبه مغلقة، مثالها الأكثر وضوحاً غوطة دمشق الشرقية المحاصرة بصورة شبه محكمة منذ أكثر من أربع سنوات، منع فيها الدخول والخروج، بما فيه دخول الغذاء والدواء وحليب الأطفال واللوازم والتجهيزات الطبية، وانعدمت فيها خدمات التعليم والصحة، وهي حالة تقارب ما صارت إليه محافظة إدلب وجوارها في أرياف حلب وأرياف حماة، التي إضافة إلى سكانها، تضم مئات آلاف النازحين والمهجرين من مناطق أخرى كثير منهم، تم إيصالهم إلى هناك نتيجة اتفاقيات هدن من محيط دمشق وريفها ومن حمص ومناطق أخرى، كانت حتى الأمس القريب خارج سيطرة نظام الأسد.

وثمة نقطة تضاف في مجريات الحرب. إذ تتواصل لا في سياق استعادة سيطرة النظام وحلفائه على تلك المناطق فقط، وإنما بالتوازي مع هدف آخر ربما هو الأهم، وهو الانتقام من سكان تلك المناطق وتقتيلهم، ورغم هذا يواجهون الهجمات ويصدّون محاولات قوات الأسد وحلفائها لاقتحام الغوطة من جهة، ورداً على عملية إسقاط طائرة روسية، تمت مؤخراً في إدلب – وهو ما أكدته تصريحات صدرت رسمياً عن مسؤولين روس - استتبعت جلب طائرات حديثة للمشاركة في الحرب الجارية.

بشاعة هذه الحرب، لا تتصل فقط بمجرياتها وبنتائجها من قتل وجرح وتدمير وتهجير، إنما أيضاً بطبيعتها من حيث استهداف شبه حصري للمدنيين ومن استخدامها أشد الأسلحة فتكاً، وتحويل المناطق المستهدفة إلى ساحة لاستعراض واختبار أحدث الأسلحة والذخائر الروسية، وسط تشارك القوات الروسية والإيرانية مع قوات النظام والميليشيات الخاضعة لغرف عمليات مشتركة.

ومما لا شك فيه، أن البيئة المحيطة بحرب الفناء، تعطي لها خصوصية، تضاف إلى ما سبق. إذ تتواصل بعد جلب وإخضاع أغلب جماعات المعارضة المسلحة، ودفعهم للانخراط في مسار آستانة المتوافق عليه بين روسيا وإيران وتركيا، والضغط المتواصل على المعارضة السياسية وتهميشها سواء في تحالفها التفاوضي ممثلاً بالهيئة العليا للمفاوضات، التي أنتجها مؤتمر الرياض2، أو القوى المنخرطة فيها، ولا سيما الائتلاف الوطني السوري بعد أن رفضت جميعاً حضور مؤتمر سوتشي، وخطته في تدويل المساعي الروسية لحل يتوافق مع مصلحة تحالف نظام الأسد وإيران وروسيا، وتثبيته في مسار جنيف ليغدو الإطار الدولي للحل في سوريا.

وسط تلك المعطيات، يطرح سؤال عما يمكن أن تتركه حرب الفناء في سوريا على السوريين من نتائج راهنة ومستقبلية؟

إن الأبرز في النتائج، هو إشاعة اليأس والإحباط لدى غالبية السوريين، إن لم نقل كلهم؛ لأن الموجودين في مناطق سيطرة النظام، ليسوا بأفضل حالاً من أقرانهم في المناطق الخارجة عن سيطرته، واليأس ليس فقط بسبب القتل والإعاقات والتهجير والتدمير، إنما بسبب انعدام شروط الحد الأدنى للحياة الإنسانية والحرمان من خدمات التعليم والصحة، وإشاعة الاقتتال بين مكونات الجماعة الوطنية القومية والدينية والطائفية والمناطقية، واستخدامها أدوات في صراعات الدول المتدخلة في القضية السورية، والإهمال الشائع من المجتمع الدولي والقوى الفاعلة فيه لمعاناة السوريين الكارثية، وبخاصة لجهة قتلهم الرخيص والواسع بالأسلحة المحرمة دولياً، والإبقاء على قضيتهم دون حل، ودون أفق لحل منتظر.

ومن البديهي، أن يسبب ما سبق نمواً وتوسعاً في اتجاهات التشدد والتطرف في أوساط لا تعاني فقط، وإنما هي محرومة من فرص التعليم والعمل، التي ستخلق جيلاً من الهامشيين ومحدودي الفهم والقدرة على معالجة المشكلات القائمة بطرق عقلانية وموضوعية وعملية؛ مما يجعل أكثرية السوريين بيئة قابلة لسيطرة المتطرفين والإرهابيين الذين سيمدون نشاطهم نحو بلدان الجوار والأبعد منها، ولدينا اليوم أمثلة ملموسة سواء في نموذج «داعش» الذي جاء من العراق و«النصرة» الموصوفة بفرع القاعدة، وحزب الاتحاد الديمقراطي السوري الموصوف بفرع حزب العمال الكردستاني في تركيا (بي كي كي).

وسيكون الأمر أسوأ مع التهميش والتدمير القائم للمعارضة السياسية والمسلحة الحالية (رغم مساوئ الاثنتين ومشاكلهما الراهنة)، وهو سلوك مقترن على نحو عام مع تهميش النخبة السورية في سوريا وخارجها؛ الأمر الذي يعني ترك السوريين في أيدي الغوغائيين والجهلة وعديمي الإمكانات والقدرات، ولعل أكثرية الوفد الذي أرسله النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون لحضور مؤتمر سوتشي مؤشر على النموذج الممكن من القيادات السورية المقبلة، التي تخلقها حرب الفناء والقائمون بها. إنها باختصار حرب تتجاوز في نتائجها وآثارها كل ما يظهر للعين من حيثيات وتفاصيل.

اقرأ المزيد
١٤ فبراير ٢٠١٨
حرب الطائرات فوق جغرافيا الكارثة السورية

بعد أكثر من 115 غارة على الأراضي السورية منذ بدء الثورة عام 2011، وقرابة 36 عاماً من آخر مرّة أسقطت فيها طائرة إسرائيلية خلال اجتياح قواتها لبنان عام 1982، تمكّن النظام السوري أخيراً من إيجاد «الوقت المناسب للرد» على الغارات الإسرائيلية وامتلك الإرادة والإمكانيات لإسقاط طائرة «إف 16» عبر كمين معقّد ساهمت فيه طائرة مسيّرة إيرانية محمّلة بصاروخ توغّلت في الأراضي الفلسطينية، تبع إسقاطها السيناريو المعلوم والمتوقع من خروج ثماني طائرات إسرائيلية لقصف الموقع الذي خرجت منه الطائرة الإيرانية لتقابل بعشرات الرشقات من صواريخ إس 200 (المعروف بـ«سام 5») الروسية الصنع ما أدّى لإعطاب وسقوط طائرة إسرائيلية (أصيب أحد طياريها بجراح خطيرة) وإصابة طائرة أخرى.

على ازدحام الحلبة السورية المفتوحة منذ سبع سنوات على كافة أشكال الصراع الدولية والإقليمية بالمفاجآت فإن إسقاط الطائرة الإسرائيلية يعتبر حدثاً فريداً كونه يوجّه صفعة كبيرة للغطرسة الجوّية الإسرائيلية، ويجعلها، مثل باقي القوى المتصارعة في الأجواء والأراضي السورية، غير محصّنة من نيران العواقب التي تنال المتدخلين هناك، مما يفرض عليها حسابات جديدة لقواعد الاشتباك، ويجعل فكرة تقييد حركة ذراعها الجوّية الطويلة ممكنة.

ولا تغيّر ردود الفعل الإسرائيلية التالية على إسقاط الطائرة (قصف 12 موقعاً إيرانياً في سوريا)، ولا تصريحات رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إن قواته ستواصل العمليات هناك أن واقعة عسكرية (وسياسية بالتالي) جديدة قد ارتسمت في مفادها أن على طائرات إسرائيل أن تتحسّب من ردّ قاس حين تدخل الأجواء السورية.

ورغم أن الفاعلين الرئيسيين في المعادلة المستجدة هما إيران وإسرائيل، فإن هكذا واقعة ما كانت ستمرّ من دون ضوء روسيّ أخضر، وهو ما يمكن ربطه، بسقوط طائرة سوخوي روسية في إدلب قبل أسبوع ومقتل طيارها بصاروخ حراريّ أطلقته المعارضة السورية، تبعه اتهام لواشنطن بالمسؤولية عن تزويد «هيئة فتح الشام» بالسلاح الفعال المضاد للطائرات، وكذلك بالضربة الأمريكية لميليشيات إيرانية وسورية وجنود روس خلال تحرّك لاحتلال حقل غاز في منطقة دير الزور، وقبلها هجوم طائرات مسيّرة متطورة على قاعدة حميميم ما أدّى لإعطاب عدد من الطائرات الروسية هناك.

استخدام منظومة الدفاع الجوي الروسية في سوريا للتصدي لطائرات إسرائيل قد يعني أيضاً أن موسكو تعلّق تفاهمات سابقة مع تل أبيب وتنسّق بشكل كبير مع إيران وهو ما سيدفع إسرائيل لإعادة حساباتها الروسيّة ويجعلها تتمهّل كثيراً قبل أن تفكر بتصعيد كبير ضد طهران.
غير أن أسوأ ما في الأمر، أن هذه الصراعات كلّها تجري في سوريا، وأنها تخضع لحسابات دول تشارك (مع النظام السوري) في دوّامة القتل المبرمج لمئات آلاف المدنيين المحاصرين والجوعى في مشافي وأسواق وأفران ومساجد وبيوت أهل الغوطة وإدلب ودرعا ودير الزور وغيرها.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٤ مايو ٢٠٢٥
لاعزاء لأيتام الأسد ... العقوبات تسقط عقب سقوط "الأسد" وسوريا أمام حقبة تاريخية جديدة
أحمد نور (الرسلان)
● مقالات رأي
١٣ مايو ٢٠٢٥
"الترقيع السياسي": من خياطة الثياب إلى تطريز المواقف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب