مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٨ أبريل ٢٠١٨
الدروس الأفغانية للسوريين

«مع هزيمة قوى الشر الإرهابية، صارت الأوضاع مستقرة (....)، وباتت الحكومة الشرعية مسيطرة على البلاد».
ألا يبدو ذلك مألوفاً بلا مفاجآت؟

ذلك هو الشعار الذي تواصل الآلة الإعلامية الرسمية الروسية تكراره من دون كلل بالإشارة إلى سوريا: لقد انتصر بشار الأسد!

وكان أول ظهور للبيان السابق في عام 1983 في أفغانستان بعد مرور ثلاث سنوات من غزو الجيش الأحمر السوفياتي البلاد؛ للحيلولة دون سقوط «الحكومة الشرعية» التي هيمنت عليها القوى الشيوعية المحلية آنذاك.

ومن ذلك الحين، وبما أن التاريخ لا يكرر نفسه على عكس المثل الدارج، فإنه لا ينبغي على أحدنا الاستنتاج بأن سوريا اليوم هي أفغانستان الأمس.

تبلغ مساحة أفغانستان ثلاثة أضعاف مساحة سوريا، وهي ذات تضاريس أكثر وعورة وصعوبة بالنسبة للعمليات العسكرية. وفي أثناء الغزو السوفياتي للبلاد في ثمانينات القرن الماضي، كان تعداد الشعب الأفغاني وقتذاك يقارب تعداد الشعب السوري اليوم، مع فارق واحد أن القوات المناهضة للشيوعية يمكنها الاستناد إلى الاحتياطي الديموغرافي الهائل في الأجزاء ذات الأغلبية البشتونية في باكستان.

كذلك، وبصرف النظر تماماً عما يتصوره الرئيس فلاديمير بوتين، فإن روسيا اليوم ليست مثل الاتحاد السوفياتي السابق، لا لشيء إلا لأنه منذ سقوط الإمبراطورية السوفياتية، ذاق جيلان من المواطنين الروس طعم الحرية للمرة الأولى. ومع الأخذ بعين الاعتبار تلك المحاذير، تبقى الحقيقة القائمة أن التجربة الأفغانية لديها ما تلقنه للروس عندما يحاول بوتين تحقيق حلمه البائس ببسط هيمنته على أوروبا الشرقية، وأواسط آسيا، ومنطقة الشرق الأوسط.

وخلال الحرب الأفغانية التي دامت 10 سنوات، أرسل الاتحاد السوفياتي ما يزيد على 600 ألف جندي إلى تلك الحرب، بالإضافة إلى جيش قوامه 55 ألف جندي تسيطر عليه كابل، وميليشيات أفغانية أوزبكية يبلغ عددها نحو 20 ألف مقاتل. ونظراً لحرصهم على عدم المجازفة بالأغلبية العرقية الروسية، طلب قادة الكرملين توفير القوة البشرية من الجمهوريات السوفياتية الأخرى. وتم تجنيد المرتزقة من أوزبكستان، وكازاخستان، وتركمانستان. وجاءت كوادر الضباط من أوكرانيا ودول البلطيق.

أما اليوم، فيمكن للرئيس الروسي الاعتماد على جيش بشار الأسد البالغ 80 ألف مقاتل، إلى جانب تشكيلة متنوعة من الميليشيات والمرتزقة. إلى جانب 30 ألفاً من الجنود الإيرانيين والميليشيات التي جندتها طهران من لبنان، وأفغانستان، وباكستان.

ومع ذلك، لا تبسط روسيا القدر نفسه من السيطرة على حلفائها في سوريا اليوم، مثل ما كان الاتحاد السوفياتي يصنع مع حلفاء الثمانينات في أفغانستان من قبل.

لقد حصدت الحرب الأفغانية حياة ما يقرب من 16 ألفاً من الجنود السوفيات، بالإضافة إلى 55 ألفاً من الجرحى والمعاقين. وشارك أكثر من مليون مواطن سوفياتي في تلك الحرب التي استمرت قرابة عقد من الزمان، وهو ما يمثل أكبر عدد من المحاربين القدامى في الإمبراطورية السوفياتية منذ الحرب العالمية الثانية. وبمرور الوقت صاروا يُعرفون باسم «أفغانتسي – أو الزمرة الأفغانية»، الذين يوفرون المدد لتجنيد العصابات الإجرامية، والمتمردين العرقيين، ومهربي السوق السوداء. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ظهر الكثير من عناصر «أفغانتسي» في أوطانهم الأصلية مجدداً، ولا سيما في أوكرانيا ودول البلطيق لقيادة الحركات الوطنية الشعبوية المناهضة لروسيا.

وليست هناك أرقام رسمية يمكن الاستناد إليها حول تكاليف المغامرة الأفغانية. غير أن الأرقام شبه الرسمية تتراوح بين 300 و400 مليار دولار. وعلى النقيض من الاعتقاد السائد أن الإمبراطورية السوفياتية لم تنهار جراء الحرب في أفغانستان، بل كان الأمر، على النحو الذي وصفه يفغيني بريماكوف ذات مرة؛ إذ قال: «إن العقلية التي دفعتنا إلى التدخل في أفغانستان، هي التي تسببت في انهيار الإمبراطورية السوفياتية».

وقال بريماكوف: «لقد ذهبنا إلى أفغانستان لأننا اعتقدنا أن قواعد القوة الكلاسيكية غير منطبقة على الاتحاد السوفياتي. فلقد كان من المفترض للاتحاد السوفياتي أن يشكل حالة خاصة من التاريخ ولا تنسحب عليه قوانين التاريخ بحال».
فهل يرتكب بوتين الخطأ القديم نفسه؟

مع عقلية ضابط الاستخبارات السوفياتي التي تهيمن على تفكيره، يعتقد البعض أنه ربما يرى الأمور بالطريقة نفسها التي كان زعماء الاتحاد السوفياتي يزنون بها الأمور خلال العقود الأخيرة من عمر الإمبراطورية. وذلك هو السبب في أنه ينشئ الزمرة «السورية» من خلال دعم الحكومة المركزية القائمة على الأقلية الحاكمة ضد رغبات السواد الأعظم من الشعب السوري. كما أنه يرتكب الخطأ نفسه الذي وقع فيه أغلب القادة السوفيات القدامى في أفغانستان، عبر رؤية الحرب من الزاوية العسكرية المحضة.

ورغم ذلك، فإن المنظور العسكري البحت للحرب، أي القتال الفعلي للقوات، يمثل نزراً يسيراً، رغم أهميته الفائقة، من أي حرب كانت ضمن سياق هو أكبر وأوسع بكثير.

وبحلول عام 1988، ومن الزاوية العسكرية المحضة، كان الاتحاد السوفياتي قد انتصر في الحرب الأفغانية، وانحاز آخر جيب للمقاومة، تحت قيادة أحمد شاه مسعود، إلى وادي بنشير الأفغاني. والأفضل من ذلك، توصل مسعود إلى اتفاق للهدنة مع الجيش الأحمر. ورغم ذلك، عندما التقينا معه في مخبئه خلال أحلك أيام المقاومة الأفغانية، أعرب عن براعة غير عادية في تحليل الأمور عبر الإصرار على أن الحرب لا تنتهي أبداً من جانب واحد معلناً النصر، لكن يتعيّن على الجانب الآخر الاعتراف بالهزيمة، وأنه ليست لديه نية قط لأن يُقدِم على فعل ذلك.

وبالتالي، كان إعلان النصر في سوريا من جانب فلاديمير بوتين، والذي ردده الأسد كالببغاء المطيع، يبدو مثل الدمية المضحكة، وتضخميه بواسطة الآلة الدعائية الهائلة في الكرملين في الغرب. وهو ليس أفضل حالاً من ادعاءات مماثلة مقدمة من جانب شيوخ الكرملين الذين أصابهم الهرم ووكلاءهم المطيعين في كابل في ثمانينات القرن الماضي.

ولا تعتبر التجربة السوفياتية في أفغانستان هي المثال الوحيد للانتصار في الحرب من الناحية العسكرية المحضة، مع الخسارة السياسية الأكيدة.

فلقد كانت هناك تجربة مماثلة للفرنسيين في عام 1962 في الجزائر، وتجربة أميركية أخرى في فيتنام عام 1974. وفي كلتا الحالتين، خسر الخاسر لأنه اعتمد أجندة أهداف سياسية يستحيل تحقيقها على أرض الواقع: وهي محاولة فرض حكم الأقلية على الأغلبية الرافضة.

وتجربة بوتين السورية أكثر نزعاً إلى اليأس من تجربة السوفيات في أفغانستان، وتجربة الفرنسيين في الجزائر، وتجربة الأميركيين في فيتنام. إذ إنه في وضعية أسوأ من الناحية الاقتصادية، في الوقت الذي تضطر فيه روسيا إلى التعامل مع انخفاض أسعار الطاقة عالمياً مع تشديد العقوبات الاقتصادية الدولية. ومن حيث القوة البشرية، فهو لا يمكنه الاعتماد على الحدود البعيدة للإمبراطورية، في حين أن الغالبية من الشعب الروسي مترددة في الامتثال. وعلى الصعيد العسكري، فإن القوة الروسية متبعثرة للغاية مع انتشار ما يزيد على 100 ألف مقاتل روسي بين داغستان، والشيشان، وشبه جزيرة القرم، وجنوب أوسيتيا، وأبخازيا، ومولدوفا، ودونيتسك.

كما تحتفظ موسكو أيضاً بالآلاف من الجنود في قواعد عسكرية في طاجيكستان وأرمينيا لإظهار القوة العسكرية في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى. ومع ذلك، وفي هذه الأماكن، يواجه الحكام الموالون لموسكو المعارضة الشديدة الموالية للغرب، والتي تشمل مطالبها إغلاق القواعد العسكرية الروسية في بلادهم. وأثناء كتابة هذا المقال، تواجه عاصمة أرمينيا الانتفاضة المسلحة ضد محاولات العناصر الموالية لموسكو تنصيب سيرغي ساركسيان، حليف بوتين، على رأس الحكومة في البلاد.

يقترح بعض النقاد من العواصم الغربية، أنه ينبغي السماح لروسيا بالبقاء عالقة في المستنقع السوري الآسن لأطول فترة ممكنة؛ حتى لا تتسبب في إلحاق الأذى بأي أماكن أخرى حول العالم. وعلى مدى عقد الثمانينات من القرن الماضي، وفي أعقاب الدرس القاسي الذي تلقته في أفغانستان، لم تلحق الإمبراطورية السوفياتية أي أضرار بأي دولة أخرى في العالم حتى انهيار الاتحاد تماماً.

ومن المفارقات، وحتى يتمكن من مغادرة الفخ السوري يحتاج الرئيس بوتين إلى مساعدة ليس فقط من القوى الغربية، وإنما من غالبية الشعب السوري نفسه. وهذا، رغم كل شيء، سوف يستلزم تقديم رأس بشار الأسد على طبق من ذهب كما صنع السوفيات من قبل مع الرئيس الأفغاني الأسبق محمد نجيب الله في كابل.

ورداً على سؤال حول نجيب الله في عام 1989، قال ألكسندر يافكوفليف، فيلسوف المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي: «نجيب؟ مَـن تقصد بنجيب هذا؟ أوه، ذلك الرجل!»

اقرأ المزيد
٢٨ أبريل ٢٠١٨
اقتلاع اليرموك الفلسطيني السوري

كانت وصية الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد) أن يتم دفن جثمانه في مخيم اليرموك في دمشق، ولم يكن تنفيذ هذه الرغبة سهلا، لأن الرئيس السوري حينذاك، حافظ الأسد، رفض التجاوب معها، ولكن بعد انتظار ووساطات قامت بها شخصياتٌ رفيعة المستوى، استجاب الأسد بشروط، منها أن تكون مراسيم التشييع محدودة جدا، وتحت إشراف الأجهزة السورية.

وكان السؤال يومها: لماذا تحرّج الأسد من الموافقة على دفن شخصيةٍ بقامة أبو جهاد في مخيم اليرموك، والرجل هو الثاني في الثورة الفلسطينية، وقائد انتفاضة الحجارة، في وقتٍ كان يمكن للإعلام الرسمي السوري استثمار المناسبة، وتوظيفها لصالح القيادة السورية المطعونة بشرفها الفلسطيني؟

لم يكن الأسد على تفاهم مع قيادة حركة فتح التي يحتل أبو جهاد موقع الرجل الثاني في هرميتها بعد ياسر عرفات. وليس سرا أن الأسد اختلف مع قيادة "فتح"، منذ كان وزيرا للدفاع، وقبل أن يصل إلى الرئاسة في انقلاب 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1970، وعارض أن يكون للحركة أي حضور أو عمل من داخل سورية، ما لم يكن تحت إشراف الأجهزة السورية، وفي المقام الأول الأعمال الفدائية ومعسكرات التدريب، وهذا يفسر موقفه من المواجهات العسكرية بين الثورة الفلسطينية والحكم الأردني في سبتمبر/ أيلول 1970، حيث أخذ جانب السلطات الأردنية، ورفض تقديم العون للمقاومة الفلسطينية التي تعرّضت لنكسة كبيرة.

حصلت المواجهة الكبيرة بين الأسد وحركة فتح، وكانت على الساحة اللبنانية، واستمرت طوال عقد السبعينيات حتى خروج الثورة من بيروت في سبتمبر/ أيلول 1982، وكان عنوانها الصراع على القرار الفلسطيني المستقل الذي مثله نهج عرفات السياسي، ويشكل ذبح مخيم تل الزعتر في 1976 محطة رئيسية في حرب المقاومة مع النظام السوري.

وطوال الصراع، شكل مخيم اليرموك مكانا عصيا على النظام السوري الذي وضعه تحت المجهر، ونشر فيه أتباعه من الفصائل الفلسطينية الذين تفرّغوا لرصد النشاط الفلسطيني، غير المندرج ضمن توجهات النظام، لكن الكتلة الشعبية في المخيم كانت عكس التيار، مثل بقية تجمعاتٍ فلسطينيةٍ في الداخل والخارج، تقف إلى جانب منظمة التحرير وقائدها ياسر عرفات، وهذا ما ظل على الدوام يؤرق حافظ الأسد الذي كان يدرك أن دفن أبو جهاد في اليرموك ذو قيمة رمزية لا تصب في رصيد من ذبح تل الزعتر.

ولم يكن اليرموك مخيما لاستيعاب الشتات الفلسطيني كما بقية المخيمات، بل حالةٌ فريدةٌ طغى عليها النفس المناهض للنظام ضمن مزيج فلسطيني سوري نشأ، في البداية، على نحو عفوي، ومن ثم تحول إلى نوع من الهوية الخاصة تدمج المشتركيْن الفلسطيني والسوري، وتحوّل مع الوقت إلى تماهي معارضة النظام باعتناق القضية الفلسطينية، وهذا ما جعل النظام يحسب للمخيم حساباتٍ كثيرة. ومن هنا، وقف المخيم مع ثورة الشعب السوري، ولم تتمكّن مفارز العملاء من إسكاته، ومنعه من التحول إلى ساحة فعلية للحراك الشعبي الذي استعصى فيه على النظام ضرب معادلة المخيم التي أنتجت الفلسطيني السوري والسوري الفلسطيني.

جرى التعامل مع المخيم بالطيران الحربي، ولم يوفر النظام سلاحا إلا واستخدمه، وخصوصا الحصار والتجويع الذي أدّى إلى هجرة جماعية. وطرح بعض قادة النظام، في أكثر من مناسبة، مسألة التخلص من المخيم نهائيا، لاجتثاث جذور الشجرة الفلسطينية التي ضربت عميقا في الأرض السورية.
تدمير اليرموك نوع من الرهان التجاري البحت أيضا لدى جناحٍ من المحاربين في صف النظام، لأن موقعه الجغرافي في وسط دمشق يشكل نقطةً على غاية من الأهمية. وهذا أمر يوازي، في أهميته، مخطط النظام وأعوانه لمسح الأثر الفلسطيني من سورية الجديدة التي لا مكان فيها لأهل فلسطين ولا للقضية.

اقرأ المزيد
٢٨ أبريل ٢٠١٨
هزيمة الغرب في سورية

تعاقبت، في الأسابيع والأيام الأخيرة، المبادرات الدولية للخروج من المأزق الخطير الذي وضعت فيه سياسة الإبادة الجماعية والتدمير المنهجي لموطن السوريين ومدنهم وقراهم المجتمعَ الدولي بأكمله. وتوالت اللقاءات بين قادة الدول الكبرى وخلوات مجلس الامن للتداول في مخاطر ترك الوضع السوري نهب النزاعات الدولية والإقليمية. ويكاد لا يحصل لقاء قمة اليوم بين الدول الفاعلة من دون أن تكون القضية السورية في محور مناقشات الزعماء ومداولاتهم.

تبرهن هذه التغيرات السياسية على الصعيد الدولي حقيقة أن الاستعصاء الذي عرفته مفاوضات الحل السياسي في سورية  لم يأتِ نتيجة انقسام المعارضة، كما كانت تدّعي وتتذرع دولٌ كثيرة، ولا نتيجة رفض المعارضة أو السوريين الحوار فيما بينهم، وعجزهم عنه، وإنما بسبب الصراعات الدولية والمواجهات الجيوسياسية التي استخدمت الصراع السوري لخدمة أغراضها وأمسكت بمفتاح الحل فيه. وفي هذا السياق، ينبغي أن نفهم التدخلات الإيرانية والروسية التي هدفت إلى الحيلولة دون انتصار الثوار السوريين، والمساومات الدولية المستمرة وغير المعلنة التي قلبت مسار الحرب أكثر من مرة، ومنعت أي حسم عسكري بانتظار نضوج العروض السياسية.

ولعل أهم هذه العروض الجديدة ما تداولته الصحافة عن عرض قيل إنه قُدّم من الغربيين للروس لقاء تخليهم عن الأسد وقبولهم الإفراج عن مفاوضات الحل السياسي، وإنهاء المحنة السورية. وحسب ما أوردته الصحافة، تضمن العرض الغربي ثلاثة بنود. الأول الاعتراف لروسيا بقاعدتيها العسكريتين، البحرية والجوية، في طرطوس وحميميم، على المتوسط، وضمان الحفاظ عليهما حتى بعد تغيير النظام، واعتبار ذلك حاجةً ومصلحةً شرعية لروسيا لترتيب أوضاع أساطيلها في المتوسط. والثاني تقديم الأموال الضرورية لإعادة إعمار سورية وإنقاذ موسكو من السقوط في مستنقع مشابه للذي وقعت فيه واشنطن في العراق، ولا تزال تغوص في وحوله من دون أن تعرف كيف تخرج منه، والثالث استيعاب روسيا في النظام الغربي، واعتبارها شريكاً في أي قرار يتعلق بالمسائل الدولية، بحيث لا يتم البحث في حل أي مشكلة دولية من دون مشورتها ومشاركتها.
إذا صحَّ خبر هذا العرض، نستطيع القول إن هناك انقلاباً كاملاً في السياسة الغربية تجاه روسيا، واعترافاً من الغرب بهزيمته في سورية في المرحلة الراهنة، واستعداده للعمل مع روسيا للخروج من لعبة التحطيم المتبادل، المستمرة منذ سبع سنوات، والتي كانت سورية وشعبها ضحيتها الرئيسية.

أعاد هذا النبأ إلى الذاكرة مداولاتي مع الروس والغربيين في بداية تشكيل المجلس الوطني السوري، والذي رأسته شخصياً في أشهر إطلاقه الأولى. وهي تظهر، كما سأبين، أن الغرب كان يستطيع، بأقل من هذه التنازلات بكثير، أن ينال تعاون موسكو في البحث عن حل سياسي جدي، ويحول دون حصول الكارثة السورية، لو قبل بوضع حد لاستهتاره بروسيا ومصالحها، واعترف بها طرفاً مؤهلاً للحوار، وشريكاً في التعاون على التخفيف من حدة الصراعات والنزاعات الدولية، تماماً كما حصل في مواجهة الحرب ضد "داعش"، وكما يحصل الآن عندما يزحف الغرب على أعتاب الكرملين، بحثاً عن حل يخرجه من الورطة التي وضع نفسه فيها، بسبب تخبط سياساته، وموقفه الهزيل والخاطئ معاً من الثورة والمعارضة السورية، ومن أحداث الربيع العربي عموماً.


(1)
بعد أسابيع من تشكيل المجلس الوطني السوري، تلقيت دعوة من وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لزيارة موسكو، والتباحث حول المسألة السورية في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 . وكان ذلك مصدر تفاؤل كبير لنا، لاعتقادنا أن من الممكن أن يفتح ذلك نافذة في الموقف المتصلب والمعادي الذي وقفته موسكو من الثورة السورية في الأشهر الثمانية الماضية التي امتلأت فيها شوارع سورية وساحاتها بدماء المتظاهرين السلميين. لكنني من اللحظة الأولى للمقابلة، فوجئت بخطاب عنيف وقاس يستهدف قضيتنا، حتى لو أن جام غضب الوزير الروسي قد انصب على خداع الغرب وسياساته العدوانية. والواقع أن حديث لافروف مع وفد المجلس كان بأكمله مرافعةً اتهاميةً لا تنتهي ضد الغرب وسياساته، في العراق وليبيا وأوروبا، وتدخله الدائم في الشؤون الخاصة بالدول، وتحضيراته للتدخل المقبل في سورية، ومن ثم تأكيد تصميم الروس على مقاومة هذه السياسة، وعدم التراجع خطوة واحدة هذه المرة.

كان جهدي كله منصباً عندما يأتي دوري في الكلام على إعادة الحديث إلى الموضع السوري، والتذكير بما يحدث في سورية، والتداول في إمكانيات وفرص التفاهم لوضع حد لسفك الدماء، والتوصل إلى مخرج من الأزمة المتفاقمة. لكن في كل مرة كان لافروف ينقل الحديث، من دون مقدمات، إلى موضوع خداع الغرب وعدائه الروس والشعوب، ويتجنب متعمداً أي دخول في النقاش الذي ذهبنا من أجله. عبثاً حاولتُ أن أجرّه إلى الموضوع السوري، وإقناعه بأن الأمر يتعلق بتغيير سياسي داخلي، ولا يهدف بأي شكلٍ إلى تغيير تحالفات سورية الاستراتيجية وتوجهاتها الدولية، وأن قاعدة طرطوس البحرية الروسية لن تمسّ، بل إنه لا مانع لدينا للسماح لموسكو ببناء قاعدة عسكرية إضافية. ومما حاولت أن أركز عليه أن الشعب السوري غيور على استقلاله وسيادته، ولذلك سعى منذ الاستقلال إلى إقامة علاقات قوية مع روسيا لموازنة علاقاته مع الغرب، وأن المعارضة حريصةٌ على الحفاظ على هذه العلاقات التاريخية، والتعاون المثمر مع روسيا، وأظهرت حماساً أكبر لهذه الفكرة فقلت: لو تخليتم أنتم عنا نحن لن نتخلى عنكم، لأننا لا نريد أن نسقط في دائرة التبعية الأحادية للغرب.

ولا أعتقد أنه كان خادعاً، عندما رمى بعروضي جميعاً عرض الحائط، وبكلمة واحدة، قائلاً: إن قاعدة طرطوس لا قيمة عسكرية لها، وهي مجرد منصة لتزويد السفن الروسية بالخدمات، وأن روسيا لا تبحث في موقفها عن مكاسب في سورية، وأن الأسد كان حليف الغرب ورجله، ولم يقم بزيارة لروسيا سوى بعد خمس سنوات من رئاسته، وأن ما يهم موسكو في هذا الموضوع هو منع التدخل الغربي في سورية والحفاظ على حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه.

وقد أصبح جلياً لي، بعد ما يقرب الساعة من المداولات، أن سورية بأكملها لا تعني روسيا كثيراً، وهي ليست في محور اهتمامها الرئيسي لتحقيق مكاسب مادية أو سياسية. كانت أكثر من ذلك بكثير، فرصة لا تعوّض من أجل إظهار إرادة روسيا التي لطختها العنجهية الغربية بالوحل، وقدرة موسكو على تحدي إرادة الغرب، وإفشال خططه في سورية، وعدم السماح له بتحقيق ما نجح به في العراق وليبيا، ومن قبل في أفغانستان وأوروبا الشرقية، بصرف النظر عن أي اعتبار آخر، ومهما كانت التكاليف والخاسرون الذين صدف وكانوا عموم السوريين.

قلت بعدما يئست من إمكانية زحزحة الوزير عن مواقفه المتصلبة، ورفضه الحديث عن المحنة السورية من وراء المبالغة في التركيز على عدوانية الغرب وتدخلاته العسكرية، وبهدوء بالغ: سعادة الوزير، انظرْ إلي جيداً. أنا لستُ غربياً، ولم آتِ إلى هنا ممثلاً للغرب، ولا لمناقشة الخلافات الروسية الغربية، ولا يهمني الآن مصير علاقتكم مع الغرب. أتيت إلى هنا ممثلاً لشعبٍ يذبح كل يوم مئة مرة، وهو شعب محب لروسيا، وصديق لها منذ سبعين عاماً، لا صديق الغرب، ثم إنك تتحدث مع إنسان قضى عمره في نقد سياسات الغرب، وأولها حماقته في غزو العراق وليبيا. إذا كانت لديكم حساباتٌ مع الغرب، فالرجاء أن لا تسعوا إلى تصفيتها على حسابنا، فنحن شعبٌ صغيرٌ لا يتحمل مثل هذا الصراع.

هذه كانت اللحظة الأولى التي خرج فيها عن تجهمه وحدَّ من لهجته العدائية، وأظهر ما يشبه الابتسامة علامة الرضى. لقد أدرك بالتأكيد أن رسالته قد وصلت. وأصبح بإمكاننا أن ننتقل إلى الحديث في محنة سورية ومأساتها. واستمر اللقاء ضعف الوقت الذي كان مخصصاً له، ثم بعد اعتذاره بسبب ارتباطاتٍ أخرى، أحالنا إلى مساعده ومستشار الرئيس الروسي ميخائيل بوغدانوف لمتابعة الحوار معه أكثر من ساعتين إضافيتين، وكان بوغدانوف في ذلك اللقاء مثالاً للود والتفهم والعطف على القضية السورية.


(2)
كان الغربيون، وهنا بيت القصيد، ينتظرون نتائج لقائي مع لافروف بفارغ الصبر. فقد كانوا يفتقرون لأي خطة عمل من أي نوع، عسكرية أو سياسية، في المسألة السورية، نتيجة الموقف الذي اختاروه في عدم التورط وتكرار نمط التدخلات الكارثية التي جرت في العراق وليبيا ومن قبل في أفغانستان. وكانت سياستهم الوحيدة تجاه الأزمة السورية الوصول إلى مفاوضاتٍ تجمع المعارضة والنظام. وهكذا شجعوا على إصدار مبادرة جامعة الدول العربية التي تحولت إلى مبادرة دولية باسم مبادرة جنيف، في يونيو/ حزيران 2012، واكتفوا بفرض بعض العقوبات على النظام. لكن العجيب أن كل رهانهم كان مرتبطاً بإقناع الروس بالضغط على النظام، لدفعه إلى قبول الحل السياسي، في الوقت الذي كان كانت فيه موسكو هي التي تضغط على النظام لتعطيل المفاوضات والاستمرار في الحرب، لتبقي مفتاح الحل في يدها وسيلةً للضغط على الغرب، ووضع دبلوماسيته واستراتيجيته السلمية في طريق مسدود، وتجرده من أي خيارٍ بديل.

أمام تصلب الروس، لم يكن لدى الغرب الذي وجد سياسته للحل السلمي والمفاوضات في مأزق لا مخرج منه، وحرم نفسه من أي بديلٍ باستبعاده كل الخيارات الأخرى، لم يبق في يده سوى الانتظار، ونصح المعارضة وتشجيعها على الحوار مع موسكو، ربما في انتظار معجزة انقلاب الموقف الروسي على نفسه، أو اعتقاداً بأن روسيا لا تملك وسائل الاستمرار طويلاً في سياستها المعطلة لمجلس الأمن.

في هذه الأجواء، كان من الطبيعي أن ينتظر الغربيون بفارغ الصبر نتائج لقائي الأول مع الوزير لافروف لمعرفة اتجاه الريح. وكان تقديري الذي نقلته لهم، من دون ذكر تفاصيل الحوار مع الوزير الروسي، أن موسكو ليست مغلقة تماماً على الحوار، ومن الممكن تطوير موقفها، لكن ما تطلبه ليس في متناولنا نحن السوريين، لسوء الحظ، ولا يهمها كثيراً كل ما نقدمه لها. قالوا كيف ذلك؟ قلت إن ما تطلبه موسكو لا يوجد إلا عندكم، وهو احترامها واعترافكم بها شريكاً في السياسة الدولية، وهذا ما يهمها أكثر من أي قواعد عسكرية واستثمارات اقتصادية في سورية. فهي غاضبة منكم وناقمة على تعاملكم معها بالعقوبات كدولة من الدرجة الثانية. وذكرت لهم بعض أفكار المرافعة العنيفة التي سمعتها من الوزير لافروف ضد سياساتهم. وأضفت: لذلك إذا أردتم ان تساعدونا، نحن السوريين، لا يكفي أن تفرضوا عقوبات على روسيا، ينبغي، بالتوازي، أن تفتحوا حواراً معها. كان الجواب حاسماً وفورياً ومن دون تردد : هذا مستحيل. وليس الحوار الذي تريده موسكو حول سورية فحسب. بالعكس إنها ترفض الحوار عن سورية، لأنها تريد أن تستخدم قدرتها على تعطيل الحل وسيلةً لفتح حوار شامل مع الغرب. وهذا ما فهمه الغربيون أيضاً ورفضوا الحديث فيه. وقد أدركت بعد هذه المحادثة أن قضيتنا، نحن السوريين، في مأزق عميق. وكتبت بعدها أنه لا مخرج من المحنة السورية إلا بأحد حلين: تفاهم بين موسكو وواشنطن أو تفاهم بين الأطراف السورية فيما بينها. وكلاهما بدا في تلك اللحظة بعيد المنال، بل من باب المحال.

كانت تلك من أكثر اللحظات يأساً في حياتي، ليس لأنني أدركت انسداد الأفق السياسي لأزمةٍ يذهب ضحيتها مئات الشباب كل يوم، لحساب عملية تصفية حساباتٍ في النزاع الغربي الروسي، وإنما أكثر من ذلك لأن المعارضة التي كنت أنتمي لها كانت في عالم آخر، غير قادرة على فهم مثل هذا الكلام ولا حتى سماعه، زاحفة نحو السلاح، واثقة من النصر، ومنغمسة في الإعداد لحقبة ودستور ما بعد الأسد، ومنشغلة بتوزيع مناصب السلطة والنفوذ فيها على الأحزاب والتجمعات والمجموعات المتنازعة.


(3)
في انتظار أن يرضخ الغربيون لمطالبها، قرّرت روسيا أن تستخدم سورية ميداناً لإبراز إرادتها القوية في المواجهة السياسية، وقدرتها على إنزال الأذى بمصالح الغرب العليا، أي بسمعته وصدقيته الاستراتيجية والأخلاقية، إلى أبعد مما كان الغرب يتصوّره، وتدفيع حكوماته المستهترة بالقانون الدولي ومصالح الشعوب وسلامها، ثمن سياساتها السابقة، أكثر ما يمكن من الإذلال والإهانة. وهكذا أطلقت أيدي الأسد وحلفائها الإيرانيين على الجبهة العسكرية، وأغلقت طريق المفاوضات السياسية، واكتفت على الجبهة الدبلوماسية بالمناكفات في مجلس الأمن، وتقطيع الوقت بمشاوراتٍ لا تنتهي بشأن قراراتٍ أممية لا تكاد تصدر، بعد تفريغها من محتواها، وسحب الصاعق منها، حتى تفقد قيمتها، لتبدأ مشاوراتٌ جديدةٌ على قرارات بديلة، وهلم جرّا.

وبعكس ما يعتقد كثيرون، لم يكن استخدام الأسلحة المحرمة في الحرب السورية، بما فيها الكيميائية، مبادرة منفردة أو طائشة من الأسد وحلفائه الإيرانيين. وما كان في وسع هؤلاء أن يسمحوا لأنفسهم بتحدي الإرادة الدولية، الحساسة جداً في هذا الموضوع، لو لم تكن تلك إرادة الروس أنفسهم في سعيهم إلى إظهار مدى قدرتهم على الذهاب بعيداً في تحدي سياسة الغرب وتحطيم منظومة القيم والتقاليد والأعراف الدولية التي يقيم عليها أركان هيمنته العالمية. المستخدم الحقيقي والأول لأسلحة الدمار الشامل، التي طالما ادّعى الغرب أنه لن يقبل أن يستخدمها أحد، وبنى شوكته على فرض احترامها عندما يريد، هي موسكو. والهدف هو بالضبط كسر صدقية الغرب، وإظهار عجزه وقلة حيلته وتراجعه أمام إرادة روسيا الحديدية.

لقد أراد الروس تمريغ وجه الغرب في الوحل في سورية، وقد فعلوا ذلك، وربحوا هذه الحرب. وحاول الغربيون أن يغطوا على هزيمتهم وانسحابهم من المواجهة مع روسيا بتضخيم مسألة الحرب على الاٍرهاب، والتطبيل الإعلامي لمساهمتهم فيها، لكنهم في المحصلة النهائية خسروا الحرب الاستراتيجية، وتركوا سورية رهينة في يدي موسكو وطهران. لم يحصل ذلك بسبب التفوق العسكري الروسي عليهم، ولا بسبب افتقارهم الحنكة والحكمة والتفاهم فيما بينهم، ولكن لأنهم لم يفهموا طبيعة الحرب، وأبعادها العولمية وقرّروا منذ بداية الأحداث السورية أن يبقوا خارجها، وأن لا يتورّطوا فيها، أي أن لا يكون لديهم أي خيار، لا سياسي ولا عسكري، وأن يتركوا مفتاح الحل في يد غيرهم، واكتفوا من الخطط السياسية بالعقوبات والتصريحات العنترية استراتيجية لردع الروس أو الايرانيين وفرض التراجع عليهم. فخرجوا من الصراع قبل أن يبدأ، وأخفوا انسحابهم واستقالتهم الأخلاقية والسياسية وراء سحابةٍ هشّةٍ من الحديث عن انقسام المعارضة وتشتتها.

والواقع أن الغربيين قد فكروا بمنطق الحسابات والمكاسب المادية الصغيرة، واعتقدوا أن سورية لا تملك ما يثير الحماس لإنقاذها، وهي لا قيمة لها ولا أهمية، وأقنعوا أنفسهم بأن روسيا لن تفيد من احتلالها شيئاً، إن لم تدن نفسها بالسقوط في مستنقع أفغاني جديد. لكن الروس الذين لم يفكروا بسورية أصلاً، ولا بمواردها الطبيعية، ولم يهمهم مصير شعبها، لكنهم جعلوا من إبادته الجماعية درساً وعبرة للغربيين وغيرهم، نظروا إليها حرباً استراتيجية لتغيير موازين القوى وقواعد الاشتباك العالمية، وتعاملوا معها فرصة لتحطيم كبرياء الغرب وغطرسته وإنهاء استفراده بالقرار الدولي، أي مناسبة لتقويض صدقيته الاستراتيجية، وزعزعة هيمنته الإقليمية والعالمية، وتركيعه، وإظهار جبنه ونذالته أمام أنظار شعوب العالم أجمع.

هذا هو المعنى الحقيقي للعرض الذي تحدثت الصحافة عن تقديمه من الغرب لروسيا في سبيل وقف المذبحة السورية. وهو يمثل اعترافاً من الغرب بفشله في التعامل مع المسألة السورية، وخسارته المبادرة في الشرق الأوسط، بسبب رفضه الالتزام بمسؤولياته الدولية، والتخلي عن التضامن الإنساني الذي هو جوهر رسالة المنظمة الدولية ومواثيق الأمم المتحدة ومبرّر وجودها.

والسؤال: ماذا ربحت روسيا بالضبط، وهل هي قادرة على تحمل تكاليف هذا "النصر" الأكثر مرارة وخطراً من الهزيمة؟ وهل ينجح الغرب في ضم روسيا إلى دائرة القرار الدولي، ويقطع الطريق على ولادة حرب باردة جديدة تهدد بتحويل سورية إلى كورية ثانية، أم هو في طريقه إلى بلورة الرد الرامي إلى تقويض صعود روسيا والقضاء على مكاسبها الهشة الجديدة؟ للحديث بقية.

اقرأ المزيد
٢٧ أبريل ٢٠١٨
تقسيم سورية خطة بديلة دائمة

 أن تعلن روسيا، التي باتت تملك اليد العليا في سورية، أنها لا تضمن بقاء البلد موحداً، فهذا يثير إشارات استفهام كثيرة عن حقيقة الأوضاع وتطوراتها في سورية، بخاصة أن التحذير الروسي الذي ورد على لسان نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف، جاء بعد الضربة الثلاثية ضد نظام الأسد مباشرة. فهل يعني ذلك أن روسيا بدأت تقرأ التطورات في سورية من زاوية تجربتها الأفغانية؟ وهل رأت في التحالف الثلاثي، الأميركي- الفرنسي- البريطاني، مقدمة ونواة لتحالف أعرض سيضع روسيا في عين الإستهداف، وبالتالي فمن الأفضل إشهار ورقة التقسيم في وجه الجميع وإرباكهم.

وتعمل روسيا، في سورية، وفق صيغتي، التقاسم والتقسيم، فمن جهة تقاسمت مع إيران وتركيا مناطق النفوذ في عملية واضحة لا لبس فيها، بحيث توزعت الجغرافية السورية حسب حاجة البلدان الثلاثة، بما يراعي المشاريع الجيوسياسية لكل منها، فالغرب السوري مصلحة روسية نظراً لوجود الموانئ المتوسطية، والوسط من حصة إيران التي ترغب في توسيع هامش مساحة حلفائها شرق لبنان والسيطرة على المقامات في دمشق وجنوبها، والشمال لتركيا لحماية أكرادها من عدوى التمرد القادم من الجنوب.

غير أن من شأن المراقب ملاحظة أن روسيا لم تضف شحطة قلم على الخريطة «الخطة»، التي أطلق عليها الإستراتيجيون، تسمية «الدولة العلوية»، وفي تسمية أخرى «سورية المفيدة» وهو المشروع الاحتياطي لنظام الأسد وحليفته إيران، في لحظات الضعف التي مروا بها، واقتربوا من تطبيقه، وحتى الإعلان عنه بشكل صريح، يوم أعلن بشار الأسد أن قواته مضطرة للتخلي عن مناطق بعيدة ونائية لحماية مناطق ذات أهمية أكبر، كان ذلك قبل أن يطير قاسم سليماني لطلب نجدة بوتين، وقبل أن يتسلّل هذا الأخير بأسلوب قرصاني على السفينة السورية المترنحة. وبناء على هذه التطورات، خرجت إيران من وضعيتها القلقة والتراجعية في سورية، إلى وضع مريح، تستطيع من خلاله استدراك إضافة تفاصيل جديدة ليتحول تدخلها لاستقطاع جغرافية محدّدة من سورية، إلى مشروع جيوسياسي يهدف إلى السيطرة على الطرق البرية، في العراق وسورية، وتسعى للسيطرة على البادية الشامية حتى البوكمال، معبر طريقها من العراق، بديلاً عن التنف الذي سيطرت عليه القوات الأميركية.

اليوم، وبعد الغارة الثلاثية، تعود روسيا إلى الاستئناس بخطتها الأثيرة، القائمة على إجتزاء مساحات معينة من سورية، على قاعدة» ليس في الإمكان أفضل مما كان» واضعة مسؤولية هذا الامر على الأخرين، والظهور بمظهر من أراد الحفاظ على وحدة سورية لكن الحلف الأخر كانت له كلمة مختلفة، وبالطبع بتلميحها بقضية التقسيم تحاول روسيا إبتزاز الغرب، وخلق إنقسامات في تحالفه، على إعتبار أن تقسيم سورية سيشكل التطبيق الحرفي لنظرية» إنهيار قطع الدمينو»، وسيتحوّل التقسيم في سورية إلى دينامية تفكيكية تشتغل على مساحة الشرق الأوسط كله، ولا أحد من داخل المنطقة أو خارجها له في مصلحة في هذا الوضع.

شكّلت فكرة تقسيم سورية، خطة بديلة يضعها الروس والإيرانيون في جيوبهم، بعد أن يحجزوا لأنفسهم مواقع تتطابق مع مشاريعهم، وكما أدارت روسيا لعبة تقاسم النفوذ مع حلفائها وأصدقائها وخصومها في سورية، فليس لديها إشكالية في التكيّف مع واقع تقسيمي مع ثلاثة أو أربعة أطراف، غير أن أي سورية من السوريات الجديدة، لا تلك التي في السواحل أو البوادي أو المناطق الحدودية، ستكون قابلة للحياة، ذلك أن جغرافية الأقاليم السورية مصممة وفق «سايكس بيكو» على منطق الاعتمادية المتبادلة، وهي الصيغة التي لم يبتدع أحد أكثر منها ملاءمةً وقابلية للحياة.

اقرأ المزيد
٢٧ أبريل ٢٠١٨
التوازن المحسوب بين إيران وإسرائيل في سوريا

شكلت الضربة الإسرائيلية لأكبر مطار عسكري (تي فور) بريف حمص وسط سوريا، والتي أدت إلى مقتل 14 شخصا بينهم سبعة عسكريين إيرانيين، علامة فارقة في التوازن المحسوب بين إيران وإسرائيل في سوريا.

وجاءت الضربة التي شنها الطيران الإسرائيلي ضد قوات إيرانية في سوريا؛ بعد مجزرة كيماوي الغوطة التي ارتكبتها قوات النظام السوري بالتعاون مع إيران وروسيا، لتفتح تساؤلات حول إمكانية انجرار إيران وإسرائيل لتصعيد غير محسوب يؤدي لوقوع مواجهة بين الطرفين؟!

فقد أكد وزيران في إسرائيل على مواصلة "التحرك" ضد التواجد الإيراني في سوريا. وكرر وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان القول إن "التمركز العسكري لإيران في سوريا يشكل تهديدا لأمن إسرائيل"، فيما قال وزير التعليم ورئيس حزب البيت اليهودي، المتطرف نفتالي بينيت: "لا يمكن أن تصبح حدودنا الشمالية باحة مفتوحة لـ[الرئيس السوري] بشار الأسد".

ولا تزال تل أبيب تتحسب من إمكانية استهداف إيراني أو سوري لأراضيها، ردا على الضربات العسكرية الغربية الأخيرة، أو انتقاما لقصف قاعدة "تي فور" الجوية، خصوصا وأن علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، توعد بأن الضربة "لن تبقى من دون رد".


الدو الروسي.. توازن دقيق
وتؤكد تقارير إسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي يستعد لإمكانية ردّ انتقامي إيراني، وأنه يتحسب لجميع السيناريوهات سواء جوا بطائرات من دون طيّار، أم بقصف صاروخي ينفذ من الأراضي السورية.

وما لا شك فيه أن الضربة الإسرائيلية التي استبقت القصف الأمريكي والبريطاني والفرنسي، كانت تهدف إلى فرض إسرائيل لنفسها كطرف مسيطر على الحدود مع سوريا، ومنع كل ما من شأنه تمادي الدور الإيراني واقترابه من الحدود، بما يمثله ذلك من تهديد جديد للدولة الصهيونية. وفي سبيل ذلك، تجازف حكومة بنيامين نتنياهو باستفزاز إيران للتلويح لها بإمكانية نشوب معركة شاملة مع النظام الإيراني الذي يشكل برنامجه النووي مصدر تهديد محتمل للعدو؛ الذي هو غير راض عن توقيع اتفاق نووي غربي مع طهران لمنعها من تشكيل تهديد لإسرائيل، خصوصا مع سيطرة إيران على أجزاء حدودية قريبة من إسرائيل.

وفي هذا السياق، تلعب موسكو دورا مهما في لجم التصعيد المحتمل بين القوتين، وذلك ضمن تفاهم مع واشنطن لمنع انجرار المنطقة لتصعيد شامل قد يصعب السيطرة عليه إن تطور. ولا شك أن طهران ضبطت نفسها لإنجاز مهمتها بالسيطرة على سوريا ودعم النظام السوري، باعتباره الضمانة الوحيدة لتواجد إيران في المنطقة وحماية نفوذها الشيعي الطائفي فيها، وعلى الأخص قوة حزب الله في المواجهة المحتملة بلبنان، وضمان استمرار التواصل الجغرافي من طهران إلى سوريا عبر العراق، وصولا إلى لبنان والشاطئ السوري.

ولكن استمرار تحرش العدو بإيران قد يدفعها للرد، ما قد يثير سلسلة من الأفعال وردود الفعل، ويحرج الدور الروسي الذي تكفل بالحفاظ على التوازن الهش بين إيران وإسرائيل.

ولا ننسى أن كل طرف معني بتحقيق إنجاز في الساحة قد يتعثر معه الدور الروسي، ولكن أغلب الظن أن التوازن المحسوب سيبقى قائما بالجهد الروسي على الأقل.


موقف أمريكي منحاز
وفي المقابل، هناك انحياز أمريكي لإسرائيل جعل ترامب يحاول إقناع حلفائه الغربيين بأن الاتفاق النووي الذي أبرم مع طهران في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما غير كاف لمحاصرة إيران ومنعها من محاولة إنجاز اختراق في تحقيق تقدم بإنتاج قنبلة نووية تشكل رادعا لإسرائيل في المستقبل، وبما يضر بالتفوق الإسرائيلي نوويا في المنطقة.

وتستفيد إسرائيل من هذا الموقف بالحفاظ على غموضها النووي، وبإبقائها متفوقة على جيرانها في الإطار النووي، فضلا عن الأسلحة التقليدية. كما تستفيد إسرائيل من الإطار السياسي من خلال الانحياز الأمريكي لها ضد إيران، الأمر الذي يجعلها مرتاحة نسبيا في التصدي للوجود الإيراني في سوريا...

غير أن هذا الموقف قد يغري إسرائيل بمغامرات (مثل مغامرة التي فور)، ويضعف بالتالي الموقف الروسي ويدفعه لإعادة حساباته بتزويد سوريا أو إيران بمنظومة "أس-300" للصواريخ، والتي كان يؤجل تزويد إيران بها حتى ما قبل ضربة التي فور.


توازن محسوب
وتبقى روسيا هي التي تتحمل العبء الأكبر في توازن الأوضاع في سوريا، في ظل انسحاب أمريكي وعدم وجود إجماع عربي الذي يتجه بجله نحو التحذير من خطر إيران، ويقدمه على خطر إسرائيل التي تشكل أصل الشرور في المنطقة.

إن التوازن السياسي مع أمريكا يظل قائما في ظل سعي روسيا لإنهاء العقوبات الغربية عليها بسبب سياساتها في القرم، وسيحد هذا من أي توسع للدور الروسي ولجما له في سوريا تحت بند الحوار في جنيف بعد فشل حوارات سوتشي.

وستظل سوريا منطقة صراع دولي وإقليمي حتى مع انتهاء ظاهرة التنظيمات المسلحة، ولكن هناك شك في تطور الصراع بين طهران وتل أبيب إلى حرب، طالما أن حسابات كل طرف تصب في اتجاهات قد لا تتعارض مع بعضها البعض. ومن ذلك مناطق النفوذ والسيطرة في المنطقة.

اقرأ المزيد
٢٦ أبريل ٢٠١٨
ما وراء الضربة الأميركية؟

على الرغم من محدوديتها، وبعدها عمَّا كان متوقعاً، وعلى الرغم من الإعلان المسبق عنها الذي أتاح للنظام وحلفائه الاستعداد التام لها، حققت الضربة الأميركية الأوروبية على مواقع للنظام في سورية بعض غاياتها، خصوصا فيما يتعلّق بموضوع الأسلحة الكيميائية. لكنها، من جهة أخرى، أعادت مجدداً وضع النقاط على الحروف، فيما يتعلق بالوضع الدولي وموازين القوى ومفاعيلها السياسية، ولعل هذا الجانب هو سببها الرئيس. ومن يهمهم الأمر، سيقرأون الرسالة التي هدفت إليها الضربة بإمعان، خصوصا الذين ذهبوا بعيداً في بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وعشية الحدث السوري الأكثر عمقاً وتأثيراً في منطقتنا، وهم يضعون تصوراتهم الجديدة عن عالم اليوم، وعن الانتهاء من مرحلة القطب الواحد، وعودة الحرب الباردة، وأنَّ قطباً جديداً قيد التكوّن لن يترك للأميركان مجالاً للتفرُّد بقيادة العالم. وبالطبع، لا أعني بالذين ذهبوا بعيداً الصبية الصغار التابعين الذين يعيشون، ويعيِّشون شعوبهم على وهم الشعارات فقراً وتخلفاً وهزائم متلاحقة على غير صعيد، بل الروس والإيرانيين الذين يلعبون بتلك الشعارات التي دخلوا المنطقة على أجنحتها، لا ليساهموا في حلِّ مشكلات المنطقة، وينصروا قضاياها، بل ليزيدوا الطين بلة، فعلى هؤلاء وأولئك أن يفهموا عنوان الرسالة العريض الذي قالته الضربة، وهو بالضبط:

الكلمة الفصل، والفعل المؤثر في عصرنا المتقدم علماً وتكنولوجيا رفيعة، وبالتالي إنتاجاً متميزاً يحقق نمواً متزايداً للبشرية، هما لمن يمتلك في العمق مفردات ذلك التفوق، وزمام توجيهه، لا لمن يمتلك سلاحاً واحداً مخصّصاً للقتل والتدمير، مستغلاً ضعف الشعوب وفقرها. والفكرة معروفة للجميع، ولكن فشل مجلس الأمن أخيرا في التصويت على مشروع قرار قدمته روسيا إدانة للضربة إياها، فلم يحظ بأكثر من ثلاثة أصوات، يشير إلى عزلة روسيا الدولية اليوم، على عكس ما كانت عليه أيام الاتحاد السوفييتي، وفي ذلك كثير مما على روسيا أن تفهمه من مواقفها السياسية والعسكرية، ولعلَّ صمتها تجاه هذا الحدث، وهي الغائصة عميقاً في وحل المقتلة السورية، واكتفاءها بالقول إنها سترُدُّ إذا ما ضُربت قواعدها، وأنها أبلغت النظام وساعدته في أخذ حذره، وإخفاء ما يجب إخفاؤه. وهذا يعني أنَّ الرسالة وصلت إلى الرئيس الروسي بوتين قبل الضربة، وفهمها على أنها ليست "لعبة جودو!". وكذلك جرى الأمر بالنسبة للإيرانيين الذين على الرغم من حجم تصريحاتهم، ظلوا مكتوفي الأيدي ومعقودي الألسن، وكأنَّ الأمر لا يعنيهم بالمطلق، وهم المعنيون أكثر من غيرهم، لا بالشأن السوري فحسب، بل بالملف النووي الأكثر أهمية وتأثيراً عليهم.

فهم الكل الرسالة في بعدها السياسي، وتأكيدها حقائق قائمة على الأرض. ومع ذلك، ما قالته تلك الرسالة لا يلغي حق الجميع في اللعب، وكلٌّ ضمن حدوده وإمكاناته والبهلوانيات التي يتقنها. لكن الرسالة تعني، بالوضوح كلِّه، أنَّ روسيا التي استلمت الملف السوري، بموافقة الأميركان، ووفق تفاهمات دولية محددة، لم تكن أمينة له، إذ عبثت به ميلاً نحو مصالحها، وتجاهلاً للآخرين، ناهيكم بإبراز عضلات بوتين الرياضية، وبمنطقه المخابراتي، وإعلانه أنَّ هزيمة الاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة التي استمرت أربعين عاماً قد انتهت، وأن أفغانستان لن تتكرّر في سورية، لا بل إنه اليوم يسعى إلى التمدد باتجاه بعض أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي قضم له أوروبا الشرقية، فتركيا الدولة التي تعادل تلك البلدان بعدد سكانها وتفوقها مساحة، وهي الصاعدة اقتصادياً، وعلى أسس ديمقراطية، ووجه مدني علماني، وهي لا تزال، في المخيال الغربي، الإمبراطورية العثمانية، قد تكون حليفاً مناسباً وقوياً لموسكو، وقد تشكل ثقلاً إذا ما انتقمت لنفسها من مواقف الغرب تجاهها في المسألة السورية ذاتها، وانضمت إلى محور بوتين! وربما يرى بوتين في التاريخ القريب نسبياً سنداً لمساعيه، إذ هُزِمَت التكنولوجيا المتفرِّدة أمام الكثرة الأقل تطوراً (الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانيا الأكثر تقدماً في ذلك الوقت).

قد لا يهم السوريين كلّ ما سبق في كثير أو قليل. لكن الضربة بحد ذاتها أشارت إلى أنَّ عدالة القضية السورية لا تزال قائمة، وأن الوقت قد حان لإنصاف الشعب السوري، والعمل الجدِّي لتخليصه من مآسيه، بمساهمة القوى الدولية الأكثر قدرة على الفعل، ولإعادة الوطن السوري إلى أهله وعودتهم إليه، وذلك بوضع المسألة السورية برمتها على مسارها الصحيح الذي كان، أي العودة إلى مسار المفاوضات السياسية، وفق معطيات جنيف1، وما تلاه من قرارات، فهل تنجح فرنسا التي يبدو أنها تعود إلى لعب دور في هذا المجال، وهي التي استعادت من بشار الأسد الوسام الذي كانت قد منحته إياه قبل أن يصبح قاتلاً وشريكاً في الجرائم المرتكبة بحق سورية والسوريين كلها، وهل تجد الدعم الدولي المناسب لمشروع قرارها المزمع تقديمه إلى مجلس الأمن في الأيام المقبلة؟ وهل تجد الدعم من شركائها في الضربة ذاتها لإعطاء الضربة معناها المطلوب، فهذا ما يطمح إليه السوريون؟

اقرأ المزيد
٢٦ أبريل ٢٠١٨
هذا مصير الاتفاق النووي مع إيران

لا يمكن لأي متابع للأحداث في المنطقة العربية إلا أن يتأكد من أن دور حزب الله في تنفيذ الأجندة الإيرانية أساسي، وأن هذا الحزب يسعى جاهداً لزرع الفتنة وحصد ثمارها في سوريا ولبنان والعراق وحتى اليمن وبعض دول الخليج التي زرع خلايا إرهابية طائفية نائمة فيها، فأصبحت مهمتها تلقي الأوامر من إيران وتطبيقها على أرض الواقع واستخدام شباب عرب كمرتزقة لمشروع إرهابي إيراني يسعى منذ1979 لتدمير المجتمعات العربية والإسلامية ونشر الإرهاب وتمويله ودعمه لخدمة نظام ولاية الفقيه ومخططاته في التمدد داخل دولنا العربية لتحقيق حلم إعادة أمجاد إمبراطورية بائدة.

اليوم يبدأ الحديث عن رفض المشروع النووي بحدة أكبر خصوصاً من الجانب الأميركي، وبحسب المعلومات التي توفرت لدينا فإن الإدارة الأميركية لن تنجح في إلغاء الاتفاق في هذه المرحلة بل تعديله فقط لأنها تعتبره كارثياً وغير جدي أو فعال فهذا الاتفاق لم يلجم إيران بشكل حقيقي ولم يحد من قدراتها على تمويل الإرهاب ودعمه ولم يطالبها صراحة بوقف دعم التنظيمات الإرهابية كحزب الله والحوثي وحشد العراق الطائفي وبمتابعة أكثر دقة للأحداث نجد أنه بعد إبرام الاتفاق زادت حدة تدخلات إيران في المنطقة العربية وتحريض الميليشيات التابعة لها لتنفيذ عمليات إرهابية بشكل أكبر والتطاول على دول عربية وتحديداً السعودية وتهديد أمنها وشعبها وزوارها وقصفها بالصواريخ الباليستية بشكل مستمر في محاولة للضغط عليها وإشغالها عن دورها الأساسي في المنطقة وإعطاء إيران أوراقا أكثر للتفاوض ولكن دور السعودية في التصدي لهذا المشروع أصبح أكثر وضوحاً مع عاصفة الحزم التي قالت كلمتها بحد السيف ورفضت السماح لمشروع إيران بالتمدد في المنطقة وأوقفته على أرض اليمن وطردته من البحرين وحاصرته في العراق وتعمل على إنهائه في سوريا ولبنان.

قريباً سيكون لهذا الاتفاق النووي تعديلات أبرزها فرض قيود صارمة على برنامج إيران للصواريخ الباليستية ووقف دعم وتمويل تنظيمات إرهابية كحزب الله والحوثي والحشد وغيرها من التنظيمات الطائفية ووقف تدخلاتها في الحرب السورية وإرسال السلاح والمال للحوثي فهل سيستسلم خامنئي لشروط المجتمع الدولي كما فعل رئيس كوريا الشمالية أم أنه سيتعنت ويرفض ذلك فيلاقي مصيراً يشبه مصير الزعيم النازي أدولف هتلر؟

ستكون إيران قريباً في مواجهة مع المحيط العربي من جهة والمجتمع الدولي من جهة أخرى بعد أن أصبحت مصدر قلق حقيقياً ينذر بإشعال المنطقة وتهديد أمنها واستقرارها وزيادة التوتر الطائفي بين مكونات المجتمعات العربية، والتي حولت إيران أطيافا منهم إلى مرتزقة لا يزيد سعر الفرد منهم عن600 دولار والقائد بحجم حسن نصرالله عن 1300 دولار أميركي، وعليه فإن الاصطفاف خلف القيادة السعودية في المرحلة القادمة ودعم خياراتها وقراراتها لمواجهة ولاية الفقيه ستكون خطوة في الاتجاه الصحيح، ومن يرى في إيران "شريفة" سيكون في المقلب الآخر عدواً للعرب والمسلمين وخائناً لدماء شهداء الحد الجنوبي والمدافعين عن قبلة المسلمين وأرضهم وثرواتهم ومقدراتهم والأهم اليوم إلى جانب المواجهة العسكرية في اليمن أن نحصن الداخل العربي سياسياً وخصوصاً في لبنان الذي سيشهد انتخابات نيابية قريبة وستكون نتائجه كارثية في حال حصول حزب الله وحلفائه على أغلبية نيابية، وهذا ما يعملون عليه منذ أن أقروا قانون الانتخاب الجديد الذي جاء لمصلحة محور إيران في لبنان والذي يشكل تهديداً لهوية هذا البلد وأصبح من الضروري مواجهة حزب الله فيه ومواجهة من يتحالفون معه ومع حلفائه.

باختصار شديد، تعديل لا إلغاء للاتفاق النووي مع إيران حتى الساعة وبعد ذلك لكل حادث حديث ولكل خامنئي ترمب يحاسبه.

اقرأ المزيد
٢٦ أبريل ٢٠١٨
هل سقط التفاهم الروسي الإسرائيلي؟

عندما لاحظ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن الضربة الثلاثية التي قادتها الولايات المتحدة على مواقع للنظام السوري الأسبوع الماضي أحدثت شرخا في العلاقات الروسية - التركية، كان يشير إلى تحولٍ يطرأ على الاصطفافات الإقليمية والدولية في المسألة السورية التي توشك على الانتقال من طور حرب الوكالة إلى طور المواجهة المباشرة بين أطراف الصراع  الرئيسيين. لكن ماكرون فاته أن التأثير الأهم للضربة طاول العلاقات الروسية - الإسرائيلية أكثر مما طاول غيرها، فمنذ قرّرت روسيا زيادة وجودها العسكري في سورية صيف العام 2015، وصولاً إلى التدخل المباشر خريف العام نفسه، وجدت إسرائيل نقاط تفاهم مشتركة عديدة مع روسيا بشأن سورية. وبمقدار ما حد الوجود العسكري الروسي من حرية حركة الطيران الإسرائيلي فوق سورية، إلا أن إسرائيل وجدت أنه يفيد أيضا في الحد من حرية الحركة الإيرانية على الأرض. فوق ذلك، كانت إسرائيل تشارك روسيا موقفها في ضرورة الحفاظ على نظام الرئيس بشار الأسد، على اعتبار أن عدوا تعرفه خيرٌ من عدو لا تعرفه، وأن بديلا إسلاميا يمكن أن يكون أسوأ لها بكثير. وعليه، تم الاتفاق خلال زيارة نتنياهو موسكو في سبتمبر/ أيلول 2015 على إنشاء لجنة عسكرية مشتركة، لمنع أي احتكاك بين الطرفين في الأجواء السورية، ما يعني السماح للطيران الإسرائيلي بضرب أهداف داخل سورية، شريطة ألا تؤثر في نتيجة الصراع بين النظام والمعارضة، وتتجنب قوات النظام التي كانت روسيا تعيد بناءها وتأهيلها، بغية هزيمة المعارضة واستعادة السيطرة على الأراضي التي خسرتها. بمعنى آخر، الاقتصار على ضرب تحرّكات وأهداف لإيران وحزب الله تعمل خارج إطار الصراع البيني السوري. وكان نتنياهو حريصًا على هذا التفاهم، بدليل أنه زار موسكو أكثر من واشنطن منذ خريف 2015، صحبة وزير حربه، أفيغدور ليبرمان، الذي تعد اللغة الروسية لغته الأم.

انتهى هذا التفاهم الآن، أو في طريقه إلى الزوال، لماذا؟ تعتقد إسرائيل أن روسيا، وليس إيران أو النظام السوري، هي من أسقط طائرة إف 15 فوق الجليل، في رحلة العودة من استهداف مطار تي فور في العاشر من فبراير/ شباط الماضي، وأن ذلك كان ردا على سلسلة هجمات طاولت الوجود العسكري الروسي في سورية، كان آخرها إسقاط طائرة السوخوي فوق إدلب بصاروخ محمول على الكتف، تشك موسكو أن واشنطن وراءها. وكان إسقاط الطائرة الاسرائيلية بمثابة رسالةٍ أن روسيا ما عادت تسمح لإسرائيل بحرية الحركة في الأجواء السورية. لذلك لم تنسق إسرائيل، خلاف العادة، مع قاعدة حميميم، عندما عاودت استهداف مصنع طائرات الدرونز الإيرانية في مطار تي فور في التاسع من إبريل/ نيسان الجاري، والذي أسفر عن مقتل الضابط الإيراني المسؤول عنه مع سبعة آخرين، بل استخدمت الطائرات الإسرائيلية ممرات جوية خاصة بالطيران الأميركي، منسقة في ذلك مع القيادة المركزية الأميركية، المسؤولة عن العمليات في سورية.

أثار هذا الأمر غضبا شديداً في موسكو التي تبرعت، خلاف عادتها، بالكشف عن تنفيذ إسرائيل الضربة. وكان لافتا أن إسرائيل نفذت ضربتها في اليوم نفسه الذي باشر فيه مستشار الأمن القومي الأميركي الجديد، جون بولتون، مهامه في البيت الأبيض، في مؤشر على إدراك إسرائيل معنى أن تصبح إيران القضية الوحيدة التي ينشأ عليها إجماع في واشنطن اليوم بين الرئيس ومستشاريه لشؤون الأمن القومي والخارجية والدفاع والاستخبارات.

يعني هذا أيضًا أن حسابات إسرائيل، وقراءتها الوضع في سورية وسياسة واشنطن في المنطقة، بدأت تختلف مع اتضاح عزم إيران البقاء في سورية بعد تثبيت النظام، من خلال بناء قواعد عسكرية، وإنشاء مليشيات محلية على شاكلة حزب الله. كما أن تقديرات إسرائيل الأولية المرحبة بدخول روسيا إلى الميدان السوري تغيرت أيضا، إذ تبدو روسيا إما غير راغبة أو عاجزة عن لجم النفوذ الإيراني. لهذه الأسباب، يمكن القول إن الصراع في سورية مرشح للانتقال إلى مرحلة أعلى مع تحول موقف نتنياهو من موقف يحاكي موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، مناحيم بيغن، عندما أُبلغ باندلاع الحرب العراقية - الإيرانية، وقال إنه يتمنى التوفيق للطرفين (!)، إلى موقفٍ يسعى إلى تغيير الوضع على الأرض في سورية.

اقرأ المزيد
٢٥ أبريل ٢٠١٨
لا سلام في سوريا مع بقاء بشار الأسد

منذ أن أرسل الرئيس دونالد ترمب تلك التغريدة المصيرية عن هجوم يَلوح في الأفق على سوريا كعقوبة على استخدام الأسلحة الكيماوية من قِبَل نظام الأسد، والعالم يترقب الخطوة التالية. قبل تغريدة ترمب، لم يكن العمل العسكري من قِبَل الغرب، بالضرورة، جزءاً من حل النزاع في سوريا. ولكن بالتأكيد كانت هناك حاجة إلى إرادة سياسية من جانب الولايات المتحدة على وجه الخصوص -باعتبارها القوة العظمى الوحيدة القادرة على ممارسة ضغط شديد على الوسيط الرئيسي في سوريا، روسيا- لإحضار الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات.

ولكن بمجرد أن أعلن ترمب أنه سيعاقب بشار الأسد عسكرياً، كان عليه أن يتابع في ذلك المسار، لأنه لو لم يفعل فإن ذلك كان سيشكل ضربة كبيرة لمصداقية الولايات المتحدة. وأظهر استخدام الأسلحة الكيماوية في دوما أن صواريخ ترمب التي أُطلقت على أهداف للنظام العام الماضي رداً على استخدام الأسلحة الكيماوية في خان شيخون لم تمنع الأسد من تكرار الفعل. والهجوم المحدود المماثل من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في حالة الغوطة، أي لمرة واحدة، لن يحقق الكثير.

والحقيقة هي أن العقوبة العسكرية بمفردها، بغض النظر عن حجمها، لن تُنهي النزاع في سوريا. فبقاء القوات الموالية للأسد وقوات المعارضة (على الرغم من التغييرات في تكوين المعسكرين) بعد سبع سنوات من الصراع، يُظهر أنه لا يمكن لأي كيان الفوز في الحرب السورية عسكرياً.
لكنّ هذا لا يعني أنه فات الأوان لفعل أي شيء لإنهاء الصراع السوري، كما أصبح من المغري على نحو متزايد أن يدعو البعض في الغرب إلى بقاء نظام الأسد، خصوصاً في ما يبدو أن هذا النظام يستعيد مناطق من المعارضة في شتى أنحاء سوريا. حجة «لا تفعل شيئاً» تستند إلى أن ترك النظام في مكانه ليس مثالياً، لكنه على الأقل سيجلب الاستقرار إلى سوريا. مثل هذه الحجة ليست مضللة فحسب ولكنها أيضاً خطيرة. لم يصل أي صراع في التاريخ إلى وقت «متأخر جداً لفعل أي شيء». وعدم القيام بأي شيء في حالة سوريا يعني ببساطة السماح بإنهاء مرحلة واحدة من الصراع بينما تمهد الطريق لشيء أكثر دموية في المستقبل.

ومع ذلك، فإن ما يمكن عمله بشأن سوريا قد تغير خلال السنوات السبع الماضية. في البداية، قبل أن تتحول الأزمة إلى حرب، كان من الممكن استخدام الدبلوماسية الدولية للضغط على النظام السوري وإقناعه لتقديم بعض التنازلات للمحتجين. لكن لم تكن هناك إرادة سياسية بين الدول الغربية للقيام بذلك.

عندما تحول النزاع إلى صراع دموي وأصبح من الواضح أن الأسد يسير في مسار الزعيم الليبي معمر القذافي –أي، استخدام رد الفعل العنيف على الاحتجاجات المناهضة للنظام- كان من الممكن إزالته من خلال العمل العسكري، وبخاصة أن دور روسيا وإيران في دعم الأسد في ذلك الوقت كان لا يزال محدوداً. لكن تجربة ليبيا في عام 2011 وقبلها العراق عام 2003 كانت تعني عدم وجود نية في الغرب للتدخل العسكري في سوريا، رغم أن السياقات الثلاثة لم تكن متطابقة. أدى ذلك إلى رفض الأسد الدعوات له بالتنحي واعتبارها مجرد خطابة.

إن تحذير «الخط الأحمر» الفارغ الذي هدد به باراك أوباما في حال استخدام الأسلحة الكيميائية في عام 2013 أضعف مصداقية الولايات المتحدة بشكل خاص والغرب بشكل عام في ما يتعلق بنظام الأسد. وقد واصل النظام استخدام الأسلحة الكيميائية كوسيلة لإجبار قوات المعارضة والمدنيين على الخروج من المناطق الاستراتيجية التي يريد توليها، دون خوف من المساءلة.

حتى لو وسَّع النظام سيطرته في جميع أنحاء سوريا، فإن قوات المعارضة ستستمر في العمل، مسببة عدم استقرار مماثل لما شهده العراق بشكل متقطع منذ عام 2003. وبالمثل، إذا قامت المعارضة على نحو ما بالرد على القوات الموالية للأسد وبدأت بالاستيلاء على معاقل النظام مثل دمشق والساحل الغربي، فلن تستسلم القوات الموالية للنظام ببساطة.

كل هذا يدل على أن الطريق الوحيدة لنهاية الصراع تبقى عبر عملية سياسية لتحقيق انتقال السلطة، الأمر الذي يتطلب من الولايات المتحدة تطوير استراتيجية سياسية لسوريا. الآن وقد التزمت الولايات المتحدة بالعمل العسكري، فإن الهجمات لا يمكن أن تكون سوى وسيلة للوصول إلى غاية، وبتعبير آخر، الطريق إلى ممارسة ضغط كافٍ على روسيا لإقناعها بالموافقة على مفاوضات جادة.

المفاوضات الجادة تعني إعلان موت عملية آستانة ومحادثات سوتشي والتخلي عن الواجهة التي أصبحت روسيا بارعة في عرضها خلال عملية جنيف. ولكي تتصرف روسيا بجدية في المفاوضات، عليها أن تقتنع بأن الولايات المتحدة جادة. ما يعمل لمصلحة الولايات المتحدة هو أن حلفاءها الرئيسيين -المملكة المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية- جميعهم متحدون. وهذا يمنحها فرصة فريدة للانخراط في حملة مستدامة تتمتع بتأييد دولي واسع وموجهة ضد القواعد العسكرية للأسد.

على الرغم من أن هناك اقتراحات بأن هجوم الدول الثلاث (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا) قد يكون حدثاً لمرة واحدة، فإن مثل هذه الحملة يجب ألا يُعلن عن إيقافها حتى توافق روسيا على إجراء محادثات جادة حول الانتقال السياسي في سوريا. في نهاية المطاف، لا تريد روسيا أن يكون موطئ قدمها العسكري على البحر الأبيض المتوسط مكوناً من الركام.

لا ينبغي أن ننسى أن الأسلحة الكيماوية، في النهاية، ليست هي المشكلة الرئيسية في سوريا. إنها من أعراض المشكلة الحقيقية، التي هي وجود نظام الأسد في السلطة. فهذا النظام هو الذي أذن باستخدام هذه الأسلحة في المقام الأول. ولكن لا جدوى من ردع الأسد عن استخدام الأسلحة الكيماوية مع الاستمرار في السماح له باستخدام الأسلحة التقليدية ضد المدنيين والانخراط في أنشطة مثل السجن غير القانوني والتعذيب.

لا يزال هناك مَخرج من الصراع، ويبقى التحول السياسي القائم على الحل الوسط، مع حكومة انتقالية تضم البراغماتيين من معسكرات النظام وغير النظام. وبينما يحلل العالم التداعيات الفورية للهجوم، ينبغي أن ينصبّ التركيز على ما ينبغي أن يحدث على المدى الطويل، مما يؤكد الحاجة إلى العمل العسكري الممزوج مع الاستراتيجية السياسية.

لا يمكن أن يكون هناك سلام في سوريا في حين أن نظام بشار الأسد في السلطة. وما دام بقي هناك، فإن المظالم الأصلية التي دفعت الناس إلى الاحتجاج ضده سوف تستمر في الوجود، إلى جانب ازدياد الشدة بسبب سلوك النظام على مدى السنوات السبع الماضية. لن تتغير معالم هذا السلوك إذا «فاز» النظام: كما أظهر التاريخ، فإن الديكتاتور لا يتحول إلى إصلاحي بين عشية وضحاها.

اقرأ المزيد
٢٥ أبريل ٢٠١٨
مقاومة التغلغل الإيراني

الضجر من التغلغل الإيراني في مناطق الشرق الأوسط وتمدد هذا النظام الدموي عسكرياً وسياسياً وآيديولوجياً بلغ منتهاه، والعالم كله مطالب بالوقوف ضد هذا التغلغل الذي قاد إلى عدم استقرار المنطقة، وأشعل فتيل الطائفية فيها.

السعودية تتعرض لهجمات صاروخية باليستية حوثية، الضاغط على زر إطلاقها أصابع إيرانية، فإيران هي التي جلبتها وهربتها في الداخل اليمني، وهي التي دربت الحوثيين عليها، وإيران هي التي تنخر في تركيبة اليمن المذهبية لإحلال المذهب الجعفري الإثني عشري محل المذهب الزيدي السائد في اليمن، رغبة في ربط ولاء اليمن سياسياً ومذهبياً بقُم، كما فعلته في سوريا حين عملت إيران جاهدة على تغيير الخريطة المذهبية في سوريا عبر مسارين؛ المسار الأول تهجير ملايين السوريين السنة من سوريا، والمسار الثاني إحلال المذهب الجعفري الإثني عشري محل المذهب العلوي، وهو ما أطلق إشارته الرئيس حافظ الأسد كما تقول مصادر مقربة من الرئيس.

إذن إيران تعمل على كل المسارات السياسية والعسكرية والآيديولوجية لغرز براثنها في دول منطقة الشرق الأوسط تمهيداً للاحتلال الكامل كما فعلت في سوريا واليمن. وهو ما لا يمكن للسعودية السكوت عليه وقد بلغ خطر الخمينية ذروته بإطلاق إيران يد الحوثي للهجوم صاروخياً على المدن السعودية، إن الخط البياني للصراع السعودي الإيراني يأخذ مساراً تصاعدياً، فقد ظل مدة طويلة صراعاً بالوكالة في العراق وسوريا ولبنان كما تسميه بعض وسائل الإعلام العالمية، لكنه تحول في أزمة اليمن إلى صراع مباشر بين السعودية وحليف إيران في اليمن ميليشيات الحوثي، وإذا استمرت إيران في توسيع نفوذها واحتلالاتها في الشرق الأوسط، فهذا يعني أن التصادم حتمي ومسألة وقت.

لكن لا يزال الوقت متسعاً لتجنب حرب كارثية خطرة ضد الخمينية في إيران تقودها دول العالم عليها، حيث يجب العمل على تقليص نفوذ الخمينية وقصقصة أذرعتها وخلخلة تحالفاتها التي بنتها ودعمتها خلال الثلاثين سنة الماضية، وهذا يتطلب من دول المنطقة ضرورة مراجعة استراتيجيات الصراع مع غول الخمينية الخطر، وأقوى ما يمكن أن تُواجه به الخمينية المعتدية هو في ترتيب الخصومات، فمن خلال سبر حركة النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط سنجد أنها تتسلل مستغلة الخصومات والخلافات الجانبية، فتستفرد بهذا أو ذاك وتجعله معبراً لنفوذها وجسراً لطلائع غزاتها، إذن متغيرات المرحلة تتطلب اتجاهاً معاكساً، أي بناء التحالفات مهما كان قدر الخلاف، فهذا من شأنه أن يضعف الجبهة الإيرانية ويقوي جبهة خصومها.

العامل الثاني الذي سيضعف جبهة الخمينية ويخلخل نفوذها هو في حث بعض الدول العربية التي لا تزال تتخذ مواقف «رخوة» من التغلغل الإيراني وتهديده لدول المنطقة، وتعتبر صد هذا النفوذ ومحاربته يندرج تحت «الصراع الطائفي»، وهذا بالتأكيد تسطيح للأزمة ونقص في الوعي.

العامل الثالث لمقاومة التغلغل الإيراني هو في تنظيم حملة متقنة للتخلص من أذرعة إيران الخيرية والثقافية والتربوية والتعليمية والتأهيلية في الدول العربية والإسلامية، فهي التي تمثل الخطوط الأمامية لنفوذها السياسي والعسكري في اليمن وسوريا ولبنان والعراق، بل وفي بقية الدول العربية والأفريقية والآسيوية ودول جنوب شرقي آسيا وحتى في الدول الغربية، وذلك من خلال مسارين؛ المسار الأول مقاومة هذه المؤسسات التي تبشر بالخمينية ومحاولة التخلص منها، تماماً كما فعل التحالف الإسلامي حين قوى علاقاته بإحدى الدول الأفريقية، أقدمت هذه الدولة على إغلاق كل المؤسسات الخمينية التعليمية والتربوية والتأهيلية وحتى الإغاثية، والمسار الثاني بإحلال البديل بدعم العمل التطوعي المؤسساتي وضبط إيقاعه وتسهيل دروبه.

اقرأ المزيد
٢٥ أبريل ٢٠١٨
بوتين يتهاون بالأسلحة الكيماوية ويقوّض القانون الدولي

 يختزل اللجوء إلى الأسلحة الكيماوية في سورية مساعي روسيا إلى تقويض معايير القانون الدولي استراتيجياً وسياسياً ورمزياً. ولا ريب في أن التوسل السياسي بـ «خطوط حمر» هو شكل خطر من الردع. ولا ترتجى فائدة من الوقوف موقف المتفرج إثر توعد من يستخدم الأسلحة الكيماوية المحظورة. وإذا أودت الأسلحة هذه بحياة ضحايا، تولت مجموعة متعددة الأطراف تحديد المسؤول عن الهجوم على نحو ما تعرف معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية. ولكن منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، أي منذ أجهضت روسيا تجديد ولاية لجنة التحقيق المشتركة من طريق حق النقض (الفيتو)، يُفتقر إلى آلية تحقيق مشتركة في الأمم المتحدة. وترمي تحقيقات منظمة حظر الأسلحة الكيماوية فحسب إلى تحديد الوقائع وليس المسؤوليات.

وفي بريطانيا، استخدم غاز نوفيتشوك في الهجوم على العميل الروسي السابق، سيرغي سكريبال وابنته. والغاز هذا سام عصبياً- فهو يصيب الجهاز العصبي المركزي- وهو من الجيل الرابع للغازات، وهو غير مدرج في الجدول الأول من فهرس المنتجات الكيماوية في معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية. والغاز هذا ابتُكر في السبعينات والثمانينات في الاتحاد السوفياتي. ولذا، كان يسيراً على البريطانيين تحديد الجهة الواقفة وراء الهجوم واتهام الروس بعملية التسميم. ولكن إثر انهيار الاتحاد السوفياتي، واستقلال جمهورياته، انتشر بعض مخزونه الكيماوي العسكري، وتشتت. ولم تسجل أمكنة حفظ الغاز هذا وكمياته. وعليه، إثبات اللجوء إلى الغاز هذا عسير.

ووثق الدكتور فيل ميرزايانوف، اللاجئ إلى الولايات المتحدة، كميات هذا الغاز وأمكنة إنتاجه، على أشكاله المختلفة. ولكن المعلومات غير وافية عن المسألة. ولا يملك الخبراء في العلوم البت في مسألة سكريبال: فبنية الغاز الكيماوية غامضة. وغاز نوفيتشوك محظور ولو لم يدرج على لائحة منظمة حظر الأسلحة الكيماوية مثل غيره من الأسلحة الكيماوية. وعلى سبيل المثل، حين استخدم الكلور في سورية برزت الأسئلة نفسها. فالكلور نفسه غير محظور، ولكن حين يُتوسل به عسكرياً يتحول إلى سلاح كيماوي. وعلى رغم أن غاز نوفيتشوك غير مدرج في قائمة المنظمة هذه، استخدامه محظور.

ومنذ إقرار معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية في 1997، برزت صورة واضحة عما تملكه الدول من ترسانات. فروسيا انضمت إلى المعاهدة، والتزمت جدول تدمير مخزونها من الأسلحة الكيماوية. وهي دمرت 39967 طناً من المخزون هذا، أي مجمل المخزون (100 في المئة). ولكن الروس لم يصرحوا يوماً عن حيازتهم غاز نوفيتشوك. واحتفى المجتمع الدولي بنزع سلاحها الكيماوي في لاهاي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017. ولكننا لا نعرف عن الغاز هذا غير ما سرب في التسعينات. وتاجر بعض علماء الكيمياء بمثل هذه المواد، فباع بعضهم طائفة أوم اليابانية مواد كيماوية. ولا أحد يعرف الكميات التي بيعت في السوق السوداء. وهذه السوق موجودة ولكن لا نعرف عنها الكثير، على خلاف الكوريين الشماليين، وهم أدرى بشعابها. والأغلب على الظن أنهم يمدون هذه السوق بالـ «سلع الكيماوية»، وهذا ما أثبتته التقارير الأخيرة الصادرة عن مجلس الأمن.

وربما أخفى الروس غاز نوفيتشوك الفعّال ليستخدموه حين تدعو الحاجة. فروسيا ماهرة في التحايل على المبادئ والمعايير، على رغم أن البلد هذا، إلى الولايات المتحدة، كان من أكبر منتجي الأسلحة الكيماوية، ويُفترض أنه دمر مخزونه من السلاح هذا. فنظام الرئيس بوتين يلهو بمعاهدة الأسلحة الكيماوية ومبدأ الحظر، ويستخف بالأسلحة الكيماوية حين يعرقل عمل المفتشين ويحول دون تحديد المسؤوليات. ولا أعتقد أن عرقلته عمل المفتشين وليدة صدفة أو اعتباطية، بل هي من بنات قرار عمدي يرمي إلى تحدي منصة أمن دولي ركنها مبادئ جامعة وعامة ترسم وجه العلاقات بين الدول وتحتكم إلى القانون الدولي ومعاييره. وأشار تقرير صدر في آذار (مارس) المنصرم عن العقوبات على كوريا الشمالية، إلى أوجه تعاون سري بينها وبين سورية، كيماوي وعسكري.

ويظهر فلادمير بوتين منذ ضم القرم إلى بلاده في 2014، أنه لا يقيم وزناً للقوانين الدولية وتعدد الأقطاب وما تقتضيه الديموقراطيات العالمية الكبرى. وهذا لا لبس فيه في موقف الكرملين من معاهدة القوات التقليدية في أوروبا، شأن موقفه من معاهدة القوى النووية الوسيطة. وهذا بائن في شحّ تعاونه في مجلس الأمن في الأزمة الكورية الشمالية، وفي العرقلة الروسية الدورية في الملف السوري. والسعي الروسي إلى العرقلة متماسك وبعيد من الارتجال. فهو يأتلف من استفزاز مزمن على حدود ما هو مشروع. فالنظام الروسي يمتحن الأنظمة الديموقراطية الليبرالية. ولم يفت روسيا أن «الخطوط الحمر» التي رسمها رعاة النظام الدولي هي خطوط برتقالية اللون شاحبة ويبهت لونها أكثر فأكثر من عام إلى عام. وفي مثل هذه الظروف، لا رادع يحمل على الامتناع.

على رغم أن معاهدة الأسلحة الكيماوية جامعة وعامة- 192 دولة صادقت عليها- وأنها حازت جائزة نوبل للسلام في 2013، تلجأ الدول إلى مثل هذه الأسلحة أكثر فأكثر. وهي أداة رعب وإرهاب، وفي الغوطة استخدمت سلاحاً تكتيكياً. فاللجوء إلى السلاح الكيماوي في موازين دمشق شأن موسكو وبيونغيانغ، والأخيرة لم توقع على المعاهدة، يقوض المعايير وسلطانها، ويقوض على وجه التحديد بنية الأمن الدولي الأنجع في العالم. ومعاهدة حظر الأسلحة الكيماوية ليست رمزية فحسب، بل معاهدة حظر، وهي لا تميز بين الدول التي حازت الأسلحة هذه وتلك التي لا تملكها. وفي سبيل الحفاظ على مكانته صمام أمان الأمن الدولي، لا مناص من تهديد القانون الدولي باللجوء إلى القوة حين ينتهك حظر أسلحة الدمار الشامل. وحين تخفق الحلول الاستباقية مثل الحظر ونزع السلاح ومنع الانتشار، ترجح كفة اللجوء إلى القوة أحادياً، على نحو ما فعلت إسرائيل في 1981 حين بادرت إلى تدمير المفاعل النووي العراقي أو في 2007 حين دمرت منشأة نووية سورية في الكبر. والتهاون اليوم مع الأسلحة الكيماوية قد يؤدي في المستقبل القريب إلى تهاون أكثر خطورة في استخدام النووي العسكري.

اقرأ المزيد
٢٤ أبريل ٢٠١٨
ماذا بعد الضربة الثلاثية؟

ما إن انفضت قمة ثلاثية في أنقرة، ضمت تركيا وإيران وروسيا، ووضعت هدفها البحث في مستقبل سورية والوصول إلى حل سلمي، حتى نفّذ جيش النظام السوري هجوماً كيميائياً على دوما، فتشكلت غيمةٌ من التساؤلات عن رد الفعل الأميركي.

وقبل أن تنزل الضربة الأميركية الموعودة برداً وسلاماً، فرض الجو الكيميائي وجوده على ساحة الإعلام، وأزاح عن الواجهة الاجتماع الثلاثي في أنقرة، لكن شكل التعامل الأميركي الحذِر، والحريص على عدم إثارة مشكلة كبيرة مع روسيا داخل الأراضي السورية، أعاد الأمور إلى ما كانت عليه قبل هجوم النظام الكيميائي. تابع أهالي دوما النزوح، وتحرّكت قطعات الجيش السوري باتجاه الجنوب إلى الخاصرة الدمشقية في مخيم اليرموك، وأطراف حي التضامن، وبدأت بالقصف هناك لإخلاء المنطقة، كما يمّمت شطر القلمون، فعقد النظام اتفاقاته التي تخلص إلى تهجير جديد مع "الضمير" و"جيرود" ومجموعة البلدات الصغيرة المحيطة بهما، مفرِّغاً القلمون أيضاً من المقاتلين وذويهم.

كان ذلك كله يحدث فيما عملية غصن الزيتون العسكرية التركية تكمل فصولها، ليسيطر الجيش الحر المدعوم تركياً على عفرين بشكل كامل، وهو يعد العدة، فيما يبدو، للتحرك إلى مناطق أخرى، لتوسيع سيطرته، وجعل مدى أمانه أكبر في ظل تفهّم روسي، وغضّ بصر إيراني، وتململ أميركي لن يسفر في الغالب عن شيء.

تبدو الدول الثلاث، تركيا وروسيا وإيران، ممسكة بالفعل بجزء كبير من الملف السوري، فتركيا نشطة في الشمال، وتحاول تطهير القطاع الملاصق لحدودها من المقاتلين الأكراد، وتتحرّك إيران مع روسيا في الوسط لتعيد إلى النظام السيطرة على كل البؤر الصغيرة والكبيرة التي كانت تسيطر عليها المعارضة، مع الحفاظ على وضعية الجمود في درعا، حيث الحدود الملاصقة لفلسطين المحتلة. وفي الشمال، في محافظة إدلب بالذات، يخيم الهدوء نفسه، حيث يمكن أن تكون المنطقتان موضوعاً لمحادثات "سورية سورية" برعاية دولية في جنيف، وهو الاسم الذي تكرّر في البيان الختامي لمؤتمر القمة الثلاثي في أنقرة، مع غياب ذكر مؤتمري سوتشي وأستانة ضمن الوضع الجغرافي الجديد.

قد تصبح الحاجة ملحةً لتوسيع هذا الإطار الثلاثي في مرحلةٍ مقبلةٍ، فقد نقلت تقارير إخبارية أن طيراناً عراقياً نفذ هجماتٍ جويةً على وجود "داعش" وتجمعاتها داخل الأراضي السورية، وكذلك عن تدخلات إسرائيلية في الجنوب، ومنعها أي محاولة إيرانية من التقدم نحو حدودها.

ثمّة صعوبات تعترض توسيع التجمع الثلاثي، ليشمل دولاً أخرى، فالجميع متمترسٌ بما كسبه. وليس هناك نية بالطبع لدى أي قوةٍ من القوى الثلاث الأساسية بسحب قواتها العسكرية من سورية، لا الآن ولا في المستقبل المنظور. وهذا يفسح المجال أمام احتمالاتٍ كبيرة، فالاتفاق بين هذه الدول قد ضيق جبهات المواجهة، وحدّدها، وحصرها في أربعة أماكن رئيسية: المنطقة التي يحتفظ بها النظام، وهي تشكل حالياً القسم الأكبر من سورية. ويبدو أن هذا القطاع الكبير فيه تجاوز لـ"سورية المفيدة"، لتصبح سورية المقيدة، وهي المحاطة بما يشبه الحصار. وتحتل القوى الكردية المرتبة الثانية من حيث السيطرة المساحية، ومن خلفها دعم أميركي قلِق، سيُحدث انسحابه، في أي لحظة، تفجيراً جدياً في الوضع، وإزاحة للطاولة يميناً وشمالاً. وهناك منطقة إدلب، وهي رقعةٌ مساحيةٌ تتاخم الحدود التركية، والأهم أنها تحاذي منطقة النظام الحميمة، وتهدّده بشكل مباشر.

أما المنطقة الرابعة والأخيرة فهي الجنوب الذي يسيطر على الحدود مع الأردن و"إسرائيل"، وفي هذه المنطقة، وجود أميركي فعال، ومراقبة إسرائيلية عن بعد، وتلهف إيراني للوصول.

لم يكن الهجوم الكيميائي على الغوطة نقطة فارقة، ولا حتى الضربة الأميركية، لكن العلاقة الفارقة، ونقطة الحيرة والتساؤل هي كيفية التعامل مع المساحات الكبيرة، والمفتوحة على حدود الدول المجاورة، وقد تكون هذه مهمة مؤتمر جنيف العسيرة.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان