ترمب وزوبعته الاستعراضية.. هل هي مسرحية أم سياسة جديدة؟
ها هي زوبعة ترمب تدك معاقل نظام بشار في عمق دمشق لكن بعد إخلاء معسكرات النظام مسبقا! أعتقد أن هذه الضربة مسرحية لتصدير أزمات ترمب الداخلية إلى الخارج، على كل حال أخطأ من ظنّ أن التحشيد الأمريكي الأطلسي هو رد لاستخدام نظام بشار الكيمياوي في دوما فقط! فمنذ أيام أطالع التصريحات وآراء معاهد الدراسات الاستراتيجية حول العالم بخصوص الموضوع وتوصلت إلى ما يلي:
أولا: الكم الهائل للتحشيد الأمريكي والحلف الأطلسي إعلاميا وعسكريا واستعراض أحدث طائرات التجسس والغواصات النووية وحاملات الطائرات المتطورة ولأول مرة استخدام طائرة يوم القيامة الأمريكية كل ذلك مؤشرات وأدلة كبيرة لا تقبل الجدل على وجود نية جامحة لدى تلك الأطراف الدولية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية لرسم خارطة نفوذ دولية جديدة في سوريا. حيث ذكرت وسائل إعلامية غربية ومنها صحيفة ديلي ميل البريطانية عن تحرك ما لا يقل عن 12 سفينة وبارجة عسكرية أمريكية باتجاه السواحل السورية في البحر الأبيض وهي واحدة من أكبر تجمعات القوة البحرية الأمريكية منذ غزو العراق في 2003.
وكذلك قالت صحيفة ديلي تليغراف البريطانية أن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أمرت يوم 11 إبريل المنصرم غواصات نووية تابعة للأسطول الملكي بالتحرك باتجاه البحر الأبيض المتوسط بحيث تكون على مسافة تتيح لها إطلاق صواريخ على سوريا وذلك استعداداً لتوجيه ضربات لجيش النظام السوري ويأتي ذلك متزامنا مع موافقة مجلس العموم البريطاني بضرورة ردع نظام بشار ومعاقبته لاستخدامه الأسلحة الكيميائية ضد شعبه!
النقطة الثانية: جميع محللي الغرب المحايدين وبالأخص الأمريكيين يرون أن هذه الحملة ليست ردا لكيمياوي دوما بل تحمل أبعادا استراتيجية بعيدة المدى فهي من جهة لتحجيم الدور الروسي كما حصل في البوسنة في تسعينيّات القرن الماضي حيث يترافق هذا التصعيد مع عقوبات اقتصادية إضافية فرضتها أمريكا والاتحاد الأوربي على روسيا، ويعتزم الكونغرس الأمريكي القيام قريباً بمعاقبة روسيا وتحجيم دورها في ملفات عدة، ويخطط للتصديق على مشروع قانون يتضمن حزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية ضد موسكو. وحسب وسائل إعلام أمريكية أن حزمة العقوبات المقترحة ستشمل حظراً تاماً لأي تعاملات مالية بسندات الدين السيادية الروسية بالإضافة إلى منع التعامل بالأوراق المالية الصادرة عن مؤسسات مالية مهمة من ضمنها البنك المركزي الروسي والخزينة الاتحادية الروسية. يُضاف إلى ذلك عقوبات على العديد من البنوك الروسية منها سبير بنك غازبروم بنك وبنك موسكو. ومن المتوقع تطبيق حزمة العقوبات هذه في مدة لا تتجاوز الشهرين من تاريخ إقرارها.
ومن جهة ثانية تقزيم الدور الإيراني والقضاء على نفوذها المليشاوي في المنطقة عموما وفي سوريا خصوصا من خلال هجمات جوية محددة مسبقا تستهدف مقرات ومعسكرات تابعة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله في دمشق واطرافها حيث تعمل النظام الإيراني على توسيع نفوذه الإقليمي في سوريا على حساب القوى الإقليمية الأخرى من خلال جلب المقاتلين المرتزقة من مختلف الجنسيات وتدريبهم في هذه المعسكرات بدنيا وعقائديا ومن ثم تجنيدهم للقتال لصالح الولي الفقيه الإيراني. فكما هو معلوم أن ملالي طهران يعتمدون بالأساس على استخدام الكثافة البشرية والتلقيم الطائفي ومن ثم التضحية بهم كوقود حرب في أي عمل عسكري يقومون به حيث أن تشكيل هذه المجاميع لا تكلفهم الكثير من الأموال وبما انها بنيت على أسس عرقية وعقائدية يضمنون ولائهم المطلق والاعمى لهم! كما شهدنا ذلك في الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي. عندما كان يعتمد النظام الإيراني في هجماته على الزخم البشري بدل التكتيكات العسكرية والقوة النارية في جبهات القتال ولهذا كانت الخسائر البشرية الإيرانية فادحة جداً. واللافت أن معظم القتلى والأسرى الإيرانيين حينها وجِدَت معهم مفاتيح جنة وكُتيّبات موقّعة من خميني كصك ايمان للمرور من الصراط المستقيم!
النقطة الثالثة اللافتة للانتباه: روسيا سحبت معظم السفن الحربية والغواصات الاستراتيجية من قاعدة طرطوس البحرية باتجاه البحر بعيدا عن الميناء وهذا ما اثبتته صور الأقمار الصناعية التي عرضتها قناة فوكس الأمريكية وبقي الثقل الروسي متمركزا في قاعدة حميميم العسكرية فقط على ما يبدو أن هنالك تطمينات للروس بعدم استهدافها من جهة اخرى نشرت تقارير عن قيام النظام السوري واللجان الشعبية التابعة له بنقل معظم الطائرات والآليات العسكرية المهمة لنظام بشار إلى النقاط العسكرية التابعة للروس قبل وقوع الضربة والاهم من هذا وذاك الانباء التي تداولتها الكثير من الصفحات المؤيدة والموالية لنظام بشار والتي تشير إلى انسحاب قادة الصف الأول في الجيش السوري وكذلك في اجنحة المليشيات المرتبطة بإيران وحزب الله مع عوائلهم إلى مقرات خارج دمشق إلى حميميم ولبنان وبغداد وطهران وهنالك إشارات بهذا الخصوص منها: أن بعض المسئولين الروس أبدوا امتعاضهم من تكدس المدنيين في قاعدة حميم العسكرية وهنالك تصريحات موثقة بذلك.
النقطة الرابعة: تأكيد بعض المحللين وجود سيناريوهات لتقسيم النفوذ الغربي في سوريا بين قوات الحلف الأطلسي وأمريكا، وبما أن تركيا عضوة في الحلف الأطلسي تفاجأنا بعد القمة الثلاثية الناجحة التي عقدت في انقرة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وضيفيه بوتين وروحاني بطلب مفاجئ من كل من إيران وروسيا على حد سواء بضرورة الانسحاب التركي عن عفرين وأطرافها فوراً! وهذا الطلب المفاجئ لم يكن المقصود منه تركيا حصرا بل ردة فعل روسي إيراني مشترك تجاه الحلف الاطلسي !حيث في مؤتمر صحفي له في موسكو يوم 9 ابريل قال السيد سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا إن: أبسط طريقة لتطبيع الوضع في عفرين هو إعادتها لسيطرة دمشق. مؤكدًا: يجب على تركيا تسليم عفرين بعد انتهاء عملية غصن الزيتون !وأضاف: بعدما قال الممثلون الأتراك أن الأهداف التي تم تحديدها هناك تحققت ويجب إعادة تلك الأراضي إلى تحت سيطرة الحكومة السورية.
وجاء الرد التركي على لسان رئيس الجمهورية السيد رجب طيب أردوغان يوم 10 إبريل قائلا: يا سيد لافروف لست أنت من يحدد الانسحاب من عفرين نحن من يحدد هذا الوقت وليس أنت. وأكد أن تركيا تعلم جيدًا لمن ستعيد عفرين، مشيرًا إلى: تسليمها لسكانها عندما يحين الأوان. ودعا السيد رئيس الجمهورية أيضا إلى ضرورة الحديث أولًا عن تسليم المناطق السورية الخاضعة لسيطرة الدول الأخرى إلى سوريا معتبرًا أن عبارة: أن النظام هو الذي فوض امر تلك المناطق إلى الدول الأخرى لا تطمئن تركيا. وفي اليوم الأول من قمة أنقرة نقل التلفزيون الإيراني عن روحاني قوله للرئيسين طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، إنه يجب تسليم السيطرة على منطقة عفرين التي سيطرت عليها القوات التركية والجيش الحر إلى قوات الأسد.
النقطة الأخيرة المهمة في هذا المقال والتي تتمحور حولها موضوع البحث والتحليل هو: الضربة وأهدافها! حيث صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في تغريدته على تويتر قبل يوم واحد من الضربة: ليس شرطا أن تقع الضربة اليوم أو غدا أو قريبا بل ربما لا تقع أصلا. بمعنى أن التحشيد العسكري الأمريكي له أهداف طويلة الأمد وليس كما ظن الكثير أنه للرد على كيمياوي دوما فقط!
إذاً ما هي أسباب الزوبعة التي يحاول أن يفتعلها الرئيس الأمريكي في المنطقة؟ هل هي فعلا دفاعا عن حقوق الأطفال التي تقتلهم الآلة العسكرية للنظام وروسيا وميليشيات إيران المتغلغلة في المنطقة؟ أم إنها محاولة رد اعتبار والحفاظ على ماء الوجه أمام الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان من قبل نظم بشار؟ أم لغايات وأهداف وأطماع اقتصادية بعيدة المدى؟