منذ عودته من واشنطن وقبل توجهه إلى أستراليا، لم ينقطع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن الاتصالات الهاتفية مع الرئيسين الإيراني والروسي ومع رئيس الحكومة الإسرائيلي في شأن تعديل الاتفاق النووي الإيراني. لقد أثار الموضوع مطولاً خلال لقائه دونالد ترامب في البيت الابيض لإقناعه بإبقاء الاتفاق وإضافة أربعة عناصر عليه تطمئن الرئيس ترامب ومنها سياسة إيران في المنطقة.
والمجتمع الدولي غريب في تقلباته. عندما بدأت الدول السبع تفاوض إيران في شأن الملف النووي، كانت تردد باستمرار أنه ملف منفصل كلياً عن سياسة إيران في المنطقة في حين أنها اليوم تريد أن يتضمن التعديل هذا العنصر. وقال الرئيس الإيراني علناً أنه يرفض تعديل الاتفاق. لكن المكالمة بينه وبين الرئيس الفرنسي كانت طويلة ومفصلة وهذا يعني أن الرفض علني، ولكن في الواقع ما يحصل بين الرئيسين هو اخذ ورد في ما يمكن تعديله. بيد أن روحاني ليس الحرس الثوري وهو غير نافذ في ما يتعلق بسياسة إيران في المنطقة لا في اليمن ولا في سورية ولا في العراق ولا في لبنان. وإقناع إيران بالكف عن التدخل في كل هذه الدول مهمة مستحيلة لانها حتى اليوم تُرِكت تتدخل اينما كان دون التصدي لها.
فالكل يعرف ان ايران اصبحت تتغلغل على الارض السورية ليس فقط عبر قوات «حزب الله» بل ايضا عبر مواطنين ايرانيين ارسلتهم ليكونوا سكانا جددا في المدن التي افرغها النظام السوري. عندما بدأت الدول تفاوض ايران حول الملف النووي في ٢٠١٣ لم تكن روسيا قد دخلت الى سورية بعد ولكن كانت ايران عبر حزب الله تتوسع هناك وكانت تهيمن في العراق بفضل سياسة أوباما الذي أسرع في إخراج القوات الأميركية من العراق مسلماً الوضع لنوري المالكي الذي اتاح توسع النفوذ الايراني في البلد. واليوم يريد ترامب الخروج من سورية مثلما حصل مع اوباما في العراق ولكن ماكرون أوصاه بتأجيل ذلك خوفاً من توسع إيران في سورية. وعاجلاً أو آجلاً سيخرج ترامب قواته من سورية وقد تحل إيران مكانها بفضل النظام السوري الذي لا يمكنه استعادة المدن التي خسرها من دون قوات الوصاية الايرانية والروسية التي لن تخرج من هذا البلد.
فتعديل الاتفاق النووي الإيراني كما يتمناه ماكرون ليحتوي سياسة ايران في المنطقة لا يمكن أن يتم لأن الجانب الإيراني العسكري لن يسلم هذه الورقة لروحاني. فالحرس الثوري يمسك بزمام النفوذ في المنطقة حيث يضاعف الازمات فيها والتدخلات التي تثير غضب المدنيين الايرانيين الذين يثيرون لكون اقتصاد بلدهم في الحضيض وايران توزع الاموال على حزب الله وعلى حرب سورية ليس للمواطنين مصلحة فيها.
ان مسعى ماكرون والاوروبيين لتعديل الاتفاق النووي مع ايران لا يمكن ان يعطي اي نتيجة على صعيد تغيير نهج ايران في التدخلات في سورية واليمن والعراق ولبنان. وتزويد إيران الحوثيين و «حزب الله» وقوات النظام السوري بالصواريخ الباليستية والأسلحة المتطورة لن يجلب إلا المزيد من الحروب والكوارث في المنطقة. والاتفاق النووي الإيراني لم يحل هذه المسألة. فإذا تم سحبه أو بقاؤه لم يغير في زعزعة استقرار المنطقة. فإسرائيل تضاعف ضرباتها في سورية في أماكن وجود الأسلحة الإيرانية كما أنها تضع الوضع في لبنان على شفير الهاوية لان خطورة مواجهة الدولة العبرية و «حزب الله» قائمة باستمرار. والدول الأوروبية كما بعض الدول العربية تعول على تأثير روسيا على إيران لإقناعها بالكف عن التدخل في سورية واليمن ولكن روسيا بوتين تريد ثمنا باهظا للقيام بذلك إن تمكنت. ولدى الجمهورية الإيرانية الإسلامية كما امبراطورية الشاه طموح هيمنة يتنافس مع هيمنة روسيا في المنطقة. فالأسابيع المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة إلى الموقف الأميركي من الملف النووي، كان ترامب يقول إنه سيمزقه ولكن بعد زيارة ماكرون ومركل أصبح ووزير خارجيته الجديد بومبيو يتحدث عن تعديله. والأكيد أن الضغط على إيران سيشتد.
يتمتع قرار إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة بنفس القدر من الأهمية سواء بالنسبة لمستقبل تركيا أو على صعيد مستقبل الأزمة السورية.
تنبع الأهمية الكبرى للانتخابات المبكرة من كونها ستضع النظام الرئاسي موضع التنفيذ في وقت مبكر أكثر مما كان مقررًا.
وعند وضع وجهات نظر الأطراف المتصارعة في الأزمة السورية يتضح أيضًا مدى الأهمية الكبيرة للقرار.
وجهة نظر الحكومة التركية الحالية والمرشح الذي سيمثلها في الانتخابات الرئاسية رجب طيب أردوغان، معروفة على صعيد الأزمة السورية.
عن طريق هذه الحكومة تؤكد تركيا أن نظام الأسد فقد مشروعيته، وتعارض بشدة أن يلعب رأس النظام دورًا في مستقبل سوريا. كما أنها تعتبر حماية اللاجئين السوريين من بطش النظام واجبًا إنسانيًّا على عاتقها.
***
وفي الحقيقة فإن هذا المبدأ كان مشتركًا بين "أصدقاء سوريا"، ومنهم الولايات المتحدة، مع اندلاع شرارة الأحداث في سوريا.
لكن مع الأسف، لم يبقَ دولة واحدة تتبنى هذا المبدأ باستثناء تركيا.
بعد أن رأى العالم الغربي أن السوريين المتدينين والمحافظين سيفوزون في حال إجراء انتخابات نزيهة في البلاد، فضّل الأسد على الإرادة الوطنية للسوريين، وقدم دعمه بشكل علني أو مستور لتصل الأزمة السورية لما هي عليه اليوم.
لم تتخلَّ تركيا عن هذا المبدأ بفضل حكومة حزب العدالة والتنمية، وفتحت ذراعيها لاستقبال اللاجئين السوريين.
***
ولهذا فإن الناخب التركي سيقترع في 24 يونيو/ حزيران من أجل مستقبل بلاده ومستقبل الملف السوري في الوقت ذاته.
لأن مرشح "تحالف الشعب" أردوغان سوف يواصل السياسة نفسها، وسيدافع عن وحدة الأراضي السورية، وعن الإرادة الوطنية فيها.
أما المعارضة التركية فهي في الجانب المعاكس تمامًا..
للأسف، تتخذ أحزاب المعارضة، وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري، موقفًا يؤكد على مشروعية الأسد، وعلى ضرورة وضع اللاجئين السوريين تحت رحمته.
***
ولذلك فإن فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية يعني انتقال تركيا إلى النظام الرئاسي، ومواصلة السياسة المتبعة بخصوص الأزمة السورية في الوقت نفسه.
أما فوز المعارضة، فيعني التخلي عن النظام الرئاسي وإدخال البلاد في أزمة سياسية من جهة، والتوجه لإجراء مباحثات مع نظام الأسد في الملف السوري ووضع اللاجئين السوريين تحت رحمة الأسد، وعودة الإرهاب إلى المناطق المحررة في عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، وتجاهل مشكلة الأمن القومي التركي من جهة أخرى.
وهذا يعني أيضًا بدء تنفيذ سيناريوهات قذرة بالنسبة للمنطقة.
هل ستبقى سورية بحدودها وشعبها كما كانت؟ سؤال مشروع طُرح، ويطرح، باستمرار من قبل السوريين وغيرهم، وذلك في ضوء المتغيّرات والتعقيدات التي تُجرى وتتراكم تباعاً في الساحة السورية، هذه الساحة التي باتت ميداناً لتحرّك القوى الإقليمية والدولية بصور مكشوفة بعد إزاحة الفصائل العسكرية بتوجهاتها ومشاريعها المختلفة عن المشهد، لتصبح كتلة رديفة تعمل تحت إمرة القوى المشار إليها، وذلك بحسب الولاءات التي لم تعد خافية على أحد.
وهذا فحواه أننا بدأنا نقترب من مرحلة تثبيت أحجار حدود مناطق النفوذ التي ستكون على الأغلب مشاريع لتقسيم غير رسمي لسورية بين كيانات، أو أقاليم، عدة، باتت ملامحها شبه واضحة سواء في الجنوب، أم في القسم الغربي، أم الشمالي الغربي، وأخيراً في الشمال الشرقي.
ويبدو أن التوافقات قد تمت على الإطار العام لخطة ما زالت في حكم المجهول بالنسبة إلى السوريين. غير أن متابعة التطورات والتصريحات والتموضعات، توحي بوجود صيغة من صيغ التفاهم والتكامل بين مختلف الأطراف. فما جرى في الغوطة الشرقية، وما يجري راهناً في القلمون وجنوب دمشق، ليس بعيداً كما جرى في منطقة عفرين، وربما عما سيجري في ادلب وريف كل من حماة وحلب.
كما أن الترتيبات التي تجري في منطقة شرق الفرات، والتصريحات الأميركية المتلاحقة المتباينة بخصوص الانسحاب والتريث، والحديث عن إدخال قوات عربية إلى المنطقة الشرقية، والصمت المتفق عليه حول المنطقة الجنوبية الي لا يمكن ترتيب أمورها بمعزل عن تفاهم أميركي- روسي- إسرائيلي- أردني.
هذا إلى جانب بعض التصريحات الروسية ذات العلاقة باحتمالية تقسيم سورية التي تطفو على السطح من حين إلى آخر، وربما أهمها التصريح الأخير لنائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف.
وتجدر الإشارة أيضاً في هذا السياق إلى بعض التصريحات التي صدرت عن دي ميستورا في مناسبات عدة، وهي تصريحات أعطت انطباعاً بأن خيار التقسيم ليس مستبعداً، لا سيما في ظل أجواء عدم وجود إرادة دولية حقيقية لمعالجة الموضوع السوري بصورة واقعية ممكنة، بل ما نراه هو ما يتمثّل في تعددية المسارات التي من الواضح أنها تنسجم أكثر مع احتمالية التقسيم بين كيانات نفوذ، تعمل كل جهة على تحسين مواقعها ضمن الكيان الذي ستشرف عليه.
وعلى الأكثر لن تكون هناك مشكلات كبرى في منطقتي الشمال الغربي والجنوب، وذلك على عكس المنطقة الأوسع في القسم الغربي من سورية التي سيتقاسمها النظام مع كل من روسيا وإيران. فالنظام، الذي يعرف تماماً أنه استمر بفعل الدعم المستمر من جانب حليفيه اللدودين، يدرك جيداً أن القرار السيادي لم يعد في متناوله، وأنه قد بات الواجهة التي تغطي الحسابات الروسية والإيرانية. ولن يكون من السهل بالنسبة إلى هذا النظام أن يوفّق بين المتطلبات الروسية والإيرانية، لذلك فمن المتوقع أن تكون هناك تصدعات بين أجنحته المختلفة بمجرد انتهاء العمليات العسكرية القيصرية، وذلك تبعاً للولاءات والأولويات.
أما بالنسبة إلى كل من روسيا وإيران، فلكل طرف أهدافه، التي قد تتقاطع حيناً بصورة مرحلية، ولكنها على المدى البعيد متفارقة. فروسيا تريد عبر سورية حضوراً قوياً في الشرق الأوسط. وهي تدرك جيداً أن حضوراً كهذا لا يمكن أن يستند إلى العلاقة الوطيدة مع إيران وحدها، بل لا بد من بناء العلاقات مع القوى الإقليمية الأخرى، مثل تركيا وإسرائيل والسعودية ومصر، الأمر الذي سيتعارض عاجلاً أم آجلاً مع المشروع الإيراني. أما عن آفاق هذا التعارض، ومآلاته المرتقبة، وإمكانية احتوائه، فكل ذلك يتوقف على نتائج طبيعة وحدود الدور الأميركي، الغربي، في سورية والإقليم عموماً.
أما المنطقة الشرقية، أو الشمالية الشرقية، الخاضعة للنفوذ الأميركي بالتنسيق مع قوات سورية الديموقراطية، التي تشكل قوات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، فهي الأخرى لم تتبلور ملامحها النهائية بعد. ولكن الذي يُستشف من السياسات والتصريحات الأميركية هو أنها لن تكون منطقة لمشروع «دولة كردية» كما يُروج هنا وهناك لكسب نقاط سياسية من جانب هذه القوة أو تلك، أو حتى الحصول على المزيد من التأييد على صعيد السياسة الداخلية. فالمنطقة في الأساس مختلطة، وقد تراجع فيها الوجود الكردي نتيجة الهجرة الواسعة، وهذا معناه أن أي مشروع أميركي في المنطقة سيعتمد على صيغة من العلاقة الإدارية بين المناطق الكردية في شمال الجزيرة السورية وصولاً إلى كوباني/ عين العرب، والعربية السنية جنوباً، الأمر الذي ربما يطمئن تركيا، ويبعد منها هاجس الانفصال الكردي، وربما هذا ما يفسر المطالبة الأميركية بقدوم قوات عربية إلى المنطقة لتتولى مسؤولية الإشراف عليها، والدفاع عنها. وقد تُعتمد صيغة مشابهة في العراق أيضاً على صعيد العلاقة بين الكرد والعرب السنة، وذلك في إطار عملية إعادة هيكلة شاملة للمنطقة على صعيد الكيانات والعلاقات في ما بينها، والمعادلات التوازنية، وضبط عملية ترسيم الحدود الجديدة، وقواعد التعامل.
ونحن لا نذيع سراً إذا قلنا إن محنة السنوات السبع التي عاشها السوريون في مختلف المناطق قد أضعفت النزعة الوطنية لدى أوساط واسعة منهم، لا سيما أولئك الذين تعرضوا لبطش النظام ومجازره، وقصفه إياهم بكل أنواع الأسلحة، وارتكابه كل الجرائم بحقهم. فهؤلاء إذا ما خُيروا بين البقاء في ظل حكم بشار الأسد بعد كل الذي حصل، وبين التبعية لهذه الجهة الأجنبية أو تلك مقابل ضمان الحد الأدنى من الاستقرار الأمني، فالغالبية الغالبة ستفضل، ومن دون أي تردد، الخروج من دائرة نفوذ آل الأسد.
وما يرجّح كفة هكذا خيارات صعبة هو عدم وجود قوة وطنية منظمة متماسكة، تطرح برنامجاً مطمئناً لجميع السوريين، وتمتلك شعبية واضحة مؤثرة في مختلف المناطق السورية، ومن جانب سائر المكوّنات المجتمعية السورية.
وعلى رغم جهود كثيرة بذلت، وتبذل، هنا وهناك لإيجاد هكذا قوة، فإنه لم يتم التوصل بعد إلى المطلوب حتى الآن لاعتبارات عدة، منها نخبوية تلك الجهود، أو اقتصارها على وسط معين، أو عدم قدرة أصحابها على القطع مع المنظومة المفهومية التي رسختها في أذهانهم سلطة الاستبداد على مدى عقود. فما زال الكثير ممن يعلنون انحيازهم للمشروع الوطني السوري، ودعوتهم إليه، يصرّون على المفاهيم الماضوية من قومية أو دينية، ويكتفون بالمجاملات الخاوية في سياق تعاملهم مع قضايا جادة، تستوجب رؤية واضحة، وممارسات ملموسة تعزز الثقة.
إن غياب البديل الوطني المقنع، يزيد في حظوظ بقاء بشار الأسد كواجهة للتغطية على كل ما يخطط لسورية. وإذا ما استمرت الأمور على هذا المنوال من دون أي اختراق فاعل، فليس من المستبعد أن نكون بعد حين أمام «أجنة» تكون مستقبلاً مشاريع سوريات عدة بنكهات الدول المعنية.
باستثناء الأمم المتحدة التي أعربت عن قلقها على آلاف المدنيين المحاصرين منذ سنوات في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين قرب دمشق، وبيان أصدره كتاب وناشطون فلسطينيون وعرب، عن تدمير روسيا والنظام السوري المبرمج للمخيم، فإن لا صوت آخر انتبه لهذه الواقعة ولمعناها الكامن، وهو تصفية أكبر مخيّمات سوريا وأشهرها وقتل وتشريد من بقي من أهله في أصقاع العالم.
للنظام السوري تاريخ طويل في استهداف المخيمات الفلسطينية وتدميرها، بدءاً من مخيمي تل الزعتر وضبية، اللذين جرى اجتياحهما بعد دخول جيش النظام إلى لبنان عام 1976، بالتعاون مع «الكتائب» اللبنانية، ومروراً بمخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة التي تعرضت لحصار وحشي وتدمير مبرمج خلال الأعوام 1985 ـ 1988، وليس انتهاء بتدمير مخيم نهر البارد شمال لبنان عام 2007، وتشريد سكانه عن بكرة أبيهم.
أحد أسباب تجاهل مصير مخيم اليرموك الكارثي، والذي كان أكبر مخيمات الفلسطينيين بأكثر من 400 ألف نسمة، أن المعركة تجري مع تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي يحتلّ المخيم بتسهيل وتواطؤ من النظام نفسه، في تكرار لحدث مخيم نهر البارد الذي احتلته حركة «فتح الإسلام»، وهو سيناريو يبدو النظام السوري متخصصا في تأليفه وصناعته، ويعيد التذكير بتنظيمه لعمليات حشد وإرسال «الجهاديين» إلى العراق، وبإطلاقه لقادتهم من سجونه قبيل الثورة عليه عام 2011، فالألعاب الاستخباراتية هي أسّ عمل النظام ومناط اهتمامه الأول.
يضاف إلى ذلك طبعاً انشغال الفلسطينيين في الداخل بصراعهم الوجودي مع إسرائيل، وصراعاتهم الداخلية بين رام الله وغزة، وتواطؤ بعض القيادات العربية عليهم، ومحاولاتهم المستميتة الدفاع عن الأقصى والقدس، وحراكهم العظيم في مسيرات العودة والمظاهرات والاعتصامات، والاغتيالات والسجون، ومعاناتهم، وخصوصا في غزة، من الضيق الاقتصادي والحصار المتعدد الوجوه.
تتناظر هذه الجريمة الكبيرة ضد مخيم اليرموك مع الحملة المكثفة المستمرة من أركان الحكم اللبناني ضد اللاجئين السوريين، فرداً على مؤتمر بروكسل الذي نادى بالعودة الطوعية للنازحين ودمجهم في المجتمع وسوق العمل استشاط الرئيس اللبناني غضبا الذي وجد هذه الدعوة «تتعارض مع استقلال الوطن اللبناني» و«السيادة اللبنانية»، رافضا ربط عودة اللاجئين بالحل السياسي في سوريا أو ربط إعادة الأعمار بالحل نفسه، فيما قام صهره، وزير الخارجية جبران باسيل بمهاجمة «المجتمع الدولي» مطالبا إياه بوقف تشجيع السوريين على البقاء وبعدم إعطاء اللبنانيين «دروسا في الإنسانية».
الرئيس اللبناني لا يجد تعارضا مع استقلال الوطن اللبناني وسيادته أن جماعة بعينها، مثل «حزب الله»، تمتلك سلاحا يتفوق على سلاح الدولة نفسها، وتطوب قرارات هذه الدولة لصالح دولة خارجية، وتحرك قواتها الكبيرة خارج حدود لبنان حيثما تريد، فتصل كتائبها إلى أقاصي سوريا والعراق واليمن من دون أن تهتزّ شعرة سيادة واستقلال في رأس الرئيس وصهره.
والحقيقة أن دخول جيش النظام السوري، عام 1975، وما أعقبه من احتلال فعليّ للبنان، ومجازر كان الفلسطينيون هم هدفها الأول، وما تولّد عن ذلك الاحتلال من مصطلحات ساخرة كـ«تلازم المسارين»، هو الأب الفعلي لما حصل لاحقاً بعدها من مجازر في سوريا نفسها، ضد السوريين الذين هربوا بالملايين نجاة بأرواحهم، وضد الفلسطينيين الذين يدمّر النظام الآن آخر قلاعهم، وكذلك لما يحصل الآن أيضاً من وحدة الاتجاهات العنصرية والطائفية اللبنانية ضد النازحين السوريين، بعد أن قامت بدورها في إخراج الكيان السياسي للفلسطينيين من لبنان، ثم المشاركة في المجازر ضدهم والاستفراد بهم وحصارهم والتضييق عليهم.
تلازم المسارين بهذا المعنى، هو اتفاق المستبد الطاغية مع أركان العنصرية والطائفية ضد الفلسطينيين والسوريين، بعد مماحكات تاريخية طويلة على من له اليد الطولى في إبادة هؤلاء.
ها هي زوبعة ترمب تدك معاقل نظام بشار في عمق دمشق لكن بعد إخلاء معسكرات النظام مسبقا! أعتقد أن هذه الضربة مسرحية لتصدير أزمات ترمب الداخلية إلى الخارج، على كل حال أخطأ من ظنّ أن التحشيد الأمريكي الأطلسي هو رد لاستخدام نظام بشار الكيمياوي في دوما فقط! فمنذ أيام أطالع التصريحات وآراء معاهد الدراسات الاستراتيجية حول العالم بخصوص الموضوع وتوصلت إلى ما يلي:
أولا: الكم الهائل للتحشيد الأمريكي والحلف الأطلسي إعلاميا وعسكريا واستعراض أحدث طائرات التجسس والغواصات النووية وحاملات الطائرات المتطورة ولأول مرة استخدام طائرة يوم القيامة الأمريكية كل ذلك مؤشرات وأدلة كبيرة لا تقبل الجدل على وجود نية جامحة لدى تلك الأطراف الدولية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية لرسم خارطة نفوذ دولية جديدة في سوريا. حيث ذكرت وسائل إعلامية غربية ومنها صحيفة ديلي ميل البريطانية عن تحرك ما لا يقل عن 12 سفينة وبارجة عسكرية أمريكية باتجاه السواحل السورية في البحر الأبيض وهي واحدة من أكبر تجمعات القوة البحرية الأمريكية منذ غزو العراق في 2003.
وكذلك قالت صحيفة ديلي تليغراف البريطانية أن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أمرت يوم 11 إبريل المنصرم غواصات نووية تابعة للأسطول الملكي بالتحرك باتجاه البحر الأبيض المتوسط بحيث تكون على مسافة تتيح لها إطلاق صواريخ على سوريا وذلك استعداداً لتوجيه ضربات لجيش النظام السوري ويأتي ذلك متزامنا مع موافقة مجلس العموم البريطاني بضرورة ردع نظام بشار ومعاقبته لاستخدامه الأسلحة الكيميائية ضد شعبه!
النقطة الثانية: جميع محللي الغرب المحايدين وبالأخص الأمريكيين يرون أن هذه الحملة ليست ردا لكيمياوي دوما بل تحمل أبعادا استراتيجية بعيدة المدى فهي من جهة لتحجيم الدور الروسي كما حصل في البوسنة في تسعينيّات القرن الماضي حيث يترافق هذا التصعيد مع عقوبات اقتصادية إضافية فرضتها أمريكا والاتحاد الأوربي على روسيا، ويعتزم الكونغرس الأمريكي القيام قريباً بمعاقبة روسيا وتحجيم دورها في ملفات عدة، ويخطط للتصديق على مشروع قانون يتضمن حزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية ضد موسكو. وحسب وسائل إعلام أمريكية أن حزمة العقوبات المقترحة ستشمل حظراً تاماً لأي تعاملات مالية بسندات الدين السيادية الروسية بالإضافة إلى منع التعامل بالأوراق المالية الصادرة عن مؤسسات مالية مهمة من ضمنها البنك المركزي الروسي والخزينة الاتحادية الروسية. يُضاف إلى ذلك عقوبات على العديد من البنوك الروسية منها سبير بنك غازبروم بنك وبنك موسكو. ومن المتوقع تطبيق حزمة العقوبات هذه في مدة لا تتجاوز الشهرين من تاريخ إقرارها.
ومن جهة ثانية تقزيم الدور الإيراني والقضاء على نفوذها المليشاوي في المنطقة عموما وفي سوريا خصوصا من خلال هجمات جوية محددة مسبقا تستهدف مقرات ومعسكرات تابعة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله في دمشق واطرافها حيث تعمل النظام الإيراني على توسيع نفوذه الإقليمي في سوريا على حساب القوى الإقليمية الأخرى من خلال جلب المقاتلين المرتزقة من مختلف الجنسيات وتدريبهم في هذه المعسكرات بدنيا وعقائديا ومن ثم تجنيدهم للقتال لصالح الولي الفقيه الإيراني. فكما هو معلوم أن ملالي طهران يعتمدون بالأساس على استخدام الكثافة البشرية والتلقيم الطائفي ومن ثم التضحية بهم كوقود حرب في أي عمل عسكري يقومون به حيث أن تشكيل هذه المجاميع لا تكلفهم الكثير من الأموال وبما انها بنيت على أسس عرقية وعقائدية يضمنون ولائهم المطلق والاعمى لهم! كما شهدنا ذلك في الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي. عندما كان يعتمد النظام الإيراني في هجماته على الزخم البشري بدل التكتيكات العسكرية والقوة النارية في جبهات القتال ولهذا كانت الخسائر البشرية الإيرانية فادحة جداً. واللافت أن معظم القتلى والأسرى الإيرانيين حينها وجِدَت معهم مفاتيح جنة وكُتيّبات موقّعة من خميني كصك ايمان للمرور من الصراط المستقيم!
النقطة الثالثة اللافتة للانتباه: روسيا سحبت معظم السفن الحربية والغواصات الاستراتيجية من قاعدة طرطوس البحرية باتجاه البحر بعيدا عن الميناء وهذا ما اثبتته صور الأقمار الصناعية التي عرضتها قناة فوكس الأمريكية وبقي الثقل الروسي متمركزا في قاعدة حميميم العسكرية فقط على ما يبدو أن هنالك تطمينات للروس بعدم استهدافها من جهة اخرى نشرت تقارير عن قيام النظام السوري واللجان الشعبية التابعة له بنقل معظم الطائرات والآليات العسكرية المهمة لنظام بشار إلى النقاط العسكرية التابعة للروس قبل وقوع الضربة والاهم من هذا وذاك الانباء التي تداولتها الكثير من الصفحات المؤيدة والموالية لنظام بشار والتي تشير إلى انسحاب قادة الصف الأول في الجيش السوري وكذلك في اجنحة المليشيات المرتبطة بإيران وحزب الله مع عوائلهم إلى مقرات خارج دمشق إلى حميميم ولبنان وبغداد وطهران وهنالك إشارات بهذا الخصوص منها: أن بعض المسئولين الروس أبدوا امتعاضهم من تكدس المدنيين في قاعدة حميم العسكرية وهنالك تصريحات موثقة بذلك.
النقطة الرابعة: تأكيد بعض المحللين وجود سيناريوهات لتقسيم النفوذ الغربي في سوريا بين قوات الحلف الأطلسي وأمريكا، وبما أن تركيا عضوة في الحلف الأطلسي تفاجأنا بعد القمة الثلاثية الناجحة التي عقدت في انقرة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وضيفيه بوتين وروحاني بطلب مفاجئ من كل من إيران وروسيا على حد سواء بضرورة الانسحاب التركي عن عفرين وأطرافها فوراً! وهذا الطلب المفاجئ لم يكن المقصود منه تركيا حصرا بل ردة فعل روسي إيراني مشترك تجاه الحلف الاطلسي !حيث في مؤتمر صحفي له في موسكو يوم 9 ابريل قال السيد سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا إن: أبسط طريقة لتطبيع الوضع في عفرين هو إعادتها لسيطرة دمشق. مؤكدًا: يجب على تركيا تسليم عفرين بعد انتهاء عملية غصن الزيتون !وأضاف: بعدما قال الممثلون الأتراك أن الأهداف التي تم تحديدها هناك تحققت ويجب إعادة تلك الأراضي إلى تحت سيطرة الحكومة السورية.
وجاء الرد التركي على لسان رئيس الجمهورية السيد رجب طيب أردوغان يوم 10 إبريل قائلا: يا سيد لافروف لست أنت من يحدد الانسحاب من عفرين نحن من يحدد هذا الوقت وليس أنت. وأكد أن تركيا تعلم جيدًا لمن ستعيد عفرين، مشيرًا إلى: تسليمها لسكانها عندما يحين الأوان. ودعا السيد رئيس الجمهورية أيضا إلى ضرورة الحديث أولًا عن تسليم المناطق السورية الخاضعة لسيطرة الدول الأخرى إلى سوريا معتبرًا أن عبارة: أن النظام هو الذي فوض امر تلك المناطق إلى الدول الأخرى لا تطمئن تركيا. وفي اليوم الأول من قمة أنقرة نقل التلفزيون الإيراني عن روحاني قوله للرئيسين طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، إنه يجب تسليم السيطرة على منطقة عفرين التي سيطرت عليها القوات التركية والجيش الحر إلى قوات الأسد.
النقطة الأخيرة المهمة في هذا المقال والتي تتمحور حولها موضوع البحث والتحليل هو: الضربة وأهدافها! حيث صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في تغريدته على تويتر قبل يوم واحد من الضربة: ليس شرطا أن تقع الضربة اليوم أو غدا أو قريبا بل ربما لا تقع أصلا. بمعنى أن التحشيد العسكري الأمريكي له أهداف طويلة الأمد وليس كما ظن الكثير أنه للرد على كيمياوي دوما فقط!
إذاً ما هي أسباب الزوبعة التي يحاول أن يفتعلها الرئيس الأمريكي في المنطقة؟ هل هي فعلا دفاعا عن حقوق الأطفال التي تقتلهم الآلة العسكرية للنظام وروسيا وميليشيات إيران المتغلغلة في المنطقة؟ أم إنها محاولة رد اعتبار والحفاظ على ماء الوجه أمام الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان من قبل نظم بشار؟ أم لغايات وأهداف وأطماع اقتصادية بعيدة المدى؟
أولئك الذين يريدون القضاء على الاتفاق النووي الإيراني، وأولئك الذين يبغون إصلاحه، قد يتغاضون سوياً عن وجود خيار ثالث قوي: ألا وهو إبقاء الاتفاق النووي طي النسيان.
ويعتبر 12 مايو (أيار) هو الميعاد النهائي المحدد للرئيس دونالد ترمب لاتخاذ القرار ما إذا كان سوف يجدد فرض العقوبات القاسية على إيران، والتي تم رفعها بموجب الاتفاق الذي كان يهدف إلى توفير الشفافية وفرض القيود المؤقتة على تطوير البرنامج النووي الإيراني.
ومن شأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ممارسة بعض الضغوط على الرئيس الأميركي بشأن الانتظار. ومن جانبه انطلق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى شبكة «سي بي إس» الإخبارية الأميركية للتهديد بأن إيران لديها خيارات «غير سارة» إذا ما جدد الرئيس ترمب فرض العقوبات. حتى جون أوليفر مذيع محطة «إتش بي أو» في أحد برامجها المتأخرة قد دخل على الخط؛ إذ سوف يخصص برنامجه الإعلانات على شبكة «فوكس» خلال الأسبوع الحالي لدعوة الرئيس الأميركي إلى الالتزام بالاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس السابق باراك أوباما. وكان مايك بومبيو وزير الخارجية قد صرح مؤخراً قبل تثبيته في منصبه من قبل الكونغرس، بأن خياره المفضل هو تعزيز، وليس إنهاء، الاتفاق النووي.
وهذا الاتفاق مهم من دون شك. غير أن هناك مسائل أخرى أكثر إلحاحاً من مصير الاتفاق النووي الإيراني - ومن بينها مصير النظام الحاكم في طهران. وينبغي لأي اعتبار يتعلق بإلغاء أو إبقاء الاتفاق النووي أن يشمل كيفية تأثير هذه الإجراءات على النظام الإيراني والمقاومة الإيرانية الداخلية المؤيدة للديمقراطية.
وهي من القصص السهلة التي يجب عدم تفويتها، ولكن منذ أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عندما اندلعت الاحتجاجات في طول إيران وعرضها، واجهت الزمرة الحاكمة من رجال الدين في إيران سلسلة من الأزمات التي شكلت أبرز الأخطار وأكبرها على شرعية النظام الحاكم منذ اندلاع الثورة الإسلامية في البلاد في عام 1979.
ودعونا نبدأ بأزمة العملة. هناك بالفعل تهافت على المصارف الإيرانية. ولقد فقد الريال الإيراني ثلث قيمته الفعلية في عام 2018 الحالي في مقابل الدولار الأميركي. والدولار الأميركي الواحد يساوي نحو 60 ألف ريال إيراني في السوق السوداء الإيرانية اليوم. مع مقارنة ذلك عندما تسلم الرئيس حسن روحاني مقاليد الحكم في البلاد عام 2013 عندما كان الدولار الأميركي الواحد يساوي 36 ألف ريال إيراني فقط. ولقد كان ذلك قبل أن يعرض الرئيس السابق باراك أوباما أي تخفيف للعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، وعندما كان الاحتياطي النقدي ينفد بوتيرة سريعة للغاية من بين أيادي الحكومة الإيرانية.
وهناك أيضاً الأزمة البيئية في إيران. وذكرت وكالة «رويترز» الإخبارية الشهر الماضي، أن الكثير من الاحتجاجات قد اندلعت في البلاد بسبب الجفاف المستمر والاستجابة الحكومية الفاشلة للتصدي لهذه الأزمة. وكان المزارعون الإيرانيون يُطردون من أراضيهم. وشرع النظام الحاكم في اعتقال نشطاء البيئة في البلاد. وتبث الدولة الإعلانات التجارية مدفوعة الأجر التي تحث المواطنين على ترشيد استهلاك مياه الشرب.
وأخيراً، هناك أزمة في السياسة الخارجية. فقد كانت إحدى محفزات الجولة الأولى من الاحتجاجات الإيرانية في ديسمبر ويناير (كانون الثاني) الماضيين تسريباً للميزانية الرسمية في إيران، والتي أظهرت أن مليارات الدولارات قد تم تخصيصها لصالح الجيش الإيراني والحرس الثوري، الذي يباشر شن الحروب الدموية في سوريا واليمن، في حين أن معدلات البطالة الإيرانية بين الشباب مستمرة في الارتفاع والتفاقم. وذلك هو السبب في أن الكثير من المتظاهرين يرفعون اليوم شعارات تحض إيران على التركيز على مشكلاتها الداخلية بدلاً من زرع الاضطرابات والقلاقل في الخارج.
كل هذه العوامل أثارت نيران الاحتجاجات التي بدأت قبل خمسة أشهر تقريباً في إيران. كما أنها تفسر أيضاً سبب عجز النظام الحاكم في إيران عن تهدئة الاحتجاجات على نحو ما صنع في عام 2009، في أعقاب الانتخابات الرئاسية المزورة هناك، من خلال اعتقال النخبة الحضرية التي خرجت إلى الشوارع للاحتجاج، ثم اختفائها تماماً.
ولكن هذه المرة اندلعت الاحتجاجات بين مختلف طبقات وشرائح المجتمع الإيراني. ويشير علي رضا نادر، الخبير السابق في الشأن الإيراني لدى مؤسسة «راند»، إلى أن بعض المطلعين السابقين على مجريات الأمور مثل الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد يتوقعون انهيار النظام الحاكم الحالي في إيران. وأسفر صراعه الانتخابي في عام 2009 عن انفجار الانتفاضة الإيرانية قبل الأخيرة.
ولقد ترجم رضا نادر، عبر حسابه في «تويتر»، الأسبوع الماضي كلمات محمود أحمدي نجاد إلى أنصاره والتي سجلتها الخدمة الفارسية في هيئة الإذاعة البريطانية في اجتماع حاشد مؤخراً. وقال إن النظام الحالي يتصرف كما لو أنهم باقون في الحكم إلى الأبد. ليس لديهم فكرة عما يحدث من حولهم، ولا أرض راسخة تحت أقدامهم. والأحداث الجارية في إيران سوف تغير وجه العالم بأسره قريباً.
ولقد أخبرني رضا نادر هذا الأسبوع أنه لا يعتقد أن محمود أحمدي نجاد قد تغيرت معتقداته. بدلاً من ذلك، يتخذ لنفسه موضعاً جديداً لأنه يعلم تماماً أنه سوف تندلع اضطرابات عارمة وهو لا يريد أن يكون الرجل الذي يذهب كبش فداء الأحداث.
وهو ليس بمفرده في ذلك؛ إذ كتبت جينيف عبده إلى وكالة «بلومبيرغ» الإخبارية الشهر الماضي تقول إن هناك نقاشاً مهماً واعتراضاً قوياً على اعتقال آية الله حسين شيرازي، الملا البارز الذي تحدى السلطة المطلقة للمرشد الإيراني علي خامنئي. وكما ذكرت في مقال آخر الشهر الحالي، أن المحامية الإيرانية في مجال حقوق الإنسان، شيرين عبادي، التي فازت بجائزة نوبل، تدعو إلى جانب نشطاء آخرين إلى تغيير أصلي في نظام إيران الحاكم من خلال الاستفتاء الشعبي الذي يخضع لمراقبة الأمم المتحدة، والذي من شأنه أن يقضي على منصب المرشد الأعلى تماماً.
كلنا نعلم عن مدى رغبة وعشق المرأة بشكل عام أن تكون على مستوى مواز لمستوى الرجل، دائما ما نراها حريصة على أن تطالب بحقوقها التي تراها من وجهة نظرها بأنها ضائعة ومسلوبة منها، طالبت بالعمل، بمنزل، بأسرة، بكل شيء تراه لها لكن كلمة المرأة: ما معنى لفظ هذه الكلمة في مجتمعاتنا وخاصة السورية، كيف أصبح حال المرأة السورية؟؟
ما مقدار اجترار الحرب منك أشيائك وقدراتك، كنا سابقا نطالب حقنا من الرجال، من المجتمع ومن كل شخص ينقص ويبخس حقنا ونستشهد برحمة الإسلام بنا ولكن الآن الأمر مختلف حيث أصبحت المرأة السورية تطالب حقها من الحروب التي أخذت لها أغلى ما تملك (رجلها، طفلها، أسرتها، منزلها، تعليمها)..
المرأة السورية لم تعد هذه الكلمة ذات لفظ هين، أصبحت كمثقال ذرات الحديد على أكتافها وذرات حبات أمل على جبينها. كل ألفاظ المرأة من (مطلقة، أرملة، عانس، ناقصة تعليم) أصبحت من صفات المرأة السورية، كيف لهذه المرأة أن تتجاوز الحياة أن تكون مستمرة بحياة لا تليق بالحياة، عندما كنت أرى نساء قمن بعمل عظيم وجبار أتعجب بالسر الذي جعلها تحقق مستوى العظمة هذا، أهو من والدها أم من زوجها أم من مجتمعها، لكن: عندما أصبحت أشاهد امرأة سورية قدرت واجتهدت على فعل أمر عظيم لا أكتفي حينها بالتعجب، وإنما أندهش واستغرب من فعلها فعلآ، لأن الحرب أنهكت قوى المرأة السورية، كثير ما أصبحت أسمع من ألسن النساء السوريات: من المؤسف أننا أصبحنا نساء سوريات يا لهذا الحظ السيء لنا، ما هو جرمنا الذي ارتكبناه لنكون كما نحن عليه، أيتها الحياة دعيني أعيش آخذ حقي فقط بالحياة..
فالحرب لم تقتصر أثرها على أرضها وشعبها وإنما آثارها اجترت وتجاوزت لها عن حقوقها وأحلامها وأسرتها ..يعتريني سؤال: أتُرى ما سِر المرأة السورية؟؟ حتى من بعد اجترار الحرب لأحلامها بقيت بهذه القوة والصمود لمتابعة المشوار.. هل هذا الأمر جاء نتيجة تربية، أم إنها قدِرت أن تُخرج من الألم أمل، أم إنها تعويد على الصدمات والآلام ليس إلا؟ أشبه هذه المرأة السورية بشجرة حبات النخيل، نعم فهي تماما تشبه شجر حبات النخيل بقوتها وارتفاعها فهي لا تدنو من الفلاح بالرغم من إنها تعلم إن ثمارها سوف تُقطف.
حرب لسبع سنوات ماضية وحرب لسنوات لاحقة لا نعلم عددها أخذت حقيقة من المرأة مالم تأخذه من أحدٍ غيرها، وبرغم كل هذا لا زٍلنا نرى أشخاص يهاجمون المرأة بكل وحشية وعنف، يهاجمون روح أخذت الحرب منها الحياة كل آمالها بأسرة وزوج وأطفال واستقرار، كيف سنُفهم هؤلاء الأشخاص لأن المرأة أصبحت أقوى بكثير ما بعد حرب أخذت منها اسمها وأمنها وأمانها .ومن الغرابة أنني وجدت بعد اطلاعي على إحصائية النساء الأرامل بأحد المنظمات الإنسانية وجدته رقماً هائلاً كان أكثر من خمسة آلاف امرأة سورية مسجلة،
أتُرى ما ذنبهم، ما ذنب أطفالهم؟
كيف سيكن قادرين على مواجهة حياة صعبة هي أشبه بحرب موت على موت؟
ما هو مصيرهم، مجهولهم، أين تناثرت حبات نخيلهم، وبرغم هذا لا زلنا نراهم عصيات جبارات، يريدون الحياة لأجل اطفالهم وأحلامهم؟
لا أقصد أبداً بكلامي السابق أن أشد عضد المرأة، لكن القصد هو إظهار مدى أنصارها بمجتمع وحرب أنهك قواها، دعوة للرأف بهذا الكائن الذي لا يزال يتحدى الألم وينمو ما بين صخر وحُفر.. يا حربنا السورية خففي عواصفك على شجرة حبات النخيل هذه، اتركي لها طريقاً تسير به نحو حياة تليق بالحياة، فالحياة عند المرأة السورية أقوى وأبعد من أن يستبد بها شيء.
كشف القيصر الروسي أخيراً حقيقة مفزعة وصادمة حين قال: «لقد اختبرنا أسلحة حديثة في سورية، وتأكد لدينا تفوقها وفاعليتها على أرض الواقع». لقد اعترف الرئيس بوتين بنفسه، بأحد أهم أسباب تدخله في سورية، إضافة الى الأسباب الأخرى المعروفه، ومنها إبراز قوة روسيا، وتأكيد وجودها على الساحة الدولية، ومواجهة أعدائها، على حساب دماء الشعب السوري وأمنه، والجميع يعلم جيداً أنه لولا تدخل روسيا المباشر وغير المباشر في هذا البلد، واستخدامها المتكرر الفيتو في الأمم المتحده لمواجهة كل القرارات الدولية التي تدين النظام وحلفاءه، في محاولة منها لإنهاء هذه المأساة التي تتفجر في كل يوم وساعة، عن ألف مأساة ومأساة، لكانت الأوضاع فيها غير ما هي عليه الآن، ولما بلغ حجم الدمار هذا الحد الفظيع والمروع.
من المؤلم والموجع أن يتناول جميع المحللين والمراقبين الدوليين، ومن ضمنهم عرب، الجوانب الأخرى في خطاب القيصر الروسي، من دون التطرق الى اعترافه الخطير هذا وفضيحته المدوية، وحتماً سيأتي في يوم ما من ينصف الشعب السوري ويقدم كل من شارك في استمرار مأساة العصر هذه إلى المحاكم الدولية لينال جزاء ما اقترفه بحق الشعب السوري. وسيكون لهذا الاعتراف الصريح أهميته ودوره في إحقاق الحق ودحر الباطل.
الشعب السوري ليس حقل تجارب، وهذا شأن داخلي ليس لأحد حق التدخل فيه، سواء كان من الدول الكبرى أم الإقليمية، وعلى الكل أن يغادر سورية كي يلتقي أهلها بعضهم مع بعض، ويتفقوا على صيغة ما لوقف نزف بحور الدماء هذه التي تواصلت لسبعة أعوام، وبات أكثر من نصف أبنائها بين قتيل وجريح ولاجئ ومهجّر.
حتى الهدنه الأخيرة تم الالتفاف عليها من قبل الرئيس الروسي، ولم تحقق أهدافها الحقيقية. ويبدو أن الوضع سيستمر على ما هو عليه من تعقيد وسط أزمات دولية، خصوصاً أن في الجانب الآخر من الكرة الأرضية زعيماً كبيراً آخر لم ينجح في وضع حلول منصفة وعادلة، لأي كارثة من كوارث العالم المتفجرة.
ينشط المسؤولون الإيرانيون مؤخرا في الإكثار من التصريحات التي تشدد على مخاطر انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني.
ولا تقف هذه التصريحات عند حدود التحذير من التداعيات، بل تركّز أيضا على وجود خيارات إيرانية للرد على مثل هذه الخطوة.
تتراوح الخيارات الإيرانية وفقا للتصريحات الرسمية من الرد المحدود إلى الرد المفتوح، وذلك اعتمادا على طبيعة الخطوة الأمريكية والأضرار التي ستُلحقها بالجانب الإيراني.
الرئيس الإيراني حسن روحاني كان قد صرّح مؤخرا بأنّ "طهران لن تكون البادئة بنقض الاتفاق النووي، لكن على واشنطن أن تعلم يقينا بأنّها ستندم إذا ما كانت هي البادئة".
وفي نفس السياق، نقلت "رويترز" عن وزير الخارجية محمد جواد ظريف قوله "إيران لديها خيارات عدة إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، رد فعل طهران على انسحاب أمريكا من الاتفاق سيكون مزعجا"، مضيفا بانّ هذه الخيارات جاهزة للتنفيذ وأنّ المسؤولين الإيرانيين سيتّخذون القرار المناسب في الوقت المناسب.
وفقا للمسؤولين الإيرانيين، فان من بين الخيارات المطروحة الانسحاب من الاتفاق والانسحاب من البروتوكول الإضافي لمنع الانتشار النووي، واستئناف الأنشطة النووية بسرعة.
رئيس منظمة الطاقة الإيرانية علي أكبر صالحي كان قد هدد بمتابعة الأنشطة النووية الإيرانية بشكل كامل.
في تحليل ردود الأفعال، يبدو الجانب الإيراني أكثر توترا، وذلك لأنّ الحكومة الإيرانية تقع تحت ضغوط متزايدة داخليا وخارجيا.
على الصعيد الداخلي، ينتظر المتشددون فشل الحكومة التي سوقت لنفسها من خلال الاتفاق النووي وذلك للانقضاض عليها، كما أن توقعات الجمهور الإيراني بدأت بالتراجع مع عدم ترجمة الاتفاق النووي إلى منافع اقتصادية تستفيد منها العامة.
على الصعيد الخارجي، يزداد الضغط الإسرائيلي مؤخرا وسط تهديدات قد تصل إلى حد استهداف مواقع داخل غيران بعد أن زادت تل أبيب من وتيرة استهدافها للمواقع الإيرانية في سوريا.
يبقى التحدّي الأكبر في هذه المرحلة بطبيعة الحال هو مواجهة الضغط الذي يحاول الرئيس الأمريكي ممارسته على طهران من خلال التهديد بالانسحاب من الاتفاق النووية. ومن المتوقع أن يتم اتخاذ قرار بهذا الشأن في شهر مايو القادم، الأمر الذي يتطلب حسابات دقيقة من الجانب الإيراني.
موقف الرئيس الفرنسي مؤخراً أثار عددا من التساؤلات حول مدى تماسك الجبهة الأوروبية فيما يبدو ترامب عازماً على تفتيتها.
وبالرغم من تأكيدات المسؤولين الإيرانيين على استعدادات النظام للرد على الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، إلا أن السيناريو الأفضل -والذي يتمناه ربما- هو المماطلة على الأقل لبضعة سنوات قادمة إلى أن يتم تغيير ترامب، لكن لا يبدو أن الرئيس الأمريكي بصدد إعطاء إيران مثل هذه الفرصة.
مؤخرا أبدى وزير الخارجية الإيراني، انفتاح طهران على إجراء مفاوضات لمبادلة سجناء مع الولايات المتحدة إذا ما أظهرت إدارة الرئيس الأمريكي تغييرا في سلوكها على حد قوله. مثل هذا الموقف هو مؤشر على استعداد إيران لفتح خطوط اتصال وللجلوس على طاولة مفاوضات ليس حول الاتفاق النووي، على الأقل في البداية.
إذا ما تمّ إهمال الطرح الإيراني، فستكون طهران مضطرة أيضا للمراهنة على عدد من المعطيات الخارجية لعل أهمها رفض روسيا والصين للخطوة الأمريكية المحتملة، بالإضافة إلى تعويلها على تماسك الموقف الأوروبي الرافض للانسحاب من الاتفاق النووي.
لكنّ موقف الرئيس الفرنسي مؤخرا أثار عددا من التساؤلات حول مدى تماسك الجبهة الأوروبية فيما يبدو ترامب عازما على تفتيتها.
في جميع الأحوال، تخضع الحكومة الإيرانية لاختبار صعب، ولا تبدو في موقف جيّد هذه المرّة، لكن وكما كانت اللعبة دوما مع المجتمع الدولي، فان ايران لا تعتمد على خطواتها فقط، وإنما تحقق أكبر قدر من المكاسب من خلال استغلال تفرّق خصومها وتناقضهم وكثرة الأخطاء التي يرتكبونها.
تسود في أوساط وتيارات سياسية، من قوى يسارية أو علمانية وليبرالية أو دينية، مراهنات على الدور الأميركي في إنقاذ مجتمعاتنا العربية من تسلط أنظمة الاستبداد. ينبع هذا التصور من عجز الشعوب العربية عن إنجاز التغيير وإقامة أنظمة ديموقراطية، نتيجة القمع الدموي الذي تمارسه هذه الأنظمة، وإبادتها لقوى المعارضة والتغيير، بالقتل أو النفي أو السجن، ما جعل شعوبها في حال من الاستسلام لليأس، بحيث لا ترى خلاصاً إلا بتدخل الخارج وإسقاط هذه الأنظمة. هل، حقاً، أدّى الاستنجاد بالخارج، وخصوصاً الأميركي منه إلى تحقيق هذا الخلاص المنشود، أم هو ضرب من الوهم يعمق أزمة البلد ويدمر بناه؟ لقد ظهرت نتائج هذا التدخل جلية في أكثر من ساحة عربية، لعل أهمها فلسطين والعراق وسورية.
لا يخالج أحداً الشك بأن الدور الأميركي، سواء أكان جمهورياً أم ديموقراطياً، هو دور معاد للشعب الفلسطيني، ومنحاز بالكامل إلى العدو الصهيوني. ساهم الأميركيون في قتل الشعب الفلسطيني من خلال الوقوف إلى جانب إسرائيل وتسليحها وتبني خطابها السياسي، حتى بدت الدولة العبرية كإحدى ولايات أميركا المتميزة. عطلت كل مشاريع التسوية السياسية، ومنعت إعطاء الفلسطينيين حق إقامة دولتهم على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، وتوجت سياستها أخيراً بالاعتراف بمدينة القدس عاصمة لدولة إسرائيل، ضاربة عرض الحائط بكل الأعراف الدولية.
في العراق، تبدو الفاجعة الأميركية كبيرة بما لا يقاس. تحت وطأة استبداد نظام حزب البعث ورئيسه صدام حسين، انتظرت القوى المناهضة له مجيء الجيش الأميركي لإسقاط النظام وإقامة حكم جديد يلبي طموح الشعب العراقي. فعلا أتى هذا «المنقذ» في نيسان (أبريل) 2003، فأسقط النظام وسط تهليل القوى السياسية المصنفة نفسها ديموقراطية ويسارية. لكن «المنقذ» الأميركي كانت له خطته الخاصة، فهو لم يأت لإقامة نظام ديموقراطي، بل أتى لتدمير العراق، دولة ومجتمعاً وجيشاً، ونهب ثرواته النفطية والمعدنية، ولو أدى كل ذلك إلى إشاعة الفوضى واندلاع حروب أهلية بين مكونات البلد. هكذا، ومنذ اليوم الأول لسقوط النظام البعثي، اتخذ الحاكم الأميركي قراراً بحل الجيش العراقي وتسريح جنوده وضباطه. كانت تلك خطوة أساسية في إشعال الفوضى في العراق. لم يكتف الحاكم الأميركي بذلك، بل أمعن في تسعير التناقضات بين المكونات الطائفية والمذهبية وتشجيعها على القتال ضد بعضها البعض، بما جعلها أسيرة الوصاية الأميركية عليها وواسطة الحل والربط. إن ما يشهده العراق اليوم من حرب أهلية وانقسام وتقسيم هو الابن الشرعي للسياسة الأميركية منذ احتلال العراق.
لم يكتف «المنقذ» الأميركي بإشاعة الفوضى غير الخلاقة في العراق، بل كانت عيناه منذ اليوم الأول على الموارد الاقتصادية. اصطحب الاحتلال معه الشركات الأميركية التي عرفت كيف تسرق الثروات النفطية والموارد المعدنية. من أجل ذلك، كان لا بد من الاستعانة بقوى سياسية عراقية شكلت الغطاء لهذا النهب، عبر إشراك الشركات لأقطاب هذه القوى في النهب. في سنوات قليلة أمكن «للمنقذ» الأميركي إفراغ البلد من معظم ثرواته، ووضعه في لائحة الدول الأكثر فساداً.
لم يكن الأمر أفضل في سورية. منذ إعلان الانتفاضة في 2011، رأت الولايات المتحدة أن الفرصة مؤاتية لتدمير سورية عبر تسعير حرب أهلية فيها. لم يكن النظام البعثي يوماً معادياً للولايات المتحدة، منذ عهد الأب وامتداداً إلى عهد الابن. لكن العقل الأميركي لا يعمل استناداً إلى الولاء له أو الخصومة، هو يعمل وفقاً لمصالحه الاستراتيجية على حساب الجميع. قامت الخطة الأميركية على الإبقاء على النظام السوري ورئيسه، بوصفه القادر على إدارة حرب أهلية مديدة، تدمر البلاد وتنهي موقع سورية الوطني في مواجهة إسرائيل، في حال أتى نظام آخر. ساهمت الولايات المتحدة، أسوة بالنظام السوري ودول إقليمية في إنتاج حركات الإرهاب، ووظفتها في ضرب الانتفاضة، فحرمت سورية من إمكانية إقامة نظام ديموقراطي. وها هي اليوم تشهد على تمزق نسيجها الاجتماعي وتدمير جيشها وتهجير نصف سكانها ومقتل نصف مليون مواطن وجرح حوالي مليونين.
اعتمدت أميركا سياسة لفظية تندد بالنظام وبضرورة إسقاطه. تصدر الحكم ثم تتراجع عنه. هددت بإسقاطه إذا ما استخدم الأسلحة الكيماوية. على رغم استخدام النظام لهذا السلاح عشرات المرات، إلا أن أميركا شنت غارتين فقط، من دون أن تؤثر في إرهاب النظام، بل على العكس، شدت من عزيمته في مزيد من إطلاق الكيماوي والبراميل المتفجرة.
تبقى كلمة في وجه القائلين إن ضربات أميركا للنظام تستوجب تأييد هذا النظام. هذه مقولة تافهة. فالموقف الصحيح يقوم على إدانة التدخل الأميركي والسياسة الأميركية المعادية لمصالح الشعوب العربية. وفي الوقت نفسه، إدانة أنظمة الاستبداد التي تشكل الوجه الآخر للسياسة الأميركية المعادية لهذه الشعوب. الموقف المستقل عن أميركا والنظام هو موقف الشعوب العربية الطامحة إلى الخلاص من الطغاة الخارجيين والداخليين.
تعيش سورية يوميات حرب دامية منذ ما يقرب من سبع سنوات، وعلى رغم البيانات الدولية والمبادرات العربية منذ الأشهر الأولى لانطلاقة الثورة السورية عام 2011، ومن ثم دخول المسار التفاوضي الأممي «جنيف» لحل الصراع في سورية منذ عام 2014 وحتى اليوم، فإن أياً من شعارات التهدئة، وضبط النفس، والتعاطي مع القرارات الدولية، بما يتعلق بوقف إطلاق النار، وإنهاء حصار النظام السوري للمدن والمناطق السورية، لم يجد طريقه إلى التنفيذ، أو أخذه على محمل الجد من قبل القوى الفاعلة على الأرض، سواء مع النظام أو المساندة للمعارضة، وعلى أن كل هذا الضجيج القراراتي والإعلامي الدولي، وحتى الضربات التأديبية للنظام السوري سواء في مطار الشعيرات وبعدها مواقع بحث وإنتاج السلاح الكيماوي، التي تمت تحت بند معاقبته على استخدام السلاح الكيماوي، وتجاوزه الخط الأحمر، والتي نفذتها كل من الولايات المتحدة الأميركية وحيدة في المرة الأولى ومع شريكتيها فرنسا وبريطانيا في المرة الثانية، وفي الحالتين لم تستطع خفض مستوى العنف، ما ترك الفرصة متاحة لاستمرار العمليات العسكرية للنظام وحلفائه لوضع أساسيات التسوية السلمية، على أساس نتائج المعارك القتالية، التي أسفرت عن تدمير مدن عدة منها الغوطة ودوما وقبلها حلب وحمص واليوم مخيم اليرموك وضواحي الحجر الأسود وما حولهما.
ويصادف المتابع لتصريحات المبعوث الدولي الخاص لسورية ستيفان دي ميستورا منذ توليه مهمته في تموز من عام 2014، وحتى مؤتمره الصحافي الذي جمعه مع وزيرة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، أنه مع كل معركة يخوضها النظام لاسترجاع المناطق التي خرجت من تحت سيطرته يشدد على أن المفاوضات هي الطريق الوحيد إلى التسوية، وأن الحلول العسكرية لن تغير خريطة الطريق إلى الحل السياسي، وعلى رغم متابعة تحذيرات المبعوث الأممي لئلا تكون حلب كمصير حمص، ثم تقع الكارثة الإنسانية والقصف الوحشي، وتسقط حلب، لينتقل إلى تحذير آخر عن الغوطة التي يخشى أن يكون مصيرها كمصير حلب، ولا تجد الأمم المتحدة سبيلاً للتدخل ووقف نزيف الدماء، إلا من خلال المحاولات الفاشلة لاتخاذ قرارات وصل تعدادها إلى 17 قراراً، جميعها كان مصيرها التعطيل، ولتحدث المأساة في الغوطة وبعدها مخيم اليرموك والحجر الأسود بأبشع صورها.
واليوم يحذر المبعوث الدولي ومعه وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي من المصير الذي ينتظر إدلب حيث لن يكون أفضل حالاً من الغوطة، ما يستوجب من جديد السؤال حول دور الأمم المتحدة، ومسؤوليتها عن كل التطورات الدراماتيكية التي أنتجت مئات الآلاف من الضحايا، وملايين المهجرين، ونحو مليون معوق، وحولت نحو سبعين في المئة من الشعب السوري إلى ما دون خط الفقر؟ فهل اقتصر دور المبعوث الأممي أن يعدد خسائرنا، ويمهد لما هو قادم منها، عبر تحذيراته التي لم تتخذ مؤسسته الدولية «الأمم المتحدة» أي إجراء يحول دون الوصول إلى نتائجها الكارثية، على رغم معرفة ما سيفعله النظام بناء على سياق النماذج التي يحذر منها دي ميستورا نفسه؟
إن كل الأطراف المتصارعة في سورية، وعليها، تدرك أن أي حل سياسي لن يكون من دون قوة عسكرية يستند إليها في فرض وجوده على مقعد التفاوض الحقيقي، فالمعارك التي تخوضها روسيا ومعها إيران ما كانت لتتمظهر بهذه الشراسة والعنف، إلا ليكون لهما موطئ قدم في الحل السياسي القادم جنباً إلى جنب مع النظام، وفي الطرف المقابل تدرك المعارضة السورية ومعها «أصدقاء الشعب السوري» أن انحسار سيطرة الفصائل على ما سمي «المناطق المحررة» قوض من حصصهم الفعلية على طاولة الحل السياسي، لأن البندقية «مجازاً» هي صاحبة القول الفصل حتى اليوم، في تحديد مساحة كل طرف ضمن التسويات المأمولة، وهو ما جعل من تركيا الدولة الأكثر التصاقاً بالمعارضات السورية سواء بشقها السياسي «الائتلاف»، أو بشقها المسلح وبخاصة الفصائل ذات الأيديولوجيات الإسلامية على اختلاف تسمياتها وقربها وبعدها من الوسطية المقبولة سورياً، تجد لها مكاناً إلى جانب الدولتين المساندتين للنظام السوري، ما يعني إعلانها تغيير هدفها ودورها الوظيفي، من مساندة المعارضة التي تهدف إلى إسقاط النظام إلى مساندة أصدقاء النظام، ومن مساعدة المعارضة في تحرير مناطقها، إلى مساهمتها في وضع تلك المناطق تحت هيمنة نفوذها المباشر وبالتالي تفاهماتها مع شركائها من الإيرانيين والروس.
ومن هنا لا يمكن التعويل على تصريحات المبعوث الدولي حول الحل السياسي، وعدم قدرة الحلول العسكرية على تغيير خريطته، حيث استطاعت المعارك التي خاضتها روسيا في سورية والتحالفات التي عقدتها إلى إحلال مرجعيات جديدة في الحل السياسي الأممي بعيداً من مرجعية بيان جنيف 2012، ليصبح اليوم القرار 2254، الذي فرض على المعارضة ضمن وفدهم التفاوضي شركاء جدداً يوالون موسكو، ويدافعون عن مصالحها، علماً أنه الشق الوحيد في هذا القرار الذي وجد طريقه إلى التنفيذ، من خلال تشكيل هيئة التفاوض عام 2017، في حين تم التغاضي عن تنفيذ أهم بنود 2254، وهي إجراءات بناء الثقة التي تفرض على النظام إنهاء الحصار على المدن، ووقف العمليات القتالية، وإطلاق سراح المعتقلين.
وكذلك فإن روسيا المنتصرة في حلب بفعل شراكتها الجديدة مع تركيا، والتي أسهمت في تدمير الغوطة الشرقية على رغم اتفاقي خفض التصعيد اللذين وقعتهما موسكو مع الفصائل المسلحة «المعارضة»، وروسيا ذاتها «المنتصرة عسكرياً» هي التي حولت اليوم ما نتج من اجتماع المعارضة الذي لم تحضره «المعارضة» والنظام «الخلبي» في سوتشي إلى أحد مرجعيات العمل الأممي، أي أن منطق التسويات منذ عام 2014 وحتى اليوم يقوم على أساس القوة المفرطة المستخدمة ضد السوريين المعارضين للنظام، وليس بناء على الحقوق المشروعة للشعب السوري في إنهاء نظام استبدادي وإقامة دولة ذات حكم غير طائفي يتمتع فيها كل السوريين بحقوق مواطنة فردية وجمعية كاملة.
ليس من قبيل الإيمان بالحلول السياسية لجوء الولايات المتحدة الأميركية وكل من فرنسا وبريطانيا إلى استخدام القوة المسلحة لفرض وقائع جديدة في العملية التفاوضية، على رغم أن ما نتج من الإعلان عن إمكان استخدام القوة من هذه الدول ضد النظام عبر وسائل التواصل الاجتماعي كانت له مفاعيل أقوى، وأهم بالنسبة للسوريين، حيث للمرة الأولى يتوقف طيران النظام وروسيا والميليشيات الإيرانية عن ممارسة أعمالهم القتالية لنحو 72 ساعة، بينما سرّع تحويلها إلى عملية عسكرية غير ذات جدوى، في إنهاء الاستراحة القتالية، وعودة آلة الحرب إلى الحياة السورية، حيث تابعت أعمالها في الغوطة ومخيم اليرموك والحجر الأسود، وتستعد للتمدد على وسط وشمال البلاد وفق المبعوث الدولي «المتخوف» من أن يصبح مصير إدلب مثل «الغوطة الشرقية»، ما يؤكد أن الحلول التي تنتظر السوريين هي حلول مرتهنة بالتقدم العسكري والانتصار الميداني، ومبنية على أساس تقاسم النفوذ وفق جملة التفاهمات الدولية التي تنتظرها الأمم المتحدة لتحديد ملامح التسويات المقبلة النهائية، استعداداً لإطلاق الحل السياسي «المسلح»، الذي يتأسس من جديد على التفاهمات الأميركية- الروسية من دون تغييب مصالح الشركاء الأوروبيين، وغالباً على حساب حصة كل من الدول الإقليمية إيران وتركيا.
كثرت في الآونة الأخيرة الأنباء عن حرب مرتقبة بين إسرائيل وايران، لربما في البداية اقتنعنا جميعا أن إسرائيل باتت تخاف التغلغل الإيراني في سوريا بشكل خاص والتمدد الشيعي في المنطقة بشكل عام، إلا أن زيادة الضخ الإعلامي لا سيما في المواقع الأمريكية والبريطانية المعروفة، جعلنا ندرك تماماً أنها فقاعة لتوجيه أنظار الشعوب العربية الى هذا المنحى، في الوقت الذي تمثل فيه إيران الجدار الحامي لإسرائيل.
كان من السهل على الولايات المتحدة يد إسرائيل اليمنى، أن تضرب مواقع إيران في سوريا خلال 24 ساعة إن كان لديها النية، وكيف لواشنطن أن تضرب الوجود الايراني في سوريا، وقد جعلت منه "الغول" الذي تستخدمه في كل مرة تريد فيها أن تضغط على الخليج العربي، وما أمام دول الخليج إلا أن تدفع أتاوات دفع "الغول" عن بلادها، ما يشبه تمثيل كرتوني يمكن أن يقنع طفلاً دون الخامسة من عمره.
الإعلام العربي بطبيعته يؤمن بمهنية الصحف الغربية من "واشنطن بوست" الى "ناشينال إنترست" أو "الغارديان" وغيرها الكثير الكثير، ماجعل التسويق الحرب المزعومة بين إسرائيل وايران سهلاً على المواقع العربية، هذا الامر جعل العقل الباطن للقارئ العربي بشكل عام والسوري بشكل خاص يتوجه نحو أن "إيران" هي عدو مشترك بين العرب وإسرائيل، وهذا دليل على نجاح الخطة الترويجية، خاصة مع هدوء الوضع بعد التوترات التي شهدتها الساحة السورية مؤخراً بين روسيا والدول الغربية، وحالة الترقب التي يعيشها الجميع في انتظار "أستانا 9 " الشهر المقبل ونتائجه.
ولعل اشغال السعودية بالانفتاح والخطط الاقتصادية الجديدة وتغيير استراتيجيتها وقوانينها، هو أحد سبل التفشي الإيراني في المنطقة، وبين الفينة والأخرى يخرج وزير الخارجية السعودي، "عادل الجبير"، ليثني على تصريحات الرئيس الأمريكي، "دونالد ترامب"، حول مساعيه لتطويق ايران وكف يدها في المنطقة، ووقف برنامجها النووي.
لكن جميعنا يعلم في النهاية، ان الكاريزما التي يتمتع بها ترامب هي كاريزما "جنونية" بل "هستيرية"، ولم يكن وصول هذه الشخصية الى البيت الأبيض بالصدفة، بل لإشغال العالم بأسره بكلمات ينشرها قاطن البيت الأبيض على حسابه "تويتر" والتي تضج لها دول العالم في المشرق والمغرب، لكن يعود ويغير أقواله بعد أيام، بعد أن يعطي جرعة مخدرة للجميع خارج إطار حدوده واسرائيل، والتي لا تستغرق معه إلا بضع ثواني وفقط "تغريدة"