مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٥ مايو ٢٠١٨
هل تشتعل حرب بين إسرائيل وإيران؟

تزداد مؤشرات اندلاع حرب بين إسرائيل وإيرن يوماً بعد يوم، ولعل ما قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من معلوماتٍ عن البرنامج النووي الإيراني، يشير إلى المواجهة ما بين إسرائيل وإيران، ليست في سورية فقط، بل على الأراضي الإيرانية أيضاً، من خلال عمليات الموساد الاستخباراتية، التي طاولت أماكن حساسة فيها، وحصوله على وثائق من البرنامج النووي الإيراني، حولها نتنياهو إلى موضوع سجال غربي ودولي.

ويبدو أن التفاعل الغربي مع ما كشف عنه نتنياهو استدعى قيام وفود استخباراتية من كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا للذهاب إلى إسرائيل، بغية الاطلاع ودراسة المواد الاستخباراتية الجديدة التي حصلت عليها بشأن البرنامج النووي الإيراني، وصورتها جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) بمثابة "الكنز الدفين" الذي حرص نتنياهو على توظيفه داخلياً وخارجياً، وسارع إلى الكشف عنه قبيل الموعد المقرر لإعلان الرئيس ترامب قبل الثاني عشر مايو/ أيار قراره بشأن الاتفاق النووي، وهو يأمل في أن يؤثر ذلك على قراره، وعلى حثه للانسحاب من الاتفاق وإلغائه تماماً، وليس تعديله.

ويبدو أن إسرائيل تستعد لحربٍ مع إيران، وتحضر لها في الداخل وفي الخارج، إذ أن الجيش الاسرائيلي بات منذ مدّة في حالة تأهب قصوى، فيما تحول الداخل الإسرائيلي إلى ما يشبه القاعدة العسكرية المغلقة، بعدما وظف ساسة إسرائيل التصريحات النارية لقادة نظام الملالي الإيراني داخلياً، كي يشعر الإسرائيليون وكأنهم باتوا مجدّداً على شفير حرب وجودية. وهذا يتماشى مع طبيعة الدولة العبرية القائمة على الحرب وظيفة وأداء، إذ من دون حربٍ لا يمكن فرض التماسك على تركيبتها الاجتماعية، ولا يمكن كذلك المضي في تأكيد هويتها التي تشكل العسكرة، في أشد أشكالها تطرّفاً، مكوناً بنيوياً أساسياً من مكوناتها ونشأة كيانها.

وإن كانت نذر الحرب كثيرة ما بين إسرائيل ونظام الملالي الإيراني، إلا أن السؤال يطاول توقيت اندلاعها، وهل ستكون محدودةً وعلى الأرض السورية فقط، أم أنها قد تتمدّد وتشمل الإقليم برمته، وهذا ما يلمح إليه الساسة الأميركيون، ويثير لديهم خوفاً متزايداً من استعدادت الساسة والعسكريين الإسرائيليين للحرب، لذلك كان مستغرباً أن يزور قائد القوات المركزية الأميركية (سينتكوم) جوزيف فوتيل إسرائيل أخيرا، ثم الزيارة الأولى لوزير الخارجية الأميركي الجديد، مايك بومبيو، لها، ضمن جولته الخارجية الأولى إلى بعض دول المنطقة، فور تقلده منصبه الجديد.

ويمكن أن يكون الهدف من هذه التحركات مجتمعة هو تدارس الأوضاع والتنسيق ما بين ساسة الولايات المتحدة الأميركية ونظرائهم الإسرائيليين بشأن إيران، وسبل مواجهتها والوقوف في وجهها، وخصوصا في ظل تصريحات أركان الإدارة الأميركية وأحاديثها، والجدد منهم خصوصا، حول ضرورة الحدّ من النفوذ الإيراني في المنطقة، وتقليم أظافرها المليشياوية فيها.

من جهة أخرى، يمكن القول إن نذر الحرب ما بين إسرائيل ونظام الملالي الإيراني تزاد تواتراً بعد حديث ساسة نظام الملالي حول "الرد المزلزل" على الهجمات الجوية الإسرائيلية المتكرّرة لمواقع إيرانية في سورية، وخصوصا بعد الهجمات الأخيرة على مخازن الصورايخ الإيرانية في ريفي حماة وحلب، ومقتل عشرات الضباط والخبراء العسكريين الإيرانيين، وقبلها مقتل عديدين من خبراء الطائرات المسيرة "الدرون"، في القصف الإسرائيلي على مطار التيفور في البادية السورية.

ولعل تتالي الضربات العسكرية الإسرائيلية على مواقع إيرانية في سورية، وسقوط قتلى إيرانيين، يفيد بأن الحرب ما بين إسرائيل ونظام الملالي الإيراني قائمة بالفعل، ويمكن توصيفها بالحرب ذات البعد الواحد، أو الطرف الواحد، حيث تستهدف إسرائيل أي موقع على الأراضي السورية لإيران، أو لمليشيات حزب الله أو للنظام السوري، في ظل تنسيق أو على الأقل عدم اعتراض روسي عليها، وهذا يطرح أسئلةً عن طبيعة التحالف الروسي الإيراني في سورية، خصوصا وأن كل الهجمات الإسرائيلية جرت في ظل عدم تفعيل منظومات الصوايخ الروسية من نوع إس 300 وإس 400، التي تصاب بالعمى حين تطلق المقاتلات الإسرائيلية صواريخها على المواقع الإيرانية في سورية.

وإن كانت الحرب التي تشنها إسرائيل ذات طرف واحد مهاجم، هو إسرائيل، وطرف متلق هو نظام الملالي الإيراني وحليفه الأسدي المجرم، فإن المتوقع هو امتدادها إلى خارج الأراضي السورية، ربما إلى لبنان، أو قد تتحول إلى حرب شاملة أو مفتوحة، لكن ما يكبح هذا التوقع هو عدم امتلاك نظام الملالي القدرة عسكرياً على خوض حربٍ مفتوحةٍ ومباشرة مع إسرائيل، وكل التصريحات التي يخرج بها عسكريو نظام الملالي وسياسيوه ويكرّرون فيها الكلام الفارغ عن إبادة إسرائيل ومحوها من الوجود هي للاستهلاك الداخلي الإيراني، الذي يعاني الأمرين من تبعات تدخلات نظام الملالي الإقليمية، وصرفه مليارات الدولارات على التسلح، وعلى المليشيات الطائفية، اللبنانية والعراقية والأفغانية وسواها.

ولعل صمت نظام الملالي الإيراني على الخسائر البشرية التي بات يتلقاها من جراء الهجمات الإسرائيلية، فضلاً عن الخسائر المادية، وعدم قيامه بأي رد يذكر، يفسر عدم قدرته على خوض حرب حقيقية ضد إسرائيل وعدم سعيه إليها، إذ تعوّد هذا النظام على الحروب بالواسطة أو بالوكالة، حيث استخدم على الدوام أذرعه الأخطبوطية المليشياوية في لبنان عن طريق حزب الله وفي سورية عن طريق مليشيات نظام الأسد وسواه من القوى المليشياوية الأخرى، وهو اليوم في حالة ترقب وانتظار 12 مايو/ أيار الجاري، حيث من المرجح أن يقرّر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التخلي عن الاتفاق النووي، وسنرى وقتها مدى صدقية تصريحات وتهديدات جنرالات نظام الملالي التي أشبعتنا كلاماً عن أن "صواريخها جاهزة للإطلاق"، وستقوم بـ"استهداف المصالح الحيوية للأعداء في أي مكان"، وما إذا كان الإسرائيليون، بالفعل، محاصرين، ولن يجدوا مكانا يفرّون إليه "سوى رمي أنفسهم في البحر".

اقرأ المزيد
٤ مايو ٢٠١٨
سوريا: السياسة التركية بعد غصن الزيتون

أعلنت رئاسة أركان القوات المسلحة التركية في الرابع والعشرين من شهر آذار/مارس الفائت عن إتمام سيطرتها مع مجموعات الجيش السوري الحر على مدينة عفرين، الأمر الذي عنى قرب النهاية الرسمية لعملية غصن الزيتون التي أطلقتها في كانون الثاني/يناير الفائت.

كان من المتوقع أن تسيطر القوات التركية على البلدات العربية المتبقية في ريف حلب وأهمها تل رفعت ومنغ، لكن ذلك لم يتم حتى نهاية أبريل 2018 حيث يبدو أن أنقرة لا تريد مواجهة عسكرية مباشرة مع النظام الذي تتواجد قواته فيها. وتريد حل الأمر بالتفاهم مع موسكو، وهو الأمر الذي لم يتم بعد.

عملياً وميدانياً، يمكن القول إن عملية غصن الزيتون قد انتهت أو تكاد، محققة الجزء الأكبر من أهدافها المعلنة، في انتظار الإعلان الرسمي عن ذلك بعد السيطرة على القرى المتبقية أو بدونها، ولعل الإشارة الأهم على هذا الصعيد هو إعلان تبكير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد.

تبحث هذه الورقة في أهمية هذه العملية على صعيد المقاربة التركية للقضية السورية ودور أنقرة فيها، وعلى صعيد السياسة الخارجية التركية على حد سواء. وترى أن العملية ثبتت دور أنقرة في سوريا وقوّته، وعمقت التفاهمات بين أنقرة وموسكو، وحسّنت أوراق تركيا في المحادثات مع الولايات المتحدة بخصوص منبج تحديداً، وأضفت حيوية وقدرة على السياسة الخارجية التركية في العموم.


أولاً: السياسة الخارجية مع العدالة والتنمية
ورث العدالة والتنمية في 2002 دولة منكفئة على نفسها، مبتعدة عن عمقها، متوترة مع مجالها الحيوي ودول جوارها، مفتقدة لأدوات التفاعل والتأثير فيها. سارت حكومات العدالة والتنمية المتعاقبة على عدة أسس في السياسة الخارجية، خاصة تلك المتعلقة بالمنطقة، اتباعاً لتنظيرات مهندس السياسة الخارجية التركية أحمد داود أوغلو، وأهمها:

1: العمق الاستراتيجي.
أدرك داود أوغلو أن تركيا قد أهملت محيطها على نحو واسع على مدى عشرات السنين، ورأى أنها لن تحقق المكانة التي ترجوها لنفسها على الساحة الدولية إلا بتحقيق مكانة وحضور ونفوذ في مجالها الحيوي، وفق ما أسماه نظرية “القوس والسهم” . وقد قسم الرجل المناطق الأهم بالنسبة لبلاده، وكانت الأولوية للمناطق البرية القريبة وهي مناطق الشرق الأوسط (المهمة للدراسة) والبلقان والقوقاز، ثم الأحواض البحرية القريبة أي البحر الأسود وشرق المتوسط والخليج وبحر قزوين، ثم المناطق القارية البعيدة أي أوروبا وشمال إفريقيا وجنوب آسيا ووسط وشرق آسيا .


2: القوة الناعمة:
اعتمدت تركيا القوة الناعمة، متمثلة في التعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي والفني، أداة رئيسة وشبه حصرية لسياستها الخارجية وتجاه الجوار تحديداً. وهو نهج متناغم مع إرث الجمهورية التركية من حيث تجنبها لاستخدام القوة الخشنة مع جوارها نظرياً وعملياً، ومتناسق مع الخصائص المشتركة بين تركيا ودول الجوار من النواحي الاقتصادية والثقافية والفكرية والتاريخية والجغرافية .


3: تصفير المشاكل:
نظَّر أوغلو بأن أي دولة على خصومة وتوتر مع محيطها ودول جوارها ستبقى مستنزفة وغير فاعلة. وقد أثمرت هذه السياسة نتائج إيجابية مع معظم دول الجوار لتركيا، من سوريا إلى العراق ومن اليونان لأرمينيا ومن إيران لجورجيا .

وهكذا، استطاعت أنقرة أن تمد يد التعاون والعلاقات الطيبة مع مختلف الأطراف، ما منح سياستها الخارجية طابعاً متعدد الأبعاد والمحاور ومنحها مرونة واضحة، وقد كان لافتاً كسبها ثقة محوري العالم العربي في تلك السنوات أي محوري الاعتدال والممانعة، حتى عام 2011. لكن ثورات العالم العربي، التي غيّرت وجه المنطقة، دفعت بتركيا إلى سياسة خارجية أكثر مبادرة ونشاطاً ودعماً للمطالب الشعبية في مختلف الدول العربية، فوجدت نفسها في قلب حالة الاستقطاب العربي، خصوصاً بعد الثورة السورية التي كانت وما زالت التحدي الأكبر لسياستها الخارجية.

بيد أن عام 2015 حمل متغيراً مهماً في السياسة الخارجية التركية مختصراً بشعار “تكثير عدد الأصدقاء وتقليل عدد الخصوم” الذي رفعته حكومة بن علي يلدرم . حيث عانت تركيا على المدى السنوات السابقة من تراجع قوى الثورات العربية، وفشل سياساتها في إحداث اختراق مهم في الأزمة السورية تحديداً، وعزلتها على الساحة الدولية، والضغوط الخارجية الممارسة عليها خاصة من حلفائها التقليديين في الغرب، والأجندة الداخلية المزدحمة من أحداث “جزي بارك” واتهامات الفساد في 20137 ، إلى الانتخابات البرلمانية في حزيران/يونيو 2015 والتي فقد فيها العدالة والتنمية لأول مرة أغلبيته البرلمانية، إلى المحاولة الانقلابية الفاشلة صيف 2016، فضلاً عن التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا في أيلول/سبتمبر 2015 وتقدم المشروع السياسي لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD ) على حدودها الجنوبية .

 


ثانياً: متغيرات السياسة التركية
حملت مراجعات السياسة الخارجية التركية في تلك السنة المتغيرات الرئيسة التالية:
1: إعادة صياغة منظومة التحالفات الإقليمية لتركيا، بعد الأزمات المتلاحقة مع الدول الغربية تحديداً وبعد فشل الرهان على مصر بعد الانقلاب. وبحثت أنقرة عن شراكات في الإقليم، فعمّقت علاقاتها مع قطر، وحاولت التعاون الوثيق مع المملكة العربية السعودية دون جدوى، ثم اتجهت مؤخراً للتعاون والتنسيق مع كل من روسيا وإيران في سوريا وبدرجة أقل العراق.

2: تدوير زوايا الخلاف مع مختلف الدول والقوى، فكان اتفاق تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال وعودة العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات العربية المتحدة وتطبيع العلاقات مع روسيا بعد أزمة إسقاط المقاتلة، وغيرها.

3: اعتماد القوة الخشنة مع الناعمة، بعد أن كانت الأخيرة أداة شبه حصرية للسياسة الخارجية التركية لسنوات طويلة. ومن مظاهر ذلك القواعد العسكرية التركية خارج البلاد في كل من العراق وقطر والصومال، ورفع وتيرة التصنيع العسكري والصناعات الدفاعية، والعمليات العسكرية خارج الحدود مثل عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون .



ثالثاً: سوريا في السياسة الخارجية التركية
ثمة محددات عامة صاغت الموقف التركي من ثورات العالم العربي، في مقدمتها دعم مطالب الشعوب والتأكيد على أهمية الاستقرار ومنع التدخل الخارجي إضافة لمفهوم نشر الديمقراطية واستشراف إمكانية تأسيس نظام إقليمي جديد يكون لأنقرة فيه دور بارز ورائد. إلا أن الثورة السورية شكلت تحدياً كبيراً لتركيا بشكل مختلف عن سابقاتها، بسبب الحدود البينية، والمشتركات الدينية والتاريخية والإثنية والثقافية والاجتماعية، ودور سوريا كبوابة برية للتجارة والتواصل مع العالم العربي، فضلاً عن الأقلية التركمانية والملف الكردي في سوريا .

وقد صاغت أنقرة موقفها من مختلف الثورات العربية وفق محددات ثلاثة، هي الأحداث الميدانية في كل ثورة أو بلد، والمقاربة الدولية والإقليمية لها، والعلاقات مع تلك الدولة ونظامها ومنظومة المصالح التركية معه. وبالتوازي مع ذلك، فقد صاغت هذه العوامل الثلاثة الرئيسة، إضافة للعامل التركي الداخلي وعناصر القوة التركية، موقف أنقرة من الثورة السورية، وفق مراحل خمسة متتالية كما يلي:


الأولى: الضغط باتجاه الإصلاح السياسي
وهو موقف أنقرة منذ الأيام الأولى للأحداث، واستمر حتى سحب السفير التركي من سوريا في آذار/مارس 2012 تقريباً بسبب التعامل الأمني مع المظاهرات. وقد شملت هذه الفترة عدة اتصالات هاتفية من إردوغان للأسد وزيارات عديدة لوزير الخارجية آنذاك أحمد داود أوغلو فضلاً عن إرسال وفد يرأسه رئيس جهاز الاستخبارات حاقان فيدان بناء على قرار من مجلس الأمن القومي التركي لعرض خارطة طريق للخروج من الأزمة . كما استضافت أنقرة خلالها مؤتمرين للمعارضة السورية السياسية، أولهما في نيسان/أبريل 2011 والثاني في حزيران/يونيو من العام نفسه، لكنها لم تتجاوز سقف دعم الإصلاحات الدستورية والدعوة إلى التغيير السلمي.


الثانية: المطالبة بإسقاط الأسد ودعم المعارضة
بعد أن ثبتت عدم جدية الأسد بالإصلاح، فضلاً عن فقد تركيا إمكانية الضغط على النظام بعد القطيعة الدبلوماسية الكاملة بينهما إثر سحب السفيرين، إضافة إلى عسكرة الثورة وتقدم فصائل المعارضة ميدانياً في مواجهة النظام. وقد امتدت هذه المرحلة على مدى ثلاث سنوات تقريباً أي حتى قبيل اتفاق فيينا بين كيري ولافروف.

وقد قدمت أنقرة خلال هذه الفترة دعماً متعدد الأبعاد للمعارضة والشعب السوريين، سياسياً وإعلامياً وإغاثياً ولوجستياً، وحتى عسكرياً حسب الكثير من المصادر رغم أنه ليس ثمة إقرار تركي علني وواضح بالأمر.


الثالثة: الرضى بالحل السياسي
حيث قبلت أنقرة لاحقاً بخطة الفترة الانتقالية التي أقرها اتفاق فيينا  بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بما في ذلك جدولها الزمني وسقفها المبدئي، بما يعني أنها تخلت عملياً عن شعار إسقاط الأسد ورضيت ضمنياً  ببقا


الرابعة: التحول لمربع الدفاع
ثمة عوامل عدة دفعت بأنقرة لتراجع في الملف السوري، لكن أهمها كان أزمة إسقاط المقاتلة الروسية في الرابع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2015، حيث فقدت أنقرة خلالها أي أمل في إحداث إنجاز أو اختراق معتبر في المشهد السوري على صعيد إسقاط النظام أو ترجيح كفة المعارضة، وتراجعت من حالة المبادرة إلى الوضعية الدفاعية لحماية حدودها وأمنها القومي من تطورات الأزمة السورية. وقد برزت مواجهة خطر مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي وأذرعه العسكرية كأولية أولى بالنسبة لأنقرة، الأمر الذي دفعها للتقارب والتفاهم مع موسكو في ظل الدعم الأمريكي المقدم لهذا الحزب ومشروعه في شمال سوريا الذي تقدم في تلك الفترة بشكل ملحوظ.


الخامسة: العودة للمبادرة
فقد أفادت تركيا من تحسن العلاقات مع روسيا ونسجها معها تفاهمات واضحة بخصوص الملف السوري، وقد أثمر ذلك بالنسبة لها إمكانية القيام بعمليتين عسكريتين بالغتي الأهمية بالنسبة لها في مواجهة مشروع الاتحاد الديمقراطي.

فقد منعت عملية “درع الفرات” التي نفذتها تركيا في الشمال السوري بين آب/أغسطس 2016 وآذار/مارس 2017 التواصل الجغرافي بين “الكانتونات” التي يسيطر عليها الحزب في الشرق والغرب ، بينما قضت عملية “غصن الزيتون” التي بدأت في كانون الثاني/يناير 2018 على تواجده في منطقة عفرين شمال غرب سوريا ومنعت وصوله إلى مياه المتوسط .


رابعاً: عملية غصن الزيتون
منذ 2015، تقاربت تركيا الملف السوري وفق الأولويات التالية:
الأول، منع تشكيل دويلة أو “ممر” يحكمه حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا، باعتباره خطراً على أمنها القومي من عدة زوايا. حيث يعتبر الحزب الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض حرباً انفصالية ضد الدولة التركية منذ 1984، وبالتالي فإن أي أرض يسيطر عليها ستكون منصة محتملة لانطلاق عمليات عسكرية ضد أراضيها، فضلاً عن الارتدادات السلبية على الملف الكردي في تركيا.

الثاني، وحدة الأراضي السورية، بما يعني رفض مشاريع التقسيم والتجزئة والفدرلة لما لها من آثار كارثية على سوريا وتركيا على حد سواء.

الثالث، تأمين وقف إطلاق نار يشمل عموم الأراضي السورية تمهيداً لحل سياسي في إطار مساري جنيف وأستانا المكمّل له وفق الرؤية التركية على الأقل .

إضافة لأوليات اخرى ثانوية ومرتبطة بما سبق، مثل تأمين الحدود عبر مناطق آمنة بعمق 20-30 كلم وضمان عودة جزء من اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا لأراضيهم.

وقد دفعت هذه الأولويات، وغيرها من العوامل والدوافع، أنقرة للتفاهم والتعاون مع كل من موسكو وطهران ضمن الإطار الثلاثي الضامن لوقف التصعيد في سوريا وفق قرارات مسار أستانا الذي ترعاه الدول الثلاث. ووفق هذه الأولويات أيضاً جاءت عملية درع الفرات ثم عملية غصن الزيتون مؤخراً.

أطلقت تركيا عملية غصن الزيتون في العشرين من كانون الثاني/يناير الفائت من خلال قواتها المسلحة ومجموعات الجيش السوري الحر المتعاونة معها، ووضعت لها الأهداف التالية:

– تأمين الحدود التركية – السورية.

– إنهاء سيطرة وحدات حماية الشعب على منطقة عفرين.

– مواجهة كافة المنظمات “الإرهابية” مثل حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة الإسلامية – داعش، إضافة لوحدات حماية الشعب.

– منع تسلل المسلحين من عفرين إلى الداخل التركي.

– تأمين عودة بعض اللاجئين والنازحين السوريين إلى المنطقة .


بعد مرحلة تمهيدية تمثلت بانتشار القوات التركية في إدلب وفق اتفاق مناطق خفض التصعيد، مرت والعملية في ثلاث مراحل رئيسة:
الأولى: شملت السيطرة على الجبال والتلال الاستراتيجية في أطراف منطقة عفرين والقريبة من الحدود التركية – السورية، وهو ما تم في الـ 26 من شباط/فبراير بإكمال “الهلال” حول عفرين.

الثانية: إحكام الحصار على مدينة عفرين نفسها، من خلال السيطرة على بلدتي راجو وجندريس الاستراتيجيتين، ثم السيطرة الكاملة على القرى الواقعة شرقاً لقطع التواصل بين عفرين وبين مناطق سيطرة النظام.

الثالثة: السيطرة على قلب مدينة عفرين، الأمر الذي تم في الرابع والعشرين من آذار/مارس المنصرم، ثم السيطرة على باقي القرى والبلدات الصغيرة المتبقية جنوب وشرق المدينة.


باستثناء بعض القرى العربية في ريف حلب، التي سيطرت عليها وحدات حماية الشعب (YPG ) في 2016 والتي ما زالت تخضع لتفاوض تركي – روسي، وفي مقدمتها تل رفعت ومطار منغ، يمكن القول إن العملية حققت معظم أهدافها وبدون عقبات كبيرة للأسباب الرئيسة التالية:
1ـ تنسيق أنقرة السابق على العملية مع موسكو، ومن أبرز دلالاته سحب روسيا شرطتها العسكرية من عفرين مع بدئها ، وعدم اعتراضها على طيران المقاتلات التركية فوق الأجواء السورية.

2ـ مشروعية العملية ووضعها في إطار الدفاع المشروع عن النفس ومواجهة المنظمات “الإرهابية”، وفق المادة رقم 51 من ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن رقم 1624 (لعام 2005) و2170 (2014) و2178 (2014) .

3ـ توحد الجبهة الداخلية التركية خلف العملية إلى حد بعيد.

4ـ تفوق الجانب التركي عسكرياً بشكل واضح، إضافة لاستقدام القوات الخاصة في جهازي الشرطة والدرك في المرحلتين الثانية والثالثة بما لديهما من خبرة في معارك المناطق المأهولة بالسكان.

5ـ غياب موقف دولي قوي معارض وقادر على إيقاف العملية أو تعقيدها.

6ـ انسحاب وحدات الحماية من عفرين قبل إحكام حصارها، وبالتالي عدم الحاجة لحرب شوارع طويلة الأمد داخل المدينة .


خامساً: الانعكاسات
بلغة الأرقام، “حيّدت العملية 4305 إرهابياً” حتى 1 مايو 201820 ، مقابل سقوط 46 جندياً تركياً وجرح 225 آخرين ، إضافة لسقوط 115 مقاتلاً من الجيش السوري الحر . فضلاً عن السيطرة على 1102 كلم2 وفق آخر التصريحات ، بواقع 242 منطقة منها 203 قرى و39 “نقطة حساسة .

ويمكن القول إن العملية حققت معظم أهدافها، حيث أنهت سيطرة وحدات الحماية على منطقة عفرين ومنعت عناصرها من الوصول للمتوسط والتسلل عبره، كما أمنت الحدود التركية ووسعت مناطق سيطرة الجيش السوري الحر المدعوم تركياً في شمال سوريا ووصلتها بمناطق درع الفرات.


للانتصار الذي حققته القوات التركية في عملية عفرين النتائج والانعكاسات التالية على السياسة الخارجية التركية وخاصة ما يتعلق بالملف السوري:
1ـ تأكيد أنقرة جدية خطوطها الحمر فيما يتعلق بمشروع حزب الاتحاد الديمقراطي.

2ـ تحسين موقفها في الأزمة السورية مع زيادة مساحة نفوذها الميداني، حيث ينعكس ذلك بشكل واضح على طاولة الحل السياسي.

3ـ تعزيز صورتها كدولة حريصة على المدنيين خلال عمليتها العسكرية.

4ـ زيادة ثقتها بنفسها، الأمر الذي انعكس على خطط مستقبلية لما بعد عملية غصن الزيتون، مثل منبج في سوريا وسنجار في العراق.

5ـ تعمّق التفاهمات التركية – الروسية في سوريا، لا سيما مع أزمة العلاقات بين موسكو والدول الغربية ما زاد من حرص الأولى على احتواء أنقرة بعيداً عن واشنطن. مع الإشارة إلى تراجع حدة الحاجة التركية للتفاهم مع روسيا بعد عملية غصن الزيتون، حيث تقع باقي المناطق التي سيطر عليها حزب الاتحاد تحت السيطرة والنفوذ الأمريكيين.

6ـ تعزيز وضعها التفاوضي مع واشنطن بخصوص سوريا وتحديداً ملف دعمها للفصائل الكردية المسلحة، وهو ما نتج عنه تفاهمات تشاوش أوغلو – تيلرسون ، والتي تسعى أنقرة لاستدامتها مع الوزير الجديد مايك بومبيو.

7ـ اعتراف مختلف الأطراف الفاعلة في الملف السوري وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا – صراحة أو ضمناً – بحق تركيا في تأمين حدودها والحفاظ على أمنها.

8ـ زيادة اعتماد تركيا على القوة الخشنة في سياستها الخارجية عموماً وفي الملف السوري على وجه التحديد إلى جانب القوة الناعمة .

9ـ حسم حزب الاتحاد الديمقراطي خياره بالتحالف مع واشنطن وتدهور علاقاته مع روسيا التي رفض مقترحها بتسليم عفرين للنظام .

10ـ باتت أنقرة أكثر قدرة على التفاوض مع مختلف الأطراف، خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وبشكل أكثر ندية.

وقد تبدت الانعكاسات المباشرة لهذه العملية في سنجار حيث أصرت تركيا على خروج أو إخراج حزب العمال الكردستاني (PKK ) منها وإلا فعلت ذلك بنفسها من خلال عملية عسكرية، وهو ما حصل عبر تأكيدات بغداد على إخراج عناصره منها . كما ما زالت أنقرة تنتظر رداً أمريكياً واضحاً بخصوص بلدة منبج غربي الفرات، وهو المتوقع حدوثه بعد تسلم بومبيو رسمياً منصب وزير الخارجية ولقائه بنظيره التركي في بروكسل .


خاتمة
في المحصلة، تبدو السياسة الخارجية التركية بعد عملية غصن الزيتون أكثر مبادرة وثقة ونشاطاً، وتبدو أنقرة أكثر حضوراً في الملف السوري عبر وجودها عسكرياً على الأرض، وتعاونها مع المعارضة السورية، وتفاهماتها مع موسكو، وحواراتها مع واشنطن، وقبول طهران والنظام ضمناً بذلك، فضلاً عن أهميتها كدولة حدودية وجارة في مرحلة الحل السياسي وما بعده من تنظيم وإعمار.

وهو ما يعني دوراً أكبر لتركيا في القضية السورية، باعتبار أن حقائق الميدان تنعكس بشكل مباشر على موازين القوى على طاولة التفاوض والحل السياسي في مساري جنيف وأستانا المتعثرين حالياً.

لكن ذلك لا يعني أن الدور التركي بلا عوائق أو تحديات، فالملف السوري ما زال معقداً وبعيداً عن الحل النهائي، وتتحكم في مساره القوى العظمى خصوصاً موسكو وواشنطن أكثر من القوى الإقليمية التي من ضمنها أنقرة. وإنما يمكن القول إن تركيا قد حسنت موقفها ودورها تكتيكياً من خلال عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، وإن لم تغير استراتيجياً من مسار الأزمة السورية أو مآلاتها.

فما زالت مناطق شرق الفرات، الأهم بالنسبة للفصائل الكردية المسلحة والأخطر على تركيا، محمية بتواجد القوات الأمريكية والفرنسية التي دخلت على الخط مؤخراً، وما زال ثمة خلافات عميقة مع روسيا وطهران على عدد من القضايا المهمة وفي مقدمتها مصير الأسد، وما زال التواجد العسكري التركي على الأرض محتاجاً للغطاء الدولي الذي تؤمنه مواقف موسكو وواشنطن في المقام الأول.

ولذا، يبقى الدور التركي المستقبلي في القضية السورية منوطاً بمدى قدرتها على استثمار العملية وإدارة علاقاتها مع مختلف الأطراف وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا، مع الإشارة إلى صعوبة تجاهل مصالحها وأمنها خاصة بعد عملية غصن الزيتون التي تعتبر نقلة مهمة لها في مقاربتها للقضية السورية .

اقرأ المزيد
٤ مايو ٢٠١٨
خلفياتُ زّج النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين في بازار الإنتخابات اللبنانية

لم يكن مُستغرباً زجّ أزمة النزوح السوري في بازار الإنتخابات التشريعية التي يشهدها لبنان في 6 أيار (مايو) الجاري، وربطها بفزاعة توطين اللاجئين الفلسطينيين، واستغلال الهواجس التي تُثيرها لشد العصب الطائفي، بدل العمل على ايجاد حلول لهذه الأزمة. واقع سبق وانسحب على دول أوروبية عدة، وفي طليعتها ألمانيا، حيث لعب حزب «البديل من أجل ألمانيا» على وتر التهويل من «غزو الأجانب». ولكنّ السؤال الذي يُطرح، لماذا هذا التجييش في هذا التوقيت، والى ماذا يُمّهد؟

منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، كان التوظيف السياسي لملف النزوح في الانتخابات يسير بوتيرة مقبولة نسبياً، حتى صدور إعلان الرؤساء المشترك الصادر عن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في ختام مؤتمر «مستقبل سورية والمنطقة» في بروكسيل في نيسان (أبريل) الماضي. منذ تلك اللحظة ارتفع منسوب التجييش بشكل قياسي، وسط اجماع كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ووزير الخارجية جبران باسيل على وجود نية لدى المجتمع الدولي للتوطين المقنّع للنازحين.

وبدأت المسألة تحتل حيزاً كبيراً في خطاب بعض المرشحين، بخلاف ما كان عليه الأمر قبل اسبوعين، في نظر الخبير في شؤون اللاجئين في مركز عصام فارس للسياسات العامة في الجامعة الأميركية الدكتور ناصر ياسين.

الإتحاد الاوروبي والأمم المتحدة سارعا الى اصدار بيان ينفي نية المجتمع الدولي توطين النازحين السوريين في لبنان، وتوضيح اللغط بشأن الفقرة 16 في الإعلان، والتي تتعلّق بالنازحين حصراً داخل سورية.

وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي أوضح بدوره أنّ «هناك وثيقتين عرضتا في بروكسيل، الأولى تحت عنوان: الشراكة بين الحكومة اللبنانية والاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة، وأُخذت كل التعديلات التي أبداها الجانب اللبناني في الاعتبار، لا سيما في مجال عودة النازحين السوريين. والثانية جاءت تحت عنوان: اعلان الرؤساء الصادر عن الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي، بشكل ثنائي»، مُتهماً باسيل بـ «إسقاط ما جاء في الفقرة 16، والتي تتعلّق بالنازحين داخل سورية من الوثيقة الثانية على الداخل اللبناني بشكل خاطئ، وزج هذا الأمر في البازار الانتخابي»، وداعياً إياه الى «عدم استكمال حملته الانتخابية بتسخير ملف إنساني محض من خلال تصريحات تظهر وكأنّ باسيل المُؤتمن الوحيد على مصلحة لبنان وسياده».

ياسين من جهته، لم ير شيئاً مخالفاً في اعلان الرؤساء الصادر عن بروكسيل لأدبيات الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي عمّا سبق. ولكنّ الواضح في نظره أنّ «ما يجري هو تحضير لما بعد الانتخابات التشريعية، ويأتي في سياق التوجه لرسم خطوط جديدة لتعامل الحكومة المقبلة مع ملف النزوح السوري، والعودة تحديداً».

فاللغط في إعلان بروكسل، كان كفيلاً بتوتير الأجواء واللعب على وتر الخوف لدى قسم من اللبنانيين الذين يخشون من نيات مُبيتة للأسرة الدولية بعد فشلها في اعادة اللاجئين الفلسطينيين. هذا فضلاً عن الرواسب القديمة في العلاقات بين لبنان وسورية، والهواجس الديموغرافية، والتنافس على فرص العمل والضغط على الخدمات العامة بين النازحين والمجتمعات المضيفة، ما جعل هذه القضية مادة دسمة لتعبئة الشارع لأهداف سياسية وانتخابية، وهو ما سبق وشهدناه باستغلال المخيمات الفلسطينية وحال البؤس والفقر من أجهزة الاستخبارات والتنظيمات المتطرّفة.

غير أنّ منسّقة لجنة النازحين في «التيار الوطني الحر» ومستشارة باسيل، الدكتورة علا بطرس، ترفض اتهام وزير الخارجية بتوظيف إعلان بروكسيل في الانتخابات. وتلفت إلى أنّ «ملف عودة النازحين سيكون أولوية بعد استحقاق 6 أيار»، وهو ما يتفق مع ما ذهب اليه ياسين.

وتقول بطرس: «الوزير باسيل لم يستغل موضوع بروكسيل سياسياً، بل نسعى في التيار الوطني الحرّ للإضاءة على أخطاره عبر الإعلام. الموضوع الفلسطيني نقّزنا، المجتمع الدولي لم يقم بأي مبادرة حسن نية لتسهيل عودة النازحين. خلافنا مع فريق الرئيس (سعد) الحريري أنّه يريد ان تتولى الأمم المتحدة تنسيق عودتهم. تاريخياً لم تبادر الأمم المتحدة لإعادة لاجئي أي دولة في العالم. الدول نفسها كانت تتخذ قراراً سيادياً للعودة، ومن ثم تساندها مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين بتسهيل ذلك».

وفي وقت يتهم المرعبي باسيل بتعطيل عمل اللجنة الوزارية المختصة بأزمة النزوح، وإقرار السياسة العامة، ومنع تسجيل الولادات الحديثة، ووقف تسجيل النازحين السوريين المتواجدين على الأراضي اللبنانية، ترفض بطرس تحميل باسيل المسؤولية، وتشير إلى انّه «بعد الانتخابات سيكون هناك اجراء لجدولة العودة، وهذا سبق ووعد به الرئيس عون في خطاب القسم، وهو يتقاطع مع ما كشف عنه الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله منذ ثلاثة أسابيع عن اتفاقه مع التيار الوطني الحر في ما خصّ النزوح والعودة الآمنة».

وتعتبر بطرس أنّ «حجة فريق الرئيس الحريري بعدم دفع النازحين الهاربين من النظام مُجدداً الى حضن الجلاد، ليست دقيقة بناء على مؤشرين، أولهما انتخابات 2014، حين زحف السوريون الى اليرزة للتصويت للرئيس بشار الاسد، والثاني انّ النظام منذ نشأته، سلطوي ولم يتحوّل بين ليلة وضحاها من ديموقراطي الى سلطوي، لنسمح ببقائهم الى حين يرغبون بالعودة».

وعلى رغم إعلان اللجنة الدولية للصليب اﻷحمر، أنّه خلال 2017 هناك خمسة نازحين داخل سورية بمعدل كل دقيقة، تصرّ بطرس على موقف عون بضرورة بدء جدولة عودة النازحين الى المناطق الآمنة حالياً وعدم انتظار تبلور حل سياسي للازمة السورية، مذكّرة بتجربة عودة اهالي بين جن ومزرعة بيت جن الى اراضيهم في ريف دمشق. وتتابع: «إنّ محافظة إدلب التي لا تشكّل سوى 3.29 في المئة من مساحة سورية هي فقط غير آمنة بخلاف بقية المحافظات، وأنّ 80 في المئة من النازحين موجودون في لبنان بدافع اقتصادي، وفق احصاء أعدّته وزارة الشؤون الاجتماعية».

العنصر الفلسطيني حاضر

ولكن اين العنصر الفلسطيني من كل ما يجري؟

يتوارى العنصر الفلسطيني في استحقاق 6 أيار خلف السوري، حسبما يؤكّد مدير مركز «تطوير» الكاتب الفلسطيني هشام دبسي. ولكن عند الحديث عن التوطين يتم شملهما معاً، واضعاً اقتراح باسيل على وكالة «الأونروا» شطب اللاجئين الفلسطينيين الذين يغيبون عن لبنان من سجلاتها، في خانة «رغبته في التخلص من اللاجئ الفلسطيني، ومعتبراً أنّ باسيل لا يرى أي دور فلسطيني ايجابي، وليس مُهتماً بإعلان المصالحة اللبنانية- الفلسطينية ولا بالحقوق الإنسانية للاجئين».

ووسط ذلك، يُسجّل للناشطة الحقوقية السياسيّة والفلسطينيّة اللبنانيّة - كما تعرّف عن نفسها - منال قرطام اعلانها الترشّح عن المقعد الفلسطيني في الدائرة الثالثة الافتراضية في بيروت. دافع قرطام كان الاستفادة من موسم الانتخابات لإعادة تسليط الضوء على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للاجئين الفلسطينيين وضرورة إدراجها في برامج المرشحين.

ويتأسف دبسي لـ «الاستمرار في استغلال موضوع اللاجئين الفلسطينيين الذي لا يزال يتمّ عبر وجهتين، أولهما بالتحريض وشد العصب المحلي برفع الصوت في مواجهة التوطين. وحتى القوى التي انخرطت في مصالحة مع الفلسطينيين مثل القوات والكتائب تستعيد بعض المواقف من تراث الحرب الأهلية، لتأكّد أنّها ضد التوطين وأنّها قاتلت لمنع تحقيقه. هذا الأمر ينسحب على القوى القومية واليسارية والإسلامية، التي تغذي بدورها هذه النزعة»، يوضح دبسي.

أمّا الوجهة الثانية، فتتمثّل بمحاولة «استقطاب المجنسين الفلسطينيين، وعددهم مغر بالنسبة الى بعض القوى السياسية التي تلجأ اليهم في موسم الانتخابات، عندها يشعر الفلسطيني المجنّس بانّه لبناني حتى يوم الانتخاب، ليتمّ بعدها نسيانه»، مُذكّراً بصولات النائب نعمة الله ابي نصر، أشد المحرّضين ضد الفلسطينيين المجنسين.

تجربة مقارنة مع الانتخابات الألمانية

والجدير بالذكر أنّ ما يشهده لبنان من توظيف لملف النازحين، سبق ولمسته في انتخابات البرلمان الألماني (بوندستاغ) في أيلول (سبتمبر) الماضي، حين لعب حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني الشعبوي الذي حاز على 13.5 في المئة، على وتر الخوف من الآخر، واستغل تداعيات قرار المستشارة انجيلا ميركل العام 2015 بفتح الحدود أمام اللاجئين، للترهيب من «غزو الأجانب» البلاد.

غير أنّ هذا الحزب لم يجيّش الشارع الألماني من «رهاب اللاجئين» فقط بل عمل على تغليب نزعة الشعور الوطني، ورفض الاستمرار في الاتحاد الأوروبي، بمعنى أنّه كان يحمل برنامجاً سياسياً، يحاكي تطلعات ناخبيه، هذا من دون اغفال الفارق في تداعيات اللجوء على اقتصاد بحجم ألمانيا بالمقارنة مع بلد مثل لبنان.

وبالعودة الى لبنان، وفي ظلّ «المناخ الانتخابي السائد، لم يتم فقط تجاوز القوانين العامة والاعراف، بل الاخلاق، حيث أصبح الفوز بمقعد نيابي بأي ثمن سواء بالرشوة او بالخطاب العنصري التحريضي ضد اللاجئين والنازحين، بدل التنافس بين من يناصر الحقوق ويسهم في تطوير التشريعات»، حسب دبسي.

بدوره، يأسف ياسين لتعزيز السياسيين الأجواء السلبية ضد النازحين، وانطلاقهم من الحقائق القاسية على الأرض، بدل استنباط حلول للأزمة والتخفيف من آثارها، فيما تؤكّد بطرس أنّ «باسيل ونحن في التيار نريد التوافق، وسنسعى بعد الانتخابات الى التوصل الى قرار لبناني موحّد أمام المجتمع الدولي لجدولة عودة النازحين».

ويبقى الخوف من تحوّل ملف النزوح الى اشتباك سياسي بعد الانتخابات وسط سعي بعض القوى إلى تعويم النظام السوري، مع أمل شبه معدوم بامكاني تشكيل لوبي للضغط، ووضع ملفي النزوح السوري واللجوء الفلسطيني على سكتهما الديبلوماسية الصحيحة بما يضمن سيادة واستقرار لبنان وعودة النازحين واللاجئين الكريمة الى وطنهم. فهل يتفادى سياسيو لبنان تكرار التجربة الفلسطينية ويخرجون بسياسة وطنية موّحدة؟

اقرأ المزيد
٤ مايو ٢٠١٨
التهجير الديمغرافي.. هل يغير وجه المنطقة؟

لم يكن حتى أشد المتشائمين يتوقّع حصول تغيير ديمغرافي بهذا الحجم الذي تشهده سوريا. أغلب التوقعات انصبت على بطش نظام الأسد والثمن الذي سيدفعه السوريون جراء ثورتهم، مع الاعتقاد بأن تلك الأثمان سيجري تعويضها بسقوط الطاغية، وبالتالي لن تكون سوى مرحلة قاسية وتنتهي.

تدحرجت الأحداث بشكل دام ومؤلم، وحصلت عمليات تدخل إقليمية ودولية، واستخدمت منظومة الأسد كل أنواع الأسلحة، بما فيها الكيماوي. وفي ظل هذا المشهد، ومن خلال كثافة دخانه، تكشّف العنصر الأبرز في هذه الحرب، والممثّل باستراتيجية اقتلاع السوريين من وطنهم.

بدت الفكرة في البداية على أنها ضرب من العبث وسياسة غير ناجحة، فمن يستطيع تهجير أكثرية واللعب بتوازنات طائفية يستحيل اللعب فيها، واعتبر الكثيرون أن هذه السياسة فاشلة حكما، إما لقيامها على فرضيات خاطئة، من نوع أنه كلما تم الضغط على البيئة الحاضنة باستخدام أشد أساليب العنف زاد منسوب هجرة هذه البيئة وبحثها عن خيارات بديلة، وإما لأن هذه السياسية تقوم على حسابات غير منطقية، ذلك أن العالم لن يقبل بحصول مثل هذه الكارثة ويدعها تمر هكذا دون ردة فعل.

وهكذا، بينما كان الطرف الآخر (إيران وحزب الله ومنظومة الأسد) يبني سياساته، على أفعال ووقائع يصنعها على أرض الحدث، ونتيجة دراية بالبيئة الدولية المتهالكة، كان أنصار الثورة ومؤيدوهم يتخبطون من الصدمة؛ غير مصدقين ما يحدث، ويرمون أحلامهم على رهانات من نوع أن نظام الأسد، وقبل أن يكمل تهجير مليون سوري، سيكون على عتبة السقوط، بل والأرجح في هذه الحالة أن تنعكس العملية، ويصار إلى تهجير البيئة المؤيدة له.

بالطبع، لم ينتبه أحد في حينها إلى أن إيران كانت قد نفذت عملية تهجير ديمغرافي واسعة في العراق، وفي غضون أقل من خمس سنوات، بعد احتلال العراق 2003، كان وجه بغداد قد تغيّر واستطاعت المليشيات تهجير مئات الآلاف من السنة عبر عمليات التصفية والتهديد التي اتبعتها، ثم بعد سنوات كانت محافظة ديالى الواقعة على خط التماس الطائفي في العراق؛ تشهد عملية تفريغ مماثلة، ومثلها الكثير من مدن وأرياف العراق.

وفي التاريخ غير البعيد أيضا، هجّرت روسيا الملايين من سكان جمهوريات البلطيق، وأحلّت مكانهم مواطنين (روس)، وفعلت الشيء نفسه في القوقاز (في جورجيا والشيشان وأرمينا، وغربا في أوكرانيا، وجعلت هذا الأمر يتحوّل إلى واقع حطّم النسيج الوطني لأوكرانيا وجورجيا، ووضع دول البلطيق (لاتفيا وأستونيا ليتوانيا) على حافة الخطر الدائم، واحتمالية تدخل روسيا بذريعة وجود جالية ومواطنين روس.

وقد دمجت روسيا، خبرتها السابقة في مجال التهجير والإحلال، مع الجهود الإيرانية، لتنتج بذلك الكارثة السورية بوجهها الحالي. فقد تعمد الطرفان استخدام سياسة التدمير الممنهج وأقصى أنواع العنف، فضلا عن سياسات إنهاك المجتمعات المحلية في سوريا ودفعها عنوة للبحث عن سبل للخلاص، خارج سوريا أو في مناطق سيطرة النظام؛ الذي سيعمل لاحقا على إعادة توزيعهم في مناطق يجري تحديدها بناء على حساباته الأمنية الخالصة.

غير أن نمط التهجير المتبع في سوريا، والأدوات والسياسات التي يتم استخدامها في هذا المجال، يحيل إلى التجربة الصهيونية في فلسطين المحتلة، بل إنه في أحيان كثيرة يبدو تطبيقا أمينا لتلك التجربة، وخاصة في تعمّد قتل الأطفال والتهديد بانتهاك الأعراض، والأهم إشاعة الفوضى وسقوط القانون الذي يضمن حق المواطن في الحماية، وفي الحالتين، الفلسطينية والسورية، كان للمليشيات الدور الأبرز في إنجاز مهمة التغيير الديمغرافي.

واليوم في فلسطين، تتجرأ إسرائيل على إقرار قانون يهودية الدولة، الذي يهدّد بقذف مليونين من عرب الداخل خارج وطنهم وديارهم. ورغم حقيقة أن إسرائيل كانت تعمل على الدوام للوصول إلى هذه النتيجة، غير أن عمليات التهجير الكبيرة الحاصلة في سوريا والعراق، شكلت محفزا لها ودافعا قويا للقيام بجريمتها القادمة، وخاصة أن رد الفعل الدولي على تلك العمليات كان معدوما، بل إنه لم يظهر صوت واحد ينادي بوقف عمليات التهجير تلك، في حين أن أغلب التدخلات الدولية جاءت احتجاجا على امتلاك نظام الأسد أسلحة كيمائية قد تهدّد في يوم ما إسرائيل.

والواقع، أن التهديد الديمغرافي بات يشكل أحد أكبر المخاطر على منطقة الشام والعراق، وهو تهديد قد يغير وجه هذه المنطقة وإلى الأبد، وربما بعد سنوات، ليست كثيرة، نستطيع القول إن هذه المنطقة كانت تسكنها أكثرية عربية.

اقرأ المزيد
٤ مايو ٢٠١٨
إيران القاتلة والمقتولة في سورية

 عديدة تلك الرسائل الموجهة إلى إيران دولياً، ولكنها حتى اليوم رسائل تدور في فلك تغيير الدور الوظيفي لإيران وليس لإلغائه، ومن هنا يمكن فهم حالة الخلاف الفرنسي (وهي على الأغلب تمثل وجهة نظر الدول الأوربية) مع الموقف الأميركي، بما يتعلق بإنهاء الاتفاق النووي الموقع بين الدول الست (الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا) مع إيران نيسان (ابريل) 2015) في لوزان، وعلى رغم وصف الاتفاق بالتاريخي آنذاك من قبل الرئيس الأميركي باراك أوباما، إلا أن إيران أصبحت تحت أضواء الرقابة الدولية أكثر من ذي قبل، واتخذت إسرائيل قيادة هذه المهمة على عاتقها منذ أن أعلنت «أن الاتفاق خطأ تاريخي»، وأنه يسهل الطريق على إيران حيازة القنبلة النووية التي تهدد وجودها، وهذا ما جعل إسرائيل تربط بين التهديد الإيراني لها من خلال برنامجها النووي، ووجود أحد اشهر الألوية الإيرانية (فيلق القدس) على الأراضي السورية وقرب الحدود معها، ما جعلها تفرض عقوباتها الخاصة على إيران في شكل انفرادي وعملي، من خلال الضربات المتكررة التي وجهتها ضد القواعد والمراكز الإيرانية وما يتصل بها.

وإذ لا يمكن تجاهل أن تلك الضربات، التي تعامل معها النظام السوري على انها من جهة مجهولة، كانت مؤلمة ليس لإيران فقط في سورية، ولكن لإيران في لبنان، وإيران في إيران، سيما انها لا تحمل التوقيع الإسرائيلي فقط بل تحمل معها التهديدات الأميركية المسبقة الصنع، التي تم تكرار الإعلان عنها لتأكيدها خلال لقاء ترامب- ماكرون، في 26 نيسان المنصرم، وقبل ذلك عبر مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن. في المقابل يبدو شبه الصمت الروسي، أيضاً، وكأنه يحمل رسائل روسية إلى كل من إسرائيل وإيران والنظام السوري، بينما يرقى صمت المجتمع الدولي إلى مستوى الحياد الإيجابي، إلى جانب الضربات الإسرائيلية التأديبية والتحذيرية، والتي يعجز عن توجيها المجلس التزاماً بمواثيق نشأته، وضمن التفاهمات الروسية الإسرائيلية فإن عبور الصواريخ إلى مناطق تمركز القوات الإيرانية لا يمكن أن يكون من دون إشارات توافق متبادلة بين الطرفين، قد يكون الصمت أحدها.

يستنتج من ذلك أن إيران تعرف حجم خلافاتها الدولية، وتدرك من خلالها أن المواجهة العسكرية معها مقبلة، وأنها عندما اختارت أن تقود معركة النظام السوري ضد السوريين المتظاهرين ضده، لم يكن ذلك خدمة للرئيس الأسد كما يحاول أنصاره الترويج، ولكن لأن إيران تريد ساحة حرب خارجية احتياطية لها، تدير معركتها عليها وبها، محاولة منها لإبعاد خطر المعركة عن أراضيها، لأنها في تلك الحالة سيكون بإمكانها زعزعة أركان النظام فيها، لذلك يمكن القول إن إيران هيمنت على الأرض السورية، ورهنت النظام لخوض معاركها المرتقبة مع الآخرين، ومنهم، وليس كلهم، إسرائيل.

وبالمقابل لم تستطع إسرائيل ولن تستطيع تجاهل الخطر الإيراني المحيط بها، ليس لأن إيران ستفتح معركة معها، بل لأن إيران تمارس دور التغيير المنهجي الإيدلوجي، الذي يسمح لها لاحقاً باستخدام شعوب هذه الدول - التي تغزوها فكريا وطائفياً وعسكرياً- كأدوات لها في حرب مصلحية إيرانية ضد إسرائيل، أي أن تلك الحرب لا علاقة لها بالحقوق الفلسطينية، ولا بتحرير القدس، وإنما هي حرب إيدلوجية اقتصادية وسياسية، على النفوذ الإقليمي، أي انها خالية تماماً من أي مصلحة فلسطينية أو عربية.

في الجانب الآخر لا يمكن تجاهل أن هذه الضربات الإسرائيلية لها دلالاتها في لبنان، حيث المعركة الانتخابية في مراحلها الملهمة للناخبين، وهي بذلك تحاول أن تقول كلمتها أيضاً بهذه الانتخابات، من خلال وضع حزب الله في حجمه الحقيقي، بعيداً عن استغلاله بسطاء المنتخِبين (بكسر الخاء) بشعارات المقاومة، التي خرست امام الضربات الإسرائيلية لمحور المقاومة الثلاثي (إيران وحزب الله والنظام السوري) المتمركز عسكرياً في سورية، أي أن إسرائيل الحيادية في الحرب السورية بين النظام والمعارضة، ليست كذلك في لبنان حيث تختلف أجنداتها، فبينما لا تجد أن بقاء النظام السوري حاكماً لسورية يضر بأمنها، إلا بحدود تعاونه الكيماوي مع إيران، فإنها ترى في حزب الله ما يعكر صفوها، باعتباره جزءاً من ولاية الفقيه، وليس جزءاً من حكومة لبنان. ما يعني أن لبنان ليس بعيداً عن أي أجواء ستسود المنطقة حرباً ام سلاماً.

وانتهجت إيران حق كظم الغيظ بمواجهة الضربات الإسرائيلية المتكررة على مواقعها، وما هو في سياقها (مواقع حزب الله ومراكز الدراسات البحثية السورية)، معتبرة أن حصر الصراع بينها وبين الولايات المتحدة وإسرائيل على الأرض السورية يجنبها التذمر الشعبي في إيران، ودرء خطر إسقاط النظام على يد المعارضة التي بدأت حراكها في طهران، وتدفيع سورية ثمن وقوف إيران إلى جانب النظام السوري في حربه ضد شعبه، أي أننا إزاء تضحية إيران بسورية، وقبول النظام بأن يدفع الشعب السوري ثمن حربين واحدة ضده، والأخرى ضد من هم مع نظامه.

وضمن كل هذه المواجهات التي تتبلور، فإن التعويل على أن الولايات المتحدة ستنهي الاتفاق النووي المبرم يبقى ضمن إطار الجدليات والتـــفاهمات والصفقات، مايعني أن الأرجحية لتعديل الاتفاق بما يخدم المصلحة الأميركية، ويبدد مخاوف إسرائيل، ويضمن المصلحة الأوروبية التي لا ترى أن إنهاء الاتفاق يوفر حالة أمان لأوروبا وللعالم، وبالمحصلة يضع يد أميركا على كل التجربة الإيرانية النووية، وأن كل هذه المقدمات العدائية لإيران لا يمكن ترجمتها حتى اليوم باعتبار أن ما تريده الإدارة الأميركية إنهاء أدوار إيران في المنطقة، وإنما تعديل هذه الأدوار، بعد أن أحسنت إيران خلال العقدين الماضيين بإدارة الصراعات في المنطقة العربية، لمصلحة تأزيمها، وتوسيع رقعتها لتكون الولايات المتحدة هي المنقذ لها.

لذلك ليس علينا كسوريين وعرب التعويل بهكذا حرب باردة فعلى الأكثر نحن أمام حالة تقليص الدور الإيراني في سورية، حيث يخف عبء القتال الطائفي، بما يسمح أكثر بالحديث عن تسويات سياسية وفق الرغبة الأميركية المراعية للأمن الإسرائيلي ومتطلباته، وهي (أي الولايات المتحدة) غير متضررة من الوجود الروسي، بل وتسعى إلى عقد تفاهمات جادة معه، كما يمكنها عقد صفقة مع تركيا لمصلحة طمأنتها شمالاً وشرقاً، من دون أن تتخلى عن فكرة سورية اللامركزية التي طرحتها خلال اجتماع باريس مع مجموعة العمل المصغرة في 23 كانون الثاني (يناير) 2018، وعادت وأكدتها ضمناً في اجتماعها الثاني الذي ضم إليها ألمانيا (29 نيسان)، عندما تحدثت عن حاجة تفعيل المسار السياسي من خلال وقف اطلاق النار، وإجراء إصلاحات دستورية وتنظيم انتخابات جديدة، وهو الأمر الذي يتيح للسوريين إقامة نظام حكم جديد منقطع تماماً مع النظام الرئاسي المركزي السابق، ويمهد لحكم برلماني يؤسس لمساواة بين كل السوريين بمختلف مرجعياتهم القومية والمذهبية والإيديولوجية، عبر غرفتي تمثيل نيابي، أي ما يضمن حقوق الأكراد مع ضمانات لتركيا بألا تشكل هذه الحقوق أي خرق لأمنها القومي.

ولعل أهم ما يمكن التعويل عليه لاحقاً أن إيران التي أخذت دور القاتل للشعب السوري، قد تكون ضمن أعداد المقتولين دولياً وتعثر نظامها شعبياً، ما يتيح الفرصة للانتقال من ربيع الثورات العربية إلى حركات التحرر الشعبية التي تتقد شعلتها يوماً إثر يوم في إيران، القاتلة والمقتولة في سورية.

اقرأ المزيد
٣ مايو ٢٠١٨
القنبلة النووية الإيرانية

فجّرت إسرائيل قنبلة سياسية عالمية، حين كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن خداع النظام الإيراني للعالم. أول هذا العالم المجموعة الأوروبية وإدارة الآفل باراك أوباما، بخصوص برنامجها النووي العسكري «السري».

على المسرح أظهر رئيس الحكومة الإسرائيلية أدلة كثيرة على وجود النشاط الإيراني النووي العسكري، وليس المدني، نتنياهو اتهم إيران بتنفيذ برنامج سرّي للأسلحة النووية، عُرف باسم «مشروع عماد»، وقال إنها واصلت متابعة المعلومات الجديدة بشأن الأسلحة النووية بعد إغلاق المشروع في 2003، مضيفاً أن المشروع يهدف إلى إنتاج خمس رؤوس نووية. وتحدث عن «آلاف» الوثائق حول هذا البرنامج الخطير.

طبعاً إيران سارعت بالتكذيب، والسخرية والإنكار، عبر متحدثها بهرام قاسمي، وظريفها وزير الخارجية، ماذا يُنتظر منهم غير هذا؟ لكن الخطير هو أن مجرد وجود هذه الاحتمالية، ولو بنسبة 5% يعني الحذر والاستعداد الشديد، فنحن أمام طغمة مخبولة متوحشة تكفيرية منقوعة بخرافات القرون الغابرة، تريد قتل كل من يرفض مشروعها التكفيري.

الغريب هو إلحاح من ساهموا بالاتفاق الفاسد مع إيران، في مقدمهم فرنسا ومفوضة الاتحاد الأوروبي الإيطالية اليسارية فيدريكا موغيريني، على الحفاظ على هذا الاتفاق رغم كل شيء، والأخيرة علقت على الصدمة الإسرائيلية بأن الوثائق التي قدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي، لا تثير أي تساؤل بشأن التزام إيران بالاتفاق!

الوكالة الدولية للطاقة الذرية المخولة لها مراقبة برامج إيران النووية لم تعلق على اتهامات نتنياهو مباشرة، لكنها أشارت إلى تقريرها الصادر 2015 والذي وجد أنشطة في 2003، «ذات صلة بتطوير أداة نووية متفجرة».

خطورة الكشف الإسرائيلي بتوقيته، حيث من المقرر أن يعلن الرئيس الأميركي ترمب موقفه النهائي من الاتفاق النووي مع إيران، وهو أعلن دوماً رفضه له لأنه «مبنيّ على الأكاذيب»، كما علق وزير خارجيته مايك بومبيو على الوثائق الجديدة.

امتلاك إيران سلاحاً نووياً يعني بالضرورة امتلاك السعودية، التي تراها إيران العدو الرئيسي، لسلاح مماثل للردع على الأقل، وهذا هو الذي قالها بصراحة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في حواره مع برنامج (Minutes 60) على قناة «سي بي إس» الأميركية، رغم أن السعودية ليست من الدول التي تعشق امتلاك هذا السلاح، لكن: ما حيلة المضطر إلا ركوبها!

صواريخ إيران «العادية» تصيب المدن السعودية، فهل من الحزم انتظار هؤلاء المخابيل حتى يمتلكوا حقاً القنبلة النووية؟

السؤال المركزي: هل يريد الغرب أن يشتعل سباق تسلح نووي في منطقة الشرق الأوسط، بصواريخ عابرة للقارات، يعني تصل أوروبا نفسها؟!

مَن نام على وسائد التخدير يستيقظ على رضّات الصخور.

اقرأ المزيد
٣ مايو ٢٠١٨
الانتخابات الرئاسية التركية تهم السوريين وبلادهم بقدر ما تهم تركيا وشعبها

إن القرار المتّخذ من قبل أردوغان والذي ينص على إجراء انتخابات رئاسية مبكّرة يحمل أهمية كبيرة بالنسبة إلى مستقبل القضية السورية أيضاً وليس مستقبل تركيا فقط، إذ ستؤدي هذه الانتخابات إلى بداية مبكّرة للنظام الرئاسي، وعند رؤية اختلاف وجهات نظر الأطراف تجاه القضية السورية نستطيع إدراك مدى أهمية هذه الانتخابات بالنسبة إلى مستقبل سوريا.

إن وجهة نظر السلطة الحالية وممثلها في الانتخابات المقبلة "أردوغان" تجاه القضية السورية واضحة منذ عدة سنوات، إذ أقرت تركيا منذ البدء على عدم شرعية بشار الأسد، وكذلك تعارض وجود الأسد فيما يخص المستقبل السوري، وتعتبر أن حماية اللاجئين السوريين من ظلم نظام الأسد هي وظيفة إنسانية، في الواقع هذا المبدأ كان سائداً لدى جميع الدول -على رأسها أمريكا- التي تزعم أنها صديقةً لسوريا، لكن اليوم نرى أن تركيا هي الدولة الوحيدة التي استمرت في الالتزام بهذا المبدأ.

أدرك الغرب أن إجراء انتخابات عادلة في سوريا سينتهي برحيل الأسد وانتصار الطبقة الملتزمة والمتديّنة من المجتمع السوري، ولذلك فإن الغرب قد دعمَ الأسد بدلاً من دعم الإرادة القومية للشعب السوري مما أدى إلى وصول الأزمة السورية إلى وضعها الحالي.

استطاعت تركيا الحفاظ على هذا المبدأ من خلال حزب العدالة والتنمية، وفتحت أبوابها للاجئين السوريين، ونظراً إلى ذلك فإن الناخبين الأتراك سيصوّتون في 24 يونيو/حزيران لمستقبل القضية السورية إلى جانب مستقبل تركيا، لأن المرشّح المشترك للحكومة التركية هو رجب طيب أردوغان، وسيستمر الأخير في ممارسة سياسته الحالية تجاه القضية السورية، ويدافع عن وحدة الأراضي السورية والإرادة القومية للشعب السوري.

 أما المعارضة التركية فستقوم بعكس ذلك تماماً، إذ تدافع الأحزاب المعارضة في الداخل التركي -على رأسها حزب الشعب الجمهوري- عن مشروعية الأسد وضرورة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم وتركهم لإنصاف ورحمة نظام الأسد.

في هذه الحال إن انتصار أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة يعني دخول تركيا في مرحلة النظام الرئاسي مع استمرار السياسة الممارسة تجاه القضية السورية.

أما انتصار أحزاب المعارضة في الانتخابات ذاتها يعني التخلّي عن تطبيق النظام الرئاسي وبالتالي الانشغال بمشاكل جديدة وإدخال تركيا في متاهة سياسية قد لا تجد مخرجاً منها، إضافةً إلى إجراء المفاوضات مع نظام الأسد حول القضية السورية وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم وتركهم لإنصاف الأسد، وكذلك عودة التنظيمات الإرهاب لتسيطر على المناطق التي تم القضاء على الإرهاب الموجود فيها من خلال عمليات درع الفرات وغصن الزيتون، وبالتالي الاستهتار أو غض النظر عن

اقرأ المزيد
٣ مايو ٢٠١٨
«ثلاثي آستانة» إذ يمهّد لتسوية تكرّس «انتصار» الأسد

 يهيمن داخل سورية انطباع بأن نظام بشار الأسد انتصر، بدليل ما يستعيده من سيطرة على مناطق حول دمشق وبعيداً عنها، وما يعرضه رجال أعماله من مشاريع وخرائط للمدن المدمّرة في الغوطة وسواها من مناطق «سورية المنسجمة ديموغرافياً»، إلى حدّ أن برلمانه الخاص لم يتردّد في إصدار قانون يشرّع سلب «أملاك (السوريين) الغائبين» والتصرّف بها. ومع أن أطرافاً غربية حاولت في مشاورات مغلقة وفي اتصالات سرّية مع النظام النظر ببراغماتية إلى هذا «الانتصار»، كونه واقعاً يتأكّد يوماً بعد يوم، إلا أنها استنتجت لاحقاً أنها أبعد ما تكون عن التعاطي مع رجل دولة مدرك هول ما فعله ببلده وراغب في فتح صفحة جديدة مع «شعبه»، أو مع حاكم لديه رؤية وفاقية لـ «وطنه». أضاعت هذه الأطراف وقتاً طويلاً في ملاحقة أوهامها لاحتمالات إعادة تأهيل الأسد «إنقاذاً للدولة»، وفي تطويع «مبادئها» وقوانينها لقبوله، أقلّه من أجل مصالحها، إن لم يكن «إنقاذاً لحل سياسي»، لكنها عادت فوَعَت حقيقة أنها إزاء رجل استوعبه حُماتُه/ محتلّوه، وأن قبوله بجرائمه أفضل خدمة مجانية للاحتلالَين الروسي والإيراني.

إذا صحّ أن الحاصل الآن هو «انتصار» فإنه يثير سلسلة طويلة من الأسئلة تبدأ بـ «مَن صنعه» وتتواصل بـ «مَن انتصر» فعلاً، وعلى مَن، ومن أجل مَن، والأهم من أجل ماذا؟ لا على سبيل الجدل بل لأن التطوّرات الراهنة تصوّر ما سبقه ولا تزال آثاره أمام الأبصار كأنه مُحي وأصبح من ماضٍ سحيق، وترمي إلى تقديم «الانتصار» على أنه الحدث المعني بالمستقبل المُقترح لا لسورية والسوريين فحسب، لكن أيضاً للمنطقة وشعوبها. ذاك أن هذا «الانتصار» قد يكون النمط الأول الذي يولد مستوحياً كليّاً النموذج الإسرائيلي بأسوأ ما فيه، بل يتجاوزه بجرائمه وتفاصيله التي لم تعد حتى الدول الغربية التي سبق أن دعمت إسرائيل لتتقبّلها، على رغم استمرار الولايات المتحدة في تغطيتها وحمايتها. ومنها المجازر والدمار واقتلاع السكان وتهجيرهم أو طردهم خارج الحدود، ومنها أيضاً الاستيطان الذي يقوم الإيرانيون بما يوازيه ويستعدّ أتباع النظام لمشاركتهم فيه، ومنها أخيراً وليس آخراً أن الإصرار على أولوية «استعادة السيطرة» من دون اتفاق سياسي تعايشي، أو مجرّد التفاوض عليه، يحاكي الأولوية الإسرائيلية لإدامة الاحتلال وإحباط أي تحرّك دولي لإحياء المفاوضات حتى مع وجود طرف فلسطيني تخلّى عن العمل المسلّح ولا يكلّ من تكرار أن التفاوض على السلام هو خياره الوحيد.

صحيح أن النماذج العربية للاستبداد لا تُعزى جميعاً إلى صدمة الهزائم والاغتصاب الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، لكن النمط الذي أسسته إسرائيل في المنطقة لاحتقار القوانين الدولية والدوس على حقوق الفلسطينيين كان له أثرٌ تلقيني لبعض الحكام، فانتهجوا الاستبداد وواظبوا على تبرير شدّتهم مع شعوبهم بمقتضيات الحرب ضد إسرائيل، حتى بلغ الأمر بصدّام حسين أن يجيّر غزوه الكويت لنصرة القضية الفلسطينية، وببشار الأسد أن يستنجد بإرهاب «داعش» للخلاص من انتفاضة شعبه ضدّه. وبما أن الاستبداد الإسرائيلي الذي عصف بالمنطقة استقطب في عقوده الأولى دعماً كاملاً، أميركياً وأوروبياً وسوفياتياً، كاستثناء أوحد في سياق الحرب الباردة، فقد أشاع مع داعميه منطق العسف والإفلات من أي محاسبة ومساءلة وعقاب مهما بلغ استهتاره بالقوانين والحقوق. وإذ اعتبر صدّام والأسد أن ما يحقّ «دولياً» لإسرائيل لا بدّ أن يحقّ لهما، وبدعم خارجي أيضاً، فإن صدّام قضى مع نظامه كنتيجة لأخطائه وتخطّيه الخطوط الحمر في لحظة تحوّل للنظام العالمي، أما الأسد فيعتقد أن احتفاظه بدعم روسيا وإيران وإسرائيل مكّنه من كسر الخطوط الحمر والبقاء في السلطة، وأنه ونظامه تجاوزا كل خطر بل دخلا مرحلة تدبير مستقبلهما.

كيف لا يحقّ له أن يعتقد ذلك وقد لمس أن أشدّ خصومه و «المتآمرين الكونيين» عليه قدّموا كل مساعدة ممكنة للجم الانتفاضة الشعبية ضدّه، بدءاً بالولايات المتحدة التي تكفّلت منع إسقاطه يوم كان ذلك ممكناً عسكرياً، وصولاً إلى تركيا التي تولّت بالتفاهم مع روسيا إدارة انهيار المعارضة المسلّحة. ولكن «الانتصار» الذي يهلّل له النظام يبقى مشوباً بكثير من عدم اليقين، فأصحاب النصر الحقيقيّون هم الروس والإيرانيون، الروس باقون رسمياً لخمسين سنة والإيرانيون «إلى الأبد»، إلى ما بعد الأسد! كلّما ازداد وجودهم أهميّة واتخذ منحىً احتلالياً كلّما تراجع النظام، وكل نصر يمنحونه إياه ملغّم بهزيمة مقنّعة تقضم أجزاء من عمره. لا غنى له عنهم مهما قست ضغوطهم عليه فهو لم يعد في موقع يمكّنه من التلاعب عليهم، ولا غنى لهم عنه مهما انكشف هزاله، وطالما أنه مسكونٌ بمعاداة شعبه فإنهم يضمنون أن تبعيته لهم صارت خياره الوحيد. هناك حال انسجام لافتة بين النظام وحليفيه، فقبل تقاطع مصالحهم الجيوسياسية يتشاركون جميعاً القمع الوحشي والبطش بشعوبهم واستخدام الترهيب الدموي لانتزاع «شرعيتهم» من صناديق اقتراع مبرمجة.

ما يقلق نظام الأسد في اللحظة الراهنة هو تجمّع نذر المواجهة بين الإسرائيليين والإيرانيين، أي بين أصحاب الفضل الذين يدين لهم ببقائه. لا يمكنه «النأي بنفسه» حتى لو تمنّى ذلك، ولا يستطيع الكذب على الطرفَين كما يفعل الروس. ويمكن أن تُفهم مسائل خمس من تصريحات كبير حاخامات روسيا، الذي حمل أخيراً رسالة ممن فلاديمير بوتين إلى بنيامين نتانياهو: 1) إن روسيا حريصة على مصلحة إسرائيل وحقّها في الدفاع عن نفسها في «لحظة الخطر المحدق» و «بشرط عدم الإخلال بالتوازن في المنطقة». 2) إن حكم الأسد في سورية أفضل من حكم «داعش». 3) إن المنظومات الصاروخية الروسية في سورية ليست موجّهة ضد إسرائيل بل ضد الضربات الأميركية والغربية. 4) إن الضربات الإسرائيلية لأهداف في سورية ليست بعيدة عن التنسيق مع روسيا ولذلك فإن مستوى الإدانة الروسية لها ليس قويّاً. 5) إن روسيا «قادرة على كبح جماح إيران» وتنصح إسرائيل بـ «التقليل من مخاوفها وعدم تضخيم القوة الإيرانية، التي لها أهداف أخرى في الشرق الأوسط، فالمنطقة تهتزّ وليس فقط سورية»، كما قال الحاخام. ومع وجود تناغم بين هذه الإشارات وإعلان مايك بومبيو دعم «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، فإن رسالة بوتين تنصح إسرائيل بالتخلي عن مواجهة واسعة مع الإيرانيين في سورية والاكتفاء بضرب مواقعهم... بالتفاهم مع روسيا.

كان نظام الأسد تعايش عملياً مع قواعد الاشتباك التي وضعتها روسيا للإسرائيليين والإيرانيين، بل اعتبر نفسه مستفيداً منها، لكنها لم تعد كافية لضبط الصراع في المرحلة المقبلة. فإسرائيل التي تنسّق خططها مع واشنطن مهتمّة خصوصاً بقواعد إيران في سورية وبالأسلحة والصواريخ التي تكدّس فيها أو تمرّر إلى «حزب الله» في لبنان، وليس مؤكّداً أن الروس والنظام قادرون على منعها أو تحديد سقفٍ لها، ولذلك فإن إسرائيل لن تكتفي بضربات تعرف مسبقاً أنها لن تؤثّر في بنية الوجود الإيراني.

لا شك أن الضحيّة الدائمة لأي تصعيد هي عملية البحث عن حل سياسي. ثمة انسداد تأكّد أخيراً مع إعلان الدول الخمس (بعد اجتماع باريس) أنها تبحث في «خريطة طريق» لإحياء المفاوضات في «مسار جنيف»، أما ثلاثي «مسار آستانة/ سوتشي» فأشار (بعد اجتماع موسكو) إلى زيادة الجهود المشتركة لتسهيل التوصّل إلى تسوية سياسية دائمة بـ «استخدام كامل لآليات متعدّدة المستويات لشكل آستانة» ما يعني عملياً أن روسيا باتت أكثر إصراراً، بعد الضربات الثلاثية، على أن ينبثق الحلّ السياسي من الحسم العسكري، وليس من صيغة «مناطق خفض التصعيد» التي لم يعد سرّاً أنها كانت مجرّد خطّة لإضعاف المعارضة وخفض مطالبها. ويقوم الحلّ الذي يراه «المنتصرون» ممكناً على تحكّمهم بالمفاوضين وبـ «تسوية» جاهزة تشكّل تكريساً رسمياً لـ «انتصار» النظام، ولو كان الروس والإيرانيون والأتراك قادرين فعلاً على فرض حلٍّ كهذا لما تأخروا.

اقرأ المزيد
٣ مايو ٢٠١٨
بقاء الأسد ونظامه سيفجر سلسلة ثورات جديدة!

المفترض أنه معروفٌ أن الروس، ومعهم الإيرانيون ونظام بشار الأسد أيضاً، عندما يقولون إنه لا حلّ عسكرياً للأزمة السورية فإنهم يقصدون «المعارضة» ومن يساندها ويقف معها، وأنَّ الأميركيين ومن معهم عندما يقولون هذا الكلام نفسه فإنهم يقصدون روسيا وإيران، وهكذا فإنه لا جديد عندما يعلن لافروف وظريف ومعهما أوغلو في أعقاب اجتماعهم الثلاثي الأخير أنهم توافقوا على استمرار العملية السلمية، وعندما يقولون إن اتفاق هذه الدول الثلاث في هذا الاجتماع المشار إليه يعد «بداية» الحل المنشود لهذه الأزمة.

ولعل ما يؤكد أن التباعد لا يزال قائماً بين الأميركيين وحلفائهم والروس وحلفائهم أنه نُسب إلى مصدر أوروبي أن الدول الغربية لن تسهم في إعادة إعمار البنية التحتية والتنمية طويلة الأجل في سوريا إلا إذا رأت تغييراً حقيقياً في هذا النظام وتشكيلاً لحكومة تعددية، مما يعني أنه قد يكون هناك بعض التحول في الموقف الأميركي تحديداً والموقف الغربي بصورة عامة، لكنه تحوُّل، كما هو واضح، لا يعني أن مواقف المتخاصمين اقتربت من أن تصبح متطابقة، لا بل إنه يعني أن هذه المواقف قد ازدادت تباعداً، والدليل هو ما بات يجري على الأرض عسكرياً حيث التحشيد الأميركي المتواصل الذي رافقه ويرافقه تحشيد فرنسي واضح ومعلَن وعلى «عينك يا تاجر» كما يقال.

لقد حذَّر هذا الدبلوماسي، الذي لم يُكشف النقاب لا عن اسمه ولا عن مكانته ولا عن أي دولة يمثلها ويتحدث باسمها، من أن الروس قد قاموا بالكثير من الألاعيب أخيراً، وقال: «لذلك لا أعتبر أننا وصلنا إلى نهاية لهذه الألاعيب... علينا أن ننتظر قليلاً لنرى ما إذا كان غبار المعارك سينقشع وما إذا كانت هناك عملية سياسية ستظهر مجدداً في جنيف»!

وحسب «الشرق الأوسط» فقد أشارت وكالة الصحافة الفرنسية يوم الجمعة الماضي، إلى أن دولاً أوروبية، على رأسها فرنسا، تخطط لجعل محاكمة مجرمي الحرب في سوريا شرطاً أساسياً للسلام والمصالحة في هذا البلد، وذلك رغم العقبات الكثيرة التي تعيق تحقيق مثل هذا الأمر، وهنا فإن ما يؤكد أن هذا التوجه جدي وأن الولايات المتحدة داعم رئيسي له، أنَّ اجتماعاً قد عُقد يوم الأربعاء الماضي في بروكسل شاركت فيه بريطانيا والسويد وهولندا والدنمارك وبلجيكا وخُصِّصَ لمناقشة هذه المسألة ومنع إفلات نظام بشار الأسد ومن شاركه من العقاب على ارتكاب كل هذه الجرائم.

وهذا يعني أن أي حلول سياسية جدية لهذه الأزمة الطاحنة، التي لا تزال تزداد تعقيداً وتداخلاً يوماً تلو يوم، مستبعدة جداً في المدى المنظور وبخاصة أن الولايات المتحدة، خلافاً لما كان قاله الرئيس دونالد ترمب، قد أعلنت أنها لن تنسحب عسكرياً من سوريا وأن الروس بادروا أخيراً إلى اتهام أميركا بأنها تريد تقسيم هذا البلد، وكل هذا وقد بات واضحاً لكل معنيٍّ بهذا الأمر أن الروس قد بدأوا عمليات التقسيم هذه «باكراً» عندما بدأوا عمليات التفريغ الديموغرافي والتهجير المذهبي والطائفي لإنجاز مشروع «سوريا المفيدة» و«الانسجام المجتمعي» اللذين كان بشار الأسد قد تحدث عنهما ليس مرة واحدة وإنما وبكل جدية مرات كثيرة.

في كل الأحوال تجب الإشارة هنا إلى مسألة في غاية الخطورة والأهمية وهي أنَّ أي حلٍّ وفقاً لـ«آستانة» و«جنيف1» وغيرهما لا يكون أساسه المرحلة الانتقالية وإقصاء بشار الأسد عن موقع الرئاسة سيعزز حقيقة أن المقصود بهذا الذي جرى والذي يجري سابقاً ولاحقاً وحتى الآن هو العرب «السُّنة»، ولعل ما يؤكد هذه الحقيقة هو أن عمليات التهجير التي تمت على مدى الأعوام السبعة الماضية التي لا تزال مستمرة ومتواصلة لم تستهدف إلاّ هؤلاء، مما يؤكد أن المقصود ومنذ البدايات هو التخلص من أبناء هذه الطائفة ليبقى «نظام الأسد إلى الأبد» نظاماً مذهبياً وطائفياً ويتحول الشعب السوري بغالبيته إلى مجموعات طائفية سواء إنْ هي أصبحت أقليات متآخية أو متناحرة ومتحاربة.

جاء في كتاب «الصراع على السلطة في سوريا.. الطائفية والإقليمية والعشائرية في السياسة 1961 - 1995»، لصاحبه الدكتور نيقولاوس فاندام، أنَّ التقسيم الفرعي للسكان في هذا البلد نسبةً إلى اللغة يكشف أن 82.5% يتحدثون العربية، وأن 68.7% عربٌ مسلمون سُنيون، وأن أكبر الأقليات الدينية هم العلويون (11.5%)، وأن الدروز 3.0%، والإسماعيليين 1.5%، والمسيحيين (الروم – الأرثوذكس) 4.7%. وجاء في هذا الكتاب أيضاً أن الأقليات العرقية الرئيسية هم الأكراد (8.5%)، والأرمن (4.0%)، والتركمان (1.0%)، وذلك في حين أن معظم الأكراد والتركمان والشراكسة مسلمون سُنيون، وهم ينتمون إلى غالبية السكان، أما الأرمن فهم يمثلون أقلية عرقية ودينية... وكل هذا في حين أن العلويين والدروز والإسماعيليين والمسيحيين (الروم الأرثوذكس) يتحدثون جميعهم ومن دون أي استثناء (تقريباً) اللغة العربية.

إنَّ ذكر هذه الحقائق كلها هو ليس إثارة للطائفية والمذهبية، التي من المفترض أنها مرفوضة رفضاً مطلقاً، وإنما لتأكيد أنَّ السنة العرب هم المستهدفون الآن، وأن المقصود بعمليات التفريغ والتهجير، المستمرة على مدى الأعوام السبعة الماضية، هو تحويلهم من أكثرية إلى أقلية مثلهم مثل الطوائف الأخرى، والواضح حتى الآن أن هذا الهدف قد تحقق الجزء الأكبر منه، وأن بقاء نظام بشار الأسد وفقاً لما يريده ويسعى إليه الإيرانيون والروس وتصْمُت تجاهه تركيا، سيؤدي إلى تغيير تركيبة هذا البلد المذهبية ويحوّلها من أغلبية سُنية إلى أغلبية تحالف مذهبي تكون القيادة فيه للطائفة العلوية.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن دمشق قد شهدت في عام 1940 ولادة حزب البعث على يدي المسيحي الأرثوذكسي ميشيل عفلق والمسلم السني (العربي) صلاح الدين البيطار ومعهما جلال السيد من دير الزور وبعض اللوائيين (نسبة إلى لواء الإسكندرون) وبعض الأردنيين واللبنانيين، لكن هذا الحزب ما لبث، بعد انقلاب أو «ثورة» مارس (آذار) عام 1963، أن تحوَّل إلى حزب أكثرية طائفية (علويون وإسماعيليون ودروز)، وتراجع الوجود السني لاحقاً حتى حدود التلاشي وبخاصة بعد انقلاب الثالث والعشرين من فبراير (شباط) عام 1966.

لقد حاول «البعث» منذ إنشائه استبدال «الهويات» الطائفية والمذهبية (الانعزالية) بالهوية القومية – العربية، الجامعة لكنه إنْ هو قد حقق بعض الإنجاز والنجاح في البدايات فإنه بعد الوصول إلى الحكم بانقلاب عسكري قادته مجموعة سرية، تشكلت في القاهرة، من خمسة من الضباط السوريين ثلاثة منهم علويون هم: محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد، واثنان من الطائفة الإسماعيلية هم عبد الكريم الجندي وأحمد المير، بدأ يفقد وبالتدريج أي لون سني له إلى أنْ وقعت حركة الثالث والعشرين فبراير 1966، الآنفة الذكر، حيث وصلت الأمور إلى حدِّ أنّه لم يستطع إنشاء فرع فعلي له في دمشق التي كان قد بدأ فيها وبصبغة قومية وعروبية غالبة.

لقد ابتعد السنة السوريون عن «البعث» ليس في دمشق وحدها وإنما في كل المدن السورية الكبيرة والصغيرة، اللهم باستثناء درعا ودير الزور، فكانت تلك الانتفاضات بطابع إسلامي التي شهدتها حماة في عام 1964 وبعد ذلك، وشهدتها مدن أخرى بطرق أخرى مختلفة، وهكذا إلى أن جاء انقلاب حافظ الأسد في عام 1970، حيث تحول هذا الحزب وهذا النظام إلى حزب طائفي وليس حزب الطائفة، في حين تحول النظام إلى نظام العائلة الأسدية، وهذا كله قد أدى أولاً إلى انتفاضة عام 1980 ثم إلى انتفاضة عام 2007 التي كانت ولا تزال بصورة عامة انتفاضة سُنية.

إن المقصود بهذا الاستعراض كله هو أنَّ أي حلٍّ يُبْقي على نظام الأسد وبأي شكل من الأشكال قد يؤدي إلى انتكاسة مؤقتة بالنسبة إلى هذه الثورة وبالنسبة إلى هذه المعارضة، لكن الجمر سيبقى «يعسعس» تحت الرماد، وسيبقى السنة العرب الذين لا يمكن إنهاء وجودهم في هذا البلد سيلجأون إلى انتفاضات متلاحقة، انتفاضة بعد انتفاضة، إلى حين إطاحة هذا النظام الطائفي واستبدال نظام يكون للسوريين كلهم وللطوائف والمذاهب السورية بأسرها به، وعلى من يشك في هذه الحقيقة أن يراجع التاريخ إنْ في هذا البلد العربي (سوريا) وإنْ في بلدان عربية وغير عربية أخرى كثيرة.

اقرأ المزيد
٢ مايو ٢٠١٨
بين كيم الجدّ... والأسد الأب

هناك شبه كبير بين النظامين في كوريا الشمالية وسوريا. لذلك كان لدى حافظ الأسد إعجاب شديد بالقبضة الحديدية لكيم إيل سونغ (جدّ كيم جونغ أون).

ليست القمة التي انعقدت بين الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون والرئيس الكوري الجنوبي مون جاي ان سوى دليل آخر على أن التخلّف لا يمكن أن ينتصر على التقدّم والتطور. إنّه سقوط آخر لجدار برلين حيث تبيّن في تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1989 أن ألمـانيا الشرقية لم تكن تستطيع الانتصار على ألمانيا الغربية. إنّه سقوط للفكرة التي حاول حافظ الأسد الترويج لها وفرضها منذ سبعينات القرن الماضي، الفكرة القائمة على أن سوريا-الأسد قادرة على البقاء في لبنان إلى الأبد. لم يستطع النظام الأقلّوي الذي أسّس له الأسد الأب البقاء إلى الأبد في سوريا نفسها، فكيف كان يمكن لرجل يمتلك مقدارا كبيرا من الدهاء والحنكة تصوّر أن سوريا باقية في لبنان إلى الأبد مثلما أن نظامه باق إلى الأبد؟

من قبيل الصدف السعيدة انعقاد القمة بين الكوريتين في اليوم الذي كان اللبنانيون، اللبنانيون الشرفاء طبعا، يحيون ذكرى مرور ثلاثة عشر عاما على انسحاب الجيش السوري من لبنان.

صحيح أن “حزب الله”، أي إيران، استطاع ملء الفراغ الذي خلّفه الانسحاب السوري. لكنّ الصحيح أيضا أنّ هذا الانسحاب حصل، وهو أمر كان يصعب على أيّ لبناني أن يصدّق أنه سيحصل في يوم من الأيّام بعدما أقام النظام السوري في البلد، عبر أجهزته وأزلامه، طوال ثلاثين عاما. لم يحرّك النظام أيّا من مواقعه العسكرية قبل اتفاق الطائف وبعده. كانت الرسالة التي أراد النظام إرسالها إلى اللبنانيين واضحة. فحوى الرسالة أن دخوله إلى لبنان عسكريا وامنيا، بضوء أخضر أميركي وإسرائيلي وعربي في العام 1976، لم يكن دخولا موقتا. دخل حافظ الأسد إلى لبنان من أجل أن يبقى النظام السوري بتركيبته الأمنية فيه، لا من أجل أن يأتي يوم يقول له اللبنانيون إن عليه أن يخرج نتيجة ارتكاب جريمة اغتيال رفيق الحريري، أو المساهمة في تغطيتها.

هناك شبه كبير بين النظامين في كوريا الشمالية وسوريا. لذلك كان لدى حافظ الأسد إعجاب شديد بالقبضة الحديدية لكيم إيل سونغ (جدّ كيم جونغ أون). كان شعار الجدّ أنّه “الزعيم المحبوب من شعبه” ومخترع نظرية “زوتشيه” التي تقوم على الاكتفاء الذاتي ورفض النظريات التي كان يروج لها الاتحاد السوفياتي. كان كيم المؤسس يؤمن بأن المهمّ تحقيق الاكتفاء الذاتي، حتّى لو كان معنى ذلك تجويع الشعب. وهذا ما حصل بالفعل في بلده الذي اضطر إلى الاستسلام نهائيا لمنطق التاريخ.

لعلّ أكثر ما جعل حافظ الأسد يعجب بكيم الجدّ تلك القدرة على التوريث في نظام يعتبر، أقلّه من الناحية النظرية، نظاما جمهوريا. بعد وفاة الأسد الأب، استطاع النظام السوري الإتيان بابنه رئيسا للجمهورية. حصل ذلك بسهولة، تماما كما حصل في كوريا الشمالية حيث خلف كيم إيل جونغ والده إثر وفاته في العام 1994، وكان حافظ الأسد لا يزال وقتذاك حيّا يرزق ويفكر في كيفية إقامة جمهورية على أساس التوريث. لا حاجة إلى التذكير بأنه أعدَّ ابنه باسل ليكون خليفته، لكن باسل قُتل في حادث سيارة. فرض ذلك البحث عن وريث جديد من العائلة. وهذا ليس سرّا عسكريا.

تشير القمّة الكورية – الكورية إلى أن النظام في كوريا الشمالية وجد نفسه عند مفترق. وجد نفسه في نهاية المطاف في طريق مسدود. نجح هذا النظام في جعل التوريث قاعدة ثابتة بعدما خلف كيم جونغ أون والده كيم جونغ إيل في 2011. تبيّن مع مرور الوقت أن الشعب في كوريا الشمالية لا يستطيع أن يأكل صواريخ باليتسية ولا قنابل نووية، ولا أن يعتاش من التجارة بتكنولوجيا الصواريخ التي تحتاج إليها دولة مثل إيران.

لعلّ أهم ما أسفرت عنه القمة بين الكوريتين، وهي تمهيد لقمّة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي يتوقع أن تنعقد الشهر المقبل، اتفاق على تجريد شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي. سيطرح ذلك سؤالا بديهيا وهو هل في استطاعة نظام مثل النظام الكوري الشمالي العيش من دون امتلاك القدرة على ممارسة الابتزاز؟

تمثل تلك القدرة على ممارسة الابتزاز وجه شبه آخر، لكنه ليس الأخير بين النظام الذي أقامه حافظ الأسد وذلك الذي أقامه كيم إيل سونغ. قامت كل سياسة النظام الأقلّوي في سوريا على الابتزاز. كان هذا النظام الإرهابي الأول في المنطقة. سعى في الوقت ذاته إلى لعب دور الحريص على مكافحة الإرهاب والشريك في الحرب على الإرهاب الذي صنعه بنفسه. من أهمّ ما تميّز به النظام السوري تلك العبقرية المتمثلة في صنع منظمات إرهابية وإدارتها بما يخدم مصالحه، ثمّ التخلص منها عندما يجد ذلك مناسبا.

لا حاجة إلى تعداد ما فعله النظام السوري في لبنان أو على الصعيد العربي. كانت لعبة الابتزاز اللعبة المفضلة لدى حافظ الأسد، وهي لعبة انتقلت إلى وريثه الذي لم يحسن الوصول بالأداء إلى المستوى الذي امتلكه والده. تعطي الطريقة التي تعاطى بها بشّار مع المملكة العربية السعودية ومع لبنان فكرة حقيقية عن سوء أدائه، وعن عدم اكتشافه باكرا أن عليه تفادي التحوّل إلى تابع لإيران بنسبة مئة في المئة.

من سقوط جدار برلين، إلى خروج الجيش السوري من لبنان، إلى القمة الكورية – الكورية، ثمّة درس لا يمكن إلا أن يبقى عالقا في الأذهان. ملخّص هذا الدرس أن الشعوب المقهورة تبحث عن نموذج تنتمي إليه. هناك نموذج واحد في العالم يصلح لتلبية مطالب الشعوب. هذا النموذج هو الحرّية والسوق الحرّة. من دون حرّية وسوق حرّة كانت ألمانيا الشرقية دولة متخلفة. من دون تداول سلمي للسلطة في ظل مؤسسات محترمة صار الفارق شاسعا بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية. في كوريا الشمالية شعب جائع وفي كوريا الجنوبية اقتصاد بين الأوائل في العالم على الرغم من عدم امتلاك البلد لأي موارد طبيعية تذكر.

لم يكن في استطاعة كيم جونغ أون سوى الاستسلام لمنطق التاريخ وللواقع والحقائق وإن في ظلّ ما يحفظ له ماء الوجه. هل ينقذ الاستسلام للواقع وللغة الأرقام نظامه؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يطرح نفسه بحدّة بعد اكتشافه أن الشعب لا يأكل تكنولوجيا الصواريخ ولا الصواريخ نفسها، مثلما لا تسدّ جوعه القنابل النووية.

لم تسدّ جوع الإيرانيين والسوريين شعارات “محور المانعة” وإتقان ممارسة لعبة الابتزاز، مهما بلغت درجة البراعة في ممارسة هذه اللعبة. هل تستطيع إيران الاستسلام بعدما تبيّن أن اقتصادها لا يتحمّل مشروعها التـوسعي، خصوصا بعـدما صار العراق بلدا مفلسا ليس فيه ما تنهبه منه؟ هل خيار الاستسلام لا يزال متاحا أمام النظام السوري… أم كلّ ما يستطيع عمله هو استكمال الدور المرسوم له، وهو دور لن ينتهي إلا في اليوم الذي تنتهي فيه سوريا؟

اقرأ المزيد
٢ مايو ٢٠١٨
في تدمير مخيم اليرموك

يشهد مخيم اليرموك تدميراً مبرمجا منذ أيام، تقصفه طائرات النظام السوري ومدفعيته بالصواريخ والقنابل الثقيلة، وتشير الوقائع إلى حدوث تدمير شامل في حي المغاربة جنوب المخيم، وكذلك في دوار فلسطين والمنطقة المحيطة الممتدة إلى المدينة الرياضية جنوباً وحي التضامن ومسجد أويس القرني شمالاً، فضلاً عن تدمير كبير وشامل لحق بالمنطقة من دوار فلسطين مروراً بشارع القدس، وصولاً إلى حديقة الطلائع في وسط المخيم. ولم ينج شارع العروبة جنوبا من التدمير الكامل، حيث سوّيت حاراته بالأرض من مسجد إبراهيم الخليل في الجنوب الغربي، وصولاً إلى مدخل بلدة يلدا في الجنوب الشرقي، وهو المعبر الوحيد للفارين من المجزرة في اليرموك باتجاهها. وإضافة إلى التدمير الكامل الذي لحق بالمخيم، منازله ومحاله التجارية والبنى التحتية، استشهد نتيجة القصف في الأيام الخمسة الأولى، منذ 19 إبريل/ نيسان الجاري، 25 لاجئاً فلسطينياً، وثمّة أعداد من اللاجئين تحت أنقاض منازلهم، وفي الملاجئ. وقد شاهد فارون إلى بلدة يلدا عددا كبير من الشهداء والجرحى في شوارع المخيم، وبالقرب من أطلال الأحياء المدمرة.

ثمّة رزمة أغراض من عملية التدمير الشامل والمبرمج لمخيم اليرموك، في مقدمتها طرد من تبقوا من اللاجئين الفلسطينيين، ومنع عودة أي لاجئ فلسطيني إليه، وبالتالي تغييب شاهد مهم على النكبة، تماماً كما حصل في 1976 في مخيمي تل الزعتر وجسر الباشا غرب وسط بيروت. ومن الأهمية الإشارة إلى أنه كان يتمركز في مخيم اليرموك قبل قصف الميغ جامع عبد القادر الحسيني وسط المخيم في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2012 نحو 151 ألف لاجئ فلسطيني، وفرّت غالبية العائلات إلى العاصمة دمشق ولبنان، والمنافي، ولم يتبق الآن سوى أربعة آلاف، فرّ معظمهم إلى بلدتي يلدا وبيت سحم، ولم يتسنّ للآخرين الفرار، بسبب القصف العنيف والدمار الكبير.

ومخيم اليرموك أحد أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سورية، وقد أنشئ في 1957، على مساحة تقدر بـنحو كيلومترين مربعين، وهو من حيث تصنيف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) لا يعتبر مخيما رسميا. وقد استأجرت مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين في سورية من الدولة السورية منطقة الوسط في المخيم مدة 99 عاما. وكان اللاجئون يتوزعون في المخيم في أحياء وتجمعات وشوارع حسب قرية وبلدة المنشأ في فلسطين، كشارع صفورية، وحي طيرة حيفا وشارع صفد وعين غزال وهكذا. وسميت الشوارع بأسماء المدن والقرى الفلسطينية وكذلك أسماء بعض شهداء فلسطين والمعارك. وكان المخيم حتى نهاية عام 2012 يزدحم بالمساكن الإسمنتية والشوارع الضيقة، ويكتظ بالسكان، وهو يضم عددا كبيرا من السوريين الفقراء. وكانت ظروف المعيشة فيه أفضل بكثير من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الأخرى في سورية. وفيه أربعة مستشفيات، وجميعها خارج الخدمة منذ 2013. وتوجد مدارس ثانوية حكومية، وأكبر عدد من مدارس "أونروا" (28 مدرسة للتعليم الأساسي). واللافت أن معدلات التعليم كانت عالية في مخيم اليرموك، بدلالة انتشار عيادات الأطباء المتخصصين من أهله والمكاتب الهندسية، ومكاتب المحامين والمكتبات.

ويمكن الجزم بأن الغرض الرئيسي لعملية التدمير المبرمج لمخيم اليرموك هو إسكات صوت اللاجئين في المخيم، خصوصا وأنهم ساهموا في كل مراحل الكفاح الوطني الفلسطيني، شأن كل التجمعات الفلسطينية في الداخل الفلسطيني والشتات. والسؤال: ما هو موقف الفصائل الفلسطينية من تدمير المخيم وتشريد من تبقوا من أهله العزّل إلا من الانتماء للوطن الفلسطيني؟ ولمصلحة من تتم عملية تدمير أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين، عاصمة الشتات مخيم اليرموك؟

اقرأ المزيد
٢ مايو ٢٠١٨
كتاب وإعلاميون روس يفضحون نظام الأسد

الإعلام الروسي واقع تحت هيمنة الحكومة الروسية وتأثيرها، وما زال شغله حماية النظام السوري، وتلميع صورته، وتبرئته من المجازر والجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري. وليست فقط وسائل الإعلام، وإنما كل النخب السياسية والمستشرقين، مع استثناءات، على أن عام 2012 شهد نشر مقالات نادرة للكاتب رينات محمدوف، أضاءت على طبيعة النظام السوري وسياسته الطائفية بعنوان "آخر علوي يحكم سورية"، وعن اللوبي الأسدي في موسكو، ولكن لم تنشر مقالات معمقة تشرّح النظام سياسيا واقتصاديا وثقافيا وإعلاميا وعسكريا، فذلك خط أحمر. وقد أجرى صحافيان روسيان مقابلتين مطولتين معي قبل سنتين، أحدهما من صحيفة موسكوفسكي كومسمولتس، ولكنّ إدارتي التحرير لم تسمحا بنشرهما.

وقد نشرت أخيرا في صحف ومنابر إعلامية روسية مقالات متميزة ونوعية عن سورية، تحضر فيها مقادير طيبة من الصراحة والجرأة والموضوعية، وتصور بصدق حقيقة النظام السوري والتاريخ الأسود لعائلة الأسد. وهذا غريب، نظراً لتعارضه بشكل جوهري مع السياسة الروسية الرسمية التي ما زالت تتردد من الكرملين ووزارتي الخارجية ووزارة الدفاع، وفي أغلب وسائل الإعلام، وخصوصا القنوات التلفزيونية.

وهنا نماذج لتلك المقالات الجديدة التي نشرها باحثون وخبراء واعلاميون روس، وفتحت نافذة حقيقية على سورية، وكشفت حقيقة النظام الذي يُحكَم من عائلة الأسد والمخابرات.


مقالتان في موقع إخباري
"لينتا. رو" موقع إخباري مشهور في روسيا، ومعروف بتوجهه المعارض والمختلف عن الإعلام الرسمي. نشر، يومي 18 و24 إبريل/نيسان الجاري، مقالتين، أولاهما بعنوان "بشار الأسد يخون روسيا لصالح إيران ويقتل آلاف السوريين"، كتبهما فلاديمير كورياغين وإلكسي نعوموف. والأول مدير تحرير الموقع، وقد أبلغ صاحب هذه السطور أنه، وزميله نعوموف، أرادا قول الحقيقة عما يجري في سورية. وقد استعرضا تاريخ عائلة الأسد منذ الأسد الجد الذي طلب من الفرنسيين إقامة دولة علوية، وحماية العلويين من السنّة. وأوضح الكاتبان بالتفصيل كيف تدرّج حافظ الأسد في المراكز العسكرية من خلال حزب البعث (انتسب إليه بحماس ممثلو الأقليات)، ووصوله إلى السلطة. وكيف تحالف مع القيادي في الحزب، صلاح جديد، للانقلاب على الرئيس أمين الحافظ في 1966، ثم انقلب الأسد على جديد نفسه عام 1970 وأودع رفاقه في السجن، مددا لا تقل عن عشرين عاما، حيث ماتوا إما في السجن أو بعد خروجهم منه بفترات قصيرة. وتوضح المقالتان كيفية تحويل الدولة السورية إلى دولة طائفية بامتياز. ويذكر الكاتبان كيف تحولت القيادات العسكرية والأمنية إلى أبناء الطائفة العلوية حصراً. وأهم ما أوردته المقالتان:
أولا، تعرّف المستشارون السوفييت على الطيار الشاب حافظ الأسد عام 1956 في القاهرة، وبعدها بسنة دعوه إلى الأكاديمية العسكرية في مدينة فرونز (جمهورية قيرغيزيا).

ثانيا، ساعد السوفييت حافظ الأسد، ودعموه بشكل كبير بالأسلحة. ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، اتجه إلى الولايات المتحدة الأميركية، وشاركت قواته مع الأميركان في تحرير الكويت.

رابعا، عمل حافظ الأسد على إعداد نجله البكر باسل وريثاً له في الحكم، لكن باسل مات في حادثة سيارة 1994 في ظروف غامضة، عندها استدعى الأسد الأب نجله بشار الذي كان يختص في طب العيون في لندن، ليحل محل باسل.

وتتحدث المقالتان عن شخصية بشار الأسد الذي نشأ في العائلة منطوياً على نفسه، وكان مهملاً، لأن الأب حافظ دلل باسل واهتم به، ويروى أنه قال يوماً إن لديه ابنا هو باسل. أما الأم أنيسة مخلوف فكانت تحب ماهر. وكانت الباحثة الروسية في علم النفس الاجتماعي، يكاتيرينا إيغوروفا، قد درست شخصية بشار الأسد عام 2013 من خلال خطاباته، فوجدت أنه مريض نفسياً، ويحلم بأن يكون مثل أبيه (حاكم قوي لا يرحم). وسعى في سنوات الثورة السورية إلى أن يثبت للجميع أنه ابن أبيه. وحسب الباحثة، يعكس سلوك بشار ووحشيته ضد المدنيين تخوّفه من الشعب الذي رأى فيه وحشاً يريد قتله، ولذلك هو يبرّر استخدام وسائل البطش، لأنه يدافع عن نفسه، ويحمي نفسه من الموت.

وجاءت المقالتان على دور رفعت الأسد، شقيق حافظ الأسد وقائد سرايا الدفاع، في تدمير حماة، حيث قتل نحو أربعين ألف إنسان. وكيف أثرت تلك الحادثة الإجرامية في ذاكرة بشار، لكي يعيدها في مواجهة المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في المدن والقرى السورية. وأشار الكاتبان إلى ربيع دمشق، وكيف غدر بشار بالمعارضين، وزجّهم في السجون، وعن خطاب القسم عام 2000 الذي وعد فيه بشار الشعب السوري بالتحديث والإصلاح، وتفاءل بعضهم به، إلى درجة أنهم اعتقدوا أن مرحلة الديمقراطية والحرية ستعم سورية، ثم خاب ظن الناس. وكشفت المقالتان عن الفساد والقمع في عهدي الأسد الأب والابن، وكذلك الظروف الطبيعية القاسية التي اجتاحت سورية في السنوات 1996 - 2004، وأدت إلى الجفاف ونزوح مئات الألوف من القرية إلى المدينة، وتحوّل ملايين السوريين فقراء. وتطرقت المقالتان إلى إجبار بشار الأسد على رحيل القوات السورية من لبنان عام 2005. وتناولتا، في عرض صحيح وموضوعي، قيام الثورة السورية، وأسبابها الحقيقية، وأوردتا واقعة قتل الطفل الشهيد حمزة الخطيب في درعا، وكيف أعادته المخابرات السورية إلى أهله بعد التمثيل بجثته، ووحشية الأجهزة الأمنية والجيش النظامي ضد المدنيين، ما استدعى تأسيس الجيش السوري الحر. واعترفت المقالتان بوجود قوى مسلحة معتدلة قاومت النظام، وقوى إسلامية متطرفة ادّعت أنها تقاوم النظام، لكنها في الحقيقة كانت تعمل لأجندتها الخاصة التي لا تتفق مع أهداف الشعب السوري.


تصريحات وتقديرات
تتابعت مقالات وتصريحات روسية عن الأسد تصب في المنظور أعلاه:
صرحت الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في مقابلة مع قناة "سكاي نيوز" البريطانية في 13/4/2018: "قبل نزع السلاح الكيميائي من سورية، كان بشار الأسد الصديق الأفضل ليس لموسكو، لكن لواشنطن ولندن".. وأن "وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، كان، إبان عضويته في مجلس الشيوخ، على علاقة ودية مع الأسد الذي قضى معظم حياته في بريطانيا،.. إنه رجلكم أكثر مما هو رجلنا".

وقال رئيس تحرير صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا، كونستانتين ريمتشكوف، في 4/3/2018: "روسيا تحمي بشار الذي يستخدم السلاح الكيميائي ضد شعبه، وهي التي استخدمت هذا السلاح في بريطانيا (في إشارة إلى عملية تسميم الجاسوس الروسي، سيرغي سكريبال). ولذلك أعتقد أننا أمام لعبة دولية جيوسياسية كبيرة. يمكن لروسيا أن تسلك فيها طرقا مختلفة. يعتقد ترامب أن موسكو يمكن أن تتخلى عن إيران. ستقول إسرائيل تريد أن تصفعها وأميركا أيضا. ولكن، ماذا يمكن أن نطلب في المقابل؟ بقاء الأسد؟ هذا هو الغباء بعينه، فالأسد ليس عمنا ولا خالنا، لكي نتحمّل كل هذه العقوبات الغربية، بسبب دعم نظامه".

ويقول خبراء روس إن هناك في موسكو من يبحث بجدية عن بدائل وعن سبل للخروج من المأزق الذي وصلت إليه روسيا، المتورطة في المستنقع السوري. ويرى مستشرقون أن بشار الأسد لم يعد قادراً على لمّ شمل السوريين، وأنه جزء من المشكلة وليس من الحل. وأصبحت نخبة من الخبراء والسياسيين والعسكريين يفكرون جدياً في البحث عن مخرج، وعن بديلٍ للأسد، مع خشية بعضهم من سحب بشار الأسد من اللعبة، وانهيار المنظومة السياسية بكاملها. ويذهب باحثون إلى أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، دافع بقوة عن بشار الأسد، ليس حبا لشخصه، بل لاستخدام الورقة السورية، لكن بوتين ذهب بعيدا في دعم الأسد، إلى درجة أنه لم يعد هناك خط رجعة، وكأنه أصبح رهينةً للأسد.

يقول الباحث الروسي، نيكولاي كوجانوف، عن مستجدات الموقف الروسي: "الآن، تغيرت المعطيات، وتمت إعادة بشار إلى منصبه. ومن حينها، أخذ زمام المبادرة. في الواقع، جرّنا السوريون إلى الغوطة الشرقية على مضضٍ منا. ونحن الآن في طريق مسدود".

ويكتب الباحث العسكري الروسي، كيريل سيميونوف، مقالتين، "من يحكم سورية؟" و"الجيش السوري تحول مليشيات". ويفصل بالتعريف بكل فرد في عائلة الأسد وأقربائهم وأهم الشخصيات العسكرية والأمنية والسياسية الموالية والمحيطة بهم. ويعرض بموضوعية وصدق الوضع في سورية، ومن ذلك أن عائلة الأسد هي التي تحكم سورية، وتساعدها في ذلك شريحة من الضباط العلويين، وأنه ما دامت هناك سلطة إدارية لدى عائلة الأسد، لا يمكن إجراء إصلاحات حقيقية في سورية. ويكتب سيميونوف: زال الآن الخطر الأساسي عن النظام، بفضل تدخّل روسيا وإيران، فلولاه لسقط النظام بيد المعارضة. ويتابع: عندما نقول إن النظام كسب الحرب يجب أن ندرك أنه لم يكسب السلام. فكل المشكلات التي أدت إلى الحالة الثورية في سورية تعمقت أكثر خلال الحرب، أي أن أسباب الثورة ما زالت قائمة، بل تعمقت أكثر نتيجة التدمير والتهجير القسري والتهجير إلى خارج سورية، ونتيجة تفتيت المجتمع. ويلاحظ الخبير أن مستوى الفساد ارتفع بدرجات غير مسبوقة، وأن الأموال تجمعت في أيدي فئةٍ محدودة، خصوصا من الشبيحة. ويستنتج الكاتب: إن لم تجر إصلاحات عميقة تمسّ أسس النظام السياسي، ستكون الظروف متاحة لمزيد من التصعيد والتوتر. ولذلك، من الأفضل تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 وتشكيل هيئة حكم انتقالية. ويرى أن من الأفضل تحويل البلاد إلى نظام برلماني لتقييد سلطة الرئيس. ويجب إشراك المعارضة السياسية والمسلحة في عملية التغيير، وإلا من الصعب المضي نحو الأمام في سورية. وكانت مقالة سابقة للخبير سيميونوف تناولت الوضع الذي آل إليه الجيش السوري النظامي، واستنتجت أنه تحول إلى مليشيات.


خاتمة
بالاطلاع على محتويات المقالات المذكورة، الشاملة والموسعة والمعمقة، أرى أنها لم تنشر مصادفة، بل هناك ضوء أخضر من جهات روسية للكتابة في هذه المواضيع الحساسة التي تفضح النظام الأسدي الذي حظي وما زال برعاية ودعم منقطعي النظير من القيادة الروسية.
وأذكر هنا حديثاً مع خبير روسي في بدايات الثورة، قال لي: لو أن المعارضة تعاونت معروسيا فإن الأخيرة ستلبي مطالبها، فقلت له كيف ذلك والخطاب الرسمي الروسي متعصب لنظام الأسد، إلى درجة يمكن وصفه بأنه ملكي أكثر من الملك. رد علي: لا تأبه للتصريحات، فعند حدوث تغيير في المواقف سيتغير الخطاب في أربع وعشرين ساعة. هكذا هي السياسة... لكن الخطاب والمواقف الروسيان ما زالا منحازين لنظام الأسد الذي فقد كل سلطته وقراره السياسي.

وقد حدثت متغيرات مهمة أخيرا بدأت في قصف قاعدة حميميم الروسية في سورية من طائرات بلا طيار، وقتل الأميركيين مئات الجنود الروس في دير الزور، مرتزقة من شركة أمنية خاصة (فاغنر) يملكها مقرب جداً من الرئيس بوتين، ويملك شركة نفطية كانت تعمل في سورية قبل الثورة وما زالت.

يضاف إلى تلك المتغيرات استخدام النظام وإيران السلاح الكيميائي في مدينة دوما، والتي دفعت أميركا وبريطانيا وفرنسا إلى توجيه ضرباتٍ على مواقع عسكرية للنظام، وكذلك قيام إسرائيل بعدد من الغارات على مواقع فيها تجمع للقوات الإيرانية، وذلك كله يربك الروس. وجاءت العقوبات الغربية الهائلة على الشركات النفطية والعسكرية الروسية، وعلى أغلب رجال الأعمال الروس المقربين من الرئيس بوتين، وكذلك كل وزراء روسيا، والتي تسببت في خساراتٍ تقدر بعشرات مليارات الدولارات. وهناك تدهور سعر العملة الروسية (الروبل) وانعكاس ذلك على الأسعار وغلاء المعيشة.

وتظهر في هذه الأيام مبادرات وعروض مختلفة على القيادة الروسية لإنقاذ ماء الوجه، وإنهاء حالة الحرب في سورية، يتلخص جوهرها في ضرورة تعديل روسيا موقفها في سورية، لكي تضمن مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية والعسكرية، فإعادة الإعمار التي تقلق الروس لا يمكن تأمين تمويل لها إلا إذا جرى حل سياسي. وروسيا أمام تحدٍّ كبير، فهي تريد أن تحقق أرباحاً، وتعوّض الخسائر التي لحقت بها نتيجة التدخل العسكري في سورية، وتريد جني ثمار ذلك التدخل، بعد أن أعلن الرئيس بوتين، في قاعدة حميميم نهاية العام الماضي، أنه تم القضاء على الإرهاب، وأن الظروف أصبحت مهيأة للبدء بعملية سياسية.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان