نظام طهران في دائرة النار
عندما بدأت موجة كتابات في الصحافة الغربية والعربية عن احتمالات مواجهة عسكرية إسرائيلية - إيرانية في سوريا، في أعقاب سقوط طائرتين لهما في سوريا، في أبريل (نيسان) الماضي، أكدت بعض الكتابات أن فكرة حرب إسرائيل وإيران مجرد تكهُّن لا معنى له، وأن روسيا، حليف الطرفين وصديقتهما، ستسعى إلى تبريد الاحتدام الإسرائيلي - الإيراني، مما سيمنع اندلاع الحرب بينهما، رغم التهديدات المتبادلة التي يطلقها كبار المسؤولين الإيرانيين والإسرائيليين.
لكن التطورات التالية باتت تؤشر إلى حتمية حرب إسرائيلية - إيرانية، وتؤشر إلى تقديرات حرب تتجاوز مسرح الاحتدام المباشر في منطقة التماس السوري وصولاً إلى لبنان الذي هو مسرح آخر للتماس، وقد يصير مسرحها أراضي الطرفين، بمعنى تحولها إلى حرب إقليمية بعد أن كانت احتمالاتها محصورة في سوريا، وغالباً في منطقة الجنوب السوري قرب مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، التي صار الإيرانيون وحلفاؤهم من ميليشيات «حزب الله» قربها.
إن الأبرز في التطورات المحيطة باحتمالات الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، يمكن إجماله في ثلاث نقاط. أولى النقاط تصعيد إسرائيلي ضد إيران في سوريا، كان الأهم في فصوله الهجوم على قاعدة تيفور الجوية، وقتل وإصابة عشرات العسكريين الإيرانيين هناك، الأمر الذي يمثل تحدياً مباشراً للقوة الإيرانية لا يمكن تجاهله، مما جعل إيران تردّ بطريقة نظام الأسد، في اختيار زمان الرد ومكانه على العملية الإسرائيلية، وهو ردّ شجع الكنيست الإسرائيلي على اتخاذ قرار فوض بموجبه نتنياهو ووزير دفاعه بالدخول في حرب دون الرجوع إلى مجلس الوزراء المصغَّر، على نحو ما درجت العادة، وسط تصعيد إسرائيلي سياسي وأمني كبيرين ضد إيران، عندما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو عن عملية استخباراتية إسرائيلية، اخترقت خزائن الأسرار النووية في إيران، وحصلت على وثائق تكشف الكذب في ملف إيران النووي بما يناقض اتفاق «5 + 1» الخاص بالملف النووي الإيراني.
خلاصة التصعيد الإسرائيلي الحالي ضد إيران تجاوزت فكرة الاعتراض على وجود إيران وميليشياتها وأسلحتها واقترابها من خط وقف إطلاق النار السوري - الإسرائيلي إلى ضرب قواتها في العمق السوري، واستعداء أطراف الاتفاق النووي مع إيران على الأخيرة، وهو تطور غير مسبوق، يدفع إيران إلى رد مباشر تبدو غير راغبة فيه في سوريا، لكنها لا تستطيع تجاهله.
النقطة الثانية في التطورات المحيطة باحتمالات الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، يمثلها الموقف الأميركي من الاتفاق النووي، وقد بات أمر إلغائه من جانب إدارة ترمب مسألة وقت ليس إلا، بل إن الإدارة الأميركية تؤشِّر إلى احتمال الذهاب إلى الأبعد في الموضوع الإيراني لحد السكوت المتضمن الموافقة على التصعيد الإسرائيلي العسكري ضد إيران وأدواتها في سوريا، وهو ما يمكن قراءته باعتباره مؤشراً لموافقة أميركية على سياسة حرب إسرائيلية، واستعداداً لمساعدة إسرائيل في حربها المحتملة ضد إيران، وسط أجواء التصعيد الأميركي ضد الأخيرة وأدواتها، خصوصاً «حزب الله» اللبناني.
النقطة الثالثة مما يحيط باحتمالات الحرب على إيران، تتصل بأجواء التصعيد الإقليمي العربي ضد إيران، والخطوات في هذا الجانب تتجاوز التصعيد الإعلامي والسياسي الجاري لدى عدد كبير من البلدان العربية، خصوصاً في الخليج، ضد سياسة إيران في المنطقة من اليمن إلى سوريا والعراق ولبنان وصولاً إلى المغرب. ففي لبنان، تتواصل مواجهة «حزب الله» وحلفائه، في ظل الانتخابات النيابية، على غرار ما يحصل في العراق، فيما تتواصل فصول أزمة عميقة بين المغرب وإيران على خلفية دعم «حزب الله» اللبناني بمشاركة إيرانية لجبهة «بوليساريو»، التي يصنفها المغرب حركة انفصالية مسلحة.
وتمثل النقاط الثلاث مؤشراً لبيئة مواجهة معادية لإيران في المستويين الإقليمي والدولي. بل إن هذه البيئة مرشحة للتصاعد في ظل استمرار سياسات طهران في مسارها الراهن، الذي من غير المتوقع إحداث أي تبدلات فيه يمكن أن تضر باستراتيجية التمدد والقوة الإيرانية القائمة على التدخل (بما فيه المسلح) في البلدان الأخرى، والمضي قدماً في مشروعها النووي، بل إن دولاً تقيم شراكة مع إيران على نحو ما هو عليه حال تركيا وروسيا في موقفهما بسوريا، قد تغادر تلك الشراكة في حال دخول إيران بوابة حرب بين أهدافها الوجود الإيراني في سوريا.
لقد وضع نظام الملالي نفسه في دائرة النار، وصار من الصعب أن يخرج منها سليماً، بل إنه لن يستطيع الخروج بأقل الخسائر.