حرب مصغّرة خاضتها الدولة التركيّة، قبل أيّام ثلاثة، داخل الأراضي السوريّة. أمّا الهدف المعلن فنقل ضريح سليمان شاه، جدّ مؤسّس الدولة العثمانيّة عثمان بن أرطغرل، من موقعه إلى تركيّا، ومنها إلى بقعة أخرى في سوريّة تكون أشدّ قابليّة للحماية.
المعارضة التركيّة لأردوغان لم تقلّ عنه حماسة لهذه العمليّة «الثقافيّة»، المدجّجة بالجنود والدبّابات. وهي حين انتقدته عليها انتقدت ما انطوت عليه العمليّة من «تأخّر» ومن «تفريط». فسليمان شاه وعثمان بن أرطغرل إذا كانا رمزين لدولة بني عثمان المسلمين، في عرف الإسلاميّين، فإنّهما رمزان لدولة بني عثمان الأتراك، في عرف القوميّين.
في الحالات كافّة فإنّ مقارنة الحسم هنا بالتردّد حيال حرب كوباني بين «داعش» والأكراد، وما تأدّى عن ذاك التردّد من اتّهامات لأنقرة بالتواطوء، تجيز القول بأنّ الأتراك اختاروا مدخلاً «ثقافيّاً» لدورهم الكبير والمعلن خارج أراضيهم، وأنّهم غلّبوا الاعتبار هذا على كلّ اعتبار آخر، كما وجدوا فيه العنصر الأكثر قابليّة للمماهاة مع الوطنيّة التركيّة.
وليس قليل الدلالة أنّ السياسيّ الذي أعلن عن العمليّة العسكريّة الأخيرة لم يكن إلاّ أحمد داوود أوغلو، رئيس الحكومة الحاليّ، الذي سبق له هو نفسه أن أطلق، بوصفه وزير الخارجيّة يومذاك، دعوات التعاون والتكامل مع المحيط بحجج تغلب عليها حجّة المصالح الاقتصاديّة الجامعة.
بلغة أخرى، فإنّ حكّام تركيّا اختاروا، في تمثيلهم لمحصّلة الوعي الوطنيّ التركيّ، أن يكرّروا الوجهة التي حكمت مسار القوى العالمثالثيّة من قوميّة ويساريّة وشعبويّة على عمومها، أي الانتقال من التركيز على الاقتصاديّ (تنمية، استقلال اقتصاديّ، انفصال عن السوق الرأسماليّة إلخ...) إلى التركيز على الثقافيّ (دين، أصالة، كرامة، رموز إلخ...)، أي بكلمة موجزة: على الهويّة.
والحال أنّ الحكم التركيّ – وهو إيديولوجيّ وإسلاميّ تعريفاً – ليس قليل التأهيل لإدارة عمليّة انتقال كهذه. فقد سبقت حرب الضريح في الشمال السوريّ إشارات كثيرة من هذا القبيل الهويّاتيّ، بما فيها استعراض أردوغان الأزياء العسكريّة لأطوار السلطنة العثمانيّة.
فإذا أضفنا قوّة النازع الإيديولوجيّ والهويّاتيّ لدى نظام شرق أوسطيّ منافس لتركيّا، هو النظام الإيرانيّ، أمكننا الإطلال على وجه آخر من وجوه المأساة الضاربة. ذاك أنّ ما كنّا نراه سمة من سمات الجماعات الأهليّة حصراً بتنا نراه واضحاً، بل فاقعاً، في الدول وسياساتها. ولئن وعدتنا ثورات «الربيع العربيّ» في مستهلّها بالانتقال من الترميز الكاذب للأنظمة، بما فيه من إحلال الزيف اللاعقلانيّ محلّ الحاجات الفعليّة في التنمية والتعليم وسواهما، فإنّ النهايات التي آلت إليها تلك الثورات لا «تعد» إلاّ بمزيد من الغرق في هذا المستنقع الهويّاتيّ القاتل.
وحتّى إشعار آخر قد يجوز القول إنّ الفارق الوحيد بين النموذج الإيرانيّ – التركيّ (على تفاوت طرفيه) والنموذج العربيّ الصاعد أنّ الأوّل لا يزال قادراً على التعايش مع جهاز دولة قويّ، فيما الثاني متحلّل من كلّ دولة. وهو فارق يُعتدّ به طبعاً في قياسات القوّة، إلاّ أنّه قد لا يصلح للإعتداد من زاوية الشياطين التي تنمو تحت أرض الشرق الأوسط برمّته.
الشعب السوري قام بثورة سلمية مدنية دامت لأشهر كانت كافية لاسقاط 10 انظمة متأصلة في الإستبداد.
لكن هذا ليس من مصلحة انظمة المنطقة ولا يصب في مصالح الدول الاقليمية و لا مع مصالح دول العالم . وعلى الأخص الجارة المدللة التي استقرت حدودها طيلة حكم ما يسمى بنظام ” المقاومة والممانعة ” . والدليل ان قطار الثورات العربية توقف في سوريا ولم ينطلق الى بلد عربي اخر , نعم هذا ما خطط له .
تعمدوا واجتهدوا لجعل الشعب السوري عبرة وامثولة لشعوبهم . في حال فكروا بإشعال ثورة . قد يقول البعض لكن هناك من يدعمنا فعليا,
لا ياسادة انهم يدعمون مصالحهم فقط .
لقد وقف العرب و العالم يراقب قتل المتظاهرين السلميين بدم بارد , انشقاقات كبيرة حدثت في جيش النظام . الأمر الذي تترتب عليه استحقاقات سياسية واخلاقية. ما العمل هنا ؟ قدمت الوعود للمنشقين و للثوار وقيل لهم حرروا مدينة لتكون منطلق لمنطقة حظر جوي على غرار مدينة بنغازي بليبيا وسنقدم لكم الدعم المطلوب .
الثوار قاموا بما يلزم وقدموا التضحيات الكبيرة وتبنوا فكر الاعتدال و شعارات الثورة المدنية طبعا هذا احرج الجميع ووضعهم امام استحقاقات اخلاقية وسياسة كبيرة مرة ثانية , مالعمل الثورة السورية احرجتنا .!!! اذا لنخلط الاوراق بين تطرف واقليات ولنستعن بالمال السياسي , استبعاد الفكر المعتدل كان ضرورة لاستكمال المشهد المطلوب لاحقا , فالضباط الذين انشقوا عن النظام عددهم ليس بقليل وفي حال تم تنظيمهم سيشكلون نواة حقيقية وفاعلة لجيش وطني سوري سيلتف حوله الجميع, تعمد العالم اهمالهم لثلاث سنوات واستبعدهم من المشهد العسكري و تم منعهم من تنظيم انفسهم ووضعوا تحت الاقامة الجبرية وراء الحدود ولاننسى هنا عملية اعتقال المقدم حسين الهرموش الغامضة ولاحقا المحاولات المتكررة لاغتيال العقيد رياض الاسعد وعمليات كثيرة تبعتها قيدت ضد مجهول .
بدأ العمل على المرحلة الثانية وذلك بالسماح للجماعات المتشددة والمتطرفة وبمعرفة النظام واشرافه لتسهيل الدخول الى سوريا لتنظيم انفسهم واعطاء تلك الجماعات مساحة اعلامية واسعة لدعم رواية النظام ولرفع الحرج عن مايسمى ” الداعمون ” للثورة تحت ذريعة التخوف من وصول السلاح ليد المتطرفين .
الدليل واضح على ماسبق ذكره فمعظم المناطق استهدفتها طائرات وصواريخ النظام إلا مقرات تلك الجماعات لماذا ؟!
على الجانب الاخر تدخل المال السياسي من عدة جهات وجندت الكتائب لمقاتلة النظام و اشتُرط عليهم ان يتبنوا شعارات بعينها لا تنسجم مع مصلحة الثورة بل تخدم توجه وافكار تلك الجهات فالثورة السورية واهدافها لاتعنيهم بشيء, هنا وضع المقاتلون بين خيارات صعبة اما الاستسلام للنظام او الاستمرار بالقتال فالجميع خذلهم لقد قاتلوا على امل ان تتغير الظروف لاحقا فهم سوريون بالنهاية وبلدهم هي الاساس , ايضا هنا تقاطعت تلك التوجهات مع مصلحة النظام سياسيا واعلاميا .
تعددت الولاءات وبدأ اقتصاد الحرب يبرز وفسدت النفوس واختلط الامر على الجميع .
استبعدت التنسيقيات وغابت عن المشهد الثوري واستبعد اصحاب التوجه المدني وتم دعم اصحاب التوجه الاكثر تشددا. ارهقت الناس وازداد تدفق اللاجئين وراح العالم يركز على ضرورة تقديم المساعدات الانسانية وفتح ممرات انسانية يتلاعب فيها الفيتو الروسي وبمماطلة غربية ورغبة غير جادة بالحسم و تعمدوا سياسة تهميش معالجة الاسباب الرئيسية المتمثلة بنظام الاسد الذي استباح كل المحرمات وفتح البلاد لكل التدخلات الاقليمية والدولية ,
تحولت نغمة الغرب من الاسد فقد شرعيته وايامه باتت معدودة الى ضرورة التفاوض مع النظام والخروج بحل سلمي !!! حل سلمي مع نظام دمر البلاد طولا وعرضا مستخدما كل صنوف الاسلحة الثقيلة لم يكن اخرها الكيماوي .!
اجتهدوا وعملوا على تحويل الثورة عبر اعلامهم من ثورة مدنية ومطالب مشروعة للشعب السوري الى صراع مسلح على السلطة و وصف المشهد ” بالحرب الاهلية “.
ايران وحزب الله والمليشيات العراقية لم يكن ليتجرأوا على التدخل المباشر في سوريا لولا مباركة العالم واعطائهم الضوء الاخضر ,
كل من وقفوا وراء ذلك كان هدفهم اخماد الثورة السورية بشكل او بأخر والحفاظ على النظام مع مزيد من الدمار لسوريا وايصال الناس الى نقطة
” لاقولنا حل بدنا نخلص ”
وليعطوا باقي الشعوب العربية درسا قاسيا ان فكرت بثورة حرية وكرامة ….
و الاكثر غرابة ودهشة انهم يرددون سنقدم الدعم
” للجيش المعتدل ” !!! لم يحصل ذلك بعد ثلاث سنوات ونصف من عمر ثورة الشعب السوري التي عبث بها الجميع
نعم انها الثورة الكاشفة . ولكن النصر دائما هو حليف الشعوب .
قد يتسائل البعض ماهدف تلك الدول من كل ذلك .؟
طبعا هناك عدة اهداف بالاضافة الى ماجاء ضمن المقال.
هناك طرف يرغب بتدمير سوريا واضعاف قدراتها العسكرية .
وطرف يعمل على استنزاف ايران وحزب الله عسكريا و اقتصاديا من خلال الحرب في سوريا .
وطرف يضغط على دول الخليج من خلال غض الطرف عن ايران وتدخلها في سوريا للمساومة على الملف النووي ولتحقيق مكاسب اقتصادية اكبر .
وطرف يعمل على حشد المتطرفين في سوريا للقضاء على قدراتهم بعيدا عن بلاده .
واطرف متناحرة تشد الحبال لتحقيق مكاسب سلطوية على حساب عرقلة الحل في سوريا وتريد تفصيل نظام حكم وفقا لما يتناسب مع مصالحهم الاقليمية والدولية وللحفاظ على كرسي السلطة في بلدانهم .
ونظام الاسد تحول الى عميل لكل هؤلاء ضد الشعب السوري ظنا منه انه سيبقى في السلطة وسط هذا المشهد الدموي الذي بدأ به . والشعب السوري يحارب الجميع ويبحث عن الحرية وسينتصر بعد ان ينجلي غبار المعارك بين المتصارعين على السلطة
قد يكون ما سأكتبه في السطور الآتية محض "تنظير" غير مفيد في رأي البعض، لكن آخرين قد يرون فيه دافعاً للقيام بما أسماه الفيلسوف المغربي البارز، محمد عابد الجابري، "إرادة المستقبل"، فيتعلمون من التاريخ ما يُعينهم على خلق أفضل خاتمة ممكنة لصالحهم. والأهم أن يتعلموا بأن مسار التاريخ لا ينعكس، وأن مسايرته قد تكون أفضل بكثير من العِناد معه.
للتاريخ كلمته، فكما أن الشدائد التي لا تقضي على الفرد، تؤدي إلى صقله وتقويته، كذلك تفعل الشدائد مع الأمم والشعوب، مع جرعة ألم مُضاعفة، و"غربلة" للعناصر غير المناسبة للنهوض مستقبلاً، والأهم، تجربة مريرة، تجعل المستقبل أكثر سُطوعاً من الماضي، في غالب الأحيان. استخدم الروائي الأمريكي البارز، دان براون، تعبير "إنفيرنو – الجحيم" في استعارة من ملحمة دانتي الشهيرة في "الكوميديا الإلهية"، لإيصال فكرة جدلية للعالم، مفادها ضرورة "غربلة" البشرية قبل فوات الأوان.
"إنفيرنو" دان براون، استعارة عميقة المغزى من دانتي، مفادها أن "إنفيرنو – الجحيم" هو الطريق الإجباري للوصول إلى "الجنة"، وفي رواية دان براون، تخفيض عدد السكان عبر إجراء كارثي غير أخلاقي بالمعايير السائدة لدينا اليوم، قد يكون الطريق الإجباري للنهوض بالبشرية وتجنيبها مصيراً قاتماً مع التزايد السكاني المستمر.
في حالات الشعوب والأمم، يذكر التاريخ أن لكل منها "إنفيرنو – جحيم" خاص بها. ومع وجود استثناءات نادرة تؤكد القاعدة التاريخية ولا تنفيها، يبدو أن نهوض معظم الشعوب يُسبق بشدائد ومحن، قد تكون على هيئة كوارث طبيعية، كالطاعون الذي أتى على ثلث سكان أوروبا قبيل عصر النهضة، لكنه أدى لاحقاً إلى حراك اقتصادي وعلمي واجتماعي فريد ساهم في نهوض "القارة العجوز" يومها. وفي معظم الأحيان، يكون "جحيم" الشعوب على هيئة حروب مدمرة، تأخذ، في الأغلب، هيئة الحروب والصراعات الأهلية.
وفي استرداد تاريخي لتجارب عديدة، لا يمكن إحصاؤها هنا، عشرات الحروب الأهلية التي أعقبها نهوض أمم وشعوب كان الظن قد غلب، لفترة طويلة، أنها باتت في غياهب التاريخ. وكما أنها متلازمة، شبه ثابتة، أن يعقب الكثير من الثورات حروب أهلية، فإنها متلازمة، شبه ثابتة، أن يعقب معظم الحروب الأهلية نهوض اجتماعي واقتصادي فريد.
الثورات في معظم الأحيان تؤدي إلى صراعات أهلية، فالثائرون يمسون مصالح شريحة من المجتمع، لا بد أنها ستدافع عن مصالحها المتمثلة في تسلطها على بقية شرائح المجتمع، بكل الوسائل الممكنة، ومن ثم ستندلع حرب أهلية، يكثر فيها سفك الدم، في مشهد يُظهر الفوضى للعيان، لكنه يضمن في غياهبه "غربلة" حتمية للمجتمع وللقيم في الوقت نفسه، فتكون الخاتمة كحال الآية القرآنية التي تتحدث عن السيل، وتشبه الباطل بالزبد، والحق بالماء، فتشير إلى أن الزبد الذي يعم في البداية، سرعان ما يختفي، فيما يبقى الماء الذي تمتصه الأرض بصورة تنفع الناس.
اليوم، تشهد سوريا تكراراً لتلك الحتمية التاريخية، ثورة فحرب أهلية، تعمها الفوضى ظاهراً، لكن سياقها "غربلة" للمتطرفين من كل الأطراف، وللقيم غير الصالحة، ولأولئك الذين ساقهم العِناد عكس مسار التاريخ الحتمي. المدقق في المشهد بسوريا يرى أنه خراب، ويعتقد أن هذا البلد لن تقوم له قائمة بعد اليوم، لكن التاريخ ينفي ذلك، في معظم الحالات، ولا يعني ما سبق أنه لا توجد استثناءات، لكنها استثناءات من الندرة بحيث تؤكد القاعدة التي تقول بأن الشدائد تصقل تجارب الشعوب فتنقلها بصورة نوعية نحو الأمام، نقلةً ربما ما كانت لتحدث لولا حالة "الغربلة" البشرية والقيمية التي عاشها أفرادها.اليوم تشكل سوريا مغناطيساً للمتطرفين، وساحة لتصفيتهم، من كل الأطراف، وتعم لعنتها الجوار، وتكاد تصل إلى كل من ساهم في إطالة أمد أزمتها من اللاعبين الإقليميين والدوليين. فها هي إيران تُستنزف في الساحة السورية، وبفعل الأخيرة، يمتد نزيفها إلى الساحة العراقية، ولأنها تظن أنها تُحسن عملاً، مدّت نزيفها إلى اليمن. فيما يُستنزف حزب الله في الساحة السورية، والمتطرفون من الطرف الآخر كذلك، كل من تسلق على ظهر الإسلام على أمل السطوة والحكم، ينتكس اليوم، ويُكشف عن عُقم رؤاه.
أما نظام الأسد، ومناصروه، والشرائح المحسوبة عليه، تلك التي اصطفت وراءه من اللحظات الأولى حفاظاً على مكاسب سطوتها على شركائها في الوطن، أكبر المستنزفين. في الوقت الذي تعم لعنة سوريا لتنال من أمن كل اللاعبين الإقليميين والدوليين عبر تفريخ المتطرفين في كل مكان.
ومهما طالت السنوات، ففي نهاية المطاف سينهار المتطرفون والمكابرون من كل الأطراف تحت وطأة الاستنزاف، وستبحث القوى الإقليمية والدولية عن حلول تُنهي حالة الفوضى العارمة التي ترتد إلى القوى ذاتها التي ساهمت بتحقيقها أو إطالة أمدها. وفي نهاية المطاف، ستنتهي قعقعة السلاح، وسينتحي هواته جانباً مضطرين، لصالح القادرين على القيام بزمام الأمور في لحظة إعادة الإعمار، ليس على الصعيد الاقتصادي فقط، بل على الصعيد السياسي والوطني أيضاً.
وسيرجع الكثيرون من السوريين إلى بلدهم بتجاربهم التي اكتسبوها من شعوب وبلدان أخرى خلال فترات اللجوء المريرة، وبعضهم سيعود مع سيولة مالية حصّلها خلال عمله الدؤوب حيث كان، بعد أن حثه اللجوء والمأساة على الإبداع...أولئك العائدون، مع الصامدين في بلدهم على ضفتي "التطرف"، سيُعيدون إعمار هذا البلد، ليكون كغيره من التجارب التاريخية التي تسردها الكتب، عن أمم وشعوب نهضت من تحت رُكام ورماد الحرب، لتصنع تجارب أدهشت المُراقبين وحيرت عقولهم لعقود
بكثافة نيرانية غير مسبوقة، وبرمي جميع أوراقها في الميدان، حاولت إيران تغيير المعادلات في المنطقة، وإنضاج السياقات قبل أوانها؛ لكن من الواضح أن تقديرات طهران غلب عليها النزق والتسرع، وتبين أنها وقعت ضحية معلومات مضللة دسها مرتزقتها في طبق من دسم لصانع القرارات!
من حوران إلى حلب، تم التحضير لهجوم من شأنه تغيير المعطيات في المنطقة نهائيا، تسلّلت إيران وأذرعها تحت ضباب حزمة من المتغيرات التي توقعت أنها ستشكل غطاء لتحركاتها، مثل مفاوضات الملف النووي وانشغال العالم بالمسلسل الدرامي الداعشي وتداعياته المرعبة، لإعلان ساعة الصفر التي جرى التحضير لها بعناية، أما الأهداف النهائية فهي إستكمال إحكام الكماشة على المنطقة من باب المندب حتى المتوسط وإعلان طهران الحاكم الفعلي على المنطقة بقوة السلاح ومن خلال فرض أدواتها كأمر واقع، ثم الطلب من العالم أن يتفاوض على ما بعد الجولان وحلب.
هذا على مستوى المعطيات، أما السياقات التي أرادت طهران إنضاجها، فهي إعتراف العالم بشرعية هيمنتها وتعجيل هذا الإعتراف، ذلك أنه وحسب تقديرات مطبخ القرار الإيراني فقد تم رصد مؤشرات عديدة صادرة من أكثر من عاصمة غربية عن وجود تبدّل في المقاربة تجاه الأزمة في المنطقة، وفي القلب منها الحدث السوري، لذا فإن إيران من خلال فرشها لسطوتها في المنطقة إعتقدت أنها تعمل على تسريع التحولات وتظهيرها بمدى زمني أقل حتى لا تأخذ هذه الاستدارة زمنا طويلا في الوقت الذي باتت إيران تستعجل ثمار استثماراتها طوال السنوات السابقة.
لم تكن الحصائل المترتبة عن الهجوم الإيراني بحجم التوقعات التي تم بناؤها، بل تبين أن المشروع الإيراني المتوسع بات ينطوي على أعطاب كثيرة، إن على مستوى مراكز دعم القرار فيه، حيث تبين أنها مجرد أبواق إعلامية مسترزقة لا تملك الخبرة الكافية في التقدير، أو على المستوى العملاني حيث ظهر الخلل فاضحا سواء على مستوى بناء الإستراتجيات وتحديد الأهداف وتطبيقها على أرض الواقع، وقد ظهر أنّ التكتيكات التي يقوم بها قاسم سليماني لا تصلح في التطبيق العملاني للحروب بقدر ما هي صالحة لعمليات أمنية من قبيل الإغتيالات أو الإجهاز على مناطق مدنية، لذا فإن النجاح الواضح الأكيد في الغزوة الإيرانية الاخيرة تمثل بذبح عشرون مدنيا بالسكاكين في ريف حلب الشمالي وسرقة بعض البيوت قبل وصول كتائب الجيش الحر.
غير أن العطب الأكبر الذي جرى إكتشافه في هذه الواقعة تمثل بوضح في إهتراء قوة أدوات إيران من ميليشيات لبنانية وعراقية وأفغانية، وقد كشفت معارك حوران وحلب، أنه برغم التغطية النارية والجوية، التي لو توفر جزء منها للجيش الحر لكان قد أنهى الأزمة السورية منذ أشهرها الاولى، ورغم ذلك ظهر بوضوح ثقل خطوات عناصر تلك الميليشيات( الإيرانية) وضعف أداءها وترهلها، بعد أن باتت وعاء للعاطلين عن العمل والمسترزقين والباحثين عن الغنائم السهلة، كثرة جثثهم وإنهيارهم السريع كشفت عن الوهن الكبير الذي باتت عليه منظومة إيران القتالية، لم تنفع كثيرا صورة قاسم سليماني في جرف الصخر ولم تسبقه إلى حوران وحلب ذلك أن ثوار سورية كانوا يعرفون أن خلف تلك الصورة كانت الطائرات الأمريكية قد مهدّت طويلا وبأطنان من القذائف ليأتي إسطورة إيران لأخذ صورة في أرض فارغة.
لكن العملية كشفت عن ما هو أهم بكثير بالنسبة للسوريين، فقد ظهر أن البنية الثورية أقوى بكثير مما إعتقد الكثيرون، فهي الى جانب رسوخها في الارض، تملك قدرات عملانية مهمة تستطيع من خلالها عكس أي هجوم وردّه، في حوران وحلب أثبت الثوار صلابة في صد الزخم الكبير وفائض النيران الذي حاولت إيران إغراقهم به؛ وبالتالي فإن هذا الأمر كان كافيا لإحباط الأمال الإيرانية المستقبلية في إمكانية تحقيق السيطرة الكاملة على سورية... فإذا كانت بكل الإمكانيات التي رصدتها والموارد التي هيأتها، وهي غير ممكنة دائما، لم تستطيع انجاز تقدم حقيقي، فإن من الأفضل لها البحث عن مخارج مختلفة للخروج من الورطة السورية، من ناحية ثانية كشفت الإستجابة التي أبداها السوريين للتحدي الإيراني عن ظهور مقاومة شعبية رفيدة للأطر الثورية في ريف حلب الشمالي ودرعا، ما يعني أن الثورة لازالت تحتفظ ببيئتها الحاضنة رغم كل ما مرّ بها من كوارث وما عانته من صعوبات، بل أن هذه البيئة إنتقلت بإدراكها إلى خانة حرب التحرير من المحتل الإيراني وتابعه الأسد، وهو عكس ما راهن عليه حلف إيران من أن الضغط والحصار المتواصل، من شأنه تدمير البيئة الحاضنة للثورة، وجعلها تقبل أي حل.
حرب إيران إنتهت، قد يبقى منها بعض الإرتدادات هنا وهناك، على نمط ضربات غادرة، لكن بشكلها هذا لن تحدث تغييرات إستراتيجية كبيرة، كل ما يمكن أن تصنعه زيادة في الإستنزاف لنفسها والألم لبيئتها، عبر مزيد من الضحايا العائدة إلى ضاحية بيروت وضواحي طهران، كأس من السم بات جاهزا كي تتجرعه إيران كعادتها في نهاية مغامراتها الفاشلة.
حين دخل البيت الأبيض كان يحلم بأيام اخرى. كان يأمل بإعادة الجنود الأميركيين وطي صفحة الحروب التي أطلقها جورج بوش واستنزفت الكثير من الدم والبلايين. ولعل باراك اوباما كان يتمنى أن يكتفي بقتل أسامة بن لادن ومطاردة أنصاره بطائرات من دون طيار. حروب بوش أقنعته بأن مهمة تغيير العالم أكبر من قدرات أميركا منفردة، وبأنه ليس من مسؤولية بلاده اقتلاع هذا الديكتاتور أو ذاك بواسطة جيشها، خصوصاً بعدما تبدى أن زراعة الديموقراطية باستخدام الدبابات ليست محمودة العواقب.
وخلافاً لما تمناه، يسبح أوباما اليوم في عالم أشد خطورة لا يملك رؤية واضحة لاحتواء مفاجآته وانهياراته. سياسته تشبه محاولة التكيُّف مع آثار الزلازل ومطلقيها أكثر مما تشبه ضبط الاتجاهات ومحاولة التحكم بمسار الأحداث. فجأة وجد نفسه كَمَنْ يلعب بالقنابل، وها هو يواجه امتحانات متلاحقة في ثلاثة انقلابات كبيرة ومكلفة.
الانقلاب الأول يقوده رجل اسمه فلاديمير بوتين، كان يفترض أن يكون شريكه ومنافسه تحت سقف العالم الذي ولد غداة اندحار الاتحاد السوفياتي وانتحاره. أخفى بوتين طويلاً مراراته وأظافره بانتظار اللحظة المناسبة. ما زال يعتبر الولايات المتحدة عدواً وخطراً داهماً، بسياساتها وإمكاناتها ونموذجها.
من وجدوا صعوبة في فهم التشدد الروسي في الملف السوري يستطيعون الآن العثور على التفسير. في الملف السوري أراد بوتين أن يثبت أن مرحلة القوة العظمى الوحيدة المطلقة الصلاحيات قد انتهت. وأن روسيا لن تسمح لأميركا بالتدثُّر بعباءة مجلس الأمن لاقتلاع نظام هنا أو هناك. قدَّم على الأرض السورية دليلاً على محدودية القوة الأميركية بعد حربَيْ أفغانستان والعراق. ساعده الالتزام الإيراني القاطع بمنع إسقاط النظام السوري.
مع اندلاع الأحداث في أوكرانيا تبيَّن ان بوتين تخطى تسجيل الاعتراضات والمواقف والمشاكسات إلى إطلاق انقلاب على التوازنات التي قامت غداة تواري الاتحاد السوفياتي. بضلوعه الواضح في عملية تفكيك أوكرانيا، بعث بوتين برسالة صارمة الى الدول المجاورة لبلاده وهي رسالة صارمة أيضاً لأميركا وأوروبا وحلف «الناتو». انتقلت روسيا من الدفاع الى الهجوم. تحاول رسم مجال حيوي لن تسمح للدول الواقعة فيه بالتحول بيادق أطلسية أو منابر للترويج للثورات الملونة.
كانت القارة الأوروبية تعتقد بأنها ودَّعت هذا النوع من السياسات والممارسات. لعلها أساءت تقدير أن يكون الكرملين في عهدة كولونيل سابق في «كي جي بي» كان يرسل تقاريره بالحبر السرّي من قرب جدار برلين. عاودت رياح الحرب الباردة هبوبها، وها هم جنرالات الأطلسي يتولّون تحديث خطط قديمة، وها هي دول البلطيق تتحسس خرائطها وأقلياتها الروسية فيما تعاود بولندا البحث عن ضمانات ضد أشباح التاريخ.
الانقلاب الثاني يقوده المرشد الإيراني صاحب الكلمة الأخيرة بغض النظر عن قبضة أحمدي نجاد أو ابتسامة روحاني. المفاوضات النووية لم تلجم الاندفاعة الإيرانية في الإقليم، والدليل المجازفة الحوثية في اليمن. قد تكتفي إيران بامتلاك القدرة على صنع القنبلة في هذه المرحلة من دون انتاجها، لكن ذلك لا يلغي التغييرات الفعلية التي أجرتها في عدد من دول المنطقة. المسؤولون الإيرانيون أنفسهم يفاخرون بامتلاك التأثير الحاسم في أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. هذه التغييرات تشكّل انقلاباً صريحاً على التوازنات التي كانت قائمة في المنطقة قبل سقوط جدار صدام حسين.
الانقلاب الثالث يقوده «الخليفة» ابو بكر البغدادي، وهو انقلاب على التوازنات الإقليمية والقيم العالمية وعلى التعايش والحدود الدولية. عوامل عدة سهّلت للبغدادي إطلاق انقلابه. ويلات الحرب السورية. سياسات الثأر في بغداد. انتكاس العلاقات السنّية - الشيعية في الإقليم. الخوف من نجاحات البرنامج الإيراني.
أرغم انقلاب «داعش» إدارة اوباما على إعادة طائراتها ومستشاريها الى المنطقة التي حاولت الفرار من وحولها. لا خيار أمام أميركا غير إلحاق الهزيمة بـ «داعش». ثمة من يعتقد بأن اقتلاع «دولة» البغدادي سيؤدي الى ما يشبه اقتلاع نظام صدام. أي أن إحباط الانقلاب الثالث سيساهم في تعزيز موقع الانقلاب الثاني. وثمة من يرى أن الحسابات الروسية والإيرانية ليست متطابقة في سورية والمنطقة، وأن أي صفقة فعلية بين ورثة الخميني و «الشيطان الأكبر» ستشكل خسارة فعلية لروسيا.
لا يملك أوباما استراتيجية واضحة ومقنعة في التعامل مع الانقلابات الثلاثة. يراهن على إلحاق الهزيمة بـ «الخليفة» مهما تأخّر الوقت. يراهن على تسوية مع المرشد تاركاً للإيرانيين أنفسهم مهمة دفع الثورة الى التقاعد في ظل دولة طبيعية، وإن تأخّر الموعد. يراهن على ان تؤدي أوجاع الاقتصاد الروسي الى لجم الميول الانقلابية لقيصر لم ينسَ الانقلاب الأميركي الذي أطاح جدار برلين ودفع الاتحاد السوفياتي الى المتاحف.
انهالت الاتهامات من النظام السوري وحلفائه (إعلام حزب الله وإيران) على الأردن، في الأيام الماضية، بتهمة أنّه يحرّك الجبهة الجنوبية، ويقود عمليات المعارضة، من أجل السيطرة على كل درعا والوصول إلى تخوم دمشق.
وعلى الرغم من أنّ هذه الاتهامات غير صحيحة، كما يعرف النظام السوري، إلّا أنّها ليست مجّانية، ولها أهداف سياسية وإعلامية، في مقدّمتها التغطية على العملية العسكرية الكبرى، غير المسبوقة، التي يقودها حلفاء دمشق، بقيادة الجنرال الإيراني المعروف، قاسم سليماني، مع مليشيات تابعة لفيلق القدس (الحرس الثوري الإيراني)، ويشارك فيها حزب الله اللبناني مع أبرز قياداته العسكرية، لتغيير الواقع الحالي، بعدما أحرزت المعارضة السورية المسلّحة تقدماً عسكرياً ملحوظاً في القنيطرة وريف درعا.
الغاية من إقحام الأردن في الهجوم الإعلامي والسياسي وضع ضغوط شديدة، وقيود على الموقف الرسمي الأردني الرافض قيام محور النظام السوري بهجوم عنيف شامل على درعا، لما لذلك من آثار مباشرة وخطرة على الأمن الوطني الأردني الذي حافظ، خلال الأعوام الماضية، على "معادلة" عسكرية- أمنية مقبولة في جنوب سورية، عبر تهدئة تلك الجبهة، وبناء حالة من التوازن، بما يحدّ من آثار ذلك على الحدود الأردنية.
تتمثل خطورة ما يحدث، اليوم، على الأردن في جوانب استراتيجية مهمة، في مقدمتها القلق من أن يؤدي هجوم دموي كبير، كما يحدث حالياً في ريفي دمشق ودرعا، إلى الضغط على عشرات آلاف السوريين الصامدين إلى الهرب من نيران المعارك المحتدمة باتجاه الأردن، ما يعني ضغوطاً شديدة على الأمن والاقتصاد والوضع الديمغرافي- الاجتماعي.
من ناحية أخرى، إنّ انهيار قوات المعارضة أمام هذا الهجوم الشرس من عدة محاور سينقل المعارك إلى مقربة الحدود الأردنية، وسيؤدي إلى وصول إيران وحزب الله والمليشيات الشيعية الموالية لطهران إلى مناطق قريبة جداً، كانت، في الأعوام الماضية، ساكنة نسبياً، ما قد ينقل جزءاً أساسياً من الأزمة والمشكلات العسكرية والأمنية والسياسية إلى الحدود الأردنية مباشرةَ، وينهي نظرية "الوسادات" التي اعتمد عليها الأردن كـ"مصدّات" للأزمات في جنوب سورية وغرب العراق.
يعرف النظام السوري، تماماً، أنّ الأردن حافظ على حدوده الشمالية، وحرم المعارضة المسلّحة في حوران من السلاح النوعي، ولم يفتح الأبواب لجبهة قاتلة، كما حدث على الحدود التركية، لكن هذه المعادلة إذا ما تغيّرت، وأصرّ المحور الإيراني على البدء بـ"لعبة الموت" في جنوب سورية، فإنّه يمارس، بذلك، ضغوطاً شديدة على صانع القرار في عمّان، ليدافع عن الأمن الوطني، في مواجهة تداعيات ذلك، وهو ما كان الأردن قد حذّر حلفاء دمشق الروس منه قبل أشهر، بما في ذلك من تغيير جذري في قواعد اللعبة السياسية.
من الواضح أنّ القرار الأردني يتمثّل بعدم الانجرار لأي تورط في أي دور في ما يحدث في سورية، وليس من مصلحة الأردن، أمنياً واستراتيجياً، ذلك. وهذا الموقف لن يتغيّر، فمن المستبعد، على الرغم من قساوة الهجوم الحالي أن تكون هنالك تغييرات جذرية، إذ إنّ المعركة بالنسبة للمعارضة السورية وجودية، ربما تحدث تغييرات يريدها النظام السوري، سياسياً وعسكرياً، في مثلت ريف دمشق، ريف درعا والقنيطرة، لحماية دمشق وإضعاف الحاضنة الشعبية في ريفه، خصوصاً بعد الهجوم الصاروخي غير المسبوق لجيش الإسلام على العاصمة.
"تبدو النتيجة الموضوعية لضعف القوى المسلحة الحالية في الجنوب هي تحول ولاء فصائل وجزء من الحاضنة الاجتماعية نحو داعش"
إلّا أنّ الهاجس الرئيس الآخر يتمثّل، اليوم، في أنّ انهيار المعارضة المسلحة في جنوب سورية سيعزز من احتمال تمدد داعش إلى تلك المناطق، ونقل المعارك في شمال سورية وشرقها إلى الجنوب، بما يحمله ذلك من تغيير كامل على قواعد اللعبة، منذ بدء الصراع المسلح في سورية. وذلك، بالنسبة للأردن، خطّ أحمر غامق، في ظل الحرب الراهنة مع هذا التنظيم، تحديداً بعد استشهاد الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، وما تبعه من إعدام الأردن سجناء محكومين بالإعدام، محسوبين على التنظيم، وشنّ غارات جوية مكثّفة على معاقله، وزيادة جرعة الدور الأردني في التحالف الدولي، أمنياً وعسكرياً.
خلال الفترة الماضية، كانت درعا والمناطق الجنوبية بعيدة عن يد تنظيم داعش، لأسباب عديدة. لكن، مع تغيّر الاستراتيجيات الدولية والإقليمية، والمعاناة التي يجدها الجيش الحرّ والفصائل المسلّحة في تأمين السلاح والمال، نما حضور جبهة النصرة في الجنوب، وأصبح لها نفوذ كبير هناك، بل أصبح من أهم معاقلها الأساسية.
وعلى الرغم من العداء والخلافات بين النصرة والأردن، وخروج الجبهة عن الخطّ الذي رسمه الأردن لمعادلة الجنوب، إلّا أنّ مشكلتها مع الأردن لا تصل إلى العداء الذي وصلت إليه علاقة الأردن بداعش، فيما تبدو النتيجة الموضوعية لضعف القوى المسلحة الحالية في الجنوب هي تحول ولاء فصائل وجزء من الحاضنة الاجتماعية نحو داعش الذي يملك المال والخبرة المسلّحة، وأخذ يتمدد في المناطق السورية بسرعة كبيرة في الشهور الماضية.
خلاصة الأمر؛ لعبة الموت الحالية في الجنوب السوري لن تؤدي إلى حسم عسكري، كما يطمح محور النظام السوري، بل إلى انهيار القواعد التي حكمت تلك المعادلة سابقاً، والدخول في حالة من الفوضى الأمنية والعسكرية وتغيير السياسات والاستراتيجيات الإقليمية!
ليس هناك شخص عاقل واحد يعتقد أن من الممكن التوصل إلى حل سياسي مع بشار الأسد، ومن ورائه، مع خليفة قم علي خامنئي، تماماً كما لم يكن من الممكن لعاقل في عموم أوروبا أن يعتقد أن من الممكن التوصل إلى حل سياسي مع أدولف هتلر. وهذا ما أثبتته الأحداث على مدى السنوات الأربع الماضية. فالأسدية ليست بالأصل سياسة، إنها الحرب، ولم تعرف يوماً التعامل مع الشعب بغير العنف والإخضاع بالقوة والقهر. ومشروع النظام القائم على الانفراد بالسلطة والسيطرة من طغمة مافيوية فاشية، لا يقبل أي بديل عن لغة التصعيد الانتحاري، وشعارها: إما قاتل أو مقتول، ولا توسط بينهما. أما طهران التي تمسك، اليوم، بمصير هذه القيادة الانتحارية، فهي تعيش حالة من الجنون القومي المذهبي الذي يدفعها إلى الركض وراء سراب إعادة بناء الامبرطورية الفارسية على أسس دينية في المشرق العربي كله، كجزء من تحدي الغرب والتاريخ، وتنظر إلى سورية باعتبارها حجر الزاوية في مشروعها الإمبراطوري هذا، وتعرف أن التخلي عن السيطرة عليها، أو القبول بالمشاركة فيها مع قوى إقليمية أخرى، بل حتى مع الشعب السوري نفسه، يقوّض طموحها، وليس أمامها خيار سوى الاستمرار في التصعيد، مهما كانت الخسائر، إلى أن
تحقق أهدافها. تبدو قم، اليوم، مدانة بالدخول في المغامرة نفسها التي دفعت الحركة الصهيونية إلى ارتكاب جريمة الإبادة السياسية، قبل الجسدية، لشعب كامل: ترسيخ الاحتلال وإدامته لتغيير البنية السكانية، وتغيير البنية السكانية، على الأقل في المناطق الاستراتيجية، لترسيخ أقدام الاحتلال في سورية ولبنان بعد العراق. وهي تحلم أن تحقق ذلك من خلال التفاهم مع واشنطن، في سياق التوقيع على الملف النووي، والتغطية على مشروع احتلالها بفكرة المقاومة لإسرائيل، والتي تعني، في العمق، تقاسم النفوذ في المنطقة، بعد التوصل إلى تفاهم رسمي مع تل أبيب، يسمح بتقنين وجودها في سورية، تماماً كما حصل من قبل عند تقنين وجود نظام الأسد في لبنان، ثمن ضمانه أمن إسرائيل.
لهذا السبب، أخفقت كل مبادرات الحل السياسي، سواء التي بدأها أصدقاء النظام، منذ الأشهر الأولى من الثورة، القطريون والأتراك والسعوديون والأوروبيون وغيرهم، كما أخفقت مبادرة جامعة الدول العربية، ومن بعدها بعثة كوفي أنان لتطبيق بيان جنيف، ومهمة الأخضر الإبراهيمي التي انتهت مع فشل لقاء جنيف2 الذي لم يشهد أي نقاش سياسي، سوى الاتهامات بالتخوين والشتائم السوقية التي كالها وفد الأسد لوفد المعارضة. وقد اضطر المبعوثان الكبيران للاعتراف بفشلهما، ومسؤولية نظام الأسد عنه، وقدما استقالتهما.
أما المبادرات المتعددة التي يدور الحديث عنها، بعد فشل مؤتمر جنيف، فهي لا ترقى إلى مستوى المبادرات، ولا حتى الأفكار الواعدة. ومعظمها لا يهدف إلا إلى اللعب على المعارضة، السياسية والعسكرية، بهدف تأهيلها لتقديم التنازلات التي من "المحتمل" أن تساعد على تذليل العقبة الروسية، مع العلم أن روسيا، على الرغم من دورها العسكري المهم، ليست قادرة على فرض أي حل، لا على الأسد ولا على طهران. ولا يختلف الوضع عن ذلك في ما يتعلق بمبادرة مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان ديميستورا، التي تعترف سلفاً بالفشل، ولا تطمح، مع غياب أي أمل في حل سياسي أو عسكري، إلى أكثر من المساعدة على عقد هدن محلية، بهدف التخفيف من معاناة السكان، هنا وهناك.
السياسة ليست بديلاً للحرب
"تعيش طهران حالة من الجنون القومي المذهبي الذي يدفعها إلى الركض وراء سراب إعادة بناء الامبرطورية الفارسية على أسس دينية في المشرق العربي كله"
من هنا، لا يعني الاستمرار في تمسك الأمم المتحدة والدول الكبرى والعالم بالحل السياسي أن هناك اعتقاداً لدى أحد بوجود إمكانية للحل بالفعل، وإنما هو وسيلة للتهرب من الاستنتاج المنطقي لانعدام فرص هذا الحل، وما يمليه ذلك من واجبات والتزامات على الأمم المتحدة والدول التي يلزمها ميثاقها بعدم الوقوف مكتوفة الأيدي أمام حرب إبادةٍ، تقوم بها طغمة أصبحت أداة بيد دولة أجنبية، بعد أن اختطفت الدولة ومؤسساتها. بمعنى آخر، يستخدم اللعب بالحل السياسي لملء الفراغ الدبلوماسي، وتغذية الوهم بأن هناك تحركاً دولياً، وأن الشعب السوري ليس متروكاً وحده يذبح على مرأى العالم ومسامع الدول الكبرى، وهذه هي الحقيقة. كما تستخدم المبادرات أو المناورات الدبلوماسية للتغطية على الفشل الذريع للأمم المتحدة، وبان كي مون شخصياً، في اتخاذ إجراءات حاسمة، لوقف الحرب، أو التخفيف من معاناة السوريين. لكن وظيفتها الأهم والأخطر هي حرف نظر الرأي العام السوري والعربي والدولي عن الاستقالة الأخلاقية والسياسية للغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، تجاه الأزمة السورية. وقد استخدمت، خلال السنوات الأربع الماضية، لخداع المعارضة، وتبرير رفض واشنطن القيام بأي عمل جدي لإنقاذ الشعب السوري.
لن تكون هناك نهاية للحرب، مع استمرار الخيارات السياسية الراهنة للدول، وللولايات المتحدة بالذات. ولن يكون هناك أي حل سياسي، لا يكون مجرد استسلام للأسد وخامنئي، ما لم يتم تحطيم آلة الحرب المشتركة للقرداحة وطهران، والمكونة من بقايا الجيش السوري والمليشيات المذهبية المجيشة من عشرات الدول والبلدان. وكل تأخير في إنجاز هذا العمل لن يعني سوى السماح بمزيد من التصعيد في العنف والوحشية، ومن تفاقم الأزمة السورية ومعاناة السوريين، ومن مخاطر انتقالها إلى الدول المجاورة.
لا مهرب من تدخل عربي
إذا كانت الدول الغربية لا تشعر بالخطر القريب من جراء استمرار القتل والدمار في سورية، ولا تعاني من غياب الحل السياسي وانعدام إمكانية الحسم العسكري معا، فذلك لا يمكن أن ينطبق على البلاد العربية، ولا على تركيا التي تعيش في قلب العاصفة، سواء بسبب ما يتعرض له أمن هذه الدول، القومي والأهلي، من تهديدات خطيرة بانهيار الدولة السورية، والإمساك بها من طهران وقوات الحرس الثوري، واستخدامها منصة للعدوان على جاراتها والضغط عليها، أو بسبب إسقاطات الأزمة السورية، السياسية والإنسانية عليها. ولا ينبغي للدول العربية، وليس من مصلحتها، أن تقف مكتوفة الأيدي، أو تنتظر حتى يكتمل انتشار سرطان العنف والفاشية في جسدها. عليها أن تتحرك، وتجبر الأمم المتحدة، وبقية دول العالم، على السير وراءها، للدفاع عن مصالحها القومية ومصالح شعوبها.
فسورية ليست جزءاً من الوطن العربي فحسب، لكنها مركز توازن المشرق بأكمله. والسيطرة عليها ستحدد مصير المنطقة ومآلات السيطرة الإقليمية. الاستمرار في تجاهل ما يجري فيها يعني، ببساطة، تقديم سورية لقمة سائغة لطهران، والتخلي عنها لصالح سيطرة المليشيات المذهبية المتطرفة من كل دين، أي القبول بالاستسلام الكامل أمام التوسعية القومية المذهبية الإيرانية والاعتراف بالهزيمة من دون حرب، وتكريس شلل المجموعة العربية وانقسامها، وتشجيع خصوم الدول العربية جميعا على التحرش بها، والاعتداء عليها، بما في ذلك مليشيات المرتزقة والمجموعات الإرهابية، وفي النهاية، خسارة كل الجهود التي بذلتها بلدان المنطقة، للحفاظ على الاستقرار والسلام والأمن الإقليمي.
كان على الدول العربية، ولا يزال، أن تعتبر قضية الحرب الدموية في سورية قضية عربية أولاً، وتدعم مبادرتها السياسية، التي تبنتها الأمم المتحدة، وتحولت إلى مبادرة أممية فاشلة، بسبب غياب آليات العمل وأدوات التنفيذ، بمبادرة عسكرية تفرض على الأطراف السورية الإذعان لمبادئها وشروطها، وتضع حداً لسفك الدماء وتمزيق البلاد وتسابق المجموعات الإرهابية والميليشيات المذهبية على السيطرة على أراضيها، وإقامة إمارات خاصة فيها.
"يستخدم اللعب بالحل السياسي لملء الفراغ الدبلوماسي، وتغذية الوهم بأن هناك تحركاً دولياً، وأن الشعب السوري ليس متروكاً وحده يذبح على مرأى العالم ومسامع الدول الكبرى"
فأمن سورية جزء أساسي من أمن المشرق العربي، وهذه حقيقة وليست على سبيل المبالغة. وسوف يتأكد ذلك أكثر مع الزمن، بعد أن تظهر الانعكاسات الخطيرة لأزمتها على الدول والمجتمعات العربية القريبة والبعيدة، بل على العالم أجمع. وتكفي الإشارة، منذ الآن، إلى الخلل الاستراتيجي الذي أدت إليه بتمكينها طهران وحلفاءها من تطويق الجزيرة العربية، وتهميش مصر وشمال أفريقيا وإخراجهما من المنطقة، وإطلاق شياطين الحرب المذهبية والطائفية الإقليمية التي تهدد الجميع، وتفكيك نسيج المجتمع السوري، ودفع الملايين من أبنائه إلى اللجوء والتشرد والضياع، وما يعني ذلك من كارثة إنسانية للسوريين ولعموم المنطقة، من دون الحديث عما أصبحت الأرض السورية تمثله من مرتع لبؤر التطرف الديني وغير الديني، ومن قطب جذب لجميع العصابات الدموية إلى المنطقة.
والحال أن الدول العربية استهانت بالصراع السوري، ورمت مسؤولية حله على الأمم المتحدة مع علمها بأن مجلس الأمن معطل، ولن يكون هناك أي تدخل دولي. واستمرت في سياسة النعامة، خلال سنوات أربع طويلة، من دون أي رد فعل، واكتفت بتقديم فتات الدعم المادي والعسكري والسياسي لقوى مدنية، تسلحت على عجل، ولم تعرف حتى كيف تساعدها على ضبط تنظيمها وتدريبها وتأهيلها، واستهانت بإرادة الهيمنة الإيرانية، وتركتها تحقق أهدافها من دون أي رد فعل. فأعلنت طهران سيطرتها على باب المندب، وإلحاق اليمن صراحة بمشروعها الإقليمي، وإرادتها في تطوير هذا المشروع، في اتجاه دول الخليج في المستقبل. وبهذا تكون الدول العربية قد فتحت أبوابها لكل المخاطر والتهديدات.
ما كان يتوجب على العالم العربي أن يفعله لا يزال يحتاج إلى أن يُفعل. والتأخر في إنجازه لن يحل الأزمة، لكنه سوف يزيد من تكاليف مواجهتها ومخاطرها الإنسانية والسياسية والعسكرية، بصورة يمكن أن تصبح غير قابلة للاحتمال، بمقدار ما سوف يدفع إلى تفاقمها، ويوسع من دائرة انتشارها وتهديداتها. ما كان على أوروبا أن تفعله لمواجهة النازية الهتلرية هو تماما ما ينبغي على البلاد العربية وتركيا أن تفعلانه، بدعم من الأمم المتحدة والتحالف الدولي، أم بدونهما. وهذا هو الوقت، وليس بعد أن توقع واشنطن وطهران مذكرات التفاهم وحل موضوع الملف النووي الإيراني.
يبدو المبعوث الدولي للأزمة السورية ستيفان دي ميستورا منهمكا في جولات لا تنتهي بين عواصم العالم والدول الإقليمية، فضلا عن جولاته بين النظام والمعارضة، وذلك في محاولة تبدو الأخيرة لإنقاذ خطة “تجميد القتال” في مدينة حلب.
مرت أشهر عديدة على طرح دي ميستورا لخطته، مستفيدا من لحظة شهدت نمو خطر تنظيم الدولة الإسلامية، آملا في أن يدفع هذا الخطر طرفي الصراع الرئيسيين، النظام والمعارضة، إلى قبول خطته والتفرّغ لمواجهة داعش. وكانت رغبة دي ميستورا في تحويل المعارك بين مختلف الأطراف إلى مواجهة شبه وحيدة مع داعش مدفوعة، أيضا، بتشكل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وما أعلنه ذلك التحالف من هدف رئيسي وواضح، وهو القضاء على التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق.
هكذا كانت أميركا آخر محطات المبعوث الدولي في محاولة لإقناعها بأن تأخذ خطته على محمل الجد. فالإدارة الأميركية ورغم أنهـا أعلنت موافقتها المبـدئية على أي جهود للتهدئة ومن ضمنها خطة “تجميد” القتال، لم تول تلك الخطة أي أهمية تذكر، إذ تتركز جهودها على العراق بشكل مكثـف، وقد بات لها تواجد عسكري واسع ومتزايد هناك.
أما الساحة السورية فتكتفي فيها الولايات المتحدة بضربات جوية لزيادة الضغط على تنظيم الدولة الإسلامية في معاقله ومنع محاولات إسناده لمقاتليه في العراق. كما تركزت معظم الغارات الجوية لقوات التحالف على جبهات قتال الأكراد مع داعش خصوصا بعد نجاح تجربة الدعم الجوي المساند للقوات الكردية في بلدة “كوباني”، ودحر داعش منها ومن عشرات القرى المحيطة. بكلمات أخرى، تتركز الجهود الأميركية في سوريا على داعش بصورة خاصة ومباشرة، ولا تولي اهتماما يذكر، حتى الآن، لما يجري في مناطق أخرى حيث تشتد المعارك بين النظام والمعارضة، وحيث يحاول دي ميستورا التوصل إلى تهدئة جزئية فيها.
وفي محاولة لتنشيط الاهتمام الدولي بخطته، يحمل دي ميستورا في جعبته وعدا قطعه عليه الرئيس السوري بشار الأسد خلال لقائهما الأخير قبل أيام في العاصمة دمشق، حيث أبدى الأسد استعداده لوقف كل عمليات القصف الجوي والمدفعي لمدة ستة أسابيع في كل أنحاء مدينة حلب. إنه جديد المبعوث الدولي إذن وبعد أشهر من العمل على خطته. غير أن هذا الجديد يعاني، كما كل خطته، من نقص فادح في التفاصيل، ومن ضبابية تجعل من تطبيق الخطة إمكانية شبه مستحيلة.
في الحقيقة، لم يبذل دي ميستـورا جهودا كبيرة لحل التفاصيل المعقـّدة، بل كان يقلص من نطاق خطته باستمرار في محـاولة لتجـاهل تلك التفاصيل كنعامـة تدفن رأسها بالـرمـال. ففي حين كـانت الخطـة تستهدف كل محافظة حلب وريفها، باتت، في طبعتها الأخيرة، تقتصر على ذلـك الجزء الذي تسيطر عليه المعارضة في مدينة حلب.
ويأتي ذلك في ظل اشتعال مختلف جبهات محافظة حلب، إذ شنت قوات النظام مدعومة بمشاركة كبيرة من حزب الله هجوما واسعا ومباغتا على مختلف مناطق ريف حلب الشمالي، واستطاعت التقدم قبل أن تعيدها قوات المعارضة إلى مواقعها السابقة. هكذا يبدو واضحا أن خطة “تجميـد القتال” تعمل على “إذكاء القتال” وتوسع المعارك في حلـب، في محاولة مـن قبل النظام للتقدم بشكل يكبّد المعارضة خسائر فادحـة تجعلها ترفـض تطبيق الخطة.
كما يؤشر ذلك إلى الضعف الرئيسي في خطة دي ميستورا، وهو عدم وجود إعلان عن نوايا من الطرفين، وخصوصا من قبل النظام السوري، في الرغبة بالتوصل إلى حل سياسي شامل وذلك عبر تهدئة مختلف الجبهات والدخول في مرحلة انتقالية سياسية تمهّد لإجراء انتخابات، إذ يبدو واضحا أن نظام الأسد لا يزال بعيدا عن تلك القناعة.
إن المشاركة المباشرة لإيران، كما أقر النظام السوري أخيرا، في قيادة العمليات العسكرية في جنـوب سوريا وفي تعزيز قوات النظام بالحرس الثوري الإيراني وبأدواتها الطائفية في المنطقة المتمثلة بحزب الله والميليشيات العراقية، تشير إلى أن النظام وحلفاءه يعقدون رهاناتهم الحقيقية على الحل العسكري، مع إدراكهم بأن أي حل سياسي سيشكل نوعا من الخسارة لهم، وسيعطي الشرعية لمعارضة سورية ضعيفة ومهتزة تعمل كل ما في وسعها منذ أربع سنوات لاكتسابها من دون جدوى.
هكذا يتوه دي ميستورا حاملا خطته بين دهاليز القوى المحلية والإقليمية والدولية، خصوصا بعد تصاعد حدة تدويل الصراع السوري، والانخراط المباشر من قبل إيران وحزب الله في الحرب من جهة، وأميركا من جهة أخرى. ففي الوقت الذي يحطّ فيه المبعوث الدولي في الولايات المتحدة، تعلن هذه الأخيرة عن اتفاق مع تركيا لتدريب وتسليح المعارضة السورية.
هكذا يكتمل المشهد، فباستثناء السوريين المنهكين، وعدد من فصائل المعارضة التي لم تعد اللاعب الأقوى على الساحة السورية، لا يوجد من يراهن، فعلا، على حل سياسي للأزمة السورية ضمن الظروف والمعطيات الحالية.
ندخل عام جديد في العمل الإعلامي الذي بدأناه بخطوات متئدة ، متسارعة ، تنتقل على الدماء ، تبحث عن الحقيقة لنقلها و عكس الصورة المؤلمة التي ألَّمت و تلم بشعبنا السوري الأبي .
الشعب الذي انتفض ضد ظلم واستبداد لا يمكن أن نشبّهه بأي شيء مر أو يمكن أن يمر على البشرية جمعاء.
طوينا الأيام و حشيناها آلام ، فقدنا أخوة و أحبة و استمرينا ، حاصرتنا الأزمات و استمرينا ، خَنقنا النقص تعالينا و استمرينا ، و حُربنا بأهالينا تجاوزنا و استمرينا ، نالت منا سهامٌ كثير فدسنا على الجرح و استمرينا.
فالقضية ليس وجع شخص أو مجموعة خسرت الكثير فالقضية قضية شعب يرزخ تحت نير الموت المحيط به من كل جانب، فلا وقت للتوقف أو الاستراحة ، فالأمر أمر شعب يستحق أن نعمل أكثر مما طاقتنا .
لا توجه و لا توجيه، لا إيدلوجية و لا سياسة مرسومة، فالبوصلة واضحة وضوح الشمس ، البوصلة هي الثورة بكل ما فيها بحلوها ، بمرها و بانتصاراتها ، انكساراتها ، ببراءة أطفالها ، بنضوج شبّانها ، بعزة رجالها ، وشرف حرائرها ، إنها ثورة البشرية و ثورة أمة و ثورة الحرية.
أخطأنا و أصبنا ، لكن لم نته .. تعبنا و استُنزفنا لكن لم ننكسر .. مقياسنا واحد و توجهنا واحد ..
"الدمعة" محركنا... دمعة على عجز و قهر لحِق بالشعب والوطن .. و دمعة من انتصار بتحرير أرض ..
أكدت الولايات المتحدة مرة أخرى أنها بصدد تقديم التدريب والتسليح للمعارضة السورية، وأهم حدث كان قرار الرئيس الأميركي، باراك أوباما، منح الحكومة الأميركية سماحاً بتدريب أعداد أكبر من مقاتلي المعارضة، وتخطّي عقبات علاقاتهم السابقة.
وجاء القرار بعد توقيع اتفاق تدريب بين أنقرة وواشنطن على استعمال إحدى الثكنات العسكرية التركية لهذا الغرض، ليؤكد أن الأميركيين جادون في مسعاهم.
"عليه أن يرحل"
وخلال الأيام الأخيرة، أرسلت الولايات المتحدة إشارات مختلفة حول حقيقة موقفها من النظام السوري، وفهم الكثيرون من أن تدريب عناصر المعارضة السورية سيكون موجّهاً لمواجهة داعش وليس لمواجهة النظام السوري، وهذا أقلّه ما أكده الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية، الأدميرال جون كيربي، خلال أحد المؤتمرات الصحافية.
مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لدى التحدث إلى "العربية.نت" رداً على سؤال حول أن الولايات المتحدة تتجه نحو القبول بنظام بشار الأسد، قال "دعني أكن واضحاً، الأسد فقد شرعيته وعليه أن يرحل، ولن تكون هناك سوريا مستقرة وتشمل كل مكوناتها في ظل بشار الأسد"، واعتبر المسؤول الأميركي أن نظام الأسد "ما دام يختار إرهاب مواطنيه بدلاً من التحدث إليهم عن حل سياسي، فهو يتسبب في نمو التطرف".
خلال عام
ويبدو أن التذبذب في الموقف الأميركي من الموضوع السوري يعود إلى سلسلة الأولويات، فقد أكد أكثر من مصدر لـ"العربية.نت"، أن الحملة العامة ضد تنظيم داعش هي حملة ناجحة، كما قال متحدث باسم القيادة المركزية خلال إيجاز صحافي، يوم الخميس، إن العملية تسير بشكل أفضل مما هو مرسوم.
لكن من الواضح أن الأميركيين يعطون الأولوية لـ"شمال العراق" ويريد الأميركيون تحقيق انتصار في الموصل، وأشار أحد القريبين من إدارة باراك أوباما إلى أن هناك تفاهماً بين الأميركيين والحلفاء العرب حول هذه الأولوية، ويعود هذا التفاهم إلى بداية الحملة الجوية وتشكيل التحالف.
وأشار أيضاً إلى أن تأخر تسليح المعارضة وتقدّم قوات النظام في بعض الجبهات، أعطى الانطباع كأن النظام يحقق انتصارات، "لكن هذه الانتصارات ستكون قصيرة المدى ومحدودة".
ويرسم الأميركيون خطة تدريب المعارضة السورية، بحسب مصادر "العربية.نت"، ويقولون إن تشكيل نواة جيّدة للمعارضة السورية المعتدلة سيستغرق عاماً أو أقل، على أن تصبح هذه القوة جاهزة لاحتلال مناطق تخليها داعش، وتمنع قوات النظام السورية وأعوانه من احتلال هذه المناطق.
هذه الخطة الأولية تتناسق أيضاً مع استمرار الحملة الجوية على تنظيم داعش في سوريا، فمع بداية العام المقبل تكون الضربات الجوية قد تمكّنت من تصفية آلاف من عناصر التنظيم، وتسببت بتدمير هيكليته وضرب قدرته على السيطرة، ومع قطع طرق الإمداد البشري له عبر الحدود التركية ومنعه من تمويل سيطرته على هذه المدن يكون قد أصبح أشلاء.
"بدون الأسد وبدون داعش"
وكان من الملاحظ جداً أن وزير الدفاع الأميركي الجديد، أشتون كارتر، وخلال جلسات الاستماع إليه في لجنة القوات المسلحة، أشار إلى ضرورة أن "يُهزم تنظيم داعش ويبقى مهزوماً"، وأضاف "أن ذلك سيتطلب الجمع بين قوات المعارضة المعتدلة وقوات إقليمية".
وأشارت شخصيات قريبة من إدارة أوباما إلى أن مسألة تدخّل قوات إقليمية مثل القوات التركية في الشمال ربما تكون طرحت في وقت ما، لكن المطلوب بالفعل هو أن تأخذ الحكومة التركية إجراءات حازمة ونهائية على الحدود المشتركة مع سوريا، لمنع تسرّب المتطوعين الجدد. وحذّرت هذه الشخصيات من أن المشكلة مع الحكومة التركية الحالية هو أنها تقول شيئاً وتفعل أشياء أخرى، لكن تصرفاتها على الحدود ستكون حاسمة.
وستكون الأشهر المقبلة وقتاً حاسماً لمستقبل سوريا، فتنظيم داعش لن يقوى على البقاء في مواجهة تحالف إقليمي ودولي تتزعمه وتنسقه الولايات المتحدة، وسيكون السؤال الحاسم هو من سيملأ الفراغ.
النظام السوري يريد إعادة تأهيل نفسه، والأميركيون يقولون إنهم سيدعمون المعارضة، و"نظام الأسد يجب أن يتحمّل مسؤولية قمعه وعنفه ضد الشعب السوري"، بحسب مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، الذي شدد على "أن هدفنا هو مساعدة الشعب السوري للوصول إلى مرحلة انتقالية يتمّ التفاوض عليها، وتلبّي طموحات السوريين للحرية والكرامة"، وأضاف المسؤول الأميركي لـ"العربية.نت": "وهذا يعني مستقبلا بدون الأسد وبدون داعش".
نفذت تركيا عملية عسكرية/استخباراتية لافتة أمس، إذ قام فريق يضم عناصر من القوات الخاصة، وجهاز الاستخبارات، بعملية انطلقت حوالي الساعة 23، واستغرقت 9 ساعات، ونقل من خلالها رفات "سليمان شاه" من ضريحه إلى تركيا، على أن يدفن في مكان أكثر أمنا ضمن سوريا مجددا.
اليوم ستتضح تفاصيل العملية، وستدور نقاشات واسعة حول الأسباب، والهواجس الكامنة وراء العملية، وما الذي دفع أنقرة للشعور بالحاجة إلى القيام بها، وحول الاحتمالات المتوقعة أو التي لم نستطع توقعها.
استهداف ضريح سليمان شاه: هناك شركاء لهم في الداخل
عملت بعض الأوساط داخل تركيا لا سيما في حزب الشعب الجمهوري، مؤخرًا، على الترويج لشائعات تقول إن ضريح "سليمان شاه" سيتعرض لهجوم، سيما أن الضريح يحمل أهمية خاصة لتركيا.
لقد كانت تحاك مكيدة، وبعض الأوساط على دراية بذلك، وربما كان هناك تعاون، فبعض الجهات من داخل وخارج تركيا، كانت تستعد لتنفيذ خطة عبر تنظيم داعش، أو الإيهام بأن التنظيم قام بذلك.
وفي هذا الإطار كانوا يخططون لاستغلال قضية الضريح من أجل إثارة الرأي العام التركي، قبيل الانتخابات العامة المرتقبة، أكثر من لفت الأنظار إلى التهديد الذي يشكله داعش.
لقد وصلت الادعاءات التي يروج لها حزب الشعب الجمهوري، وبعض الأوساط في الداخل، إلى حد إزعاج الشارع التركي، وجاءت العملية عقب الشائعات القائلة بأن داعش سيهاجم الضريح، وأن تركيا باتت عاجزة عن تبديل عساكرها المكلفين بحماية الضريح.
إن المنطقة بأسرها تشهد تغيرات خطيرة بارزة، كنت لفتُّ الانتباه إليها في مقالاتي الأخيرة، هناك مخطط يجري تنفيذه عبر داعش ومنظمات أخرى، لا يقتصر على العراق، وسوريا، بل يشمل المنطقة الممتدة حتى ليبيا، وهذا المخطط قد يفضي إلى هزات في القريب العاجل، لأن هناك سيناريو يستهدف إيقاع الدول في الفخ، عبر استغلال منظمات، وهذا السيناريو لا يعد علامة خير على الإطلاق.
مساعٍ لإيقاع تركيا في الفخ
هناك احتمال آخر في هذا الإطار، يتمثل في الاحتمال المتزايد للقيام بعملية واسعة ضد داعش الذي أخذ يطال تأثيره الأردن، ومصر، وليبيا، ويكتسب بعدًا إقليميًا، وفي مثل هذه الحالة فإن أول اعتداء لداعش ضد تركيا، التي من الوراد مشاركتها في التحالف، كان سيطال ضريح "سليمان شاه"، ما يعني التضحية بجنودنا الموجودين هناك.
كما أن بعض المصادر تتحدث منذ فترة عن استعداد التنظيم لشن هجمات داخل تركيا، ومن المحتمل جدًا توجيه هذا التنظيم المخترق من قبل الاستخبارات الأجنبية، ضد تركيا.
إن احتمالات الاعتداء على الضريح، وتنفيذ هجمات داخل تركيا، ربما دفع أنقرة للقيام بالعملية، والشيء الملفت للنظر أكثر، أن العملية جرت بالتعاون مع الأكراد، ورغم الأهمية الكبيرة لهذا التعاون في العملية الأخيرة، فإن داعش قد يستخدم ذلك التعاون كذريعة لاستهداف تركيا.
زج تركيا في حرب مع داعش
في الثامن عشر من الشهر الجاري كتبت مقالًا بعنوان "داعش ربما يهاجم تركيا"، وسلطت الضوء على الخطر، وفق نظريتي، فإن الهدف الأول لداعش كان الشيعة، لقد تحرك عناصر التنظيم ضد التأثير الإيراني في سوريا، والعراق، عبر استخدام المذهب السني، وفجأة تغيرت الاستراتيجية، وجرى توجيه التنظيم ضد الأكراد السنة، هذا كان أمرًا محيرًا، وحتى الآن لم أصادف تفسيرًا سليمًا له.
وعقب ذلك تم توجيه التنظيم لحرق الطيار الأردني بصورة وحشية، لتحريض الأردن، الذي أعلن الحرب على داعش، إلا أنه أُوقع في الفخ، وإثر ذلك مباشرة، بث التنظيم مشاهد تصفية 21 مصريًا قبطيًا على يد مقاتليه، وردت الطائرات المصرية الحربية، بمهاجمة بعض المواقع في ليبيا، وانجرت القاهرة إلى الصراع مع داعش، وكانت مصر في الحقيقة، جزءًا من السيناريو الرامي لخلق عدم الاستقرار في الدول عبر استغلال التنظيمات.
تلك الأوساط هي من نصب الفخ وليس داعش
كان من الوارد تحديد تركيا كهدف جديد للتنظيم، مثلما جرى توجيهه للحرب مع الأكراد فجأة، إن عملية ليلة أمس، كانت لإحباط هذه المخططات كافة، وإخراج ضريح "سليمان شاه" من دائرة الخطر، وإفشال الفخ المنصوب لتركيا.
لقد أحبطت تركيا مؤامرة كبيرة، ليست لتنظيم داعش، إنما مؤامرة أجهزة المخابرات الأجنبية المخترقة للتنظيم، الساعية لضرب الضريح عبر التنظيم، وجر تركيا إلى مصيبة كبيرة.
فجأة تذكّر حلف "المقاومة"، وذراعه السورية، أن إسرائيل تريد صناعة شريط حدودي وجيش مناصر لها في حوران والقنيطرة، يشبه جيش أنطوان لحد الذي أسّسته إسرائيل في قرى جنوب لبنان. على ذلك، فإن المعركة هي ضد العدو وأدواته، وهي جزء من عمل المقاومة ووظيفتها، وبذلك ضمن الحلف العدة التبريرية للهجوم الذي يرتّب له منذ مدّة، وتكفّل إعلامه بصناعة سياق متكامل، ورواية لها حيثيات وأسماء وأهداف، وصنَع أحداثاً وهميّة، وخلّق تقاطعات وقواسم مشتركة بين الثوار في جنوب سورية وإسرائيل، بأسلوب مخابراتي، جمع بين معطيات مخابراتية مصنّعة وصياغة إعلامية إنشائية، تستأنس بنظرية المؤامرة وخرافة المقاومة.
وفي الواقع، تمثل معركة الجنوب انعكاساً لتطورات سورية وإقليمية، وتقديرات إيرانية بخصوصها. لذا، يرى صانع القرار الإيراني ضرورة تعديلها بما يتناسب ورؤيته دوره ومصالحه، عبر إيجاد تموضع جديد له، في سياق الحدث، وخصوصاً بعد أن تكشف أن المعركة جاءت بطلب من قاسم سليماني، كما يوضّح إعلان طهران عن مشاركتها مباشرة مدى رغبتها في توظيف المعركة سياسياً.
يقع الاستنفار الأردني في الحرب على داعش، والحديث عن حرب برية قد تقودها الأردن، في صلب تلك التطورات الإقليميّة والقراءة الإيرانية لها، وإذ يجري الحديث عن تشكيل قيادة تضم العشائر العربية السنيّة بين الموصل والرقة لمحاربة داعش، ما يعني بالنسبة لإيران تأسيس بنية عربية مقاومة لوجودها، وجداراً يقطع الانسياب والتواصل داخل إقليم الممانعة. لذلك، تسارع إلى وضع الأردن أمام خيارات جديدة، ودفعه إلى إعادة حساباته، والرجوع عن حالة الهجوم إلى حالة الدفاع.
وعلى مدار الأيام السابقة، شنّت أذرع إيران هجوماً سياسياً وإعلامياً قاسياً ضد الأردن ودوره ومواقفه، وذهبت إلى أبعد من ذلك، عبر تهديده، تلميحاً وصراحة. ولدى تفحص الأمر، يتضح وجود مخاوف إيرانية من إمكانية قيادة الأردن ودول الخليج عملاً عسكرياً قد لا يتوقف عند حدود محاربة داعش في شرق سورية، بل يتعداه إلى جنوبها، ويأتي ذلك بالتزامن مع تقدير القيادة الإيرانية وجود أجندة متكتّمة، لا تعرف عنها شيئاً، تجري في الكواليس الدولية، وخصوصاً أن هذا الأمر يتزامن مع بدء الحديث عن توجه أوباما إلى طلب موافقة من الكونغرس على شن معارك برية، غير محددة، وبالتزامن مع الخطة التي قدّمها جيمس بيكر، وزير الخارجية الأميركي الأسبق، القاضية بتفويض تركيا بالتدخّل البرّي في سورية، وتقدير إيران أن ثمة ترتيبات مقبلة على الأرض ستظهر قريباً، وخصوصاً في ما يتعلّق بذراعها السورية. وبالنسبة لطهران، فإنّ الجزء الواضح لها من تلك الترتيبات هو ما يتعلق بصناعة بنى بديلة لنظام الأسد.
وتدرك إيران أن جبهة الجنوب مرشحة لإسقاط نظام الأسد، والأهم أنها باتت تملك ليس فقط ذراعاً عسكرية قوية، وإنما رؤية عسكرية وسياسية وإعلامية، وخريطة طريق لما بعد سقوط النظام، وهو ما ورد في إعلان تأسيس"الجيش الأول" منذ أيام، وما ظهر من سلوكه حاضنة للقوى الثورية المعتدلة في جنوب سورية، وهو المكون الذي تستهدفه إيران وحزب الله في حربها اليوم، وثمّة سبب تكتيكي آخر يشكل حافزاً للهجوم الإيراني على جنوب سورية، يتمثل بمحاولة إيران منع تحول الجنوب إلى سياق مشابه لسياق كوباني، وخروج الأكراد من سيطرة إيران وحلفائها في دمشق والعراق، وتحوّلهم إلى حالة خاصّة منفصلة بعلاقاتها مع الخارج ونوعية الدعم الذي تحصل عليه، وحقّها في الحماية الدولية.
على ذلك، ثمّة رسالة إيرانية يهم طهران وصولها إلى العالم، على وقع هجومها على جنوب سورية، وهي أنّها وأذرعها الجهة الوحيدة التي يمكن لأميركا الاعتماد عليها في المنطقة، ويعود لها تقرير مصائر المسارات، فلا جيش العشائر في العراق سينجح بوجود قاسم سليماني والحشد الشعبي، ولا قوات المعارضة الجنوبية بوجود حزب الله. وحتى لو تم الاتفاق على عزل الاسد، فإنّ التطورات قد تجاوزت مثل هذا الأمر، وأنّ طهران صار لها وضع مقرّر في سورية، بالأسد أو من دونه. وبالتالي، يجب أن تكون البدائل إيرانية، ما يجعل هدف العملية الأساسي في جنوب سورية تحطيم البنى التي قد تشكل بدائل، أو نويات جيوش سنّية موازية للجيوش الشيعية في المنطقة، وعزل أي تأثير ممكن لقوى عربية في المنطقة، ولعل تصريحات الرئيس الإيراني، حسن روحاني، تشكل ترجمة حقيقة لهذا الواقع، حين أكد أن إيران فقط هي الطرف الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه، لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
"إلى أي درجة تضمن إيران عدم وجود رد أميركي عليها"
تذهب التقديرات الإيرانية إلى أن الأردن بات يشكّل ملتقى لجميع الاحتمالات السلبية ضدها، وأن هناك دفعاً خليجياً وقبولاً أميركياً بهذا الاتجاه. لذا، يقوم التكتيك الإيراني، على عكس هذه التطورات، على الوضع الأردني، سواء لجهة دفع عناصر جبهة النصرة للالتجاء إلى الداخل الأردني، أو وصول الضغط الإيراني إلى حدود الأردن، ما يدفع عمّان إلى الانشغال بمشكلاتها الأمنية، والانكفاء تالياً عن قيادة أي دور، من شأنه تغيير ديناميكيات الحدث السوري.
لكن السؤال إلى أي درجة تضمن إيران عدم وجود رد أميركي عليها، وهي تخرق قواعد اللعبة في جنوب سورية، بتهديدها أمن حلفاء واشنطن، وما هي ضماناتها بعدم حصول اشتباك إقليمي، نتيجة اقترابها من منطقة تمثل الحرم الأمني لإسرائيل؟ أم أن طهران تخوض مغامرة غير محسوبة النتائج، مدفوعة بتقديرات عن اقتراب سقوط هيكل ذراعها السورية. وبالتالي، هي تحاول استباق الأمر، لتثبيت ما ترى أنها مصالح حيوية لها، وإبعاد أي دور أردني محتمل، على اعتبار أنّ الأردن أكثر طرف تأهيلاً لقيادة التطورات في المنطقة؟